شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وخمسين وثلاثمائة
فيها أقامت الرافضة المأتم على الحسين، على العادة المارّة في هذه السنوات.
وفيها مات السلطان معز الدولة، أحمد بن بويه الدّيلمي، وكان في صباه يحتطب، وأبوه يصيد السمك، فما زال إلى أن ملك بغداد، نيّفا وعشرين سنة، ومات بالإسهال [1] عن ثلاث وخمسين سنة، وكان من ملوك الجور والرّفض، ولكنه كان حازما سايسا مهيبا، قيل: إنه رجع في مرضه عن الرفض، وندم على الظلم، وقيل: إن سابور ذا الأكتاف، أحد ملوك الفرس من أجداده، وكان أقطع، طارت يده اليسرى [2] في بعض الحروب، وتملّك بعده ابنه عزّ الدولة بختيار.
وفيها أبو محمد المغفّلي [3] أحمد بن عبد الله بن محمد المزني الهروي، أحد الأئمة.
قال الحاكم: كان إمام أهل خراسان بلا مدافعة. سمع أحمد بن نجدة، وإبراهيم بن أبي طالب، ومطيّنا وطبقتهم، وكان فوق الوزراء، وكانوا يصدرون عن رأيه.
وفيها القالي أبو علي، إسماعيل بن القاسم البغدادي اللغوي النحوي
__________
[1] في المطبوع: «بالإسمال» وهو خطأ، وانظر «العبر» (2/ 309) .
[2] لفظة «اليسرى» لم ترد في «العبر» .
[3] تحرّفت نسبته في «العبر» إلى «المعقلي» فتصحح فيه.

(4/290)


الأخباري، صاحب التصانيف، ونزيل الأندلس بقرطبة، في ربيع الآخر، وله ست وسبعون سنة. أخذ الآداب عن ابن دريد، وابن الأنباري، وسمع من أبي يعلى الموصلي، والبغوي، وطبقتهما، وألّف كتاب «البارع» في اللغة، في خمسة آلاف ورقة، لكن لم يتمّه. قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن خلّكان [2] : طاف البلاد، وسافر إلى بغداد، وأقام بالموصل لسماع الحديث من أبي يعلى الموصلي، ودخل بغداد في سنة خمس وثلاثمائة، وأقام بها إلى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وكتب بها الحديث، ثم خرج من بغداد قاصدا الأندلس.
ودخل قرطبة سابع عشري شعبان، سنة ثلاثين وثلاثمائة، واستوطنها وأملى كتابه «الأمالي» بها وأكثر كتبه بها وضعها، ولم يزل بها إلى أن مات في شهر ربيع الآخر، وقيل: جمادى الأولى، ليلة السبت، لست خلون من الشهر، ومولده بمنازجرد من ديار بكر.
والقالي: نسبة إلى قالي قلا [3] ، من ديار بكر. انتهى. ملخصا.
وفيها الرّفاء، أبو حامد بن محمد الهروي، الواعظ المحدّث، بهراة في رمضان. روى عن عثمان الدارمي، والكديمي، وطبقتهما، وكان ثقة صاحب حديث.
وفيها الرّافقي [4] أبو الفضل العبّاس بن محمد بن نصر بن السّريّ.
روى عن هلال بن العلاء وجماعة، وتوفي بمصر.
قال يحيى بن علي الطّحان: تكلموا فيه.
__________
[1] (2/ 310) .
[2] في «وفيات الأعيان» (1/ 226- 227) وقد نقل المؤلف عنه بتصرّف.
[3] كذا ذكرها المؤلف نقلا عن «وفيات الأعيان» (1/ 227) وانظر «معجم البلدان» (4/ 299- 300) ففي كلام ياقوت عنها فائدة عزيزة.
[4] في الأصل والمطبوع: «الرافعي» وهو خطأ، والتصحيح من «التصحيح من «العبر» (2/ 310) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 45) .

(4/291)


وفيها عبد الخالق بن الحسن بن أبي روبا، أبو محمد السقطي، نسبة إلى بيع السّقط [1] ، المعدّل البغدادي، ببغداد. روى عن محمد بن غالب تمتام وجماعة.
وسنقة [2] ، أبو عمرو عثمان بن محمد البغدادي السقطي. سمع الكديمي، وإسماعيل القاضي، ومات في آخر السنة، وله سبع وثمانون سنة.
وفيها صاحب الأغاني، أبو الفرج علي بن الحسين الأموي الأصبهاني، الكاتب الأخباري. يروى عن مطيّن فمن بعده، وكان أديبا، نسابة، علّامة، شاعرا، كثير التصانيف. ومن العجائب أنه مرواني يتشيع.
توفي في ذي الحجة عن ثلاث وسبعين سنة. قاله في «العبر» [3] .
وقال ابن خلّكان [4] : جده مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميّة، وهو أصفهاني الأصل بغدادي المنشأ، كان من أعيان أدبائها وأفراد مصنفيها، وروى عن عالم كثير من العلماء يطول تعدادهم، وكان عالما بأيام الناس، والأنساب، والسّير.
قال التنوخي: ومن المتشيعين الذين شاهدناهم، أبو الفرج الأصبهاني، كان يحفظ [من] الشعر، والأغاني، والأخبار، والآثار، والأحاديث المسندة، والأدب، والنسب [ما] لم أر قطّ من يحفظ مثله، ويحفظ دون ذلك من علوم أخر [5] ، منها اللغة، والنحو، والخرافات [6] ، والسير، والمغازي، ومن
__________
[1] قال السمعاني في «الأنساب» (7/ 91) في شرح السّقط: وهي الأشياء الخسيسة كالخرز، والملاعق، وخواتيم الشّبة والحديد، وغيرها.
[2] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «سبعة» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (16/ 81) .
[3] (2/ 311) .
[4] في «وفيات الأعيان» (3/ 307- 309) .
[5] في المطبوع: «أخرى» وما جاء في الأصل موافق لما في «وفيات الأعيان» .
[6] في الأصل والمطبوع: «والحرف» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» ، و «تاريخ بغداد»

(4/292)


آلة المنادمة شيئا كثيرا، مثل علم الجوارح والبيطرة، وشيء من الطب والنجوم والأشربة، وغير ذلك وله شعر [1] يجمع إتقان العلماء وإحسان ظرفاء الشعر، وله المصنفات المستملحة، منها: كتاب «الأغاني» الذي وقع الاتفاق على أنه لم يعمل في بابه مثله، يقال: إنه جمعه في خمسين سنة، وحمله إلى سيف الدولة بن حمدان، فأعطاه ألف دينار واعتذر إليه.
وحكي عن الصاحب بن عبّاد أنه كان في أسفاره يستصحب حمل ثلاثين جملا من كتب الأدب ليطالعها، فلما وصل إليه كتاب «الأغاني» لم يكن بعد ذلك يستصحب سواه، استغناء به عنها.
وكان منقطعا إلى الوزير المهلّبي، وله فيه مدائح، منها قوله فيه:
ولما انتجعنا لائذين بظله ... أعان وما عنّى ومن وما منا
وردنا عليه مقترين فراشنا ... وردنا نداه مجدبين فأخصبنا
وكان قد خلّط قبل أن يموت، رحمه الله تعالى. انتهى ما أورده ابن خلّكان مختصرا.
وفيها سيف الدولة، علي بن عبد الله بن حمدان بن حمدون التّغلبيّ الجزريّ، صاحب الشام، بحلب، في صفر، وله بضع وخمسون سنة. وكان بطلا شجاعا، كثير الجهاد، جيد الرأي، عارفا بالأدب والشعر، جوّادا، ممدّحا. مات بالفالج، وقيل: بعسر البول، وكان قد جمع من الغبار الذي أصابه في الغزوات ما جاء منه لبنة بقدر الكف، وأوصى أن يوضع خدّه إذا دفن عليها، وتملّك بعده ابنه سعد الدولة خمسا وعشرين سنة.
وبعده ولده أبو الفضل، وبموته انقرض ملك بني سيف الدولة.
__________
(11/ 399) .
[1] لفظة «شعر» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع.

(4/293)


قال الثعالبي في «يتيمته» [1] : كان بنو حمدان ملوكا [وأمراء] ، أوجههم للصباحة، وألسنتهم للفصاحة، وأيديهم للسماحة، وعقولهم للرجاحة، وسيف الدولة شهم سادتهم [2] وواسطة قلادتهم، [ويقال: إنه] [3] لم يجتمع بباب أحد من الملوك- بعد الخلفاء- ما اجتمع ببابه من شيوخ الشعراء [4] وغيرهم، وكان شاعرا يرتاح للشعر وجرت بينه وبين أخيه ناصر الدولة وحشة، فكتب إليه من شعره:
لست أجفو وإن جفيت [5] ولا أت ... رك حقا عليّ في كلّ حال
إنما أنت والد والأب الجا ... في يجازى بالصبر والاحتمال
وكتب إليه مرة أخرى:
رضيت لك [6] العليا وإن كنت أهلها ... وقلت وهل بيني وبين أخي فرق
ولم يك لي [7] عنها نكول وإنما ... تجافيت عن حقي ليبقى لك الحق
ولا بدّ لي من أن أكون مصليّا ... إذا كنت أرضى أن يكون لك السبق
وأخباره كثيرة مع شعراء وقته، كالمتنبي، والسّريّ الرّفّاء، والنّامي، والوأواء، وتلك الطبقة.
ويحكى أن ابن عمه أبا فراس كان يوما بين يديه في نفر من ندمائه،
__________
[1] انظر «يتيمة الدهر» (1/ 37) طبع دار الكتب العلمية ببيروت ولفظة «وأمراء» زيادة منه وقد نقل المؤلف عن «وفيات الأعيان» (3/ 401- 405) و (2/ 115- 116) .
[2] في «يتيمة الدهر» و «وفيات الأعيان» (3/ 401) : «مشهور بسيادتهم» .
[3] زيادة من «يتيمة الدهر» و «وفيات الأعيان» .
[4] في «يتيمة الدهر» و «وفيات الأعيان» : «من شيوخ الشعر» .
[5] في الأصل والمطبوع: «وإن جفوت» وأثبت ما جاء في «وفيات الأعيان» .
[6] كذا في الأصل والمطبوع و «وفيات الأعيان» : «رضيت لك» وفي «يتيمة الدهر» (1/ 56) :
«رضيت إليك» .
[7] في «يتيمة الدهر» و «وفيات الأعيان» : «ولم يك بي» .

(4/294)


فقال لهم سيف الدولة: أيّكم يجيز قولي؟ وليس له إلا سيدي، يعني أبا فراس:
لك جسمي تعلّه ... فدمي لم تحلّه
فارتجل أبو فراس وقال:
قال إن كنت مالكا ... فلي الأمر كلّه
فاستحسنه وأعطاه ضيعة بأعمال منبج، تغلّ ألفي دينار في كل سنة.
ومن محاسن شعر سيف الدولة قوله في وصف قوس قزح وقد أبدع فيه كل الإبداع:
وساق صبيح للصّبوح دعوته ... فقام وفي أجفانه سنة الغمض
يطوف بكاسات العقار كأنجم ... فمن بين منقضّ عليها [1] ومنفض
وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفا ... على الجوّد كنا والحواشي على الأرض
يطرّزها [2] قوس السحاب بأصفر ... على أحمر في أخضر إثر مبيض
كأذيال خود أقبلت في غلائل ... مصبّغة والبعض أقصر من بعض
وهذا من التشبيهات الملوكية التي لا يكاد يخطر مثلها لغيرهم.
ومن حسن شعره أيضا قوله:
تجنّى عليّ الذنب والذنب ذنبه ... عاتبني ظلما وفي شقّه العتب
إذا برم المولى بخدمة عبده ... تجنّى له ذنبا وإن لم يكن ذنب
وأعرض لما صار قلبي بكفه ... فهلّا جفاني حين كان لي القلب
ومحاسنه وأخباره كثيرة فلنكتف بهذا القدر.
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «منقض علينا» .
[2] في الأصل والمطبوع: «وطرزها» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .

(4/295)


وفيها أبو المسك كافور الحبشي الأسود، الخادم الإخشيذي، صاحب الديار المصرية. اشتراه الإخشيذ، وتقدم عنده حتّى صار من أكبر قوّاده، لعقله، ورأيه، وشجاعته، ثم صار أتابك ولده من بعده، وكان صبيّا، فبقي الاسم لأبي القاسم أنوجور، والدّست لكافور، فأحسن سياسة الأمور إلى أن مات أنوجور- ومعناه بالعربي محمود- في سنة تسع وأربعين، عن ثلاثين سنة، وأقام كافور في الملك بعده أخاه عليا، إلى أن مات في أول سنة خمس وخمسين، وله إحدى وثلاثون سنة، فتسلطن كافور، واستوزر أبا الفضل جعفر بن حنزابة، ابن الفرات [1] ، وعاش بضعا وستين سنة. قاله في «العبر» [2] .
وأخباره كثيرة شهيرة، منها أنه كان ليلة كل عيد يرسل وقر بغل دراهم في صرر مكتوب على كل صرة اسم من جعلت له، من بين عالم، وزاهد، وفقير، ومحتاج، وتوفي يوم الثلاثاء عشري جمادى الأولى، فعلى هذا لم تطل مدته في الاستقلال، بل كانت سنة واحدة وشيئا يسيرا، رحمه الله تعالى، وكانت بلاد الشام في مملكته أيضا مع مصر، وكان يدعى له على المنابر بمكّة، والحجاز جميعه، والديار المصرية، وبلاد الشام، من دمشق، وحلب، وأنطاكية، وطرسوس، والمصّيصة، وغير ذلك، وكان تقدير عمره خمسا وستين سنة، على ما حكاه الفرغاني [3] في «تاريخه» .
وفيها أبو الفتح عمر بن جعفر بن محمد بن سلم الجيلي الرجل الصالح ببغداد وله خمس وثمانون سنة روى عن الكديمي وطبقته.
__________
[1] انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (2/ 126) .
[2] (2/ 312) .
[3] هو أحمد بن عبد الله بن أحمد الفرغاني، أبو منصور، مؤرخ من سكان مصر، وبها وفاته، له «تاريخ» أشار إليه المؤلف، مات سنة (398) هـ. انظر ترجمته في «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (3/ 132) طبع دار الفكر بدمشق، و «الأعلام» للزركلي (1/ 156) .

(4/296)


سنة سبع وخمسين وثلاثمائة
لم يحجّ فيها الركب لفساد الوقت، وموت السلاطين في الشهور الماضية.
وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن الحسين بن إسحاق بن عتبة الرّازي، ثم المصري المحدّث، في جمادى الآخرة، وله تسع وثمانون سنة. سمع مقدام بن داود الرّعيني وطبقته.
وفيها أحمد بن محمد بن رميح أبو سعيد النّخعي النّسوي- نسبة إلى نسا مدينة بخراسان- الحافظ صاحب التصانيف. طوّف الكثير، وروى عن أبي خليفة الجمحي وطبقته. وعنه الدارقطني، والحاكم، والصحيح أنه ثقة.
سكن اليمن مدة.
وفيها المتّقي لله أبو إسحاق [إبراهيم بن] المقتدر بالله [1] جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق العباسي المخلوع، الذي ذكرنا في سنة ثلاث وثلاثين [2] أنهم خلعوه وسملوا عينيه، وبقي في السجن إلى هذا العام كالميّت، ومات في شعبان، وله ستّون سنة، وكانت خلافته أربع سنين، وكان
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وعبارة «المقتدر بالله» تحرّفت فيه إلى «المتقي لله» وأثبت لفظ المطبوع، وانظر «العبر» (2/ 313) و «دول الإسلام» (1/ 221) .
[2] انظر ص (181) من هذا المجلد.

(4/297)


أبيض مليحا مشربا حمرة، أشهل أشقر، كثّ اللحية، وكان فيه صلاح وكثرة صيام وصلاة، ولم يكن يشرب، وفي خلافته انهدمت القبة الخضراء المنصورية، التي كانت فخر بني العبّاس. قاله في «العبر» [1] .
وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [2] : بويع له بالخلافة بعد موت أخيه الراضي، وهو ابن أربع وثلاثين سنة، وأمه أمة اسمها خلوب، وقيل: زهرة، ولم يغير شيئا قطّ، ولا تسرّى على جاريته التي كانت له، وكان كثير الصوم والتعبد، لم يشرب نبيذا قطّ، وكان يقول: لا أريد نديما غير المصحف، ولم يكن له إلّا الاسم، والتّدبير لأبي عبد الله أحمد بن علي الكوفي كاتب بجكم.
وفي هذه السنة من ولايته سقطت القبة الخضراء بمدينة المنصور، وكانت تاج بغداد، ومأثرة بني العبّاس، وهي من بناء المنصور، ارتفاعها ثمانون ذراعا، وتحتها إيوان طوله عشرون ذراعا في عشرين ذراعا، وعليها تمثال فارس بيده رمح، فإذا استقبل بوجهه [جهة] [3] علم أن خارجيا يظهر من تلك الجهة، فسقط رأس هذه القبة في ليلة ذات مطر ورعد.
ولما كحل المتقي لله وعمي قال القاهر:
صرت وإبراهيم شيخي عمى ... لا بدّ للشيخين من مصدر
ما دام توزون له إمرة ... مطاعة فالميل في المجمر
ولم يحل الحول على توزون حتّى مات، وأما المتقي فإنه أخرج إلى جزيرة مقابلة للسندية فحبس بها، فأقام في السجن خمسا وعشرين سنة، إلى أن مات.
__________
[1] (2/ 313- 314) .
[2] ص (394- 397) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد رحمه الله تعالى.
[3] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «تاريخ الخلفاء» .

(4/298)


وفي أيام المتقي كان [ابن] حمدي [1] اللص ضمنه [ابن] شيرزاد لما تغلّب على بغداد اللصوصية بخمسة وعشرين ألف دينار في الشهر، فكان يكبس بيوت الناس بالمشعل والشمع ويأخذ الأموال، وكان اسكورج [2] الديلمي قد ولي شرطة بغداد، فأخذه ووسّطه وذلك سنة اثنتين وثلاثين.
ولما بلغ القاهر أن المتقي سمل قال: صرنا اثنين، ونحتاج إلى ثالث، فكان كذلك، فإنه سمل المستكفي بالله. انتهى ما أورده السيوطي ملخصا.
وفيها حمزة بن محمد بن علي بن العبّاس أبو القاسم الكناني المصري الحافظ، أحد أئمة هذا الشأن. روى عن النسائي وطبقته، وعنه ابن مندة، والدارقطني وغيرهما، وهو ثقة ثبت. أكثر التطواف بعد الثلاثمائة، وجمع، وصنّف، وكان صالحا ديّنا، بصيرا بالحديث وعلله، مقدّما فيه، وهو صاحب مجلس البطاقة. توفي في ذي الحجة ولم يكن للمصريين في زمانه أحفظ منه.
قال الحاكم: متفق على تقدمه في معرفة الحديث.
وفيها القاضي أبو العبّاس عبد الله بن الحسين بن الحسن بن أحمد بن النّضر [3] النّضري [4] المروزي، محدّث مرو، في شعبان، وله سبع وتسعون سنة. رحّله أبوه، وسمع من الحارث بن أبي أسامة، وأبي إسماعيل [محمد بن إسماعيل] الترمذي [5] وطائفة. وانتهى إليه علو الإسناد بخراسان.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «كان حمدي» وما أثبته من «تاريخ الخلفاء» وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 416) .
[2] في الأصل والمطبوع: «اسكورح» وما أثبته من «تاريخ الخلفاء» .
[3] لفظة «النّضر» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع.
[4] تحرّفت في «العبر» إلى «البصري» فتصحح فيه، وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 60) .
[5] ما بين حاصرتين زيادة من «الأنساب» (3/ 47) .

(4/299)


وفيها أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني، ابن عم ناصر الدولة، وسيف الدولة ابني حمدان.
قال الثعالبي في وصفه [1] : كان فرد دهره، وشمس عصره، أدبا وفضلا، وكرما ومجدا، وبلاغة وبراعة، وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة، والعذوبة والفخامة والحلاوة [والمتانة] ومعه رواء الطبع، وسمة الظرف، وعزّة الملك. ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلّا في شعر عبد الله بن المعتز. وأبو فراس يعدّ أشعر منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام، وكان الصاحب بن عبّاد يقول: بدئ الشعر بملك، وختم بملك، يعني امرأ القيس وأبا فراس، وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز، ويتحامى جانبه فلا ينبري لمباراته، ولا يجترئ على مجاراته، وإنما لم يمدحه ومدح من هو دونه من آل حمدان تهيبا له وإجلالا، لا إغفالا وإخلالا. وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس، ويميّزه بالإكرام على سائر قومه، [ويصطنعه لنفسه] ويستصحبه في غزواته، ويستخلفه في أعماله.
وكانت الرّوم قد أسرته في بعض وقائعها وهو جريح قد أصابه سهم بقي نصله في فخذه ونقلته إلى خرشنة ثم منها إلى القسطنطينية، وذلك في سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة [2] ، وفداه سيف الدولة، ومن شعره:
قد كنت عدّتي التي أسطو بها ... ويدي إذا اشتدّ الزمان وساعدي
فرميت منك بضدّ ما أمّلته ... والمرء [3] يشرق بالزّلال البارد
__________
[1] انظر «يتيمة الدهر» (1/ 57) وما بعدها، طبع دار الكتب العلمية ببيروت وانظر «وفيات الأعيان» (2/ 58- 64) .
[2] لفظة «وثلاثمائة» لم ترد في المطبوع.
[3] في الأصل: «والماء» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق لما في «يتيمة الدهر» .

(4/300)


وله أيضا:
أساء فزادته الإساءة حظوة ... حبيب على ما كان منه حبيب
يعدّ عليّ الواشيان ذنوبه ... ومن أين للوجه الجميل ذنوب؟
وله أيضا:
سكرت من لحظه لا من مدامته ... ومال بالنّوم عن عيني تمايله
فما السّلاف دهتني بل سوالفه ... ولا الشّمول ازدهتني بل شمائله
ألوى بعزمي اصداغ لوين له ... وغال قلبي بما تحوى غلائله
وكان ينشد ابنته لما حضرته الوفاة:
نوحي عليّ بحسرة ... من خلف سترك والحجاب
قولي إذا كلمتني ... فعييت عن ردّ الجواب
زين الشباب أبو فرا ... س لم يمتّع بالشباب
وهذا يدل على أنه لم يقتل، أو يكون جرح وتأخر موته، ثم مات من الجراحة.
وذكر ثابت بن سنان الصابئ في «تاريخه» قال: في يوم السبت لليلتين خلتا من جمادى الأولى جرت حرب بين أبي فراس، وكان مقيما بحمص، وبين أبي المعالي بن سيف الدولة، واستظهر عليه أبو المعالي وقتله في الحرب، وأخذ رأسه وبقيت جثته مطروحة في البرية، إلى أن جاء بعض الأعراب فكفّنه ودفنه. انتهى.
أي لأنه كما قال ابن خالويه: لما مات سيف الدولة عزم أبو فراس على التغلب على حمص، فاتصل خبره بأبي المعالي بن سيف الدولة، وغلام أبيه فرغويه فقاتلاه، وكان أبو فراس خال أبي المعالي، وقلعت أمه عينها لما بلغها وفاته، وقيل: إنها لطمت وجهها فقلعت عينها، وقيل: لما قتله فرغويه ولم

(4/301)


يعلم به أبو المعالي، فلما بلغه الخبر شقّ عليه. ويقال: إن مولده كان في سنة عشرين وثلاثمائة، والله أعلم.
وفيها عبد الرحمن بن العبّاس، أبو القاسم البغدادي، والد أبي طاهر المخلّص. سمع الكديمي، وإبراهيم الحربي، وجماعة، ووثقه ابن أبي الفوارس، وكان أطروشا.
وفيها الحافظ عمر بن جعفر البصري المحدّث، أبو حفص. خرّج لخلق كثير، ولم يكن بالمتقن، وقد روى عن أبي خليفة الجمحي، وعبدان، وطبقتهما. وعنه أبو الحسن رزقويه، وعلي بن أحمد الرّزاز. وكان الدارقطنيّ يتتبع خطأ عمر البصري فيما انتقاه عن أبي بكر الشافعي، وعاش عمر هذا سبعا وسبعين سنة.
وقال عنه ابن ناصر الدّين: متهم.
وقال في «المغني» [1] : صدوق، وقال أبو محمد السبيعي: كذاب، وقال غيره: يخطئ كثيرا. انتهى كلام «المغني» .
وفيها أبو إسحاق القراريطي الوزير، وهو محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسكافي الكاتب. وزر لمحمد بن رائق [2] ثم وزر للمتقي لله مرتين، فصودر، فصار إلى الشام، وكتب لسيف الدولة، وكان ظلوما غشوما. عاش ستا وسبعين سنة. قاله في «العبر» [3] .
وفيها ابن مخرم، وهو الرئيس أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن مخلد البغدادي الجوهري، الفقيه المحتسب، تلميذ محمد بن جرير الطبري. روى عن الحارث بن أبي أسامة وطبقته، وعاش ثلاثا وتسعين سنة.
__________
[1] (2/ 463) .
[2] تحرّف في المطبوع إلى «محمد بن وائق» .
[3] (2/ 315) .

(4/302)


قال البرقاني: لا بأس به، وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها أبو سليمان الحرّاني محمد بن الحسين [1] البغدادي، في رمضان. روى عن أبي خليفة، وعبدان، وأبي يعلى، وكان ثقة، صاحب حديث ومعرفة وإتقان.
وفيها أبو علي بن آدم الفزاري، محمد بن محمد بن عبد الحميد، القاضي العدل بدمشق، في جمادى الآخرة. روى عن أحمد بن علي القاضي المروزي وطبقته.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «ابن الحبب» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد» (2/ 242) و «العبر» (2/ 316) .

(4/303)


سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة
فيها كان خروج الرّوم من الثغور [1] ، فأغاروا، وقتلوا، وسبوا، ووصلوا إلى حمص. وعظم المصاب، وجاءت المغاربة مع القائد جوهر المغربي، فأخذوا ديار مصر، وأقاموا الدعوة لبني عبيد الرافضة، مع أن [دولة معز] الدولة [2] بالعراق هذه المدة رافضية، والشعار الجاهلي يقام يوم عاشوراء ويوم الغدير.
وفيها توفي ناصر الدولة الحسن [3] بن أبي الهيجاء، عبد الله بن حمدان التّغلبي، صاحب الموصل، وكان أخوه سيف الدولة يتأدّب معه، لسنّه ولمنزلته عند الخلفاء، وكان هو كثير المحبة لسيف الدولة، فلما توفي حزن عليه ناصر الدولة، وتغيّرت أحواله، وتسودن وضعف عقله، فبادر ولده أبو تغلب الغضنفر، ومنعه من التصرف، وقام بالمملكة، ولم يزل معتقلا حتّى توفي في ربيع الأول، عن نحو ستين سنة. قاله في «العبر» [4] .
وفيها الحسن بن محمد بن كيسان، أبو محمد الحربي، أخو علي، ثقة. روى عن إسماعيل القاضي والكبار، ومات في شوال.
__________
[1] في المطبوع إلى «الكفور» أي القرى.
[2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» .
[3] تحرّف في «العبر» إلى «الحسين» فيصحح فيه، وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 186) .
[4] (2/ 317) .

(4/304)


وفيها أبو القاسم زيد بن علي بن أبي بلال العجلي الكوفي، شيخ الإقراء ببغداد. قرأ على أحمد بن فرح، وابن مجاهد، وجماعة، وحدّث عن مطين، وطائفة. توفي في جمادى الأولى.
وفيها محدّث دمشق محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان، أبو عبد الله القرشي الدمشقي. روى عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وزكريا خيّاط السّنّة، وطبقتهما. وكان ثقة مأمونا جوّادا مفضلا، خرّج له ابن مندة الحافظ ثلاثين جزءا، وأملى مدة.
وفيها محدّث الأندلس محمد بن معاوية بن عبد الرحمن، أبو بكر الأموي المرواني القرطبي، المعروف بابن الأحمر. روى عن عبيد الله بن يحيى وخلق، وفي الرحلة عن النسائي والفريابي، وأبي خليفة الجمحي، ودخل الهند للتجارة، فغرق له ما قيمته ثلاثون ألف دينار ورجع فقيرا، وكان ثقة. توفي في رجب، وكان عنده «السنن الكبير» للنسائي.

(4/305)


سنة تسع وخمسين وثلاثمائة
في أولها أخذ نقفور [1] أنطاكية بنوع أمان، فأسر الشباب وأطلق الشيوخ والعجائز، وكان قد طغى وتجبّر وقهر البلاد، وتمرّد على الله، وتزوج بزوجة الملك الذي قبله كرها، وهمّ بإخصاء ولديها، لئلا يملكا، فعملت عليه المرأة، وأرسلت إلى الدّمستق، فجاء إليها في زيّ النساء، هو وطائفة، فباتوا عندها ليلة الميلاد، فبيّتوا نقفور، وأجلسوا في المملكة ولدها الأكبر.
وفيها توفي أبو عبد الله، أحمد بن بندار الشعّار بن إسحاق الفقيه، مسند أصبهان. روى عن إبراهيم بن سعدان، وابن أبي عاصم، وطائفة، وكان ثقة ظاهري المذهب.
وفيها أحمد بن السّندي، أبو بكر البغدادي الحدّاد. روى عن الحسن بن علويه وغيره.
قال أبو نعيم: كان يعدّ من الأبدال.
وفيها أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي، المعروف بابن القطّان [2] . آخر أصحاب ابن سريج وفاة. أخذ عنه علماء بغداد ومات بها في جمادى الأولى، وله مصنفات في أصول الفقه وفروعه.
__________
[1] تحرّف في «دول الإسلام» للذهبي (1/ 222) إلى «تكفور» فيصحح فيه، وانظر «العبر» (2/ 318) و «الكامل في التاريخ» (8/ 603) .
[2] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (16/ 159) .

(4/306)


وفيها أحمد بن يوسف بن خلّاد النّصيبيني [1] العطّار ببغداد، في صفر، وكان عريا من العلم وسماعه صحيح. روى عن الحارث بن أبي أسامة، وتمتام، وطائفة.
وفيها حبيب بن الحسن القزاز، أبو القاسم، الرجل الصالح. وثّقه جماعة، وليّنه بعضهم. روى عن أبي مسلم الكجّي وجماعة.
وفيها أبو علي الصوّاف، محمد بن أحمد بن الحسن البغدادي، المحدّث الحجّة. روى عن محمد بن إسماعيل الترمذي وإسحاق الحربي، وطبقتهما.
قال الدارقطني: ما رأت عيناي مثله، ومثل آخر بمصر. انتهى.
ومات في شعبان وله تسع وثمانون سنة.
وفيها أبو الحسين [2] محمد بن علي بن حبيش البغدادي الناقد. روى عن أبي شعيب الحرّاني، ومطيّن.
__________
[1] نسبة إلى «نصيبين» والنسبة إليها «نصيبي» و «نصيبيني» انظر «الأنساب» (12/ 97) و «معجم البلدان» (5/ 288) .
[2] في «العبر» : «أبو الحسن» .

(4/307)


سنة ستين وثلاثمائة
فيها لحق المطيع لله فالج، بطل نصفه، وثقل لسانه، وأقامت الشيعة عاشوراء باللّطم والعويل، وعيد الغدير بالفرح والكوسات.
وفيها أخذت الرّوم من أنطاكية أكثر من عشرين ألف أسير.
وفيها توفي جعفر بن فلاح، الذي ولي إمرة دمشق للباطنية، وهو أول نائب وليها لبني عبيد، وكان قد سار إلى الشام، فأخذ الرّملة، ثم دمشق، بعد أن حاصر أهلها أياما، ثم قدم لحربه الحسن بن أحمد القرمطي، الذي تغلّب قبله على دمشق، وكان جعفر مريضا على نهر يزيد [1] فأسره القرمطي وقتله.
قال ابن خلّكان [2] : أبو علي جعفر بن فلاح الكتاميّ. كان أحد قوّاد المعز أبي تميم معد بن منصور العبيدي، صاحب إفريقية، وجهزه مع القائد جوهر لما توجه لفتح الدّيار المصرية، فلما أخذ مصر بعثه جوهر إلى الشام، فغلب على الرّملة في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، ثم تغلب على دمشق فملكها في المحرّم سنة تسع وخمسين بعد أن قاتل أهلها، ثم أقام بها إلى سنة ستين، ونزل إلى الدكة فوق نهر يزيد بظاهر دمشق، فقصده
__________
[1] نهر يزيد إلى الشمال من دمشق القديمة، منسوب إلى يزيد بن أبي سفيان. انظر «معجم البلدان» (5/ 324) .
[2] في «وفيات الأعيان» (1/ 361- 362) .

(4/308)


الحسن بن أحمد القرمطي، المعروف بالأعصم، فخرج إليه جعفر المذكور وهو عليل، فظفر به القرمطي فقتله، وقتل من أصحابه خلقا كثيرا، وذلك في يوم الخميس سادس ذي القعدة سنة ستين وثلاثمائة.
قال بعضهم: قرأت على باب قصر القائد جعفر بن فلاح المذكور بعد قتله مكتوبا:
يا منزلا لعب الزمان [1] بأهله ... فأبادهم بتفرّق لا يجمع
أين الذين عهدتهم بك مرّة ... كان الزمان بهم يضرّ وينفع
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقي الذين حياتهم لا تنفع [2]
وكان جعفر المذكور رئيسا جليل القدر ممدحا، وفيه يقول أبو القاسم محمد بن هانئ الأندلسي الشاعر المشهور:
كانت مساءلة الرّكبان تخبرني ... عن جعفر بن فلاح أطيب الخبر
حتّى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأحسن مما قد رأى بصري
والناس يروون هذين البيتين لأبي تمام في القاضي أحمد بن [أبي] دواد [3] وهو غلط. انتهى.
وفيها الأمير زيري بن مناد الحميري الصّنهاجي، جدّ المعزّ بن باديس، وزيريّ أول من ملك من طائفته، وهو الذي بنى مدينة أشير [4] في إفريقية وحصّنها في أيام خروج مخلد الخارجي، وكان زيريّ حسن السيرة شجاعا صارما، وكانت بينه وبين جعفر الأندلسي ضغائن وأحقاد أفضت إلى
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «عبث الزمان» .
[2] هذا البيت لم يرد في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي.
[3] في الأصل والمطبوع: «أحمد بن داود» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[4] قال ياقوت: أشير: مدينة في جبال البربر بالمغرب في طرف إفريقية الغربي مقابل بجاية في البر. كان أول من عمّرها زيري بن مناد الصنهاجي، سيد هذه القبيلة في أيامه ... وانظر تتمة كلامه في «معجم البلدان» (1/ 202- 203) .

(4/309)


الحرب، فلما تصافا انجلى المصاف عن قتل زيري المذكور، وذلك في شهر رمضان. ذكروا أنه كبا به فرسه، فسقط إلى الأرض فقتل، وكانت مدة ملكه ستا وعشرين سنة، وهو صاحب مدينة تاهرت.
وفيها الحافظ العلم، مسند العصر الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللّخمي، في ذي القعدة بأصبهان [1] ، وله مائة سنة وعشرة أشهر، وكان ثقة صدوقا، واسع الحفظ، بصيرا بالعلل والرّجال والأبواب، كثير التصانيف، وأوّل سماعه في سنة ثلاث وسبعين ومائتين بطبرّية المنسوب إليها. ورحل أولا إلى القدس، سنة أربع وسبعين، ثم رحل إلى قيسارية سنة خمس وسبعين، فسمع من أصحاب محمد بن يوسف الفريابي، ثم رحل إلى حمص، وجبلة، ومدائن الشام، وحجّ، ودخل اليمن، ورد إلى مصر، ثم رحل إلى العراق، وأصبهان، وفارس. روى عن أبي زرعة الدمشقي، وإسحاق الدّبري [2] وطبقتهما، كالنسائي. وعنه: من شيوخه، أبو خليفة الجمحي، وابن عقدة، وأبو نعيم الحافظ، وأبو الحسين بن فاذشاه وغيرهم.
قال ابن خلّكان [3] : وعدد شيوخه ألف شيخ، وله المصنفات الممتعة النافعة الغريبة، منها: المعاجم الثلاثة «الكبير» و «الأوسط» و «الصغير» وهي [4] أشهر كتبه. وروى عنه الحافظ أبو نعيم والخلق الكثير.
ومولده سنة ستين ومائتين بطبريّة الشام، وسكن أصبهان إلى أن توفي بها نهار السبت ثامن عشري [ذي] القعدة سنة ستين وثلاثمائة. انتهى.
__________
[1] في المطبوع: «في أصبهان» .
[2] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «الديري» والتصحيح من «العبر» (2/ 322) وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 120) .
[3] في «وفيات الأعيان» (2/ 107) .
[4] في الأصل والمطبوع: «وهو» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

(4/310)


وقال ابن ناصر الدّين: هو مسند الآفاق، ثقة. له «المعاجم» الثلاثة المنسوبة إليه، وكان يقول عن «الأوسط» : هو روحي، لأنه تعب عليه.
انتهى.
وفيها أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلّاد الفارسي الرّامهرمزي، الحافظ الكبير البارع. روى عن أبيه، ومحمد بن عبد الله الحضرمي، وأبي خليفة الجمحي. وعنه: ابن جميع، وابن مردويه، وغيرهما، وهو من الثقات.
وفيها الطّوماري- نسبة إلى طومار، جدّ- وهو أبو علي عيسى بن محمد البغدادي في صفر، وله ثمان وتسعون سنة، وهو ليس بالقوي، يروي عن الحارث بن أبي أسامة، وابن أبي الدّنيا، والكديمي، وطبقتهم.
وفيها أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد الهيثم الأنباري البندار. روى عن أحمد بن الخليل البرجلاني، ومحمد بن أحمد بن أبي العوّام، وتفرّد بالرّواية عن جماعة، وتوفي يوم عاشوراء، وله ثلاث وتسعون سنة، وأصوله حسنة، بخط أبيه.
وفيها أبو عمرو بن مطر النيسابوري الزاهد، شيخ السّنّة، محمد بن جعفر بن محمد بن مطر المعدّل. روى عن أبي عمر أحمد بن المبارك المستملي، ومحمد بن أيوب الرّازي، وطبقتهما، وكان متعففا قانعا باليسير، يحيي الليل، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويجتهد في متابعة السّنّة.
توفي في جمادى الآخرة، وله خمس وتسعون سنة.
وفيها محمد بن جعفر بن محمد بن كنانة، أبو بكر البغدادي المؤدب. روى عن الكديمي، وأبي مسلم الكجّي.
قال ابن أبي الفوارس: فيه تساهل، وتوفي عن أربع وتسعين سنة.

(4/311)


ومن غرائب الاتفاق موت هؤلاء الثلاثة في سنة واحدة، وهم في عشر المائة، وأسماؤهم، وآباؤهم واحدة، وهم شيء واحد. قاله في «العبر» [1] .
وفيها ابن العميد الوزير العلّامة، أبو الفضل محمد بن الحسين بن محمد الكاتب، وزير ركن الدولة الحسن بن بويه، صاحب الرّيّ، كان آية في التّرسّل والإنشاء، فيلسوفا، متهما برأي الحكماء، حتّى كان ينظّر بالجاحظ، وكان يقال: بدئت الكتابة بعبد الحميد، وختمت بابن العميد. وكان الصاحب إسماعيل بن عبّاد تلميذه وخصيصه وصاحبه، ولذلك قالوا: الصاحب، ثم صار لقبا عليه، وكان الصاحب ابن عبّاد قد سافر إلى بغداد، فلما رجع إليه قال: كيف وجدتها؟ قال: بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد، وكان ابن العميد سايسا مدبرا للملك، قائما بضبطه، وقصده جماعة من مشاهير الشعراء من البلاد الشاسعة ومدحوه بأحسن المدائح، فمنهم: أبو الطيب، وردّ عليه وهو بأرّجان ومدحه بقصائد، أحدها التي أولها:
باد هواك صبرت أم لم تصبرا ... وبكاك إن لم يجر دمعك أو جرى
أرجان أيتها الجياد فإنه ... عزمي الذي يذر الوشيج مكسّرا
لو كنت أفعل ما اشتهيت فعاله ... ما شقّ كوكبك [2] العجاج الأكدرا
أمّي [3] أبا الفضل المبرّ أليّتي ... لأيمّمنّ أجلّ بحر جوهرا
أفتى [4] برؤيته الأنام وحاش لي ... من أن أكون مقصّرا أو مقصرا
__________
[1] (2/ 322- 323) .
[2] في الأصل والمطبوع: «كوكبه» وما أثبتناه من «ديوانه» بشرح العكبري، و «وفيات الأعيان» .
[3] في الأصل والمطبوع: «إني» والتصحيح من «ديوانه» بشرح العكبري، و «وفيات الأعيان» .
[4] في الأصل والمطبوع: «أفدى» وما أثبته من «ديوانه» بشرح العكبري، و «وفيات الأعيان» .

(4/312)


من مبلغ الأعراب أني بعدها ... شاهدت رسطاليس والإسكندرا
ومللت نحر عشارها فأضافني [1] ... من ينحر البدر النّضار لمن قرى
وسمعت بطليموس دارس كتبه ... متملّكا متبدّيا متحضرا
ولقيت كل الفاضلين كأنما ... ردّ الإله نفوسهم والأعصرا
نسقوا لنا نسق الحساب مقدّما ... وأتى بذلك [2] إذ أتيت مؤخّرا [3]
وهي من القصائد المختارة.
قال ابن الهمذاني في كتاب «عيون السير» : فأعطاه ثلاثة آلاف دينار.
وكان المتنبي نظمها بمصر في أبي الفضل جعفر بن الفرات، فلما لم يرضه، لم ينشده إيّاها، فلما توجه إلى بلاد فارس صرفها إلى ابن العميد.
وكان أبو نصر عبد العزيز بن نباتة السعدي قد ورد عليه وهو بالرّيّ وامتدحه بقصيدته التي أولها:
برح اشتياق وادّكار ... ولهيب أنفاس حرار
ومدامع عبراتها ... ترفضّ عن نوم مطار
لله قلبي ما يجنّ [4] ... من الهموم وما يواري
لقد انقضى سكر الشبا ... ب وما انقضى وصب الخمار
وكبرت عن وصل الصغا ... ر وما سلوت عن الصغار
سقيا لتغليسي إلى ... باب الرّصافة وابتكاري
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «فأصابني» والتصحيح من «ديوانه» بشرح العكبري، و «وفيات الأعيان» .
[2] في «ديوانه» و «وفيات الأعيان» : «وأتى فذلك» .
[3] الأبيات من مواضع متفرقة في «ديوانه» بشرح العكبري (2/ 160- 172) من قصيدة مؤلفة من سبعة وأربعين بيتا. وقد ساقها على النحو الذي في كتابنا ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (5/ 104- 105) مع الخبر.
[4] في المطبوع: «ما يحن» .

(4/313)


أيام أخطر في الصبا ... نشوان مسحوب الإزار
حجي إلى حجر الصّرا ... ة وفي حدائقها اعتماري
ومواطن اللّذات أو ... طاني ودار اللهو داري
لم يبق لي عيش يلذ ... سوى معاقرة العقار
حتّى بألحان قمر ... ت بهن ألحان القماري
وإذا استهل ابن العميد ... تضاءلت ديم القطار
خلق [1] صفت أخلاقه ... صفو السبيك من النضار
فكأنما رفدت موا ... هبه بأمواج البحار
وكأن نشر حديثه ... نشر الخزامى والعرار
وكأننا [2] مما تفر ... ق راحتاه في نثار [3]
إن الكبار من الأمو ... ر تنال بالهمم الكبار
فتأخرت صلته [عنه] [4] فشفع هذه القصيدة بأخرى، وأتبعها برقعة، فلم يزده ابن العميد على الإهمال مع رقة حاله التي ورد عليها إلى بابه، فتوسّل [5] إلى أن دخل عليه يوم المجلس وهو حفل بأعيان الدولة، ومقدمي أرباب الديوان، فوقف بين يديه، وأشار بيده إليه، وقال: أيها الرئيس، إني لزمتك لزوم الظل، وذللت لك ذل النعل، وأكلت النوى المحرق انتظارا لصلتك، والله ما بي من الحرمان، ولكن شماتة الأعداء، قوم نصحوني
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «خرق» .
[2] في الأصل: «وكأنما» .
[3] في الأصل: «في انتشار» وفي المطبوع: «في انثار» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[4] لفظة «عنه» لم ترد في الأصل والمطبوع وأثبتها من «وفيات الأعيان» .
[5] في الأصل والمطبوع: «فتوصل» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

(4/314)


فاغتششتهم، وصدقوني فاتهمتهم، فبأي وجه ألقاهم؟ وبأي حجة أقاومهم؟
ولم أحصل من مديح بعد مديح، ومن نثر بعد نظم إلا على ندم مؤلم ويأس مسقم، فإن كان للنجاح علامة فأين هي وما هي؟ إن الذين نحسدهم على ما مدحوا [به] كانوا من طينتك، وإن الذين هجوا كانوا مثلك، فزاحم بمنكبك أعظمهم سناما وأنورهم شعاعا، وأشرفهم بقاعا [1] . ثم رفع رأسه ابن العميد وقال: هذا وقت يضيق عن الإطالة منك في الاستزادة، وعن الإطالة مني في المعذرة، وإذا تواهبنا ما دفعنا [إليه] استأنفنا ما نتحامل [2] عليه. فقال ابن نباتة: أيها الرئيس، هذه نفثة صدر قد ذوى [3] منذ زمان، وفضلة لسان قد خرس منذ دهر، والغني إذا مطل لئيم، فاستشاط ابن العميد، وقال: والله ما استوجبت هذا العتب من أحد من خلق الله تعالى، ولقد نافرت العميد من دون ذا حتّى دفعنا إلى فريّ [4] عاتم ولجاج قائم، ولست وليّ نعمتي فأحتملك، ولا صنيعتي فأغضي عنك [5] ، وإن بعض ما أقررته في مسامعي ينغص [6] مرّة الحليم [7] ويبدد شمل الصريم [8] هذا وما استقدمتك بكتاب، ولا استدعيتك برسول، ولا سألتك مدحي، ولا كلفتك تقريضي. فقال ابن نباتة: صدقت أيها الرئيس ما استقدمتني بكتاب، ولا استدعيتني برسول، ولا سألتني مدحك، ولا كلفتني تقريضك، ولكن جلست في صدر إيوانك [9]
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «وأشفرهم يفاعا» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[2] في «وفيات الأعيان» : «ما نتحامد» .
[3] في «وفيات الأعيان» : «قد روي» .
[4] في «وفيات الأعيان» : «قريّ» .
[5] في «وفيات الأعيان» : «فأغضى عليك» .
[6] في «وفيات الأعيان» : «ينقص» .
[7] في الأصل: «الحكيم» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «وفيات الأعيان» .
[8] في «وفيات الأعيان» : «ويبدّد شمل الصبر» وهو تحريف، والصريم: الصارم، وانظر «لسان العرب» (صرم) .
[9] في «وفيات الأعيان» : «في صدر ديوانك» والإيوان: الصّفّة العظيمة، والصّفّة من البنيان هي

(4/315)


بأبّهتك، وقلت: لا يخاطبني أحد إلا بالرئاسة، ولا ينازعني خلق في أحكام السياسة، فإني كاتب ركن الدولة، وزعيم الأولياء والحضرة، والقيّم بمصالح المملكة، فكأنك دعوتني بلسان الحال ولم تدعني بلسان القال، فثار ابن العميد مغضبا، وأسرع في صحن داره إلى أن دخل حجرته، وتقوض المجلس، وماج الناس، وسمع ابن نباتة وهو في صحن الدار مارّا يقول:
والله إن سفّ التراب والمشي على الجمر، أهون من هذا، فلعن الله الأدب إذا كان بائعه مهينا، ومشتريه مماكسا فيه. فلما سكن غيظ ابن العميد، وثاب إليه حلمه التمسه من الغد ليعتذر إليه ويزيل آثار ما كان منه، فكأنما غاص في سمع الأرض وبصرها، فكانت حسرة في قلب ابن العميد إلى أن مات.
وللصاحب ابن عبّاد فيه مدائح كثيرة، وكان ابن العميد قد قدم مرّة إلى أصبهان، والصاحب بها، فكتب إليه يقول:
قالوا ربيعك قد قدم ... قلت البشارة إن سلم
أهو الرّبيع أخو الشتا ... ء أم الرّبيع أخو الكرم
قالوا الذي بنواله ... أمن المقلّ من العدم
قلت الرئيس ابن العمي ... د إذا، فقالوا لي نعم
ولابن العميد شعر متوسط منه قوله:
رأيت في الوجه طاقة بقيت ... سوداء عيني تحبّ رؤيتها
فقلت للبيض إذ تروعها ... بالله إلا رحمت وحدتها
فقلن [1] ليس السواد في بلد ... تكون فيه البيضاء ضرّتها
وفيها الآجرّي الإمام، أبو بكر محمد بن الحسين البغدادي المحدّث
__________
شبه البهو الواسع الطويل السّمك. انظر «لسان العرب» (أون) و (صفف) .
[1] في «وفيات الأعيان» : «فقلّ» .

(4/316)


الثقة الضابط، صاحب التصانيف والسّنّة. كان حنبليا وقيل: شافعيا- وبه جزم الإسنوي [1] وابن الأهدل- سمع أبا مسلم الكجّي، وأبا شعيب الحرّاني، وطائفة. ومنه أبو الحسن الحمامي [2] وأبو الحسين بن بشران، وأبو نعيم الحافظ، وصنّف كثيرا. جاور بمكة وتوفي بها. قيل: إنه لما دخلها فأعجبته قال: اللهمّ ارزقني الإقامة بها سنة، فهتف به هاتف بل ثلاثين سنة، فعاش بها ثلاثين سنة، ثم مات بها في أول المحرم.
والآجري: بضم الجيم، نسبة إلى قرية من قرى بغداد.
وفيها أبو طاهر بن ذكوان البعلبكّيّ المؤدّب محمد بن سليمان، نزيل صيدا ومحدّثها. قرأ القرآن على هارون الأخفش، وسمع أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وزكريا خيّاط السّنّة، وطبقتهما، وعاش بضعا وتسعين سنة.
روى عن السّكن بن جميع، وصالح بن أحمد المسامحي [3] ، وقرأ عليه عبد الباقي بن الحسين، شيخ أبي الفتح [بن] فارس.
وفيها أبو القاسم محمد بن أبي يعلى الهاشمي الشريف. لما أخذت العبيديون دمشق، قام هذا الشريف بدمشق، وقام معه أهل الغوطة والشباب، واستفحل أمره في ذي الحجة سنة تسع وخمسين، وطرد عن دمشق متولّيها، ولبس السواد، وأعاد الخطبة لبني العبّاس، فلم يلبث إلّا أيّاما، حتّى جاء عسكر المغاربة، وحاربوا أهل دمشق، وقتل بين الفريقين جماعة، ثم هرب الشريف في الليل، وصالح أهل البلد العسكر، ثم أسر الشريف عند تدمر، فشهره جعفر بن فلاح على جمل، في المحرم، سنة ستين، وبعث به إلى مصر.
__________
[1] انظر كتاب «طبقات الشافعية» (1/ 79- 80) وقد نقل الإسنوي ذلك عن ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (4/ 292) .
[2] في المطبوع: «الحماني» ، وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 135) .
[3] في «العبر» : «الميانجي» .

(4/317)


وقد توفي في عشر الستين وثلاثمائة، خلق، منهم:
أحمد بن القاسم بن الريّان، أبو الحسن المصري اللّكّيّ [1] ، نزيل البصرة. روى عن الكديمي، وإسحاق الدّبري وطبقتهما.
قال ابن ماكولا [2] : فيه ضعف.
وقال الحافظ أبو محمد الحسن بن علي البصري: سمعت منه، وليس بالمرضي.
وأحمد بن طاهر النجم الحافظ أبو عبد الله محدث أذربيجان الميانجي بالفتح والتحتية وفتح النون وجيم، نسبة إلى ميانة، بلد بأذربيجان [3]-.
قال أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي: ما رأيت مثله، ولا رأى مثل نفسه.
وقال الخليل: توفي بعد الخمسين.
سمع أبا مسلم الكجّي، وعبد الله بن أحمد.
وأبو الحسن بن سالم الزاهد، أحمد بن محمد بن سالم الزاهد البصري، شيخ السالميّة، كان له أحوال ومجاهدات، وعنه أخذ الأستاذ أبو طالب صاحب القوت، وهو آخر أصحاب سهل التّستري وفاة، وقد خالف أصول السّنّة في مواضع، وبالغ في الإثبات في مواضع، وعمّر دهرا، وبقي إلى سنة بضع وخمسين. قاله في «العبر» [4] .
__________
[1] انظر «ميزان الاعتدال» (1/ 128) .
[2] انظر «الإكمال» (4/ 112) .
[3] أقول: منها القاضي أبو الحسن علي بن الحسن بن علي الميانجي أحد الفضلاء المشهورين.
وهذه النسبة أيضا «ميانجي» إلى ميانج، وهو موضع بالشام، وانظر «اللباب في تهذيب الأنساب» (3/ 278) و «معجم البلدان» (5/ 240) . (ع)
[4] (2/ 326) .

(4/318)


وأبو حامد أحمد بن محمد بن شارك [1] ، الفقيه الشافعي، مفتي هراة ومحدّثها ومفسرها وأديبها. رحل الكثير، وعني بالحديث، وروى عن محمد بن عبد الرّحمن السّامي [2] ، والحسن بن سفيان، وطبقتهما، وتوفي سنة خمس وخمسين، وقيل: سنة ثمان وخمسين.
وإبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أبي العزائم، أبو إسحاق الكوفي، صاحب أبي عمرو أحمد بن أبي غرزة [3] الغفاري.
وأبو علي النّجّاد الصغير، وهو الحسين بن عبد الله البغدادي الحنبلي، المسند، صنّف في الأصول والفروع.
قال ابن أبي يعلى في «طبقاته» [4] : كان فقيها [5] معظما إماما في أصول الدّين وفروعه.
صحب من شيوخ المذهب: لأبي الحسن بن بشار، وأبي محمد البربهاري، ومن في طبقتهما.
وصحبه جماعة، منهم: أبو حفص البرمكي، وأبو جعفر العكبري [6] وأبو الحسن الجزري [7] .
قال النّجّاد: جاءني رجل- وقد كنت [8] حذّرت منه أنه رافضي- فأخذ
__________
[1] تحرّفت في المطبوع إلى «ابن شادك» وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 273- 274) .
[2] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «الشامي» بالشين المعجمة وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[3] في الأصل والمطبوع: «صاحب أبي عمر، وأحمد بن أبي عزيزة» والتصحيح من «العبر» .
[4] (2/ 140- 142) بعناية الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله تعالى.
[5] في المطبوع: «أنه كان فقيها» .
[6] تحرّفت في الأصل إلى «الطبري» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[7] تحرّفت في المطبوع إلى «الخرزي» والصواب ما جاء في الأصل. انظر «طبقات ابن أبي يعلى» (2/ 167) .
[8] لفظة «كنت» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع.

(4/319)


يتقرب إليّ، ثم قال: لا نسب أبا بكر وعمر، بل معاوية وعمرو بن العاص، فقلت له: وما لمعاوية؟ قال: لأنه قاتل عليا. قلت له: إن قوما يقولون: إنه لم يقاتل عليا، وإنما قاتل قتلة عثمان. قال: فقول النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، لعمار: «تقتلك الفئة الباغية» ؟ [1] [قلت: إن أنا قلت: [إن هذا] لم يصح، وقعت منازعة، ولكن قوله عليه [الصلاة] السلام: «تقتلك الفئة الباغية» ] [2] يعني به الطالبة، لا الظالمة، لأن أهل اللغة تسمي الطالب: باغيا، ومنه: بغيت الشيء، أي طلبته، ومنه قوله تعالى: قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي 12: 65 [يوسف: 65] وقوله عزّ وجل: وَابْتَغُوا من فَضْلِ الله 62: 10 [الجمعة: 10] ومثل ذلك كثير، فإنما يعني به [3] : الطالبة لقتلة عثمان رضوان الله عليه.
وقال أبو حفص العكبري: سمعت أبا علي النجّاد يقول: سمعت أبا الحسن بن بشار يقول: ما أعتب [4] على رجل يحفظ لأحمد بن حنبل خمس مسائل أن يستند إلى بعض سواري المسجد ويفتي الناس بها.
وجزم ابن بردس [5] ، أن النّجّاد هذا توفي سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة.
وفيها الرّامهرمزي، الحسن بن عبد الرحمن بن خلّاد، الحافظ القاضي. روى عن أبيه، ومطيّن، ومحمد بن [حيّان] [6] المازني وغيرهم.
وعنه ابن جميع وابن مردويه وغيرهما، وهو ثقة.
قال أبو القاسم بن مندة: عاش إلى قريب الستين وثلاثمائة.
__________
[1] تقدم تخريج الحديث في المجلد الأول صفحة (212) فراجعه هناك.
[2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع.
[3] في المطبوع: «يعني بذلك» وما جاء في الأصل موافق لما في «طبقات ابن أبي يعلى» .
[4] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «ما أعيب» .
[5] في الأصل والمطبوع: «ابن برداس» وهو خطأ والصواب ما أثبته كما سبق التنبيه على ذلك من قبل.
[6] لفظة «حيّان» سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «العبر» .

(4/320)


وجزم ابن بردس أنه توفي في سنة ستين.
والجابري عبد الله [بن جعفر] [1] بن إسحاق الموصلي، صاحب الجزء المشهور به، وشيخ أبي نعيم الحافظ. روى عن محمد بن أحمد بن أبي المثنّى [2] وغيره.
وأبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن أحمد بن علّك، المروزي الجوهري المحدّث، محدّث مرو ومسندها. روى عن الفضل الشّعراني، ومحمد بن أيوب [بن] الضّريس.
قال ابن ناصر الدّين: هو ثبت مشهور، وجزم أنه توفي بعد الستين [3] .
وكشاجم، أحد فحول الشعراء، واسمه محمود بن حسين. كان من الشعراء المجيدين والفضلاء المبرزين، حتّى قيل: إن لقبه هذا منحوت من عدّة علوم كان يتقنها، فالكاف للكتابة، والشين من الشعر، والألف من الإنشاء، والجيم من الجدل، والميم من المنطق، وكان يضرب بملحه المثل، فيقال: ملح كشاجم.
ومن شعره قوله في أسود له تعد:
يا مشبها في لونه فعله ... لم تعد ما أوجبت القسمة
فعلك من لونك مستنبط ... والظّلم مشتق من الظّلمه
وقال بعضهم في ترجمته: هو أبو الحسين، وأبو الفتح، بن السندي الكاتب، المعروف بكشاجم، هو من أهل الرّملة من نواحي فلسطين، وكان
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 133) .
[2] صاحب جعفر بن عون.
[3] قلت: وكذلك جزم الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (16/ 168) نقلا عن الخليلي في «الإرشاد في علماء البلاد» .

(4/321)


رئيسا في الكتابة، ومقدما في الفصاحة والخطابة، له تحقيق يتميز به عن نظرائه، وتدقيق يربي به على أكفائه، وتحديق في علوم التعليم أضرم في شعلة ذكائه، فهو الشاعر المفلق، والنجم المتألق. لقب نفسه بكشاجم، فسئل عن ذلك، فقال: الكاف من كاتب، والشين من شاعر، والألف من أديب، والجيم من جواد، والميم من منجم، وكان من شعراء أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان، والد سيف الدولة، قيل: إنه كان طباخ سيف الدولة، شعره أنيق، وأرج مدوناته فتيق، منها كتاب «المصائد والمطارد» .
قال في «تثقيف اللسان» [1] : كشاجم لقب له، جمعت أحرفه من صناعته، ثم طلب علم الطب، حتّى مهر فيه وصار أكبر علمه، فزيد في اسمه طاء من طبيب، وقدمت، فقيل: طكشاجم، ولكنه لم يشتهر [2] .
وأبو حفص العتكي الأنطاكي، عمر بن علي. روى عن ابن جوصا [3] ، والحسن بن أحمد بن فيل، وطبقتهما.
وأبو العبّاس محمد بن أحمد بن حمدان الزاهد، أخو أبي عمرو [4] بن حمدان. نزل خوارزم، وحدّث بها عن محمد بن أيوب بن الضّريس، ومحمد بن عمرو قشمرد، وطبقتهما، وأكثر عنه البرقاني.
ومحمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب الأصبهاني القمّاط. روى عن أبي بكر بن أبي عاصم، وغيره.
__________
[1] هو لابن القطّاع، واسمه علي بن جعفر بن علي السعدي أبو القاسم المعروف بابن القطاع، توفي سنة (515) هـ وانظر «كشف الظنون» (1/ 344) (ع) .
[2] يقصد لم يشتهر بلقبه «طكشاجم» وإنما اشتهر بلقبه «كشاجم» .
[3] في الأصل والمطبوع: «ابن حوصا» وهو تصحيف والتصحيح من «العبر» .
[4] في «سير أعلام النبلاء» : «أخو أبي عمر» .

(4/322)


وأبو جعفر الرّوذراوري، نسبة إلى روذراور، بلد بهمذان [1] ، واسمه محمد بن عبد الله بن برزة. حدّث بهمذان، سنة سبع وخمسين، عن تمتام، وإسماعيل القاضي، وطبقتهما، وقال صالح بن أحمد الحافظ: هو شيخ.
__________
[1] انظر «معجم البلدان» (3/ 78) .

(4/323)