شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وستين
وثلاثمائة
قال في «الشذور» : فيها انقض في صفر كوكب عظيم له دوي كدوي الرعد.
وفيها مات الأسيوطي، أبو علي، الحسن بن الخضر في ربيع الأول.
روى عن النّسائي، والمنجنيقي.
والأسيوطي: بضم أوله والتحتية، نسبة إلى أسيوط، ويقال: سيوط، بلد بصعيد
مصر.
قال الجلال السيوطي في «لباب الأنساب» [1] : قلت: فيها خمسة أوجه، ضم
الهمزة، وكسرها، وإسقاطها، وتثليث السين المهملة. انتهى.
وفيها الخيّام، خلف بن محمد بن إسماعيل، أبو صالح، البخاري، محدّث ما
وراء النهر. روى عن صالح جزرة وطبقته، ولم يرحل، وليّنه أبو سعد
الإدريسي، وعاش ستا وثمانين سنة.
وفيها الدرّاج، أبو عمرو، عثمان بن عمر بن خفيف البغدادي المقرئ. روى
عن ابن المجدّر وطائفة.
قال البرقاني: كان بدلا من الأبدال.
__________
[1] ص (15) واسم كتابه الذي نقل عنه المؤلف «لب اللباب في تحرير
الأنساب» طبع في أوربة أول الأمر، ثم أعيد طبعه بطريقة الأوفست في
مكتبة المثنى ببغداد، وهي التي رجعت إليها.
(4/324)
وفيها محمد بن أسد الخشني [1]- بالضم
والفتح، نسبة إلى خشن قرية بإفريقية- القيرواني، أبو عبد الله، الحافظ،
نزيل قرطبة. صنّف كتاب «الاختلاف والافتراق في مذهب مالك» وكتاب
«الفتيا» وكتاب «تاريخ الأندلس» وكتاب «تاريخ إفريقية» وكتاب «النسب» .
__________
[1] في «العبر» : «المحاسبي» وانظر «مرآة الجنان» (2/ 375) .
(4/325)
سنة اثنتين وستين
وثلاثمائة
فيها كما قال في «الشذور» قتل رجل من أصحاب المعونة في الكرخ، فبعث أبو
الفضل الشيرازي، صاحب معز الدولة، من طرح النار في النحّاسين إلى
السمّاكين، فاحترقت سبعة عشر ألف وثلاثمائة وعشرين دارا، أجرة ذلك في
الشهر ثلاثة وأربعون ألف دينار، ودخل في الجملة ثلاثة وثلاثون مسجدا،
وهلك خلق كثير من الناس في الدّور والحمامات. انتهى.
وفيها كما قال في «العبر» [1] أخذت الرّوم نصيبين، واستباحوها، وتوصل
من نجا إلى بغداد، وقام معهم المطوّعة، واستنفروا الناس، ومنعوا من
الخطبة، وحاولوا الهجوم على المطيع، وصاحوا عليه بأنه عاجز مضيّع [2]
لأمر الإسلام، فسار العسكر من جهة الملك عز الدّولة بختيار، فالتقوا
الرّوم، فنصروا عليهم، وأسروا جماعة من البطارقة، ففرح المسلمون.
وفي رمضان، قدم المعزّ أبو تميم العبيدي [3] مصر، ومعه توابيت آبائه،
ونزل بالقصر بداخل القاهرة المعزّية، التي بناها مولاه جوهر، لما افتتح
الإقليم، وقويت شوكة الرّفض شرقا وغربا، وخفيت السّنن، وظهرت البدع،
نسأل الله تعالى العافية.
__________
[1] (2/ 331) .
[2] تحرّفت في الأصل إلى «مطيع» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[3] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «العبدي» والتصحيح من «العبر» .
(4/326)
وفيها عالم البصرة، أبو حامد المرورّوذي-
بفتح الميم والواو الأولى، وضم الراء الثانية المشددة، آخره معجمة،
نسبة إلى مرو الرّوذ، أشهر مدن خراسان- أحمد بن عامر بن بشر [1]
الشافعي، صاحب التصانيف، وصاحب أبي إسحاق المروزي، وكان إماما لا يشق
غباره، تفقه به أهل البصرة.
قال الإسنوي [2] : أحمد بن بشر بن عامر العامري، المروروذي [أخذ عن أبي
إسحاق المروزي] [3] ونزل البصرة، وأخذ عنه فقهاؤها، وكان إماما لا يشق
غباره، وشرح «مختصر المزني» وصنّف «الجامع» في المذهب، وهو كتاب جليل،
وصنّف في أصول الفقه، ومات سنة ثنتين وستين وثلاثمائة.
ذكره الشيخ [4] في «طبقاته» [5] والنووي في «تهذيبه» [6] وكذلك ابن
الصلاح، إلا أنه لم يؤرّخ وفاته، ونبّه على أن الشيخ أبا إسحاق جعل
عامرا أباه، وبشرا جدّه، قال: والصواب العكس، أي أحمد بن بشر بن عامر.
وكان له ولد يقال له: أبو محمد، ذكره الشيخ في «طبقاته» [7] فقال: جمع
بين الفقه والأدب، وله كتب كثيرة، وكان واحد [8] عصره في صناعة القضاء،
قال:
وأظنه أخذ الفقه عن أبيه. انتهى.
وفيها أحمد بن محمد بن عمارة أبو الحارث اللّيثي الدمشقي. روى عن زكريا
خيّاط السّنّة، وطائفة، وعمّر دهرا.
__________
[1] في «سير أعلام النبلاء» (16/ 166) و «طبقات الشافعية» للإسنوي:
«أحمد بن بشر بن عامر» وهو الصواب كما سيرد في ترجمته بعد قليل، وفي
«معجم البلدان» (5/ 112) : «أحمد بن عامر بن يسر» وهو خطأ فيصحح فيه.
[2] في «طبقات الشافعية» (2/ 377- 378) .
[3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع و «طبقات الشافعية»
للإسنوي.
[4] يعني أبا إسحاق الشيرازي.
[5] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (114) بتحقيق الدكتور إحسان عباس.
[6] انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 211) مصوّرة دار الكتب العلمية
ببيروت.
[7] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (126) .
[8] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «أوحد» .
(4/327)
وفيها أبو إسحاق المزكّي، إبراهيم بن محمد
بن يحيى النيسابوري.
قال الحاكم: هو شيخ نيسابور في عصره، وكان من العبّاد المجتهدين
الحجّاجين المنفقين على الفقراء والعلماء. سمع ابن خزيمة، وأبا العبّاس
السرّاج، وخلقا كثيرا، وأملى عدة سنين.
وكان يحضر مجلسه أبو العبّاس الأصم، ومن دونه. وكان مثريا متموّلا، عاش
سبعا وستين سنة، توفي بعد خروجه من بغداد، ونقل إلى نيسابور فدفن بها.
وفيها إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكال [1] الأمير، أبو العبّاس،
الأديب الممدوح ب «مقصورة ابن دريد» ، وتلميذ ابن دريد، وكان أبوه إذ
ذاك متولى الأهواز للمقتدر، فأسمعه من عبدان الجواليقي.
وفيها أبو بحر البربهاري- نسبة إلى بيع البربهار، وهو ما يجلب من
الهند- محمد بن الحسن بن كوثر في جمادى الأولى، وله ست وتسعون سنة، وهو
ضعيف. روى عن الكديمي، ومحمد بن الفرج الأزرق، وطبقتهما.
قال الدارقطني: اقتصروا من حديثه على ما انتخبته فحسب [2] .
وفيها سعيد بن القاسم بن العلاء أبو عمر البردعي [3]- بفتح الباء وسكون
الراء وفتح الدال المهملة، نسبة إلى بردعة، بلد بأذربيجان- وهو نزيل
طراز [4] من بلاد الأتراك، وهو من الحفاظ المعتبرين.
وفيها محمد بن عبد الله بن محمد أبو جعفر البلخيّ الهندوانيّ، الذي
__________
[1] في «العبر» : «ابن ميكاييل» . وانظر «شرح مقصورة ابن دريد» ص (13)
. بتحقيق د. فخر الدّين قباوة.
[2] في الأصل والمطبوع: «ما انتخبته حسب» وأثبت لفظ «العبر» مصدر
المؤلف.
[3] ويقال له: البرذعي وكلاهما صواب. انظر «توضيح المشتبه» لابن ناصر
الدّين (1/ 452) وتعليق الأستاذ محمد نعيم العرقسوسي عليه، وانظر «معجم
البلدان» (1/ 379) .
[4] انظر «معجم البلدان» (4/ 27) .
(4/328)
كان من براعته في الفقه، يقال له: أبو
حنيفة الصغير، توفي ببخارى، وكان شيخ تلك الديار في زمانه، وقد روى
الحديث، عن محمد بن عقيل البلخي وغيره.
والهندواني: بكسر الهاء وضم الدال المهملة، نسبة إلى باب هندوان، محلة
ببلخ.
وفيها أبو عمر محمد بن موسى بن فضالة، المحدّث الأموي، مولاهم الدمشقي،
في ربيع الآخر. روى عن الحسن بن الفرج الغزّي، وأبي قصي العذري.
قال عبد العزيز الكتاني: تكلموا فيه.
وفيها أبو الحسن، وأبو القاسم، محمد بن هانئ، حامل لواء الشعراء
بالأندلس، قيل: إنه ولد يزيد بن حاتم، وكان أبوه هانئ من قرية من قرى
المهدية بإفريقية، وكان شاعرا أديبا، وانتقل إلى الأندلس، فولد له محمد
المذكور بها، بمدينة إشبيلية ونشأ بها، واشتغل، وحصل له حظ وافر من
الأدب، وعمل الشعر فبهر فيه، وكان حافظا لأشعار العرب وأخبارهم، واتصل
بصاحب إشبيلية، وحظي عنده، وكان كثير الانهماك في الملاذ، متهما بمذهب
الفلاسفة، ولما اشتهر عنه ذلك نقم عليه أهل إشبيلية، وساءت المقالة في
حق الملك بسببه، واتهم بمذهبه أيضا، فأشار الملك عليه بالغيبة عن البلد
مدة ينسى فيها خبره، فانفصل عنها وعمره يومئذ سبع وعشرون سنة، فخرج إلى
عدوة المغرب ولقي جوهر القائد، ثم رحل إلى جعفر ويحيى ابني علي وكانا
بالمسيلة [1] وهي مدينة الزاب، وكانا والييها، فبالغا في إكرامه
والإحسان إليه، ونمى خبره إلى معز أبي تميم معدّ بن المنصور العبيدي
وطلبه منهما، فلما انتهى إليه بالغ في الإنعام عليه.
__________
[1] تحرّفت في الأصل إلى «النسيلة» وأثبت ما في المطبوع وانظر «معجم
البلدان» (5/ 130) .
(4/329)
ثم توجه المعزّ إلى الديار المصرية، فشيعه
ابن هانئ، ورجع إلى المغرب لأخذ عياله والالتحاق به، فتجهز وتبعه، فلما
وصل إلى برقة أضافه شخص من أهلها، فأقام عنده أياما في مجلس الأنس،
فيقال: إنهم عربدوا عليه، فقتلوه، وقيل: خرج من تلك الدار وهو سكران،
فنام على الطريق، فأصبح ميتا، ولم يعلم سبب موته، وقيل: وجد في سانية
[1] من سواني برقة، مخنوقا بتكة سراويله، وكان ذلك في بكرة نهار
الأربعاء ثالث عشري رجب من هذه السنة، وعمره ست وثلاثون سنة، وقيل:
اثنتان وأربعون.
ولما بلغ المعز وفاته، تأسف عليه كثيرا، وقال: كنّا نرجو أن نفاخر به
شعراء المشرق، فلم يقدّر لنا ذلك.
وقال ابن خلكان [2] : وديوانه كبير [3] ، ولولا ما فيه من الغلو [في
المدح] والإفراط المفضي إلى الكفر لكان من أحسن الدواوين، وليس في
المغاربة من هو في طبقته، لا من متقدميهم، ولا متأخريهم، بل هو أشعرهم
على الإطلاق، وهو عندهم كالمتنبي عند المشارقة، وكانا متعاصرين، وإن
كان في المتنبي وأبي تمام من الاختلاف ما فيه. انتهى.
وقال ابن الأهدل: وكنية ابن هانئ أبو نواس بكنية الحسن بن هانئ الحكمي
العراقي، وكان معاصرا للمتنبي، ويقال: إنهما اجتمعا حين أراد المتنبي
دخول المغرب فردّه أبو الحسن بن هانئ بنوع حيلة. انتهى.
والحيلة التي ذكرها، قال بعضهم: هي أن المتنبي أراد مدح فاتح قابس،
فضجر لذلك، وقال: شاعر لم يرضه عطاء كافور، كيف يرضه عطائي؟
__________
[1] قال ابن منظور: السّانية، وجمعها السّواني، ما يسقى عليه الزرع
والحيوان من بعير وغيره.
انظر «لسان العرب» (سنا) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 421- 424) وما بين حاصرتين في الخبر
مستدرك منه.
[3] في الأصل والمطبوع: «كثير» وهو تحريف والتصحيح من «وفيات الأعيان»
.
(4/330)
فتكفل له ابن هانئ بردّه، فيقال: إنه خرج
في زيّ أعرابي فقير على راحلة هزيلة، وأمامه شاة هزيلة، فمرّ بهذا
الزيّ على المتنبي، وكان على مرحلة من قابس، فلما رآه المتنبي أراد
العبث به، فقال له: من أين أتيت؟ قال: من عند الملك، قال: فيما كنت
عنده؟ قال: امتدحته بأبيات فأجازني هذه الشاة، فأضمر في نفسه أن الملك
من لطفه كونه أجازه بها يظن شعره على قدرها، فقال له: ما قلت فيه؟ قال:
قلت [1] :
ضحك الزمان وكان قدما عابسا ... لمّا فتحت بعزم سيفك قابسا
أنكحتها بكرا وما أمهرتها ... إلّا قنا وصوارما وفوارسا
من كان بالسمر العوالي خاطبا ... فتحت له البيض الحصون عرائسا
فتحير المتنبيّ وأمر بتقويض خيامه، وآلى أن لا يمتدحه، إذ جائزته على
مثل هذا بمثل هذه.
ومن غرر المدائح ونخب الشعر قوله في مدح المعز العبيدي المذكور:
هل من أعقّة [2] عالج يبرين ... أم منهما بقر الحدوج [3] العين
ولمن ليال ما ذممنا عهدها ... مذ كنّ إلّا ما لهن شجون
المشرقات كأنهنّ كواكب ... والناعمات كأنهنّ غصون
بيض وما ضحك الصباح وإنها [4] ... بالمسك من طرر [5] الحسان لجون
أدمى لها المرجان صفحة خدّه ... وبكى عليه اللؤلؤ المكنون
أعدى الحمام تأوّهى من بعدها ... فكأنّه فيما سجعن رنين [6]
__________
[1] الأبيات من قصيدة طويلة جدا في «ديوانه» ص (350- 357) طبع دار صادر
ببيروت وأوردها ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (4/ 422- 423) .
[2] في الأصل والمطبوع: «من بمعهد» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات
الأعيان» .
[3] في الأصل: «نفر الجدوح» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات الأعيان» .
[4] في الأصل والمطبوع: «وإنما» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات الأعيان»
.
[5] في الأصل والمطبوع: «من طور» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات الأعيان»
.
[6] في الأصل والمطبوع: «فكأنها مما شخصن رنين» وأثبت لفظ «ديوانه» و
«وفيات الأعيان» .
(4/331)
بانوا سراعا للهوادج زفرة [1] ... مما رأين
وللمطيّ حنين
فكأنما صبغوا الضّحى بقبابهم [2] ... أو عصفرت فيه الخدود عيون
ماذا على حلل الشقيق لو أنها ... عن لابسيها في الخدود تبين
ولأعطشنّ الروض بعدهم فلا ... يرويه لي دمع عليه هتون
أأعير لحظ العين بهجة منظر ... وأخونهم؟ إني إذا لخؤون
لا الجوّ جوّ مشرق ولو اكتسى ... زهرا ولا الماء المعين معين
لا يبعدنّ إذ العبير له ثرى [3] ... والتاج دوح [4] والشموس قطين
أيام فيه العبقريّ مفوّف [5] ... والسّابريّ [6] مضاعف موضون
والزاغبيّة شرّع والمشرف ... ة لمّع [7] والمقربات صفون
والعهد من لمياء [8] إذ لا قومها [9] ... خزر ولا الحرب الهؤون زبون
حزنى لذاك الجوّ وهو أسنة ... وكذا لذاك الخشف وهو عرين
هل يدنينّي منه أجرد سابح ... مرح وجائلة السريح [10] أمون
ومهنّد فيه الفرند كأنه ... دله له خلف الغرار أنين
عضب المضارب مقفر من أعين ... لكنّه من أنفس مسكون
قد كان رشح حديده أجلا وما ... صاغت مضاربه الرقاق قيون
وكأنما يلقى الضريبة دونه ... بابن المعزّ واسمه المخزون
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «وفرة» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات الأعيان» .
[2] في الأصل والمطبوع: «وكأنما صبغوا الدجى بثيابهم» وأثبت لفظ
«ديوانه» و «وفيات الأعيان» .
[3] في الأصل والمطبوع: «لا يبعدن إذا العشير له يرى» وأثبت لفظ
«ديوانه» و «وفيات الأعيان» .
[4] في الأصل والمطبوع: «والتاج روح» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» وفي
«ديوانه» : و «البانأيك» .
[5] في الأصل والمطبوع: «مغوف» وأثبت ما في «ديوانه» و «وفيات الأعيان»
.
[6] في الأصل والمطبوع: «والباقري» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات
الأعيان» .
[7] في الأصل والمطبوع: «أبلغ» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات الأعيان» .
[8] في «وفيات الأعيان» : «من ظمياء» .
[9] في الأصل والمطبوع: «إذ لا فوقها» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات
الأعيان» .
[10] في «ديوانه» و «وفيات الأعيان» : «النّسوع» .
(4/332)
وهي طويلة.
قال في «العبر» [1] : كان منغمسا في اللذات والمحرمات، متهما بدين
الفلاسفة، شرب ليلة عند ناس، فأصبح مخنوقا، وهو في عشر الخمسين.
انتهى.
__________
[1] (2/ 334- 335) .
(4/333)
سنة ثلاث وستين
وثلاثمائة
فيها ظهر ما كان المطيع يستره من الفالج، وثقل لسانه، فدعاه الحاجب
سبكتكين- وهو صاحب السلطان عز الدولة- إلى خلع نفسه، وتسليم الخلافة
إلى ولده الطائع لله، ففعل ذلك في ذي القعدة، وأثبت خلعه على قاضي
القضاة أبي الحسن بن أم شيبان.
وفيها أقيمت الدعوة بالحرمين للمعزّ العبيدي، وقطعت خطبة بني العبّاس،
ولم يحجّ ركب العراق، لأنهم وصلوا إلى سميراء، فرأوا هلال ذي الحجة،
وعلموا أن لا ماء في الطريق، فعدلوا إلى مدينة النّبيّ، صلى الله عليه
وسلم، ثم قدموا الكوفة في أول المحرم.
وفيها مات ثابت بن سنان بن ثابت بن قرّة الصابئ الحرّاني، الطبيب
المؤرخ، صاحب التصانيف. كان صابئي النحلة، وكان ببغداد في أيام معز
الدولة بن بويه، وكان طبيبا عالما [1] نبيلا تقرأ عليه كتب بقراط،
وجالينوس، وكان فكّاكا للمعاني، وكان قد سلك مسلك جدّه ثابت في نظره في
الطب، والفلسفة، والهندسة، وجميع الصناعات الرياضية للقدماء، وله تصنيف
في التاريخ أحسن فيه.
__________
[1] في الأصل: «عاملا» وأثبت ما في المطبوع. وانظر «معجم الأدباء»
لياقوت الحموي (7/ 142- 143) .
(4/334)
وفيها جمح بن القاسم [1] ، أبو العبّاس،
المؤذن بدمشق. روى عن عبد الرحمن بن الرّواس، وطائفة.
وفيها أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد الحنبلي، صاحب الخلّال، وشيخ
الحنابلة وعالمهم المشهور، وصاحب التصانيف. روى عن موسى بن هارون، وأبي
خليفة الجمحي، وجماعة. توفي في شوّال وله ثمان وسبعون سنة، وكان صاحب
زهد وعبادة وقنوع. قاله في «العبر» [2] .
وقال ابن أبي يعلى في «طبقاته» [3] : عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن
يزداد بن معروف، أبو بكر، المعروف بغلام الخلّال. حدّث عن محمد بن
عثمان بن أبي شيبة، وموسى بن هارون، ومحمد بن الفضل، وأبي خليفة الفضل
بن الحباب [4] البصري، وخلائق. وروى عنه أبو إسحاق بن شاقلا، وأبو عبد
الله بن بطة، وأبو الحسن التميمي، وأبو عبد الله بن حامد، وغيرهم، وكان
أحد أهل الفهم، موثوقا به في العلم، متسع الرواية، مشهورا بالديانة،
موصوفا بالأمانة، مذكورا بالعبادة، وله المصنفات في العلوم المختلفات:
«الشافي» «المقنع» «تفسير القرآن» «الخلاف مع الشافعي» «كتاب القولين»
«زاد المسافر» «التنبيه» وغير ذلك.
حدّثنا جعفر بن محمد بن سليمان الخلّال، حدّثنا محمد بن عوف الحمصي
قال: سمعت أحمد بن حنبل- وسئل عن التفضيل؟ - فقال: من قدّم عليا على
أبي بكر، فقد طعن على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن قدّمه على
عمر، فقد طعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر، ومن
قدّمه على عثمان،
__________
[1] ويعرف ب «ابن أبي الحواجب» انظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 77) .
[2] (2/ 336) .
[3] انظر «طبقات الحنابلة» (2/ 119- 125) .
[4] في الأصل والمطبوع: «ومحمد بن الفضل، وموسى بن هارون بن الحباب»
والتصحيح من «طبقات ابن أبي يعلى» .
(4/335)
فقد طعن على أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلى
أهل الشورى، والمهاجرين [1] والأنصار.
وبه حدّثنا محمد بن الحسن بن هارون بن بدينا، قال: سألت أبا عبد الله
عن الاستثناء في الإيمان؟ فقال: نعم، الاستثناء على غير معنى الشك [2]
، مخافة واحتياطا للعمل، وقد استثنى ابن مسعود وغيره، وهو مذهب الثوري.
ولما مات أبو بكر عبد العزيز اختلف أهل باب الأزج في دفنه، فقال بعضهم:
يدفن في قبر أحمد، وقال بعضهم: يدفن عندنا، وجردوا السيوف والسكاكين،
فقال المشايخ: لا تختلفوا [3] ، نحن في حريم السلطان- يعنون المطيع
لله- فما يأمر نفعل، قال: فلفوه في نطع مشدود بالشراريف [4] ، خوفا أن
يمزق الناس أكفانه، وكتبوا رقعة إلى الخليفة، فخرج الجواب: مثل هذا
الرجل، لا نعدم بركاته، أن يكون في جوارنا، وهناك موضع يعرف بدار
الفيلة [5] ، وهو ملك لنا، ولم يكن فيه دفن، فدفن فيه رحمه الله تعالى.
وحكى أبو العبّاس بن أبي عمرو الشرابي قال: كان لنا ذات ليلة خدمة،
أمسيت لأجلها، ثم إني خرجت منها نومة الناس، وتوجهت إلى داري بباب
الأزج، فرأيت عمود نور من جوف السماء [6] إلى جوف المقبرة، فجعلت أنظر
إليه ولا ألتفت، خوفا أن يغيب عنّي، إلى أن وصلت إلى قبر
__________
[1] حصل بعض التحريف هنا في الأصل وأثبتنا لفظ المطبوع وهو موافق للفظ
«طبقات ابن أبي يعلى» .
[2] في الأصل والمطبوع: «شك» وأثبت لفظ «طبقات ابن أبي يعلى» .
[3] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «لا تقتتلوا» .
[4] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «بالشوارف» .
[5] في الأصل والمطبوع: «بدار الأفيلة» وأثبت لفظ «طبقات ابن أبي يعلى»
، وانظر «تاريخ الطبري» (3/ 589) .
[6] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «من جو السماء» .
(4/336)
أبي بكر عبد العزيز، فإذا أنا بالعمود من
جوف السماء إلى القبر، فبقيت متحيرا، ومضيت وهو على حاله. انتهى ملخصا.
وفيها أبو بكر بن النابلسي، محمد بن أحمد بن سهل الرّملي الشهيد، سلخه
صاحب مصر، المعزّ [لدين الله] ، وكان قد قال: لو كان معي عشرة أسهم،
لرميت الرّوم سهما ورميت بني عبيد تسعة، فبلغ القائد جوهر، فلما قرّره
[1] اعترف، وأغلظ لهم، فقتلوه، وكان عابدا صالحا زاهدا، قوّالا بالحق.
وفيها أبو الحسن الآبري محمد بن الحسين السجستاني [2] مؤلف كتاب «مناقب
الشافعي» .
وآبر: بمد الهمزة، وضم الموحدة، ثم راء خفيفة، قرية بسجستان.
رحل إلى الشام، وخراسان، والجزيرة، وروى عن ابن خزيمة وطبقته.
قال ابن ناصر الدّين: الآبري: محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم
السجستاني، أبو الحسن، كان حافظا مجودا، ثبتا مصنفا. انتهى.
وفيها محدّث الشام، الحافظ أبو العبّاس، محمد بن موسى بن الحسين بن
السمسار، الدمشقي. روى عن محمد بن خريم، وابن جوصا، وطبقتهما، وعنه
تمّام الرّازي وغيره، وكان ثقة نبيلا حافظا جليلا، كتب القناطير، وحدّث
باليسير. قاله الكتاني.
وارتحل إلى مصر وإلى بغداد.
وفيها الغزّال الزعفراني، الحافظ الإمام المقرئ، أبو عبيد الله، محمد
بن عبد الرحمن بن سهل الأصبهاني. [روى] عن محمد بن علي
__________
[1] أي فلما استجوبه.
[2] انظر «توضيح المشتبه» لابن ناصر الدّين (1/ 118) .
(4/337)
الفرقدي، وعبدان الأهوازي. وعنه المالينيّ،
وأبو نعيم الحافظ، وقال: هو أحد من يرجع إلى حفظه ومعرفته [1] ، وله
مصنفات. قاله ابن بردس [2] .
وفيها المظفّر بن حاجب بن أركين الفرغاني، أبو القاسم، توفي بدمشق في
هذا العام أو بعده. رحل به أبوه، وسمع من جعفر الفريابي، والنسائي،
وطبقتهما.
وفيها النّعمان بن محمد بن منصور القيرواني القاضي، أبو حنيفة، الشّيعي
ظاهرا، الزنديق باطنا، قاضي قضاة الدولة العبيدية، صنّف كتاب «ابتداء
الدعوة» وكتابا في فقه الشيعة، وكتبا كثيرة، تدل على انسلاخه من
الدّين، يبدّل فيها معاني القرآن ويحرّفها، مات بمصر في رجب، وولي بعده
ابنه.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «هو أحد من رجع إلى حفظ ومعرفة» وما أثبته من
«تذكرة الحفاظ» للذهبي (3/ 964) .
[2] في الأصل والمطبوع: «ابن برداس» وهو خطأ والصواب ما أثبته.
(4/338)
سنة أربع وستين
وثلاثمائة
قال في «الشذور» : فيها تزوج الطائع شاهزنان بنت عز الدولة، على صداق
مبلغه مائة ألف دينار، وخطب خطبة النكاح أبو بكر بن قريعة القاضي.
انتهى.
وفيها توفي أبو بكر بن السنّي الحافظ، أحمد بن محمد بن إسحاق بن
إبراهيم الدّينوري، صاحب كتاب «عمل اليوم والليلة» ، ورحل وكتب الكثير،
وروى عن النسائي، وأبي خليفة [1] وطبقتهما.
قال ابن ناصر الدّين: اختصر سنن النسائي وسمّاه «المجتبى» .
قال ابنه أبو علي الحسن: كان أبي، رحمه الله، يكتب الأحاديث فوضع القلم
في أنبوبة المحبرة، ورفع يديه يدعو الله عزّ وجل، فمات.
انتهى.
وفيها ابن الخشّاب أحمد بن القاسم بن عبد الله [2] بن مهدي، أبو الفرج
البغدادي. كان أحد الحفّاظ المتقدمين. قاله ابن ناصر الدّين.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «وابن خليفة» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» مصدر
المؤلف، وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 48) .
[2] كذا في الأصل والمطبوع و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر
الدّين (130/ آ) «مخطوط» و «تاريخ بغداد» (4/ 353) وعند ابن عساكر في
ترجمته في «تاريخ دمشق» .
(4/339)
وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد
بن رجاء النيسابوري الورّاق الأبزاري- بالباء الموحدة والزاي والراء،
نسبة إلى أبزار قرية بنيسابور- توفي في رجب، وله ست وتسعون سنة. رحل
وطوّف الكثير، وعني بالحديث، وروى عن مسدّد بن قطن، والحسن بن سفيان،
وإنما رحل عن كبر.
وفيها سبكتكين حاجب معز الدولة، كان الطائع قد خلع عليه خلعة الملوك،
وطوّقه وسوّره، ولقبه نصر الدولة، فلم تطل أيامه، توفي في المحرم،
وخلّف ألف ألف دينار، وعشرة آلاف ألف درهم، وصندوقين فيهما جوهر، وستين
صندوقا فيها أواني ذهب وفضة وبلور، ومائة وثلاثين مركبا ذهبا، منها
خمسون، وزن كل واحد ألف مثقال، وستمائة مركب فضة، وأربعة آلاف ثوب
ديباجا، وعشرة آلاف ثوب ديبقي وعتابي، وداره، هي دار السلطان اليوم.
قاله في «الشذور» [1] .
وفيها أبو هاشم، عبد الجبار بن عبد الصمد بن إسماعيل السّلمي الدمشقي
المؤدّب. قرأ القرآن على أبي عبيدة ولد ابن ذكوان، وروى عن محمد بن
المعافى الصيداوي، وأبي شيبة داود بن إبراهيم وطبقتهما، ورحل وتعب
وجمع، وكان ثقة.
قال ابن ناصر الدّين: كان من الأعيان، وكتب القناطير. انتهى.
وفيها علي بن أحمد بن علي المصّيصي. روى عن أحمد بن خليد [2] الحلبي
وغيره.
__________
(7/ 145 146) ، وورد عند ابن عساكر في صدر الترجمة، وعند الذهبي في
«سير أعلام النبلاء» (16/ 151) وعند الصفدي في «الوافي بالوفيات» (7/
292) : «ابن عبيد الله» .
[1] وانظر «العبر» (2/ 339) فقد أورد الذهبي خبره فيه باختصار.
[2] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «ابن خليل» والتصويب من «العبر» (2/
340) وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 219) .
(4/340)
وفيها المطيع [لله] [1] ، الخليفة أبو
القاسم، الفضل بن المقتدر [بالله] جعفر بن المعتضد [بالله] العبّاسي.
ولد في أول سنة إحدى وثلاثمائة، وبويع بالخلافة في سنة أربع وثلاثين
بعد المستكفي.
قال ابن شاهين: وخلع نفسه غير مكره، فيما صحّ عندي، في ذي القعدة، سنة
ثلاث وستين، ونزل عن الأمر لولده الطائع لله عبد الكريم.
قال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [2] : وأثبت خلعه على [3] القاضي ابن
أمّ [4] شيبان، وصار بعد خلعه يسمى الشيخ الفاضل.
قال الذهبي: وكان المطيع وابنه مستضعفين، مع بني بويه، ولم يزل أمر
الخلفاء في ضعف إلى أن استخلف المقتفي لله، فانصلح أمر الخلافة قليلا،
وكان دست الخلافة لبني عبيد الرافضة بمصر أميز، وكلمتهم أنفذ، ومملكتهم
تناطح مملكة العباسيين في وقتهم، وخرج المطيع إلى واسط مع ولده [5]
فمات في محرم، سنة أربع وستين.
قال الخطيب: حدّثني محمد بن يوسف القطّان، سمعت أبا الفضل التميمي،
سمعت المطيع لله، سمعت شيخي ابن منيع، سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا مات
أصدقاء الرجل ذلّ. انتهى كلام السيوطي.
وفيها محمد بن بدر الأمير أبو بكر الحمامي الطولوني، أمير بعض بلاد
فارس.
قال أبو نعيم: ثقة.
__________
[1] زيادة من «العبر» و «تاريخ الخلفاء» للسيوطي. وانظر «الأعلام» (5/
147) .
[2] ص (404) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد رحمه الله.
[3] لفظة «على» لم ترد في «تاريخ الخلفاء» الذي بين يدي.
[4] لفظة «أم» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع و «تاريخ الخلفاء» .
[5] تحرّفت في «تاريخ الخلفاء» إلى «والده» فتصحح فيه فإن والده
المقتدر بالله مات سنة (320) هـ.
(4/341)
وقال ابن الفرات: كان له مذهب في الرفض.
وروى عن بكر بن سهل الدمياطي، والنسائي، وطبقتهما.
قال الذهبي في «المغني» [1] : محمد بن بدر الحمامي، سمع بكر بن سهل،
صدوق ولكنه يترفض. انتهى.
وفيها أبو الحسن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدة التميمي
النيسابوري السّليطي- بفتح السين المهملة وكسر اللام، نسبة إلى سليط
جدّ- روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي، وإبراهيم بن علي الذهلي وجماعة،
وعاش اثنتين وتسعين سنة.
__________
[1] انظر «المغني في الضعفاء» (2/ 559) .
(4/342)
سنة خمس وستين
وثلاثمائة
فيها كما قال في «الشذور» جلس قاضي القضاة، أبو محمد بن معروف [1] في
دار عز الدولة، ونظر في الأحكام، لأن عز الدولة أحبّ أن يشاهد مجلس
حكمه. انتهى.
وفيها توفي أحمد بن جعفر بن سلم، أبو بكر الختّلي- بضم أوله والفوقية
المشددة، نسبة إلى الختّل قرية بطريق خراسان- المحدّث المقرئ المفسّر،
وله سبع وثمانون سنة، كان ثبتا ثقة صالحا. روى عن أبي مسلم الكجّي
وطبقته.
وفيها الذّارع، أبو بكر أحمد بن نصر البغدادي، أحد الضعفاء والمتروكين.
روى عن الحارث بن أبي أسامة.
قال في «المغني» [2] : أحمد بن نصر الذّارع، شيخ بغدادي، له جزء مشهور.
قال الدارقطني: دجال. انتهى.
وفيها أو بعدها، إسماعيل بن نجيد الإمام، أبو عمرو السّلمي النيسابوري،
شيخ الصوفية بخراسان، في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون
__________
[1] واسمه «عبيد الله بن أحمد» انظر «تاريخ بغداد» (10/ 365) و
«الأعلام» (4/ 191) .
[2] انظر «المغني في الضعفاء» (1/ 61) .
(4/343)
سنة. أنفق أمواله على الزهّاد والعلماء،
وصحب الجنيد، وأبا عثمان الحيري، وسمع محمد بن إبراهيم البوشنجي، وأبا
مسلم الكجّي، وطبقتهما، وكان صاحب أحوال ومناقب.
قال سبطه أبو عبد الرحمن السّلمي: سمعت جدّي يقول: كل حال لا يكون عن
نتيجة علم- وإن جلّ- فإن ضرره على صاحبه أكبر من نفعه. قاله في «العبر»
[1] .
وفيها أبو علي الماسرجسي الحافظ، أحد أركان الحديث بنيسابور، الحسين بن
محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن عيسى بن ماسرجس، النيسابوري، الثقة،
المأمون. توفي في رجب، وله ثمان وستون سنة. روى عن جدّه، وابن خزيمة
وطبقتهما، ورحل إلى العراق، ومصر، والشام.
قال الحاكم: هو سفينة عصره في كثرة الكتابة، صنّف «المسند الكبير»
مهذبا معلّلا في ألف وثلاثمائة جزء، وجمع حديث الزهري جمعا لم يسبقه
إليه أحد، وكان يحفظه مثل الماء، وصنّف كتابا على البخاري، وآخر على
مسلم، ودفن علم كثير بموته.
وفيها عبد الله بن أحمد بن إسحاق أبو محمد [2] الأصبهاني، والد أبي
نعيم الحافظ، وله أربع وثمانون سنة. رحل، وعني بالحديث، وروى عن أبي
خليفة الجمحي وطبقته، وكانت رحلته في سنة ثلاثمائة. قاله في «العبر»
[3] .
وفيها ابن عديّ، الحافظ الكبير، أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله
بن محمد، ويعرف بابن القطّان الجرجاني، مصنّف «الكامل» .
__________
[1] (2/ 342) .
[2] في الأصل والمطبوع: «ابن محمد» والتصحيح من «العبر» وانظر «سير
أعلام النبلاء» (16/ 281) .
[3] (2/ 343) .
(4/344)
قال ابن قاضي شهبة [1] : هو أحد الأئمة
الأعلام وأركان الإسلام. طاف البلاد في طلب العلم، وسمع الكبار. له
كتاب «الانتصار على مختصر المزني» وكتاب «الكامل في معرفة الضعفاء
والمتروكين» وهو كامل في بابه كما سمّي.
وقال ابن عساكر: كان ثقة على لحن فيه.
وقال الذهبي: كان لا يعرف العربية مع [2] عجمة فيه، وأما [في] العلل
والرجال فحافظ لا يجارى. ولد سنة سبع وسبعين ومائتين، ومات في جمادى
الآخرة سنة خمس وستين وثلاثمائة. انتهى كلام ابن قاضي شبهة في «طبقاته»
.
وقال ابن ناصر الدّين: سمع خلقا يزيدون على ألف. انتهى.
وفيها أبو أحمد بن النّاصح، وهو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن
الناصح بن شجاع بن المفسر الدمشقي، الفقيه الشافعي، في رجب بمصر.
روى عن عبد الرحمن الروّاس، وأبي بكر بن علي المروزي، وطائفة.
وفيها الشّاشي القفّال الكبير، أبو بكر، محمد [بن علي] [3] بن إسماعيل
الفقيه الشافعي، صاحب المصنفات. رحل إلى العراق، والشام، وخراسان.
قال الحاكم: كان عالم [4] أهل ما وراء النهر بالأصول، وأكثرهم رحلة في
الحديث. سمع ابن جرير الطبري، وابن خزيمة، وطبقتهما، وهو صاحب وجه في
المذهب.
قال الحليمي: كان شيخنا القفّال أعلم من لقيته من فقهاء عصره.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 118) طبع حيدر أباد.
[2] في المطبوع: «سمع» وهو خطأ.
[3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع، واستدركته من «العبر» و
«سير أعلام النبلاء» (16/ 283) .
[4] في «العبر» و «سير أعلام النبلاء» : «كان أعلم» .
(4/345)
وقال ابن قاضي شهبة: كان إماما، وله مصنفات
كثيرة ليس لأحد مثلها، وهو أول من صنّف الجدل الحسن من الفقهاء، وله
كتاب حسن في أصول الفقه، وله «شرح الرسالة» وعنه انتشر فقه الشافعي
فيما وراء النهر.
وقال النووي في «تهذيبه» [1] : إذا ذكر القفّال الشاشي، فالمراد هذا،
وإذا ورد القفّال المروزي فهو الصغير، ثم إن الشاشي يتكرر ذكره في
[كتب] التفسير، والأصول والحديث والكلام، والمروزي يتكرر ذكره في
الفقهيات.
ومن تصانيف الشاشي «دلائل النبوة» و «محاسن الشريعة» و «آداب القضاء»
جزء كبير، و «تفسير» كبير [2] . مات في ذي الحجة. انتهى ملخصا.
وقال ابن الأهدل: هو شيخ الشافعية في عصره، كان فقيها محدّثا أصوليا
متقنا [3] ذا طريقة حميدة وتصانيف نافعة، وله شعر جيد، ولم يكن
للشافعية بما وراء النهر مثله. أخذ عن ابن سريج وطبقته، وابن جرير
الطبري، وإمام الأئمة ابن خزيمة، وغيرهم. وأخذ عنه الحاكم أبو عبد
الله، وابن مندة، والحليمي، وأبو عبد الرحمن السّلمي، وغيرهم، وهو والد
القاسم صاحب «التقريب» [4] وهو منسوب إلى شاش، مدينة وراء نهر جيحون.
واعلم أن لنا قفّالا غير شاشي، وشاشيا غير قفّال، وثلاثتهم يكنّون
__________
[1] انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 282) وقد نقل المؤلف عنه بتصرّف،
وانظر النقل في «سير أعلام النبلاء» (16/ 284- 285) .
[2] ومنها كتابه القيّم «جوامع الكلم» الذي جمع فيه طائفة كبيرة من
الأحاديث النبوية التي سارت مسار الأمثال بين جماهير المسلمين، وقد من
الله عزّ وجل عليّ بتحقيقه والتقديم له والتعليق عليه، وقد شاركني
العمل في تحقيقه صديقي الفاضل الأستاذ صلاح الشعّال، وهو قيد الطبع
الآن في مكتبة دار العروبة في الكويت.
[3] في المطبوع: «متفننا» .
[4] قال اليافعي في «مرآة الجنان» (2/ 382) : وقيل: إنه- يعني الشاشي
القفّال- صاحب «كتاب التقريب» لا ولده، وللشك في ذلك يقال: قال صاحب
«التقريب» .
(4/346)
بأبي بكر، ويشترك اثنان في اسمهما، واثنان
في اسم أبيهما، دون اسمهما، فالقفّال غير الشاشي هو المروزي، شيخ
القاضي حسين، وأبي محمد الجويني، وسيأتي في سنة سبع وخمسمائة. انتهى
كلام ابن الأهدل.
وفيها المعز لدين الله، أبو تميم، معدّ بن المنصور [1] إسماعيل بن
القائم بن المهدي العبيدي، صاحب المغرب، الذي ملك الديار المصرية.
ولي الأمر بعد أبيه سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، ولما افتتح له مولاه
جوهر سجلماسة، وفاس، وسبتة، وإلى البحر المحيط، جهّزه بالجيوش
والأموال، فأخذ الديار المصرية، وبنى مدينة القاهرة المعزّية، وكان
مظهرا للتّشيّع، معظما لحرمات الإسلام، حليما، كريما، وقورا، حازما،
سريّا، يرجع إلى عدل وإنصاف في الجملة، توفي في ربيع الآخر، وله ست
وأربعون سنة.
قاله في «العبر» [2] .
وقال ابن خلّكان [3] : بويع بولاية العهد في حياة أبيه المنصور بن
إسماعيل، ثم جددت له البيعة بعد وفاته، فدبر الأمور وساسها، وأجراها
على أحسن أحكامها إلى يوم الأحد، سابع ذي الحجة، سنة إحدى وأربعين
وثلاثمائة، فجلس يومئذ على سرير ملكه، ودخل عليه الخاصة وكثير من
العامة، وسلموا عليه بالخلافة، وتسمى بالمعز، ولم يظهر على أبيه حزنا.
ثم خرج إلى بلاد إفريقية يطوف بها، ليمهد قواعدها، ويقرر أسبابها،
فانقاد له العصاة من أهل تلك البلاد ودخلوا في طاعته، وعقد لغلمانه
وأتباعه على الأعمال، واستندب لكل ناحية من يعلم كفايته وشهامته.
ثم جهز أبا الحسن جوهر القائد، ومعه جيش كثيف ليفتح
__________
[1] في «العبر» «سعد بن المنصور» وهو خطأ فيصحح فيه.
[2] (2/ 345) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 224- 228) .
(4/347)
ما استعصى [1] من بلاد المغرب، فسار إلى
فاس، ثم منها إلى سجلماسة ففتحها، ثم توجه إلى البحر المحيط وصاد من
سمكه وجعله في قلال الماء، وأرسله إلى المعز. ثم رجع إلى المعز ومعه
صاحب سجلماسة، وصاحب فاس أسيرين في قفصي حديد، وقد وطن له البلاد من
باب إفريقية إلى البحر المحيط في جهة الغرب، وفي جهة الشرق من باب
إفريقية إلى أعمال مصر، ولم يبق بلد من هذه البلاد إلا أقيمت فيه
دعوته، وخطب له في جميعه جمعته وجماعته، إلا مدينة سبتة، فإنها بقيت
لبني أمية أصحاب الأندلس.
ولما وصل الخبر إلى المعز- المذكور- بموت كافور الإخشيذي صاحب مصر،
تقدم إلى القائد جوهر ليتجهز للخروج إلى مصر، فخرج أولا لإصلاح أموره،
وكان معه جيش عظيم وجميع [2] قبائل العرب الذين يتوجه بهم إلى مصر.
وخرج المعز بنفسه في الشتاء إلى المهدية، فأخرج من قصور آبائه خمسمائة
حمل دنانير وعاد إلى قصره.
ولما عاد جوهر بالرجال والأموال، وكان قدومه على المعز يوم الأحد سابع
عشري محرم، سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، أمره المعز بالخروج إلى مصر،
فخرج ومعه أنواع القبائل، وأنفق المعز في العسكر المسيّر صحبته أموالا
كثيرة، حتّى أعطى من ألف دينار إلى عشرين دينارا، وغمر [3] الناس
بالعطاء. وتفرقوا [4] في القيروان وصبرة [5] في شراء حوائجهم، ورحل معه
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «ما استعصى له» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[2] في «وفيات الأعيان» : «وجمع» .
[3] في الأصل والمطبوع: «وأغمر» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[4] في «وفيات الأعيان» : «وتصرفوا» .
[5] في الأصل والمطبوع: «وصيره» وهو تصحيف والتصحيح من «وفيات الأعيان»
وانظر «معجم البلدان» (3/ 391- 392) و «الروض المعطار» (354) .
(4/348)
ألف حمل من المال والسلاح، ومن الخيل
والعدد ما لا يوصف، وكان بمصر في تلك السنة غلاء عظيم ووباء، حتّى
مات فيها وفي أعمالها في تلك المدة ستمائة ألف إنسان على ما قيل.
ولما كان منتصف رمضان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، وصلت البشارة إلى
المعز بفتح الديار المصرية ودخول عساكره إليها، وكانت كتب جوهر ترد
[1] إلى المعز باستدعائه إلى مصر، ويحثّه كل وقت على ذلك، ثم سيّر
إليه يخبره بانتظام الحال بمصر والشام والحجاز، وإقامة الدعوة له
بهذه المواضع، فسرّ بذلك سرورا عظيما، ثم استخلف على إفريقية بلكين
بن زيري الصنهاجي، وخرج متوجها إليها بأموال جليلة المقدار، ورجال
عظيمة الأخطار، وكان خروجه من المنصورية دار ملكه يوم الاثنين ثاني
عشري شوال، سنة اثنتين وستين وثلاثمائة.
ولم يزل في طريقه يقيم بعض الأوقات في بعض البلاد أياما ويجدّ
السير في بعضها، وكان اجتيازه على برقة، ودخل الإسكندرية رابع عشري
شعبان من السنة المذكورة، وركب فيها، ودخل الحمام، وقدم عليه بها
قاضي مصر أبو طاهر محمد بن أحمد، وأعيان أهل البلاد، وسلموا عليه،
وجلس لهم عند المنارة، وأخبرهم أنه لم يرد دخول مصر لزيادة في ملكه
ولا لمال، وإنما أراد إقامة الحق والجهاد والحج، وأن يختم عمره
بالأعمال الصالحة، ويعمل بما أمر به جدّه، صلى الله عليه وسلم،
ووعظهم وأطال، حتّى بكى بعض الحاضرين، وخلع على القاضي وجماعة
وودعوه وانصرفوا، ثم رحل منها في أواخر شعبان.
ونزل يوم السبت ثاني رمضان على ساحل مصر بالجيزة، فخرج إليه القائد
جوهر وترجل عند لقائه، وقبّل الأرض بين يديه، واجتمع به بالجيزة
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «تردد» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
(4/349)
أيضا الوزير أبو الفضل جعفر بن الفرات،
وأقام المعز هناك ثلاثة أيام، وأخذ العسكر في التعدية بأثقالهم إلى
ساحل مصر، ولما كان يوم الثلاثاء خامس رمضان، عبر المعز النيل ودخل
القاهرة، ولم يدخل مصر، وكانت قد زيّنت له، وظنوا أنه يدخلها، وأهل
القاهرة لم يستدعوا للقائه لأنهم بنوا الأمر على دخوله مصر أولا،
ولما دخل القاهرة ودخل القصر ودخل مجلسا فيه [1] خرّ ساجدا [لله
تعالى] ثم صلى فيه ركعتين، وانصرف الناس عنه.
وكان المعز عاقلا، حازما، سريا، أديبا حسن النظر في النجامة، وينسب
إليه من الشعر:
لله ما صنعت بنا ... تلك المحاجر في المعاجر
أمضى وأقضى في النفو ... س من الخناجر في الحناجر
انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا.
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «ودخل مجلسا منه» وما بين حاصرتين زيادة
منه.
(4/350)
|