شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وسبعين
وثلاثمائة
فيها كما قال ابن الجوزي في «الشذور» مات عضد الدولة، والصحيح أنه مات
في التي بعدها كما يأتي.
وفيها الإسماعيلي، الحبر الإمام الجامع، أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن
إسماعيل بن العبّاس الجرجاني [1] الحافظ الفقيه الشافعي، ذو التصانيف
الكبار في الحديث والفقه بجرجان، في غرّة رجب، وله أربع وتسعون سنة.
أول سماعه في سنة تسع وثمانين، ورحل في سنة أربع وتسعين، وسمع من يوسف
بن يعقوب القاضي وإبراهيم بن زهير الحلواني وطبقتهما، وعنه: الحاكم،
والبرقاني، وحمزة اليمني.
قال الحاكم: كان الإسماعيلي أوحد عصره وشيخ المحدّثين والفقهاء،
وأجلّهم في الرئاسة والمروءة والسخاء. انتهى.
وقال الذهبي [2] : كان ثقة حجة كثير العلم. انتهى.
وفيها المطّوّعي، أبو العبّاس الحسن بن سعيد بن جعفر العبّاداني
المقرئ، نزيل إصطخر، وأسند من في الدّنيا في القراءات. قرأ القراءات
[3]
__________
[1] تقدمت ترجمته في حوادث سنة (370) ص (379) .
[2] انظر «العبر» (2/ 365) .
[3] قوله: «قرأ القراءات» سقط من الأصل وأثبته من المطبوع.
(4/384)
على أصحاب الدّوري، وخلف، وابن ذكوان،
والبزّي، وحدّث عن أبي خليفة، والحسن بن المثنّى، وضعّفه ابن مردويه.
وقال أبو نعيم: ليّن في روايته.
وقال في «العبر» [1] : عاش مائة سنة وسنتين، قال الخزاعي: كان أبوه
سعيد واعظا محدّثا.
وفيها أبو محمد السّبيعي، واسمه الحسن بن أحمد بن صالح الهمداني الحلبي
[2] .
قال ابن ناصر الدّين: كان على تشيع فيه ثقة، ومات في الحمام.
انتهى.
وفيها الزّبيبي [3] عبد الله بن إبراهيم بن جعفر، أبو الحسين البغدادي
البزّار، في ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن الحسن بن علّويه
القطّان، والفريابي، وطائفة.
وفيها ابن التبّان، شيخ المالكية بالمغرب، أبو محمد عبد الله بن إسحاق
القيرواني.
قال القاضي عياض: ضربت إليه آباط الإبل من الأمصار [لذبّه عن مذهب أهل
المدينة] [4] ، وكان حافظا بعيدا من التصنّع والرّياء فصيحا [كبير
القدر] [4] .
وفيها أبو زيد المروزي الإمام الشافعي القاشاني- بفاء وشين معجمة
__________
[1] (2/ 365) .
[2] مترجم في «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (382) .
[3] تحرّفت نسبته في الأصل المطبوع إلى «الزيني» وفي «العبر» إلى
«الزيدي» والتصحيح من «الأنساب» (6/ 246) .
[4] تكملة من «سير أعلام النبلاء» (16/ 320) .
(4/385)
ونون، نسبة إلى فاشان قرية من قرى مرو-
واسمه محمد بن أحمد بن عبد الله الزاهد. حدّث بالعراق، ودمشق، ومكّة،
وروى الصحيح عن الفربري ومات بمرو في رجب، وله سبعون سنة.
قال الحاكم: كان من أحفظ الناس لمذهب الشافعي، وأحسنهم نظرا، وأزهدهم
في الدّنيا، سمعت أبا بكر البزّار يقول: عادلت [1] الفقيه أبا زيد من
نيسابور إلى مكّة، فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة. انتهى.
وقال الخطيب [2] : حدّث ب «صحيح البخاري» عن الفربري، وأبو زيد أجلّ من
روى ذلك الكتاب.
وعنه أخذ أبو بكر القفّال المروزي وفقهاء مرو، وكان من أزكى النّاس
قريحة، جاور بمكة سبع سنين.
وقال ابن الأهدل: كان أول أمره فقيرا، ثم بسطت عليه الدّنيا عند كبره،
وسقوط أسنانه، وانقطاعه عن الجماع، فقال مخاطبا لها: لا أهلا بك ولا
سهلا، أقبلت حين لا ناب ولا نصاب، ومات وله تسعون سنة. انتهى.
وفيها محمد بن خفيف أبو عبد الله الشّيرازي، شيخ إقليم فارس، وصاحب
الأحوال والمقامات. روى عن حمّاد بن مدرك وجماعة.
قال السّلمي: هو اليوم شيخ المشايخ، وتاريخ الزمان، لم يبق للقوم أقدم
منه سنّا ولا أتم حالا، متمسّك [3] بالكتاب والسّنّة فقيه على مذهب
الشافعي، كان من أولاد الأمراء فتزهد، توفي في ثالث رمضان عن خمس
وتسعين سنة، وقيل: عاش مائة سنة وأربع سنين. قاله في «العبر» [4] .
__________
[1] قال ابن منظور: عادل الرجل الرجل: ركب معه. انظر «لسان العرب»
(عدل) .
[2] انظر «تاريخ بغداد» (1/ 314) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف واختصار.
[3] في الأصل: «متمسكا» وأثبت لفظ المطبوع وهو الصواب.
[4] (2/ 366- 367) .
(4/386)
قال ابن خفيف [1] : قدم علينا بعض أصحابنا،
فاعتلّ بعلة البطن، فكنت أخدمه وآخذ من تحته الطست طول الليل، فغفوت
[2] عنه مرة، فقال لي: نمت! لعنك الله! فقيل له: كيف وجدت نفسك عند
قوله: لعنك الله؟
قال: كقوله: رحمك الله.
ومن كلامه: التوكّل [هو] [3] الاكتفاء بضمانه، وإسقاط التّهمة عن
قضائه.
وقال: الأكل مع الفقراء قربة إلى الله عزّ وجل.
وقال أحمد بن يحيى الشيرازي: ما أرى التصوف إلا يختم بأبي عبد الله بن
خفيف.
وقال السبكي [4] : شيخ المشايخ، وذو القدم الراسخ في العلم والدّين،
كان سيدا جليلا وإماما حفيلا، يستمطر الغيث بدعائه، ويؤوب المصرّ
بكلامه عن إغوائه، من أعلم المشايخ بعلوم الظاهر، وممّن اتفقوا على
عظيم تمسّكه بالكتاب والسّنّة.
وكانت له أسفار وبدايات، وأحوال عاليات ورياضات، لقي من النّسّاك شيوخا
ومن السّلّاك طوائف، رسخ قدمهم في الطريق رسوخا، وصحب من أرباب الأحوال
أحبارا وأخيارا، وشرب من منهل الطريق كاسات كبارا، وسافر مشرقا ومغربا،
وصابر النفس حتّى انقادت له، فأصبح مثنى الثناء عليها، معربا ذا صبر
على الطاعة لا يعصيه فيه قلبه، واستمرار على المراقبة، شهيد [5] عليه
ربّه، وجنب لا يدري القرار، ونفس لا تعرف المأوى إلا البيداء، ولا مسكن
[6] إلا القفار.
__________
[1] انظر «طبقات الصوفية» ص (464) .
[2] في الأصل والمطبوع: «فأغفلت» وما أثبته من «طبقات الصوفية» .
[3] زيادة من «طبقات الصوفية» ص (465) .
[4] انظر «طبقات الشافعية» للسبكي (3/ 149- 155) بتحقيق الطناحي
والحلو.
[5] في «طبقات الشافعية» : «شهيدة» .
[6] في الأصل والمطبوع: «ولا سكن» وأثبت لفظ «طبقات الشافعية» .
(4/387)
وكان من أولاد الأمراء فتزهّد، حتّى قال:
كنت أذهب وأجمع الخرق من المزابل، وأغسلها وأصلح منها [1] ما ألبسه.
وروى عنه القاضي أبو بكر بن الباقلاني وغيره، ورحل إلى الشيخ أبي الحسن
الأشعري، وأخذ عنه، وهو من أعيان تلامذته، وصنّف من الكتب ما لم يصنّفه
أحد، وعمّر حتّى عمّ نفعه البلدان، وازدحم الناس على جنازته، وصلّي
عليه نحو مائة مرة. انتهى ملخصا.
__________
[1] في «طبقات الشافعية» : «وأغسله وأصلح منه» .
(4/388)
سنة اثنتين وسبعين
وثلاثمائة
في شوالها مات عضد الدولة، فناخسرو بن الملك ركن الدولة الحسن بن بويه،
ولي سلطنة [بلاد] فارس بعد عمّه عماد الدولة علي، ثم حارب ابن عمه عز
الدولة كما تقدم، واستولى على العراق، والجزيرة، ودانت له الأمم، وهو
أول من خوطب بشاهنشاه [1] في الإسلام، وأول من خطب له على المنابر
ببغداد بعد الخليفة، وكان من جملة ألقابه تاج الملّة، وهو الذي أظهر
قبر الإمام علي كرّم الله وجهه، بالكوفة، وبنى عليه المشهد الذي هناك،
وعمّر النواحي، وحفر الأنهار، وأصلح طريق مكة، وهو الذي بنى على مدينة
النّبيّ صلى الله عليه وسلم سورا، وبنى المارستان العضدي ببغداد، وأنفق
عليه أموالا لا تحصى، وكان أديبا مشاركا في فنون من العلم، حازما
لبيبا، إلا أنه كان غاليا في التشيّع، وله صنّف أبو علي «الإيضاح» و
«التكملة» وقصده الشعراء من البلاد، كالمتنبي، وأبي الحسن السّلامي،
وكان شهما مطاعا، حازما زكيا، متيقظا مهيبا، سفّاكا للدماء [2] ، له
عيون [3] كثيرة تأتيه بأخبار البلاد القاصية، وليس في بني بويه مثله،
وكان قد طلب حساب ما يدخله في العام فإذا هو ثلاثمائة ألف ألف وعشرون
ألف ألف درهم، وجدّد مكوسا
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «بشاه شاه» وما أثبته من «العبر» مصدر المؤلف،
ومعنى شاهنشاه:
ملك الملوك.
[2] تحرّفت في المطبوع إلى: «سفاكا للدماك» .
[3] يعني جواسيس.
(4/389)
ومظالم، قيل: إنه أنشد أبياتا فلازمه الصرع
بعدها إلى أن مات وهي:
ليس شرب الكأس إلا في المطر ... وغناء من جوار في السّحر
غانيات [1] سالبات للنّهى ... ناغمات في تضاعيف [2] الوتر
[مبرزات الكأس من مطلعها ... ساقيات الراح من فاق البشر]
عضد الدولة وابن ركنها ... ملك الأملاك غلّاب القدر
سهّل الله له بغيته ... في ملوك الأرض ما دار القمر
وأراه الخير في أولاده ... ليساس الملك منهم [3] بالغرر [4]
ومات بعلّة الصرع في شوال، ولما نزل به الموت كان يقول: ما أَغْنى
عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ 69: 28- 29 [الحاقة: 28-
29] ويردّدها إلى أن مات.
وأنشد في احتضاره قبل ترديده لهذه الآية قول القاسم بن عبيد الله [5] :
قتلت صناديد الرجال فلم أدع ... عدوّا ولم أمهل على ظنّة [6] خلقا
[وأخليت دور الملك من كلّ نازل ... وبددتهم غربا وشرّدتهم شرقا] [7]
فلما بلغت النّجم عزا ورفعة ... وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا
رماني الرّدى سهما فأخمد جمرتي ... فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ملقى
فأذهبت دنياي [8] وديني سفاهة ... فمن ذا الذي مني بمصرعه أشقى [9]
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «غاليات» وما أثبته من «يتيمية الدهر» و «وفيات
الأعيان» .
[2] في الأصل والمطبوع: «في تصانيف» وما أثبته من «يتيمة الدهر» .
[3] في «يتيمة الدهر» : «منه» .
[4] الأبيات في «يتيمة الدهر» (2/ 259) والأبيات الأربعة الأولى في و
«وفيات الأعيان» (4/ 54) وما بين حاصرتين مستدرك منهما.
[5] هو القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب بن سعيد الحارثي الوزير،
المتوفى سنة (291) هـ. انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء»
(14/ 18- 20) .
[6] في الأصل والمطبوع: «على طيّه» والتصحيح من «المنتظم» و «النجوم
الزاهرة» .
[7] سقط هذا البيت من الأصل والمطبوع واستدركته من «المنتظم» و «النجوم
الزاهرة» .
[8] في المطبوع: «دنيائي» .
[9] الأبيات في «المنتظم» لابن الجوزي (7/ 116- 117) والبيتان الأول
والثاني في «النجوم» .
(4/390)
الزاهرة» (4/ 142- 143) . ومات عن سبع
وأربعين سنة واحد عشر شهرا، ودفن في دار المملكة، وكتم ذلك، ثم حمل بعد
ذلك إلى مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وفيها النضروي، أبو منصور العبّاس بن الفضل بن زكريا بن نضرويه- بضاد
معجمة- مسند هراة. روى عن أحمد بن نجدة، ومحمد بن عبد الرحمن الشامي
وطائفة، ووثقه الخطيب، ومات في شعبان.
وفيها الغزّي، أبو بكر محمد بن العبّاس بن وصيف، الذي يروي «الموطأ» عن
الحسن بن الفرج الغزي، صاحب يحيى بن بكير. ورّخه أبو القاسم بن مندة
[1] .
وفيها ابن بخيت، أبو بكر محمد بن عبد الله بن خلف بن بخيت العكبري
الدّقّاق [2] ، ببغداد، في ذي القعدة. روى عن خلف العكبري، والفريابي.
وفيها ابن خميرويه [3] العدل، أبو الفضل [4] محمد بن عبد الله بن محمد
بن خميرويه [3] بن سيّار الهروي، محدّث هراة. روى عن علي الجكّاني [5]
، وأحمد بن نجدة وجماعة.
__________
«الزاهرة» (4/ 142 143) .
[1] في الأصل: «القاسم بن مندة» وهو خطأ وأثبت لفظ المطبوع. وانظر «سير
أعلام النبلاء» (16/ 341- 342) وقد حصل اضطراب في ترجمته في «العبر»
المطبوع في الكويت.
[2] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (16/ 334- 335) .
[3] تحرفت في الأصل إلى «خمرويه» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
وانظر «تاج العروس» (خمر) (11/ 222) .
[4] في الأصل والمطبوع: «أبو الفضيل» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب»
(5/ 180) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 311) .
[5] في الأصل والمطبوع: «الحكّاني» وفي «العبر» طبع دار الكتب العلمية
ببيروت:
«الحيكاني» وقد سقطت الترجمة من «العبر» المطبوع في الكويت، وفي «سير
أعلام النبلاء» (16/ 311) : «الجكّاني» وهو ما أثبتناه.
(4/391)
سنة ثلاث وسبعين
وثلاثمائة
في المحرم أظهرت وفاة عضد الدولة، وكانت أخفيت حتّى أحضروا ولده صمصام
الدولة، فجلس للعزاء، ولطموا عليه أياما في الأسواق، وجاء الطائع إلى
صمصام الدولة فعزاه، ثم ولّاه الملك، وعقد له لواءين، ولقبه شمس
الدولة، وبعد أيّام جاء الخبر بموت مؤيد الدولة أخو عضد الدولة بجرجان،
وولي مملكته أخوه فخر الدولة، الذي وزر له إسماعيل بن عبّاد.
وفيها كان القحط الشديد ببغداد، وبلغ حساب الغرارة بأربعمائة درهم.
وفيها توفي أبو بكر الشّذائي، أحمد بن نصر البصري المقرئ [1] ، أحد
القرّاء الكبار، تلا على عمر بن محمد الكاغدي، وابن شنبوذ، وجماعة،
وتصدّر وأقرأ.
والشّذائي: بفتح المعجمتين، نسبة إلى شذا قرية بالبصرة.
وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني العدل،
المعروف بالقصّار، نزيل نيسابور. روى عن عبد الله بن شيرويه [2]
والسراج، وعدّة، وكان ممّن جاوز المائة.
__________
[1] مترجم في «الأنساب» (7/ 302- 303) .
[2] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «سيرويه» والتصحيح من «العبر» (2/
141) طبع دار الكتب.
(4/392)
وفيها الأمير أبو الفتوح، بلكّين [1]- بضم
الباء الموحدة واللام، وتشديد الكاف المكسورة وسكون الياء المثناة من
تحت، وبعدها نون- ابن زيري- بكسر الزاي وسكون الياء المثناة من تحت
وكسر الراء وبعدها ياء بن مناد الحميري الصنهاجي، ويسمى أيضا يوسف، لكن
بلكّين أشهر، وهو الذي استخلفه المعزّ بن المنصور العبيدي على إفريقية
عند توجهه إلى الديار المصرية، وكان استخلافه إياه يوم الأربعاء ثالث
عشري ذي الحجة، سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وأمر الناس بالسمع والطاعة
له، وسلّمه البلاد، وخرجت العمال وجباة الأموال باسمه، وأوصاه المعز
بأمور كثيرة، وأكد عليه في فعلها، ثم قال: إن نسيت ما أوصيتك به فلا
تنس ثلاثة أشياء: إيّاك أن ترفع الجناية عن أهل البادية، والسيف عن
البربر، ولا تولّ أحدا من إخوتك وبني عمّك، فإنهم يرون أنهم أحق بهذا
الأمر منك، وافعل مع أهل الحاضرة خيرا، وفارقه على ذلك، وعاد من وداعه
وتصرف في الولاية.
ولم يزل حسن السيرة، تام النظر في مصالح دولته ورعيته، إلى أن توفي يوم
الأحد لسبع بقين من ذي الحجة، سنة ثلاث وسبعين بموضع يقال له: واركلان،
مجاور إفريقية، وكانت علته القولنج، وقيل: خرجت في يده بثرة فمات منها.
وكان له أربعمائة حظية، حتّى قيل: إن البشائر وفدت عليه في يوم واحد
بولادة سبعة عشر ولدا.
وفيها أبو علي الحسين بن محمد بن حبش الدّينوري المقرئ، صاحب موسى بن
جرير الرقّي.
__________
العلمية ببيروت، وانظر «طبقات الحفاظ» ص (305) وهو عبد الله بن محمد بن
عبد الرحمن بن شيرويه.
[1] مترجم في «وفيات الأعيان» (1/ 286- 287) وعنه أخذ المؤلف الترجمة.
(4/393)
وفيها أبو عثمان [1] المغربي، سعيد بن
سلّام [2] الصوفي، العارف بالله تعالى، نزيل نيسابور.
قال السلمي: لم نر مثله في علو الدرجة والحال [3] وصون الوقت.
وقال ابن الأهدل: سعيد بن سلم، أو ابن سالم، أو ابن سلّام النيسابوري.
قال اليافعي [4] : لا أدري أنه الممدوح بقول الشاعر:
ألا قل لساري الليل لا تخش ظلمة [5] ... سعيد بن سلم ضوء كلّ بلاد
لنا سيد أربى على كل سيّد ... جواد حثا في وجه كل جواد
يعني أنه سبق في الجود، والسابق يحثو التراب بحافر فرسه في وجه المسبوق
أو فرسه.
وفيها أبو محمد بن السقّا الحافظ، عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي.
روى عن أبي خليفة، وعبدان وطبقتهما. وعنه الدارقطني، وأبو نعيم، وما
حدّث إلا من حفظه، توفي في جمادى الآخرة، وكان حافظا متقنا، من كبراء
أهل واسط، وأولي الحشمة، رحل به أبوه.
وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن كيسان الحربي، أخو محمد، وكانا
توأمين. روى عن يوسف القاضي، وعاش نيفا وتسعين سنة، فاحتيج إليه، وكان
جاهلا.
__________
[1] في «العبر» المطبوع في بيروت: «أبو عثمام» وهو تحريف فيصحح فيه.
[2] في الأصل والمطبوع و «العبر» : «ابن سالم» وما أثبته من «طبقات
الصوفية» للسلمي ص (479) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 320) .
[3] الذي في «طبقات الصوفية» و «سير أعلام النبلاء» : «لم نر مثله في
علو الحال» .
[4] انظر «مرآة الجنان» (2/ 402) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.
[5] في «مرآة الجنان» : «لا تخش ضلة» .
(4/394)
قال البرقاني: أعطيته الكتاب ليحدّثنا منه،
فلم يدر ما يقول، فقلت له: سبحان الله، حدّثكم يوسف القاضي، فقال:
سبحان الله حدّثكم يوسف القاضي.
قال الجوهري: سمعت منه في سنة ثلاث، ولم يؤرخ وفاته الخطيب ولا غيره،
وجزم في «العبر» [1] أنه توفي في هذه السنة.
وفيها الفضل بن جعفر أبو القاسم التميمي المؤذّن، الرجل الصالح، بدمشق،
وهو راوي نسخة أبي مسهر، عن عبد الرحمن بن القاسم الروّاس، وكان ثقة.
وفيها- أو في التي قبلها كما جزم به ابن الأهدل، أو فيما بعدها- أبو
عبد الله الخضري- بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين، ولكن لثقل هذا
اللفظ قالوها بكسر الخاء وسكون الضاد، وهي نسبة إلى جدّه [2] . قاله
ابن قاضي شهبة.
واسم المترجم محمد بن أحمد أبو عبد الله الخضري المروزي، كان هو وأبو
زيد شيخيّ عصرهما بمرو، وكثيرا ما يقول القفّال: سألت أبا زيد والخضري،
وممّن نقل عنه القاضي حسين في باب استقبال القبلة في الكلام على تقليد
الصبي.
قال ابن باطيش [3] : أخذ عن أبي بكر الفارسي، وأقام بمرو ناشرا لفقه
الشافعي رضي الله عنه، مرغّبا فيه، وكان يضرب به المثل في قوة الحفظ
وقلّة النسيان، وقال: إنه كان موجودا في سنة خمس وسبعين وثلاثمائة.
__________
[1] (2/ 142) طبع دار الكتب العلمية.
[2] وانظر ما قاله في هذه النسبة السمعاني في «الأنساب» (5/ 141)
والنووي في «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 276) ، وابن خلكان في «وفيات
الأعيان» (4/ 216) .
[3] في كتابه «طبقات الشافعية» وهو مخطوط لم ينشر بعد فيما أعلم.
(4/395)
وقال ابن خلّكان [1] : توفي في عشر
الثمانين وثلاثمائة.
ونقل عنه الرافعي في انغماس الجنب في الماء، وفي النجاسات، أنه خرّج هو
وأبو زيد قولا: إن النار تؤثر في الطهارة كالشمس والريح.
وقال ابن الأهدل: كان تحته بنت أبي علي الشّبّوبي [2] ، فسئل يوما عن
قلامة ظفر المرأة، هل هو عورة، فتوقف، فقالت له زوجته: سمعت أبي يقول:
للأجنبي النظر إلى قلامة اليد دون الرجل، ففرح الخضري، وقال: لو لم
أستفد من الاتصال بأهل العلم إلا هذه المسألة لكانت كافية.
وقد قرر فتواها هذه كثير من العلماء لقوله تعالى: إِلَّا ما ظَهَرَ
مِنْها 24: 31 [النّور: 31] وهو مفسر بالوجه والكفّين. انتهى.
وفيها أبو بكر محمد بن حيويه بن المؤمل بن أبي روضة الكرخي النحوي
بهمذان، وهو أحد المتروكين في الحديث، ذكر أنه بلغ مائة واثنتي عشرة
سنة، وروى عن أسيد بن عاصم، وإبراهيم بن ديزيل، وإسحاق بن إبراهيم
الدّبري.
وفيها محمد بن محمد بن يوسف بن مكّي أبو أحمد الجرجاني. روى عن البغوي
وطبقته، وحدّث بصحيح البخاري عن الفربري، وتنقل في النواحي.
قال أبو نعيم: ضعّفوه، وسمعت منه «الصحيح» .
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 216) .
[2] في الأصل «السابوري» وفي المطبوع: «الشابوري» وكلهما خطأ، والتصحيح
من «وفيات الأعيان» . وهذه النسبة إلى شبّوية، وهو اسم لبعض أجداد
المنتسب إليه.
(4/396)
سنة أربع وسبعين
وثلاثمائة
فيها توفي إسحاق بن سعد [1] بن الحافظ الحسن بن سفيان، أبو يعقوب
النّسوي [2]- بفتحتين نسبة إلى [3] مدينة بفارس- روى عن جدّه، وفي
الرحلة عن محمد بن المجدر، وطبقتهما.
وفيها عبد الرحمن بن محمد بن حيكا [4] العلّامة، أبو سعيد الحنفي
الحاكم، بنيسابور، في شعبان، وله اثنتان وتسعون سنة. روى عن أبي يعلى
الموصلي، والبغداديين، وولي قضاء ترمذ.
وفيها أبو يحيى بن نباتة، خطيب الخطباء، عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل
بن نباتة الفارقي اللّخمي [5] ، العسقلاني المولد، المصري الدار، ولي
خطابة حلب لسيف الدولة، وفي خطبه دلالة على قوة علمه وسعته، وقوة
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «ابن أسعد» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب»
(12/ 83) و «المنتظم» لابن الجوزي (7/ 124) و «سير أعلام النبلاء» (16/
365) .
[2] في الأصل والمطبوع: «الفسوي» وهو خطأ، والتصحيح من المصادر
المذكورة في التعليق السابق.
[3] في الأصل والمطبوع: «نسبة إلى فسا» وهو خطأ، والتصحيح من «معجم
البلدان» (5/ 282) .
[4] في الأصل: «حسكا» وفي المطبوع: «حكا» وأثبت لفظ «العبر» (2/ 143)
طبع دار الكتب العلمية ببيروت.
[5] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 156- 158) ، و «مرآة الجنان» (2/ 403-
404) و «غربال الزمان» ص (321) .
(4/397)
قريحته، وأجمعوا على أنه ما عمل مثل خطبه
قطّ، وهو الذي حثّ سيف الدولة بخطبه في الجهاد على التوسّع فيه وسمع
على المتنبي بعض «ديوانه» وكان رجلا صالحا. رأى النّبيّ صلى الله عليه
وسلم في المنام في المقابر، وقال له: «مرحبا بخطيب الخطباء» وأدناه،
وتفل في فيه، فلم تزل رائحة المسك توجد فيه إلى أن مات، وأشار صلى الله
عليه وسلم بيده إلى المقابر، وقال: «كيف قلت يا خطيب» قال:
قلت: لا يخبرون بما إليه آلوا، ولو قدروا على المقال لقالوا، ثم أخذ
يسوقها، فاستيقظ وعلى وجهه نور وبهجة، وعاش بعد ذلك ثمانية وعشرين
ليلة، لا يستطعم طعاما ولا شرابا من أجل تلك التفلة وبركتها، والخطبة
التي فيها هذه الكلمات، تعرف بالمنامية.
ومولده وموته بميّافارقين، قيل: مات وعمره دون الأربعين، ورؤي بعد موته
في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: دفع إليّ رقعة فيها سطران
بالأحمر وهما:
قد كان أمن لك [1] من قبل ذا ... واليوم أضحى لك أمنان
والصفح لا يحسن عن محسن ... وإنما يحسن عن جان
فاستيقظ الرائي، وهو يحفظهما.
وفيها علي بن النّعمان بن محمد، قاضي القضاة بالدّيار المصرية.
ولي بعد أبيه، وكان شيعيّا غاليا، وشاعرا مجودا [2] .
وفيها الحافظ أبو الفتح الأزدي، محمد بن الحسين بن أحمد الموصلي، نزيل
بغداد، صنّف في علوم الحديث، وفي الضعفاء، وحدّث عن أبي يعلى، ومحمد بن
جرير الطبري، وطبقتهما، وضعّفه البرقاني.
__________
[1] في الأصل: «قد كان لك أمن» وأثبت لفظ المطبوع.
[2] تحرفت في الأصل إلى «جوادا» وأثبت لفظ المطبوع.
(4/398)
وفيها أبو بكر الرّبعي، محمد بن سليمان
الدمشقي البندار. روى عن أحمد بن عامر، ومحمد بن الفيض الغسّاني،
وطبقتهما، وتوفي في ذي الحجة.
(4/399)
سنة خمس وسبعين
وثلاثمائة
فيها كما قال ابن الأثير [1] : خرج من البحر طائر أكبر من الفيل بعمان،
وصاح بصوت عال: قد قرب الأمر ثلاث مرات، ثم غاص في البحر، فعل ذلك ثلاث
مرات، ثم غاب فلم يعد. انتهى.
وفيها توفي أبو زرعة الرّازي الصغير، أحمد بن الحسين الحافظ.
رحل وطوّف، وجمع وصنّف، وسمع من أبي حامد بن بلال، والقاضي المحاملي،
وطبقتهما.
قال الخطيب [2] : كان حافظا متقنا [ثقة] ، جمع الأبواب والتراجم.
وفيها البحيري- بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة، نسبة إلى جدّه- وهو
أبو الحسن أحمد بن محمد بن جعفر النيسابوري. سمع ابن خزيمة، ومحمد بن
محمد الباغندي، وطبقتهما، واستملى عليه الحاكم.
وفيها حسينك الحافظ، أبو أحمد الحسين بن علي بن محمد بن يحيى التميمي
النيسابوري. روى عن ابن خزيمة، والسرّاج، وعمر بن أبي غيلان، وعبد الله
بن زيدان، والكبار، ومنه: الحاكم، والبرقاني، وكان ثقة حجة محتشما،
توفي في ربيع الآخر.
__________
[1] انظر «الكامل في التاريخ» (9/ 46) طبعة دار صادر، وقد نقل المؤلف
عنه بتصرف واختصار.
[2] انظر «تاريخ بغداد» (4/ 109) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
(4/400)
قال الحاكم: صحبته حضرا وسفرا، نحو ثلاثين
سنة، فما رأيته ترك قيام الليل، وكان يقرأ في كل ليلة سبعا، وأخرج مرّة
عن نفسه عشرة إلى الغزو.
وفيها العسكري، أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد الدقّاق.
روى عن محمد بن يحيى المروزي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة وطبقتهما.
وفيها أبو مسلم بن مهران، الحافظ العابد العارف، عبد الرحمن بن محمد بن
عبد الله بن مهران البغدادي. روى عن البغوي، وأبي عروبة وطبقتهما.
وعنه: الدارقطني، والحاكم، وكان ثقة زاهدا. رحل إلى خراسان، والشام،
والجزيرة، ثم دخل بخارى، وأقام بتلك الدّيار نحوا من ثلاثين سنة. وصنّف
«المسند» ثم تزهد وانقبض عن الناس، وجاور بمكة، وكان يجتهد أن لا يظهر
للمحدّثين ولا لغيرهم.
قال ابن أبي الفوارس: صنّف أشياء كثيرة، وكان ثقة زاهدا، ما رأينا
مثله.
وفيها الخرقي، أبو القاسم، عبد العزيز بن جعفر البغدادي. روى عن أحمد
بن الحسن الصوفي، والهيثم بن خلف الدّوري، وكان ثقة.
وفيها أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
الدّاركي- بفتح الراء نسبة إلى دارك من قرى أصبهان- درّس بنيسابور مدة،
ثم سكن بغداد، وكانت له حلقة للفتوى، وانتهت إليه رئاسة المذهب ببغداد.
تفقه على أبي إسحاق المروزي، وتفقه عليه الشيخ أبو حامد الإسفراييني
بعد موت شيخه أبي الحسين بن المرزبان، وقال: ما رأيت أفقه منه.
(4/401)
وقال الخطيب [1] : كان ثقة. أثنى عليه
الدارقطني.
وقال ابن أبي الفوارس: كان يتّهم بالاعتزال. انتهى.
وهو صاحب وجه في المذهب، وحدّث عن جدّه لأمه الحسن بن محمد الدّاركي،
وتوفي في شوال، وهو في عشر الثمانين.
وفيها أبو حفص بن الزّيّات عمر بن محمد بن علي البغدادي.
قال ابن أبي الفوارس: كان ثقة متقنا جمع أبوابا وشيوخا.
وقال البرقاني: ثقة مصنف.
وروى عن إبراهيم بن شريك، والفريابي وطبقتهما، ومات في جمادى الآخرة،
وله تسع وثمانون سنة.
وفيها الأبهري- كالأحمدي نسبة إلى أبهر، قرية قرب زنجان [2] وقرية
بأصبهان أيضا، لم أدر من أيّهما هذا [3]- وهو القاضي أبو بكر محمد بن
عبد الله بن محمد التميمي شيخ المالكية العراقيين، وصاحب التصانيف،
توفي في شوال، وهو في عشر التسعين، وسمع الكثير بالشام، والعراق،
والجزيرة، وروى عن الباغندي، وعبد الله بن زيدان [4] البجلي وطبقتهما،
وسئل أن يلي قضاء القضاة فامتنع.
وفيها الميانجي- بالفتح ومثناة تحتية وفتح النون وبالجيم، نسبة إلى
ميانج، موضع بالشام- القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الشافعي المحدّث،
__________
[1] انظر «تاريخ بغداد» (10/ 463- 465) .
[2] تحرفت في الأصل إلى «زنجار» وأثبت ما في المطبوع، وانظر «الأنساب»
(1/ 124- 125) .
[3] الصواب أنه منسوب إلى التي قرب «زنجان» كما ذكر السمعاني.
[4] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «بدران» والتصحيح من «الأنساب» و
«سير أعلام النبلاء» (16/ 332) .
(4/402)
نزيل دمشق، ناب في القضاء مدة عن قاضي بني
عبيد، أبي الحسن علي بن النّعمان، وحدّث عن أبي خليفة الجمحي، وعبدان
وطبقتهما، ورحل إلى الشام، والجزيرة، وخراسان، والعراق، وتوفي في
شعبان، وقد قارب التسعين.
(4/403)
|