شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وسبعين وثلاثمائة
شرعت دولة بني بويه تضعف، فمال العسكر عن صمصام الدّولة إلى أخيه شرف الدولة، فذل الصمصام، وسافر إلى أخيه، راضيا بما يعامله به، فدخل وقبّل الأرض مرات، فقال له شرف الدولة: كيف أنت؟ أوحشتنا، ثم اعتقله، فوقع بين الدّيلم- وكانوا تسعة عشر ألفا- وبين التّرك وكانوا ثلاثة آلاف، فالتقوا، فانهزمت الدّيلم، وقتل منهم ثلاثة آلاف، وحفّت التّرك بشرف الدولة، وقدموا به بغداد، فأتاه الطائع يهنئه، ثم خفي خبر صمصام الدولة، وأكحل، فلم تطل لشرف الدولة مدة.
وفيها توفي أبو إسحاق المستملي، إبراهيم بن أحمد البلخي. سمع الكثير، وخرّج لنفسه معجما، وحدّث بصحيح البخاري مرّات عن الفربري، وكان ثقة صاحب حديث.
وفيها أبو سعيد السّمسار، الحسن بن جعفر بن الوضّاح البغداديّ الحربيّ، الحرفي [1] حدّث عن محمد بن يحيى المروزي، وأبي شعيب الحرّاني، وطبقتهما.
__________
[1] في الأصل والمطبوع و «العبر» (2/ 147) طبع دار الكتب العلمية، و «النجوم الزاهرة» (4/ 150) : «الخرقي» وفي «لسان الميزان» (2/ 198) : «الحوفي» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «الأنساب» (4/ 113) و «تاريخ بغداد» (7/ 292) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 369) و «ميزان الاعتدال» (1/ 481) .

(4/404)


قال العتيقي [1] : فيه تساهل.
وفيها أبو الحسن الجرّاحي، علي بن الحسن البغدادي، القاضي المحدّث. روى عن حامد بن شعيب، والباغندي قال البرقاني: اتهم في روايته عن حامد.
وفيها أبو الحسن البكائي- نسبة إلى البكا بطن من بني عامر بن صعصعة- علي بن عبد الرحمن الكوفي، شيخ الكوفة، روى عن مطين، وأبي حصين الوادعي، وطائفة، وعاش أكثر من تسعين سنة.
وفيها ابن سبنك [2] ، أبو القاسم، عمر بن محمد بن إبراهيم البجلي، البغدادي القاضي. روى عن محمد بن حبّان، والباغندي، وجماعة، وعاش خمسا وثمانين سنة.
وفيها قسّام الحارثي، من أهل تلفيتا [3] بجبل سنّير [4] . كان ترّابا، ثم تنقلت الأحوال به، وصار مقدّم الأحداث والشباب بدمشق، وكثرت أعوانه، حتّى غلب على دمشق، حتّى لم يبق للنائب معه أمر، فسار جيش من مصر لقصده ولمحاربته، فضعف أمر قسّام واختفى، ثم استأمن، فقيّدوه، وبعث إلى مصر في هذا العام، فعفي عنه، وخمل أمره.
وفيها أبو عمرو بن حمدان الحيري، وهو محمد بن أحمد بن حمدان بن علي النيسابوري النحوي، مسند خراسان. توفي في ذي القعدة،
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «العقيقي» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد» و «سير أعلام النبلاء» و «العبر» وهو أحمد بن محمد العتيقي.
[2] في الأصل والمطبوع: «ابن شبنك» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» (2/ 147) وكتب الرجال التي بين يدي.
[3] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «بلغينا» والتصحيح من «العبر» (2/ 148) وانظر «معجم البلدان» (2/ 42) .
[4] تصحفت في الأصل والمطبوع إلى «سنبر» والتصحيح من «معجم البلدان» .

(4/405)


وله ثلاث وتسعون سنة. سمع بنيسابور، ونسا، والموصل، وجرجان، وبغداد، والبصرة. روى عن الحسن بن سفيان، وزكريا السّاجي، وعبدان، وخلائق، وكان مقرئا عارفا بالعربية، له بصر بالحديث، وقدم في العبادة.
كان المسجد فراشه ثلاثين سنة، ثم لما ضعف وعمي حوّلوه.
وفيها أبو بكر الرّازي، محمد بن عبد الله بن عبد العزيز [بن] شاذان، الصوفي الواعظ، والد المحدّث أبي مسعود أحمد بن محمد البجلي الرّازي.
روى عن يوسف بن الحسين الرّازي، وابن عقدة، وطائفة، وهو صاحب مناكير وغرائب، ولا سيما في حكايات الصوفية. قاله في «العبر» [1] .
وقال في «المغني» [2] : طعن فيه الحاكم، ولأبي عبد الرحمن السلمي عنه عجائب. انتهى.
وفيها ابن النّحاس المصري، واسمه أحمد بن محمد بن عيسى بن الجرّاح، أبو العبّاس الحافظ، نزيل نيسابور.
قال ابن ناصر الدّين: كان أحد الحفاظ المبرزين والثقات المجودين.
انتهى.
__________
[1] (2/ 148) .
[2] (2/ 603) .

(4/406)


سنة سبع وسبعين وثلاثمائة
فيها رفع شرف الدولة عن العراق مظالم كثيرة، فمن ذلك أنه ردّ على الشريف أبي الحسن محمد بن عمر جميع أملاكه، وكان مغلّها في العام ألفي ألف وخمسمائة ألف درهم، وكان الغلاء ببغداد فوق الوصف.
وفيها توفي أبيض بن محمد بن أبيض بن أسود الفهري المصري.
روى عن النّسائي مجلسين، وهو آخر من روى عنه.
وفيها إسحاق بن المقتدر بالله، توفي في ذي القعدة، عن ستين سنة، وصلى عليه ولده القادر بالله، الذي ولي الخلافة بعد الطائع لله.
وفيها أمة الواحد، ابنة القاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي، حفظت القرآن، والفقه، والنحو، والفرائض، والعلوم، وبرعت في مذهب الشافعيّ، وكانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة.
وفيها أبو علي الفارسي، الحسن بن أحمد [1] بن عبد الغفار النحوي، صاحب التصانيف ببغداد، في ربيع الأول، وله تسع وثمانون سنة، وكان متهما بالاعتزال، وقد فضّله بعضهم على المبرّد، وكان عديم المثل. قاله في «العبر» [2] .
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «الحسن بن محمد» وهو خطأ، والتصحيح من المصادر التي بين يدي.
[2] 2/ 149) .

(4/407)


وقال ابن خلّكان [1] : كان إمام وقته في علم النحو، ودار البلاد، وأقام بحلب عند سيف الدولة بن حمدان مدة، وكان قدومه في سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، وجرت بينه وبين أبي الطيب المتنبي مجالس، ثم انتقل إلى بلاد فارس، وصحب عضد الدولة بن بويه، وتقدم عنده، وعلت منزلته، حتّى قال عضد الدولة: أنا غلام أبي علي في النحو، وصنّف له كتاب «الإيضاح» و «التكملة» .
ويحكى أنه كان يوما في ميدان شيراز، يساير عضد الدولة، فقال له:
لم انتصب المستثنى في قولنا: قام القوم إلا زيدا؟ فقال الشيخ: بفعل مقدّر، فقال له: كيف تقديره؟ فقال: أستثني زيدا، فقال له عضد الدولة: هلّا رفعته وقدّرت امتنع زيد؟ فانقطع الشيخ وقال: هذا الجواب ميداني، ثم إنه لما رجع إلى منزله وضع في ذلك كلاما وحمله إليه، فاستحسنه، وذكر في كتاب «الإيضاح» أنه [انتصب] بالفعل المتقدم بتقوية إلا.
وحكى أبو القاسم بن أحمد الأندلسي قال: جرى ذكر الشعر بحضرة أبي علي وأنا حاضر، فقال: إني لأغبطكم على قول الشعر، فإن خاطري لا يوافقني على قوله، مع تحقيقي العلوم التي هي من مواده، فقال له رجل:
فما قلت قطّ شيئا منه؟ قال: ما أعلم أن لي شعرا إلا ثلاثة أبيات في المشيب [2] وهي قولي:
خضبت الشّيب لمّا كان عيبا ... وخضب الشّيب أولى أن يعابا
ولم أخضب مخافة هجر خلّ ... ولا عيبا خشيت ولا عتابا
ولكنّ المشيب بدا ذميما ... فصيّرت الخضاب له عقابا
وقيل: إن السبب في استشهاده في باب كان من كتاب «الإيضاح» ببيت
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 80- 82) .
[2] في «وفيات الأعيان» : «في الشيب» .

(4/408)


أبي تمام الطائي، وهو قوله:
من كان مرعى عزمه وهمومه ... روض الأماني لم يزل مهزولا [1]
لم يكن ذلك لأن أبا تمام يستشهد بشعره، لكن عضد الدولة كان يحبّ هذا البيت وينشده كثيرا، فلهذا استشهد به في كتابه، ومن تصانيفه كتاب «التذكرة» وهو كبير وكتاب «المقصور والممدود» وكتاب «الحجة في القراءات» [2] وكتاب «الأغفال» فيما أغفله الزجّاج من المعاني، وكتاب «العوامل المائة» وكتاب «المسائل الحلبيات» وكتاب «المسائل البغداديات» وكتاب «المسائل الشيرازيات» وكتاب «المسائل القصريات» وكتاب «المسائل العسكرية» ] [3] وكتاب « [المسائل] البصرية» وكتاب «المسائل المجلسيات» وغير ذلك.
وكان مولده سنة ثمان وثمانين ومائتين، وتوفي يوم الأحد لسبع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر ببغداد ودفن بالشّونزيّة [4] .
ويقال له أيضا: الفسوي- بفتح الفاء والسين المهملة، وبعدها واو- نسبة إلى مدينة فسا من أعمال فارس. انتهى ملخصا.
__________
[1] انظره في «ديوانه» (3/ 67) وهو من قصيدة له في مدح نوح بن عمرو السكسكي. قال شارح الديوان الخطيب التبريزي: هذا البيت ذكره أبو علي الفارسي في كتابه المعروف بالعضدي، وإنما ذكره على سبيل التمثيل لا أنه يستشهد به ... وقد أنكر ذلك على أبي علي لأن طبقته لم تجر عادتهم به.
[2] شرعت بنشره دار المأمون للتراث بدمشق منذ عام (1404) هـ بعنوان «الحجة للقرّاء السبعة» بعد أن انتهى تحقيقه على يد الأستاذين محمد بدر الدّين قهوجي وبشير جويجاتي، وقد صدر منه حتى الآن ثلاثة مجلدات، تولى مراجعتها الأستاذان عبد العزيز رباح وأحمد يوسف الدقاق.
[3] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» .
[4] تحرّفت في «وفيات الأعيان» إلى «الشونيزي» فتصحح فيه، فإن الشونيزية هي مقبرة بغداد الشهيرة بالجانب الغربي. انظر «معجم البلدان» (3/ 374) .

(4/409)


وفيها ابن لؤلؤ [1] الورّاق، أبو الحسن، علي بن محمد بن أحمد بن نصير الثقفي البغدادي الشيعي. روى عن إبراهيم بن شريك، وحمزة الكاتب، والفريابي، وطبقتهم. توفي في المحرم، وله ست وتسعون سنة، وكان ثقة يحدّث بالأجرة.
وفيها أبو الحسن الأنطاكي علي بن محمد بن إسماعيل المقرئ الفقيه الشافعي. قرأ على إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي [2] بالرّوايات، ودخل الأندلس ونشر بها العلم.
قال ابن الفرضي: أدخل الأندلس علما جمّا، وكان رأسا في القراءات، لا يتقدمه فيها أحد، مات بقرطبة في ربيع الأول، وله ثمان وسبعون سنة. قاله في «العبر» [3] .
وقال الإسنوي: ولد بأنطاكية سنة تسع وتسعين ومائتين، ودخل الأندلس سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة. انتهى [4] .
وفيها أبو طاهر الأنطاكي، محمد بن الحسن بن علي المقرئ المحقّق.
قال أبو عمرو الداني: هو أجلّ أصحاب إبراهيم بن عبد الرزاق وأضبطهم. روى عنه القراءات جماعة من نظرائه. كابن غلبون [5] ، توفي قبل الثمانين بيسير.
__________
[1] في المطبوع و «العبر» : «ابن لولو» وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 327) .
[2] في المطبوع: «إبراهيم بن عبد الرزاق والأنطاكي» وهو خطأ، وانظر «معرفة القرّاء الكبار» للذهبي (1/ 287) طبع مؤسسة الرسالة.
[3] (3/ 7) .
[4] قلت: وذكر الضبي في «بغية الملتمس» ص (414) بأنه مات سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، ولعلها محرّفة من سبع وسبعين وثلاثمائة، والله أعلم.
[5] في الأصل والمطبوع: «قال ابن غلبون» والتصحيح من «العبر» وانظر «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 345) .

(4/410)


وفيها أبو أحمد الغطريفي- بكسر أوله والطاء، آخره فاء، نسبة إلى غطريف جد- محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن السري بن الغطريف [1] الجرجاني الرباطي الحافظ، توفي في رجب عن سن عالية.
روى عن أبي خليفة، وعبد الله بن ناجية، وابن خزيمة، وطبقتهم، وكان ثقة صوّاما، قوّاما، متقنا، مصنفا، صنّف «المسند الصحيح» وغيره.
وفيها محمد بن زيد بن علي بن جعفر بن مروان، أبو عبد الله البغدادي، نزيل الكوفة. روى عن عبد الله بن ناجية، وحامد بن شعيب.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «ابن السري الظريف» والتصحيح من «العبر» (3/ 8) و «سير أعلام النبلاء» 16/ 354) .

(4/411)


سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة
فيها أمر الملك شرف الدولة برصد الكواكب، كما فعل المأمون، وبنى لها هيكلا بدار السلطنة.
وفيها كما قال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [1] : اشتدّ الغلاء ببغداد جدا، وظهر الموت بها، ولحق الناس بالبصرة حرّ وسموم تساقط الناس منه.
وجاءت ريح عظيمة بفم الصلح، حرقت دجلة، حتّى ذكر أنه بانت أرضها، وغرق كثير من السفن، واحتملت زورقا منحدرا وفيه دوابّ، وطرحت ذلك في أرض جوخى [2] ، فشوهد بعد أيام. انتهى.
وفيها توفي بشر بن محمد بن محمد بن ياسين القاضي، أبو القاسم الباهلي النيسابوري، توفي في رمضان، وقد جلس وأملى عن السرّاج، وابن خزيمة.
وفيها تبوك بن الحسن [3] بن الوليد، أبو بكر الكلابي، المعدل أخو عبد الوهاب. روى عن سعيد بن عبد العزيز الحلبي، وطبقته.
__________
[1] ص (410) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد.
[2] تحرفت في الأصل والمطبوع إلى «خوخى» والتصحيح من «تاريخ الخلفاء» وانظر الخبر في «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 60) .
[3] تحرّفت في الأصل إلى «تبوك بن إحن» والتصحيح من «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (5/ 300) طبع دار الفكر بدمشق.

(4/412)


وفيها الخليل بن أحمد بن محمد أبو سعيد السّجزي [1] القاضي الفقيه الحنفي الواعظ، قاضي سمرقند وبها مات عن تسع وثمانين سنة. روى عن السرّاج، وأبي القاسم البغوي، وخلق.
وفيها أبو نصر السرّاج، عبد الله بن علي الطّوسي الزاهد، شيخ الصوفية، وصاحب كتاب «اللمع في التصوف» . روى عن جعفر الخلدي، وأبي بكر محمد بن داود الدّقي.
قال الذهبي: كان المنظور إليه في ناحيته في الفتوة ولسان القوم، مع الاستظهار بعلم الشريعة.
وقال السخاوي: كان على طريقة السّنّة، قال: خرجت مع أبي عبد الله الرّوزباري لنلقى أنبليا الراهب بصور، فتقدمنا إلى ديره وقلنا له: ما الذي حبسك هاهنا؟ قال: أسرتني حلاوة قول الناس لي يا راهب. انتهى، وتوفي في رجب.
وفيها ابن الباجي، الحافظ المحقّق، أبو محمد، عبد الله بن محمد بن علي اللّخمي الإشبيلي، الثقة الحجة، سمع [محمد بن] [2] عمر بن لبابة، وأسلم بن عبد العزيز وطبقتهما، ومنه جماعة من الأقران، ومات في رمضان، وله سبع وثمانون سنة.
قال ابن الفرضي: لم أجد أحدا أفضّله عليه في الضبط، رحلت إليه مرتين.
وفيها أبو الفتح عبد الواحد بن أحمد بن مسرور البلخي الحافظ، نزيل مصر، توفي في ذي الحجة. روى عن الحسين بن محمد المطبقي،
__________
[1] تحرّف نسبته في الأصل إلى «الشجري» وأثبت لفظ المطبوع، وانظر «العبر» (2/ 151) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (8/ 85) و «النجوم الزاهرة» (4/ 153) .
[2] ما بين حاصرتين مستدرك من «العبر» (3/ 9) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 377) .

(4/413)


وأحمد بن سليمان بن زبّان الكندي وطبقتهما، وروى عنه الحافظ عبد الغني الأزدي [1] وآخرون، وهو من الثقات.
وفيها أبو بكر المفيد، محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب، بجرجرايا [2] ، وكان يفهم ويحفظ ويذاكر، وهو بيّن الضعف، واتهمه بعضهم.
روى عن أبي شعيب الحرّاني وأقرانه، وعاش أربعا وتسعين سنة.
وفيها أبو بكر الورّاق محمد بن إسماعيل بن العبّاس البغدادي المستملي، اعتنى به أبوه، وأسمعه من الحسن بن الطيب البلخي، وعمر بن أبي غيلان، وطبقتهما، وعاش خمسا وثمانين سنة، وكان صاحب حديث ثقة.
وفيها محمد بن بشر، أبو سعيد البصري، ثم النيسابوري الكرابيسي- نسبة إلى بيع الكرابيس، وهي الثياب- المحدّث الفاضل. روى عن أبي لبيد السّامي، وابن خزيمة، والبغوي، وكان ثقة صالحا.
وفيها محمد بن العبّاس بن محمد أبو عبد الله بن أبي ذهل العصمي [3] الضبّي الهروي، أحد الرؤساء الأجواد، وكانت أعشار غلّاته تبلغ ألف حمل [وقيل: كان يقوم بخمسة آلاف بيت ويموّنهم] [4] وعرضت عليه ولايات جليلة فامتنع، وكان ملك هراة من تحت أوامره، سمّوه في قميص، فمات شهيدا في صفر، وله أربع وثمانون سنة. روى عن يحيى بن صاعد وأقرانه.
__________
[1] تحرّفت في الأصل إلى «الأسدي» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب، وانظر «تذكرة الحفّاظ» (3/ 1005) .
[2] قرية من أعمال بغداد. انظر «آثار البلاد وأخبار العباد» للقزويني ص (351) .
[3] بضم العين وسكون الصاد المهملتين، نسبة إلى «عصم» وهو اسم رجل من أجداد المنتسب إليه، وهو ينسب لبيت كبير مشهور من أهل العلم بهراة. انظر «الأنساب» (8/ 471) .
[4] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» (2/ 152) .

(4/414)


وقال ابن ناصر الدّين: هو الفقيه الشافعي، كان حافظا نبيلا من الأخيار وذوي الأقدار العالية والبر والإشارة، وكان يموّن خمسة آلاف بيت ونيفا بهراة، ولم نسمع بحصول ذلك لأحد من أمثاله سواه، رحمه الله. انتهى.
وفيها أبو بكر، محمد بن عبيد الله [1] بن الشخّير الصيرفي البغدادي، ببغداد. روى عن عبد الله بن إسحاق المدائني، والباغندي، توفي في رجب، وله بضع وثمانون سنة.
وفيها أبو أحمد الحاكم، محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النّيسابوري الكرابيسي، الحافظ الثقة المأمون، أحد أئمة الحديث، وصاحب التصانيف. روى عن ابن خزيمة، والباغندي، ومحمد بن المجدّر، وعبد الله بن زيدان البجلي، ومحمد بن الفيض الغسّاني، وطبقتهم، وأكثر الترحال، وكتب ما لا يوصف.
قال الحاكم بن البيّع: أبو أحمد الحافظ إمام عصره في الصنعة [2] ، توفي في شهر ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة، صنّف على «الصحيحين» وعلى «جامع الترمذي» وألّف كتاب «الكنى» وكتاب «العلل» وكتاب «الشروط» و «المخرج على كتاب المزني» وولي قضاء الشّاش، ثم قضاء طوس، ثم قدم نيسابور، ولزم مسجده، وأقبل على العبادة والتصنيف، وكفّ بصره قبل موته بسنتين [3] ، وهذا غير صاحب «المستدرك» بل هو شيخ ذاك، وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
وفيها القاسم بن الجلّاب، الفقيه المالكي صاحب القاضي أبي بكر الأبهري. ألّف كتاب «التفريع» وكتاب «مسائل الخلاف» وفي اسمه أقوال.
__________
[1] تحرّفت في «العبر» (3/ 11) إلى «عبد الله» وانظر «الأنساب» (7/ 300) .
[2] يعني فن الحديث وما يتصل به.
[3] انظر «غربال الزمان» ص (323) .

(4/415)


وفيها الحافظ الكبير يحيى بن مالك بن عائذ الأندلسي، أبو زكريا، كان حافظا كبيرا عالما، أحد الأعيان، توفي بالأندلس في شعبان.
وفيها ابن نبال، أبو الحسن علي بن محمد بن نبال البغدادي، الحافظ المشهور، تعلم الخط كبيرا، ورزق من الفهم والمعرفة شيئا كثيرا.
قاله ابن ناصر الدّين.

(4/416)


سنة تسع وسبعين وثلاثمائة
فيها توفي أبو حامد، أحمد بن محمد بن أحمد بن باكويه النيسابوري. سمع محمد بن شاذل، والسرّاج، وجماعة، وهو صدوق.
وفيها علي بن أحمد بن عمر أبو الحسن السرخسي، الثقة الضابط، كان حافظا، كتب الكثير، ولم يحدّث إلا بشيء يسير. قاله ابن ناصر الدّين.
وفيها شرف الدولة، سلطان بغداد، ابن السلطان عضد الدولة الديلمي. كان فيه خير وقلّة ظلم، مرض بالاستسقاء، ومات في جمادى الآخرة، وله تسع وعشرون سنة، وتملّك بغداد سنتين وثمانية أشهر، وولي بعده أخوه أبو نصر.
وفيها محمد بن أحمد بن العبّاس، أبو جعفر، الجوهري البغدادي، نقاش الفضّة، كان من كبار المتكلّمين، وهو عالم الأشعرية في وقته، وعنه أخذ أبو علي بن شاذان علم الكلام، توفي في المحرم، وله سبع وثمانون سنة. روى عن محمد بن محمد الباغندي وجماعة.
وفيها أبو بكر الزّبيدي- بضم الزاي وفتح الموحدة، وبدال مهملة بعد الياء، نسبة إلى زبيد، واسمه منبّه بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج- محمد بن الحسن بن عبيد الله [1] بن مذحج- بضم الميم وسكون الذال
__________
[1] في «وفيات الأعيان» (4/ 372) و «الوافي بالوفيات» (2/ 351) : «ابن عبد الله» خلافا لجميع.

(4/417)


المعجمة وكسر الحاء المهملة وبعدها جيم، اسم أكمة حمراء باليمن، ولد عليها [مالك بن أدد] فسمي باسمها.
كان صاحب الترجمة شيخ الأندلس بل وغيرها في العربية.
قال ابن خلّكان [1] : هو نزيل قرطبة، كان واحد عصره في علم النحو وحفظ اللغة، وكان أخبر أهل زمانه بالإعراب والمعاني والنوادر، أي علم السير والأخبار، ولم يكن بالأندلس في فنه مثله في زمانه، وله كتب تدل على وفور علمه منها «مختصر كتاب العين» وكتاب «طبقات النحويين واللغويين بالمشرق والأندلس» من زمن أبي الأسود الدؤلي إلى زمن شيخه أبي عبد الله النحوي الرياحي، وله كتاب «هتك ستور الملحدين» وكتاب «لحن العامة» وكتاب «الواضح في العربية» وهو مفيد جدا، وكتاب «الأبنية في النحو» ليس لأحد مثله.
واختاره الحكم المستنصر بالله صاحب الأندلس لتأديب ولده، وليّ عهده هشام المؤيد بالله، فكان الذي علمه الحساب والعربية ونفعه نفعا كثيرا، ونال أبو بكر الزّبيدي به [2] دنيا عريضة، وتولى قضاء إشبيلية وخطة الشرطة، وحصل له نعمة ضخمة لبسها بنوه من بعده زمانا. وكان الزّبيديّ شاعرا كثير الشعر، فمن ذلك قوله في أبي مسلم بن فهر:
أبا مسلم إن الفتى بجنانه ... ومقوله لا بالمراكب واللّبس
وليس ثياب المرء تغني قلامة ... إذا كان مقصورا على قصر النفس
وليس يفيد العلم والحلم والحجا ... أبا مسلم طول القعود على الكرسي
وكان في صحبة الحكم المستنصر، وترك جاريته بإشبيلية فاشتاق إليها
__________
المصادر التي بين يدي، فليحرر.
[1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 372- 374) .
[2] في «وفيات الأعيان» : «منه» .

(4/418)


واستأذنه في العود إليها، فلم يأذن له، فكتب إليها:
ويحك يا سلم لا تراعي ... لا بدّ للبين من زماع
لا تحسبيني صبرت إلّا ... كصبر ميت على النّزاع
ما خلق الله من عذاب ... أشدّ من وقفة الوداع
ما بينها والحمام فرق ... لولا المناحات [1] والنّواعي
إن يفترق شملنا وشيكا ... من بعد ما كان ذا اجتماع
فكلّ شمل إلى افتراق ... وكلّ شعب إلى انصداع
وكلّ قرب إلى بعاد [2] ... وكلّ وصل إلى انقطاع
وكان كثيرا ما ينشد:
الفقر في أوطاننا غربة ... والمال في الغربة أوطان
والأرض شيء كلّها واحد ... والنّاس إخوان وجيران
وفيها أبو سليمان بن زبر، المحدّث الحافظ، الثقة الجليل، محمد بن القاضي عبد الله بن أحمد بن ربيعة الرّبعي الدمشقي، مات في جمادى الأولى. روى عن أبي القاسم البغوي، وجماهر الزّملكاني، ومحمد بن الرّبيع الجيزي، وخلق، وصنّف التصانيف المفيدة [3] ، وممّن أخذ عنه تمّام الرّازي، وعبد الغني بن سعيد [الأزدي] ، ومحمد بن عوف المزني.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «المنامات» وفي «الوافي بالوفيات» : «المناجاة» وأثبت لفظ «معجم الأدباء» لياقوت (18/ 183) .
[2] في الأصل والمطبوع: «إلى وداع» وأثبت لفظ «معجم الأدباء» و «وفيات الأعيان» و «الوافي بالوفيات» .
[3] منها كتابه «وصايا العلماء عند حضور الموت» وقد نشر لأول مرة في دار ابن كثير بدمشق، وقد تولى تحقيقه الأستاذ صلاح محمد الخيمي، وقام بمراجعة تحقيقه وخرّج أحاديثه وعلّق عليه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى.

(4/419)


وفيها محمد بن المظفّر بن موسى بن عيسى أبو الحسين [1] البغدادي، وله ثلاث وتسعون سنة. توفي في جمادى الأولى، وكان من أعيان الحفّاظ. سمع من أحمد بن الحسن الصوفي، وعبد الله بن زيدان، ومحمد بن خريم، وطبقتهم بالعراق، والجزيرة، والشام، ومصر، وكان يقول: عندي من الباغندي مائة ألف حديث.
قال ابن ناصر الدّين: كان محدّث العراق، حافظا، ثقة، نبيلا، مكثرا، متقنا، يميل إلى التشيّع قليلا. انتهى.
وفيها غندر النّجار، أبو بكر، محمد بن جعفر بن العبّاس. روى عن ابن المجدّر، وابن صاعد. وعنه: الحسن بن محمد الخلّال، وكان يحفظ.
قاله ابن بردس.
وفيها محمد بن النّضر، أبو الحسين الموصلي النحّاس، الذي روى ببغداد «معجم أبي يعلى» عنه.
قال البرقاني: واه لم يكن ثقة.
__________
[1] في «العبر» : «أبو الحسن» .

(4/420)


سنة ثمانين وثلاثمائة
فيها توفي أبو نصر [1] ، أحمد بن الحسين بن مروان الضبيّ المرواني النيسابوري، في شعبان. روى عن السرّاج وابن خزيمة.
وفيها أبو العبّاس الصّندوقي، أحمد بن محمد بن أحمد النيسابوري.
روى عن محمد بن شادل [2] ، وابن خزيمة، وشاخ فتفرّد بالرواية عن بضعة عشر شيخا.
وفيها سهل بن أحمد الدّيباجي. روى عن أبي [3] خليفة وغيره، لكنه رافضي كذاب.
وفيها أحمد بن منصور بن ثابت الشيرازي، أبو العبّاس، أحد الحفّاظ الرحالين، ذكر الدارقطني أنه أدخل أحاديث على جماعة من الرواة، لكن يحيى بن مندة ذكر أن ذلك فعل آخر يقال له: أحمد بن منصور، سواه. قاله ابن ناصر الدّين.
وفيها الحسن بن علي بن عمرو البصري، أبو محمد، غلام الزهري،
__________
[1] قوله: «أبو نصر» سقط من الأصل وأثبته من المطبوع و «العبر» .
[2] تحرّف في الأصل والمطبوع إلى: «ابن شاذك» والتصحيح من «الأنساب» (8/ 90) وانظر المراجع التي أحال عليها محقّقه.
[3] في المطبوع: «ابن خليفة» وهو خطأ، وما جاء في الأصل هو الصواب كما في «العبر» (2/ 156) وأبو خليفة هو الفضل بن الحباب الجمحي البصري. انظر «تذكرة الحفاظ» (2/ 670- 671) و «طبقات الحفاظ» ص (292) ، وانظر في ترجمة سهل بن أحمد الديباجي «ميزان الاعتدال» (2/ 237) و «لسان الميزان» (3/ 117) .

(4/421)


كان حافظا، ناقدا، مجودا. قاله ابن ناصر الدّين.
وفيها طلحة بن محمد بن جعفر، أبو القاسم، الشاهد المعدّل المقرئ، تلميذ ابن مجاهد. روى عن أبي عمر بن [أبي] غيلان وطبقته، لكنه معتزلي.
وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرّج الأموي، مولاهم القرطبي، الحافظ الثقة، محدّث الأندلس. رحل، وسمع أبا سعيد بن الأعرابي، وخيثمة، وقاسم بن أصبغ، وطبقتهم، وكان وافر الحرمة عند صاحب الأندلس، صنّف له عدة كتب، فولّاه القضاء، توفي في رجب، وله ست وتسعون سنة [1] .
قال الحميدي: من تصانيفه «فقه الحسن البصري» في سبع مجلدات، و «فقه الزّهري» في أجزاء عديدة.
وفيها يعقوب بن يوسف بن كلّس، الوزير الكامل، أبو الفرج، وزير صاحب مصر [2] العزيز بالله، وكان يهوديا بغداديا، عجبا في الدهاء، والفطنة والمكر، وكان يتوكّل للتجار بالرّملة فانكسر وهرب إلى مصر، فأسلم بها، واتصل بالأستاذ كافور، ثم دخل المغرب، ونفق على المعز، وتقدم عنده [3] ، ولم يزل في ارتقاء إلى أن مات، وله اثنتان وستون سنة، وكان عظيم الهيئة [4] ، وافر الحشمة، عالي الهمّة، وكان معلومه على مخدومه في السنّة مائة ألف دينار، وقيل: إنه خلّف أربعة آلاف مملوك بيض وسود، ويقال: إنه حسن إسلامه. قاله في «العبر» [5] .
__________
[1] في «العبر» (2/ 16) : «وله ست وستون سنة» وهو الصواب، وانظر التعليق عليه.
[2] في الأصل: «صاحب دمشق» وقد شطب فوقها.
[3] لفظة «عنده» لم ترد في «العبر» المطبوع في بيروت.
[4] في «العبر» : «عظيم الهيبة» .
[5] (2/ 156) طبع بيروت.

(4/422)