شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وثمانين
وثلاثمائة
فيها توفي أبو حامد النّعيمي، أحمد بن عبد الله بن نعيم السّرخسي، نزيل
هراة، في ربيع الأول. روى «الصحيح» عن الفربري، وسمع من الدّغولي،
وجماعة.
وفيها أبو أحمد السّامرّي- بفتح الميم وتشديد الراء، نسبة إلى سرّ من
رأى- عبد الله بن الحسين بن حسنون البغدادي المقرئ، شيخ الإقراء
بالدّيار المصرية. مات في المحرم وله إحدى وتسعون سنة. قرأ القرآن في
الصغر، فذكر أنه قرأ على أحمد بن سهل الأشناني، وأبي عمران الرّقّي،
وابن شنبوذ، وابن مجاهد، وحدّث عن أبي العلا محمد بن أحمد الوكيعي،
فاتهمه الحافظ عبد الغني المصري في لقيه [1] وقال: لا أسلّم على من
يكذب في الحديث، وفي «العنوان» [2] أن السامري، قرأ على محمد بن يحيى
الكسائي، وهذا وهم من صاحب «العنوان» لأن محمد بن يحيى توفي قبل مولد
السامري بخمس عشرة سنة أو هو محمد بن السامري [3] ، ويدل عليه
__________
[1] في «العبر» : «في لقبه» .
[2] يعني كتاب «العنوان في السبعة القراء» لأبي طاهر إسماعيل بن خلف
الأنصاري السّرقسطي المتوفى سنة (455) هـ. انظر «كشف الظنون» (2/ 1176)
و «الأعلام» للزركلي (1/ 313) .
[3] في المطبوع: «أو هو عمد بن السامري» وهو تحريف غير سياق النص،
وانظر «العبر» (3/ 34) .
(4/458)
قول محمد بن علي الصوري: قد ذكر أبو أحمد،
أنه قرأ على الكسائي الصغير، فكتب في ذلك إلى بغداد، يسأل عن وفاة
الكسائي، فكان الأمر من ذلك بعيدا.
قال في «العبر» [1] : قلت: ثم أمسك أبو أحمد عن هذا القول، وروى عن ابن
مجاهد، عن الكسائي. انتهى.
وفيها عبيد الله بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن جميل، أبو
أحمد الأصبهاني. روى مسند أحمد بن منيع، عن جدّه، ومات في شعبان.
وفيها الحربي، أبو الحسن، علي بن عمر الحميري البغدادي، ويعرف أيضا
بالسكري، وبالصيرفي، وبالكيّال. روى عن أحمد بن الصوفي، وعبّاد بن علي
السّيريني، والباغندي، وطبقتهم.
ولد سنة ست وتسعين ومائتين، وسمع سنة ثلاث وثلاثمائة، باعتناء أخيه،
وتوفي في شوال.
وفيها أبو عبد الله الختن الشافعي، محمد بن الحسن الإستراباذي- بكسر
أوله والفوقية، وسكون السين، وفتح الراء والموحدة، بعدها معجمة، نسبة
إلى استراباذ، من بلاد مازندران، بين سارية وجرجان- وهو ختن أبي بكر
الإسماعيلي، وهو صاحب وجه في المذهب، وله مصنفات عاش خمسا وسبعين سنة،
وكان أديبا، بارعا، مفسرا، مناظرا. روى عن عبد الملك بن عدي الجرجاني،
وتوفي في يوم عرفة.
قال الإسنوي: نقل عنه الرافعي في كتاب الجنايات قبيل العاقلة بقليل، أن
السحر لا حقيقة له، وإنما هو تخييل لظاهر الآية. انتهى.
__________
[1] (3/ 35) .
(4/459)
وفيها أبو طالب صاحب «القوت» [1] محمد [بن
علي] بن عطية الحارثي العجمي ثم المكّي. نشأ بمكة، وتزهد، وسلك، ولقي
الصوفية، وصنّف، ووعظ، وكان صاحب رياضة ومجاهدة، وكان على نحلة أبي
الحسن بن سالم البصري، شيخ السالمية. روى عن علي بن أحمد المصّيصي
وغيره. قاله في «العبر» [2] .
وقال ابن خلّكان [3] : أبو طالب محمد بن علي بن عطية الحارثي، صاحب
كتاب «قوت القلوب» كان رجلا صالحا مجتهدا في العبادة، ويتكلم في
الجامع، وله مصنفات في التوحيد، [و] لم يكن من أهل مكة، وإنما كان من
أهل الجبل، وسكن مكّة، فنسب إليها، وكان يستعمل الرياضة كثيرا، حتّى
قيل: إنه هجر الطعام زمانا، واقتصر على أكل الحشائش المباحة، فاخضرّ
جلده من كثرة تناولها.
ولقي جماعة من المشايخ في الحديث، وعلم الطريقة وأخذ عنهم، ودخل البصرة
بعد وفاة أبي الحسن بن سالم، فانتهى إلى مقالته، وقدم بغداد، فوعظ
الناس، وخلّط في كلامه فهجروه وتركوه.
قال محمد بن طاهر المقدسي في كتاب «الأنساب» [4] : إن أبا طالب المكّي
لما دخل بغداد واجتمع الناس عليه في مجلس الوعظ، خلّط في كلامه، وحفظ
عنه أنه قال: ليس على المخلوقين أضرّ من الخالق، فبدّعه الناس [5]
وهجروه، وامتنع من الكلام بعد ذلك.
__________
[1] واسمه الكامل «قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى
مقام التوحيد» .
انظر «كشف الظنون» (2/ 1361) .
[2] (3/ 35- 36) وما بين حاصرتين مستدرك ومنه ومن «سير أعلام النبلاء»
(16/ 536) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 303) .
[4] انظر «الأنساب المتفقة» ص (153- 154) .
[5] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى: «فبعده الناس» والتصحيح من «وفيات
الأعيان» و «الأنساب المتفقة» .
(4/460)
وله كتب في التوحيد، وتوفي سادس جمادى
الآخرة ببغداد، ودفن بمقبرة الملكية بالجانب الشرقي، وقبره هناك يزار،
رحمه الله. انتهى بحروفه.
وفيها العزيز بالله، أبو منصور، نزار بن المعزّ [بالله] معد بن المنصور
إسماعيل بن القائم بالله محمد بن المهدي العبيدي الباطني، صاحب مصر
[والمغرب] [1] ، والشام، وولي الأمر بعد أبيه، وعاش العزيز اثنتين
وأربعين سنة، وكان شجاعا، جوادا، حليما، وكان أسمر، أصهب، أعين، أشهل،
حسن الخلق، قريبا من الناس، لا يحب سفك الدّماء، له أدب وشعر، وكان
مغرى بالصيد، وقام بعده ابنه الحاكم.
وهو الذي اختطّ جامع مصر القاهرة، وبنى قصر البحر، وقصر الذهب، وجامع
القرافة.
قيل: إنه كتب إلى صاحب الأندلس المرواني، يهجوه ويذم نسبه، فكتب إليه
المرواني: عرفتنا فهجوتنا، ولو عرفناك لهجوناك وأجبناك [2] والسلام.
فاشتد ذلك عليه وأفحمه، لأن أكثر الناس لا يسلمون للعبيديين نسبتهم إلى
أهل البيت.
ووجد العزيز يوما رقعة على منبر الخطبة فيها:
إنّا سمعنا نسبا منكرا ... يتلى على المنبر بالجامع
إن كنت فيما تدّعي صادقا ... فاذكر [3] أبا بعد الأب الرابع
وإن ترد تحقيق ما قلته ... فانسب لنا نفسك كالطائع [4]
__________
[1] زيادة من «العبر» مصدر المؤلف.
[2] في «وفيات الأعيان» : «ولو عرفناك لأجبناك» .
[3] في الأصل والمطبوع: «فانسب» وهو سبق عين من المؤلف والتصحيح من
«وفيات الأعيان» (5/ 373) .
[4] في الأصل والمطبوع: «كالطابع» وهو خطأ والتصحيح من «وفيات الأعيان»
.
(4/461)
أو فدع الأشياء مستورة ... وادخل بنا في
النسب الواسع [1]
[فإنّ أنساب بني هاشم ... يقصر عنها طمع الطامع] [2]
__________
[1] رواية البيت في «وفيات الأعيان» :
أولا دع الأنساب مستورة ... وادخل بنا في النسب الواسع
[2] زيادة من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف.
(4/462)
سنة سبع وثمانين
وثلاثمائة
فيها توفي القاسم بن الثلّاج، عبد الله بن محمد البغدادي الشاهد.
في ربيع الأول، وله ثمانون سنة. روى عن البغوي وطائفة، واتّهم بالوضع.
وفيها أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن خلف بن سهل المصري البزّاز،
ويعرف بابن أبي غالب. روى عن محمد بن محمد الباهلي، وعلي بن أحمد بن
علّان، وطائفة وكان من كبراء المصريين ومتموّليهم.
وفيها، وقيل: في التي قبلها، وبه جزم ابن ناصر الدّين في «بديعته»
فقال:
ابن أبي اللّيث النّصيبيّ المصري ... فاضلهم في شأننا وشعر
وهو أحمد بن أبي اللّيث نصر بن محمد النّصيبيّ [1] المصريّ، أبو
العبّاس، كان من الحفّاظ الأيقاظ، آية في الحفظ.
وفيها الإمام الكبير الحافظ، ابن بطّة، أبو عبد الله، عبيد الله بن
محمد بن محمد بن حمدان بن بطّة العكبري، الفقيه الحنبلي، العبد الصالح.
توفي في المحرم، وله ثلاث وثمانون سنة.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «النصيبيني» وهو خطأ، والتصحيح من «سير أعلام
النبلاء» (16/ 561) .
(4/463)
قال في «العبر» [1] : كان صاحب حديث، ولكنه
ضعيف من قبل حفظه.
روى عن البغوي، وأبي ذر بن الباغندي، وخلق، وصنّف كتابا كبيرا في
السّنّة.
قال العتيقي: كان مستجاب الدعوة. انتهى كلام «العبر» .
وقال ابن ناصر الدّين: كان أحد المحدّثين العلماء الزهّاد، ومن مصنفاته
«الإبانة في أصول الديانة» . انتهى.
وقال ابن أبي يعلى في «طبقاته» [2] : سمع من خلائق لا يحصون فإنه سافر
الكثير إلى مكّة، والثغور، والبصرة، وغير ذلك، وصحبه جماعة من شيوخ
المذهب، منهم: أبو حفص [العكبري، وأبو حفص] البرمكي، وأبو عبد الله بن
حامد، [وأبو علي بن شهاب] ، وأبو إسحاق البرمكي في آخرين.
ولما رجع من الرحلة لازم بيته أربعين سنة، فلم ير في سوق ولا رئي مفطرا
إلا في يوم الفطر، والأضحى، وأيام التشريق.
وقال عبد الواحد بن علي العكبري: لم أر في شيوخ أصحاب الحديث، ولا في
غيرهم، أحسن هيئة من ابن بطة.
وكان أمّارا بالمعروف، ولم يبلغه خبر منكر إلا غيّره.
وقال أبو محمد الجوهري: سمعت أخي أبا عبد الله يقول: رأيت النّبيّ،
صلّى الله عليه وآله وسلّم، في المنام، فقلت له: يا رسول الله، أي
المذاهب خير؟ أو قال:
قلت: على أي المذاهب أكون؟ فقال: «ابن بطة، ابن بطة، ابن بطة» فخرجت من
بغداد إلى عكبرا، فصادف دخولي يوم جمعة، فقصدت الشيخ
__________
[1] (3/ 37) .
[2] انظر «طبقات الحنابلة» (2/ 144- 147) وما بين حاصرتين سقط من الأصل
والمطبوع واستدركته منه، وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرّف.
(4/464)
أبا عبد الله بن بطة إلى الجامع، فلما رآني
قال لي: ابتداء: صدق رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلّم، صدق رسول
الله، صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وقال أبو عبد الله بن بطة: ولدت يوم الاثنين لأربع خلون من شوال، سنة
أربع وثلاثمائة، وولد ابن منيع، رحمه الله، سنة أربع عشرة ومائتين،
ومات يوم الفطر سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وقرأت عليه «معجمه» في نفر خاص
في مدة عشرة أيام أو أقل أو أكثر، وذلك في آخر سنة خمس عشرة وأول سنة
ست عشرة.
وكان بعين ابن بطة ناصور، وقد وصف له ترك العشاء، فكان يجعل عشاءه قبل
الفجر بيسير، ولا ينام حتّى يصبح، وكان عالما بمنازل النّيّرين [1] .
واجتاز ابن بطّة بالأحنف العكبري، فقام له، فشق ذلك عليه، فأنشأ
الأحنف:
لا تلمني على القيام فحقي ... حين تبدو أن لا أملّ القياما
أنت من أكرم البرية عندي ... ومن الحق أن أجل الكراما
فقال ابن بطّة متكلفا له الجواب:
أنت إن كنت- لاعدمتك- ترعى ... لي حقا وتظهر الإعظاما
فلك الفضل في التقدم والع ... لم ولسنا نحب منك احتشاما
فاعفني الآن من قيامك أو لا ... فسأجزيك بالقيام قياما
وأنا كاره لذلك جدّا ... إنّ فيه تملقا وآثاما
لا تكلف أخاك أن يتلقا ... ك بما يستحلّ فيه الحراما
وإذا صحّت الضّمائر منا ... اكتفينا أن نتعب الأجساما
كلنا واثق بود أخيه [2] ... ففيم انزعاجنا وعلام
__________
[1] في «طبقات الحنابلة» : «بمنازل الفجر والقمر» .
[2] في «طبقات الحنابلة» : «بود مصافيه» .
(4/465)
ويقال: إنه أفتى وهو ابن خمس عشرة سنة،
ومصنفاته تزيد على مائة، رحمه الله تعالى.
وفيها ابن مردك، أبو الحسن، علي بن عبد العزيز بن مردك البرذعي [1]
البزّاز ببغداد، حدّث عن عبد الرّحمن بن أبي حاتم وجماعة، ووثقه الخطيب
[2] ، وتوفي في المحرم، وكان عبدا صالحا.
وفيها فخر الدولة، علي بن ركن الدولة الحسن بن بويه الدّيلمي، سلطان
الرّيّ، وبلاد الجبل، وزر له الصّاحب بن عبّاد، وكان ملكا شجاعا مطاعا
جمّاعا للأموال، واسع الممالك، عاش ستا وأربعين سنة، وكانت أيامه أربع
عشرة سنة، لقّبه الطائع ملك الأمة، وكان أجلّ من بقي من ملوك بني بويه،
وكان يقول: قد جمعت لولدي ما يكفيهم ويكفي عسكرهم خمس عشرة سنة.
قال ابن الجوزي في كتابه «شذور العقود» : توفي في قلعة بالرّيّ، وكانت
مفاتيح خزائنها مع ولده، ولم يحضر، فلم يوجد له كفن، فابتيع من قيم
الجامع الذي تحت القلعة ثوب، فلف فيه، واختلف الجند، فاشتغلوا عنه حتّى
أراح [3] ، فلم يمكنهم القرب منه، فشدّ بالحبال وجرّ على درج القلعة من
بعد حتّى تقطع، وكان قد ترك ألفي ألف دينار وثمانمائة وخمسة وستين
ألفا، وكان في خزانته من الجوهر، والياقوت، والؤلؤ، والبلخش [4] والماس
أربعة عشر ألفا وخمسمائة قطعة، قيمتها ألف ألف دينار، ومن أواني
__________
[1] في «العبر» (3/ 37) : «البردعي» بالدال المهملة وهو تصحيف.
[2] انظر «تاريخ بغداد» (12/ 30) .
[3] أي أصبحت رائحة جيفته ظاهرة مشمومة.
[4] في الأصل: «البلخس» وهو خطأ وأثبت لفظ المطبوع وهو الصواب. قال ابن
الأكفاني في كتابه «نخب الذخائر في معرفة الجواهر» ص (14- 15) : ويسمّى
(اللّعل) بالفارسية، وهو جوهر أحمر شفّاف مسفر صاف يضاهي فائق الياقوت
في اللون والرونق.
(4/466)
الفضة ما وزنه ثلاثة آلاف ألف من، ومن
الأثاث ثلاثة آلاف حمل، ومن السلاح ألفا حمل، ومن الفرش ألفان وخمسمائة
حمل. انتهى ما ذكره ابن الجوزي.
وفيها أبو ذر، عمّار بن محمد بن مخلد التميمي، نزيل بخارى. روى عن يحيى
بن صاعد وجماعة، ومات في صفر، وروى عنه عبد الواحد الزبيري، الذي عاش
بعده مائة وثمان سنين، وهذا معدوم النظير.
وفيها أبو الحسين بن سمعون، الإمام القدوة، الناطق بالحكمة، محمد بن
أحمد بن إسماعيل البغدادي الواعظ، صاحب الأحوال والمقامات.
روى عن أبي بكر بن أبي داود وجماعة، وأملى عدّة مجالس. ولد سنة
ثلاثمائة، ومات في نصف ذي القعدة ولم يخلف ببغداد مثله.
قال ابن خلّكان [1] : كان وحيد دهره في الكلام على الخواطر، وحسن
الوعظ، وحلاوة الإشارة، ولطف العبارة. أدرك جماعة من [جلّة] المشايخ،
وروى عنهم، منهم: الشيخ أبو بكر الشبلي رحمه الله، وأنظاره، ومن كلامه
ما رواه الصّاحب بن عبّاد قال: سمعت ابن سمعون يوما وهو على الكرسي في
مجلس وعظه يقول: سبحان من أنطق باللحم، وبصر بالشحم، واسمع بالعظم،
إشارة إلى اللسان، والعين، والأذن، وهذه من لطائف الإشارات، ومن كلامه
أيضا: رأيت المعاصي نذالة، فتركتها مروءة فاستحالت ديانة، وله كل معنى
لطيف.
كان لأهل العراق فيه اعتقاد كثير، ولهم به غرام شديد، وإياه عنى
الحريري صاحب «المقامات» في المقامة الحادية والعشرين، وهي الرازية [2]
بقوله: رأيت بها [ذات] بكرة، زمرة إثر زمرة، وهم منتشرون انتشار
الجراد،
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 304- 305) .
[2] انظر «مقامات الحريري» ص (151- 152) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
(4/467)
ومستنّون استنان الجياد، ومتواصفون واعظا
يقصدونه، ويحلّون ابن سمعون دونه. ولم يأت في الوعّاظ مثله.
دفن في داره بشارع العباس [1] ثم نقل يوم الخميس حادي عشر رجب، سنة ست
وعشرين وأربعمائة، ودفن بباب حرب، وقيل: إن أكفانه لم تكن بليت بعد،
رحمه الله تعالى. انتهى ملخصا.
وقال ابن الأهدل: هو لسان الوقت المرجوع إليه في آداب الظاهر، يذهب إلى
أسد المذاهب مع ما يرجع إليه من صحة الاعتقاد، وصحبة الفقراء، وكان
الباقلاني والإسفراييني يقبّلان يده، ويجلّانه، وكان أول أمره ينسخ
بالأجرة، ويبرّ أمه، فأراد الحج، فمنعته أمه، ثم رأت رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو يقول: «دعيه يحجّ، فإن الخيرة له في حجّه في الآخرة
والأولى» فخرج مع الحاج فأخذهم العرب وسلبوه، فاستمر حتّى ورد مكّة.
قال: فدعوت في البيت فقلت: اللهمّ إنك بعلمك غنيّ عن إعلامي بحالي،
اللهمّ ارزقني معيشة أشتغل بها عن سؤال الناس. قال: فسمعت قائلا يقول:
اللهمّ إنه ما يحسن يدعوك، اللهمّ ارزقه عيشا بلا مشقة، فأعدت ثلاثا،
وهو يعيد، ولا أرى أحدا.
وروى الخطيب [2] أن ابن سمعون خرج من المدينة الشريفة إلى بيت الله
ومعه تمر صيحاني، فاشتهى الرطب، فلما كان وقت الإفطار، إذا التمر رطب،
فلم يأكله، فعاد إليه من الغد، فإذا هو تمر، فأكله. انتهى ملخصا أيضا.
وفيها أبو الطيب التّيملي- بفتح الفوقية وسكون التحتية وضم الميم ولام،
نسبة إلى تيم الله بن ثعلبة [3] قبيلة، وتيم اللّات بطن من كلب، لا
أدري
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «بدرب العتابين» .
[2] انظر «تاريخ بغداد» (1/ 275) .
[3] وهو ما قاله السمعاني في «الأنساب» (3/ 114) .
(4/468)
إلى أيّهما ينسب صاحب الترجمة- محمد بن
الحسين الكوفي. سمع عبد الله بن زيدان البجلي وجماعة وكان ثقة.
وفيها أبو الفضل الشيباني، محمد بن عبد الله الكوفي، حدّث ببغداد عن
محمد بن جرير الطبري، والكبار، لكنه كان يضع الحديث للرافضة فترك.
وفيها أبو طاهر، محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة السّلمي
النيسابوري. روى الكثير عن جدّه، وأبي العبّاس السرّاج، وخلق، واختلط
قبل موته بثلاثة أعوام، فتجنّبوه.
وفيها محمد بن المسيّب، الأمير أبو الذّواد العقيلي، من أجلّ [1] أمراء
العرب، تملك الموصل، وغلب عليها، في سنة ثمانين وثلاثمائة، وصاهر بني
بويه، وتملك بعده أخوه حسام الدولة مقلّد بن المسيّب.
وفيها أبو القاسم السرّاج موسى بن عيسى البغدادي، وقد نيّف على
التسعين. روى عن الباغندي وجماعة، ووثقه عبيد الله الأزهري.
وفيها نوح بن الملك منصور بن الملك نوح بن الملك نصر بن الملك أحمد بن
الملك إسماعيل السّاماني [2] ، أبو القاسم، سلطان بخارى وسمرقند، وكانت
دولته اثنتين وعشرين سنة، وولي بعده ابنه منصور، ثم بعد عامين توثّب
عليه أخوه عبد الملك بن نوح، الذي هزمه السلطان محمد بن سبكتكين،
وانقرضت الدولة السّامانيّة.
قال ابن الفرات: استولى أبو القاسم محمود بن ناصر الدولة سبكتكين، وأخذ
الملك من مجد الدولة، وأسره وأنفذ مقيدا إلى خراسان، وكتب إلى
__________
[1] في «العبر» : «من أجلاء» .
[2] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (16/ 514- 515) .
(4/469)
القادر بالله يعلمه بذلك، فكتب إليه القادر
عهدا على خراسان، والجبال، والسند، والهند، وطبرستان، وسجستان، ولقبه
يمين الدولة، وناصر الملّة، نظام الدّين، ناصر الحق، نصير أمير
المؤمنين.
قيل: وكان قبل ذلك يلقب بمولى أمير المؤمنين، ولقّب بالسلطان، وجلس على
التخت، ولبس التاج، ودخل عليه البديع الهمذاني، وامتدحه بأبيات يقول
فيها:
أظلت شمس محمود ... على أنجم سامان
وأضحى آل بهرام ... عبيدا لابن خاقان
انتهى.
(4/470)
سنة ثمان وثمانين
وثلاثمائة
فيها كما قال في «الشذور» كان البرد زائدا، حتّى جمدت جوب الحمامات،
وبول الدواب. انتهى.
وفيها توفي أبو بكر أحمد بن عبدان بن محمد بن الفرج الشيرازي الحافظ،
كان من كبار المحدّثين، سأله حمزة السّهمي، عن الجرح والتّعديل، وعمّر
دهرا. روى عن الباغندي، والكبار، وأول سماعه سنة أربع وثلاثمائة، توفي
في صفر بالأهواز، وكان يقال له: الباز الأبيض.
قال ابن ناصر الدّين: كان واحد الثقات الحفّاظ.
وفيها الحافظ المتقن أحمد بن عبد البصير القرطبي، المتقن المجود.
قال ابن ناصر الدّين: معدود في حفّاظ بلاده، مذكور في محدّثيه ونقّاده.
انتهى.
وفيها حمد بن محمد [1] بن إبراهيم بن خطّاب الخطّابي البستي- بضم
الموحدة وسكون السين المهملة وبالفوقية، نسبة إلى بست مدينة من بلاد
كابل- أبو سليمان.
__________
[1] قوله: «بن محمد» لم يرد في المطبوع.
(4/471)
كان أحد أوعية العلم في زمانه، حافظا،
فقيها، مبرزا على أقرانه.
وقال ابن الأهدل: أبو سليمان حمد بن محمد الخطّابي البستي الشافعي،
صاحب التصانيف النافعة الجامعة، منها «معالم السنن» و «غريب الحديث» و
«إصلاح غلط المحدّثين» وغيرها. روى عن جماعة من الأكابر، وروى عنه
الحاكم وغيره، ومن شعره:
وما غربة [1] الإنسان في شقّة النّوى ... ولكنها والله في عدم الشّكل
وإني غريب بين بست وأهلها ... وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي [2]
ومنه:
فسامح ولا تستوف حقّك دائما ... وأفضل فلم يستوف قطّ كريم
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم [3]
ومنه:
ما دمت حيّا فدار النّاس كلّهم ... فإنّما أنت في دار المداراة
ولا تعلق بغير الله في نوب ... إنّ المهيمن كافيك المهمات [4]
وسئل عن اسمه أحمد أو حمد، فقال: سميت بحمد وكتب الناس أحمد، فتركته.
انتهى.
وفيها أبو عبد الله، الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير البغدادي
الصيرفي الحافظ. روى عن إسماعيل الصفّار وطبقته، وكان عجبا في حفظ
__________
[1] كذا في الأصل والمطبوع و «سير أعلام النبلاء» : «وما غربة» وفي
«يتيمة الدهر» : «وما غمة» .
[2] البيتان في «يتيمة الدهر» (4/ 383) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 28)
.
[3] البيتان في «يتيمة الدهر» (4/ 385) طبع دار الكتب العلمية ورواية
الأول منهما فيه:
تسامح ولا تستوف حقّك كلّه ... وأبق فلم يستقص قطّ كريم
[4] البيت الأول في «يتيمة الدهر» (4/ 383) .
(4/472)
الحديث وسرده، وروى عنه أبو حفص بن شاهين
مع تقدمه، وتوفي في ربيع الآخر، عن إحدى وستين سنة، وكان ثقة غمزه
بعضهم. قاله في «العبر» [1] .
وفيها أبو الفضل الفامي، عبيد الله بن محمد النيسابوري. روى عن أبي
العبّاس السرّاج، وغيره.
وفيها أبو العلاء [2] بن ماهان، عبد الوهاب بن عيسى البغدادي ثم
المصري. روى «صحيح مسلم» عن أبي بكر أحمد بن محمد الأشقر سوى ثلاثة
أجزاء من أجزاء الكتاب يرويها عن الجلودي.
وفيها أبو حفص عمر بن محمد بن عراك المصري، المقرئ المجود القيّم
بقراءة ورش، توفي يوم عاشوراء، وقرأ على أصحاب إسماعيل النحّاس.
وفيها أبو الفرج الشّنبوذي، محمد بن أحمد بن إبراهيم المقرئ، غلام ابن
شنبوذ. قرأ عليه القراءات، وعلى ابن مجاهد، وجماعة، واعتنى بهذا الشأن،
وتصدّر للإقراء، وكان عارفا بالتفسير، وكان يقول أحفظ خمسين ألف بيت من
الشعر، شواهد للقرآن، تكلم فيه الدارقطني.
وفيها أبو بكر الإشتيخني- بكسر أوله والفوقية وسكون المعجمة والتحتية،
ثم خاء معجمة مفتوحة، ونون، نسبة إلى إشتيخن من قرى الصّغد- محمد بن
أحمد بن متّ، الرّاوي «صحيح البخاري» عن الفربري، توفي في رجب بما وراء
النهر.
وفيها أبو علي الحاتمي، محمد بن الحسن بن مظفّر البغدادي اللغويّ
الكاتب، أحد الأعلام المشاهير المكثرين. أخذ الأدب عن أبي عمر
__________
[1] (3/ 40- 41) .
[2] في «العبر» : «أبو العلا» .
(4/473)
الزاهد غلام ثعلب، وروى عنه أخبارا وأملاها
في مجالس الأدب [1] وروى عن غيره أيضا، وأخذ عنه جماعة من النبلاء
منهم: القاضي التنوخي وغيره، وله «الرسالة الحاتمية» التي شرح فيها ما
جرى بينه وبين أبي الطيب المتنبي من إظهار سرقاته وإبانة عيوب شعره،
ولقد دلّت على غزارة مادته توفر [2] اطّلاعه.
وذكر الحاتميّ أنه اعتلّ، فتأخر عن مجلس شيخه أبي عمر الزاهد، فسأل
عنه، فقيل له: إنه [3] مريض، فجاءه يعوده، فوجده قد خرج إلى الحمام،
فكتب على بابه بإسفيداج:
وأعجب شيء سمعنا به ... عليل يزار [4] فلا يوجد
وفيها أبو بكر الجوزقي- بالجيم والزاي، نسبة إلى جوزق [5] كجعفر، قرية
بنيسابور وأخرى بهراة- محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني
الحافظ المعدل، شيخ نيسابور ومحدّثها، ومصنّف «الصحيح» روى عن السرّاج،
وأبي حامد بن الشرقي، وطبقتهما، ورحل إلى أبي العبّاس الدّغولي، وإلى
ابن الأعرابي، وإسماعيل الصفّار.
قال الحاكم: انتقيت له فوائد في عشرين جزءا، ثم ظهر بعدها سماعه من
السرّاج، واعتنى به خاله المزكي، وتوفي في شوال عن اثنتين وثمانين سنة.
وقال ابن ناصر الدّين: من مصنفاته كتاب «الصحيح» المخرّج على
__________
[1] في الأصل: «مجلس الأدب» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق لما في «وفيات
الأعيان» (4/ 362) مصدر المؤلف في نقله.
[2] في المطبوع: «توافر» وما جاء في الأصل موافق لما في «وفيات
الأعيان» .
[3] لفظة «إنه» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع و «وفيات الأعيان»
.
[4] في «وفيات الأعيان» : «يعاد» .
[5] الذي في «الأنساب» (3/ 365) : «هذه النسبة إلى جوزقين» .
(4/474)
كتاب مسلم، وكتاب «المتفق والمفترق» الكبير
في نحو ثلاثمائة جزء خطير.
انتهى.
وفيها أبو بكر الأدفوي، محمد بن علي بن أحمد المصري المقرئ المفسر
النحوي [1]- وأدفو بضم الهمزة وسكون المهملة، وضم الفاء، قرية بصعيد
مصر قرب أسوان- وكان خشابا أخذ عن أبي علي جعفر النحاس فأكثر، وأتقن
رواية ورش على أبي غانم المظفّر بن أحمد، وألّف «التفسير» في مائة
وعشرين مجلدا، وكان شيخ الديار المصرية وعالمها، وكانت له حلقة كبيرة
للعلم، وتوفي في ربيع الأول.
__________
[1] انظر «إنباه الرواة» (3/ 186- 188) و «حسن المحاضرة» (1/ 490) .
(4/475)
سنة تسع وثمانين
وثلاثمائة
تمادت الرافضة [1] في هذه الأعصر في غيّهم بعمل عاشوراء باللطم
والعويل، وبنصب القباب، والزينة، وشعار الأعياد، يوم الغدير، فعمدت
غالية السّنّة وأحدثوا في مقابلة يوم الغدير، يوم الغار، وجعلوه بعد
ثمانية أيام من يوم الغدير، وهو السادس والعشرون من ذي الحجّة، وزعموا
أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر اختفيا حينئذ في الغار، وهذا
جهل وغلط، فإن أيام الغار إنما كانت بيقين في صفر، وفي أول شهر ربيع
الأول، وجعلوا بإزاء يوم عاشوراء بعده بثمانية أيام، يوم مصرع مصعب بن
الزّبير، وزاروا قبره يومئذ بمسكن، وبكوا عليه، ونظّروه بالحسين لكونه
صبر وقاتل، حتّى قتل، ولأن أباه ابن عمة النّبيّ صلى الله عليه وسلم،
وحواريه، وفارس الإسلام، كما أن أبا الحسين، ابن عم النّبيّ صلى الله
عليه وسلم، وفارس الإسلام، فنعوذ بالله من الهوى والفتن، ودامت السّنّة
على هذا الشعار القبيح مدة سنين. قاله في «العبر» [2] .
وفيها توفي أحمد بن محمد بن عابد- بالموحدة- الأسدي الأندلسي القرطبي
[3] أبو عمر، مات كهلا لم يبلغ التعمير، وكان عنده حفظ وتحرير.
قاله ابن ناصر الدّين.
__________
[1] في المطبوع: «الشيعة» .
[2] (3/ 44) .
[3] مترجم في «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (404) .
(4/476)
وفيها أبو محمد المخلدي- بفتح أوله واللام،
نسبة إلى جدّه مخلد، الذي سيذكر- الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن
علي بن مخلد النيسابوري المحدّث، شيخ العدالة، وبقية أهل البيوتات،
توفي في رجب، وروى عن السّراج، وزنجويه اللّباد، وطبقتهما.
وفيها أبو علي، زاهر بن أحمد السّرخسي، الفقيه الشافعي، أحد الأئمة، في
ربيع الآخر، وله ست وتسعون سنة. روى عن أبي لبيد السّامي، والبغوي،
وطبقتهما.
قال الحاكم: شيخ عصره بخراسان، وكان قد قرأ على ابن مجاهد، وتفقه على
أبي إسحاق المروزي، وتأدب على ابن الأنباري.
وأخذ علم الكلام عن الأشعري، وعمّر دهرا.
وقال ابن قاضي شهبة: كان يقول عند الموت: لعن الله المعتزلة، موّهوا
ومخرقوا، ومات وله ست وتسعون سنة.
وفيها أبو محمد بن أبي زيد القيرواني المالكي، عبد الله بن أبي زيد،
شيخ المغرب، إليه انتهت رئاسة المذهب.
قال القاضي عياض: حاز رئاسة الدّين والدّنيا، ورحل إليه من الأقطار،
ونجب أصحابه، وكثر الآخذون عنه، وهو الذي لخص المذهب وملأ البلاد من
تآليفه، حج وسمع من أبي سعيد بن الأعرابي وغيره، وكان يسمى مالكا
الأصغر.
قال الحبّال [1] : توفي للنصف من شعبان.
__________
[1] هو إبراهيم بن سعيد النعماني المصري أبو إسحاق، من حفّاظ الحديث،
كان يتجر بالكتب.
له كتاب «وفيات الشيوخ» ، وهو الذي نقل عنه الذهبي وتبعه المؤلف رحمهما
الله تعالى، مات سنة (482) هـ، وسوف ترد ترجمته في المجلد الخامس من
كتابنا هذا إن شاء الله، وانظر «الأعلام» (1/ 40) .
(4/477)
وفيها أبو الطيب بن غلبون، عبد المنعم بن
عبيد الله [1] بن غلبون الحلبي المقرئ الشافعي، صاحب الكتب في
القراءات. قرأ على جماعة كثيرة، وروى الحديث، وكان ثقة محققا بعيد
الصيت، توفي بمصر في جمادى الأولى، وله ثمانون سنة، وأخذ عنه خلق كثير.
قال السيوطي في «حسن المحاضرة» [2] : قرأ على إبراهيم بن عبد الرزاق،
وقرأ عليه ولده، ومكي بن أبي طالب [3] وأبو عمر الطّلمنكي، وكان حافظا
للقراءة، ضابطا، ذا عفاف ونسك، وفضل، وحسن تصنيف. ولد في رجب سنة تسع
وثلاثين، ومات بمصر في جمادى الأولى. انتهى.
وفيها أبو القاسم بن حبابة المحدّث، عبيد الله بن محمد بن إسحاق
البغدادي البزّاز المتّوثي- بفتح الميم وضم التاء المثناة من فوق
المشددة، آخره مثلثة، نسبة إلى متّوث بلد بين قرقوب والأهواز- وهو راوي
«الجعديات» عن البغوي، توفي في ربيع الأخر.
وفيها أبو الهيثم الكشميهني- بالضم والسكون والكسر، وتحتية، وفتح
الهاء، نسبة إلى كشميهن، قرية بمرو- محمد بن مكّي المروزي، راوية
البخاري عن الفربري، توفي يوم عرفة، وكان ثقة، وله رسائل أنيقة.
وفيها قاضي القضاة لصاحب مصر، أبو عبد الله، محمد بن النّعمان بن محمد
بن منصور الشيعي في الظاهر، الباطني في الباطن. ولد قاضي القوم وأخو
قاضيهم.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «ابن عبد الله» وهو خطأ والتصحيح من «معرفة
القرّاء الكبار» للذهبي (1/ 355) و «حسن المحاضرة» .
[2] (1/ 490- 491) .
[3] في الأصل والمطبوع: «وبكر بن أبي طالب» وهو خطأ، والتصحيح من
«معرفة القرّاء الكبار» و «حسن المحاضرة» .
(4/478)
قال ابن زولاق: لم نشاهد بمصر لقاض من
الرئاسة ما شاهدناه له، ولا بلغنا ذلك عن قاض بالعراق، ووافق ذلك
استحقاقا لما فيه من العلم، والصيانة، والهيبة، وإقامة الحق، وقد
ارتفعت رتبته حتّى إن العزيز أجلسه [1] معه يوم الأضحى على المنبر،
وزادت عظمته في دولة الحاكم، ثم تعلّل وتنقرس، ومات في صفر، وله تسع
وأربعون سنة، وولي القضاء بعده ابن أخيه الحسين بن علي الذي ضربت عنقه
في سنة أربع وتسعين.
__________
[1] في المطبوع: «أجلس» وهو خطأ.
(4/479)
سنة تسعين وثلاثمائة
فيها توفيت أمة السّلام [1] بنت القاضي أحمد بن كامل بن شجرة
البغدادية. كانت ديّنة فاضلة [2] . روت عن محمد بن إسماعيل البصلاني،
وغيره.
وفيها ابن فارس اللغوي، أبو الحسين، أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن
حبيب الرّازي اللغوي، كان إماما في علوم شتى، خصوصا اللغة، فإنه
أتقنها، وألّف كتابه «المجمل في اللغة» [3] وهو على اختصاره، جمع شيئا
كثيرا، وله كتاب «حلية الفقهاء» [4] وله رسائل أنيقة [5] . ومنه اقتبس
الحريري صاحب «المقامات» ذلك الأسلوب، ووضع المسائل الفقهية في
«المقامة الطيبية» وهي مائة مسألة، وكان مقيما بهمذان، وعليه اشتغل
بديع الزمان
__________
[1] في «غربال الزمان» ص (332) : «أم السلام» وانظر «المنتظم» (7/ 214)
و «تاريخ الإسلام» للذهبي حوادث سنة (390) هـ، وهو مخطوط، وفيه كنيتها
«أم الشيخ» ، و «مرآة الجنان» (2/ 443) .
[2] في «مرآة الجنان» : «كانت ديّنة، حافظة، فاضلة» وفي «غربال الزمان»
: «وكانت ديّنة، أديبة، فاضلة» .
[3] نشر أول الأمر في مؤسسة الرسالة في بيروت، ثم نشر في معهد
المخطوطات العربية في الكويت.
[4] نشر نشرة علمية متقنة على يد الأستاذ الدكتور عبد الله بن عبد
المحسن التركي، وقامت بتوزيعه الشركة المتحدة للتوزيع في بيروت.
[5] منها «أوجز السير لخير البشر» وهي من خيرة رسائله.
(4/480)
الهمذاني صاحب «المقامات» وله أشعار جيدة،
فمنها قوله:
مرّت بنا هيفاء مجدولة ... تركيّة تنمى لتركيّ [1]
ترنو بطرف فاتر فاتن ... أضعف من حجّة نحويّ [2]
وله أيضا:
اسمع مقالة ناصح ... جمع النصيحة والمقه [3]
إيّاك واحذر أن تبي ... ت من الثقات على ثقه [4]
وله أيضا:
إذا كنت في حاجة مرسلا ... وأنت بها كلف مغرم
فأرسل حكيما ولا توصه ... وذاك الحكيم هو الدّرهم [5]
وله أيضا:
سقى همذان الغيث لست بقائل ... سوى ذا، وفي الأحشاء نار تضرّم
وما لي لا أصفي الدعاء لبلدة ... أفدت بها نسيان ما كنت أعلم
نسيت الذي أحسنته غير أنني ... مدين وما في جوف بيتي درهم [6]
وله أشعار كثيرة حسنة.
توفي بالرّيّ، ودفن مقابل مشهد القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني.
__________
[1] رواية البيت في «يتيمة الدهر» :
مرّت بنا هيفاء مقدودة ... تركية تنمى إلى الترك
[2] البيتان في «يتيمة الدهر» (3/ 469) و «وفيات الأعيان» (1/ 119) .
[3] المقه: المحبة. انظر «لسان العرب» (مقه) .
[4] البيتان في «يتيمة الدهر» (3/ 469) و «وفيات الأعيان» (1/ 119) .
[5] البيتان في «يتيمة الدهر» (3/ 470) و «وفيات الأعيان» (1/ 119) .
[6] الأبيات في «يتيمة الدهر» (3/ 468) و «وفيات الأعيان» (1/ 119) .
(4/481)
ومن شعره أيضا:
وقالوا كيف حالك؟ قلت خير ... تقضى حاجة وتفوت حاج
إذا ازدحمت هموم الصّدّر قلنا ... عسى يوما [1] يكون لها [2] انفراج
نديمي هرّتي وأنيس نفسي [3] ... دفاتر لي ومعشوقي السّراج [4]
وفيها جيش [5] بن محمد بن صمصامة القائد أبو الفتح الكتّانيّ [6] . ولي
إمرة دمشق ثلاث مرات لصاحب مصر، وكان جبّارا، ظلوما، غشوما، سفاكا
للدماء، وكثر ابتهال أهل دمشق إلى الله في هلاكه، حتّى هلك بالجذام في
هذه السنة.
وفيها أبو حفص الكتّاني، عمر بن إبراهيم البغدادي المقرئ [7] ، صاحب
ابن مجاهد. قرأ عليه، وسمع منه كتابه في القراءات [8] وحدّث عن البغوي
وطائفة، توفي في رجب، وله تسعون سنة، وكان ثقة.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «يوم» والتصحيح من المصادر التي بين يدي.
[2] في المطبوع: «يكون به» .
[3] كذا في الأصل والمطبوع و «يتيمة الدهر» و «وفيات الأعيان» : «وأنيس
نفسي» وفي «دمية القصر» : «وسرور قلبي» .
[4] الأبيات في «يتيمة الدهر» (3/ 469) و «دمية القصر وعصرة أهل العصر»
للباخرزي (2/ 489) طبع مكتبة دار العروبة في الكويت بتحقيق الدكتور
سامي مكّي العاني، و «وفيات الأعيان» (1/ 120) .
[5] في الأصل والمطبوع: «حبيش» وفي «العبر» : «حنش» وكلاهما خطأ،
والتصحيح من «تاريخ دمشق» لابن القلانسي ص (18 و 45 و 161) و «تاريخ
الإسلام» للذهبي «مخطوط» المجلد السابع، وقفت عليه في مكتب الشركة
المتحدة للتوزيع بدمشق، و «الأعلام» (2/ 149) .
[6] في الأصل والمطبوع: «الكتامي» وفي «العبر» : «الكناني» وكلاهما
خطأ، والتصحيح من «دول الإسلام» و «الأعلام» .
[7] مترجم في «معرفة القرّاء الكبار» للذهبي (1/ 356- 357) .
[8] وهو «كتاب السبعة في القراءات» وقد نشر في مصر على يد العالم
الكبير الدكتور شوقي ضيف حفظه الله.
(4/482)
وفيها ابن أخي ميمي الدقاق، أبو الحسين
محمد بن عبد الله بن الحسين البغدادي. روى عن البغوي وجماعة، وله أجزاء
مشهورة، وتوفي في رجب.
وفيها أبو الحسن محمد بن عمر بن يحيى العلوي الحسيني [1] الزّيدي [2]
الكوفي، رئيس العلوية بالعراق. ولد سنة خمس عشرة وثلاثمائة، وروى عن
هنّاد بن السري، الصغير، وغيره، صادره عضد الدولة وحبسه وأخذ أمواله،
ثم أخرجه شرف الدولة لما تملّك، وعظم شأنه في دولته، فيقال: إنه كان من
أكثر علويّ مالا، وقد أخذ منه عضد الدولة [لما صودر] [3] ألف ألف
دينار.
وفيها أبو زرعة الكشّي، محمد بن يوسف الجرجاني- وكشّ قرية قريبة من
جرجان- سمع من أبي نعيم بن عدي، وأبي العبّاس الدّغولي، وطبقتهما،
بنيسابور، وبغداد، وهمذان، والحجاز، وجمع وصنّف الأبواب والمشايخ،
وجاور بمكة سنوات، وبها توفي.
وفيها المعافى بن زكريا القاضي أبو الفرج النهرواني الجريري، نسبة إلى
مذهب ابن جرير الطبري، لأنه تفقه عليه، ويعرف أيضا بابن طرارا [4] .
سمع من البغوي وطبقته فأكثر، وجمع فأوعى، وبرع في عدة علوم.
__________
[1] في «العبر» : «الحسني» وهو تحريف، وانظر «تاريخ الإسلام» للذهبي
المجلد السابع «مخطوط» حوادث سنة (390) هـ.
[2] في الأصل والمطبوع: «الرندي» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الإسلام»
للذهبي «مخطوط» حوادث سنة (390) هـ، و «العبر» (3/ 49) .
[3] زيادة من «تاريخ الإسلام» للذهبي للتوضيح.
[4] كذا في الأصل والمطبوع، و «سير أعلام النبلاء» (16/ 544) و «طبقات
الفقهاء» للشيرازي ص (93) : «ابن طرارا» وفي «تاريخ الإسلام» للذهبي
«مخطوط» : «ابن طرار الفقيه» وفي «العبر» : «ابن طرار» .
(4/483)
قال الخطيب [1] : كان من أعلم الناس في
وقته بالفقه، والنحو، واللغة، وأصناف الآداب، وولي القضاء بباب الطاق.
وبلغنا عن الفقيه أبي محمد البافي [2] أنه كان يقول: إذا حضر القاضي
أبو الفرج، فقد حضرت العلوم كلها. ولو أوصى رجل بشيء [3] أن يدفع إلى
أعلم [4] الناس، لوجب أن يدفع إليه.
وقال البرقاني: كان المعافى أعلم الناس.
وقال ابن ناصر الدّين: كان حافظا علّامة، ذا فنون، من الثقات، ومن
مصنفاته «التفسير الكبير» وكتاب «الجليس والأنيس» انتهى.
ومن شعره:
ألا قل لمن كان لي حاسدا ... أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في ملكه ... بأنّك لم ترض لي ما وهب
فجازاك عني بأن زادني ... وسدّ عليك وجوه الطلب [5]
وتوفي بالنهروان في ذي الحجة، وله خمس وثمانون سنة، وكان قانعا متعففا.
__________
[1] انظر «تاريخ بغداد» (13/ 230- 231) .
[2] في الأصل والمطبوع: «الباقي» بالقاق وهو تصحيف والتصحيح من «تاريخ
بغداد» ، وانظر «الأنساب» للسمعاني (2/ 47) .
[3] في «تاريخ بغداد» : «بثلث ماله» .
[4] في الأصل: «لأعلم» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق لما في «تاريخ
بغداد» .
[5] الأبيات في «تاريخ بغداد» (13/ 230) و «وفيات الأعيان» (5/ 222) .
(4/484)
|