شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وتسعين
وثلاثمائة
فيها توفي أبو عمر الباجي، أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي اللّخمي
الإشبيلي [1] الحافظ العلم المشهور، في المحرم، وله ثلاث وستون سنة،
وكان يحفظ عدة مصنفات، وكان إماما في الأصول والفروع.
وفيها أبو الحسن بن الجندي، أحمد بن محمد بن عمران البغدادي.
ولد سنة ست وثلاثمائة، وروى عن البغوي، وابن صاعد، وهو ضعيف شيعيّ [2]
.
وفيها أبو سعد بن الإسماعيلي، شيخ الشافعية وابن شيخهم، إسماعيل بن
أحمد بن إبراهيم الفقيه، وقد روى عن الأصم ونحوه، وكان صاحب فنون
وتصانيف، توفي ليلة الجمعة وهو يقرأ في صلاة المغرب إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 1: 5 [الفاتحة: 5] ففاضت نفسه، وله ثلاث وستون
سنة، رحمه الله. قاله في «العبر» [3] .
وقال ابن قاضي شهبة: العلّامة أبو سعد بن الإمام أبي بكر الإسماعيلي
الجرجاني، شيخ الشافعية بها. أخذ العلم عن أبيه.
__________
[1] مترجم في «العبر» (3/ 62) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 74- 75) .
[2] مترجم في «العبر» (3/ 62) .
[3] (3/ 62- 63) .
(4/506)
قال فيه حمزة السهمي: كان إمام زمانه،
مقدّما في الفقه، والأصول، والعربية، والكتابة، والشروط، والكلام، صنّف
في أصول الفقه كتابا كبيرا، وتخرّج على يده جماعة، مع الورع،
والمجاهدة، والنصح للإسلام، والسخاء، وحسن الخلق.
قال القاضي أبو الطيب: ورد بغداد فأقام بها سنة، ثم حجّ، وعقد له
الفقهاء مجلسين، تولى أحدهما أبو حامد الإسفراييني، والآخر أبو محمد
الباني.
وقال الشيخ أبو إسحاق [1] : جمع بين رئاسة الدّين والدّنيا بجرجان.
انتهى.
وفيها أبو الحسين الكلابي، [2] عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد، محدّث
دمشق، ويعرف بأخي تبوك. ولد سنة ست وثلاثمائة، وروى عن محمد بن خريم،
وسعيد بن عبد العزيز الحلبي وطبقتهما.
قال عبد العزيز الكتّاني: كان ثقة، نبيلا، مأمونا، توفي في ربيع الأول.
وفيها أبو الحسن الحلبي علي بن محمد بن إسحاق القاضي الشافعي، نزيل
مصر. روى عن علي بن عبد الحميد الغضائري، ومحمد بن إبراهيم بن نيروز،
وطبقتهما، ورحل إلى العراق، ومصر، وعاش مائة سنة.
وفيها البحيري [3] صاحب «الأربعين المروية» أبو عمرو، محمد بن
__________
[1] انظر «طبقات الفقهاء» ص (121) وزاد: وكان فقيها، أديبا، جوّادا.
[2] في الأصل والمطبوع: «أبو الحسين» والتصحيح من «العبر» (3/ 63) .
[3] تحرّفت نسبته في «العبر» (3/ 63) إلى «البختري» فتصحح فيه، وتحرّفت
في «تاريخ الإسلام» (مخطوط) إلى «النحيري» وجاءت على الصواب في «سير
أعلام النبلاء» (17/ 90) .
(4/507)
أحمد [بن محمد] بن جعفر النيسابوري المزكّى
[1] ، الحافظ الثقة. روى عن يحيى بن منصور القاضي وطبقته.
قال الحاكم: كان من حفّاظ الحديث المبرزين في المذاكرة، توفي في شعبان
وله ثلاث وستون سنة.
وفيها ابن المأمون، أبو بكر محمد بن الحسن بن الفضل العبّاسي، الثقة
المشهور، روى عن أبي بكر بن زياد النيسابوري وطائفة، وهو جدّ أبي
الغنائم عبد الصمد بن المأمون.
وفيها ابن زنبور، أبو بكر، محمد بن عمر بن علي بن خلف بن زنبور
الورّاق، ببغداد في صفر. روى عن البغوي، وابن صاعد، وابن أبي داود.
قال الخطيب [2] : ضعيف جدا.
__________
[1] تحرّفت في «سير أعلام النبلاء» إلى «المزكّي» وجاءت على الصواب في
الأصل والمطبوع، و «تاريخ الإسلام» و «العبر» .
[2] انظر «تاريخ بغداد» (3/ 35) .
(4/508)
سنة سبع وتسعين
وثلاثمائة
فيها كان ظهور أبي ركوة، وهو أمويّ من ذرية هشام بن عبد الملك، كان
يحمل الركوة في السفر ويتزهد، ولقي المشايخ، وكتب الحديث، ودخل الشام
واليمن، وهو في خلال ذلك يدعو إلى القائم من بني أميّة، ويأخذ البيعة
على من يستجيب له، ثم جلس مؤدّبا، واجتمع عنده أولاد العرب، فاستولى
على عقولهم، وأسرّ إليهم أنه الإمام، ولقّب نفسه الثائر بأمر الله،
وكان يخبرهم [1] بالمغيّبات، ويمخرق عليهم، ثم إنه حارب متولي تلك
الناحية من المغرب وظفر به، وقوي بما حواه من العسكر، ونزل ببرقة، فأخذ
من يهوديّ بها مائتي ألف دينار، وجمع له أهلها مائتي ألف دينار أخرى،
وضرب السّكّة [2] باسمه، ولعن الحاكم، فجهّز الحاكم [3] لحربه ستة عشر
ألفا، وظفروا به، وأتوا به إلى الحاكم فقتله، ثم قتل قائد الجيش الذين
ظفروا به.
وفيها توفي أصبغ بن الفرج الطائي الأندلسي المالكي، مفتي قرطبة، وقاضي
بطليوس، وأخو حامد الزاهد.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «يخبر» وأثبت لفظ «العبر» مصدر المؤلف.
[2] جاء في «لسان العرب» (سكك) : السّكّة: حديدة قد كتب عليها، يضرب
عليها الدراهم، وهي المنقوشة.
[3] لفظة «الحاكم» سقطت من المطبوع.
(4/509)
وفيها أبو الحسن بن القصّار، علي بن عمر
البغدادي الفقيه المالكي، صاحب كتاب «مسائل الخلاف» .
قال أبو إسحاق الشيرازي [1] : لا أعرف كتابا [لهم] [2] في الخلاف أحسن
منه.
وقال أبو ذر الهروي: هو أفقه من لقيت من المالكية.
وفيها أبو الحسن بن القصّار، علي بن محمد بن عمر الرّازي، الفقيه
الشافعي.
قال الخليلي: هو أفضل من لقيناه [3] بالرّيّ، كان مفتيها قريبا من ستين
سنة، أكثر عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، وجماعة، وكان له في كل علم حظ،
وعاش قريبا من مائة سنة.
وفيها ابن واصل، الأمير أبو العبّاس أحمد. كان يخدم بالكرخ، وهم يسخرون
منه، ويقول بعضهم: إن ملكت فاستخدمني، فتنقلت به الأحوال، وخرج وحارب،
وملك سيراف والبصرة [4] ، ثم قصد الأهواز، وكثر جيشه، والتقى السلطان
بهاء الدولة وهزمه، ثم أخذ البطائح، وأخذ خزائن متولّيها مهذب الدولة،
فسار لحربه، فخرج الملك أبو غالب، فعجز ابن واصل عنه، واستجار بحسّان
الخفاجي، ثم قصد بدر بن حسنويه [5] ، فقتل بواسط، في صفر من هذه السنة.
__________
[1] انظر «طبقات الفقهاء» ص (168) .
[2] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «طبقات الفقهاء» ويقصد بقوله
«لهم» فقهاء المالكية.
[3] في الأصل: «من رأيناه» وأثبت لفظ المطبوع.
[4] في الأصل والمطبوع: «وملك سيراف بالبصرة» وما أثبته من «العبر» (3/
66) وهو الصواب، وفي «تاريخ الإسلام» للذهبي (مخطوط) : «فآل أمره إلى
أن ملك سيراف ثم البصرة» .
[5] في الأصل والمطبوع: «نزار بن حسنونة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر»
و «تاريخ الإسلام» للذهبي (مخطوط) .
(4/510)
سنة ثمان وتسعين
وثلاثمائة
فيها كانت فتنة هائلة ببغداد، قصد رجل شيخ الشّيعة ابن المعلّم، وهو
الشيخ المفيد، وأسمعه ما يكره، فثار تلامذته، وقاموا واستنفروا
الرافضة، وأتوا دار قاضي القضاة أبي محمد بن الأكفاني، والشيخ أبي حامد
بن [1] الإسفراييني، فسبّوهما، وحميت الفتنة.
ثم إنّ السّنّة أخذوا مصحفا، قيل: إنه على قراءة ابن مسعود، فيه خلاف
كثير، فأمر الشيخ أبو حامد والفقهاء بتحريقه، فأحضر بمحضر منهم، فقام
ليلة النصف رافضي، وشتم من أحرق المصحف، فأخذ وقتل، فثارت الشيعة، ووقع
القتال بينهم وبين السّنّة، واختفى أبو حامد، واستظهرت الروافض،
وصاحوا: الحاكم يا منصور، فغضب القادر بالله، وبعث خيلا لمعاونة
السّنّة، فانهزمت الرافضة، وأحرقت بعض دورهم، وذلوا، وأمر عميد الجيوش
بإخراج ابن المعلّم من بغداد، فأخرج، وحبس جماعة [2] ، ومنع القصّاص
مدّة.
وفيها زلزلت الدّينور، فهلك تحت الردم أكثر من عشرة آلاف،
__________
[1] لفظة «ابن» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع.
[2] في الأصل «جماعته» وأثبت لفظ المطبوع وموافق للفظ «العبر» مصدر
المؤلف.
(4/511)
وزلزلت سيراف [1] والسّيب [2] ، وغرق عدة
مراكب، ووقع برد عظيم وزن أكبر ما وجد منه فكانت مائة وستة دراهم.
وفيها هدم الحاكم العبيديّ كنيسة القيامة بالقدس لكونهم يبالغون في
إظهار شعارهم، ثم هدم الكنائس التي في مملكته، ونادى: من أسلم، وإلّا
فليخرج من مملكتي أو يلتزم بما آمر به [3] ، ثم أمر بتعليق صلبان كبار
على صدورهم، وزن الصليب أربعة أرطال بالمصري، وبتعليق خشبة كيد المكمدة
[4] ، وزنها ستة أرطال في عنق اليهودي، إشارة إلى رأس العجل الذي
عبدوه، فقيل: كانت الخشبة على تمثال رأس عجل، وبقي هذا سنوات، ثم رخص
لهم الردّة لكونهم مكرهين، وقال: ننزّه مساجدنا عمّن لا نيّة له في
الإسلام. قاله في «العبر» [5] .
وفيها توفي البديع الهمذاني، أبو الفضل، أحمد بن الحسين بن يحيى بن
سعيد، الحافظ المعروف ببديع الزمان، صاحب «المقامات» المشهورة والرسائل
الرائقة. كان فصيحا مفوّها وشاعرا مفلقا. روى عن أبي الحسين أحمد بن
فارس صاحب «المجمل» وعن غيره.
ومن رسائله: الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه، وإذا سكن متنه تحرّك
__________
[1] سيراف: بلدة في الجنوب الأوسط في غرب إيران الآن على ساحل الخليج.
وانظر «معجم البلدان» (3/ 294- 295) .
[2] السّيب: نهر بالبصرة عليه قرية كبيرة. انظر «معجم البلدان» (3/
293) و «تاج العروس» (سيب) (3/ 83- 84) طبع وزارة الإعلام في الكويت،
وقد تصحفت في الأصل والمطبوع إلى «السبب» وتحرفت في «المنتظم» لابن
الجوزي (7/ 238) إلى «السيف» فتصحح فيه.
[3] لفظة «به» لم ترد في المطبوع و «العبر» .
[4] كذا في الأصل والمطبوع: «كيد المكمدة» وفي «العبر» طبع الكويت و
«العبر» طبع بيروت «مثل المكمدة» وفي إحدى نسخ «العبر» الخطية: «كبر
المكمدة» ولم أقف على ذكر للمكمدة في أيّ من المصادر والمراجع التي بين
يدي.
[5] (3/ 68- 69) .
(4/512)
نتنه، وكذلك الضيف يسمج لقاؤه إذا طال
ثواؤه، ويثقل ظلّه إذا انتهى محلّه، والسلام.
ومن رسائله: حضرته التي هي كعبة المحتاج، لا كعبة الحجّاج، ومشعر الكرم
لا مشعر الحرم، ومنى الضّيف، لا منى الخيف، وقبلة الصّلات لا قبلة
الصّلاة.
ومن شعره من جملة قصيدة طويلة:
وكاد يحكيك صوت [1] الغيث منسكبا ... لو كان طلق المحيّا يمطر الذّهبا
والدّهر لو لم يخن [2] والشّمس لو نطقت ... واللّيث لو لم يصد [3]
والبحر لو عذبا [4]
وله كل معنى حسن من نظم ونثر، وكانت وفاته بمدينة هراة مسموما.
وقال الحاكم أبو سعيد عبد الرحمن بن دوست، جامع «رسائل البديع» :
توفي البديع، رحمه الله تعالى، يوم الجمعة، حادي عشر جمادى الآخرة.
قال الحاكم المذكور: وسمعت الثقات يحكون أنه مات من السكتة وعجّل دفنه،
فأفاق في قبره وسمع صوته بالليل، وأنه نبش عنه، فوجدوه قد قبض على
لحيته، ومات من هول القبر. انتهى [5] .
والحريري به اقتدى في «مقاماته» وإيّاه عنى بإنشاده:
ولو قبل مبكاها بكيت صبابة ... بسعدي شفيت النّفس قبل التّندم
ولكن بكت قبلي فهيّج لي البكا ... بكاها فقلت الفضل للمتقدم
__________
[1] في الأصل والمطبوع: و «وفيات الأعيان» (1/ 128) «صوب» والتصحيح من
«سير أعلام النبلاء» .
[2] في الأصل والمطبوع: «لو لم يخف» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و
«سير أعلام النبلاء» .
[3] في «سير أعلام النبلاء» : «لو لم يصل» .
[4] البيتان في «سير أعلام النبلاء» (17/ 68) وتخريجهما فيه مستوفى
فراجعه.
[5] يعني انتهى نقل المؤلف عن «وفيات الأعيان» .
(4/513)
وفيها ابن لال، الإمام أبو بكر، أحمد بن
علي بن أحمد الهمذاني.
قال شيرويه: كان ثقة أوحد زمانه، مفتي همذان، له مصنّفات في علوم
الحديث، غير أنه كان مشهورا بالفقه، له كتاب «السنن» و «معجم الصحابة»
وعاش تسعين سنة، والدعاء عند قبره مستجاب. قاله في «العبر» [1] .
وقال الإسنويّ: ابن لال- بلامين بينهما ألف، معناه أخرس- أخذ عن أبي
إسحاق المروزي، وابن أبي هريرة، وكان ورعا متعبدا. أخذ عنه فقهاء
همذان، ونقل عنه الرافعي قولا أن الإخوة للأبوين ساقطون في مسألة
المشركة. ولد سنة سبع وثلاثمائة. انتهى ملخصا.
وفيها أبو نصر الكلاباذي- نسبة إلى كلاباذ، محلة ببخارى- الحافظ
المشهور، أحمد بن محمد بن الحسين، أخذ عن الهيثم بن كليب الشّاشي، وعبد
المؤمن بن خلف النّسفي وطبقتهما، وعنه: المستغفري، وقال: هو أحفظ من
بما وراء النهر اليوم، ووثقه الدّارقطني، وصنّف رجال «صحيح البخاري»
وغيره، وعاش خمسا وسبعين سنة.
وفيها القاضي الضبّي، أبو عبد الله، الحسين بن هارون البغدادي، ولي
قضاء مدينة المنصور، وقضاء الكوفة، وأملى الكثير على المحاملي، وابن
عقدة، وطبقتهما.
قال الدارقطني: وهو غاية في الفضل، والدّين، عالم بالأقضية، عالم
بصناعة المحاضر والتّرسّل، موفق في أحواله كلّها، رحمه الله.
وفيها البافي- بالموحدة والفاء، نسبة إلى باف، قرية من قرى خوارزم- أبو
محمد، عبد الله بن محمد البخاري الخوارزمي، نزيل بغداد، الفقيه الشافعي
العلّامة، تفقه على أبي علي بن أبي هريرة، وأبي إسحاق المروزي، وهو من
أصحاب الوجوه.
__________
[1] (3/ 69) .
(4/514)
قال ابن قاضي شهبة: كان ماهرا في العربية،
وتفقه به جماعة، منهم:
أبو الطيب، والماوردي.
قال الخطيب [1] : كان من أفقه أهل وقته في المذهب، بليغ العبارة، يعمل
الخطب، ويكتب الكتب الطويلة من غير روية.
وقال الشيخ أبو إسحاق [2] : كان فقيها، أديبا، شاعرا، مترسلا، كريما،
درّس ببغداد بعد الدّاركي، وتوفي في المحرم. انتهى ملخصا.
وفيها الببّغاء، الشاعر المشهور، أبو الفرج عبد الواحد بن نصر المخزومي
النّصيبيني، مدح سيف الدولة والكبار، ولقبوه بالببّغاء لفصاحته، وقيل:
للثغة في لسانه.
ذكره الثعالبي في «يتيمة الدهر» [3] وقال: هو من أهل نصيبين، وبالغ في
الثناء عليه وذكر جملة من رسائله ونظمه.
ومن شعره:
يا سادتي هذه روحي تودّعكم ... إذ كان لا الصّبر يسليها ولا الجزع
قد كنت أطمع في روح [4] الحياة لها ... والآن إذ بنتم لم يبق لي طمع
لا عذّب الله روحي بالبقاء فما ... أظنّها بعدكم بالعيش تنتفع
وله أيضا:
ومهفهف لما اكتست وجناته ... خلع الملاحة طرّزت بعذاره
لما انتصرت عي أليم جفائه ... بالقلب كان القلب من أنصاره
__________
[1] انظر «تاريخ بغداد» (10/ 139) وقد نقل المؤلف كلامه باختصار.
[2] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (123) .
[3] (1/ 293) طبع دار الكتب العلمية ببيروت، والمؤلف ينقل عن «وفيات
الأعيان» (3/ 199- 202) .
[4] في الأصل والمطبوع: «في روحي» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
(4/515)
كملت محاسن وجهه فكأنما اق ... تبس الهلال
النور من أنواره
وإذا ألحّ القلب في هجرانه ... قال الهوى لا بدّ منه فداره
وله وهو معنى بديع:
وكأنما نقشت حوافر خيله ... للناظرين أهلّة في الجلمد
وكأن طرف الشّمس مطروف وقد ... جعل الغبار له مكان الإثمد
وأكثر شعر الببّغاء جيد، ومقاصده فيه جميلة، وكان قد خدم سيف الدولة
ابن حمدان مدة، وبعد وفاته تنقل في البلاد، وتوفي يوم السبت سلخ شعبان.
وقال الخطيب في «تاريخه» [1] : توفي ليلة السبت سابع عشري شعبان.
وقال الثعالبي [2] : سمعت الأمير أبا الفضل الميكالي يقول عند صدوره من
الحج وحصوله ببغداد سنة تسعين وثلاثمائة: رأيت بها أبا الفرج الببّغاء
شيخا عالي السن، متطاول الأمد، قد أخذت الأيام من جسمه وقوته، ولم تأخذ
من ظرفه وأدبه. انتهى.
والببّغاء: بفتح الباء الأولى، وتشديد الثانية، وفتح الغين المعجمة،
وبعدها ألف.
ووجد بخط أبي الفتح بن جنّي النحوي: الففغاء، بفاءين، والله أعلم.
وفيها أبو القاسم بن الصيدلاني، نسبة إلى بيع الأدوية والعقاقير، عبد
الله بن أحمد بن علي. روى مجلسين عن ابن صاعد، وهو آخر الثقات من
أصحابه، وروى عن جماعة، وتوفي في رجب ببغداد.
__________
[1] انظر «تاريخ بغداد» (11/ 12) .
[2] انظر «يتيمة الدهر» (1/ 293) وقد نقل المؤلف كلامه بتصرّف.
(4/516)
سنة تسع وتسعين
وثلاثمائة
فيها كما قال ابن الجوزي في «المنتظم» [1] أخذ بنو زغب الهلاليون لركب
البصرة ما قيمته ألف ألف دينار.
وفيها توفي أحمد بن أبي عمران، أبو الفضل الهروي، الزاهد القدوة، نزيل
مكّة. روى عن محمد بن أحمد بن محبوب المروزي، وخيثمة الأطرابلسي،
وطائفة، وصحب محمد بن داود الرّقّي، وروى عنه خلق كثير.
وفيها أبو العبّاس البصير، أحمد بن محمد بن الحسين الرّازي، الحافظ
البارع الثقة. روى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، واستملى عليه [2] ، وسمع
بنيسابور من [3] أبي حامد بن بلال وطائفة، وكان من أركان الحديث، وقد
ولد أعمى.
وفيها النّامي، الشاعر البليغ، أبو العبّاس، أحمد بن محمد الدّارمي
المصيصي، كان من الشعراء المفلقين، ومن فحول شعراء عصره، وخوّاص مدّاح
سيف الدولة ابن حمدان، وكان عنده، وكان تلو أبي الطيب المتنبي في
الرتبة، وكان فاضلا، أديبا، مقدّما في اللغة، عارفا بالأدب، وله أمال
أملاها
__________
[1] (7/ 244) وقد نقل المؤلف كلامه عن «العبر» (3/ 71) باختصار وتصرف.
[2] في الأصل والمطبوع: «وإسماعيل عليه» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر»
(3/ 72) .
[3] لفظة «من» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع.
(4/517)
بحلب، وروى عن أبي الحسين علي بن سليمان
الأخفش، وابن درستويه، وأبي عبد الله الكرماني، وأبي بكر الصّولي.
وعنه: أبو القاسم الحسين بن علي بن أبي أسامة الحلبي، وأخوه أبو الحسين
أحمد، وأبو الفرج الببّغاء [وأبو الخطّاب بن عون الحريري، وأبو بكر
الخالدي] [1] ، والقاضي أبو طاهر، وصالح بن جعفر الهاشمي.
ومن محاسن شعره قوله فيه من جملة قصيدة:
أمير العلى إنّ العوالي كواسب ... علاءك في الدّنيا وفي جنّة الخلد
يمرّ عليك الحول سيفك في الطّلى ... وطرفك ما بين الشكيمة واللّبد
ويمضي عليك الدّهر فعلك للعلى ... وقولك للتقوى وكفك للرّفد
ومن شعره أيضا:
أحقّا إنّ قاتلتي زرود ... وأن عهودها [2] تلك العهود
وقفت وقد فقدت الصبر حتّى ... تبيّن موقفي أني الفقيد
وشكّت في عذّالي فقالوا ... لرسم الدّار أيّكما العميد
وله مع المتنبي وقائع ومعارضات في الأناشيد.
وحكى أبو الخطّاب بن عون الحريري النحوي الشاعر، أنه دخل على أبي
العبّاس النّامي، قال: فوجدته جالسا ورأسه كالثّغامة [3] بياضا، وفيه
شعرة واحدة سوداء، فقلت له: يا سيدي في رأسك شعرة سوداء، فقال: نعم هذه
بقية شبابي وأنا أفرح بها، ولي فيها شعر، فقلت: أنشدنيه فأنشد:
رأيت في الرأس شعرة بقيت ... سوداء تهوى العيون رؤيتها
__________
[1] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» (1/ 124- 125) مصدر
المؤلف.
[2] تحرّفت في الأصل إلى «أن عهودنا» .
[3] الثغامة: نبت أبيض الثمر يشبه بياض الشيب. انظر «لسان العرب» (ثغم)
.
(4/518)
فقلت للبيض إذ تروّعها ... بالله إلّا رحمت
غربتها
فقلّ لبث السوداء في وطن ... تكون فيه البيضاء ضرّتها
ثم قال: يا أبا الخطاب، بيضاء واحدة تروّح ألف سوداء، فكيف حال سوداء
بين ألف بيضاء.
وفيها أبو الرّقعمق- بفتح الراء والقاف، وسكون العين المهملة، وفتح
الميم، وبعدها قاف، لقب له- الشاعر المفلق صاحب المجون والنوادر، أبو
حامد، أحمد بن محمد الأنطاكي.
قال فيه الثعالبي في «اليتيمة» [1] : هو نادرة الزمان، وجملة الإنسان،
وممّن تصرف بالشعر [الجزل] في أنواع الهزل والجد، وأحرز قصب السبق، وهو
أحد الشعراء المجيدين، وهو في الشام كابن حجّاج بالعراق، فمن غرر
محاسنه قوله يمدح ابن كلّس وزير العزيز العبيدي، صاحب مصر:
قد سمعنا مقاله واعتذاره ... وأقلنا ذنوبه [2] وعثاره
والمعاني لمن عنيت ولكن ... بك عرّضت فاسمعي يا جاره
من تراديه أنه أبد الدّه ... ر تراه محلّلا أزراره
عالم أنه عذاب من اللّ ... هـ متاح لأعين النظّاره
هتك الله ستره فلكم هت ... ك من ذي تستّر أستاره
سحرتني ألحاظه وكذا ك ... ك مليح ألحاظه سحّاره
ما على مؤثر التباعد والإع ... راض لو آثر الرّضى والزّياره
وعلى أنني وإن كان قد ع ... ذّب بالهجر مؤثر إيثاره
لم أزل لا عدمته من حبيب ... أشتهي قربه وآبى نفاره
__________
[1] انظر «يتيمة الدهر» (1/ 379- 380) طبع دار الكتب العلمية وما بين
حاصرتين مستدرك منه، وقد نقل المؤلف عن «وفيات الأعيان» (1/ 131- 132)
.
[2] في «يتيمة الدهر» و «وفيات الأعيان» : «وأقلناه ذنبه» .
(4/519)
ومن مديحها:
لم يدع للعزيز [1] في سائر الأر ... ض عدوا إلّا وأخمد ناره
كلّ يوم له على نوب الدّه ... ر وكرّ الخطوب بالبذل غاره
ذويد شأنها الفرار من البخ ... ل وفي حومة النّدى كرّاره
هي فلّت عن العزيز عداه ... بالعطايا وكثّرت أنصاره
هكذا كلّ فاضل يده تمس ... ي وتضحي نفّاعة ضرّاره
وأكثر شعره جيد، وهو على أسلوب شعر صريع الدّلاء القصّار البصري.
وأقام بمصر زمانا طويلا، وأكثر شعره في ملوكها ورؤسائها، وتوفي يوم
الجمعة، ثاني عشري شهر رمضان، وقيل: في شهر ربيع الآخر بمصر، على قول.
وفيها خلف بن أحمد بن محمد بن اللّيث البخاري، صاحب بخارى، وابن
صاحبها، كان عالما جليلا، مفضّلا على العلماء، عاش بضعا وسبعين سنة،
وروى عن عبد الله بن محمد الفاكهي وطبقته، مات شهيدا في الحبس ببلاد
الهند.
وفيها أبو مسلم الكاتب، محمد بن أحمد بن علي البغدادي بمصر في ذي
القعدة، كان آخر من روى عن البغوي، وابن صاعد، وابن أبي داود.
روى كتاب «السبعة» لابن مجاهد عنه، وسمع بالجزيرة، والشام، والقيروان،
وكان سماعه صحيحا من البغوي في جزء واحد وما عداه مفسود.
وقال في «المغني» [2] : هو آخر أصحاب البغوي، ضعّف.
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «لم يدع لي العزيز» .
[2] انظر «المغني في الضعفاء» (2/ 551) .
(4/520)
قال الصوري: بعض أصوله عن البغوي وغيره
جياد.
وقال أبو الحسن المحدّث العطار: ما رأيت في أصول أبي مسلم [1] عن
البغوي صحيحا، غير خبر واحد، وما عداه مفسود [2] . انتهى.
وفيها ابن أبي زمنين، الإمام أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن عيسى
المرّي [3] الأندلسي الإلبيري، نزيل قرطبة وشيخها ومفتيها، وصاحب
التصانيف الكثيرة في الفقه، والحديث، والزهد. سمع من سعيد بن فحلون،
ومحمد بن معاوية القرشي، وطائفة، وكان راسخا في العلم، متفننا في
الآداب، مقتفيا لآثار السلف، صاحب عبادة وإنابة وتقوى، عاش خمسا وسبعين
سنة، وتوفي في ربيع الآخر، ومن كتبه «اختصار المدونة» ليس لأحد مثله.
وفيها أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصّدفي- بضم الصاد
المهملة- المنجم صاحب «الزيج» المصري الحاتمي المشهور، وزيجه يعرف بزيج
ابن يونس، وهو زيج كبير في أربع مجلدات، بسط فيه القول والعمل، عمله
للعزيز العبيدي صاحب مصر، وكان أبله مغفلا، رثّ الهيئة، إذا ركب ضحك
منه الناس لطوله وسوء حالته وله إصابة بديعة في النجامة لا يشاركه فيها
أحد، وأفنى عمره في النجوم، والتسيير، والتوليد، وله شعر رائق.
قال الأمير المختار في كتابه «تاريخ مصر» : بلغني أنه طلع إلى جبل [4]
المقطم وقد وقف للزهرة، فنزع ثوبه وعمامته، ولبس ثوبا أحمر ومقنعة
حمراء
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «ابن مسلم» والتصحيح من «المغني في الضعفاء» .
[2] في «المغني في الضعفاء» : «مفسودا» .
[3] تحرفت في المطبوع إلى «المريي» وانظر «سير أعلام النبلاء» (17/
188) .
[4] في المطبوع: «الجبل» وانظر «وفيات الأعيان» (3/ 430) .
(4/521)
تقنع بها، وأخرج عودا فضرب به، والبخور بين
يديه، فكان عجبا من العجب.
وقال المختار أيضا: كان ابن يونس المذكور مغفلا، يعتمّ على طرطور طويل،
ويجعل رداءه فوق العمامة، وكان طويلا، وإذا ركب ضحك الناس منه لشهرته
وسوء حاله ورثاثة ثيابه، وكان له مع هذه الهيئة إصابة بديعة غريبة في
النجامة، لا يشاركه فيها أحد، وكان [1] أحد الشهود، وكان متفننا في
علوم كثيرة، وكان يضرب بالعود على جهة التأدب به [2] ، وله شعر حسن منه
قوله:
أحمّل نشر الريح عند هبوبه ... رسالة مشتاق لوجه حبيبه
بنفسي من تحيا النفوس بقربه ... ومن طابت الدّنيا به وبطيبه
وجدّد وجدي طارق [3] منه في الكرى ... سرى موهنا في خفية من رقيبه
لعمري لقد عطلت كأسي لبعده [4] ... وغيّبتها عني لطول مغيبه
قال الحاكم العبيدي صاحب مصر- وقد جرى في مجلسه ذكر ابن يونس وتغفله-:
دخل إلى عندي يوما ومداسه في يده، فقبّل الأرض وجلس، وترك المداس إلى
جانبه وأنا أراه وأراها، وهو بالقرب منّي، فلما أراد أن ينصرف قبّل
الأرض وقدّم المداس ولبسه وانصرف، وإنما ذكر هذا في معرض غفلته وبلهه.
قال المسبحي: وكانت وفاته يوم الاثنين ثالث شوال فجأة، وخلّف ولدا
متخلعا باع كتبه وجميع تصنيفاته بالأرطال في الصابونيين.
__________
[1] في المطبوع: «كان» .
[2] لفظه «به» لم ترد في «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف.
[3] في «وفيات الأعيان» : «طائف» وهو الأصوب.
[4] في «وفيات الأعيان» : «بعده» وقد تقدم هذا البيت فيه إلى قبل
سابقه.
(4/522)
سنة أربعمائة
فيها أقبل الحاكم- قاتله الله- على التألّه والدّين، وأمر بإنشاء دار
العلم بمصر، وأحضر فيها الفقهاء والمحدّثين، وعمر الجامع الحاكمي
بالقاهرة، وكثر الدعاء له، فبقي كذلك ثلاث سنين، ثم أخذ يقتل أهل
العلم، وأغلق تلك الدار، ومنع من فعل كثير من الخير.
وفيها توفي ابن خرّشيذ قوله [1] ، أبو إسحاق، إبراهيم بن عبد الله بن
محمد بن خرّشيذ قوله الأصبهاني التاجر، في المحرم، وله ثلاث وتسعون
سنة. دخل بغداد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وسمع من ابن زياد
النيسابوري، وابن عقدة، والمحاملي، وكان أسند من بقي بأصبهان، رحمه
الله تعالى.
وفيها أبو مسعود الدمشقي، إبراهيم بن محمد بن عبيد الحافظ، مؤلّف
«أطراف الصحيحين» . روى عن عبد الله بن محمد بن السقّا، وأبي بكر بن
المقرئ، وطبقتهما، وكان عارفا بهذا الشأن [2] ومات كهلا فلم ينشر
حديثه، توفي في رجب.
وفيها الفقيه الزاهد، السيد الجليل، الصالح الورع، جعفر بن عبد
__________
[1] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (17/ 69- 71) .
[2] يعني علوم الحديث النبوي.
(4/523)
الرحيم اليمني، من نواحي الجند، سأله
واليها الإقامة عندهم، فقال:
بشرطين، أحدهما الإعفاء عن الحكم، والثاني أن لا يأكل من طعام الوالي
شيئا، فاتفق يوما أنه حضر عقدا عند الوالي، فقال الوالي: هذا الموز
أهداه لي فلان، وذكر رجلا من أهل الحلّ، فأكل جعفر الثنتين ثم تقيأهما
في الدهليز.
ولما تولاها الصليحي سأله تولية القضاء، فقال: لا أصلح لها، فغضب وخرج
من عنده، فأمر جنده أن يلحقوه ويقتلوه، فضربوه بسيوفهم، فلم تقطع شيئا
مع تكرير الضرب، فأعلموا الصليحي، فأمرهم بالكتمان.
وسئل الفقيه عن حاله حين الضرب، فقال: كنت أقرأ يس فلم أشعر بذلك. قاله
ابن الأهدل.
وفيها ابن ميمون الطّليطلي- بالضم والفتح والسكون وكسر الطاء الثانية،
ولام نسبة إلى طليطلة، مدينة بالأندلس- أحمد بن محمد بن محمد بن عبيدة
الأموي، أبو جعفر بن ميمون، كان أحد الحفّاظ المتقنين، والعلماء
المتقين، والفقهاء الورعين المتزهدين. قاله ابن ناصر الدّين.
وفيها أبو محمد القصّار، عبد الوهاب بن أبي محمد، عبد الرحيم بن هبة
الله القصّار، كان حافظا متقنا.
وفيها أبو نعيم الإسفراييني عبد الملك بن الحسن، راوي «المسند الصحيح»
عن خال أبيه أبي عوانة الحافظ، وكان صالحا ثقة. ولد في ربيع الأول، سنة
عشر وثلاثمائة، واعتنى به أبو عوانة وأسمعه كتابه، وعمّر فازدحم عليه
الطلبة وأحضروه إلى نيسابور.
وفيها وقيل في التي بعدها- أبو الفتح البستي [1] الشاعر المفلق،
__________
[1] نقل المؤلف ترجمته عن «وفيات الأعيان» (3/ 376- 378) .
(4/524)
علي بن محمد الكاتب شاعر وقته وأديب ناحيته
صاحب الطريقة الأنيقة في التجنيس الأنيس البديع التأسيس، فمن ألفاظه
البديعة قوله: من أصلح فاسده، أرغم حاسده. من أطاع غضبه أضاع أدبه.
عادات السادات سادات العادات. من سعادة جدّك وقوفك عند حدّك. الرشوة
رشاء الحاجات. أجمل الناس من كان للإخوان مذلّا [1] [وعلى السلطان
مدلّا] . الفهم شعاع [2] العقل. المنيّة تضحك الأمنية. حدّ العفاف
الرضا بالكفاف.
ومن نادر شعره:
إن هز أقلامه يوما ليعملها ... أنساك كلّ كميّ هز عامله [3]
وإن أقرّ على رق أنامله ... أقر بالرّق كتّاب الأنام له
وله:
إذا تحدثت في قوم لتؤنسهم ... بما تحدّث من ماض ومن آت
فلا تعيدنّ حديثا [4] إنّ طبعهم ... موكل بمعاداة المعادات
وله:
تحمّل أخاك على ما به ... فما في استقامته مطمع
وأنّى له خلق واحد ... وفيه طبائعه الأربع
وله حين تغيّر عليه السلطان:
قل للأمير أدام ربي عزّه ... وأناله من فضله مكنونه
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «مولى» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان»
وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[2] في الأصل والمطبوع: «شجاع» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[3] في الأصل والمطبوع: «هز وابله» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[4] في «وفيات الأعيان الأعيان» : «فلا تعد لحديث» .
(4/525)
إني جنيت ولم تزل أهل النّهى ... يهبون
للخدام ما يجنونه
ولقد جمعت من الذنوب [1] فنونها ... فاجمع من العفو الكريم فنونه
من كان يرجو عفو من هو فوقه ... عن ذنبه فليعف عمّن دونه
وله أيضا:
إذا أحسست في فهمي فتورا ... وحفظي والبلاغة والبيان
فلا ترتب بفهمي إن رقصي ... على مقدار إيقاع الزمان
وبالجملة فمحاسنه كثيرة وشعره في غاية اللطافة، رحمه الله تعالى.
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «من العيون» .
(4/526)
تمّ بعون الله تعالى وتوفيقه تحقيق المجلد
الرابع من «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي
الدمشقي، وذلك في عصر يوم الثلاثاء السابع عشر من شهر ربيع الآخر من
عام 1408 هـ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وأسأل الله العليّ
القدير أن يعيننا على تحقيق بقية الكتاب بحوله وقوته، إنه تعالى خير
مسؤول وخير معين.
محمود الأرناؤوط
(4/527)
[المجلد الخامس]
كلمة للمحقّق
ها هو ذا المجلد الخامس من «شذرات
الذّهب» ينضم إلى المجلدات الأربعة التي سبقته من طبعتنا هذه، التي
أكرمني الله عزّ وجل بخدمتها. ولقد بذلت جهدي في سبيل الوصول بالكتاب
إلى الصورة التي ترضي الله تعالى ثم ترضي العاملين بإخلاص على نشر ما
ينفع النّاس من تراث الأمة، السّاعين إلى رفع سويّة أبنائها العلمية
والثقافية والوصول بهم إلى مجد يحاكي مجد آبائهم الأولين.
وقد بذلت في سبيل إخراج هذه المجلدات الخمس- وهي نصف الكتاب- من ذوب
روحي، وضياء عيني ما الله به أعلم، وواصلت الليل بالنهار وأنا أحقّق
نصوصه، وأراجع ما أورده المؤلّف فيه من النقول على ما أمكنني الوقوف
عليه من مصادره المطبوعة منها والمخطوطة.
ولقد وصلتني بعض المصادر الهامة متأخرة بسبب الظروف المعروفة للكتاب
العربي والتي لم يسبق لأمة من الأمم أن عرفتها من قبل.
وكان لتوجيهات والدي وملاحظاته وإرشاداته السديدة النافعة الدور الأهم
في وصول هذه المجلدات الخمس إلى ما وصلت إليه من الإتقان، والله أسأل
أن يجزيه عنّي خير ما يجزي والدا عن ولده وأستاذا عن تلميذه.
كما كان لملاحظات عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من خلّص
(5/5)
الأصدقاء ممّن يمارسون فنّ التحقيق دورها
أيضا في لفت نظري إلى أمور فاتني التنبّه لها، شأن كلّ من يتصدى لخدمة
كتاب كبير كهذا الكتاب، جزاهم الله تعالى خيرا وأحسن إليهم.
وأرى من المفيد أن أنبّه إلى أنني آثرت- منذ هذا المجلد- أن أرمز
لمصوّرة الأصل الخطي المعتمد في التحقيق بحرف «آ» وللطبعة السابقة بحرف
«ط» رغبة في التقليل من الحواشي قدر الإمكان، وسوف أرمز لمصوّرة النسخة
الخطية من كتاب «منتخب شذرات الذهب» لابن شقدة [1] ب «المنتخب» ابتداء
من أول المجلد السادس، إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
وختاما أكرر ما قلته في آخر مقدمتي للمجلد الأول [2] : إن هذا الكتاب
هو في نهاية الأمر إرث لأفراد الأمة جميعهم، والنصح للقائمين على
تحقيقه وإخراجه هو نصح للناطقين بالعربية في مشارق الأرض ومغاربها.
راجيا من جميع العاملين في فنّ التحقيق وسواهم أن لا يبخلوا عليّ
بملاحظاتهم وتصويباتهم، ولسوف أذكر أصحابها بالجميل في آخر الكتاب إن
شاء الله.
اللهمّ إني أسألك أن تسدّد خطاي لما فيه الخير والفلاح في الدّنيا
والآخرة، وأن تجعلني ممّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
دمشق في غرّة شهر رمضان المبارك لعام 1408 هـ.
محمود الأرناؤوط
__________
[1] وقد تفضل بإرسالها لي صديقي الفاضل الدكتور خالد عبد الكريم جمعة
مدير معهد المخطوطات العربية في الكويت حفظه الله تعالى ونفع به.
[2] ص (99) .
(5/6)
|