شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وأربعمائة
فيها أقام صاحب الموصل الدعوة ببلده للحاكم، أحد خلفاء الباطنيّة، لأن
رسل الحاكم تكرّرت إلى صاحب الموصل قرواش بن مقلّد، فأفسدوه، ثم سار
قرواش إلى الكوفة، فأقام بها الخطبة للحاكم وبالمدائن، وأمر خطيب
الأنبار بذلك، فهرب، وأبدى قرواش صفحة الخلاف، وعاث وأفسد، فقلق القادر
بالله، وأرسل إلى الملك بهاء الدولة مع ابن الباقلاني المتكلّم، فقال:
قد كاتبنا أبا عليّ عميد الجيوش في ذلك، ورسمنا بأن ينفق في العسكر
مائة ألف دينار، فإن دعت الحاجة إلى مجيئنا قدمنا. ثم إن قرواش بن
مقلّد خاف الغلبة، فأرسل يتعذّر [1] ، وأعاد الخطبة العباسية، ولم يحجّ
ركب العراق، لفساد الوقت.
وفيها توفي أبو علي، عميد الجيوش [2] ، الحسين بن أبي جعفر، وله إحدى
وخمسون سنة، كان أبوه من حجّاب عضد الدولة، فخدم أبو علي بهاء الدولة
[3] ، وترقّت حاله، فولّاه بهاء الدولة نائبا عنه بالعراق، فأحسن
سياستها، وحمدت [4] أيامه، وبقي عليها ثمانية أعوام وسبعة أشهر، فأبطل
عاشوراء الرافضة، وأباد الحرامية والشطّار، وقد جاء في عدله وهيبته
حكايات.
__________
[1] في «العبر» «يعتذر» وكلاهما صواب. انظر «لسان العرب» و «مختار
الصحاح» (عذر) .
[2] انظر «العبر» (3/ 76) .
[3] قوله: «فخدم أبو علي بهاء الدولة» سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[4] في «آ» و «ط» : و «حميت» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» (3/ 76) .
(5/7)
وفيها أبو عمر بن المكوي، أحمد بن عبد
الملك الإشبيلي المالكي [1] ، انتهت إليه رئاسة العلم بالأندلس في
زمانه، مع الورع، والصيانة، دعي إلى القضاء بقرطبة مرتين فامتنع، وصنّف
كتاب «الاستيعاب» في مذهب مالك، في عشر مجلدات، توفي فجأة، عن سبع
وسبعين سنة.
وفيها أبو عمر بن الجسور، أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الأموي مولاهم
القرطبي [2] . روى عن قاسم بن أصبغ، وخلق، ومات في ذي القعدة، وهو أكبر
شيخ لابن حزم.
وفيها أبو عبيد الهروي [3] ، أحمد بن محمد بن محمد، صاحب «الغريبين»
وهو الكتاب المشهور، جمع فيه بين غريب القرآن وغريب الحديث، وهو من
الكتب النافعة السائرة في الآفاق.
قال الإسنوي [4] : ذكره ابن الصلاح في «طبقاته» ولم يوضح حاله، وقد
أوضحه ابن خلّكان [5] فقال: كان من العلماء الأكابر، صحب أبا منصور
الأزهري وبه انتفع، وكان ينسب إلى تعاطي الخمر، توفي في رجب، سنة إحدى
وأربعمائة، سامحه الله تعالى. انتهى كلام الإسنوي.
وفيها أبو بكر الحنّائي- نسبة إلى الحناء المعروف [6]- عبد الله بن
محمد بن هلال البغدادي [7] الأديب، نزيل دمشق. روى عن يعقوب الجصّاص
وجماعة، وكان ثقة.
__________
[1] انظر «العبر» (3/ 76- 77) .
[2] انظر «العبر» (3/ 77) .
[3] انظر «العبر» (3/ 77) و «غربال الزمان» ص (337) .
[4] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 519) .
[5] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 95- 96) .
[6] في «الأنساب» (4/ 244) : «نسبة إلى بيع الحناء» .
[7] انظر «العبر» (3/ 77) .
(5/8)
وفيها عبد العزيز بن محمد بن النّعمان بن
محمد بن منصور [1] ، قاضي القضاة للعبيديين، وابن قاضيهم، وحفيد
قاضيهم. قتله الحاكم، وقتل معه قائد القوّاد حسين، ابن القائد جوهر،
وبعث من حمل إليه رأس قاضي طرابلس [2] ، أبي الحسين علي بن عبد الواحد
البرّي لكونه سلّم عزاز إلى متولي حلب.
وفيها أبو مسعود، إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي [3] كان حافظا،
صدوقا، ديّنا، من الفهماء. قاله ابن ناصر الدّين.
وفيها أبو الحسن العلوي الحسني النيسابوري، محمد بن الحسين بن داود [4]
شيخ الأشراف. سمع أبا حامد بن الشرقي، ومحمد بن إسماعيل المروزي صاحب
علي بن حجر، وطبقتهما، وكان سيّدا، نبيلا، صالحا.
قال الحاكم: عقدت له مجلس الإملاء وانتقيت له ألف حديث، وكان يعدّ في
مجلسه ألف محبرة، توفي فجأة في جمادى الآخرة، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو علي الخالدي الذّهلي، منصور بن عبد الله الهروي [5] . روى عن
أبي سعيد بن الأعرابي وطائفة.
قال أبو سعيد الإدريسي: هو كذاب.
__________
[1] انظر «العبر» (3/ 77) .
[2] في «ط» : «أطرابلس» ، وطرابلس المقصودة هي «طرابلس الشام» .
[3] انظر «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (139/ ب) مصوّرة
عن مخطوطة المتحف البريطاني، و «تذكرة الحفاظ» (3/ 1068- 1070) و
«طبقات الحفّاظ» ص (416- 417) .
[4] انظر «العبر» (3/ 78) .
[5] انظر «العبر» (3/ 78) .
(5/9)
سنة اثنتين
وأربعمائة
فيها كتب محضر ببغداد في قدح النّسب الذي تدّعيه خلفاء مصر، والقدح في
عقائدهم، وأنهم زنادقة، وأنهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرّمي،
إخوان الكافرين، شهادة يتقرّب بها إلى الله، شهدوا جميعا أن الناجم
بمصر، وهو منصور بن نزار الملقب بالحاكم، حكم الله عليه بالبوار
[والخزي والنكال] [1] ، إلى أن قال: فإنه صار- يعني المهدي- إلى
المغرب، وتسمى [2] بعبيد الله، وتلقّب بالمهدي، وهو ومن تقدّمه من سلفه
[3] الأنجاس، أدعياء خوارج، لا نسب لهم في ولد عليّ رضي الله عنهم، ولا
يعلمون أن أحدا من الطالبيين توقف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج،
أنهم [4] أدعياء، وقد كان هذا الإنكار شائعا بالحرمين، وأن هذا الناجم
بمصر وسلفه كفّار وفسّاق، لمذهب الثّنويّة والمجوسية معتقدون [5] ، قد
عطّلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وسفكوا الدماء، وسبّوا الأنبياء،
ولعنوا السّلف، وادّعوا الربوبيّة، وكتب في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين
وأربعمائة،
__________
[1] زيادة من «المنتظم» (7/ 355) و «النجوم الزاهرة» (4/ 229) .
[2] في «آ» و «المنتظم» و «النجوم الزاهرة» : «تسمى» وأثبت لفظ «ط» و
«العبر» مصدر المؤلف في نقله.
[3] في «ط» «من سلف» .
[4] في «آ» و «ط» : «لأنهم» وما أثبته من «العبر» و «النجوم الزاهرة» .
[5] في «آ» و «ط» : «معتدون» وما أثبته من «العبر» و «النجوم الزاهرة»
وانظر «المنتظم» .
(5/10)
وكتب خلق في المحضر، منهم: الشريف المرتضى،
وأخوه الشريف الرضي، وجماعة من كبار العلوية، والقاضي أبو محمد ابن
الأكفاني، والإمام أبو حامد الإسفراييني، والإمام أبو الحسين القدوري،
وخلق.
وفيها عمل يوم الغدير ويوم الغار، لكن بسكينة.
وفيها توفي الوزير أحمد بن سعيد بن حزم، أبو عمر [1] الأندلسي، والد
العلّامة أبي محمد، كان كاتبا، منشئا [2] لغويّا، متبحّرا في علم
اللسان [3] .
وفيها أبو الحسين السّوسنجردي- بالضم وفتح السين المهملة الثانية،
وسكون النون والراء وكسر الجيم، آخره مهملة نسبة إلى سوسنجرد قرية
ببغداد [4]- أحمد بن عبد الله بن الخضر البغدادي [5] المعدّل. روى عن
ابن البختري [6] وجماعة، وكان ثقة، صاحب سنّة.
وفيها قاضي الجماعة، أبو المطرّف عبد الرّحمن بن محمد بن فطيس الأندلسي
القرطبي [7] صاحب التصانيف الطنّانة، منها: كتاب «أسباب النزول» في
مائة جزء، وكتاب «فضائل الصحابة والتابعين» في مائتين وخمسين جزءا،
وكان من جهابذة الحفّاظ والمحدّثين، جمع ما لم يجمعه أحد من أهل عصره
بالأندلس، وكان يملي من حفظه، وقيل: إن كتبه بيعت بأربعين ألف دينار
قاسميّة، وولي القضاء والخطابة سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، وعزل بعد
تسعة
__________
[1] في «آ» و «ط» : «أبو عمرو» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 163)
وانظر «جذوة المقتبس» ص (126) و «بغية الملتمس» ص (181) .
[2] في «آ» و «ط» : «مفتيا» والتصحيح من «العبر» .
[3] الذي في العبر: «علم البيان» . (ع) .
[4] انظر «معجم البلدان» (3/ 281) .
[5] مترجم في «الأنساب» (7/ 189) وقد تحرّفت كنيته فيه إلى «أبي الحسن»
فتصحّح، وانظر «تاريخ بغداد» (4/ 237) و «العبر» (3/ 80) .
[6] في «آ» و «ط» : «ابن البحيري» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» و
«العبر» .
[7] انظر «العبر» (3/ 80- 81) .
(5/11)
أشهر، وقد ولّي الوزارة أيضا، وتوفي في ذي
القعدة وله أربع وخمسون سنة، وسمع من أحمد بن عون وطبقته.
وفيها الحسين بن علي بن العبّاس بن الفضل بن زكريا بن النّضر بن شميل
بن سويد النّضري الهروي [1] . كان حافظا مشهورا عمدة. قاله ابن ناصر
الدّين.
وفيها أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن حسين بن شنظير الأموي [2] ، أبو
إسحاق، كان حافظا، ذا ورع وصيام وقيام كثير. قاله ابن ناصر الدّين
أيضا.
وفيها أبو عمرو عثمان الباقلّاني- نسبة إلى بيع الباقلّاء- البغدادي
[3] الزاهد، كان عابد أهل زمانه في بغداد [4] رحمه الله تعالى.
وفيها أبو الحسن السامريّ الرّفّاء، علي بن أحمد [5] ، صالح، ثقة.
روى عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي [6] .
وفيها أبو الحسن الدّاراني، علي بن داود القطّان [7] المقرئ. حدّث عن
خيثمة، وقرأ على ابن النّضر الأخرم، وولي إمامة جامع دمشق.
قال رشأ بن نظيف: لم ألق مثله حذقا وإتقانا في رواية ابن عامر، وهو
__________
[1] انظر «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (140/ ب) .
[2] انظر «التبيان شرح بديعة البيان» (140/ ب) ، و «تذكرة الحفاظ» (3/
1092) و «طبقات الحفاظ» ص (422) .
[3] انظر «العبر» (3/ 81) .
[4] في «ط» : «كان عابد أهل بغداد في زمانه» .
[5] انظر «الأنساب» (7/ 15) و «العبر» (3/ 81) .
[6] سقطت هذه الترجمة بكاملها من «ط» .
[7] انظر «العبر» (3/ 81) ، و «معرفة القراء الكبار» (1/ 366- 367) .
(5/12)
الذي طلّع كبراء دمشق، وطلبوه لإمامة
الجامع فوثب أهل داريا بالسلاح فمانعوهم، وقالوا: لا ندع لكم إمامنا
حتّى يقدّم أبو محمد بن أبي نصر، فقال: أما ترضون أن يسمع الناس في
البلاد، أن أهل دمشق احتاجوا إليكم في إمام؟ فقالوا: رضينا، فقدّمت له
بغلة القاضي، فأبى وركب حماره، وسكن في المنارة [الشرقية] [1] ، وكان
لا يأخذ على الصلاة ولا الإقراء أجرا، ويقتات من أرض له.
وفيها أبو الفتح فارس بن أحمد الحمصي [2] ، المقرئ الضرير، أحد أعلام
القرآن. أقرأ بمصر عن عبد الباقي بن السقا، والسامرّي، وجماعة، وصنّف
«المنشأ في القراءات [الثمان] [3] » وعاش ثماني وستين سنة.
وفيها ابن جميع، أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الغسّاني [4]
الصيداوي، صاحب «المعجم» المروي. رحل وكتب الكثير بالشام، والعراق،
ومصر، وفارس. روى عن أبي روق الهزّاني، والمحاملي، وطبقتهما، ومات في
رجب، وله سبع وتسعون سنة، وسرد الصوم، وله ثمان عشرة سنة إلى أن مات،
ووثقه الخطيب.
وفيها ابن النجّار أبو الحسن محمد بن جعفر بن محمد بن هارون التميمي
الكوفي [5] النحوي المقرئ. آخر من حدّث في الدّنيا عن محمد بن الحسين
الأشناني، وابن دريد.
__________
[1] زيادة من «معرفة القرّاء الكبار» .
[2] انظر «العبر» (3/ 82) و «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 379) .
[3] ما بين حاصرتين زيادة من «معرفة القرّاء الكبار» و «حسن المحاضرة»
(1/ 492) وانظر «كشف الظنون» (2/ 1861) .
[4] في «ط» : «العسالي» وهو خطأ، والصواب ما جاء في «آ» وهو مترجم في
«العبر» (3/ 82) وانظر «الأنساب» (9/ 150) .
[5] انظر «العبر» (3/ 82) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 100- 101) .
(5/13)
قال العتيقي: هو ثقة، توفي بالكوفة في
جمادى الأولى.
وقال الأزهري: كان مولده في سنة ثلاث وثلاثمائة في المحرم.
وفيها ابن اللبّان الفرضيّ [1] العلّامة أبو الحسين محمد بن عبد الله
بن الحسن البصري. روى «سنن أبي داود» عن ابن داسه، وسمعها منه القاضي
أبو الطيب الطبري.
قال الخطيب [2] : انتهى إليه علم الفرائض، وصنّف فيه كتبا. انتهى.
وكان يقول: ليس في الأرض فرضيّ إلّا من أصحابي وأصحاب أصحابي، أو لا
يحسن شيئا.
قال الإسنوي [3] : نقل عنه الرافعي في مواضع، منها: أن زكاة الفطر لا
تجب.
وكذا قال ابن قاضي شهبة، وقال أيضا: انتهى إليه علم الفرائض، وصنّف فيه
كتبا، منها كتاب «الإيجاز» مجلد نفيس، وكتبا كثيرة، ليس لأحد مثلها،
ولديه علوم أخر، وبنيت له مدرسة ببغداد، وكان يدرّس بها.
قال الشيخ أبو إسحاق [4] : كان إماما في الفقه والفرائض، وعنه أخذ
الناس الفرائض، وممّن أخذ عنه أبو أحمد بن أبي مسلم الفرضي، أستاذ أبي
حامد الإسفراييني في الفرائض. انتهى ملخصا.
وفيها أبو عبد الله الجعفي، محمد بن عبد الله بن الحسين الكوفي القاضي،
المعروف بالهرواني [5]- نسبة إلى هراة مدينة ...
__________
[1] انظر «العبر» (3/ 82- 83) و «غربال الزمان» ص (338) .
[2] انظر «تاريخ بغداد» (5/ 472) .
[3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 363) .
[4] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (120) .
[5] انظر «العبر» (3/ 83) .
(5/14)
بخراسان [1]- أحد الأئمة الأعلام في مذهب
الإمام أبي حنيفة. روى عن محمد بن القاسم المحاربي [2] وجماعة.
قال الخطيب [3] : قال من عاصره بالكوفة: لم يكن بالكوفة من زمن ابن
مسعود رضي الله عنه إلى وقته أحد [4] أفقه منه.
وقال العتيقي [5] : ما رأيت مثله بالكوفة.
وقال في «العبر» : ولد سنة خمس وثلاثمائة، وقد قرأ عليه أبو علي غلام
الهرّاس.
وفيها منتجب الدولة، لؤلؤ الشراوي [6] ولي نيابة. دمشق للحاكم، وعزل
بعد ستة أشهر، ولما همّوا بالقبض عليه من دار العقيقي، وكان نازلا بها،
عبأ أصحابه، ووقع القتال بالبلد بين الفريقين إلى العتمة، وقتل جماعة
ثم طلع لولو من سطح فاختفى، فنودي عليه في البلد: من جاء به فله ألف
دينار، فدلّ عليه رجل وحبس، فجاء أمر الحاكم بقتله، فقتل.
وفيها ابن وجه الجنّة [7] ، أبو بكر، يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود
القرطبي الخزّاز، شيخ ابن حزم. روى عن قاسم بن أصبغ وطائفة، وكان عدلا
صالحا.
__________
[1] قلت: وقال ابن الأثير في «اللباب» (3/ 386) : «الهرواني» : هذه
النسبة عرف بها صاحب الترجمة.
[2] في «آ» : «الجاري» وأثبت ما في «ط» وهو الصواب كما في «اللباب» .
[3] انظر «تاريخ بغداد» (5/ 472) .
[4] لفظة «أحد» لم ترد في «ط» و «تاريخ بغداد» ووردت في «آ» و «العبر»
.
[5] في «ط» و «العبر» : «وقال لي العتيقي» .
[6] في «العبر» : «السمراوي» وهو مترجم فيه (3/ 83) .
[7] انظر «العبر» (3/ 84) والتعليق عليه.
(5/15)
سنة ثلاث وأربعمائة
فيها سبق رجل بدويّ اسمه [أبو] فليتة بن القوي [1] الحاج إلى واقصة في
ستمائة إنسان من بني خفاجة، قبيلته، فغوّر المياه، وطرح الحنظل في
مصانع البرمكي والريان، وغورهما، فلما جاء الركب إلى العقبة حبسهم
ومنعهم العبور، إلا بخمسين ألف دينار، فخافوا وضعفوا وعطشوا، فهجم
الملعون عليهم، فلم تكن عندهم منعة، وسلّموا أنفسهم، فاحتوى على الجمال
بالأحمال، فاستاقها وهلك الركب، إلا القليل، فقيل: إنه هلك خمسة عشر
ألف إنسان، فأمر فخر الدولة الوزير علي بن مزيد، فسار، فأدركهم بناحية
البصرة، فظفر بهم، وقتل طائفة كثيرة، وأسر ابن القوي أبا فليتة [2]
والأشتر، وأربعة عشر رجلا، ووجد أموال الناس قد تمزقت [3] ، فانتزع ما
أمكنه، فعطّشوا الأسرى على جانب دجلة، يرون الماء ولا يسقون، حتّى
هلكوا.
وفيها توفي أبو القاسم إسماعيل بن الحسن الصّرصري [4]- بفتح
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن القرى» والتصحيح من «المنتظم» (7/ 260- 261)
وما بين حاصرتين مستدرك منه، وفي «العبر» «فليته بن الخفاجي» . انظر
«الكامل في التاريخ» لابن الأثير (11/ 9) و «العقد الثمين في تاريخ
البلد الأمين» للفاسي (7/ 20) و «تاج العروس» (5/ 32) و «البداية
والنهاية» (11/ 347) .
[2] في «آ» و «ط» و «العبر» : «وأسروا والدفليتة» والتصحيح من
«المنتظم» (7/ 261) .
[3] في «آ» و «ط» : «تمزعت» وما أثبتناه من «المنتظم» و «العبر» .
[4] انظر «العبر» (3/ 85) .
(5/16)
الصادين المهملتين، نسبة إلى صرصر، قرية
على فرسخين من بغداد- سمع أبا عبد الله المحاملي، وابن عقدة.
قال البرقاني: ثقة، صدوق.
وفيها بهاء الدولة، السلطان أبو نصر بن السلطان عضد الدولة بن ركن
الدولة بن بويه الديلمي [1] صاحب العراق وفارس، توفي بأرّجان في جمادى
الأولى، وله اثنتان وأربعون سنة، وكانت أيامه بضعا وعشرين سنة، ومات
بعلّة الصّرع، وولي بعده ابنه سلطان الدولة، فبقي في الملك اثني عشر
عاما.
وفيها الحسن بن حامد بن علي بن مروان، أبو عبد الله البغدادي [2] ،
إمام الحنبلية في زمانه ومدرّسهم ومفتيهم.
قال القاضي أبو يعلى: كان ابن حامد مدرّس أصحاب أحمد وفقيههم في زمانه،
وله المصنفات العظيمة، منها: كتاب «الجامع» نحو أربعمائة جزء في اختلاف
العلماء، وكان معظّما مقدّما عند الدولة وغيرهم [3] .
وقال غيره: روى عن النّجّاد وغيره، وتفقّه على أبي بكر عبد العزيز،
وكان قانعا، يأكل من النسخ، ويكثر الحجّ، فلما كان في هذا العام حجّ
وعدم فيمن عدم، إذا أخذ الركب. قاله في «العبر» .
وقال القاضي حسين [4] في «طبقاته» : له المصنفات في العلوم المختلفات،
منها «الجامع في المذهب» نحو من أربعمائة جزء، وله «شرح الخرقي» و «شرح
أصول الدّين» و «أصول الفقه» . سمع أبا بكر بن مالك، وأبا
__________
[1] انظر «العبر» (3/ 85- 86) .
[2] انظر «طبقات الحنابلة» (2/ 171- 178) ، و «العبر» (3/ 86) ، و
«المنهج الأحمد» (2/ 98- 101) طبعة نويهض.
[3] الذي في العبر: «عند الدولة والعامة» . (ع) .
[4] كذا قال المؤلف وهو وهم منه فهو ينقل عن «طبقات الحنابلة» لابن أبي
يعلى.
(5/17)
بكر الشافعي، وأبا بكر النّجّاد، وأبا علي
بن الصوّاف، وأحمد بن الختلي [1] في آخرين.
وقال أبو عبد الله بن حامد: اعلم- عصمنا الله وإيّاك من كل زلل- أن
الناقلين عن أبي عبد الله رضي الله عنه- ممّن سمّيناهم وغيرهم- أثبات
فيما نقلوه، وأمناء فيما دوّنوه، وواجب تقبّل كل ما نقوله، وإعطاء كل
رواية حظها على موجبها، ولا تعل رواية وإن انفردت [ولا تنفى عنه، وإن
عزبت] [2] ، ولا ينسب إليه في مسألة رجوع إلا ما وجد ذلك عنه نصا
بالصريح، وإن نقل كنت أقول به وتركناه، فإن عري عن حدّ الصريح في
التّرك والرجوع أقرّ على موجبه واعتبر حال الدليل فيه لا اعتقاده
بمثابة ما اشتهر من روايته.
وقد رأيت بعض من يزعم أنه منتسب إلى الفقه يليّن القول في كتاب إسحاق
بن منصور، ويقول: إنه يقال: إن أبا عبد الله رجع عنه، وهذا قول من لا
ثقة له بالمذهب إذ لا أعلم أن أحدا من أصحابنا قال بما ذكره، ولا أشار
إليه.
وكتاب ابن منصور، أصل بداية [3] حاله يطابق نهاية شأنه، إذ هو في
بدايته سؤالات محفوظة، ونهايته، أنه عرض على أبي عبد الله، فاضطرب،
لأنه لم يكن يقدّر أنه لما سأله [4] عنه مدوّن، فما أنكر عليه من ذلك
حرفا، ولا ردّ عليه من جواباته جوابا، بل أقرّه على ما نقله [أو وصف ما
رسمه] [5] واشتهر في حياة أبي عبد الله ذلك بين أصحابه، فاتخذه الناس
أصلا إلى آخر أوانه.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الحنبلي» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات الحنابلة» .
وانظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 203) .
[2] ما بين حاصرتين زيادة من «طبقات الحنابلة» (2/ 174) .
[3] في «آ» و «ط» : «أصل بذاته» والتصحيح من «طبقات الحنابلة» .
[4] في «طبقات الحنابلة» : «يسأله» .
[5] زيادة من «طبقات الحنابلة» .
(5/18)
ولابن حامد المقام المشهود في أيام القادر،
وقد ناظر أبا حامد الإسفراييني في وجوب الصيام ليلة الغمام في دار
القادر بالله، بحيث يسمع [1] الخليفة الكلام، فخرجت الجائزة السنية له
من أمير المؤمنين فردّها مع حاجته إلى بعضها فضلا عن جميعها تعففا
وتنزها. انتهى ما قاله القاضي حسين ملخصا.
وفيها القاضي أبو عبد الله الحليمي الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم
البخاري [2] ، الفقيه الشافعي، صاحب التصانيف. أخذ عن أبي بكر القفّال
الشاشي، وهو صاحب وجه في المذهب.
قال ابن قاضي شهبة: قال الحاكم: أوحد الشافعيين بما وراء النهر،
وأنظرهم وآدبهم بعد أستاذيه أبوي بكر، القفّال، والأودني، وكان مفننا
فاضلا، له مصنفات مفيدة، نقل منها الحافظ أبو بكر البيهقي كثيرا.
وقال في «النهاية» : كان الحليمي رجلا عظيم القدر، لا يحيط بكنه علمه
إلا غوّاص، ولد سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، ومات في جمادى، وقيل:
في ربيع الأول، ومن تصانيفه «شعب الإيمان» [3] كتاب جليل في نحو ثلاث
مجلدات، وآيات الساعة، وأحوال القيامة، فيه معان غريبة لا توجد في
غيره.
انتهى ما قاله ابن قاضي شهبة ملخصا.
وفيها أبو علي الرّوذباري الحسين بن محمد الطوسي [4] . راوي «السنن»
[5] عن ابن داسة، توفي في ربيع الأول وأكثر عنه البيهقي.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «بحيث سمع» وما أثبته من «طبقات الحنابلة» .
[2] انظر «العبر» (3/ 86) .
[3] واسمه «المنهاج في شعب الإيمان» وقد طبع في ثلاث مجلدات في دار
الفكر ببيروت بعناية الأستاذ حلمي محمد فودة.
[4] انظر «الأنساب» (6/ 180) و «العبر» (3/ 87) .
[5] يعني «سنن أبي داود» .
(5/19)
وفيها أبو الوليد الفرضيّ عبد الله بن محمد
بن يوسف القرطبي [1] الحافظ، مؤلف «تاريخ الأندلس» .
قال ابن عبد البرّ: كان فقيها عالما في جميع فنون العلم في الحديث
والرجال، قتلته البربر في داره.
وقال أبو مروان بن حيّان: وممّن قتل يوم فتح قرطبة الفقيه الأديب
الفصيح ابن الفرضي، وواروه من غير غسل ولا كفن ولا صلاة، ولم ير مثله
بقرطبة في سعة الرواية وحفظ الحديث والافتنان في العلوم والأدب البارع،
ولي قضاء بلنسية، وكان حسن البلاغة والخط [2] ، وروي أنه تعلق بأستار
الكعبة، وسأل الله الشهادة.
قال في «العبر» [3] : وعاش اثنتين وخمسين سنة.
وقال ابن ناصر الدّين: كان حافظا من الثقات.
وفيها أبو الحسن القابسي علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني [4]
الفقيه، شيخ المالكية. أخذ عن ابن مسرور الدباغ، وفي الرحلة عن حمزة
الكناني [5] وطائفة، وصنّف تصانيف فائقة في الأصول والفروع، وكان مع
تقدمه في العلوم حافظا، صالحا، تقيّا، ورعا، حافظا للحديث وعلله، منقطع
القرين، وكان ضريرا.
وفيها ابن الباقلّاني [6] القاضي أبو بكر محمد بن الطيّب بن محمد بن
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 105- 106) و «العبر» (3/ 87) و «التبيان
شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (141/ آ) واسم كتابه «تاريخ
العلماء والرواة بالأندلس» وهو من مصادر المؤلف.
[2] في «آ» و «ط» : «والحفظ» والتصحيح من «تذكرة الحفاظ» للذهبي (3/
1077) .
[3] انظر «العبر» (3/ 87) .
[4] انظر «ترتيب المدارك وتقريب المسالك» للقاضي عياض (1/ 616- 621) و
«العبر» (3/ 87- 88) .
[5] في «آ» و «ط» : «الكتاني» وهو خطأ، والتصحيح من «ترتيب المدارك» و
«العبر» .
[6] انظر «ترتيب المدارك» (1/ 585- 602) و «العبر» (3/ 88) .
(5/20)
جعفر البصري المالكي الأصولي، المتكلم صاحب
المصنّفات، وأوحد وقته في فنه. روى عن أبي بكر القطيعي، وأخذ علم النظر
عن أبي عبد الله بن مجاهد الطائي صاحب الأشعري، وكانت له بجامع المنصور
حلقة عظيمة.
قال الخطيب [1] : كان ورده في الليل [2] عشرين ترويحة في الحضر والسفر
[3] ، فإذا فرغ منها كتب خمسا وثلاثين ورقة من تصنيفه. قاله في «العبر»
.
وقال ابن الأهدل: سيف السّنّة، القاضي أبو بكر محمد بن الطيب، المشهور
بابن [4] الباقلّاني الأصولي الأشعري المالكي، مجدد الدّين على رأس
المائة الرابعة على الصحيح، وقيل: جدد بأبي سهل الصّعلوكي. صنّف ابن
الباقلّاني تصانيف واسعة في الرد على الفرق الضالّة.
حكي أن ابن المعلّم متكلّم الرافضة قال لأصحابه- يوما وقد أقبل ابن
الباقلاني-: جاءكم الشيطان، فلما جلس ابن الباقلّاني قال: قال الله
تعالى:
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ
تَؤُزُّهُمْ أَزًّا 19: 83 [مريم: 83] .
وكان ورعا لم تحفظ عنه زلّة ولا نقيصة، وكان باطنه معمورا بالعبادة،
والديانة، والصيانة.
وقال الطائي: رأيته في النوم بعد موته وعليه ثياب حسنة في رياض خضرة
نضرة، وسمعته يقرأ: في عِيشَةٍ راضِيَةٍ في جَنَّةٍ عالِيَةٍ 69: 21-
22 [الحاقة:
21- 22] ورأيت قبل ذلك حسن حالهم، فقلت: من أين جئتم؟ فقالوا: من
الجنّة من زيارة القاضي أبي بكر. انتهى ملخصا.
وقال ابن تيمية: القاضي أبو بكر محمد بن الطيّب الباقلّاني
__________
[1] انظر «تاريخ بغداد» (5/ 380) .
[2] كذا في «آ» و «ط» : «في الليل» وفي «تاريخ بغداد» : «في كل ليلة» .
[3] عبارة الخطيب البغدادي في «تاريخه» (5/ 380) : «ما يتركها في حضر
ولا سفر» . (ع) .
[4] قوله: «المشهور بابن» سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
(5/21)
المتكلم، وهو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى
الأشعري، ليس فيهم مثله، لا قبله ولا بعده.
قال في كتاب «الإبانة» تصنيفه: فإن قال قائل: فما الدليل على أن لله
وجها ويدا؟ قيل له: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ
وَالْإِكْرامِ 55: 27 [الرّحمن: 27] وقوله تعالى: ما مَنَعَكَ أَنْ
تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ 38: 75 [ص: 75] فأثبت لنفسه وجها
ويدا، فإن قال: فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة؟ قلنا: لا يجب هذا،
كما لا يجب إذا لم نعقل حيّا عالما قادرا إلّا جسما أن نقضي نحن وأنتم
بذلك على الله سبحانه وتعالى، وكما لا يجب في كل شيء كان قائما بذاته
أن يكون جوهرا لأنّا وإيّاكم لا نجد قائما بنفسه في شاهدنا إلّا كذلك،
وكذلك الجواب لهم إن قالوا: فيجب أن يكون علمه، وحياته، وسمعه، وبصره،
وسائر صفاته، عرضا، واعتلوا بالوجود.
قال: فإن قال: فهل تقولون: إنه في كل مكان؟ قيل له: معاذ الله، بل هو
مستو على عرشه كما أخبر في كتابه فقال: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ
اسْتَوى 20: 5 [طه: 5] وقال تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ
الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ 35: 10 [فاطر: 10] وقال
تعالى: أَأَمِنْتُمْ من في السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ
67: 16 [الملك: 16] أَمْ أَمِنْتُمْ من في السَّماءِ 67: 17 [المُلك:
17] قال: ولو كان في كل مكان، لكان في بطن الإنسان وفمه، والحشوش [1]
والمواضع التي يرغب عن ذكرها، ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة وينقص
ينقصانها. انتهى ملخصا، فرحمه الله تعالى ورضي عنه.
وفيها أبو بكر الخوارزمي [2] محمد بن موسى شيخ الحنفية، ومن انتهت إليه
رئاسة المذهب في الآفاق. أخذ عن أبي بكر أحمد بن علي
__________
[1] جمع «حش» وهو المخرج. انظر «القاموس المحيط» و «المختار الصحاح» :
(حشش) .
[2] انظر «العبر» (3/ 88- 89) .
(5/22)
الرّازي، وسمع من أبي بكر الشافعي.
قال البرقاني: سمعته يقول: ديننا دين العجائز، ولسنا من الكلام في شيء.
وقال القاضي الصّيمري: ما شاهد الناس مثل شيخنا أبي بكر الخوارزمي في
حسن الفتوى وحسن التدريس، دعي إلى القضاء مرة [1] فامتنع، وتوفي في
جمادى الأولى. قاله في «العبر» .
وفيها أبو رماد الرّمادي شاعر الأندلس يوسف بن هارون القرطبي الكندي
[2] الأديب. أخذ عن أبي علي القالي وغيره. وكان فقيرا معدما، ومنهم من
يلقبه بأبي حنيش [3] .
قال الحميدي في كتاب «جذوة المقتبس» [4] : أظن أحد آبائه كان من أهل
رمادة، موضع بالمغرب، وهو شاعر قرطبي كثير الشعر، سريع القول، مشهور
عند الخاصّة والعامّة هنالك لسلوكه في فنون كثيرة من المنظوم مسالك.
نفق عند الكل، حتّى كان كثير من شيوخ الأدب في وقته يقولون:
فتح الشعر بكندة، وختم بكندة، يعنون امرأ القيس، ويوسف بن هارون،
والمتنبي، وكانا متعاصرين، وصنّف كتابا في الطير، وسجن مدة.
ومدح أبا [عليّ] إسماعيل [بن القاسم] القالي عند دخوله الأندلس في سنة
ثلاثين وثلاثمائة بقصيدة طنّانة منها:
__________
[1] في «العبر» : «مرارا» .
[2] انظر «العبر (3/ 89) وقد كنّي في معظم المصادر الأخرى بأبي عمر،
وانظر ما قاله الأستاذ الدكتور رضوان الداية في تعليقه على «رايات
المبرزين وغايات المميزين» لأبي الحسن علي ابن موسى بن سعيد الأندلسي ص
(135) طبع دار طلاس بدمشق.
[3] وجاء في تعليق الأستاذ الدكتور رضوان الداية على «رايات المبرزين»
: «جنيش» (بالجيم) الرّماد.
[4] ص (369- 373) وقد نقل المؤلف عن «وفيات الأعيان» (7/ 225- 227)
بتصرّف وما بين حاصرتين في النقل زيادة منه.
(5/23)
من حاكم بيني وبين عذولي ... الشجو شجوي
والعويل عويلي
في أي جارحة أصون معذّبي ... سلمت من التعذيب والتنكيل
إن قلت في بصري فثمّ مدامعي ... أو قلت في كبدي فثمّ غليلي
وثلاث شيبات نزلن بمفرقي ... فعلمت أن نزولهنّ رحيلي
طلعت ثلاث في نزول ثلاثة ... واش ووجه مراقب وثقيل
فعزلنني عن صبوتي فلئن ذلل ... ت لقد سمعت بذلة المعزول
ومنها في المديح:
روض تعاهده السحاب كأنّه ... متعاهد من عهد إسماعيل
قسه إلى الأعراب تعلم أنّه ... أولى من الأعراب بالتفضيل
حازت قبائلهم لغات فرقت ... فيهم، وحازت لغات كلّ قبيل
فالشرق خال بعده فكأنما ... نزل الخراب بربعه المأهول
فكأنّه شمس بدت في غربنا ... وتغيبت عن شرقهم بأفول
يا سيدي هذا ثنائي لم أقل ... زورا ولا عرّضت بالتنويل
من كان يأمل نائلا فأنا امرؤ ... لم أرج غير القرب من تأميلي
وله في غلام ألثغ من جملة أبيات قوله:
لا الراء تطمع في الوصال ولا أنا ... الهجر يجمعنا فنحن سواء
فإذا خلوت كتبتها في راحتي ... وبكيت منتحبا أنا والراء
وله فيه أيضا:
أعد لثغة في الراء لو أن واصلا ... تسمّعها ما أسقط الراء واصل
وقال ابن بشكوال في كتاب «الصلة» [1] : يوسف بن هارون الرّمادي الشاعر،
من أهل قرطبة، يكنى أبا عمر، كان شاعر أهل الأندلس المشهور
__________
[1] (2/ 674) .
(5/24)
المقدّم [1] ذكره على الشعراء. روى عن أبي
علي البغدادي- يعني القالي- كتاب «النوادر» من تأليفه، وقد أخذ عنه أبو
عمر بن عبد البرّ قطعة من شعره رواها عنه وضمنها بعض تآليفه.
قال ابن حيّان [2] : وتوفي يوم العنصرة، فقيرا معدما، ودفن بمقبرة كلع.
انتهى كلامه.
ويوم العنصرة: [هو] رابع عشري حزيران، وهو موسم للنصارى مشهور ببلاد
الأندلس، وفي هذا اليوم حبس الله تعالى الشمس على يوشع بن نون عليه
السلام، وفيه ولد يحيى بن زكريا عليهما السلام.
__________
[1] في «الصلة» : «والمقدم» . (ع)
[2] في «آ» و «ط» : «ابن حبان» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
(5/25)
سنة أربع وأربعمائة
فيها توفي أبو الفضل السّليماني الحافظ [1] ، وهو أحمد بن علي بن عمر
البيكندي- نسبة إلى بيكند، بلد على مرحلة من بخارى- البخاري محدّث تلك
الدّيار، طوّف وسمع الكثير، وأكثر عن علي بن إسحاق المادرائي، والأصم،
وطبقتهما، وجمع وصنّف.
قال ابن نصار الدّين: كان إماما حافظا من الثقات. وتوفي في ذي القعدة
وله ثلاث وتسعون سنة.
وفيها أبو الطيب الصّعلوكي [2] سهل بن الإمام أبي سهل محمد بن سليمان
العجلي النيسابوري الشافعي، مفتي خراسان، ومجدّد القرن الرابع على قول.
روى عن الأصمّ وجماعة.
قال الحاكم: هو أنظر من رأينا.
وقال ابن خلّكان: كان أبو الطيب المذكور مفتي نيسابور وابن مفتيها.
أخذ الفقيه عن أبيه أبي سهل الصّعلوكي، وكان في وقته يقال له: الإمام،
وهو متفق عليه، عديم المثل في علمه وديانته، وسمع أباه، ومحمد بن يعقوب
__________
[1] انظر «العبر» (3/ 89- 90) ، و «طبقات الشافعية» للسبكي (4/ 41) ، و
«التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (141/ آ) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 435- 436) و «العبر» (3/ 90) و «سير
أعلام النبلاء» (17/ 207- 209) ، وقد تحرّفت نسبته في «آ» إلى
«الصعلوك» .
(5/26)
الأصم، وابن مطر [1] وأقرانهم، وكان فقيها
أديبا متكلما، خرجت له الفوائد من سماعاته، وقيل: إنه وضع له في المجلس
أكثر من خمسمائة محبرة، وجمع رئاسة الدّنيا والآخرة، وأخذ عنه فقهاء
نيسابور، وتوفي في المحرم.
قال عبد الواحد اللّخمي: أصاب سهل الصعلوكي رمد [2] فكان الناس يدخلون
عليه وينشدونه من النظم ويروون من الآثار ما جرت العادة به، فدخل الشيخ
أبو عبد الرحمن السّلمي وقال: أيها الإمام، لو أن عينيك رأتا وجهك لما
[3] رمدت فقال له الشيخ سهل: ما سمعت بأحسن من هذا الكلام، وسرّ به.
ولما مات والده، كتب إليه أبو النضر عبد الجبّار يعزّيه في والده رحمه
الله تعالى:
من مبلغ شيخ أهل العلم قاطبة ... عني رسالة محزون وأوّاه
أولى البرايا بحسن الصّبر ممتحنا ... من كان فتياه توقيعا عن الله
انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
وقال ابن القاضي شبهة [4] : نقل عنه الرافعي وعن والده أنهما قالا: إن
طلاق السكران لا يقع.
وسئل سهل عن الشطرنج فقال: إذا سلم المال من الخسران والصلاة من [5]
النسيان، فذلك أنس بين الإخوان، وكتبه سهل بن محمد بن سليمان.
وله ألفاظ حسنة منها: من تصدّر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن مسطور» وفي «وفيات الأعيان» : «ابن مطر» وهو
ما أثبته.
[2] في «آ» : «رمدا» وهو خطأ.
[3] في «وفيات الأعيان» : «ما» .
[4] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 174- 175) طبع حيدر
أباد.
[5] في «آ» : «عن» .
(5/27)
وقوله: إنما يحتاج إلى إخوان العشرة لزمان
العسرة. انتهى ملخصا أيضا.
وفيها أبو الفرج النّهرواني، مقرئ بغداد، عبد الملك بن بكران [1] .
أخذ القراءة عن زيد بن أبي بلال، وعبد الواحد بن أبي هاشم وطائفة، وسمع
من أبي بكر النّجاد وجماعة، وصنّف في القراءات، وتصدر مدة. قاله في
«العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (3/ 90) و «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 371) .
(5/28)
سنة خمس وأربعمائة
فيها منع الحاكم بمصر النساء من الخروج من بيوتهنّ أبدا، ومن دخول
الحمامات، وأبطل صنعة الخفاف لهنّ، وقتل عدة نسوة خالفن أمره، وغرّق
جماعة من العجائز.
وفيها توفي أبو الحسن العبقسيّ- نسبة إلى عبد القيس- أحمد بن إبراهيم
بن أحمد بن فراس المكي العطار [1] ، مسند الحجاز في وقته، وله ثلاث
وتسعون سنة، تفرّد بالسماع عن محمد بن إبراهيم الدّيبلي وغيره.
وفيها- كما قال ابن الجوزي في «شذور العقود» - بدر بن حسنويه [2]
الكردي من أمراء الجبل، لقّبه القادر ناصر الدولة. وعقد له لواء، وكان
يبرّ العلماء، والزهاد، والأيتام، وكان يتصدق كل جمعة بعشرة آلاف درهم،
ويصرف إلى الأساكفة والحذّائين بين همذان وبغداد، ليقيموا للمنقطعين من
الحاج الأحذية ثلاثة آلاف دينار، ويصرف إلى أكفان الموتى كل شهر عشرين
ألف درهم، واستحدث في أعماله ثلاثة آلاف مسجد وخان للغرباء، وكان ينقل
للحرمين كل سنة مصالح الطريق مائة ألف دينار، ثم يرتفع إلى خزانته بعد
المؤن والصدقات عشرون ألف ألف درهم. انتهى.
__________
[1] انظر «العبر» (3/ 91) و «الأنساب» (8/ 370) .
[2] في «آ» : «ابن خشنويه» وانظر «المنتظم» (7/ 271- 272) و «البداية
والنهاية» (11/ 353) .
(5/29)
وفيها بكر بن شاذان أبو القاسم البغدادي
[1] الواعظ الزاهد. قرأ على زيد بن أبي بلال الكوفي وجماعة، وحدّث عن
ابن قانع وجماعة.
قال الخطيب: كان عبدا صالحا. توفي في شوال.
قال الذهبي: وقرأ عليه جماعة.
وفيها أبو علي بن حمكان، الحسن بن الحسين بن حمكان [2]- بحاء مهملة
بعدها ميم مفتوحتان وكاف- الهمذاني الفقيه الشافعي، نزيل بغداد.
روى عن عبد الرحمن بن حمدان الجلّاب، وجعفر الخلدي وطبقتهما، وعني
بالحديث والفقه.
قال ابن قاضي شهبة [3] : روي عنه أنه قال: كتبت بالبصرة عن أربعمائة
وسبعين شيخا، وروى عنه أبو القاسم الأزهري، وكان يضعّفه ويقول: ليس
بشيء في الحديث.
قال ابن كثير: له كتاب في مناقب الشافعي، ذكر فيه مذاهب كثيرة، وأشياء
تفرد بها، وكنت قد كتبت منه شيئا في ترجمة الإمام، فلما قرأتها على
شيخنا [الحافظ] أبي الحجّاج المزّي، أمرني أن أضرب على أكثرها لضعف ابن
حمكان. انتهى.
وفيها أبو الحسن المجبّر، أحمد بن محمد بن موسى بن القاسم بن الصّلت
البغدادي [4] روى عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، وأبي بكر بن
الأنباري، وجماعة كثيرة. ضعّفه البرقاني وغيره، وتوفي في رجب وله إحدى
وتسعون سنة.
__________
[1] انظر «تاريخ بغداد» (7/ 96- 97) و «العبر» (3/ 92) .
[2] انظر «العبر» (3/ 91) .
[3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 167- 168) وما بين
حاصرتين مستدرك منه.
[4] انظر «العبر» (3/ 91- 92) .
(5/30)
وفيها أبو محمد بن الأكفاني [1] ، قاضي
القضاة، عبد الله بن محمد الأسدي البغدادي. حدّث عن المحاملي، وابن
عقدة، وخلق.
قال أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري: من قال إن أحدا أنفق على أهل
العلم مثله فقد كذب، أنفق على أهل العلم مائة ألف دينار.
وقال الذهبي: ولي قضاء العراق سنة ست وتسعين، وعاش تسعا وثمانين سنة.
وفيها الإدريسي الحافظ، أبو سعد عبد الرّحمن بن محمد بن محمد
الاستراباذي [2] ، نزيل سمرقند ومحدّثها ومؤرخها. سمع الأصمّ فمن بعده،
وألّف الأبواب والشيوخ.
وقال ابن ناصر الدّين: هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبد الله [بن
إدريس] بن الحسن بن متّويه [3] أبو سعد الأستراباذي، محدّث سمرقند،
ومصنّف تاريخها وتاريخ بلده، كان حافظا، متقنا، راسخا، مؤلّف. انتهى.
وفيها أبو علي الحسن بن أحمد بن محمد بن اللّيث أبو علي الشيرازي الكشي
[4] المقرئ الفقيه الشافعي. كان حافظا ناقدا. قاله ابن ناصر الدّين.
وفيها أبو نصر بن نباتة التميمي السعدي [5] عبد العزيز بن عمر بن محمد
بن أحمد بن نباتة بن حميد بن نباتة بن الحجّاج بن مطر بن خالد بن
__________
[1] انظر «العبر» (3/ 92) .
[2] انظر «العبر» (3/ 92) و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر
الدّين (141/ آ) وما بين حاصرتين زيادة منه. وانظر «الأنساب» (1/ 160)
.
[3] في «آ» : «ابن منربه» وفي «ط» : «ابن منوبه» وكلاهما خطأ، والتصحيح
من «التبيان شرح بديعة البيان» و «الأنساب» و «تاريخ بغداد» (10/ 302)
.
[4] انظر «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (141/ ب) وقد
نقل المؤلف عنه بتصرّف واختصار، وانظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/
91) .
[5] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 190- 193) و «العبر» (3/ 93) .
(5/31)
عمرو بن رباح بن سعد. كان شاعرا مجيدا جمع
بين حسن السبك وجودة المعنى، وكان يعاب بكبر فيه، طاف البلاد ومدح
الملوك، والوزراء، والرؤساء، وله في سيف الدولة غرر [1] القصائد ونخب
المدائح، وكان قد أعطاه فرسا أدهم أغر محجّلا، فكتب إليه:
يا أيّها الملك الذي أخلاقه ... من خلقه ورواؤه من رائه
قد جاء بالطرف الذي أهديته ... هاديه يعقد أرضه بسمائه
أولاية أوليتها فبعثته ... رمحا سبيب [2] العرف عقد لوائه
نحتل [3] منه على أغرّ محجّل ... ماء الدّجنة قطرة من مائه
وكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتصّ منه فخاض في أحشائه
متمهلا والبرق في أسمائه ... متبرقعا والحسن من أكفائه
ما كانت النيران يكمن حرّها ... لو كان للنيران بعض ذكائه
لا تعلق الألحاظ في أعطافه ... إلّا إذا كفكفت من غلوائه
لا يكمل الطّرف المحاسن كلها ... حتّى يكون الطّرف من أسرائه
وله فيه أيضا من قصيدة:
قد جدت لي باللها حتّى ضجرت بها ... وكدت من ضجري أثني على البخل
إن كنت ترغب في أخذ النّوال لنا ... فاخلق لنا رغبة أو لا فلا تنل
لم يبق جودك لي شيئا أؤمّله ... تركتني أصحب الدّنيا بلا أمل
ومعظم شعره جيد، وله «ديوان» كبير، وجرى له مع ابن العميد أشياء تقدّم
ذكر شيء منها في ترجمته [4] وتوفي يوم الأحد بعد طلوع الشمس، ثالث
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «غرّ» .
[2] السبيب من الفرس: شعر الذنب والعرف والناصية. (ع) .
[3] في «آ» : «نحلّ» .
[4] انظر ص (313- 316) من المجلد الرابع.
(5/32)
شوال، ودفن في مقبرة الخيزران ببغداد.
وقال أبو الحسن محمد بن نصر البغدادي: عدت ابن نباتة في اليوم الذي
توفي فيه، فأنشدني:
متّع لحاظك من خلّ تودّعه ... فما إخالك بعد اليوم بالوادي
وودعته وانصرفت، فأخبرت في طريقي أنه توفي.
وقال أبو علي محمد بن وشاح: سمعت ابن نباتة يقول: كنت يوما قائلا [1]
في دهليزي، فدقّ عليّ الباب، فقلت: من؟ فقال: رجل من أهل المشرق [2] ،
فقلت: ما حاجتك؟ فقال: أنت القائل:
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره ... تنوّعت الأسباب والدّاء واحد
فقلت: نعم، فقال: أرويه عنك؟ فقلت: نعم، فمضى، فلما كان آخر النهار دقّ
عليّ الباب، فقلت: من؟ فقال: رجل من أهل تاهرت من المغرب، فقلت: ما
حاجتك؟ فقال: أنت القائل:
ومن لم يمت بالسيف
فقلت: نعم، [فقال: أرويه عنك؟ فقلت: نعم] [3] ، وعجبت كيف وصل شعري [4]
إلى الشرق والغرب.
وفيها أبو عبد الله الحاكم، محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه [5] بن
نعيم بن البيّع الضّبّي الطّهماني النيسابوري [6] الحافظ الكبير.
__________
[1] أي نائما وقت القيلولة.
[2] في «آ» و «ط» : «الشرق» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[3] تكملة من «وفيات الأعيان» .
[4] لفظة «شعري» سقطت من «وفيات الأعيان» فتستدرك فيه.
[5] تحرّف في «آ» و «ط» إلى: «حمدون» والتصحيح من «العبر» و «السير» .
[6] انظر «العبر» (3/ 94) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 162- 177) .
(5/33)
ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، واعتنى به
أبوه، فسمّعه [1] في صغره، ثم [سمع] هو بنفسه، وكتب عن نحو ألفي شيخ،
وحدّث عن الأصمّ، وعثمان بن السّمّاك وطبقتهما، وقرأ القراءات على
جماعة، وبرع في معرفة الحديث وفنونه، وصنّف التصانيف الكثيرة، وانتهت
إليه رئاسة الفن بخراسان لا بل الدّنيا، وكان فيه تشيّع وحطّ على
معاوية، وهو ثقة حجّة. قاله في «العبر» .
وقال ابن ناصر الدّين [2] : له مصنفات كثيرة، منها «المستدرك على
الصحيحين» وهو صدوق من الإثبات، لكن فيه تشيّع، ويصحح [3] واهيات.
انتهى.
وقال ابن قاضي شهبة [4] : طلب العلم في صغره، وأول سماعه سنة ثلاثين،
ورحل في طلب الحديث، وسمع على شيوخ يزيدون على ألفيّ شيخ، وتفقه على
ابن أبي هريرة، وأبي سهل الصّعلوكي، وغيرهم. أخذ عنه الحافظ أبو بكر
البيهقي فأكثر عنه، وبكتبه تفقّه وتخرّج، ومن بحره استمدّ، وعلى منواله
مشى، وبلغت تصانيفه [قريبا من خمسمائة جزء، وقيل: ألف جزء، وقيل:] ألف
وخمسمائة جزء.
قال الخطيب البغدادي [5] : كان ثقة. وكان يميل إلى التّشيّع.
قال الذهبي: هو معظّم للشيخين [6] بيقين، ولذي النّورين، وإنما تكلم في
معاوية فأوذي. قال: وفي «المستدرك» وجملة وافرة على شرطهما [7] ،
__________
[1] في «آ» و «العبر» : «فسمّع» .
[2] انظر «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (141/ ب) وقد
نقل المؤلف كلامه باختصار وتصرّف.
[3] في «آ» و «ط» : و «تصحيح» والتصويب من «التبيان» لابن ناصر الدّين.
[4] في «طبقات الشافعية» (1/ 189- 190) ، وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[5] انظر «تاريخ بغداد» (5/ 473- 474) .
[6] يعني لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما.
[7] يعني على شرطّي البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى.
(5/34)
وجملة وافرة على شرط أحدهما، لكن [1] مجموع
ذلك نصف الكتاب، وفيه نحو الربع مما صحّ سنده، وفيه بعض الشيء معلل،
وما بقي- وهو الربع- مناكير وواهيات لا تصحّ. وفي ذلك بعض موضوعات، قد
أعلمت [2] عليها لما اختصرته. توفي فجاءة بعد خروجه من الحمام في صفر.
وقد أطنب عبد الغافر [3] في مدحه، وذكر فضائله وفوائده ومحاسنه إلى أن
قال: مضى إلى رحمة الله ولم يخلّف بعده مثله، وقد ترجمه الحافظ أبو
موسى المديني في مصنّف مفرد. انتهى كلام ابن شهبة ملخصا.
وقال ابن خلّكان [4] : والبيّع: بفتح الباء الموحدة وكسر الياء المثناة
من تحتها وتشديدها، وبعدها عين مهملة، وإنما عرف بالحاكم لتقلده [5]
القضاء. انتهى.
وفيها ابن كجّ القاضي أبو القاسم يوسف بن أحمد بن كج- بفتح الكاف
وتشديد الجيم، وهو في اللغة اسم للجص الذي يبيّض به الحيطان- الكجّي،
نسبة إلى جدّه هذا- الدّينوري [6] صاحب الإمام أبي الحسين بن القطّان،
وحضر مجلس الدّاركي، ومجلس القاضي أبي حامد المروزي.
انتهت إليه الرئاسة ببلده في المذهب، ورحل الناس إليه رغبة في علمه
وجوده، وكان يضرب به المثل في حفظ المذهب.
وحكى السمعاني: أن الشيخ أبا علي السّنجي [7] [لما] انصرف من
__________
[1] في «طبقات ابن قاضي شهبة» : «لعل» .
[2] في «آ» و «ط» : «قد علمت» وما أثبته من «طبقات ابن قاضي شهبة» .
[3] هو عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر
الفارسي النيسابوري الشافعي، المتوفى سنة (529 هـ-) سترد ترجمته في
المجلد السادس إن شاء الله تعالى.
[4] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 281) .
[5] في «آ» و «ط» : «لتقليده» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[6] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 340- 341) و «العبر» (3/ 94) .
[7] في «آ» : «البنجي» وفي «ط» : «السبخي» وكلاهما خطأ، والتصحيح من
«طبقات الشافعية»
(5/35)
عند الشيخ أبي حامد واجتاز به، فرأى علمه
وفضله، فقال له: يا أستاذ، الاسم لأبي حامد، والعلم لك، فقال: ذاك [1]
رفعته بغداد، وحطّتني الدّينور.
قتله العيارون ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، وكان يضرب به المثل
في حفظ مذهب الشافعي، وكان أيضا محتشما جوادا ممدّحا، وهو صاحب وجه،
ومن تصانيفه «التجريد» . قال في «المهمات» : وهو مطول، وقد وقف عليه
الرافعي.
__________
للإسنوي (2/ 341) وانظر ترجمته فيه (2/ 28- 29) وما بين حاصرتين مستدرك
منه.
[1] لفظة «ذاك» لم ترد في «طبقات الشافعية» للإسنوي.
(5/36)
|