شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وثمانين وأربعمائة
فيها توفي حمد بن أحمد بن الحسن أبو الفضل الأصبهاني الحداد.
روى ببغداد وأصبهان عن علي بن ماشاذه وطائفة، وروى «الحلية» ببغداد، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها الملنجي- بالكسر نسبة إلى ملنجة بلد بأصبهان- سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان الأصبهاني الحافظ.
قال السمعاني: جمع، وصنّف، وخرّج على «الصحيحين» ، وروى عن محمد بن إبراهيم الجرجاني، وأبي بكر بن مردويه، وخلق، ولقي ببغداد أبا بكر المنقّي وطبقته، وتكلم فيه ابن مندة، وهو مقبول لأنه قد قبله عدّة.
وقال ابن ناصر الدّين في «بديعته» :
الأصبهاني ذا الملنجي المكثر ... تكلّموا فيه وقوّى الأكثر
وتوفي في ذي القعدة، عن تسع وثمانين سنة وشهرين.
وفيها أبو الفضل الدّقّاق عبد الله بن علي بن أحمد بن محمد بن زكري [1] البغدادي الكاتب. روى عن [أبي] الحسين بن بشران، وغيره، وكان صالحا، ثقة.
__________
[1] تحرّفت في «العبر» (3/ 314) إلى «ذكرى» فتصحح فيه، ولفظة «أبي» مستدركة منه.

(5/368)


وفيها الشيخ أبو الفرج الشيرازي الحنبلي، عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الشيرازي، ثم المقدسي، ثم الدمشقي، الفقيه الزاهد الأنصاري السّعدي العبّاسي الخزرجي، شيخ الشام في وقته، الواعظ الفقيه القدوة. سمع بدمشق من أبي الحسن بن السمسار، وأبي عثمان الصابوني، وتفقه ببغداد زمانا على القاضي أبي يعلى، ونشر بالشام مذهب أحمد، وتخرّج به الأصحاب، وكان إماما عارفا بالفقه والأصول، صاحب حال وعبادة وتألّه، وكان تتش صاحب الشام يعظّمه لأنه كاشفه مرّة، وذلك أنه دعاه أخوه السلطان وهو ببغداد، فرعب وسأل أبا الفرج الدعاء له، فقال له: لا تراه ولا تجتمع به، فقال له تتش: هو مقيم ببغداد ولا بدّ من المصير إليه، فقال له: لا تراه، فعجب من ذلك، وبلغ هيت، فجاءه الخبر بوفاة السلطان ببغداد، فعاد إلى دمشق، وزادت حشمة أبي الفرج عنده، ومنزلته لديه.
قال ابن رجب [1] : وكان أبو الفرج ناصرا لاعتقادنا، متجردا في نشره، مبطلا لتأويلات أخبار الصفات، وله تصنيف في الفقه، والوعظ، والأصول، ومات في مجلس وعظه شخص لوقع وعظه في القلوب ولإخلاصه.
وقال أبو يعلى بن القلانسي في «تاريخه» [2] : كان وافر العلم، متين الدين، حسن المواعظ، محمود السمت، توفي يوم الأحد ثامن عشري ذي الحجة بدمشق، ودفن بمقبرة الباب الصغير وقبره مشهور يزار، وله ذرية فيهم كثير من العلماء يعرفون ببيت ابن الحنبلي.
وفيها أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن محمد بن فهد العلّاف البغدادي، الرجل الصالح. روى عن أبي الفتح بن أبي الفوارس، وأبي الفرج الغوري، وبه ختم حديثهما، وكان ثقة، مأمونا، خيّرا.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 70) .
[2] انظر «تاريخ دمشق» لابن القلانسي ص (206) بتحقيق الدكتور سهيل زكّار، وعنده «حسن الوعظ» .

(5/369)


وفيها شيخ الإسلام الهكّاري، أبو الحسن علي بن أحمد بن يوسف الأموي من ذرية عتبة بن أبي سفيان بن حرب، وكان زاهدا، عابدا، ربانيا، ذا وقار وهيبة وأتباع ومريدين. رحل في الحديث، وسمع ابن نظيف الفراء، وأبا القاسم بن بشران [وطائفة] .
قال ابن ناصر: توفي في أول السنة.
وقال ابن عساكر: لم يكن موثقا في روايته.
وقال الذهبي [1] : ولد سنة تسع وأربعمائة.
وفيها أبو الحسن الأنباري، علي بن محمد بن محمد بن الأخضر الخطيب، في شوال، عن أربع وتسعين سنة. وكان آخر من حدّث عن أبي أحمد الفرضي، وسمع أيضا من أبي عمر بن مهدي وطائفة، وتفقه لأبي حنيفة، وكان ثقة، نبيلا، عالي الإسناد.
وفيها أبو المظفّر موسى بن عمران الأنصاري النيسابوري، مسند خراسان، في ربيع الأول، وله ثمان وتسعون سنة. روى عن أبي الحسن العلوي، والحاكم، وكان من كبار الصوفية.
وفيها أبو الفتح نصر بن الحسن السّكشي- بكسر السين المهملة والكاف، ومعجمة، نسبة إلى سكة سكش بنيسابور [2]- الشاشي، نزيل سمرقند، وله ثمانون سنة. روى «صحيح مسلم» عن عبد الغافر، وسمع بمصر من الطفّال وجماعة، ودخل الأندلس للتجارة، فحدّث بها، وكان ثقة.
__________
[1] انظر «العبر» (3/ 314- 315) وقد نقل المؤلف الترجمة بكاملها عنه وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[2] تنبيه: كذا قال المؤلف وهو خطأ، إنما هو «التّنكنتي» نسبة إلى تنكت، وهي مدينة من مدن الشاش من وراء نهر جيحون. انظر «الأنساب» (3/ 88) و «معجم البلدان» (2/ 50) وقد ضبطها ياقوت بضم الكاف، و «العبر» (3/ 316) .

(5/370)


وفيها هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي، أبو القاسم، الحافظ، محدّث جوّال. سمع بخراسان، والعراق، وفارس، واليمن، ومصر، والشام، وحدّث عن أحمد بن عبد الباقي بن طوق، وأبي جعفر بن المسلمة، وطبقتهما، ومات كهلا، وكان صوفيا، صالحا، متقشفا.

(5/371)


سنة سبع وثمانين وأربعمائة
فيها توفي أبو بكر بن خلف الشيرازي ثم النيسابوري، مسند خراسان، أحمد بن علي بن عبد الله [بن عمر بن خلف] [1] . روى عن الحاكم، وعبد الله بن يوسف، وطائفة.
قال عبد الغافر: هو شيخنا الأديب المحدّث المتقن، الصحيح السماع، ما رأينا شيخا أورع منه، ولا أشدّ إتقانا، توفي في ربيع الأول، وقد نيّف على التسعين.
وفيها آق سنقر، قسيم الدولة أبو الفتح، مولى ملكشاه السلطان، وقيل: هو لصيق به، وقيل: اسم أبيه الترعان لما افتتح ملكشاه حلب، استناب عليها آق سنقر في سنة ثمانين وأربعمائة، فأحسن السياسة وضبط الأمور، وتتبّع المفسدين، حتّى صار دخله كل يوم ألفا وخمسمائة دينار.
أسر [2] في المصاف ثم قتل، ذبحه تتش صبرا، ودفن هناك، ثم نقله ولده الأتابك زنكي، فدفنه بالمدرسة الزجاجية داخل حلب.
وفيها أبو نصر، الحسن بن أسد الفارقي الأديب، صاحب النظم والنثر، وله الكتاب المعروف في الألغاز، توثّب بميّافارقين على الإمرة،
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[2] تحرّفت في «ط» إلى «رأس» وانظر «العبر» (3/ 318) .

(5/372)


ونزل بقصر الإمارة، وحكم أياما، ثم ضعف وهرب، ثم قبض عليه وشنق.
وفيها المقتدي بالله أبو القاسم عبد الله بن الأمير ذخيرة الدّين محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر العبّاسي، بويع بالخلافة بعد جدّه في ثالث عشر شعبان، سنة سبع وستين، وله تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر.
قال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [1] : مات أبوه في حياة القائم- وهو حمل- فولد بعد وفاة أبيه بستة أشهر، وأمه أم ولد اسمها أرجوان.
وبويع له بالخلافة عند موت جدّه، وكانت البيعة بحضرة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وابن الصباغ، والدّامغاني، وظهر في أيامه خيرات كثيرة، وآثار حسنة في البلدان.
وكانت قواعد الخلافة في أيامه باهرة وافرة الحرمة، بخلاف من تقدمه.
ومن محاسنه أنه نفى المغنيات والحواظي [2] ببغداد، وأمر أن لا يدخل أحد الحمّام إلّا بمئزر، وخرّب أبراج الحمام صيانة لحرم الناس.
وكان ديّنا، خيّرا، قوي النفس، عالي الهمّة، من نجباء بني العبّاس.
انتهى.
ومات فجأة في ثامن عشر المحرم، عن تسع وثلاثين سنة، وبويع بعده ابنه المستظهر بالله أحمد، وقيل: إن جاريته [3] سمّته.
وقال ابن الجوزي: في «الشذور» : توفي المقتدي، وكان أصحّ
__________
[1] انظر «تاريخ الخلفاء» ص (423) .
[2] في «تاريخ الخلفاء» : «والخواطي» .
[3] في «آ» : «جارته» .

(5/373)


ما كان، بينما هو جالس، قال لقهرمانته: من هؤلاء الأشخاص الذين قد دخلوا علينا بلا إذن، فالتفتت فلم تر أحدا، فسقط إلى الأرض ميتا.
وفيها الحسن بن عبد الملك بن الحسين بن علي بن موسى بن عمران بن إسرافيل النّسفي الحافظ. حصّل العالي من الإسناد. قاله ابن ناصر الدّين [1] .
وفيها أبو القاسم بن أبي العلاء المصّيصي علي بن محمد بن علي بن أحمد.
قال الإسنوي [2] : كان فقيها، فرضيا، تفقه على القاضي أبي الطيب، وروى الحديث عن جماعة بمصر، والشام، والعراق، واستوطن دمشق، ومات بها، وروى عنه جماعة.
وأصله من المصّيصة، وولد بمصر في رجب سنة أربع وأربعمائة، ومات في جمادى الآخرة، ودفن بمقابر باب الفراديس.
قال الذهبي [3] : كان فقيها ثقة.
وفيها ابن ماكولا، الحافظ الكبير، الإمام أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن علي بن محمد بن دلف بن الأمير الجواد أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي، الأمير سعد الملك أبو نصر بن ماكولا، أصله من جرباذقان من نواحي أصبهان، فهو الجرباذقاني ثم البغدادي، النسّابة، صاحب التصانيف، ولم يكن ببغداد بعد الخطيب أحفظ منه. ولد بعكبرا سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وزر أبوه للقائم بأمر الله، وتولى عمه [أبو] عبد الله [الحسين] [4] قضاء القضاة.
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (155/ آ) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 412- 413) .
[3] انظر «العبر» (3/ 319) .
[4] في «آ» و «ط» : «وتولى عمّه عبد الله» وفي «العبر» : «وتولى عمه الحسين» وكلاهما خطأ،

(5/374)


وسمع هو من أبي طالب بن غيلان وطبقته.
قال الحميدي: ما راجعت الخطيب في شيء إلّا وأحالني على الكتاب، وقال: حتّى أكشفه، وما راجعت ابن ماكولا إلّا وأجابني حفظا، كأنه يقرأ من كتاب.
وقال أبو سعد السمعاني [1] : كان لبيبا، عارفا، ونحويا مجوّدا، وشاعرا مبرّزا.
وقال الذهبي [2] : اختلف في وفاته على أقوال.
وقال ابن خلّكان [3] : للأمير أبي نصر المذكور كتاب «الإكمال» وهو في غاية الإفادة في رفع الالتباس والضبط والتقييد، وعليه اعتماد المحدّثين وأرباب هذا الشأن، فإنه لم يوضع مثله- أبي في المؤتلف والمختلف ومشتبه النسب- وهو في غاية الإحسان. وما يحتاج الأمير المذكور مع هذا الكتاب إلى فضيلة أخرى، ففيه دلالة على كثرة اطّلاعه وضبطه وإتقانه.
ومن الشعر المنسوب إليه:
قوّض خيامك عن أرض [4] تهان بها ... وجانب الذّلّ إنّ الذّلّ يجتنب [5]
وارحل إذا كان في الأوطان منقصة [6] ... فالمندل [7] الرّطب في أوطانه حطب
__________
[ (-) ] والتصحيح من «وفيات الأعيان» (3/ 305) .
[1] في «آ» و «ط» : «ابن سعد السمعاني» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 319) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 575) ونص النقل عنده أطول مما في كتابنا و «العبر» فراجعه.
[2] في «العبر» (3/ 320) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 305) .
[4] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» مصدر المؤلّف، وفي «سير أعلام النبلاء» (18/ 577) :
«عن دار» .
[5] في «سير أعلام النبلاء» : «مجتنب» .
[6] في «سير أعلام النبلاء» : «مضيعة» .
[7] جاء في «لسان العرب» (ندل) : المندل: العود الرّطب. وانظر تتمة كلامه فهو مفيد.

(5/375)


وكانت ولادته في عكبرا، في خامس شعبان، سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وقتله غلمانه بجرجان، وقيل: بخوزستان، وقيل: بالأهواز.
قال الحميدي: خرج إلى خراسان ومعه غلمان له ترك، فقتلوه بجرجان وأخذوا ماله وهربوا، وطاح دمه هدرا، رحمه الله.
وفيها أبو عامر الأزدي، القاضي، محمود بن القاسم بن القاضي أبي منصور محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد المهلّبي الهروي، الفقيه الشافعي، راوي «جامع الترمذي» عن الجراحي.
قال أبو نصر الفامي: هو عديم النظير زهدا، وصلاحا، وعفة.
ولد سنة أربعمائة وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها المستنصر بالله، أبو تميم معد بن الظاهر علي بن الحاكم بأمر الله [1] منصور بن العزيز بن المعزّ العبيدي الرافضي، صاحب مصر، وكانت أيامه ستين سنة [وأربعة أشهر، وقد خطب له ببغداد في سنة إحدى وخمسين، ومات في ذي الحجة عن ثمان وستين سنة] [2] وبويع بعده ابنه المستعلي. قاله في «العبر» [3] .
وقال ابن خلّكان [4] : اتفق للمستنصر هذا أمور لم تتفق لغيره، وسردها. منها: أنه أقام في الأمر ستين سنة، وهذا شيء لم يبلغه أحد من أهل بيته، ولا من بني العبّاس.
ومنها: أنه ولي وهو ابن سبع سنين.
__________
[1] قوله: «بأمر الله» لم يرد في «العبر» .
[2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» .
[3] (3/ 320) .
[4] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 229) .

(5/376)


ومنها: أنه حدث في أيامه الغلاء العظيم، الذي ما عهد مثله منذ زمان يوسف عليه السلام، وأقام سبع سنين، وأكل الناس بعضهم بعضا.
وكانت ولادته صبيحة يوم الثلاثاء سابع عشر [جمادى الآخرة سنة عشرين وأربعمائة، وتوفي في ليلة الخميس ثامن عشر] [1] ذي الحجة، وهذه الليلة تسمى عيد الغدير، أعني غدير خمّ- بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم، اسم مكان بين مكّة والمدينة- فيه غدير ماء، يقال: إنه غيض [2] هناك، فلما رجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من حجّة الوداع، ووصل إلى هذا المكان وآخى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «عليّ مني كهارون من موسى» [3] «اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله» [3] وللشيعة فيه تعلّق كبير، وهذا المكان موصوف بكثرة الوخامة وشدة الحمى. انتهى ملخصا.
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[2] في «وفيات الأعيان» : «غيضة» .
[3] هذا الحديث ملفق من حديثين أما الشطر الأول منه فقد ذكره صاحب «كنز العمال» (11/ 603) وعزاه لأبي بكر المطيري في «جزئه» من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ولفظه عنده: «علي منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنه لا نبيّ بعدي» .
وأما الشطر الثاني فقد ذكره بهذا السياق الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (5/ 211) وقال: قال عبد الله بن أحمد: حدّثنا أحمد بن عمير الوكيعي، ثنا زيد بن الحباب، ثنا الوليد بن عقبة بن ضرار القيسي، أنبأنا سماك، عن عبيد بن الوليد القيسي قال:
دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى فحدّثني أنه شهد عليا في الرحبة قال: أنشد بالله رجلا سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشهده يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم إلا من قد رآه، فقام اثنا عشر رجلا، فقالوا: قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول ... وذكر الحديث بتمامه كما في كتابنا.
وذكره الحافظ ابن كثير أيضا في «البداية والنهاية» (5/ 209- 214) بألفاظ عدّة وصيغ مختلفة، فراجعه.
وذكره الحاكم في «المستدرك» (3/ 109) مختصرا من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه، وقال: هذا الحديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله، وسكت عنه الذهبي.

(5/377)


ويقال: إنه صلّى الله عليه وسلّم لما قدم المدينة توخمت على أصحابه، فإنها كانت من أكثر بلاد الله تعالى حمّى، فأمر صلّى الله عليه وسلّم الحمّى أن تخرج من المدينة إلى خم، وحتّى يقال: إن أكثر أهل خم لم يتجاوزوا الحلم لكثرة الحمّى بها، وحتّى إنه قلّ من يمرّ بها ولا يحمّ.

(5/378)


سنة ثمان وثمانين وأربعمائة
فيها قدم الإمام الغزالي دمشق متزهدا، وصنّف «الإحياء» وأسمعه بدمشق، وأقام بها سنتين، ثم حج وردّ إلى وطنه.
وفيها توفي أبو الفضل، أحمد بن الحسن بن خيرون البغدادي الحافظ، في رجب، عن اثنتين وثمانين سنة وشهر. روى عن أبي علي بن شاذان، والبرقاني، وطبقتهما، وكتب ما لا يوصف، وكان ثقة، ثبتا، صاحب حديث.
قال أبو منصور بن خيرون: كتب عمي عن أبي علي بن شاذان ألف جزء.
وقال السّلفي: كان يحيى بن معين وقته، رحمه الله.
وفيها أمير الجيوش بدر الأرمني، ولي إمرة دمشق في سنة خمس وخمسين وأربعمائة، وانفصل بعد عام، ثم وليها والشام كلّه في سنة ثمان وخمسين، ثم سار إلى الدّيار المصرية والمستنصر في غاية الضعف، فشيّد [1] دولته، وتصرّف في الممالك، وولي وزارة السيف والقلم، وامتدّت أيامه، ولما أيس منه، ولي الأمر بعده ابنه الأفضل، وتوفي في ذي القعدة.
__________
[1] في «العبر» : «فشدّ» .

(5/379)


وفيها تتش، السلطان تاج الدولة أبو سعيد بن السلطان ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق التّركي السّلجوقي. كان شهما، شجاعا، مقداما، فاتكا، واسع الممالك، كاد أن يستولي على ممالك أخيه ملكشاه، قتل بنواحي الرّيّ، وتملّك بعده ابناه، بحلب ودمشق.
وفيها رزق الله بن عبد الوهّاب بن عبد العزيز بن الحارث الإمام أبو محمد التميمي البغدادي، الفقيه الواعظ، شيخ الحنابلة. قرأ القرآن على أبي الحسن الحمّامي، وتقدم في الفقه، والأصول، والتفسير، والعربية، واللغة، وحدّث عن أبي الحسين بن المتيّم، وأبي عمر بن مهدي، والكبار. وتوفي في نصف جمادى الأولى عن ثمان وثمانين سنة.
قال أبو علي بن سكرة: قرأت عليه ختمة لقالون، وكان كبير بغداد وجليلها، وكان يقول: كل الطوائف تدّعيني. قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن عقيل: في «فنونه» : ومن كبار مشايخي أبو محمد التميمي، شيخ زمانه، كان حسنة العالم، وماشطة بغداد. وقال: كان سيد الجماعة من [2] أصحاب أحمد بيتا، ورئاسة، وحشمة، أبو محمد التميمي، وكان أحلى الناس عبارة في النظر، وأجرأهم قلما في الفتيا، وأحسنهم وعظا.
وفيها يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن سطور العكبري البرزبيني- بفتح الباء الموحدة أوله، والزاي ثالثة، ثم باء موحدة مكسورة، وتحتية، نسبة إلى برزبين، قرية ببغداد- القاضي أبو علي، قاضي باب الأزج. قدم بغداد بعد الثلاثين والأربعمائة، وسمع الحديث من أبي إسحاق البرمكي، وتفقه، على القاضي أبي يعلى، حتّى برع في الفقه، ودرّس في حياته، وشهد عند الدّامغاني، هو والشريف أبو جعفر في يوم واحد، سنة ثلاث
__________
[1] (3/ 322- 323) .
[2] لفظة «من» لم ترد في «آ» وأثبتها من «ط» .

(5/380)


وخمسين، وزكّاهما شيخهما القاضي، وتولى يعقوب القضاء بباب الأزج، والشهادة سنة اثنتين وسبعين، ثم عزل نفسه عنهما، ثم عاد إليهما سنة ثمان وسبعين، واستمر إلى موته، وكان ذا معرفة تامة بأحكام القضاء وإنفاذ السجلات، متعففا في القضاء، متشددا في السّنّة.
وقال ابن عقيل: كان أعرف قضاة الوقت بأحكام القضاء والشروط، وله المقامات المشهودة بالديوان، حتّى يقال: إنه كعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة من الصحابة في معرفة الرأي.
وذكره ابن السمعاني [1] فقال: كانت له يد قوية في القرآن، والحديث، [والفقه] ، والمحاضرة. قرأ عليه عامة الحنابلة ببغداد، وانتفعوا به، وكان حسن السيرة جميل الطريقة.
وفيها أبو يوسف القزويني، عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار، شيخ المعتزلة وصاحب التفسير الكبير، الذي هو أزيد من ثلاثمائة مجلد. درس الكلام على القاضي عبد الجبّار بالرّيّ، وسمع منه، ومن أبي عمر بن مهدي الفارسي، وتنقل في البلاد، ودخل مصر، وكان صاحب كتب كثيرة، وذكاء مفرط، وتبحر في المعارف واطّلاع كثير، إلّا أنه كان داعية إلى الاعتزال. مات في ذي القعدة، وله خمس وتسعون سنة وأشهر.
وفيها أبو الحسن الحصري، المقرئ الشاعر، نزيل سبتة، علي بن عبد الغني الفهري، وكان مقرئا محقّقا وشاعرا مفلقا. مدح ملوكا ووزراء، وكان ضريرا.
قال ابن بسام في حقه [2] : كان بحر براعة، ورأس صناعة، وزعيم
__________
[1] انظر «الأنساب» (2/ 147) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[2] انظر «الذخيرة» (4/ 1/ 245- 246) .

(5/381)


جماعة، طرأ على جزيرة الأندلس، منتصف المائة الخامسة من الهجرة، بعد خراب وطنه من القيروان، والأدب يومئذ بأفقنا نافق السّوق، معمور الطريق، فتهادته ملوك طوائفها تهادي الرياض بالنّسيم، وتنافسوا فيه تنافس الديار في الأنس المقيم، على أنه كان فيما بلغني ضيق العطن، مشهور اللّسن، يتلفت إلى الهجاء تلفت الظمآن إلى الماء، ولكنه طوي على غرّه، واحتمل بين زمانته [1] وبعد قطره، ولما خلع ملوك الطوائف بأفقنا، اشتملت عليه مدينة طنجة، وقد ضاق [2] ذرعه، وتراجع طبعه.
وقال ابن خلّكان [3] : وهذا أبو الحسن- أي صاحب الترجمة- ابن خالة أبي إسحاق الحصري صاحب «زهر الآداب» .
وذكره ابن بشكوال في كتاب «الصلة» [4]- والحميدي [4] أيضا- وقال:
كان عالما بالقراءات وطرقها، وأقرأ الناس القرآن الكريم بسبتة وغيرها، وله قصيدة نظمها في قراءة نافع، عدد أبياتها مائتان وتسعة. وله ديوان شعر، فمن قصائده السائرة القصيدة التي أولها:
يا ليل الصّبّ متى غده ... أقيام السّاعة موعده
رقد السّمّار فأرّقه ... أسف للبين يردّده
وله أيضا:
أقول له وقد حيّا بكاس ... لها من مسك ريقته ختام
أمن خدّيك تعصر؟ قال: كلّا ... متى عصرت من الورد المدام؟
ولما كان بمدينة طنجة أرسل غلامه إلى المعتمد بن عباد صاحب
__________
[1] في «آ» و «ط» : «زمانية» والمثبت من «الذخيرة» و «وفيات الأعيان» .
[2] في «آ» و «ط» : «وقد ضاقت» والمثبت من «الذخيرة» و «الوفيات» .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 332) .
[4] انظر «الصلة» (2/ 432) و «جذوة المقتبس» ص (314) .

(5/382)


إشبيلية واسمها في بلادهم حمص، فأبطأ عنه وبلغه أن المعتمد ما احتفل به فقال:
نبّه الرّكب الهجوعا ... ولم الدّهر الفجوعا
حمص الجنّة قالت ... لغلامي لا رجوعا
رحم الله غلامي ... مات في الجنّة جوعا
وقد التزم في هذه الأبيات لزوم ما لا يلزم، رحمه الله تعالى.
وفيها المعتمد على الله، أبو القاسم محمد بن المعتضد عبّاد بن القاضي محمد بن إسماعيل اللّخمي الأندلسي، صاحب الأندلس. كان ملكا جليلا، وعالما ذكيا، وشاعرا محسنا، وبطلا شجاعا، وجوادا ممدّحا. كان بابه محطّ الرّحال، وكعبة الآمال، وشعره في الذروة العليا، ملك من الأندلس، من المدائن، والحصون، والمعاقل مائة وثلاثين سورا [1] ، وبقي في المملكة نيفا وعشرين سنة، وقبض عليه أمير المسلمين ابن تاشفين، لما قهره، وغلب على ممالكه، وسجنه بأغمات، حتّى مات في شوال بعد أربع سنين من زوال ملكه [2] ، وخلع من ملكه عن ثمانمائة سرّيّة، ومائة وسبعين ولدا [3] ، وكان راتبه في اليوم ثمانمائة رطل لحم. قاله جميعه في «العبر» [4] .
وقال ابن خلّكان [5] : جعل خواص الأمير يوسف بن تاشفين يعظّمون عنده بلاد الأندلس- لأنهم كانوا بمراكش، وهي بلاد بربر وأجلاف العربان- فجعلوا يحسّنون له أخذ الأندلس، ويوغرون [6] قلبه على المعتمد بأشياء
__________
[1] في «العبر» : «مسورا» .
[2] في «آ» و «ط» : «بعد أربع وستين سنة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» مصدر المؤلف.
[3] في «العبر» : «ومائة وثلاثة وسبعين ولدا» (ع) .
[4] (3/ 323- 324) .
[5] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 30) .
[6] تحرّفت في «وفيات الأعيان» إلى «ويغرون» فتصحح فيه. جاء في «لسان العرب» (وغر) :
وغر صدره عليه ... إذا امتلأ غيظا وحقدا.

(5/383)


نقلوها عنه، فتغير عليه وقصده، فلما انتهى إلى سبته، جهز إليه العساكر، وقدّم عليها سير [1] بن أبي بكر الأندلسي، فوصل إلى إشبيلية وبها المعتمد، فحاصره أشد محاصرة، وظهر من مصابرة المعتمد وشدة بأسه وتراميه على الموت بنفسه ما لم يسمع بمثله، والناس بالبلد قد استولى عليهم الفزع وخامرهم الجزع، يقطعون سبلها سياحة ويخوضون نهرها سباحة، ويترامون من شرفات الأسوار. فلما كان يوم الأحد عشري رجب سنة أربع وثمانين، هجم عسكر الأمير يوسف البلد وشنّوا فيه الغارات، ولم يتركوا لأحد شيئا، وخرج الناس من منازلهم يسترون عوراتهم بأيديهم، وقبض على المعتمد وأهله، وكان قد قتل له ولدان قبل ذلك، أحدهما المأمون، كان ينوب عن والده في قرطبة فحصروه بها إلى أن أخذوه وقتلوه، والثاني الرّاضي، كان أيضا نائبا عن أبيه في رندة وهي من الحصون الممتنعة، فنازلوها وأخذوها، وقتلوا الرّاضي، ولأبيهما المعتمد فيهما مراث كثيرة.
وبعد ذلك جرى بإشبيلية على المعتمد ما ذكرناه. ولما أخذ المعتمد قيدوه من ساعته، وجعل مع أهله في سفينة.
قال ابن خاقان في «قلائد العقيان» : ثم جمع هو وأهله وحملتهم الجواري المنشآت، وضمّتهم كأنهم أموات، بعد ما ضاق عنهم القصر، وراق منهم العصر، والناس قد حشروا بضفتي الوادي، يبكون [2] بدموع الغوادي، فساروا والنوح يحدوهم، والبوح باللوعة لا يعدوهم، وفي ذلك يقول ابن اللبانة:
تبكي السّماء بدمع رائح غادي ... على البهاليل من أبناء عبّاد
يا ضيف أقفر بيت المكرمات فخذ ... في ضم رحلك واجمع فضلة الزّاد
__________
[1] تحرّف في «آ» و «ط» إلى «سيرين» والتصحيح من «وفيات الأعيان» وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (10/ 189 و 190 و 193) .
[2] في «آ» و «ط» : «وبكوا» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .

(5/384)


وقال في هذه الحال وصفتها ابن حمديس الصّقلي:
ولما رحلتم بالنّدي في أكفكم ... وقلقل رضوى منكم وثبير
رفعت لساني بالقيامة قد دنت ... فهذي الجبال الراسيات تسير
وهي أبيات كثيرة.
وتألم المعتمد يوما من قيده وضيقه وثقله، فأنشد:
تبدّلت من ظل عزّ البنود ... بذلّ الحديد وثقل القيود
وكان حديدي سنانا ذليقا ... وعضبا رقيقا صقيل الحديد
وقد صالا ذاك وذا أدهما ... يعضعض [1] ساقيّ عضّ الأسود
ثم إنهم حملوه إلى الأمير يوسف بمراكش، فأمر بإرسال المعتمد إلى مدينة أغمات، واعتقله بها، فلم يخرج إلى الممات.
قال ابن خاقان: ولما أجلي عن بلاده، وأعري من طارفه وتلاده، وحمل في السفين، وأحل في العدوة محلّ الدّفين، تندبه منابره وأعواده، ولا يدنو [2] منه زوّاره ولا عوّاده، بقي آسفا تتصعد زفراته، [وتطرد اطّراد المذانب عبراته، ويخلو بمؤانس، ولا يرى إلا عرينا بدلا من تلك المكانس، ولما يجد سلوّا ولم يؤمل دنوّا، ولم ير وجه مسرّة مجلوّا، وتذكر منازله فشاقته] [3] وتصوّر بهجتها [فراقته] [4] ، وتخيّل استيحاش أوطانه، وإجهاش قصره ورأى [5] إظلام جوّه من أقماره، وخلوه من حرّاسه وسمّاره.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» : «يعضض» وفي «وفيات الأعيان» : «يعضّ بساقيّ» .
[2] في «آ» و «ط» : «ولا تدنو» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[3] ما بين حاصرتين تأخر في «آ» و «ط» إلى عدة أسطر فأعدته إلى مكانه كما في «وفيات الأعيان» (5/ 32) ولفظة «فشاقته» مستدركة منه.
[4] لفظة «فراقته» مستدركة من «وفيات الأعيان» .
[5] لفظة «رأى» لم ترد في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي.

(5/385)


وفي اعتقاله يقول أبو بكر الدّاني قصيدته المشهورة التي أولها:
لكلّ شيء من الأشياء ميقات ... وللمنى من مناياهنّ غايات
والدّهر في صبغة الحرباء منغمس ... ألوان حالاته فيها استحالات
ونحن من لعب الشطرنج في يده ... وربما قمرت بالبيدق الشاة
انفض يديك من الدّنيا وساكنها ... فالأرض قد اقفرت والنّاس قد ماتوا
وقل لعالمها الأرضي قد كتمت ... سريرة العالم العلوي أغمات
وهي طويلة.
ودخل عليه يوما بناته السجن، وكان يوم عيد، وكنّ يغزلن للناس بالأجرة في أغمات، حتّى إن إحداهنّ غزلت لبيت صاحب الشرطة الذي كان في خدمة أبيها وهو في سلطانه، فرآهنّ في أطمار رثّة وحالة سيئة، فصدعن قلبه، وأنشد:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا ... فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة ... يغزلن للنّاس لا يملكن قطميرا [1]
برزن نحوك للتّسليم خاشعة ... أبصارهنّ حسيرات مكاسيرا
يطأن في الطّين والأقدام حافية ... كأنّها لم تطأ مسكا وكافورا
ومنها:
قد كان دهرك إن تأمره ممتثلا ... فردّك الدّهر منهيّا ومأمورا
من بات بعدك في دهر [2] يسرّ به ... فإنما بات بالأحلام مغرورا
__________
[1] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «قمطيرا» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (5/ 35) . والقطمير:
الفوفة التي في النّواة، وهي القشرة الرقيقة، وقيل: هي النّكتة البيضاء التي في ظهر النواة تنبت منها النخلة. انظر «مختار الصحاح» (قطمر) .
[2] في «وفيات الأعيان» : «في ملك» .

(5/386)


وله:
قالت لقد هنّا هنا ... مولاي أين جاهنا
قلت لها إلى هنا ... صيّرنا إلهنا
ودخل عليه وهو في تلك الحال ولده أبو هاشم والقيود قد عضّت بساقيه عض الأسود، والتوت عليه التواء الأساور السود، وهو لا يطيق إعمال قدم، ولا يريق دمعا إلّا ممتزجا بدم، بعد ما عهد نفسه فوق منبر وسرير، ووسط جنّة وحرير، تخفق عليه الألوية، وتشرق منه الأندية، فلما رآه بكى وأنشد:
قيدي أما تعلمني مسلما ... أبيت أن تشفق أو ترحما
دمي شراب لك واللّحم قد ... أكلته لا تهشّم الأعظما
يبصرني فيك أبو هاشم ... فينثني والقلب قد هشّما
ارحم طفيلا طائشا لبّه ... لم يخش أن يأتيك مسترحما
وارحم أخيّات له مثله ... جرعتهنّ السمّ والعلقما
منهنّ من يفهم شيئا فقد ... خفنا عليه للبكاء العمى
والغير لا يفهم شيئا فما ... يفتح إلّا للرضاع الفما
وكان قد اجتمع عنده جماعة من الشعراء وألحّوا عليه في السؤال، وهو على تلك الحال فأنشد:
سألوا اليسير من الأسير وإنه ... بسؤالهم لأحقّ منهم فاعجب
لولا الحياء وعزة لخميّة ... طيّ الحشا لحكاهم في المطلب
وأشعار المعتمد وأشعار الناس فيه كثيرة، وكانت ولادته في ربيع الأول، سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة بمدينة باجة من بلاد الأندلس، وملك بعد وفاة أبيه هناك، وتوفي في السجن بأغمات حادي عشر شوال، وقيل: في [ذي] الحجة، رحمه الله.

(5/387)


ومن النادر الغريب أنه نودي في جنازته بالصلاة على الغريب، بعد عظم سلطانه وجلالة شأنه، فتبارك من له البقاء والعزّة والكبرياء، واجتمع عند قبره جماعة من الشعراء، الذين كانوا يقصدونه بالمدائح، ويجزل لهم المنائح، فرثوه بقصائد مطولات، وأنشدوها عند قبره، وبكوا عليه، فمنهم:
أبو بحر عبد الصمد شاعره المختص به، رثاه بقصيدة طويلة أجاد فيها وأولها:
ملك الملوك أسامع فأنادي ... أم قد عدتك عن [1] السماع عوادي
لمّا نقلت عن القصور ولم تكن ... فيها كما قد كنت بالأعياد
أقبلت [2] في هذا الثّرى لك خاضعا ... وجعلت قبرك موضع الإنشاد
ولما فرغ من إنشادها قبّل الثرى، ومرغ جسمه، وعفّر خده، فأبكى كل من حضر.
ورأى أبو بكر الدّاني حفيد المعتمد- وهو غلام وسيم- قد اتخذ الصياغة صناعة، وكان يلقب في أيام دولتهم فخر الدولة، وهو من الألقاب السلطانية عندهم، فنظر إليه وهو ينفخ في الفحم بقصبة الصائغ، فقال من جملة قصيدة:
شكاتنا فيك يا فخر العلى عظمت ... والرزء يعظم فيمن قدره عظما
طوّقت من نائبات الدّهر مخنقة ... ضاقت عليك وكم طوّقتنا نعما
وعاد طوقك في دكان قارعة [3] ... من بعد ما كنت في قصر حكى إرما
صرفت في آلة الصّياغ أنملة ... لم تدر إلا النّدى والسيف والقلما
يد عهدتك للتّقبيل تبسطها ... فتستقلّ الثريا أن تكون فما
يا صائغا كانت العليا تصاغ له ... حليا وكان عليه الحليّ منتظما
__________
[1] في «آ» و «ط» : «من» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» (5/ 37) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «قبلت» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «فارغة» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

(5/388)


للنفخ في الصور هول ما حكاه سوى ... أني رأيتك فيه تنفخ الفحما
وددت إذ نظرت [1] عيني إليك به ... لو أن عيني تشكوا قبل ذاك عمى
ما حطّك الدّهر لما حطّ عن شرف ... ولا تحيّف من أخلاقك الكرما
لح في العلا كوكبا إن لم تلح قمرا ... وقم بها ربوة إن لم تقم علما
والله لو أنصفتك الشهب لانكسفت ... ولو وفي لك دمع العين لانسجما
أبكى حديثك حتّى الدّهر حين غدا ... يحكيك رهطا وألفاظا ومبتسما
ويكفي هذا المقدار، ولولا خوف الإطالة لبيّضت الليالي بلآلئ نظامه، ولسوّدت سطور الطّروس بمصابه ونكبة أيامه، فرحمة الله عليه، وعوّضه بنعيم الفردوس لديه.
وفيها محمد بن علي بن أبي صالح البغوي الدبّاس، آخر من روى «الترمذي» عن الجراحي، توفي ببغشور [2] في ذي القعدة، وكان من الفقهاء.
وفيها قاضي القضاة الشامي [3] أبو بكر محمد بن المظفر بن بكران الحموي الشافعي. كان من أزهد القضاة، وأورعهم، وأتقاهم لله، وأعرفهم بالمذهب.
ولد بحماة سنة أربعمائة، وسمع ببغداد من عثمان بن دوست وطائفة، وولي بعد أبي عبد الله الدامغاني، وكان من أصحاب القاضي أبي الطيّب الطبري. لم يأخذ على القضاء رزقا، ولا غيّر ملبسه. ولي القضاء سنة ثمان وسبعين، بعد ما امتنع، فألحوا عليه، فاشترط عليهم أن لا يأخذ عليه معلوما،
__________
[1] في «آ» و «ط» : «أن نظرت» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[2] في «آ» و «ط» : «ببشفور» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 324) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 6) .
[3] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «المشامي» والتصحيح من «العبر» (3/ 324) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 297) .

(5/389)


وأن لا يقبل من أحد شفاعة، ولا يغيّر ملبسه، فأجابوه، فأجابهم إلى ذلك، وكان يقول: ما دخلت في القضاء حتّى وجب عليّ.
وقيل: إنه لم يتبسم قطّ، وكان له أجور من أملاكه تبلغ في الشهر دينارا ونصفا ينتفع بذلك.
قال أبو علي بن سكرة: أما العلم فكان يقال: لو رفع المذهب أمكنه أن يمليه من صدره.
وقال السمعاني: هو أحد المتقنين لمذهب الشافعي، وله اطّلاع على أسرار الفقه، وكان ورعا، زاهدا، جرت أحكامه على السداد.
وقال ابن النجار: صنّف كتاب «البيان في أصول الدّين» وكان على طريقة السلف.
وقال غيره: لم يقبل من سلطان عطية، ولا من صديق [1] هدية، وكان يعاب بالحدّة وسوء الخلق. توفي عاشر شعبان ودفن قرب ابن سريج.
وفيها أبو عبد الله الحميدي محمد بن [أبي] نصر [2] فتّوح بن عبد الله بن فتّوح بن حميد بن يصل [3] الميورقي- بفتح الميم وضم التحتية، وسكون الراء، وقاف، نسبة إلى ميورقة، جزيرة قرب الأندلس- الأندلسي الحافظ الحجّة العلّامة، مؤلف «الجمع بين الصحيحين» توفي في ذي الحجة، عن نحو سبعين سنة. وكان أحد أوعية العلم، وكان ظاهري المذهب، أكثر عن ابن حزم، وابن عبد البرّ، وحدّث عن خلق، ورحل في حدود الخمسين، فسمع بالقيروان، والحجاز، ومصر، والشام، والعراق، وكتب عن خلق كثير، وكان دؤوبا على الطلب للعلم، كثير الاطّلاع، ذكيا،
__________
[1] ي «آ» و «ط» : «ولا من صديقه» وما أثبته من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
[2] في «آ» و «ط» : «محمد بن نصر» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» (4/ 233) و «العبر» (3/ 325) .
[3] في «آ» و «ط» : «ابن بطل» وما أثبته من «العبر» (3/ 325) .

(5/390)


فطنا، صيّنا، ورعا، أخباريا، متقنا [1] ، كثير التصانيف، حجة، رحمه الله تعالى [2] .
وفيها نجيب بن ميمون [3] أبو سهل الواسطي ثم الهروي. روى عن أبي علي الخالدي وجماعة، وعاش بضعا وتسعين سنة.
وفيها هبة الله بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عمر أبو نصر البغدادي الحافظ. سمع وألّف، وجمع وصنّف، ومات كهلا عن ست وأربعين سنة.
__________
[1] في «العبر» : «متفننا» . (ع) .
[2] قال العامري في «غربال الزمان» ص (391) في آخر ترجمته: قال أبو بكر بن طرخان: أنشد في نفسه:
فأقلل من لقاء النّاس إلّا ... لأخذ العلم أو إصلاح حال
[3] في «آ» و «ط» : «محبب بن ميمون» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 326) وانظر «الأنساب» (5/ 25) ضمن ترجمة شيخه (الحسين بن علي الخالدي النيسابوري) .

(5/391)


سنة تسع وثمانين وأربعمائة
فيها توفي أبو طاهر أحمد بن الحسن بن أحمد الباقلّاني الكرخي ثم البغدادي، توفي في ربيع الآخر، وله ثلاث وسبعون سنة. تفرّد بسنن سعيد بن منصور، عن أبي علي بن شاذان، وكان صالحا، زاهدا، منقضبا [1] عن الناس، ثقة، حسن السيرة.
وفيها أبو منصور الشّيحي، عبد المحسن بن محمد بن علي البغدادي، المحدّث التاجر السفّار. روى عن ابن غيلان، والعتيقي، وطبقتهما.
ولد سنة إحدى وعشرين [2] . وسمع بدمشق، ومصر، والرحبة، وكتب وحصّل الأصول.
وفيها عبد الملك بن سراج، أبو مروان الأموي، مولاهم القرطبي، لغويّ الأندلس بلا مدافعة. توفي في ذي الحجّة عن تسعين سنة. روى عن يونس بن مغيث، ومكّي بن أبي طالب، وطائفة، وكان أحد أوعية العلم.
وفيها أبو عبد الله الثقفي القاسم بن الفضل بن أحمد، رئيس أصبهان ومسندها، عن اثنتين وتسعين سنة. روى عن محمد بن إبراهيم الجرجاني، وابن محمش، وطبقتهما بأصبهان، ونيسابور، وبغداد، والحجاز.
__________
[1] تحرفت في «آ» إلى «متقبضا» .
[2] تحرفت في «ط» إلى «إحدى وعشر» .

(5/392)


وفيها أبو بكر بن الخاضبة، محمد بن أحمد بن عبد الباقي البغدادي الحافظ، مفيد بغداد. روى عن أبي بكر الخطيب، وابن المسلمة، وطبقتهما، ورحل إلى الشام، وسمع طائفة، وكان كبير القدر، نقّادا، علّامة، محببا إلى الناس كلهم، لدينه، وتواضعه، ومروءته، ومسارعته في قضاء حوائج الناس، مع الصّدق، والورع، والصّيانة التامة، وطيب القراءة.
قال ابن طاهر: ما كان في الدنيا أحد [1] أحسن قراءة للحديث منه.
وقال أبو الحسن الفصيحي: ما رأيت في المحدّثين أقوم باللغة من ابن الخاضبة.
توفي في ربيع الأول.
وفيها أبو أحمد القاسم بن مظفّر الشّهرزوري [2] . ولي قضاء إربل، ثم سنجار [3] ، وله أولاد وحفدة أنجبوا [4] .
ومن شعره:
همتي دونها السّها والثّريا [5] ... قد علت جهدها فما تتوانى [6]
وقيل: إنه [7] لولده قاضي الخافقين، وقيل له: قاضي الخافقين لسعة ما تولى.
وشهرزور: من أعمال إربل، مات بها الإسكندر ذو القرنين، وقيل: مات
__________
[1] في «ط» : «أحدا» وهو خطأ.
[2] مترجم في «الأنساب» (7/ 419) و «مرآة الجنان» (3/ 150) . و «غربال الزمان» ص (391) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «سيحان» والتصحيح من «مرآة الجنان» و «غربال الزمان» .
[4] يعني صاروا علماء نجباء. انظر «مرآة الجنان» .
[5] تحرّفت في «آ» و «ط» و «مرآة الجنان» إلى «الزبانا» والتصحيح من «غربال الزمان» .
[6] في «مرآة الجنان» : «فما ابتدأنا» .
[7] يعني البيت المتقدم.

(5/393)


بمدائن كسرى، وحمل إلى الإسكندرية فدفن عند أمه، والله أعلم.
وفيها الإمام العلّامة أبو المظفّر السمعاني، منصور بن محمد التميمي المروزي الحنفي، ثم الشافعي. تفقه على والده وغيره، وكان إمام وقته في مذهب أبي حنيفة، فلما حجّ ظهر له بالحجاز ما اقتضى انتقاله إلى مذهب الشافعي، ولما عاد إلى مرو لقي أذى عظيما بسبب انتقاله، وصنّف في مذهب الشافعي كتبا كثيرة، وصنّف في الرّد على المخالفين، وله «الطبقات» أجاد فيه وأحسن، وله تفسير جيد حسن، وجمع في الحديث ألف جزء عن مائة شيخ وسمعان بطن من تميم، ويجوز كسر السين.
وفيها أبو عبد الله العميري- مكبرا، نسبة إلى عميرة، بطن من ربيعة- محمد بن علي بن محمد الهروي العبد الصالح. توفي في المحرم، وله إحدى وتسعون سنة، وأول سماعه سنة سبع وأربعمائة، وقد رحل إلى نيسابور، وبغداد، وروى عن أبي بكر الحيري وطبقته، وكان من أولياء الله تعالى.
قال الدقاق: ليس له نظير بهراة.
وقال أبو النضر الفامي: توحّد عن أقرانه بالعلم، والزهد في الدّنيا، والإتقان في الرواية، والتجرّد من الدّنيا.

(5/394)


سنة تسعين وأربعمائة
فيها قتل أرسلان أرغون بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي، صاحب مرو، وبلخ، ونيسابور، وترمذ، وكان جبّارا عنيدا، قتله غلام له، وكان بركياروق قد جهز الجيش مع أخيه سنجر لقتال عمّه أرغون، فبلغهم قتله بالدامغان، فلحقهم بركياروق، فتسلم نيسابور وغيرها بلا قتال، ثم تسلم بلخ، وخطبوا له بسمرقند، ودانت له الممالك، واستخلف سنجر على خراسان، وكان حدثا، فرتب في خدمته من يسوس المملكة، واستعمل على خوارزم محمد بن أفشتكين [1] مولى الأمير ميكائيل السلجوقي، ولقبه خوارزم شاه، وكان عدلا، محبا للعلماء، وولي بعده ابنه أتسز [2] .
وفيها توفي أبو يعلى العبدي، أحمد بن محمد، من ذرية الحسن البصري، ويعرف بابن الصوّاف، شيخ مالكية العراق، وله تسعون سنة. تفقه على القاضي علي بن هارون، وحدّث عن البرقاني وطائفة، وكان علّامة، زاهدا، مجتهدا في العبادة، عارفا بالحديث.
قال بعضهم: كان إماما في عشرة أنواع من العلوم، توفي في رمضان بالبصرة.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «محمد بن أتستكين» والتصحيح من «العبر» (3/ 329) وانظر «الكامل في التاريخ» (10/ 267) .
[2] تحرف في «آ» و «ط» إلى «أسر» والتصحيح من «العبر» (3/ 329) وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (11/ 209) .

(5/395)


وفيها الحسن بن أحمد بن محمد بن القاسم بن [1] جعفر القاسمي، أبو محمد السمرقندي، قوّام السنّة. كان إماما، حافظا، جليلا، رحّالا، ثقة، نبيلا، ومن مصنفاته «بحر الأسانيد في صحاح المسانيد» يشتمل على مائة ألف من الأخبار، وهو في ثمانمائة جزء كبار. قاله ابن ناصر الدّين [2] .
وفيها أبو نصر [3] السمسار، عبد الرحمن بن محمد الأصبهاني، توفي في المحرم، وهو آخر من حدّث عن محمد بن إبراهيم الجرجاني.
وفيها أبو الفتح عبدوس بن عبيد الله بن محمد بن عبدوس، رئيس همذان ومحدّثها. أجاز له أبو بكر بن لال، وسمع من محمد بن أحمد بن حمدويه الطّوسي، والحسين بن فتحويه، مات في جمادى الآخرة، عن خمس وتسعين سنة. وروى عنه أبو زرعة.
وفيها الفقيه نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود، أبو الفتح المقدسي النابلسي الزاهد، شيخ الشافعية بالشام، وصاحب التصانيف. كان إماما، علّامة، مفتيا، محدّثا، حافظا، زاهدا، متبتلا، ورعا، كبير القدر، عديم النظير. سمع بدمشق من عبد الرحمن بن الطّبيز، وأبي الحسن السمسار، وطائفة، وبغزة من أبي جعفر الميماسي [4] ، وبآمد، وصور، والقدس، وأملى وصنّف، وكان يقتات من غلة تحمل إليه من أرض له بنابلس، وهو بدمشق، فيخبز له كل ليلة قرص في جانب الكانون، وعاش أكثر من ثمانين سنة، وتوفي يوم عاشوراء. قاله في «العبر» [5] .
__________
[1] لفظة «ابن» سقطت من «آ» .
[2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (156/ آ) .
[3] في «ط» : «أبو نضر» وهو خطأ.
[4] في «آ» و «ط» : «الميماشي» والتصحيح من «العبر» مصدر المؤلف.
[5] (3/ 331) .

(5/396)


وقال ابن شهبة [1] : تفقه على سليم بن أيوب الرازي، وصحبه بصور أربع سنين، وعلّق عنه تعليقه- قال الذهبي في ثلاثمائة جزء- وسمع الحديث الكثير وأملى وحدّث. أقام بالقدس مدة طويلة، ثم قدم دمشق سنة ثمانين فسكنها وعظم شأنه، مع العبادة، والزهد الصادق، والورع، والعلم، والعمل.
قال الحافظ ابن عساكر: لم يقبل من أحد صلة بدمشق، قال: وحكى بعض أهل العلم قال: صحبت إمام الحرمين، ثم صحبت الشيخ أبا إسحاق، فرأيت طريقته أحسن طريقة، ثم صحبت الشيخ نصر، فرأيت طريقته أحسن منها.
ولما قدم الغزالي دمشق اجتمع به واستفاد منه، وتفقه به جماعة من دمشق وغيرها، ودفن بباب الصغير، وقبره ظاهر يزار.
قال النووي [2] : سمعنا الشيوخ يقولون: الدعاء عند قبره يوم السبت مستجاب.
ومن تصانيفه «التهذيب» و «التقريب» وكتاب «المقصود» له وهو أحكام مجردة وكتاب «الكافي» وله شرح متوسط على كتاب «الإشارة» لشيخه سليم، وله كتاب «الحجّة على تارك المحجّة» وغير ذلك، رحمه الله.
وفيها أبو القاسم يحيى بن أحمد السّيبي [3] القصري، المقرئ ببغداد، وله مائة وسنتان، قرأ القرآن على أبي الحسن الحمّامي، وسمع أبا
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 302- 303) .
[2] انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 126) .
[3] في «آ» و «ط» : «السبتي» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» (7/ 216) و «العبر» (3/ 332) .

(5/397)


الحسن بن الصّلت، وأبا الحسين بن بشران، وجماعة، وختم عليه خلق، وكان خيّرا، ثقة، توفي في ربيع الآخر، وكان يمشي ويتصرف في مصالحه في هذا السنّ.

(5/398)