شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وتسعين وأربعمائة
فيها توفي ابن سوّار، مقرئ العراق، أبو طاهر أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن سوّار، مصنّف «المستنير في القراءات» . كان ثقة مجوّدا، أقرأ خلقا، وسمع الكثير، وحدّث عن ابن غيلان، وطبقته.
وفيها أبو داود سليمان بن نجاح الأندلسي، مولى المؤيد بالله الأموي، مقرئ الأندلس، وصاحب أبي عمرو الدّاني، وهو أنبل أصحابه، وأعلمهم، وأكثرهم تصانيف، توفي في رمضان، عن ثلاث وثمانين سنة.
وفيها أبو الحسن بن الرّوش، علي بن عبد الرحمن الشّاطبي المقرئ. قرأ القراءات على أبي عمرو الدّاني، وسمع من ابن عبد البرّ، وتوفي في شعبان.
وفيها أبو الحسين بن البيّاز [1] يحيى بن إبراهيم بن أبي زيد المرسي. قرأ على أبي عمرو الدّاني، ومكّي.
قال ابن بشكوال [2] : لقي بمصر القاضي عبد الوهاب، وأخذ عنه كتابه
__________
[1] في «آ» و «ط» و «العبر» (3/ 346) : «البيار» وفي «الصلة» لابن بشكوال: «ابن البيان» وما أثبته من «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 448) و «ميزان الاعتدال» (4/ 360) و «غاية النهاية في معرفة القراء» (2/ 364) .
[2] انظر «الصلة» ص (670) وما بين حاصرتين استدركته منه.

(5/412)


«التلقين» وأقرأ الناس [القرآن] وعمّر، وأسنّ، وسمعت بعضهم ينسبه إلى الكذب.
توفي في المحرم، وقد اختلط في آخر عمره، وعاش تسعين سنة.
وفيها أبو العلاء محمد بن عبد الجبّار الفرساني الأصبهاني. روى عن أبي بكر بن أبي علي المعدّل، وجماعة.
وفيها الفانيدي، أبو سعد الحسين بن الحسين البغدادي. روى عن أبي علي بن شاذان، وتوفي في شوال.
وفيها أبو ياسر، محمد بن عبيد الله بن كادش الحنبلي المحدّث.
كتب الكثير وتعب، وكان قارئ أهل بغداد بعد ابن الخاضبة. روى عن أبي محمد الجوهري، وخلق.
وفيها أبو البركات محمد بن المنذر بن طيبان الكرخي، كذّبه [1] ابن ناصر، وقد روى عن عبد الملك بن بشران، ومات في صفر. قاله في «العبر» [2] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «كنيته» والتصحيح من «العبر» (3/ 347) مصدر المؤلف.
[2] (3/ 347) .

(5/413)


سنة سبع وتسعين وأربعمائة
فيها أخذت الفرنج جبيل [1] صلحا، ونكثوا وأخذوا عكّا بالسيف، وهرب متولّيها زهر الدولة بنا الجيوشي [2] ، وهرب في البحر، ونزلت [3] الفرنج حرّان، فالتقاهم سقمان [4] ومعه عشرة آلاف، فانهزموا وتبعهم الفرنج فرسخين، ثم نزل النصر، وكبّر المسلمون، فقتلوهم كيف شاءوا، وكان فتحا عظيما.
وفيها توفي أبو ياسر أحمد بن بندار البقال، أخو ثابت. روى عن بشرى الفاتني وطائفة، ومات في رجب. قاله في «العبر» [5] .
وفيها أبو بكر الطّريثيثي- بضم المهملة أوله، وفتح الراء وسكون التحتية، ومثلثتين، بينهما تحتية، نسبة إلى طريثيث، ناحية بنيسابور- أحمد بن علي بن حسين بن زكريا، ويعرف بابن زهراء [6] الصّوفي البغدادي،
__________
[1] في «آ» و «ط» : «جبل» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 347) وجبيل تصغير جبل، بلدة مشهورة شرقي بيروت. انظر «معجم البلدان» (2/ 109) .
[2] في «آ» و «ط» : «ابن الجيوشي» والتصحيح من «العبر» (3/ 347) وانظر «الكامل في التاريخ» (10/ 373) .
[3] في «العبر» : «ونازلت» .
[4] ويقال له أيضا: سكمان. انظر التعليق على «العبر» (3/ 347) .
[5] (3/ 348) .
[6] في «آ» و «ط» : «ابن زهر» وفي «العبر» : «ابن زهيرا» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (19/ 160) و «الوافي بالوفيات» (7/ 202) .

(5/414)


من أعيان الصوفية ومشاهيرهم. روى عن أبي الفضل القطّان، واللالكائي، وطائفة، وهو ضعيف، عاش ستا وثمانين سنة.
وفيها أبو علي الجاجرمي- بفتح الجيمين وسكون الراء، نسبة إلى جاجرم، بلد بين نيسابور وجرجان- إسماعيل بن علي النيسابوري، الزاهد، القدوة، الواعظ، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن عبد الله بن باكويه وعدة.
قال السخاوي: حضر درس زين الإسلام القشيري وخدمه مدة، ثم اشتغل بالعزلة، وكان يجلس في الأسبوع يوما للتذكير.
قال إسماعيل: كان والدي دعا بمكة اللهمّ ارزقني ولدا لا يكون وصيا، ولا صاحب وقف، ولا قاضيا، ولا خطيبا. قال: فقلت له: يا أبت، وما للخطيب؟ قال: يا بني أليس يدعو للظلمة.
وتوفي إسماعيل في عصر يوم الخميس ثامن عشر المحرم، وصلّي عليه يوم الجمعة العصر تاسع عشرة، ودفن في مشهد الإمام محمد بن خزيمة.
وفيها دقاق، شمس الملوك أبو نصر بن تاج الدولة تتش بن السلطان ألب أرسلان السّلجوقي، صاحب دمشق، ولي دمشق بعد أبيه عشر سنين، ومرض مدة، ومات في رمضان، وقيل: سمّوه في عنب، ودفن بخانكاه الطواويس.
وفيها أبو عبد الله بن البسري، الحسين بن علي بن أحمد بن محمد البندار [البغدادي] [1] توفي في جمادى الآخرة وله ثمان وثمانون سنة.
قال السّلفي: لم يرو لنا عن عبد الله بن يحيى السّكّريّ سواه.
__________
[1] زيادة من «العبر» (3/ 349) مصدر المؤلف.

(5/415)


وفيها أبو ياسر الطباخ، طاهر بن أسد الشيرازي ثم البغدادي المواقيتي. روى عن عبد الملك بن بشران وغيره، وتوفي في رجب.
وفيها أحمد بن بشرويه الأصبهاني. كان صالحا من الأعيان.
قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» :
وأحمد بن بشرويه صالح ... ذا الأصبهاني زانه تصافح
وفيها أبو مسلم السّمناني عبد الرحمن بن عمر، شيخ بغدادي. روى عن أبي علي بن شاذان، ومات في المحرم.
وفيها أبو الخطّاب بن الجرّاح، علي بن عبد الرحمن بن هارون البغدادي الشافعي، المقرئ الكاتب الرئيس. روى عن عبد الملك بن بشران، وكان لغوي زمانه له منظومة في القراءات، توفي في ذي الحجة، وقد قارب التسعين.
وفيها أبو مكتوم، عيسى بن الحافظ أبي ذرّ عبد الرحمن بن أحمد الهروي ثم السّروي الحجازي.
ولد سنة خمس عشرة بسراة بني شبابة، وروى عن أبيه «صحيح البخاري» وعن أبي عبد الله الصنعاني جملة من تآليف عبد الرزاق.
وفيها أبو منصور الخياط محمد بن أحمد بن عبد الرزاق، الشيرازي الأصل، البغدادي الصّفّار، الحنبلي المقرئ الزاهد.
ولد سنة إحدى وأربعمائة في شوال- أو في ذي القعدة- وقرأ القرآن [1] على أبي نصر أحمد بن عبد الوهاب بن مسرور وغيره، وسمع الحديث في
__________
[1] في «آ» و «ط» : «القراءات» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .

(5/416)


كبره [1] من أبي القاسم بن بشران، وأبي منصور بن السوّاق وغيرهما.
وتفقه على القاضي أبي يعلى، وصنّف كتاب «المهذب في القراءات» وروى الحديث الكثير.
وروى عنه سبطه أبو محمد عبد الله بن علي المقرئ، وأخوه أبو عبد الله بن الحسين، وابن الأنماطي، وابن ناصر السّلفي، وغيرهم.
وكان إماما بمسجد ابن جردة ببغداد، بحريم دار الخلافة. اعتكف فيه مدة طويلة يعلّم العميان القرآن لوجه الله تعالى، ويسأل لهم، وينفق عليهم، فختم عليه القرآن خلق كثير، حتى بلغ عدد من أقرأهم القرآن من العميان سبعين ألفا.
قال ابن النجار: هكذا رأيته بخط أبي نصر اليونارتي الحافظ، وقد زعم بعض الناس أن هذا كلام مستحيل، وأنه من سبق القلم، وإنما أراد سبعين نفسا، وهذا كلام ساقط، فإن أبا منصور قد تواتر عنه إقراء الخلق الكثير في السنين الطويلة.
قال ابن الجوزي: أقرأ الخلق السنين الطويلة، وختم عليه القرآن ألوف من الناس.
وقال القاضي أبو الحسين: أقرأ بضعا وستين سنة، ولقن أمما، وهذا موافق لما قاله أبو نصر. وهذا أمر مشهور عن أبي منصور.
قال ابن الجوزي: كان أبو منصور من كبار الصالحين الزاهدين المتعبدين، كان له ورد بين العشاءين، يقرأ فيه سبعا من القرآن قائما وقاعدا، حتّى طعن في السنّ.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «في كثرة» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .

(5/417)


وقال ابن ناصر عنه: كان شيخا صالحا زاهدا صائما أكثر وقته، ذا كرامات ظهرت له بعد موته.
قال عبد الوهاب الأنماطي: توفي الشيخ الزاهد أبو منصور، في يوم الأربعاء، وقت الظهر، السادس عشر من المحرم.
قال ابن الجوزي: مات وسنّه سبع وتسعون سنة، ممتعا بسمعه وبصره وعقله، وحضر جنازته ما لا يعدّ [1] من الناس.
قال السّلفي: وختم في ثاني جمعة من وفاة الشيخ على قبره مائتان وإحدى وعشرون ختمة، وحكى السّلفي أيضا، أن يهوديا استقبل جنازة الشيخ فرأى كثرة الزحام والخلق، فقال: أشهد أن هذا الدّين هو الحق، وأسلم.
وذكر ابن السمعاني، أن الشيخ أبا منصور الخيّاط رؤي في النوم، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بتعليم الصبيان فاتحة الكتاب.
والصحيح أنه توفي سنة تسع وتسعين وأربعمائة. قاله جميعه ابن رجب [2] .
وفيها أبو مطيع، محمد بن عبد الواحد المديني المصري الأصل، الصحّاف الناسخ، وانتهى إليه علو الإسناد بأصبهان. روى عن أبي بكر بن مردويه، والنّقاش، وابن عقيل البارودي، وطائفة، وعاش بضعا وتسعين سنة.
وفيها أبو عبد الله بن الطّلّاع محمد بن فرج [3] ، مولى محمد بن يحيى الطّلّاع القرطبي المالكي، مفتي الأندلس ومسندها، وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن يونس بن مغيث، ومكّي [بن أبي طالب] القيسي، وخلق، وكان رأسا في العلم والعمل، قوّالا بالحقّ. رحل الناس إليه من الأقطار لسماع «الموطأ» و «المدونة» .
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «ما لا يحدّ» .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 95- 98) بتحقيق الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله.
[3] تصحف في «العبر» (3/ 351) إلى «ابن فرح» .

(5/418)


سنة ثمان وتسعين وأربعمائة
فيها توفي بركياروق، الملقب ركن الدّين بن السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق، أحد الملوك السلجوقية. ولي المملكة بعد موت أبيه، وكان أبوه قد ملك ما لم يملكه غيره، وكان بركياروق مسعودا، عالي الهمّة، لم يكن فيه عيب سوى ملازمته للشراب والإدمان عليه، ومولده سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وتوفي في ثاني عشر ربيع الآخر، وقيل: الأول ببروجرد، وأقام في السلطنة اثنتي عشرة سنة. قاله ابن خلّكان [1] .
وفيها الحافظ أبو علي البرداني- بفتحات ودال مهملة، نسبة إلى بردان، قرية ببغداد- أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي، الثقة المصنف الحنبلي، مات عن اثنتين وسبعين سنة في شوال. روى عن ابن غيلان، وأبي الحسن القزويني، وطبقتهما، وكان بصيرا بالحديث، محقّقا، حجّة.
وفيها أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني. روى عن أبي بكر بن أبي علي وطائفة، وكان ثقة نبيلا، حدّث قديما.
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 268- 269) .

(5/419)


وفيها ثابت بن بندار أبو المعالي البقال، المقرئ ببغداد. روى عن أبي علي بن شاذان وطبقته، وهو ثقة فاضل، توفي في جمادى الآخرة.
وفيها أبو عبد الله الطبري، الحسين بن علي بن الحسين، الفقيه الشافعي، محدّث مكّة ونزيلها، توفي في شعبان، وله ثمانون سنة. روى «صحيح البخاري» عن عبد الغافر بن محمد، وكان فقيها مفتيا، تفقه على ناصر بن الحسين العمري، وجرت له فتن وخطوب مع هيّاج ابن عبيد، وأهل السّنّة بمكّة، وكان عارفا بمذهب الأشعري. قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن قاضي شهبة [2] : تفقه على ناصر العمري بخراسان، وعلى القاضي أبي الطيب الطبري ببغداد، ثم لازم الشيخ أبا إسحاق الشيرازي، حتّى برع في المذهب والخلاف، وصار من عظماء أصحابه، ودرّس بنظامية بغداد قبل الغزالي، وكان يدعى إمام الحرمين، لأنه جاور بمكّة نحوا من ثلاثين سنة، يدرّس ويفتي ويسمع، وتوفي بها في شعبان، وكتابه «العدّة» خمسة أجزاء ضخمة.
وفيها أبو علي الغسّاني الحسين بن محمد الجيّاني- بالفتح والتشديد ونون، نسبة إلى جيّان بلد بالأندلس-، الأندلسي. أحد أركان الحديث بقرطبة. روى عن حكم الجذامي، وحاتم بن محمد، وابن عبد البرّ، وطبقتهم، وكان كامل الأدوات في الحديث، علّامة في اللغة، والشعر، والنّسب، حسن التصنيف، نقّادا، توفي في شعبان عن اثنتين وسبعين سنة، وأصابته في الآخر زمانة.
وفيها سقمان بن أرتق بن أكسب التّركماني، صاحب ماردين، وجدّ
__________
[1] (3/ 353) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 287) .

(5/420)


ملوكها. كان أميرا، جليلا، فارسا، موصوفا، حضر عدة حروب، وتوفي بالشام.
وفيها محمد بن أحمد بن محمد بن قيداس [1] أبو طاهر التّوثي [2]- بضم الفوقية وآخره مثلثة، نسبة إلى توث، قرية بمرو [3]- الخطّاب سمع أبا علي بن شاذان، والحرقي، وأجاز له أبو الحسين بن بشران، وتوفي في المحرم.
وفيها محمد بن عبد السّلام الشريف أبو الفضل الأنصاري البزاز، بغدادي، جليل، صالح. روى عن البرقاني، وابن شاذان، وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي النيسابوري. ثقة صالح، عالي الإسناد. روى عن أبي عبد الرحمن السّلمي، والحيري، وطائفة.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «منداس» والتصحيح من «العبر» (3/ 354) و «توضيح المشتبه» (1/ 658) ، و «تاج العروس» (قدس) (16/ 358) .
[2] تنبيه: تصحف في «تاج العروس» إلى «البوني» فيصحح فيه.
[3] ونسبه ابن ناصر الدّين في «توضيح المشتبه» (1/ 658) إلى «توثة» محلة متصلة بالشونيزية.

(5/421)


سنة تسع وتسعين وأربعمائة
فيها ظهر بنهاوند رجل ادّعى النّبوّة، وكان ساحرا، صاحب مخاريق، فتبعه خلق، وكثرت عليهم الأموال، وكان لا يدّخر شيئا، فأخذ وقتل، ولله الحمد.
وفيها ظفر طغتكين بالفرنج مرتين، فأسر وقتل، وزيّنت دمشق.
وفيها أخذت الفرنج [حصن] فامية، وأما طرابلس ففتحت الحصار، وجعل [1] المسلمون يخرجون منها، وينالون من الفرنج، ومرض ملك الفرنج صنجيل [2] ومات، وحمل ودفن بالقدس، وأقامت الفرنج غيره.
وفيها مات أبو القاسم عبد الله بن علي بن إسحاق الطّوسي، أخو نظام الملك. سمع أبا حسّان المزّكّي، وأبا حفص بن مسرور، وعاش خمسا وثمانين سنة.
وفيها أبو البركات بن الوكيل، محمد بن عبد الله بن يحيى الخبّاز الدبّاس الكرخي الشافعي. قرأ بالروايات على [3] أبي علي [4] الواسطي،
__________
[1] لفظة «جعل» سقطت من «العبر» (3/ 355) فتستدرك فيه ولفظة «حصن» مستدركة منه.
[2] تحرف في «آ» و «ط» إلى «صخيل» والتصحيح من «العبر» . وانظر «الكامل في التاريخ» (10/ 411) .
[3] في «آ» و «ط» : «عن» وما أثبته من «العبر» .
[4] في «العبر» : «أبو العلا» . (ع) .

(5/422)


والحسن بن الصّقر، وجماعة، وتفقه على أبي الطّيب الطبري، وسمع من عبد الملك بن بشران، وكان يتّهم بالاعتزال، ثم تاب وأناب، وتوفي في ربيع الأول، عن ثلاث وتسعين سنة. قاله في «العبر» [1] .
وفيها أبو البقاء الحبّال، المعمّر بن محمد بن علي الكوفي الخزّاز.
روى عن جناح [2] بن نذير المحاربي وجماعة، وتوفي في جمادى الآخرة بالكوفة.
__________
[1] (3/ 356) .
[2] في «سير أعلام النبلاء» (19/ 209) : «نجاح» . (ع) .

(5/423)


سنة خمسمائة
فيها غزا السلطان محمد بن ملكشاه الباطنية، وأخذ قلعتهم [1] بأصبهان، وقتل صاحبها أحمد بن عبد الملك بن عطّاش، وكان قد تملكها اثنتي عشرة سنة، وهي من بناء ملكشاه، بناها على رأس جبل، وغرم عليها ألفي ألف دينار.
وفيها غرق قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش، صاحب قونية ووجد قد انتفخ.
وفيها توفي أبو الفتح الحداد، أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الأصبهاني الشافعي التاجر الخوافي- وخواف قرية من أعمال نيسابور- كان ورعا، ديّنا، كثير الصدقات. توفي في ذي القعدة، عن اثنتين وتسعين سنة.
روى عن أبي مظفر الشافعي، وكان من ملازمي الإمام، وبه تفقه، وحظي عنده، وكان إمام الحرمين معجبا بفصاحته وحسن كلامه، ثم درّس في حياة الإمام، وولي قضاء طوس، ثم صرف، وكما رزق الغزالي السعادة في حسن التصنيف، رزق هذا السعادة في المناظرة، والعبارة الحسنة المهذّبة، والتصنيف على الخصم.
__________
[1] ذكر ابن الأثير في «الكامل في التاريخ» (10/ 430) أن اسم هذه القلعة «شاه دز» وانظر تتمة الخبر عنده.

(5/424)


قال الذهبي: وكان أعلم أهل طوس مع الغزالي، وكان من أنظر أهل زمانه.
وفيها أو بعدها الفقيه الإمام الفرضي، إسحاق بن يوسف بن يعقوب الصّردفي [1] نسبة إلى صردف [2] بلد باليمن. صنّف كتاب «الكافي» في الفرائض، وهو كتاب لم يسبق إلى تدريجه للمبتدئ، وهو من الكتب المباركة النافعة. قيل: اشتري مرة بوزنه، واستغني به عن كتب الفن جميعها، وأصل الشيخ من المعافر، وسكن صردف [3] وكان له ابنتان، زوّج إحداهما واسمها ملكة الفقيه زيد بن عبد الله اليفاعي، فأولدها هندة [4] أم محمد بن سالم الإمام بجامع ذي أشرق، ولذلك صارت كتب زيد اليفاعي بأيديهم، لأنه لم يرثه غير أمهم هذه، وتزوّج الأخرى إمام مسجد الجند حسّان بن محمد، فأولدها ولد، فصار إليه بعض كتب جدّه [5] إسحاق. قاله ابن الأهدل.
وفيها جعفر بن أحمد بن حسين، أبو محمد البغدادي الحنبلي السرّاج، المعروف بالقارئ. كان حافظ عصره، وعلّامة زمانه، وله التصانيف العجيبة، منها: كتاب «مصارع العشاق» وغيره، وحدّث عن أبي علي بن شاذان، وأبي القاسم بن شاهين، والخلّال، والبرمكي، وغيرهم وأخذ عنه خلق كثير، وروى عنه الحافظ أبو طاهر السّلفي، وكان يفتخر بروايته عنه [6] مع أنه لقي أعيان ذلك الزمان، وأخذ عنهم.
وله شعر حسن، فمنه:
__________
[1] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «الصروفي» والتصحيح من «غربال الزمان» للعامري ص (396) .
[2] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «ضروف» والتصحيح من «معجم البلدان» (3/ 401) .
[3] في «آ» و «ط» : «صروف» والتصحيح من «غربال الزمان» .
[4] في «غربال الزمان» : «هندا» .
[5] تحرفت لفظة «جده» في «غربال الزمان» إلى «أبي» فتصحح فيه.
[6] لفظة «عنه» لم ترد في «وفيات الأعيان» .

(5/425)


بان الخليط فأدمعي ... وجدا عليهم تستهلّ
وحدا بهم حادي الفرا ... ق عن المنازل فاستقلّوا
قل للذين ترحّلوا ... عن ناظري والقلب حلّوا
ودمي بلا جرم أتى ... ت غداة بينهم استحلّوا
ما ضرّهم لو أنهلوا ... من ماء وصلهم وعلّوا
ومن شعره أيضا:
وعدت بأن تزوري كلّ شهر ... فزوري قد تقضّى الشهرزوري
وشقة بيننا نهر المعلى ... إلى البلد المسمّى شهرزور
وأشهر هجرك المحتوم صدق ... ولكن شهر وصلك شهر زور
وأورد له العماد الكاتب:
ومدّع شرخ شباب وقد ... عمّمه الشّيب على وفرته
يخضب بالوشمة [1] عثنونه ... يكفيه أن يكذب في لحيته
وكان مولده ببغداد سنة ست عشرة وأربعمائة، وتوفي بها ليلة الأحد الحادي والعشرين من صفر. قاله ابن خلّكان [2] .
وفيها أبو غالب الباقلّاني [3] محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن البغدادي الفامي، الرجل الصالح. روى عن ابن شاذان، والبرقاني، وطائفة، وتوفي في ربيع الآخر، عن ثمانين سنة.
وفيها أبو الحسين بن الطّيوري، المبارك بن عبد الجبّار بن أحمد بن قاسم الصّيرفي البغدادي المحدّث. سمع أبا علي بن شاذان فمن بعده.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «بالوثمة» والتصحيح من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف.
[2] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 357- 358) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «الباقلاقي» .

(5/426)


قال ابن السمعاني: كان مكثرا، صالحا، أمينا، صدوقا، صحيح الأصول، ديّنا، صيّنا، وقورا، كثير الكتابة.
وقال غيره: توفي في ذي العقدة عن تسع وثمانين سنة، وكان عنده ألف جزء بخط الدّارقطني. قاله في «العبر» [1] .
وفيها المبارك بن فاخر أبو الكرم الدبّاس الأديب، من كبار أئمة اللّغة والنحو ببغداد، وله مصنّفات. روى عن القاضي أبي الطّيب الطبري، وأخذ اللغة عن عبد الواحد بن برهان، ورماه ابن ناصر بالكذب في الرواية، وتوفي في ذي القعدة عن سبعين سنة.
وفيها يوسف بن تاشفين أبو يعقوب، أمير المسلمين وملك الملثمين، وهو الذي اختطّ مدينة مرّاكش، وكان عظيم الشأن، كبير السلطان، معتدل القامة، أسمر اللون، نحيف الجسم، خفيف العارضين، دقيق الصوت، وكان يخطب لبني العبّاس، وهو أول من تسمى بأمير المسلمين، ولم يزل على حاله وعزة سلطانه إلى أن توفي يوم الاثنين ثالث محرم هذه السنة، وعاش تسعين سنة، ملك منها خمسين سنة.
قال ابن الأثير في «تاريخه» [2] : كان حسن السيرة، خيّرا، عادلا، يميل إلى أهل العلم والدّين، ويكرمهم، ويحكّمهم في بلاده ويصدر عن رأيهم، وكان يحبّ العفو والصفح عن الذنوب العظام، فمن ذلك أنّ ثلاثة نفر اجتمعوا، فتمنى أحدهم ألف دينار يتجر بها، وتمنى الآخر زوجته [3] وكانت من أحسن النساء، ولها الحكم في بلاده، وتمنى الآخر عملا [يعمل فيه] [4] ،
__________
[1] (3/ 358) .
[2] انظر «الكامل في التاريخ» (10/ 417- 418) .
[3] في «الكامل في التاريخ» : «زوجته النفراوية» .
[4] ما بين حاصرتين تكملة من «الكامل في التاريخ» .

(5/427)


فبلغه الخبر، فأحضرهم، وأعطى متمنّي المال ألف دينار، واستعمل الآخر، وقال للذي تمنّى زوجته: يا جاهل! ما حملك على هذا الذي لا تصل إليه، ثم أرسله إليها فتركته في خيمة ثلاثة أيام يحمل إليه [1] في كلّها طعام واحد، ثم أحضرته وقالت له: ما أكلت في هذه الثلاثة أيام، فقال: طعاما واحدا، فقالت: كل النساء شيء واحد، وأمرت له بمال وكسوة وأطلقته.
وقال ابن الأهدل: يوسف بن تاشفين أبو يعقوب البربري الملثم. كان أعظم ملوك الدّنيا في عصره، وكان عديم الرفاهية، تملّك الأندلس، واختطّ مرّاكش، وجعلها دار الإمارة، وفي آخر أيامه بعث إليه الخليفة من بغداد الخلع والتقليد واللّواء، فأقيمت الخطبة العباسية بمملكته، وكان أولا مقدّم أبي بكر بن عمر الصنهاجي، وكان الصنهاجي مقدّم الملثمين من ملوك حمير المغرب، واختلف لم سمّوا بذلك. وفيهم يقول الشاعر:
قوم لهم درك العلا في حمير ... وإن انتموا صنهاجة فهم هم
لما علوا أحرار كل قبيلة ... غلب الحياء عليهم فتلثموا [2]
وعهد ابن تاشفين بالأمر إلى ولده تومرت. انتهى.
وفيها عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد الفارسي الفامي، أبو محمد الفقيه الشافعي المفتي.
ولد سنة أربع عشرة، واشتغل في العلوم، وصنّف سبعين مصنّفا، وله تفسير ضمّنه مائة ألف بيت شعر [على ما ذكر] ، وكان بارعا في معرفة المذهب. قدم بغداد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وقد أملى بجامع القصر،
__________
[1] في «الكامل في التاريخ» : «تحمل إليه» .
[2] رواية البيت في «مرآة الجنان» (3/ 167) .
لما حووا إحراز كل فضيلة ... غلب الحياء عليهم فتلثموا

(5/428)


وحفظت عليه غلطات في الحديث، وإسقاط رجال، وتصحيف فاحش. أورد منه ابن السمعاني أشياء كثيرة.
وقال يحيى بن مندة: هو أحفظ من رأيناه لمذهب الشافعي.
صنّف كتاب «تاريخ الفقهاء» ومات بشيراز في رمضان. قاله ابن قاضي شهبة [1] .
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 292- 293) وما بين حاصرتين في الترجمة زيادة منه.

(5/429)


تمّ بعون الله تعالى وتوفيقه تحقيقنا للمجلد الخامس من كتاب «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي الدمشقي في الخامس عشر من شهر شعبان عام (1408) هـ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأسأل الله تعالى أن يعيننا على الانتهاء من تحقيق بقية مجلداته بحوله وقوته، إنه خير مسؤول.
محمود الأرناؤوط

(5/430)


[المجلد السادس]
كلمة حول منتخب شذرات الذهب لابن شقدة
الحمد لله وحده، والصلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وبعد: فقد سبقت الإشارة في الكلمة التي كتبتها بين يدي المجلد الخامس من الكتاب، إلى أنني رمزت للنسخة الخطية المعتمدة في تحقيق الكتاب بحرف «آ» وإلى النسخة المطبوعة سابقا في مصر بحرف «ط» وإلى «منتخب شذرات الذهب» ب «المنتخب» ابتداء من المجلد السادس، وذلك في المواطن التي رجعت فيها إليه للتثبت من حال بعض الألفاظ.
وأجدني الآن- وقد أنهيت تحقيق المجلد السادس- مضطرّا إلى تعريف القراء ب «منتخب» ابن شقدة وصاحبه. فكتاب «منتخب شذرات الذهب» ليس بمنتخب لكتاب «شذرات الذهب» وحسب كما قد يتبادر إلى الأذهان، بل إنه يضم في ثناياه إضافات وتعقيبات وفوائد ذوات أهمية كبرى، فقد جاء في مقدمة ابن شقدة له ما نصه: «أما بعد: فإني وقفت على كتاب شذرات الذهب في أخبار من ذهب، للشيخ عبد الحي بن أحمد بن محمد بن العماد، الملقب بأبي الفلاح الحنبلي- سقى الله ثراه طيّب الرّحمة والرّضوان، وأسكنه أعلى فراديس الجنان- فوجدته تاريخا ظريفا، جامعا لذكر من سلف من العلماء، والأولياء، والصالحين، وغيرهم. وبعض قصصهم وأيّامهم ونوادرهم وأخبارهم، ما هو فوق المراد، لكن في حجمه كبر على بعض العباد، فاختصرته إلى نحو نصفه،

(6/1)


وانتخبت منه التراجم الظريفة، الحاوية للنّكت والفوائد الشريفة، وحذفت منه نحو النّصف، وذلك طلبا لتسهيل المراجعة والمطالعة، وتقريب الوصول إلى المقصود، بإعانة ربّنا الواحد المعبود، وضممت إليه بعض نكت وحكايات وتراجم وجدتها في بعض كتب التاريخ، ميّزتها بقولي في أولها: قلت، وفي آخرها: انتهى» .
وتتألف مخطوطة «منتخب شذرات الذهب» من ثلاثمائة وإحدى وثلاثين ورقة، وقد جاء في آخرها ما نصه: «نقلت من نسخة غالبها من خطّ المؤلّف- رحمه الله- أفقر العباد أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد [بن] العماد، غفر الله له ولمن ستر عيبا رآه، وأصلح فيه خللا أبصرته عيناه. وقد اختصره قريبة الفقير عبد الرحيم بن الشيخ مصطفى بن أحمد بن محمد [بن] شقدة إلى نحو نصفه بعد أن نخبه ونقّاه، وسمّاه منتخب شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لطلب تسهيل المراجعة والمطالعة، وذلك في أواخر شعبان سنة أربعين ومائة وألف» .
وأما مؤلّف «المنتخب» العلّامة المؤرخ البارع الشيخ عبد الرحيم بن مصطفى ابن شقدة الدّمشقي الصّالحي [1]- فهو كشيخه ابن العماد- لا يمكن التعريف به تعريفا وافيا إلّا من خلال استقراء شامل لكتابه، بل لمجمل آثاره [2] .
وختاما أسأل الله- عزّ وجلّ- أن يعينني على الانتهاء من تحقيق بقيّة الكتاب، وأن يمدّني ويمدّ والدي [3]- المشرف على تحقيق الكتاب- بعونه وتأييده، إنه نعم المولى ونعم النّصير.
دمشق الشام في التاسع عشر من شهر ربيع الأول لعام 1410 هـ.
محمود الأرناؤوط
__________
[1] انظر ترجمته في «سلك الدّرر» للمرادي (3/ 5) و «الأعلام» للزركلي (3/ 348- 349) الطبعة الرابعة.
[2] وذلك ما سأقوم به وقت دفع «المنتخب» للطبع إن شاء الله تعالى.
[3] تنويه: كل تعليق مختوم بحرف (ع) من الحواشي هو مما تفضل بإضافته والدي حفظه الله أثناء مراجعته للكتاب قبل دفعه للطبع، جزّاه الله عني كل خير.

(6/2)


راموز الصفحة الأولى من منتخب شذرات الذهب

(6/3)


راموز الصفحة الأخيرة من منتخب شذرات الذهب

(6/4)