شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وخمسمائة
فيها توفي أبو غالب أحمد بن محمد بن أحمد الهمذاني العدل.
روى عن أبي سعيد عبد الرحمن بن شبانة [1] وجماعة، أو توفي في العام
الآتي. قاله في «العبر» [2] .
وفيها أبو القاسم إسماعيل بن الحسن السّنجبستي- بفتح السين [3] المهملة
والجيم والموحدة، وسكون النون والمهملة الثانية وفوقية، نسبة إلى
سنجبست، منزل بين نيسابور وسرخس- الفرائضي. توفي في صفر بسنجبست. روى
عن أبي بكر الحيري، وأبي سعيد الصيرفي، وعاش خمسا وتسعين سنة.
وفيها الفضل بن محمد بن عبيد القشيري النيسابوريّ الصّوفيّ العدل. روى
عن أبي حسّان المزّكّي، وعبد الرحمن بن النّصرويي [4] ، وطائفة، وعاش
خمسا وثمانين سنة، وهو أخو عبيد القشيري.
وفيها أبو سعد المعمّر بن علي بن المعمّر بن أبي عمامة [5] البقّال
__________
[1] في «آ» و «ط» : «شبابة» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» مصدر
المؤلف، و «سير أعلام النبلاء» (19/ 272) .
[2] (4/ 11) .
[3] وكذا في «الأنساب» (7/ 162) و «اللباب» (2/ 146) وضبطها ياقوت في
«معجم البلدان» (3/ 263) بكسر السين.
[4] في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه و «سير أعلام النبلاء» (19/ 293) :
«النصروي» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» (12/ 91) و «اللباب» (3/
311) .
[5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «عمارة» والتصحيح من «العبر» (4/ 11) و
«سير أعلام النبلاء»
(6/23)
البغدادي، الحنبلي، الفقيه، الواعظ، ريحانة
البغداديين.
ولد سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وسمع من ابن غيلان، والخلّال، والجوهري،
والأزجي، وغيرهم.
وكان فقيها مفتيا واعظا بليغا فصيحا، له قبول تام، وجواب سريع، وخاطر
حاد، وذهن بغداديّ، وكان يضرب به المثل في حدة الخاطر، وسرعة الجواب
بالمجون، وطيب الخلق، وله كلمات في الوعظ حسنة، ورسائل مستحسنة، وجمهور
وعظه [1] حكايات السلف، وكان يحصل بوعظه نفع كثير [2] ، وكان في زمن
أبي علي بن الوليد شيخ المعتزلة، يجلس في مجلسه، ويلعن المعتزلة.
وخرج مرة فلقي مغنية قد خرجت من عند تركي، فقبض على عودها، وقطّع
أوتاره، فعادت إلى التّركي فأخبرته، فبعث من كبس دار أبي سعد وأفلت هو،
فاجتمع بسبب ذلك الحنابلة، وطلبوا من الخليفة إزالة المنكرات كلها،
فأذن لهم في ذلك.
وكان أبو سعد يعظ بحضرة الخليفة [المستظهر] والملوك، ووعظ يوما نظام
الملك الوزير بجامع المهدي، فقال من جملة ما قال: لما تقلدت أمور
البلاد وملكت أزمّة العباد، اتخذت الأبواب والبواب، والحجاب والحجّاب،
ليصدّوا عنك القاصد، ويردّوا عنك الوافد؟ فاعمر قبرك كما عمّرت قصرك،
وانتهز الفرصة ما دام الدهر [أمّرك، فلا تعتذر، فما ثمّ من] يقبل عذرك.
وهذا ملك الهند، وهو عابد صنم، ذهب سمعه، فقال: ما حسرتي (19/ 451) و
«ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 107) .
__________
[1] يعني ومعظم وعظه.
[2] في «آ» و «ط» : «كبير» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر
المؤلف، وقد نقل عنه بتصرف، وما بين حاصرتين في الترجمة مستدرك منه.
(6/24)
لذهاب هذه الجارحة من بدني، ولكن تأسفي
لصوت المظلوم لا أسمعه فأغيثه [1] ثم قال: إن كان ذهب سمعي فما ذهب
بصري، فليؤمر كل ذي ظلامة أن يلبس الأحمر حتّى، إذا رأيته عرفته
فأنصفته [2] . وهذا أنوشروان، قال له رسول الرّوم: لقد أقدرت عدوك عليك
بتسهيل الوصول إليك، فقال:
إنما أجلس هذا المجلس لأكشف ظلامة، وأقضي حاجة. وأنت يا صدر الإسلام
أحق بهذه المأثره، وأولى بهذه وأحرى، فأعدّ جوابا [3] لتلك المسألة،
فإن السائل الله تعالى، الذي تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ
19: 90 [مريم: 90] في موقف ما فيه إلّا خاشع، أو خاضع، أو مقنع، فينخلع
فيه القلب، ويحكم فيه الرّب، ويعظم فيه الكرب، ويشيب فيه الصغير، ويعزل
فيه الملك والوزير، يوم يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ
الذِّكْرى 89: 23 [الفجر: 23] يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ
من خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ من سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ
بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً 3: 30 [آل عمران: 30] . وقد
استجلبت لك الدعاء، وخلدت لك الثناء، مع براءتي من التهمة، فليس لي-
بحمد الله تعالى- في أرض الله ضيعة ولا قرية، ولا بيني وبين أحد خصومة،
ولا بي بحمد الله فقر ولا فاقة.
فلما سمع، نظام الملك هذه الموعظة بكى بكاء شديدا، وأمر له بمائة
دينار، فأبى أن يأخذها، [وقال: أنا في ضيافة أمير المؤمنين، ومن يكن في
ضيافة أمير المؤمنين يقبح عليه أن يأخذ عطاء غيره] ، فقال [له] : فصلها
[4] إلى الفقراء، فقال هم على بابك أكثر منهم على بابي، ولم يأخذ شيئا.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «فأعينه» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] في «آ» و «ط» : «فأنصفه» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «وأحرى، من أعدّ» .
[4] كذا في «آ» و «ط» : «فصلها» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «فضها» .
(6/25)
وتوفي أبو سعد يوم الاثنين ثامن عشري ربيع
الأول، ودفن من الغد بمقبرة باب حرب، رحمه الله تعالى.
وفيها جعفر بن الحسن الدّرزيجاني- بفتح الدال المهملة وسكون الراء وكسر
الزاي، وتحتية ساكنة، وجيم، نسبة إلى درزيجان، قرية ببغداد- المقرئ
الفقيه الزاهد.
ذكره القاضي أبو الحسين [1] فيمن تفقه على أبيه، وسمع الحديث.
وقال ابن شافع: هو الأمّار بالمعروف، والنهّاء على المنكر، ذو المقامات
المشهودة في ذلك، والمهيب بنور الإيمان واليقين لدى الملوك والمتصرفين.
صحب القاضي أبا يعلى، وتفقه عليه، ثم تمّم على صاحبه الشريف أبي جعفر،
وختم عليه القرآن خلق لا يحصون كثرة.
وكان من عباد الله الصالحين، لا تأخذه في الله لومة لائم، مهيبا،
وقورا، له حرمة عند الملوك والسلاطين، ولا يتجاسر أحد أن يقدم عليه إذا
أنكر منكرا.
وله المقامات المشهودة في ذلك، مداوما للصيام والتهجد والقيام، وله
ختمات كثيرة جدا، كل ختمة منها في ركعة واحدة. وسمع الحديث من أبي علي
بن البناء، وتوفي في الصلاة ساجدا في شهر ربيع الآخر بدرزيجان، رحمه
الله تعالى.
__________
[1] انظر «طبقات الحنابلة» (2/ 257) .
(6/26)
سنة سبع وخمسمائة
فيها توفي أبو بكر الحلواني أحمد بن علي بن بدران، ويعرف بخالوه [1] .
ثقة زاهد متعبد. روى عن القاضي أبي الطّيب الطبري وطائفة.
وفيها رضوان، صاحب حلب ابن تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان السلجوقي،
ومنه أخذت الفرنج أنطاكية، وملك بعده ابنه ألب أرسلان الأخرس.
وفيها الحافظ شجاع بن فارس أبو غالب الذّهلي السّهروردي- بضم السين
المهملة وسكون الهاء وفتح الراء والواو وسكون الراء ومهملة، نسبة إلى
سهرورد بلد عند زنجان [2]- ثم البغدادي، وله تسع وسبعون سنة. نسخ ما لا
يدخل تحت الحصر من التفسير، والحديث، والفقه، لنفسه وللناس، حتّى إنه
كتب شعر ابن الحجّاج سبع مرّات، وروى عن ابن غيلان، وعبد العزيز
الأزجي، وخلق، وتوفي في جمادى الأولى.
قال ابن ناصر الدّين [3] : هو حافظ عمدة إمام.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «بحالويه» وهو تحريف. والتصحيح من «العبر» (4/ 13)
مصدر المؤلف، و «سير أعلام النبلاء» (19/ 380) .
[2] انظر «معجم البلدان» (3/ 289- 290) .
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (157/ ب) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.
(6/27)
وفيها عبد الله بن مرزوق أبو الخير الأصم
الهروي، مولى شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري. كان من الحفّاظ
الزهّاد المتقنين. قاله ابن ناصر الدّين [1] .
وفيها الشّاشي المعروف بالمستظهري، فخر الإسلام أبو بكر محمد ابن أحمد
بن الحسين، شيخ الشافعية. ولد بميّافارقين سنة تسع وعشرين، وتفقه على
محمد بن بيان الكازروني، ثم لزم ببغداد الشيخ أبا إسحاق [2] ، وابن
الصباغ، وصنّف وأفتى، وولي تدريس النظامية، وتوفي في شوال، ودفن عند
الشيخ أبي إسحاق، وقيل: معه في قبر واحد. ومن تصانيفه «حلية العلماء»
وسماه «المستظهري» وغيره، وانتهت إليه رئاسة الشافعية بعد انقراض
مشايخه، فكان ينشد:
خلت الدّيار فسدت غير مسوّد ... ومن العناء تفرّدي بالسؤدد
[3] ذكره في بعض دروسه ووضع المنديل على عينيه وبكى بكاء شديدا.
قال ابن شهبة [4] : كان مهيبا، وقورا، متواضعا، ورعا، وكان يلقب بين
الطلبة في حداثته بالجنيد، لشدة ورعه، وله شعر حسن. وقع بينه وبين
الدامغاني، فأنشأ فيه الشاشي:
حجاب [5] وإعجاب وفرط تصلف ... ومدّ يد نحو العلا بتكلّف
ولو كان هذا من وراء كفاية ... لهان ولكن من وراء تخلّف
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (158/ آ) .
[2] يعني الشيرازي.
[3] البيت في «الوافي بالوفيات» (2/ 73) .
[4] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 324) .
[5] كذا في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة، وفي «طبقات
الشافعية» للإسنوي:
«عجاب» .
(6/28)
ومن تصانيفه «الشافي في شرح الشامل» في
عشرين مجلدا، ومات وقد بقي منه نحو الخمس [1] وكتاب «الحلية» في
مجلدين، وذكر فيه خلافا كثيرا للعلماء، صنفه للخليفة المستظهر بالله،
ولذلك يلقب بالمستظهري، وتصنيف لطيف في [المسألة] السريجية واختار فيه
عدم الوقوع. انتهى ملخصا.
وفيها أبو منصور علي بن محمد بن علي بن إسماعيل الأنباري، القاضي
الفقيه الحنبلي الواعظ.
ولد يوم الخميس خامس عشري ذي الحجة، سنة خمس وعشرين وأربعمائة، وقرأ
القرآن على ابن الشّرمقاني [2] .
وسمع الحديث من أبي طالب بن غيلان، والجوهري وأبي إسحاق البرمكي، وأبي
بكر بن بشران، وغيرهم.
وسمع من القاضي أبي يعلى، وتفقه عليه حتّى برع في الفقه، وأفتى ووعظ،
وكان مظهرا للسّنّة في مجالسه.
وشهد عند ابن [3] الدامغاني، وأبي بكر السّامي، وغيرهما. وولي القضاء
بباب الطاق، وحدّث وانتشرت الرواية عنه. روى عنه عبد الوهاب الأنماطي،
والسّلفي، وغيرهما، وتوفي يوم السبت رابع عشري جمادى الآخرة، ودفن من
الغد بمقبرة باب حرب، وتبعه من الخلق ما لا يحصى كثرة، ولا يعدّهم إلّا
أسرع الحاسبين. قاله ابن رجب [4] .
__________
[1] في «آ» : «نحو الخمسين» .
[2] هو أبو علي الحسن بن أبي الفضل الشرمقاني، المقرئ المؤدّب، المتوفى
سنة (451) هـ.
انظر «الأنساب» (7/ 326- 327) ووقع اسمه في «معرفة القراء الكبار»
للذهبي (1/ 412) طبع مؤسسة الرسالة: «الحسن بن الفضل» وانظر التعليق
عليه.
[3] لفظة «ابن» لم ترد في «آ» وأثبتها من «ط» وفي «ذيل طبقات الحنابلة»
: «عند أبي عبد الله بن الدامغاني» .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 110- 111) .
(6/29)
وفيها أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي بن
أحمد الشيباني المقدسي الحافظ القيسراني، ذو الرحلة الواسعة، والتصانيف
والتعاليق، عاش ستين سنة، وسمع بالقدس أولا من ابن ورقاء، وببغداد من
أبي محمد الصّريفيني، وبنيسابور من الفضل بن المحب، وبهراة من بيبى [1]
، وبأصبهان، وشيراز، والرّي، ودمشق، ومصر، من هذه الطبقة، وكان من أسرع
الناس كتابة، وأذكاهم وأعرفهم بالحديث، والله يرحمه ويسامحه. قاله
الذهبي [2] .
وقال إسماعيل محمد بن الفضل الحافظ: أحفظ من رأيت محمد بن طاهر.
وقال السّلفي: سمعت ابن طاهر يقول: كتبت البخاريّ، ومسلم، وأبا داود،
وابن ماجة سبع مرات بالوراقة.
وقال الحافظ ابن ناصر الدّين [3] : كان حافظا، مكثرا، جوّالا في
البلاد، كثير الكتابة، جيد المعرفة، ثقة في نفسه، حسن الانتقاد ولولا
ما ذهب إليه من إباحة السماع لا نعقد على ثقته الإجماع.
وفيها أبو المظفّر الأبيوردي- بفتح الهمزة وكسر الباء الموحدة وسكون
الياء التحتية وفتح الواو وسكون الراء وبعدها دال مهملة، نسبة إلى
أبيورد، ويقال لها: أبا ورد وباورد، وهي بلدة بخراسان [4]- محمد بن أبي
العبّاس أحمد بن إسحاق الأموي المعاوي اللّغوي الشاعر الأخباري
النسابة، صاحب
__________
[1] جاء في «تاج العروس» (بيب) (2/ 54) طبع الكويت: بيبى كضيزى، أم
الفضل بيبى بنت عبد الصمد بن علي بن محمد الهرثميّة، ذكرها الذهبي في
«التاريخ الكبير» يعني «تاريخ الإسلام» .
[2] انظر «العبر» (4/ 14) .
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (157/ ب) .
[4] انظر «معجم البلدان» (1/ 86 و 333) .
(6/30)
التصانيف والبلاغة والفصاحة، وكان رئيسا
عالي الهمة، ذا بأو وتيه وصلف، توفي [1] بأصبهان مسموما. قاله في
«العبر» [2] .
وقال ابن خلّكان [3] : كان من الأدباء المشاهير، راوية، نسابة، شاعرا
ظريفا، قسم ديوانه إلى أقسام، منها: «العراقيات» ومنها «الوجديات» ،
ومنها «النجديات» وغير ذلك، وكان من أخبر الناس بعلم الأنساب، نقل عنه
الحفاظ الأثبات الثقات.
وقد روى عنه أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في غير موضع من كتابه الذي
وضعه في «الأنساب» [4] وقال في حقه في ترجمة المعاوي [5] : إنه كان
أوحد أهل زمانه في علوم عدّة، وقد أوردنا عنه في غير موضع من هذا
الكتاب أشياء، وكان يكتب في نسبه [6] المعاوي، وأليق ما وصف به بيت أبي
العلاء المعري:
وإنّي وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل
انتهى كلام المقدسي.
وذكره أبو زكريا بن مندة في «تاريخ أصبهان» فقال: فخر الرؤساء أفضل
الدولة، حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، يتصرف [7] ، في فنون جمة من
العلوم، عارف بأنساب العرب، فصيح الكلام، حاذق في تصنيف الكتب، وافر
العقل، كامل الفضل، فريد دهره ووحيد عصره. وكان فيه تيه وكبر وعزة
__________
[1] في «ط» : «وتوفي» .
[2] (4/ 14) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 445- 449) وما بين حاصرتين في الترجمة
مستدرك منه.
[4] وهو المعروف ب «الأنساب المتفقة» .
[5] انظر «الأنساب المتفقة» ص (151) .
[6] في «الأنساب المتفقة» : «في نسبته» .
[7] في «وفيات الأعيان» : «متصرف» .
(6/31)
نفس، وكان إذا صلى يقول: اللهم ملكني مشارق
الأرض ومغاربها.
وذكر عنه ابن السمعاني أنه كتب رقعة إلى أمير المؤمنين المستظهر بالله،
وعلى رأسها الخادم المعاوي، فكره الخليفة النسبة إلى معاوية، فحكّ
الميم ورد الرقعة إليه، فصار العاوي.
ومن محاسن شعره:
ملكنا أقاليم البلاد فأذعنت ... لنا رغبة أو رهبة عظماؤها
فلما انتهت أيامنا علقت بنا ... شدائد أيام قليل رخاؤها
[1]
وكان إلينا في السّرور ابتسامها ... فصار علينا في الهموم بكاؤها
وصرنا نلاقي النائبات بأوجه ... رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤها
إذا ما هممنا أن نبوح بما جنت ... علينا الليالي لم يدعنا حياؤها
وقوله أيضا:
تنكّر بي دهري ولم يدر أنني ... أعزّ وأحداث الزّمان تهون
فبات يريني الخطب كيف اعتداؤه ... وبتّ أريه الصّبر كيف يكون
ومن شعره:
وهيفاء لا أصغي إلى من يلومني ... عليها ويغريني بها أن أعيبها
أميل بإحدى مقلتيّ إذا بدت ... إليها وبالأخرى أراعي رقيبها
وقد غفل الواشي فلم يدر أنني ... أخذت لعيني من سليمى نصيبها
ومن معانيه البديعة قوله من جملة أبيات في وصف الخمرة:
ولها من ذاتها طرب ... فلهذا يرقص الحبب
وله من قصيدة:
__________
[1] في «آ» و «ط» : «قليل رجاؤها» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
(6/32)
فسد الزمان فكلّ من صاحبته ... راج [1]
ينافق أو مداج خاشي
وإذا اختبرتهم ظفرت بباطن ... متجهّم [2] وبظاهر هشّاش
وله تصانيف كثيرة، منها «تاريخ أبيورد ونسا» و «المختلف والمؤتلف» [و
«طبقات كل فنّ» و «ما اختلف وائتلف] في أنساب العرب» .
وله في اللغة مصنفات لم يسبق إلى مثلها، وكان حسن السيرة، جميل الأثر
[3] .
وكانت وفاته يوم الخميس بين الظهر والعصر عشري ربيع الأول مسموما
بأصبهان. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
وفيها ابن اللّبانة، أبو بكر محمد بن عيسى اللّخمي الأندلسي الأديب، من
جلّة [4] الأدباء وفحول الشعراء، له تصانيف عديدة في الآداب، وكان من
شعراء دولة المعتمد بن عبّاد. قاله في «العبر» [5] .
وفيها المؤتمن بن أحمد بن علي بن نصر الرّبعي البغدادي الحافظ، ويعرف
بالسّاجي، حافظ محقّق، واسع الرحلة، كثير الكتابة، متين الورع
والديانة. روى عن أبي الحسين بن النّقور، وأبي بكر الخطيب، وطبقتهما
بالشام، والعراق، وأصبهان، وخراسان، وتفقه وكتب «الشامل» عن مؤلّفه ابن
الصبّاغ، وتوفي في صفر عن اثنتين وستين سنة، وكان قانعا متعففا.
وفيها كما قال السيوطيّ في «تاريخ الخلفاء» [6] : جاء صاحب الأندلس
__________
[1] في «آ» و «ط» : «داج» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[2] في «آ» و «ط» : «متهجم» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[3] في «آ» و «ط» : «جميل الأمر» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[4] في «آ» و «ط» : «من جملة» وما أثبته من «العبر» .
[5] (4/ 15) .
[6] انظر «تاريخ الخلفاء» ص (430) .
(6/33)
مودود بعسكر ليقاتل ملك الفرنج، الذي
بالقدس، فوقع بينهم معركة هائلة، ثم رجع مودود إلى دمشق، فصلى الجمعة
يوما في الجامع، وإذا بباطني وثب عليه فجرحه فمات من يومه، فكتب ملك
الفرنج إلى صاحب دمشق كتابا فيه: وإنّ أمّة قتلت عميدها في يوم عيدها
في بيت معبودها لحقيق على الله أن يبيدها. انتهى كلام السيوطي.
ومودود هذا غير مودود الأعرج صاحب الموصل أيضا، فإن ذاك توفي سنة خمس
وستين وخمسمائة، كما يأتي إن شاء الله تعالى [1] .
__________
[1] انظر ص (358) .
(6/34)
سنة ثمان وخمسمائة
فيها كما قال في «الشذور» ورد كتاب أنه حدث زلزلة، فوقع من سور الرّها
ثلاثة عشر برجا وبعض سور حرّان، وخسف بسميساط، وتساقط في بالس نحو مائة
دار، وقلب نصف القلعة.
وفيها هلك بغدوين صاحب القدس من جراحة أصابته يوم مصافّ طبريّة.
وفيها مات أحمديل [1] ، صاحب مراغة، وكان شجاعا جوادا، وعسكره خمسة
آلاف، فتكت به الباطنية.
وفيها أحمد بن محمد بن غلبون، أبو عبد الله، الخولاني القرطبي ثم
الإشبيلي، وله تسعون سنة. سمّعه أبوه معه من عثمان بن أحمد القيشاطي
[2] وطائفة، وأجاز له يونس بن عبد الله بن مغيث، وأبو عمر
__________
[1] في «ط» : «أحمد بك» وهو كذلك في «المنتظم» (9/ 185) وما جاء في «آ»
موافق لما في «تاريخ دمشق» لابن القلانسي ص (315) وقد جعله من وفيات
سنة (510) و «الكامل في التاريخ» (10/ 487) و «العبر» (4/ 15) و «سير
أعلام النبلاء» (19/ 383) و «النجوم الزاهرة» (5/ 208) .
[2] في «آ» : «القسطالي» وقال ناشر «ط» الأستاذ حسام الدّين القدسي
رحمه الله تعالى: والذي حرره العلّامة المحقق الشيخ أحمد رافع
الطّهطاوي () في «ثبته» أنه «القيشاطي» نسبة إلى قيشاطة، بفتح القاف،
وسكون المثناة التحتية، بعدها شين معجمة، وهي مدينة بالأندلس من أعمال
جيّان، ويقال لها قيجاطة، بالجيم بدل الشين، وعلى الأول اقتصر الصاغاني
في () كان من أفاضل علماء عصره في مصر، صنّف مصنفات عدة تدل على فضله
وسعة علمه في الفقه، والتفسير، والأدب. مات سنة (1355 هـ) . انظر
«الأعلام للزركلي» (1/ 124) .
(6/35)
الطّلمنكي، وأبو ذرّ الهروي، والكبار [1] ،
وكان صالحا خيّرا، عالي الإسناد، منفردا.
وفيها أبو حازم إسماعيل بن المبارك [2] بن أحمد بن محمد بن وصيف
البغدادي [3] ، الفقيه الحنبلي.
ولد سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. وقرأ الفقه على القاضي أبي يعلى، وسمع
من ابن العشاري [4] والجوهري، وروى عنه أبو معمر [5] الأنصاري
وبالإجازة ابن كليب، وتوفي في رجب.
وفيها أبو العباس المخلّطي- بالضم وفتح الخاء واللام المشددة، نسبة إلى
بيع المخلّط، وهو الفاكهة اليابسة- أحمد بن الحسن بن أحمد البغدادي [6]
، الفقيه الحنبلي. صحب القاضي أبا يعلى، وتفقه عليه، ولازمه، وسمع منه
الحديث، وكتب الخلاف وغيره من تصانيفه.
وسمع أيضا من أبي الحسين [7] بن المهتدي، وابن المسلمة، وغيرهم، وحدّث
عنهم.
__________
«التكملة» وأصحاب «القاموس» و «معجم البلدان» و «لب اللباب» والثاني هو
الموجود في تواريخ المغرب، وقد ذكره كثير من أئمة اللغة، ولا مخالفة
بينهما، لأن الجيم فيه فارسية مشوبة بالشين المعجمة، فيجوز رسمها جيما
تحتها ثلاث نقط، ورسمها شينا.
[1] في «آ» و «ط» : «والأبار» وما أثبته من «العبر» .
[2] في «آ» و «ط» : «ابن المبرك» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 112) .
[4] في «آ» و «ط» : «سمع من أبي العشاري» والتصحيح من «ذيل طبقات
الحنابلة» .
[5] في «آ» و «ط» : «ابن المعمري» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة»
وانظر «الأنساب» (11/ 190) .
[6] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 112- 113) .
[7] كذا في «آ» و «ط» و «المنهج الأحمد» (2/ 151 و 204 و 283) وفي «ذيل
طبقات الحنابلة» (1/ 112) : «من أبي الحسن» .
(6/36)
قال ابن ناصر الحافظ: وسمعت منه، قال: وكان
رجلا صالحا من أهل القرآن والسّتر والصيانة، ثقة مأمونا، توفي ليلة
الأربعاء ثاني عشر جمادى الأولى، ودفن من الغد بمقبرة باب حرب، رحمه
الله تعالى.
وفيها أبو علي إسماعيل بن محمد بن الحسن بن داود الأصبهاني الخيّاط [1]
الفقيه الحنبلي. دخل بغداد سنة سبع وخمسمائة، وحدّث بها عن والده وعن
أبي بكر محمد بن أحمد بن الحسن بن ماجة، وأبي مطيع المصري وغيرهم. سمع
منه أبو منصور محمد بن ناصر البردني، وقال: كان من الأئمة الكبار، وهو
أخو أبي سعد محمد بن أحمد بن داود.
قال ابن النجار: قرأت بخط أخيه أبي سعيد، توفي أخي أبو علي إسماعيل في
العشر الآخر من جمادى الآخرة، سنة ثمان وخمسمائة، رحمه الله تعالى.
وفيها ألب أرسلان، صاحب حلب، وابن صاحبها، رضوان بن تتش السلجوقيّ
التركيّ، تملّك وله ست عشرة سنة، فقتل أخويه بتدبير البابا لؤلؤ، وقتل
جماعة من الباطنية، وكانوا قد كثروا في دولة أبيه. ثم قدم دمشق ونزل
بقلعتها، ثم رجع وفي خدمته طغتكين، وكان سيّئ السيرة، فاسقا، فقتله
البابا وأقام أخا له طفلا له ست سنين، ثم قتل البابا سنة عشر.
وفيها أبو الوحش، سبيع بن المسلّم الدّمشقي، المقرئ الضرير، ويعرف بابن
قيراط. قرأ لابن عامر على الأهوازيّ، ورشأ، وروى الحديث عنهما، وعن عبد
الوهاب بن برهان، وكان يقرئ من السّحر إلى الظهر.
توفي في شعبان عن تسع وثمانين سنة.
وفيها النّسيب أبو القاسم، علي بن إبراهيم بن العبّاس الحسيني
__________
[1] انظر «المنهج الأحمد» (2/ 230) .
(6/37)
الدمشقي، الخطيب، الرئيس، المحدّث، صاحب
«الأجزاء العشرين» التي خرّجها له الخطيب، توفي في ربيع الآخر، عن أربع
وثمانين سنة. قرأ على الأهوازي، وروى عنه، وعن سليم، ورشأ [1] وخلق،
وكان ثقة، نبيلا، محتشما، مهيبا، سديدا، شريفا، صاحب حديث وسنّة.
وفيها السلطان علاء الدولة مسعود، صاحب الهند وغزنة، ولد السلطان
إبراهيم بن السلطان مسعود بن السلطان الكبير محمود بن سبكتكين، مات في
شوال، وتملّك بعده ولده أرسلان شاه.
__________
[1] لفظة «ورشأ» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «العبر» .
(6/38)
سنة تسع وخمسمائة
فيها توفي ابن ملّة [1] أبو عثمان إسماعيل بن محمد الأصبهاني الواعظ
المحتسب، صاحب تلك المجالس.
قال ابن ناصر [2] : وضع حديثا وكان يخلّط.
وقال الذهبي [3] : روى [4] عن ابن ريذة وجماعة.
وفيها أبو شجاع الدّيلمي، شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فنّا خسرو-
بفاء ونون، وخاء معجمة، وسين وراء مهملتين، بعدهما واو- الهمذاني
الحافظ، صاحب كتاب «الفردوس» و «تاريخ همذان» وغير ذلك، توفي في رجب عن
أربع وسبعين سنة. وغيره أتقن منه. سمع الكثير من يوسف بن محمد المستملي
وطبقته.
وقال ابن شهبة في «طبقات الشافعية» [5] : وهو من ولد الضحّاك بن فيروز
الصحابي.
ذكره ابن الصلاح فقال: كان محدّثا، واسع الرحلة، حسن الخلق
__________
[1] في «آ» و «ط» و «العبر» : «ابن مسلمة» وهو تحريف، والتصحيح من
«المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص (198) بتحقيق الأستاذ محمد مولود خلف،
و «سير أعلام النبلاء» (19/ 381) .
[2] في «آ» : «ابن ناصر الدين» ، وما أثبته من «ط» وهو الصواب كما في
«العبر» .
[3] في «العبر» (4/ 18) .
[4] في «ط» : «وروى» .
[5] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 316) .
(6/39)
والخلق، ذكيا، صلبا في السّنّة، قليل
الكلام، صنّف تصانيف اشتهرت عنه، منها «كتاب الفردوس» وكتاب في حكايات
المنامات، وكتابا في تاريخ همذان.
ولد سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وتوفي في رجب، سنة تسع وخمسمائة.
انتهى.
وفيها غيث بن علي أبو الفرج الصّوري [الأرمنازي [1] ، خطيب صور]
ومحدّثها.
روى عن أبي بكر الخطيب، ورحل إلى دمشق ومصر، وعاش ستا وستين سنة.
وفيها الشريف أبو يعلى بن الهبّارية [2]- بفتح الهاء وتشديد الباء
الموحدة، وبعد الألف راء، نسبة إلى هبّار جد أبي يعلى المذكور- محمد بن
محمد بن صالح الهاشمي، الشاعر المشهور الهجّاء، الملقب نظام الدّين
البغدادي. كان شاعرا مجيدا حسن المقاصد، لكنه خبيث اللسان، كثير الهجاء
والوقوع في الناس، لا يكاد يسلم من لسانه أحد.
ذكره العماد الكاتب في «الخريدة» فقال: من شعراء نظام الملك، غلب على
شعره الهجاء، والهزل، والسخف، وسبك في قالب ابن حجّاج، وسلك أسلوبه،
وفاقه في الخلاعة. والنظيف من شعره في غاية الحسن [3] .
انتهى كلام العماد.
وكان ملازما لخدمة نظام الملك وولده ملكشاه.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 18) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 453- 457) .
[3] في «آ» و «ط» : «والتلطف في شعره، وشعره في غاية الحسن» وما أثبته
من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف.
(6/40)
ومن معاني شعره الغريبة قوله:
قالوا أقمت وما رزقت وإنما ... بالسير يكتسب اللّبيب ويرزق
فأجبتهم ما كلّ سير نافعا ... الحظّ ينفع لا الرحيل المقلق
كم سفرة نفعت وأخرى مثلها ... ضرّت [1] ويكتسب الحريص ويخفق
كالبدر يكتسب الكمال بسيره ... وبه إذا حرم السعادة يمحق
وله أيضا:
خذ جملة البلوى ودع تفصيلها ... ما في البرية كلها إنسان
وإذا البياذق في الدّسوت تفرزنت ... فالرأي أن يتبيذق الفرزان
وله على سبيل الخلاعة والمجون:
يقول أبو سعيد إذ رآني ... عفيفا منذ عام ما شربت
على يد أي شيخ تبت قل لي ... فقلت على يد الإفلاس تبت
وله في المعنى أيضا:
رأيت في الليل عرسي وهي ممسكة ... ذقني وفي يدها شيء من الأدم
[2]
معوّج الشكل مسودّ به نقط ... لكنّ أسفله في هيئة القدم
حتى تنبّهت محمّر القذال ولو ... طال المنام على الشيخ الأديب عمي
وله كتاب «نتائج الفطنة [3] في نظم كليلة ودمنة» وديوان شعره [كبير]
يدخل في أربع مجلدات، ومن غرائب نظمه كتاب «الصادح والباغم» نظمه على
أسلوب «كليلة ودمنة» وهو أراجيز، وعدد بيوته ألفا بيت، نظمها في عشر
__________
[1] في «ط» : «خسرت» .
[2] رواية الشطرة الثانية من البيت في «وفيات الأعيان» :
أذني، وفي كفها شيء من الأدم
[3] في «آ» و «ط» : «تاريخ الفطنة» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «كشف
الظنون» (2/ 1924) .
(6/41)
سنين، ولقد أجاد فيه كل الإجادة، وسيّر
الكتاب على يد ولده إلى الأمير أبي الحسن صدقة بن منصور الأسدي، صاحب
الحلّة، وختمه بهذه الأبيات:
هذا كتاب حسن ... تحار فيه الفطن
أنفقت فيه مدّه ... معشر سنين عدّه
منذ سمعت باسمكا ... وضعته برسمكا
بيوته ألفان ... جميعها معاني
لفضل كلّ شاعر [1] ... وناظم وناثر
كعمر نوح التالد ... في نظم بيت واحد
من مثله لما قدر ... ما كل من قال شعر
أنفذته مع ولدي ... بل مهجتي وكبدي
وأنت عند ظني ... أهل لكل من
وقد طوى إليكا ... توكلا عليكا
مشقة شديده ... وشقة بعيده
ولو تركت جيت [2] ... سعيا وما ونيت
إن الفخار والعلى ... إرثك من دون الورى
فأجزل صلته وأسنى جائزته.
وتوفي ابن الهبّارية بكرمان.
وفيها أبو البركات بن السّقطي، هبة الله بن المبارك البغدادي [3]
الحنبلي، اتهمه بالوضع ابن حجر في كتابه «تبيين العجب بما ورد في شهر
رجب» وقال عن السقطي: هذا آفة، يعني في وضع الأحاديث.
__________
[1] رواية الشطرة الأولى من البيت في «وفيات الأعيان» :
لو ظل كل شاعر ...
[2] في «ط» : «جئت» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 114- 115) و «المنهج الأحمد» (2/
231- 232) .
(6/42)
قال في «العبر» [1] : أحد المحدّثين
الضعفاء. له «معجم» في مجلد.
كذّبه ابن ناصر.
وفيها أبو البركات العسّال [2] ، محمد بن سعد بن سعيد المقرئ الحنبلي
ابن الحنبلي.
ولد في ربيع الآخر، سنة ستين وأربعمائة، وقرأ بالروايات على رزق الله
التميمي وغيره، وسمع من أبي نصر الزّينبي، وأبي الغنائم، وغيرهما،
وعلّق الفقه على ابن عقيل.
وكان من القراء المجوّدين الموصوفين بحسن الأداء وطيب النغمة، يقصد في
رمضان لسماع قراءته في صلاة التراويح، من الأماكن البعيدة، وكان ديّنا
صالحا ورعا [3] صدوقا، وسمع منه ابن ناصر، والسّلفي، وقال:
كتب الحديث الكثير معنا وقبلنا، وهو حنبلي المذهب، علّق الفقه على ابن
عقيل، وتوفي يوم الثلاثاء سابع رمضان.
وفيها يحيى بن تميم بن المعزّ بن باديس، السلطان أبو طاهر الحميري صاحب
إفريقية، نشر العدل وافتتح عدة حصون لم يتهيأ لأبيه فتحها، وكان جوادا
ممدّحا، عالما، كثير المطالعة، توفي فجأة يوم الأضحى، وخلّف ثلاثين
ابنا، فتملك بعده ابنه عليّ ستة أعوام، ومات، فملّكوا بعده ابنه الحسن
بن علي وهو مراهق، فامتدت دولته إلى أن أخذت الفرنج طرابلس الغرب
بالسيف، سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، فخاف وفرّ من المهدية، والتجأ إلى
عبد المؤمن. قاله في «العبر» [4] .
__________
[1] (4/ 19) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 113) .
[3] لفظة «ورعا» لم ترد في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[4] (4/ 19) .
(6/43)
سنة عشر وخمسمائة
فيها توفي أبو الكرم خميس بن علي الواسطي الحوزي- نسبة إلى الحوز، قرية
قرب واسط- الحافظ، محدّث واسط، رحل وسمع ببغداد من أبي القاسم ابن
البسري، وكان عالما فاضلا ثقة شاعرا.
وفيها أبو بكر الشّيروي [1]- بالكسر والضم، نسبة إلى شيرويه جدّ- عبد
الغفّار [2] بن محمد بن الحسين [3] بن علي بن شيرويه- النيسابوري
التاجر.
مسند خراسان، وآخر من حدّث عن الحيري، والصّيرفي، صاحبي الأصم.
توفي في ذي الحجة، عن ست وتسعين سنة.
قال السمعاني: كان صالحا عابدا، رحل إليه من البلاد.
وفيها أبو القاسم الرزّاز علي بن أحمد بن محمد بن بيان، مسند العراق،
وآخر من حدّث عن أبي مخلد البزاز [4] وطلحة الكتاني، والحرفي.
توفي في شعبان عن سبع وتسعين سنة.
وفيها الغسّال أبو الخير المبارك بن الحسين البغدادي [5] ، المقرئ
__________
[1] ويقال «الشيرويي» بياءين أيضا. انظر «الأنساب» (7/ 467) «سير أعلام
النبلاء» (19/ 246- 248) .
[2] في «آ» و «ط» : «عبد الغافر» والتصحيح من «الأنساب» و «سير أعلام
النبلاء» .
[3] في «آ» و «ط» : «حسين» وما أثبته من «الأنساب» و «سير أعلام
النبلاء» .
[4] تصحفت في «ط» إلى «البزار» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (19/
257) .
[5] انظر «معرفة القراء الكبار» للذهبي (1/ 465) .
(6/44)
الأديب، شيخ الإقراء ببغداد، قرأ على أبي
بكر محمد بن علي الخيّاط وجماعة، وبواسط على غلام الهرّاس، وحدّث عن
أبي محمد الخلّال وجماعة، ومات في جمادى الأولى عن بضع وثمانين سنة.
وفيها أبو الخطّاب محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلوذانيّ [1]-
بفتح أوله والواو ومعجمة وسكون اللام، نسبة إلى كلواذي قرية ببغداد- ثم
الأزجي، شيخ الحنابلة، وصاحب التصانيف. كان إماما علّامة، ورعا صالحا،
وافر العقل، غزير العلم، حسن المحاضرة، جيد النظم، تفقه على القاضي أبي
يعلى، وحدّث عن الجوهري، وتخرّج به أئمة. روى عنه ابن ناصر، وأبو
المعمر الأنصاري، وغيرهم. وقرأ عليه الفقه جماعة من أئمة المذهب، منهم:
عبد الوهاب بن حمزة، وأبو بكر الدّينوري، والشيخ عبد القادر الجيلي
الزاهد صاحب «الغنية» وغيرهم.
قال أبو بكر بن النقور: كان إلكيا الهرّاسي إذا رأى الشيخ أبا الخطّاب
مقبلا قال: قد جاء الفقه.
وقال السّلفيّ: أبو الخطّاب من أئمة أصحاب أحمد، يفتي في [2] مذهبه
ويناظر.
وكان عدلا رضيا [3] ثقة.
وذكر ابن السمعاني: أن أبا الخطّاب جاءته فتوى في بيتي شعر وهما:
قل للإمام أبي الخطّاب مسألة ... جاءت إليك وما يرجى سواك لها
__________
[1] تنبيه: كذا ضبطه المؤلف وابن أبي يعلى في «طبقات الحنابلة» (2/
258) وابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 116) . «الكلوذاني» وضبطه
ياقوت في «معجم البلدان» (4/ 477) «الكلواذي» وضبطه «السمعاني» في
«الأنساب» (10/ 461) والذهبي في «سير أعلام النبلاء» (19/ 348) و
«العبر» (4/ 21) «الكلواذاني» فليحرر.
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «على» .
[3] في «آ» : «رضي» وفي «ط» : «رضا» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة»
(1/ 117) .
(6/45)
ماذا على رجل رام الصلاة فمذ ... لاحت
لناظره ذات الجمال لها؟
فكتب عليها أبو الخطاب:
قل للأديب الذي وافى بمسألة ... سرّت فؤادي لمّا أن أصخت لها
إنّ التي فتنته عن عبادته ... خريدة ذات حسن فانثنى ولها
إن تاب ثمّ قضى عنه عبادته ... فرحمة الله تغشى من عصى ولها
توفي- رحمة الله تعالى عليه- في آخر يوم الأربعاء عشري جمادى الآخرة،
وترك يوم الخميس، وصلّي عليه يوم الجمعة في جامع القصر، ودفن إلى جانب
قبر الإمام أحمد.
قال ابن رجب [1] : قرأت بخطّ أبي العبّاس بن تيمية [2] في تعاليقه
القديمة: رؤي الإمام أبو الخطّاب في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟
فأنشد:
أتيت ربي بمثل هذا ... فقال ذا المذهب الرّشيد
محفوظ نم في الجنان حتّى ... ينقلك السائق الشهيد
وفيها أبو نصر محمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنّاء البغدادي
[3] الواعظ.
ولد في حادي عشري صفر، سنة أربع وثلاثين وأربعمائة.
وسمع من الجوهري، وأبي بكر بن بشران، والعشاري، ووالده، وغيرهم، وتفقه
على أبيه.
وروى عنه أبو المعمر الأنصاري، وابن ناصر، وأثنى عليه ووثقه، وكان
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 118) وقد نقل المؤلف الترجمة كلها
عنه.
[2] يعني شيخ الإسلام تقي الدّين أبي العبّاس أحمد بن عبد الحليم بن
عبد السلام بن تيمية الحرّاني الدمشقي، طيّب الله ثراه.
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 115- 116) .
(6/46)
من أهل الدّين، والصدق، والعلم، والمعرفة،
وخلف أباه في حلقتيه بجامع القصر وجامع المنصور، وتوفي ليلة الأربعاء
خامس عشر ربيع الأول، ودفن بباب حرب.
وفيها أبو طاهر الحنّائي، محمد بن الحسين بن محمد الدمشقي [1] من بيت
الحديث والعدالة.
سمع أباه أبا القاسم، ومحمد وأحمد ابني عبد الرحمن بن أبي نصر، وابن
سعدان، وطائفة، وتوفي في جمادى الآخرة، عن سبع وسبعين سنة.
وفيها أبي النّرسيّ، أبو الغنائم، محمد بن علي بن ميمون [2] الكوفي،
الحافظ القارئ. لقب أبيا لجودة قراءته، وكان ثقة مكثرا ذا إتقان.
روى عن محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي وطبقته بالكوفة، وعن أبي
إسحاق البرمكي وطبقته ببغداد، وناب في خطابة الكوفة، وكان يقول:
ما بالكوفة من أهل السّنّة والحديث إلّا أنا.
وقال ابن ناصر [3] : كان [ثقة] حافظا متقنا ما رأينا مثله، كان يتهجّد،
ويقوم الليل.
وكان أبو عامر العبدري [4] يثني عليه ويقول: ختم به هذا الشأن.
توفي في شعبان، عن ست وثمانين سنة، وكان ينسخ ويتعفف.
وفيها أبو بكر السمعانيّ [5] ، تاج الإسلام، محمد بن العلّامة أبي
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 21- 22) .
[2] انظر «العبر» (4/ 22) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 274- 276) .
[3] انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 275) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[4] تصحفت نسبته في «آ» إلى «العندري» وفي «ط» إلى «الغندري» والتصحيح
من «تذكرة الحفاظ» (4/ 1261) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 275) و
«العبر» (4/ 22) .
[5] انظر «العبر» (4/ 22- 23) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 371- 373) و
«طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 31- 32) .
(6/47)
المظفّر منصور بن محمد التميمي المروزي
الحافظ، والد الحافظ أبي سعد.
كان بارعا في الحديث ومعرفته، والفقه ودقائقه- وكان شافعيا- والأدب
وفنونه، والتاريخ والنسب والوعظ. روى عن محمد بن أبي عمران الصفّار،
ورحل فسمع ببغداد من ثابت بن بندار وطبقته، وبنيسابور من نصر الله
الخشنامي وطبقته، وبأصبهان، والكوفة، والحجاز، وأملى الكثير، وتقدم على
أقرانه، وعاش ثلاثا وأربعين سنة.
قال عبد الغافر في «الذيل» : هو الإمام ابن الإمام ابن الإمام، ووالد
الإمام، شاب نشأ في عبادة الله تعالى وفي التحصيل من صباه، حتّى أرضى
أباه، حظي [1] من الأدب والعربية، وتميّز فيهما [2] ، نظما ونثرا بأعلى
المراتب، ثم برع في الفقه، مستدرا خلافة [3] من أبيه، بالغا في المذهب
والخلاف أقصى مراميه، وزاد على أقرانه وأهل عصره بالتبحر في علم
الحديث، ومعرفة الرجال والأسانيد، وحفظ المتون، وجمعت فيه الخلال
الجميلة من الإنصاف والتواضع والتودد، وأطال في وصفه كثيرا.
وذكره ولده في «الذيل» وقال، من جملة كلام طويل: صنف في الحديث [4]
تصانيف كثيرة.
ولد سنة ست وستين وأربعمائة، وتوفي بمرو في صفر، سنة عشر وخمسمائة، وله
شعر كثير، قيل إنه غسله قبل موته، وأن الذي ينسب إليه ما كان محفوظا
عنه.
__________
[1] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «إلى أن أرضى أباه، حتى من الأدب ...
» .
[2] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «بها» .
[3] كذا في «آ» وفي «ط» : «خلافة» وفي «طبقات الشافعية» للإسنوي:
«أخلاقه» .
[4] في «ط» : «الأحاديث» .
(6/48)
|