شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى عشرة وخمسمائة
فيها كما قال في «الشذور» زلزلت بغداد يوم عرفة، فكانت الحيطان تذهب وتجيء، وكان عقيبها موت المستظهر. انتهى.
وفيها كما قال في «الدول» [1] : جاء سيل عظيم عرم على سنجار، هدم أسوارها، وغرق خلق، وحمل باب البلد مسيرة نصف يوم، وطمره السيل سنوات، وحمل السيل سريرا فيه طفل فعلق بزيتونة وعاش الطفل وكبر.
وفيها مات بغدوين، الذي افتتح القدس، وكان جبّارا خبيثا، شجاعا، همّ بأخذ مصر، وسار في جموعه حتّى وصل بلبيس، ثم رجع عليلا، فمات بسبخة بردويل [2] ، فشقّوه وصبّروه، ورموا حشوته هناك، فهي ترجم إلى اليوم، ودفن بقمامة، وتملّك القدس بعده القمص صاحب الرّها، وكان قدم القدس زائرا، فوصى بغدوين له بالملك بعده. انتهى كلام صاحب «الدول» .
وفيها كما قال في «العبر» [3] : ترحلت العساكر عن حصار الباطنية بالألموت لمّا بلغهم موت السلطان محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن
__________
[1] في «آ» : «الذيل» وهو خطأ، وأثبت ما جاء في «ط» وهو الصواب، فهو ينقل عن «دول الإسلام» للذهبي (2/ 38) طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب.
[2] في «آ» و «ط» : «بصنجة بردويل» وما أثبته من «دول الإسلام» وجاء في حاشيته: سبخة بردويل: تقع في الجنوب الغربي من مدينة العريش، وتطل على ساحل بحيرة بردويل من البحر الأبيض المتوسط.
[3] (4/ 23) .

(6/49)


جغريبك بن ميكائيل بن سلجوق التركي غياث الدّين أبو شجاع [1] . كان فارسا شجاعا فحلا، ذا برّ ومعروف، استقلّ بالملك بعد موت أخيه بركياروق وقد تمّت لهما حروب عديدة، وخلّف محمد أربعة قد ولّوا السلطنة: محمود ومسعود [2] ، وطغرلبك، وسليمان، ودفن في ذي الحجة بأصبهان في مدرسة عظيمة للحنفية، وقام بعده ابنه محمود ابن أربع عشرة سنة، ففرّق الأموال.
وقد خلّف محمد أحد عشر ألف ألف دينار سوى ما يناسبها من الحواصل، وعاش ثماني وثمانين سنة، سامحه الله تعالى. انتهى.
وفيها توفي حمد بن نصر بن أحمد بن محمد بن عمر بن علي بن معروف الهمذاني الأعمش، أبو العلاء. كان ثقة عمدة حافظا. قاله ابن ناصر الدّين [3] .
وفيها أبو نصر الكاساني- بمهملة، نسبة إلى كاسان، بلد وراء الشّاش- أحمد بن إسماعيل [4] بن نصر بن أبي سعيد. أخذ عن جماعة من الأعيان بالعراق والحجاز، وسمرقند، وخراسان.
وفيها أبو طاهر عبد الرحمن بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف اليوسفي البغدادي [5] راوي «سنن الدارقطني» عن أبي بكر بن بشران عنه، وكان رئيسا وافر الجلالة، توفي في شوال، عن ست وسبعين سنة [6] .
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 23- 24) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 506- 507) .
[2] في «آ» و «ط» : «وسعود» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» (5/ 200) و «العبر» (4/ 24) .
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (159/ آ) .
[4] كذا في «آ» و «ط» . وفي «الأنساب» (10/ 320) : «أحمد بن سليمان بن نصر» ولعله المترجم في كتابنا، والله أعلم.
[5] انظر «العبر» (4/ 24) .
[6] لفظة «سنة» لم ترد في «آ» .

(6/50)


وفيها أبو القاسم غانم بن محمد بن عبيد الله البرجي- وبرج من قرى أصبهان- سمع أبا نعيم الحافظ، وأجاز له ابن شاذان، والحسين الجمّال، وكان صدوقا فاضلا، توفي في ذي القعدة، عن أربع وتسعين سنة.
وفيها أبو علي بن نبهان الكاتب، محمد بن سعيد بن إبراهيم الكرخي، مسند العراق. روى عن ابن شاذان [1] وبشرى [2] الفاتني، وابن دوما، وهو آخر أصحابهم.
قال ابن ناصر: فيه [3] تشيع وسماعه صحيح، بقي قبل موته سنة ملقى على ظهره لا يعقل ولا يفهم، وذلك من أول سنة إحدى عشرة، وتوفي في شوال وله مائة سنة كاملة، وله شعر وأدب.
وفيها أبو الفضل محمد بن علي [بن طالب] بن محمد بن زببيا [4] الخرقي البزّار، الفقيه الحنبلي.
ولد في العشر الأخير من المحرم، سنة ست وثلاثين وأربعمائة، وسمع من القاضي أبي يعلى، والجوهري، وابن المذهب، وغيرهم، وحدّث وروى عنه السّلفيّ وجماعة كثيرة، منهم: ابن ناصر [5] ، وذكر عنه أنه كان يعتقد عقيدة الفلاسفة تقليدا عن غير معرفة، نسأل الله العافية.
وقال ابن الجوزي: قال شيخنا ابن ناصر: لم يكن بحجة، كان على غير السمت المستقيم، توفي ليلة السبت تاسع شوال، سامحه الله ورحمه.
__________
[1] في «آ» : «عن شاذان» وما أثبته من «ط» وهو الصواب.
[2] هو بشرى بن مسيس الرّومي الفاتني أبو الحسن. انظر «تاريخ بغداد» (7/ 135) و «الأنساب» (9/ 208) والتعليق عليه لصديقي الفاضل الأستاذ رياض عبد الحميد مراد حفظه الله تعالى ونفع به.
[3] لفظة «فيه» سقطت من «آ» .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 137- 138) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[5] في «آ» : «ابن ناصر الدين» وهو خطأ.

(6/51)


وفيها أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن الحافظ محمد بن إسحاق بن مندة العبدي الأصبهاني [1] الحافظ الحنبلي، صاحب «التاريخ» . روى الكثير عن جماعة، منهم: أبوه وعماه، وابن ريذة- وسمع منه «المعجم الكبير» للطبراني- وخلق. وسمع منه الكبار، منهم: الحافظ أبو القاسم إسماعيل التيمي، ومحمد بن عبد الواحد الدقّاق، وخلق لا يحصون، وقدم بغداد حاجّا في الشيخوخة، فأملى وحدّث بها، وأسمع بها أبا منصور الخيّاط، وأبا الحسين بن الطّيوري، وهما [2] أسنّ منه، وأقدم إسنادا، وسمع منه بها أيضا ابن ناصر، وعبد الوهاب الأنماطي، والشيخ عبد القادر الجيلي، وابن الخشّاب، والحافظ السّلفي، وقال فيه يمدحه:
إنّ يحيى فديته من إمام ... حافظ متقن تقي حليم
جمع النّبل والأصالة والعق ... ل وفي العلم فوق كلّ عليم
وقال عبد الغافر في «تاريخ نيسابور» : هو رجل فاضل، من بيت العلم والحديث، المشهور في الدّنيا. سمع من مشايخ أصبهان، وسافر، ودخل نيسابور، وأدرك المشايخ، وسمع منهم، وجمع وصنّف على «الصحيحين» وعاد إلى بلده.
وقال ابن السمعاني في حقه: جليل القدر، وافر الفضل، واسع الرواية، ثقة، حافظ، فاضل، مكثر، صدوق، كثير التصانيف، حسن السيرة، بعيد التكلف، أوحد بيته في عصره، صنف «تاريخ أصبهان» وغيره من المجموع.
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 395- 396) و «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص (431- 433) طبع مؤسسة الرسالة.
[2] لفظة «وهما» سقطت من «آ» .

(6/52)


قال ابن رجب [1] : صنّف مناقب العبّاس في أجزاء كثيرة، ومناقب أحمد- رضي الله عنه- في مجلد كبير، وتوفي في ذي الحجة، وله أربع وسبعون سنة، وآخر أصحابه الطّرسوسي.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 129- 137) .

(6/53)


سنة اثنتي عشرة وخمسمائة
في الثالث والعشرين من شهر ربيع الآخر، توفي الإمام المستظهر بالله أبو العبّاس، أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن الأمير محمد بن القائم [1] العبّاسي، وله اثنتان وأربعون سنة. وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة وثلاثة أشهر، وكان قوي الكتابة، جيد الأدب والفضيلة، كريم الأخلاق، مسارعا في أعمال البرّ، توفي بالخوانيق، وغسّله ابن عقيل شيخ الحنابلة، وصلّى عليه ابنه المسترشد بالله، وخلّف جماعة أولاد.
وتوفيت جدّته أرجوان بعده بيسير، وهي سرّية محمد الذخيرة. قاله في «العبر» [2] .
وقال السيوطيّ في «تاريخ الخلفاء» [3] : ولد في شوال سنة سبعين وأربعمائة، وبويع له عند موت أبيه وله ستّ عشرة سنة.
قال ابن الأثير [4] : كان لين الجانب، كريم الأخلاق، يسارع في أعمال البرّ، حسن الخطّ، جيد التوقيعات، لا يقاربه فيها أحد، يدلّ على فضل غزير، وعلم واسع، سمحا، جوادا، محبا للعلماء والصلحاء، ولم تصف له الخلافة، بل كانت أيامه مضطربة، كثيرة الحروب، ومن شعره:
__________
[1] تحرف في «ط» إلى «القاسم» .
[2] (4/ 26) .
[3] ص (426- 431) .
[4] انظر «الكامل في التاريخ» (10/ 536) .

(6/54)


أذاب حرّ الهوى في القلب ما جمدا ... لمّا [1] مددت إلى رسم الوداع يدا
وكيف أسلك نهج الاصطبار وقد ... أرى طرائق في مهوى [2] الهوى قددا
إن كنت أنقض عهد الحبّ يا سكني [3] ... من بعد حبي [4] فلا عاينتكم [5] أبدا
انتهى كلام السيوطي ملخصا.
وفيها شمس الأئمة أبو الفضل، بكر بن محمد بن علي الأنصاري الجابري الزّرنجري- بفتح الزاي والراء والجيم، وسكون النون، نسبة إلى زرنجرى [6] ، قرية ببخارى- الفقيه شيخ الحنفية بما وراء النهر، وعالم تلك الدّيار، ومن كان يضرب به المثل في حفظ مذهب أبي حنيفة.
ولد سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وتفقه على شمس الأئمة محمد بن أبي سهل السّرخسي، وشمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد الحلواني، وسمع من أبيه، ومن أبي مسعود البجلي وطائفة. وروى «البخاري» عن أبي سهل الأبيوردي، عن ابن حاجب الكشّاني.
وفيها نور الهدى أبو طالب، الحسين بن محمد الزّينبي [7] ، أخو طراد، توفي في صفر، وله اثنتان وتسعون سنة. وكان شيخ الحنفية ورئيسهم بالعراق. روى عن ابن غيلان وطبقته، وحدّث بالصحيح غير مرة، عن كريمة المروزية، وكان صدرا نبيلا علّامة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «يوما» وما أثبته من «تاريخ الخلفاء» و «الكامل في التاريخ» .
[2] في «آ» و «ط» : «من يهوى» وما أثبته من «تاريخ الخلفاء» و «الكامل في التاريخ» .
[3] في «الكامل في التاريخ» : «في خلدي» .
[4] في «الكامل في التاريخ» و «تاريخ الخلفاء» : «من بعد هذا» .
[5] في «آ» : «عاتبتكم» وفي «الكامل في التاريخ» : «عاينته» وما أثبته من «ط» و «تاريخ الخلفاء» .
[6] كذا في «آ» و «ط» و «معجم البلدان» (3/ 138) وفيه قال ياقوت: وربما قيل لها زرنكرى.
وفي «سير أعلام النبلاء» (19/ 415) : «زرنجر» .
[7] انظر «العبر» (4/ 27) .

(6/55)


وفيها أبو القاسم الأنصاري، العلّامة سلمان بن ناصر بن عمران النيسابوري [1] الشافعي المتكلم، تلميذ إمام الحرمين، وصاحب التصانيف، وكان صوفيّا زاهدا، من أصحاب القشيري. روى الحديث عن أبي الحسين عبد الغافر الفارسي وجماعة، وتوفي في جمادى الآخرة.
قال ابن شهبة [2] : كان فقيها، إماما في علم الكلام والتفسير، زاهدا، ورعا، يكتسب من خطّه، ولا يخالط أحدا، وشرح «الإرشاد» للإمام [3] ، وله كتاب «الغنية» . أصابه في آخر عمره ضعف في بصره ويسير وقر في أذنه [4] .
انتهى ملخصا.
وفيها أبو البركات العاقولي [5] ، طلحة بن أحمد بن طلحة بن أحمد ابن الحسين بن سليمان، الفقيه الحنبلي القاضي.
ولد يوم الجمعة بعد صلاتها، ثالث عشري شعبان، سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة بدير العاقول، وهي على [6] خمسة عشر فرسخا من بغداد، ودخل بغداد سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، واشتغل بالعلم سنة اثنتين وخمسين، وسمع من أبي محمد الجوهري سنة ثلاث وخمسين، ومن القاضي أبي يعلي، وأبي الحسين بن حسنون وغيرهم.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 27- 28) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 314) .
[3] أي إمام الحرمين، وهو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني أبو المعالي ركن الدين، لقب بإمام الحرمين، من العلماء المتأخرين من أصحاب المذهب الشافعي، من مؤلفاته «الإرشاد» في أصول الدين، وقد مضت ترجمته في المجلد الخامس ص (338- 343) فراجعها. (ع) .
[4] كذا في «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «في أذنه» وفي «آ» : «في أذنيه» .
[5] انظر «المنهج الأحمد» (2/ 248- 249) .
[6] لفظة «على» لم ترد في «آ» .

(6/56)


قال ابن الجوزي: قرأ الفقه على القاضي يعقوب، وهو من متقدمي أصحابه، وكان عارفا بالمذهب، حسن المناظرة.
وقال ابن شافع: سماعه صحيح، وكان ثقة أمينا، ومضى على السلامة والستر.
وقال ابن رجب: روى عنه ابن ناصر، والشيخ عبد القادر بالإجازة.
وتوفي طلحة العاقولي ليلة الثلاثاء، ثاني أو ثالث شعبان.
وفيها عبيد بن محمد بن عبيد أبو العلاء القشيري [1] التاجر، مسند نيسابور. روى عن أبي حسّان المزّكّي، وعبد الرحمن النّصرويي [2] ، وطائفة، ودخل المغرب للتجارة، وحدّث هناك، توفي في شعبان، وله خمس وتسعون سنة.
وفيها أبو القاسم بن الشوا [3] ، يحيى بن عثمان بن الحسين بن عثمان بن عبد الله البيع الأزجي [4] الفقيه الحنبلي.
ولد في شوال، سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، وقرأ القرآن بالروايات، وسمع من ابن المهتدي، وابن المسلمة، والجوهري، والقاضي أبي يعلى، وغيرهم. وتفقه على القاضي أبي يعلى، ثم على القاضي يعقوب، وكان فقيها حسنا، صحيح السماع، وحدّث بشيء يسير، وروى عنه ابن المعمّر الأنصاري في «معجمه» وتوفي ليلة الثلاثاء تاسع عشر جمادى الآخرة، ودفن بمقبرة باب حرب، رحمه الله تعالى.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 28) .
[2] في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه و «سير أعلام النبلاء» (19/ 293) : «النصروي» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» (12/ 91) و «اللباب» (3/ 311) .
[3] في «ط» : «ابن الشرا» وهو تحريف.
[4] انظر «المنهج الأحمد» (2/ 248) .

(6/57)


سنة ثلاث عشرة وخمسمائة
قال في «العبر» [1] : فيها ظهر قبر إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام، وإسحاق ويعقوب، ورآهم جماعة لم تبل أجسادهم وعندهم في تلك المغارة قناديل من ذهب وفضّة. قاله حمزة بن القلانسي في «تاريخه» .
انتهى.
وفيها توفي أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الظّفري [2] ، شيخ الحنابلة، وصاحب التصانيف، ومؤلّف كتاب «الفنون» الذي يزيد على أربعمائة مجلد، وكان إماما مبرزا، كثير العلوم، خارق الذكاء، مكبّا على الاشتغال والتصنيف، عديم النظير. روى عن أبي محمد الجوهري، وتفقه على القاضي أبي يعلى وغيره، وأخذ علم الكلام عن أبي علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التبّان.
قال السّلفي: ما رأيت مثله، وما كان أحد يقدر أن يتكلّم معه لغزارة علمه، وبلاغة كلامه، وقوة حجته، توفي في جمادى الأولى، وله ثلاث وثمانون سنة. قاله جميعه في «العبر» [3] .
__________
[1] (4/ 29) وانظر الخبر بروايته الكاملة في «تاريخ» ابن القلانسي ص (321) بتحقيق الدكتور سهيل زكّار، فهو مفيد.
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 443- 451) .
[3] (4/ 29- 30) .

(6/58)


وقال ابن رجب في «طبقاته» [1] : ولد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، في جمادى الآخرة، كذا نقله [عنه] ابن ناصر، والسّلفي، وحفظ القرآن، وقرأ بالقراءات والروايات على أبي الفتح بن شيطا، [وكان يقول: شيخيّ في القراءة: ابن شيطا] ، وفي الزهد: أبو بكر الدّينوري، وأبو بكر بن زيدان، وأبو الحسين القزويني، وذكر جماعة غيرهم من الرجال والنساء.
وفي آداب [2] التصوف: أبو منصور صاحب الزيادة العطار، وأثنى عليه. وفي الحديث: ابن النّوري، وأبو بكر بن بشران، والعشاري، والجوهري، وغيرهم. وفي الشعر والترسل: ابن شبل، وابن الفضل.
وفي الفرائض [3] : أبو الفضل الهمذاني، وفي الوعظ: أبو طاهر بن العلّاف صاحب ابن سمعون، وفي الأصول: أبو الوليد وأبو القاسم بن التبّان. وفي الفقه: القاضي أبو يعلى المملوء عقلا وزهدا وورعا، قرأت عليه سنة سبع وأربعين ولم أخل بمجالسه وخلواته التي تتسع لحضوري والمشي معه ماشيا، وفي ركابه إلى أن توفي. وحظيت من قربه بما لم يحظ به أحد من أصحابه مع حداثة سني. والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، إمام الدّنيا وزاهدها، وفارس المناظرة وواحدها. كان يعلمني المناظرة، وانتفعت بمصنفاته.
ومن مشايخي أبو محمد التميمي، كان حسنة العالم، وماشطة بغداد.
ومنهم: أبو بكر الخطيب، كان حافظ وقته. وكان [4] أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء. وكان ذلك يحرمني علما نافعا.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 142- 162) وما بين حاصرتين في النص مستدرك منه.
[2] في «ط» : «في أدب» .
[3] قوله: «وفي الفرائض» سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[4] في «ط» : «كان» .

(6/59)


ثم قال: وعانيت من الفقر والنسخ بالأجرة مع عفة وتقى، ولا أزاحم فقيها في حلقة ولا تطلب نفسي رتبة من رتب أهل العلم القاطعة لي عن الفائدة، وتقلبت عليّ الدول، فما أخذتني دولة سلطان ولا عامة عما اعتقد أنه الحق، فأوذيت من أصحابي، حتّى طلب الدم، وأوذيت في دولة النظام بالطلب والحبس- فيا من خفت الكلّ لأجله لا تخيب ظني فيك- وعصمني الله تعالى في عنفوان [1] شبابي بأنواع [من] العصمة، وقصر محبتي على العلم وأهله، فما خالطت لعّابا قطّ، ولا عاشرت إلا [2] أمثالي من طلبة العلم.
والأذية التي ذكرها من أصحابه له، وطلبهم منه هجران جماعة من العلماء، نذكر بعض شرحها، وذلك:
أن أصحابنا كانوا ينقمون على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد، وابن التبّان [3] شيخي المعتزلة، وكان يقرأ عليهما في السرّ علم الكلام، ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحراف عن السّنّة، وتأول لبعض الصفات، ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات، رحمه الله.
ففي سنة إحدى وستين اطلعوا له على كتب فيها شيء من تعظيم المعتزلة، والترحّم على الحلّاج، وغير ذلك. ووقف على ذلك الشريف أبو جعفر وغيره، فاشتد ذلك عليهم، وطلبوا أذاه، فاختفى. ثم التجأ إلى دار السلطان، ولم يزل أمره في تخبيط إلى سنة خمس وستين، فحضر في أولها إلى الديوان، ومعه جماعة من الأصحاب، واصطلحوا، ولم يحضر الشريف أبو جعفر.
فمضى ابن عقيل إلى بيته وصالحه وكتب خطّه بالتبري من موالاة
__________
[1] في «آ» : «عنوان» وهو خطأ.
[2] في «ط» : «من» .
[3] في «ط» : «وابن التباني» .

(6/60)


أهل البدع، والترحم على أمواتهم، وعلى الحلّاج وأمثاله، وأشهد عليه جماعة كثيرة من الشهود والعلماء.
قال ابن الجوزي وأفتى ابن عقيل، ودرّس وناظر الفحول، واستفتي في الديوان في زمن القائم في زمرة من الكبار. وجمع علم الفروع والأصول، وصنّف فيها الكتب الكبار، وكان دائم التشاغل بالعلم، حتّى إني رأيت بخطه:
إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتّى إذا تعطّل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي، وأنا منطرح [1] فلا أنهض إلّا وقد خطر لي ما أسطره.
وقال ابن الجوزي أيضا: وكان ابن عقيل قويّ الدّين، حافظا للحدود.
وكان كريما ينفق ما يجد، فلم يخلّف سوى كتبه وثياب بدنه، وكانت بمقدار كفنه، وأداء دينه. انتهى.
وكان- رحمه الله تعالى- بارعا في الفقه وأصوله. له في ذلك استنباطات عظيمة حسنة، وتحريرات كثيرة مستحسنة.
وله تصانيف كثيرة في أنواع العلم، وأكبر تصانيفه كتاب «الفنون» وهو كبير جدا، فيه فوائد كثيرة جليلة، في الوعظ، والتفسير، والفقه، والأصول [2] والنحو، واللغة، والشعر، والتاريخ، والحكايات. وفيه مناظراته ومجالسه التي وقعت له، وخواطره، ونتائج فكره قيّدها فيه.
قال ابن الجوزي: وهذا الكتاب مائتا مجلد.
وقال عبد الرزاق الرسعني في «تفسيره» : قال لي أبو البقاء اللّغوي:
سمعت الشيخ أبا حكيم النّهرواني يقول: وقفت على السّفر الرابع بعد الثلاثمائة من كتاب «الفنون» .
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» : «منطرح» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «مستطرح» .
[2] كذا في «آ» : «والأصول» وفي «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «والأصلين» .

(6/61)


وقال الحافظ الذهبي في «تاريخه» : لم يصنّف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب. حدثني من رأى منه المجلد الفلاني بعد الأربعمائة.
وقال بعضهم: هو ثمانمائة مجلد [1] .
وله في الفقه كتاب «الفصول» ويسمى «كفاية المفتي» في عشر مجلدات، وله كتب كثيرة غير ذلك.
قال السّلفي: ما رأت عيناي مثل الشيخ أبي الوفاء بن عقيل، ما كان أحد يقدر أن يتكلم معه لغزارة علمه، وحسن إيراده، وبلاغة كلامه، وقوة حججه، ولقد تكلم يوما مع شيخنا أبي الحسن إلكيا الهرّاسي في مسألة، فقال له شيخنا: ليس هذا بمذهبك. فقال: أنا لي اجتهاد، متى طالبني خصمي بحجة، كان عندي ما أدفع به عن نفسي، وأقول له بحجتي. انتهى.
وكان ابن عقيل كثير التعظيم للإمام أحمد وأصحابه، والردّ على مخالفيهم.
وله مسائل كثيرة ينفرد بها.
منها: أن الرّبا لا يجري إلّا في الأعيان الستة المنصوص عليها.
ومنها: أن المشروع في عطية الأولاد التسوية بين الذكور والإناث.
ومنها أنه يجوز استئجار الشجر المثمر تبعا للأرض، لمشقة التفريق بينهما.
ومنها: أن الزروع [2] والثمار التي تسقى بماء نجس طاهرة مباحة، وإن لم تسق بعده بماء طاهر.
ومنها: أنه لا يجوز وطء المكاتبة، وإن اشترط وطأها في عقد الكتابة.
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «مجلدة» .
[2] في «ط» : «الزرع» .

(6/62)


ومنها: أنه لا زكاة في حليّ المواشط المعد للكراء.
إلى غير ذلك.
وتوفي أبو الوفاء- رحمه الله تعالى- بكرة الجمعة، ثاني عشر جمادى الأولى، وصلّي عليه في جامعي القصر والمنصور. وكان الجمع يفوت الإحصاء.
قال ابن ناصر: حزرتهم بثلاثمائة ألف. ودفن في دكة قبر الإمام أحمد رضي الله عنه. وقبره ظاهر، رضي الله عنه.
وقال ابن الجوزي: حدثني بعض الأشياخ: أنه لما احتضر ابن عقيل، بكى النساء، فقال: قد وقّعت عنه [1] خمسين سنة، فدعوني أتهنأ بلقائه.
انتهى ما أورد ابن رجب ملخصا كثيرا.
ثم قال [2] : وكان لابن عقيل ولدان ماتا في حياته، أحدهما:
أبو الحسن عقيل. كان في غاية الحسن، وكان شابا فهما، ذا خطّ حسن.
قال ابن القطيعي: حكى والده أنه ولد ليلة حادي عشري [3] رمضان، سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.
وحكى غيره أنه سمع من هبة الله بن عبد الرزاق الأنصاري، وعلي بن حسين بن أيوب، وغيرهما. وتفقه على أبيه، وناظر في الأصول والفروع.
وسمع الحديث الكثير، وشهد عند قاضي القضاة أبي الحسن ابن
__________
[1] يعني عن الله تعالى.
[2] القائل ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 163- 165) .
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «حادي عشر» .

(6/63)


الدامغاني، فقبل قوله. وكان فقيها فاضلا، يقول الشعر، وكان يشهد مجلس الحكم، ويحضر الموكب.
وتوفي- رحمه الله- يوم الثلاثاء، منتصف محرم، سنة عشر، وقيل سنة ثلاث عشرة، قبل والده بشهر واحد، وكان له من العمر سبع وعشرون سنة، ودفن في داره [بالظفرية] ، فلما مات أبوه نقل معه إلى دكة الإمام أحمد.
قال والده: مات ولدي عقيل، وكان قد تفقّه وناظر، وجمع أدبا حسنا فتعزّيت بقصة عمرو بن عبد ودّ الذي قتله علي رضي الله عنه، فقالت أمّه ترثيه:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... ما زلت أبكي عليه دائم الأبد
لكنّ قاتله من لا يقاد به ... من كان يدعى أبوه بيضة البلد
فأسلاها وعزاها جلالة القاتل، وفخرها بأن ابنها مقتوله. فنظرت إلى قاتل ولدي الحكيم المالك، فهان عليّ القتل والمقتول لجلالة القاتل، وأكب عليه وقبّله، وهو في أكفانه. وقال: يا بني استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه. الرّبّ خير لك مني، ثم مضى وصلى عليه.
ومن شعر عقيل هذا:
شاقه والشوق من غيره ... طلل عاف سوى أثره
مقفر إلّا معالمه ... واكف بالودق من مطره
فانثنى والدمع منهمل ... كانسلال السلك عن درره
طاويا كشحا على نوب ... سبحات لسن من وطره
رحلة الأحباب عن وطن ... وحلول الشّيب في شعره
شيم للدّهر سالفة ... مستبينات لمختبره
وقبول الدّر مبسمها ... أبلج يفترّ عن خصره

(6/64)


هزّ عطفيها الشباب كما ... ماس غصن البان في شجره
ذات فرع فوق ملتمع ... كدجى أبدى سنا قمره
خصرها يشكو روادفها ... كاشتكاء الصبّ من سهره
نصبت قلبي لها غرضا ... فهو مصمى بمعتوره
والآخر:
أبو منصور هبة الله. ولد في ذي الحجة، سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وحفظ القرآن، وتفقه، وظهر منه أشياء تدل على عقل غزير ودين عظيم. ثم مرض وطال مرضه، وأنفق عليه أبوه مالا في المرض وبالغ.
قال أبو الوفاء: قال لي ابني لما تقارب أجله: يا سيدي قد أنفقت وبالغت في الأدوية، والطب والأدعية [1] ، ولله تعالى في اختيار، فدعني مع اختياره. قال: فو الله ما أنطق الله سبحانه وتعالى ولدي بهذه المقالة التي تشاكل قول إسحاق لإبراهيم [2] : افْعَلْ ما تُؤْمَرُ 37: 102 [الصافات: 103] إلّا وقد اختاره للحظوة.
__________
[1] قوله: «والطب والأدعية» سقط من «آ» .
[2] قلت: اختلف العلماء في الذّبيح على قولين. أحدهما أنه إسماعيل، والآخر أنه إسحاق، عليهما السلام، والأول هو الصحيح.
قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (4/ 14) : قال تعالى: فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ 37: 101 وهذا الغلام هو إسماعيل عليه السّلام، فإنه أول ولد بشّر به إبراهيم عليه السلام، وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، بل في نص كتابهم أن إسماعيل عليه السلام ولد ولإبراهيم عليه السلام ست وثمانون سنة. وولد إسحاق وعمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام تسع وتسعون سنة. وعندهم أن الله تبارك وتعالى أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده، وفي نسخة أخرى بكره، فأقحموا ها هنا كذبا وبهتانا إسحاق ولا يجوز هذا لأنه مخالف لنص كتابهم، وإنما أقحموا إسحاق لأنه أبوهم وإسماعيل أبو العرب، فحسدوهم، فزادوا ذلك وحرّفوا وحيدك بمعنى الذي ليس عندك غيره، فإن إسماعيل كان [إبراهيم قد] ذهب به وبأمه إلى مكة، وهو تأويل وتحريف باطل، فإنه لا يقال وحيدك إلا لمن ليس له غيره، وأيضا فإن أول ولد ولد له بعزّه ما ليس لمن بعده من الأولاد، فالأمر بذبحه أبلغ في الابتلاء والاختبار.

(6/65)


توفي- رحمه الله تعالى- سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وله نحو أربع عشرة سنة.
وحمل أبو الوفاء- رحمه الله تعالى- في نفسه من شدة الألم أمرا عظيما، ولكنه تصبّر ولم يظهر جزعا، وكان يقول: لولا أن القلوب توقن باجتماع ثان لانفطرت المرائر لفراق المحبوبين. انتهى ملخصا أيضا.
وفيها قاضي القضاة، أبو الحسن الدّامغاني [1] ، علي بن قاضي القضاة أبي عبد الله الحنفي، ولي القضاء بضعا وعشرين سنة، وكان ذا حزم، ورأي، وسؤدد، وهيبة وافرة، وديانة ظاهرة. روى عن أبي محمد الصريفيني وجماعة، وتفقّه على والده، وتوفي في المحرم، عن أربع وستين سنة.
وفيها أبو سعد المخرّمي، المبارك بن علي بن الحسن بن بندار البغدادي [2] . الفقيه الحنبلي. روى عن القاضي أبي يعلى، وابن المهتدي، وابن المسلمة، والصّريفيني، وابن النّقور، وغيرهم. وسمع من القاضي أبي وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق، وحكي ذلك عن طائفة من السلف، حتى نقل عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أيضا، وليس ذلك في كتاب ولا سنّة، وما أظن ذلك تلقي إلا عن أخبار أهل الكتاب، وأخذ ذلك مسلّما من غير حجة، وهذا كتاب الله شاهد ومرشد إلى إسماعيل، فإنه ذكر البشارة بغلام حليم، وذكر أنه الذبيح، ثم قال بعد ذلك: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا من الصَّالِحِينَ 37: 112 ولما بشرت الملائكة إبراهيم بإسحاق قالوا:
إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ 15: 53. انتهى كلام ابن كثير.
أقول: وقال الإمام ابن قيم الجوزية في «زاد المعاد» (1/ 71) طبع مؤسسة الرسالة:
وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجها، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول:
هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب، مع أنه باطل بنص كتابهم، فإن فيه: إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه بكره، وفي لفظ: وحيده، ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده. (ع) .
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 30) .
[2] انظر «العبر» (4/ 31) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 166- 171) .

(6/66)


يعلى شيئا من الفقه، ثم تفقه على صاحبه الشريف أبي جعفر، ثم القاضي يعقوب، ثم القاضي البرزبيني. وأفتى ودرّس، وجمع كتبا كثيرة لم يسبق إلى جمع مثلها. وكان حسن السيرة، جميل الطريقة، سديد الأقضية، وتوفي في [ثاني] عشر المحرم، ودفن إلى جانب أبي بكر الخلّال عند رجلي الإمام أحمد، رضي الله عنه.
وفيها أبو الفضل بن الموازيني، محمد بن الحسن بن الحسين السّلمي الدمشقي [1] العابد، أخو أبي الحسن. روى عن أبي عبد الله بن سلوان وجماعة.
وفيها أبو بكر محمد بن طرخان بن بلتكين بن مبارز التّركي ثم البغدادي [2] ، الشافعي، المحدّث النحوي، أحد الفضلاء. روى عن أبي جعفر بن المسلمة وطبقته، وتفقّه على الشيخ أبي إسحاق، وكان ينسخ بالأجرة، وفيه زهد وورع تام.
وفيها خوروست، أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين الأصبهاني [3] المجلّد. روى عن أبي الحسين بن فاذشاه، وابن ريذة، وتوفي في جمادي الأولى.
وفيها محمد بن عبد الباقي، أبو عبد الله الدّوريّ [4] ، السّمسار الصالح. روى عن الجوهري، وأبي طالب العشاري، ومات في صفر، عن تسع وسبعين سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 30) .
[2] انظر «العبر» (4/ 30) .
[3] انظر «العبر» (4/ 30) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 419- 420) .
[4] انظر «العبر» (4/ 31) .

(6/67)


سنة أربع عشرة وخمسمائة
فيها توفي أبو علي بن بلّيمة، الحسن بن خلف القيرواني [1] المقرئ، مؤلّف «تلخيص العبارات في القراءات» توفي في رجب، في الإسكندرية، وهو في عشر التسعين. قرأ على جماعة، منهم: أبو العبّاس أحمد بن نفيس.
وفيها الطّغرائي، الوزير مؤيد الدّين أبو إسماعيل، الحسين بن علي الأصبهاني، صاحب «ديوان الإنشاء» للسلطان محمد بن ملكشاه، واتصل بابنه مسعود ثم أخذ الطّغرائي أسيرا وذبح بين يدي الملك محمود، في ربيع الأول، وقد نيّف على الستين. وكان من أفراد الدّهر، وحامل لواء النظم والنثر، وهو صاحب «لامية العجم» . قاله في «العبر» [2] .
وقال ابن خلّكان [3] : ذكره ابن السمعاني وأثنى، عليه وأورد [4] قطعة من شعره في صفة الشمعة.
وللطغرائي المذكور ديوان شعر جيد، ومن محاسن شعره قصيدته
__________
[1] انظر «معرفة القراء الكبار» (1/ 469- 470) .
[2] انظر «العبر» (4/ 32) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 185- 190) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[4] في «ط» : «وأورد له» .

(6/68)


المعروفة ب «لامية العجم» وكان عملها ببغداد، في سنة خمس وخمسمائة، يصف حاله ويشكو زمانه، وهي التي أولها:
أصالة الرأي صانتني عن الخطل ... وحلية الفضل زانتني لدى العطل
ومن رقيق شعره قوله:
يا قلب ما لك والهوى من بعد ما ... طاب السلوّ وأقصر العشاق
أوما بدا لك في الإفاقة والألى [1] ... نازعتهم كأس الغرام أفاقوا
مرض النّسيم فصحّ والدّاء الذي ... تشكوه [2] لا يرجى له إفراق
وهدا خفوق البرق والقلب الذي ... تطوى عليه أضالعي خفّاق
وله أيضا:
أجمّا البكا يا مقلتيّ فإننا ... على موعد للبين لا شكّ واقع
إذا جمع العشاق موعدهم غدا ... فوا خجلتا إن لم تعنّي المدامع
[3] وذكر العماد الكاتب في كتاب «نصرة الفترة وعصرة القطرة [4] » أن الطّغرائيّ المذكور، كان ينعت بالأستاذ، وكان وزير السلطان مسعود بن محمد السلجوقي بالموصل، وأنه لما جرى بينه وبين أخيه السلطان محمود المصافّ بالقرب من همذان، وكانت النصرة [5] لمحمود، فأول من أخذ الأستاذ أبو إسماعيل وزير مسعود، فأخبر به وزير محمود، وهو الكمال نظام الدّين أبو طالب [علي] بن أحمد بن حرب السّميرمي، فقال الشهاب أسعد- وكان طغرائيا في ذلك الوقت، نيابة عن النصير الكاتب: هذا الرجل ملحد، يعني
__________
[1] في «آ» و «ط» : «والأولى» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[2] تحرفت في «آ» إلى «ترجوه» .
[3] في «وفيات الأعيان» : «مدامعي» .
[4] في «وفيات الأعيان» : «الفطرة» وهو تصحيف، وانظر «كشف الظنون» (2/ 1956) .
[5] كذا في «آ» و «وفيات الأعيان» : «النصرة» وفي «ط» : «الظفرة» .

(6/69)


الأستاذ، فقال وزير محمود: من يكن ملحدا يقتل، فقتل ظلما.
وقد كانوا خافوا منه، و [قيل] قتل سنة أربع عشرة [وقيل ثمان عشرة] [1] وقد جاوز ستين سنة، وفي شعره ما يدلّ على أنه بلغ سبعا وخمسين سنة، لأنه قال: وقد جاءه مولود:
هذا الصغير الذي وافى على كبري ... أقرّ عيني ولكن زاد في فكري
سبع وخمسون لو مرّت على حجر ... لبان تأثيرها في ذلك الحجر
والله تعالى أعلم بما عاش بعد ذلك.
وقتل الكمال السّميرمي، الوزير المذكور، يوم الثلاثاء سلخ صفر، سنة ست عشرة وخمسمائة، في السوق ببغداد، عند المدرسة النظامية، قيل: قتله عبد أسود كان للطّغرائي المذكور، لأنه قتل أستاذه.
والطّغرائي: بضم الطاء المهملة، وسكون الغين المعجمة، نسبة إلى من يكتب الطّغرى [2] ، وهي الطّرّة التي تكتب فوق البسملة في أعلى الكتب بالقلم الغليظ، ومضمونها نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه، وهي لفظة أعجمية. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
وفيها أبو علي بن سكّرة، الحافظ الكبير، حسين بن محمد [3] بن فيرّه بن حيّون الصّدفي السرقسطي الأندلسي. سمع من أبي العبّاس بن دلهاث وطائفة، وحجّ سنة إحدى وثمانين، فدخل على الحبّال، وسمع ببغداد من مالك البانياسي وطبقته، وأخذ «التعليقة الكبرى» عن أبي علي الشّاشي
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» .
[2] في «آ» و «ط» : «الطغراء» والتصحيح من «وفيات الأعيان» ، وانظر «تاج العروس» (طغر) (12/ 430) طبع الكويت.
[3] في «آ» و «ط» : «ابن محمود» وهو خطأ، والتصحيح من «الصلة» (1/ 144) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 376) و «العبر» (4/ 32) .

(6/70)


المستظهري. وأخذ بدمشق عن الفقيه نصر المقدسي، وردّ إلى بلاده بعلم جمّ، وبرع في الحديث وفنونه، وصنّف التصانيف، وقد أكره على القضاء، فوليه ثم اختفى حتّى أعفي واستشهد في مصافّ قتندة، في ربيع الأول، وهو من أبناء الستين، وأصيب المسلمون يومئذ.
قال ابن ناصر الدّين [1] : هو حافظ متقن كبير ثقة مأمون.
وفيها توفي بالجند- كما قال ابن الأهدل [2]- الفقيه الإمام زيد بن عبد الله بن جعفر اليفاعي اليمني- نسبة إلى يفاعة مكان باليمن- تفقه على الشيخ الإمام أبي بكر بن جعفر المخائي- والمخا من سواحل اليمن [3]- وكانت وفاة المخائي سنة خمسمائة، وقد تخرّج به جماعة، وكان يحفظ «المجموع» للمحاملي و «الجامع في الخلاف» لأبي جعفر، وتفقه زيد اليفاعي بأبي إسحاق الصّردفي [4] وزوّجه الصّردفي [4] ابنته كما تقدم، ثم ارتحل زيد إلى مكّة المرّة الأولى، فقرأ على تلميذ الشيخ أبي إسحاق ارتحل زيد إلى مكّة المرّة الأولى، فقرأ على تلميذ الشيخ أبي إسحاق الشيرازي: الحسين بن علي الشّاشي، مصنّف «العدة» وغيره، ثم رجع إلى الجند، واجتمع عليه الموافق والمخالف من أهل اليمن، وقرأ عليه الإمام يحيى صاحب «البيان» نكت الشيخ أبي إسحاق في الخلاف، وعدة كتب، وقرأ عليه أيضا عبد الله الهمداني، وعبد الله بن يحيى الصّعبي، وذلك في دولة أسعد بن أبي الفتوح الحميري، الذي قتله أصحابه بحصن تعز ودفنوه فيه، ونبشه سيف الإسلام أبو أيوب، ودفنه في مقابر المسلمين.
وكان زيد صغير الجسم، وله مهابة عظيمة.
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (159/ آ) .
[2] انظر «مرآة الجنان» (3/ 205- 206) و «غربال الزمان» ص (405- 406) .
[3] وقال ياقوت في «معجم البلدان» (5/ 67) : المخا: موضع باليمن بين زبيد وعدن بساحل البحر.
[4] كذا في «آ» و «ط» و «غربال الزمان» : «الصردفي» وفي «مرآة الجنان» : «الصروفي» .

(6/71)


وسئل زيد عن الفقيه إبراهيم بن علي بن الإمام الحسين بن علي الطبري صاحب «العدة» كيف حاله في العلم، فقال: هو مجوّد لولا أنه اشتغل بالعبادة [مع الصوفية، فقيل له: هذه طريقة غير ملومة، فقال: كان جدّه الحسين الطبري يكره ذلك ويقول: اشتغال العالم بالعبادة] [1] فرار من العلم.
وقد نص الشافعيّ- رحمه الله تعالى- أن طلب العلم أفضل من صلاة النافلة [2] ، وحديث «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا» [3] دليل على ذلك.
وعلم الباطن هو نتيجة العلم الظاهر، [لأن الأنبياء قادة الخلق إلى الله، والعلماء ورثتهم، ولم يرثوا غير العلم الظاهر] [4] ، فمن استعمل رسوم الشريعة الظاهرة كما جاءت عن الأنبياء فقد اهتدى وهدى، وهم المشار إليهم بقوله تعالى: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا 21: 73 [الأنبياء: 71] ، ولا شكّ أن العالم بأحكام الله إذا استبطن التقوى واستشعر العمل، أورثه ذلك العلم بالله الذي هو أجلّ العلوم، والمراد بالعلم بالله علم التوحيد الذي هو إثبات وحدانيته بنفي الشريك والأضداد، إيمانا جازما، وإثبات [5] الصفات، والملائكة، والأنبياء، والكتب المنزلات.
وأفضل العلوم بعده علم الفقه، الذي يستفاد من الكتاب والسّنّة اللذين
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من «غربال الزمان» المطبوع فيستدرك من هنا.
[2] في «آ» و «ط» : «النفل» وأثبت لفظ «غربال الزمان» .
[3] قطعة من حديث طويل رواه البخاري رقم (3701) في فضائل الصحابة: باب مناقب علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، ومسلم رقم (2406) في فضائل الصحابة: باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ورواه أبو داود رقم (3661) مختصرا في العلم: باب فضل نشر العلم، كلهم من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
[4] ما بين حاصرتين سقط من «غربال الزمان» المطبوع فيستدرك من هنا.
[5] في «ط» و «آيات الصفات» .

(6/72)


ضمن الله العصمة في جانبهما، ولم يضمنها في جانب الكشف والإلهام والمشاهدة [1] .
كذا نقله صاحب الأصل [2] عن غير واحد من المحقّقين، منهم: الشيخ القطب أبو الحسن الشاذلي نفع الله به. انتهى كلام ابن الأهدل بحروفه.
وفيها أبو نصر عبد الرحيم بن الإمام عبد الكريم أبي القاسم بن هوازن القشيري، وكان إماما، مناظرا، مفسّرا، أديبا، علّامة، متكلّما. وهو الذي [كان] أصل الفتنة ببغداد بين الأشاعرة والحنابلة، ثم فتر أمره. وقد روى عن أبي حفص بن مسرور وطبقته، وآخر من روى عنه سبطه أبو سعيد ابن الصفّار. توفي في جمادى الآخرة، وهو في عشر الثمانين، وأصابه فالج في آخر عمره. قاله في «العبر» [3] .
وقال ابن الأهدل [4] : ولما توفي دفن بمشهدهم المعروف بهم.
وفيه يقول إمام الحرمين:
يميس بغصن إذا ما بدا ... ويبدو كشمس ويرنو كريم
معاني النجابة مجموعة ... لعبد الرحيم بن عبد الكريم
وحكايته عنه في «النهاية» من أعظم الإنصاف.
ومنه قوله في ولده فضل الله:
كم حسرة لي في الحشا ... من ولدي حين نشا
كنّا نشا فلاحه ... فما نشا كما نشا
انتهى.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «والمشاهد» وما أثبته من «غربال الزمان» .
[2] يعني اليافعي صاحب «مرآة الجنان» الذي اختصر ابن الأهدل كتابه وأضاف إليه إضافات كثيرة في مواطن عديدة.
[3] (4/ 33) .
[4] انظر «مرآة الجنان» (3/ 210- 211) .

(6/73)


وفيها أبو القاسم علي بن جعفر البغدادي الصقلي بن القطّاع [1] ، المصري الدّار والوفاة، اللغوي.
كان أحد أئمة الأدب، خصوصا اللغة، وله تصانيف نافعة، منها كتاب «الأفعال» أحسن فيه كل الإحسان، وهو أجود [2] من «الأفعال» لابن القوطيّة.
وكان ذاك قد سبقه إليه، وله كتاب «أبنية الأسماء» جمع فيه فأوعى [3] ، وفيه دلالة على كثرة اطلاعه، وله عروض حسن جيد، وله كتاب «الدّرة الخطيرة في المختار من شعراء الجزيرة» وكتاب «لمح الملح» جمع فيه خلقا كثيرا من شعراء الأندلس، وكانت ولادته في عاشر صفر، سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة بصقلية. وقرأ الأدب على فضلائها، كابن عبد البرّ وأمثاله، وأجاد النحو غاية الإجادة، ورحل عن صقلية لما أشرف على تملكها الفرنج، ووصل إلى مصر في حدود سنة خمسمائة [4] ، وبالغ أهل مصر في إكرامه، وكان ينسب إلى التساهل في الرواية، ونظم الشعر في سنة ست وأربعين، ومن شعره في ألثغ:
وشادن في لسانه عقد ... حلّت عقودي وأوهنت جلدي
عابوه جهلا بها فقلت لهم ... أما سمعتم بالنّفث في العقد
وله في غلام اسمه حمزة:
يا من رمى النّار في فؤادي ... وأمطر [5] العين بالبكاء
اسمك تصحيفه بقلبي ... وفي ثناياك برء دائي
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 322- 324) .
[2] في «آ» : «أجد» وفي «ط» : «أجدى» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[3] في «وفيات الأعيان» : «فأوعب» .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «خمسين» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[5] في «وفيات الأعيان» : «وأنبط» أي أنبع. انظر «مختار القاموس» (نبط) .

(6/74)


اردد
سلامي فإنّ نفسي ... لم يبق منها سوى الذّماء
[1]
وارفق بصبّ أتى ذليلا ... قد مزج اليأس بالرجاء
أنهكه [2] في الهوى التّجنّي ... فصار في رقة الهواء
وكانت ولادته في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. هكذا ذكره في كتابه «الدّرة الخطيرة في شعراء الجزيرة» عند ذكر ترجمة نفسه، رحمه الله تعالى، في أواخر الكتاب المذكور، وتوفي بمصر. قاله ابن خلّكان [3] .
وفيها أبو الحسن عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع الأندلسي المرييّ [4] ، المقرئ، تلميذ عبد الله بن سهل. تصدّر للإقراء مدة، وحدّث عن ابن عبد البرّ وجماعة، وفي روايته عن ابن عبد البرّ كلام. توفي في عشر التسعين.
وفيها أبو الحسن بن الموازيني، علي بن الحسن السّلمي، أخو محمد. روى عن ابن سعدان، وابني عبد الرحمن بن أبي نصر، وطائفة، وعاش أربعا وثمانين سنة.
وفيها محمود بن إسماعيل أبو منصور الأصبهاني الصيرفي الأشقر، راوي «المعجم الكبير» عن ابن فاذشاه، عن مؤلّفه الطبراني، وله ثلاث وتسعون سنة. توفي في ذي القعدة.
قال السّلفي: كان صالحا.
__________
[1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الدماء» والتصحيح من «وفيات الأعيان» والذّماء: بقية النفس.
انظر «مختار القاموس» (ذمي) .
[2] في «آ» و «ط» : «أنحله» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 322- 324) .
[4] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» (4/ 33) : «المريّي» وفي «غاية النهاية في طبقات القراء» .
(1/ 394) : «المريّ» بياء واحدة.

(6/75)


سنة خمس عشرة وخمسمائة
فيها احترقت دار السلطنة ببغداد، وذهب ما قيمته ألف ألف دينار.
وفيها توفي أبو علي الحدّاد الحسن بن أحمد بن الحسن الأصبهاني المقرئ المجوّد، مسند الوقت. توفي في ذي الحجة، عن ست وتسعين سنة. وكان مع علو إسناده أوسع أهل وقته رواية. حمل عن أبي نعيم، وكان خيّرا، صالحا، ثقة.
وفيها الأفضل أمير الجيوش، شاهنشاه [1] أبو القاسم ابن أمير الجيوش بدر الجمالي الأرمنيّ. وكان في الحقيقة هو صاحب الديار المصرية. ولي بعد أبيه، وامتدت أيامه. وكان شهما، مهيبا، بعيد الغور فحل الرأي. ولي وزارة السيف والقلم للمستعلي، ثم للآمر. وكانا معه صورة بلا معنى.
وكان قد أذن للناس في إظهار عقائدهم، وأمات شعار دعوة الباطنيّة، فمقتوه لذلك. وكان مولده بعكّا سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وخلّف من الأموال ما يستحيا [2] من ذكره. وثب عليه ثلاثة من الباطنية فضربوه بالسكاكين فقتلوه. وحمل بآخر رمق، وقيل: [إن] الآمر دسّهم عليه بتدبير أبي عبد الله
__________
[1] في «آ» و «ط» : «شاه شاه» والتصحيح من «العبر» (4/ 34) و «دول الإسلام» (2/ 42) .
[2] في «العبر» : «ما يستحى» . وكلاهما صواب.

(6/76)


البطائحي الذي وزر بعده ولقّب بالمأمون. قاله في «العبر» [1] .
وفيها أبو سعد عبد الوهاب بن حمزة بن عمر البغدادي، الفقيه الحنبلي المعدّل. ولد في أحد الربيعين، سنة سبع وخمسين وأربعمائة.
وسمع من ابن النّقور، والصريفيني، وابن البسري، والحميدي، وتفقه على أبي الخطّاب، وأفتى، وبرع في الفقه، وشهد عند قاضي القضاة أبي الحسن ابن الدامغاني. وكان مرضي الطريقة جميل السيرة من أهل السنة، وهو شيخ أبي حكيم النهرواني، الذي تفقّه عليه. وروى عنه حكاية، ولم يحدّث إلا باليسير. توفي ليلة الثلاثاء ثالث شعبان، ودفن بمقبرة الإمام أحمد. قاله ابن رجب [2] .
وفيها أبو بكر بن الدّنف، محمد بن علي بن عبيد بن الدّنف البغدادي، المقرئ الزاهد، أبو بكر. ولد في صفر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة. وسمع الحديث من ابن المسلمة، وابن المهتدي، والصريفيني، وابن النّقور، وطبقتهم. وتفقّه على الشريف أبي جعفر، وحدّث بشيء يسير.
سمع منه ابن ناصر، وروى عنه المبارك بن خضير، و [ذاكر] ابن كامل، وابن بوش وغيرهم. وكان من الزهاد الأخيار، ومن أهل السّنّة. انتفع به خلق كثير، ذكره ابن الجوزي وتوفي يوم الاثنين سابع شوال، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
والدّنف: بفتح الدال المهملة، وكسر النون، وآخره فاء. قاله ابن رجب [3] .
وفيها أبو علي بن المهدي، محمد بن محمد بن عبد العزيز
__________
[1] (4/ 35) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 172) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 172- 173) وما بين حاصرتين مستدرك منه.

(6/77)


الخطيب. روى عن ابن غيلان، والعتيقي، وجماعة. وكان صدوقا، نبيلا، ظريفا، توفي في شوال، عن ثلاث وثمانين سنة.
وفيها هزارسب بن عوض، أبو الخير الهرويّ الحافظ. توفي في ربيع الأول، وكان عالما صاحب حديث وإفادة بليغة، وحرص على الطلب.
سمع من طراد ومن بعده، ومات قبل أوان الرواية.

(6/78)