شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وعشرين وخمسمائة
فيها كانت الوقعة بناحية الدّينور بين السلطان سنجر وبين ابني [1] أخيه سلجوق ومسعود.
قال ابن الجوزي [2] : كان مع سنجر مائة وسبعون ألفا، ومع مسعود ثلاثون ألفا، وبلغت القتلى أربعين ألفا، وقتلوا قتلة جاهلية على الملك لا على الدّين، وقتل قراجا [3] أتابك سلجوق، وجاء مسعود لما رأى الغلبة إلى بين يدي سنجر فعفا عنه، وأعاده إلى كنجة، وقرر سلطنة بغداد لطغربك [4] ورجع إلى خراسان.
وفيها توفي الملك الأكمل أحمد بن الأفضل أمير الجيوش شاهنشاه ابن أمير الجيوش بدر الجمالي المصري. سجن بعد قتل أبيه مدّة إلى أن قتل الآمر وأقيم الحافظ. فأخرجوا الأكمل وولي وزارة السيف والقلم، وكان شهما مهيبا عالي الهمّة كأبيه وجده، فحجر على الحافظ ومنعه من الظهور، وأخذ أكثر ما في القصر، وأهمل ناموس الخلافة العبيدية، لأنه كان سنّيا كأبيه،
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن» والتصحيح من «العبر» (4/ 67) .
[2] انظر «المنتظم» (10/ 26) وفيه: «مائة ألف وستون ألفا» .
[3] في «آ» : «فواجا» وفي «ط» : «ثراجا» والتصحيح من «المنتظم» و «العبر» .
[4] كذا في «آ» و «ط» و «دول الإسلام» (2/ 48) : «طغربك» وفي «المنتظم» : «تغرل» وفي «الكامل في التاريخ» (10/ 678) : «طغرل» .

(6/128)


لكنه أظهر التمسّك بالإمام المنتظر [1] ، وأبطل من الأذان (حيّ على خير العمل) وأبطل [2] قواعد القوم، فأبغضه الدعاة والقوّاد، وعملوا عليه. فركب للعب الكرة في المحرم، فوثبوا عليه، وطعنه مملوك الحافظ [بحربة] [3] ، وأخرجوا الحافظ، ونزل إلى دار الأكمل، واستولى على خزائنه، واستوزر يانس مولاه، فهلك بعد عام.
وفيها أبو العزّ بن كادش [4] أحمد بن عبيد الله بن محمد السّلمي العكبري، في جمادى الأولى، عن تسعين سنة. وهو آخر من روى عن القاضي أبي الحسن الماوردي، وروى عن الجوهري، والعشاري، والقاضي أبي الطيب، وكان قد طلب الحديث بنفسه، وله فهم.
قال عبد الوهاب الأنماطي: كان مخلّطا.
وفيها تاج الملوك، بوري، صاحب دمشق وابن صاحبها طغتكين، مملوك تاج الدولة تتش السلجوقي، وكانت دولته أربع سنين، قفز عليه الباطنية فجرح وتعلّل أشهرا، ومات في رجب، وولي بعده ابنه شمس الملوك إسماعيل، وكان شجاعا مجاهدا جوادا كريما، سدّ مسدّ أبيه، وعاش ستا وأربعين سنة.
وفيها عبد الله بن أبي جعفر المرسي العلّامة أبو محمد المالكي، انتهت إليه رئاسة المالكية، وتوفي في رمضان، وقد روى عن أبي حاتم بن محمد، وابن عبد البرّ، والكبار، وسمع بمكة «صحيح مسلم» من أبي عبد الله الطبري.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المنتصر» والتصحيح من «العبر» (4/ 68) .
[2] في «العبر» : «وغيّر» .
[3] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «العبر» .
[4] في «ط» : «كاوش» وهو تحريف.

(6/129)


وفيها عبد الكريم بن حمزة أبو محمد السّلمي الدمشقي الحداد، مسند الشام. روى عن أبي القاسم الحنّاني، والخطيب، وأبي الحسين بن مكّي، وكان ثقة توفي في ذي القعدة.
وفيها القاضي أبو الحسين بن الفرّاء محمد بن القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين البغدادي الحنبلي، وله أربع وسبعون سنة. سمع أباه، وعبد الصمد بن المأمون، وطبقتهما، وكان مفتيا مناظرا عارفا بالمذهب ودقائقه، صلبا في السّنّة، كثير الحطّ على الأشاعرة، استشهد ليلة عاشوراء، وأخذ ماله، وقتل قاتله، وألّف «طبقات الحنابلة» . قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن رجب [2] : كان عارفا بالمذهب، متشددا في السنّة، وله تصانيف كثيرة في الفروع والأصول وغير ذلك، منها «المجموع في الفروع» ، «رؤوس المسائل» ، «المفردات في أصول الفقه» ، «التمام لكتاب الروايتين والوجهين» الذي لأبيه، «المفردات في أصول الفقه» ، «طبقات الأصحاب» ، «إيضاح الأدلة في الردّ على الفرق الضالة المضلة» ، «الرد على زائغي [3] الاعتقادات في منعهم من سماع الآيات» ، «المفتاح في الفقه» . وغير ذلك.
وقرأ عليه جماعة كثيرة، منهم عبد المغيث الحربي، وغيره. وحدّث عنه، وسمع منه خلق كثير من الأصحاب وغيرهم، منهم: ابن ناصر، ومعمر ابن الفاخر، وابن الخشّاب، وأبو الحسين البراندسي الفقيه، وابن المرحب البطائحي، وابن عساكر الحافظ، وغيرهم. وبالإجازة أبو موسى المديني، وابن كليب.
وكان للقاضي أبي الحسين بيت في داره بباب المراتب يبيت فيه
__________
[1] (4/ 69- 70) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 176- 177) .
[3] في «آ» : «زائفي» .

(6/130)


وحده، فعلم بعض من كان يخدمه ويتردد إليه بأن له مالا، فدخلوا عليه ليلا وأخذوا المال وقتلوه ليلة الجمعة-[ليلة] عاشوراء- ودفن عند أبيه بمقبرة باب حرب، وكان يوما مشهودا. وقدر الله سبحانه وتعالى ظهور قاتليه، فقتلوا كلهم.
وفيها علي بن الحسن الدّواحي أبو الحسن [1] ، الواعظ، تفقّه على أبي الخطّاب الكلوذاني، وسمع منه الحديث، وتوفي ليلة الجمعة خامس شوال، ودفن بباب حرب.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 178) .

(6/131)


سنة سبع وعشرين وخمسمائة
فيها توفي أبو غالب بن البناء أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله البغدادي الحنبلي، مسند العراق، وله اثنتان وثمانون سنة. توفي في صفر.
سمع الجوهري وأبا يعلى بن الفرّاء، وطائفة، وله «مشيخة» مرويّة.
وفيها أبو العبّاس بن الرّطبي أحمد بن سلامة بن عبد الله بن مخلد الكرخيّ، برع في مذهب الشافعي وغوامضه على الشيخين أبي إسحاق، وابن الصبّاغ، حتّى صار يضرب به المثل في الخلاف والمناظرة، ثم علّم أولاد الخليفة. قاله في «العبر» [1] .
وفيها العلّامة مجد الدّين أبو الفتح، وأبو سعيد، أسعد بن أبي النصر ابن الفضل الميهنتيّ- بكسر الميم- وقيل بفتحها- ثم مثناة، ثم هاء مفتوحة، ثم نون مفتوحة، وفي آخره تاء التأنيث [2] ، نسبة إلى ميهنة قرية بقرب طوس بين سرخس وأبيورد- صاحب «التعليقة» تفقّه بمرو، وشاع فضله، وبعد صيته، وولي نظامية بغداد مرتين، وخرج له عدة تلامذة، وكان يتوقد ذكاء، تفقّه على أبي المظفر السمعاني، والموفق الهروي، وكان يرجع إلى دين
__________
[1] (4/ 71) .
[2] تنبيه: كذا قال المؤلف رحمه الله تعالى، وتبعه ابن شقدة في «المنتخب» (108/ آ) وقد وهما في ذلك، والصواب «الميهني» بكسر الميم وسكون الياء وفتح الهاء وفي آخرها نون، كما في «الأنساب» (11/ 580) و «العبر» (4/ 71) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 633) .

(6/132)


وخوف. ولد بميهنة، سنة إحدى وستين وأربعمائة، ورحل إلى غزنة- بغين معجمة من نواحي الهند- واشتهر بتلك النواحي، وشاع فضله، ثم ورد إلى بغداد، وانتفع الناس به وبطريقته الخلافية، ثم توجه من بغداد رسولا إلى همذان، فتوفي بها.
وفيها الحافظ أبو نصر اليونارتي- بضم التحتية، ونون مفتوحة، وسكون الراء، وفوقية، نسبة إلى يونارت، قرية بأصبهان- الحسن بن محمد ابن إبراهيم الحافظ. سمع أبا بكر بن ماجة، وأبا بكر بن خلف الشيرازي، وطبقتهما، ورحل إلى هراة، وبلخ، وبغداد، وعني بهذا الشأن، وكان جيد المعرفة، متقنا. توفي في شوال، وقد جاوز الستين.
وفيها ابن الزّاغوني أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر بن السّريّ [1]- كذا نسبه ابن شافع وابن الجوزي- الفقيه الحنبلي، شيخ الحنابلة، وواعظهم، وأحد أعيانهم.
ولد في جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وأربعمائة، وقرأ القرآن بالروايات، وطلب الحديث بنفسه، وقرأ وكتب بخطه، وسمع من أبي الغنائم ابن المأمون، وأبي جعفر بن المسلمة، وابن النّقور، وغيرهم، وقرأ الفقه على القاضي يعقوب البرزبيني [2] . وقرأ الكثير من كتب اللغة [3] ، والنحو، والفرائض، وكان متقنا في علوم شتى، من الأصول، والفروع، والوعظ، والحديث، وصنّف في ذلك كله.
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 605- 607) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 180- 184) .
[2] في «آ» : «البرنسي» وفي «ط» : «البرنشي» وفي «المنتظم» (10/ 32) : «البرزباني» وذلك كله من التحريف الذي لحق بنسبته على أيدي النسّاخ والله أعلم، والصواب: «البرزبيني» كما في «الأنساب» (2/ 147) و «اللباب» (1/ 137) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 180) وهو ما أثبته.
[3] تحرفت في «ط» إلى «الفقه» .

(6/133)


قال ابن الجوزي: كان له في كل فنّ من العلم حظ وافر، ووعظ مدة طويلة.
قال [1] : وصحبته زمانا، فسمعت منه الحديث، وعلّقت عنه من الفقه والوعظ، وكانت له حلقة بجامع المنصور، يناظر فيها يوم الجمعة قبل الصلاة، ثم يعظ فيها بعد الصلاة، ويجلس يوم السبت أيضا.
وذكر ابن ناصر أنه كان فقيه الوقت، وكان مشهورا بالصلاح، والدّيانة، والورع، والصيانة.
وقال ابن السمعاني: ذكر بعض الناس ممن يوثق بهم، أنّه رأى في المنام ثلاثة، يقول واحد منهم: اخسف، وواحد يقول: أغرق، وواحد يقول: أطبق، يعني البلد، فأجاب بعضهم لا، لأن بالقرب منا ثلاثة: أبو الحسن ابن الزّاغوني، والثاني أحمد بن الطلاية، والثالث محمد بن فلان من الحربية.
ولابن الزّاغوني تصانيف كثيرة، منها في الفقه «الإقناع» و «الواضح» و «الخلاف الكبير» و «المفردات» في مجلدين، وهي مائة مسألة وله «التخليص» في الفرائض، ومصنف في الدّور والوصايا، وله «الإيضاح» في أصول الدّين مجلد، و «غرر البيان في أصول الفقه» مجلدات عدة، وله ديوان خطب [أنشأها] [2] ، ومجالس في الوعظ، وله «تاريخ» على السنين [من أول ولاية المسترشد إلى حين وفاته هو] [2] ومناسك الحج، وفتاوى، ومسائل في القرآن، وغير ذلك.
قال الحافظ ابن رجب: كان ثقة، صحيح السماع، صدوقا، حدّث بالكثير، وروى عنه ابن ناصر، وابن عساكر، وابن الجوزي، وابن طبرزد، وغيرهم، وتفقّه عليه جماعة، منهم صدقة بن الحسين، وابن الجوزي،
__________
[1] القائل ابن الجوزي.
[2] زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 181) .

(6/134)


وتوفي يوم الأحد سادس عشر المحرم، ودفن بمقبرة الإمام أحمد، وكان له جمع عظيم يفوت الإحصاء. انتهى ملخصا.
وفيها محمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن عبيد الله الشيباني المزرفي [1] ، المقرئ الفرضي، أبو بكر.
ولد في سلخ سنة تسع وثلاثين وأربعمائة، وقرأ القرآن بالروايات على جماعة من أصحاب الحمامي، منهم أبو بكر بن موسى الخيّاط، وسمع من ابن المسلمة وخلائق.
ذكر ابن ناصر أنه كان مقرئ زمانه، قرأ القراءات [2] عليه جماعة، منهم: أبو موسى المديني الحافظ، وعلي بن عساكر، وغيرهما. وحدّث عنه ابن ناصر، وابن عساكر، وابن الجوزي [وغيرهم.
قال ابن الجوزي] [3] : كان ثقة عالما ثبتا، حسن العقيدة، حنبليا، توفي يوم السبت مستهل السنة فجأة، وقيل: إنه توفي في سجوده، ودفن بباب حرب.
والمزرفي: [نسبة إلى المزرفة] [3] بين بغداد وعكبرا، وهي بتقديم الزاي على الراء، وبالقاف، ولم يكن منها إنما نقل أبوه إليها أيام الفتنة فأقام بها مدة.
وفيها محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن أحمد بن خلف بن الفرّاء [4] ، الفقيه الحنبلي الزاهد، أبو خازم، ابن القاضي الإمام أبي يعلى، وأخو القاضي أبي الحسين.
__________
[1] تنبيه: في «آ» و «ط» : «المزرقي» بالقاف، وهو تصحيف، والصواب «المزرفي» بالفاء وهو ما أثبته: انظر «المنتظم» (10/ 33) و «العبر» (4/ 72) و «معرفة القراء الكبار» (1/ 484) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 631) والمرزفة: على ثلاثة فراسخ فوق بغداد. انظر «بلدان الخلافة الشرقية» ص (71) .
[2] في «آ» : «القرآن» .
[3] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 184- 185) .

(6/135)


ولد في صفر سنة سبع وخمسين وأربعمائة. وسمع الحديث من ابن المسلمة، وابن المأمون، وغيرهما.
وذكر ابن نقطة أنّه حدّث عن أبيه وما أظنه إلّا بالإجازة، فإنه ولد قبل موت والده بسنة.
وذكر أخوه أن والده أجاز له ولأخيه.
وقرأ محمد هذا الفقه على القاضي يعقوب. ولازمه، وعلّق عنه، وبرع في معرفة المذهب، والخلاف، والأصول، وصنّف تصانيف مفيدة، وله كتاب «التبصرة» في الخلاف، وكتاب «رؤوس المسائل» و «شرح مختصر الخرقي» وغير ذلك.
وكان من الفقهاء الزاهدين، والأخيار الصالحين. وحدّث وسمع منه جماعة، منهم ابناه [1] وأبو المعمر الأنصاري، ويحيى بن بوش [2] ، وتوفي يوم الاثنين تاسع عشري صفر، ودفن بداره بباب الأزج، ونقل في سنة أربع وثلاثين إلى مقبرة الإمام أحمد فدفن عند أبيه.
وأبو خازم: بالخاء والزاي المعجمتين.
وفيها محمد بن أحمد بن صاعد أبو سعيد النيسابوري الصّاعدي، وله ثلاث وثمانون سنة. وكان رئيس نيسابور، وقاضيها، وعالمها، وصدرها.
روى عن أبي الحسين بن عبد الغافر، وابن مسرور.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» : «ابناه» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «ابنته» وفي «الوافي بالوفيات» (1/ 160) : «روى عنه أولاده: أبو يعلى محمد، وأبو الفرج علي، وأبو محمد عبد الرحيم» .
[2] في «آ» و «ط» : «ابن يونس» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» و «ذيل طبقات الحنابلة» .

(6/136)


سنة ثمان وعشرين وخمسمائة
فيها توفي أبو الوفاء أحمد بن علي الشيرازي الزاهد الكبير، صاحب الرباط [1] ، والأصحاب، والمريدين ببغداد، وكان يحضر السماع.
وفيها أبو الصّلت أميّة بن عبد العزيز بن أبي الصّلت الدّاني الأندلسي، صاحب الفلسفة، وكان ماهرا في علوم الأوائل الطبيعي، والرياضي، والإلهي، كثير التصانيف، بديع النظم، عاش ثماني وستين سنة، وكان رأسا في معرفة الهيئة، والنجوم، والموسيقا.
تنقل في البلاد ومات غريبا، وذكره العماد الكاتب في «الخريدة» وأثنى عليه، وذكر شيئا من نظمه، ومن جملة ما ذكر قوله [2] :
وقائلة ما بال مثلك خاملا ... أأنت ضعيف الرأي أم أنت عاجز
فقلت لها ذنبي إلى القوم أنّني ... لما لم يحوزوه من المجد حائز
وما فاتني شيء سوى الحظّ وحده ... وأمّا المعالي فهي عندي غرائز
وله أيضا [3] :
__________
[1] تحرفت في «آ» إلى «الرباني» .
[2] الأبيات في «الخريدة» (قسم شعراء المغرب) (1/ 226) النشرة الثالثة، طبع الدار التونسية للنشر، و «وفيات الأعيان» (1/ 244) و «نفح الطيب» (3/ 356- 357) .
[3] الأبيات في «الخريدة» (قسم شعراء المغرب) (1/ 204) و «وفيات الأعيان» (1/ 244) و «نفح الطيب» (3/ 357) ولم يرد عنده البيت الرابع.

(6/137)


جدّ بقلبي وعبث ... ثمّ مضى وما اكترث
وا حربا [1] من شادن ... في عقد الصّبر نفث
يقتل من شاء بعيني ... هـ ومن شاء بعث
فأيّ ودّ لم يخن ... وأيّ عهد ما نكث
وله أيضا [2] :
دبّ العذار بخدّه ثم انثنى ... عن لثم مبسمه البرود الأشنب
لا غرو إن خشي الردى في لثمه ... فالرّيق سمّ قاتل للعقرب
ومن شعره أيضا [3] :
ومهفهف تركت [4] محاسن وجهه ... ما مجّه في الكأس من إبريقه
ففعالها من مقلتيه ولونها ... من وجنتيه وطعمها من ريقه
وأورد له أيضا في كتاب «الخريدة» [5] :
عجبت من طرفك في ضعفه ... كيف يصيد البطل الأصيدا
يفعل فينا وهو في غمده ... ما يفعل السيف إذا جرّدا
وشعره كثير وجيد، وآخر شعر قاله أبيات أوصى أن تكتب على قبره وهي [5] :
سكنتك يا دار الفناء مصدّقا ... بأني إلى دار البقاء أصير
وأعظم ما في الأمر أنّي صائر ... إلى عادل في الحكم ليس يجور
فيا ليت شعري كيف ألقاه عندها ... وزادي قليل والذنوب كثير
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» (1/ 244) و «نفح الطيب» (3/ 357) : «وا حربا» وفي «الخريدة» : «وا حزني» .
[2] البيتان في «الخريدة» (1/ 199) .
[3] البيتان في «وفيات الأعيان» (1/ 245) و «نفح الطيب» (2/ 107) .
[4] في «وفيات الأعيان» : «شركت» وفي «نفح الطيب» : «شربت» .
[5] لم أجد هذه الأبيات في «خريدة القصر» (قسم شعراء المغرب) .

(6/138)


فإن أك مجزيّا بذنبي فإنني ... بشرّ عقاب المذنبين جدير
وإن يك عفو منه عني ورحمة ... فثمّ نعيم دائم وسرور
ولما اشتد مرض موته قال لولده عبد العزيز:
عبد العزيز خليفتي ... ربّ السماء عليك بعدي
أنا قد عهدت إليك ما ... تدريه فاحفظ فيه عهدي
فلئن عملت به فإن ... ك لا تزال حليف رشد
ولئن نكثت لقد ضلل ... ت وقد نصحتك حسب جهدي
وقال ابن خلّكان [1] : وجدت في مجموع لبعض المغاربة، أن أبا الصّلت المذكور مولده في دانية مدينة من بلاد الأندلس في قران سنة ستين وأربعمائة، وأخذ العلم عن جماعة من أهل الأندلس كأبي الوليد الوقّشي قاضي دانية وغيره، وقدم الإسكندرية مع أمه في يوم عيد الأضحى من سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ونفاه الأفضل شاهنشاه [2] من مصر سنة خمس وخمسمائة، وتردّد بالإسكندرية إلى أن سافر سنة ست وخمسمائة، فحلّ بالمهدية، ونزل من صاحبها علي بن يحيى بن تميم بن المعزّ بن باديس، منزلة جليلة، وولد له بها ولد سمّاه عبد العزيز، وكان شاعرا ماهرا، له في الشطرنج يد بيضاء. وتوفي هذا الولد ببجاية في سنة ست وأربعين وخمسمائة.
وصنف أمية وهو في اعتقال الأفضل بمصر رسالة «العمل بالأسطرلاب» وكتاب «الوجيز» في علم الهيئة، وكتاب «الأدوية المفردة» وكتابا في المنطق سماه «تقويم الأذهان» [3] وغير ذلك. ولما [4] صنّف «الوجيز» للأفضل عرضه
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 246- 247) .
[2] في «آ» و «ط» : «شاهان شاه» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[3] في «وفيات الأعيان» : «تقويم الذهن» وهو كذلك في «كشف الظنون» (1/ 469) .
[4] في «ط» : «وبها» .

(6/139)


على منجمه أبي عبد الله الحلبي، فلما وقف عليه قال له: هذا الكتاب لا ينتفع به المبتدئ، ويستغني عنه المنتهي.
وله من أبيات:
كيف لا تبلى غلائله ... وهو بدر وهي كتّان
انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
وفيها أبو علي الفارقي، الحسن بن إبراهيم بن علي بن برهون، شيخ الشافعية.
ولد بميّافارقين سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وتفقّه على محمد بن بيان [1] الكازروني، ثم ارتحل إلى الشيخ أبي إسحاق وحفظ عليه «المهذب» وتفقّه على ابن الصباغ، وحفظ عليه «الشامل» .
وكان ورعا زاهدا صاحب حقّ، مجوّدا لحفظ الكتابين، يكرر عليهما.
وقد سمع من أبي جعفر بن المسلمة وجماعة، وولي قضاء واسط مدّة. وبها توفي في المحرم عن خمس وتسعين سنة، وعليه تفقّه القاضي أبو سعد بن أبي عصرون.
وفيها عبد الله بن المبارك، ويعرف بعسكر بن الحسن العكبري، المقرئ الفقيه، أبو محمد، ويعرف بابن نبال [2] الحنبلي. سمع من أبي نصر الزّينبي، وأبي الحسين العاصمي، وغيرهما، وتفقّه على أبي الوفاء بن عقيل، وأبي سعد البرداني، وكان يصحب شافعا الجيلي [3] ، فأشار عليه
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «عيان» .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (109/ آ) و «المنتظم» (10/ 38) : «ابن نبال» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 185) و «المنهج الأحمد» (2/ 281) : «ابن نيال» .
[3] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» في ترجمة المترجم إلى «الحنبلي» وجاءت على الصواب في ترجمته في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 49) و «المنهج الأحمد» (2/ 179) .

(6/140)


بشراء كتب ابن عقيل، فباع ملكا له واشترى بثمنه كتاب «الفنون» وكتاب «الفصول» ووقفهما [1] على المسلمين. وكان خيّرا من أهل السّنّة، وحدّث.
وتوفي ليلة الثلاثاء ثاني عشري جمادى الأولى عن نيف وسبعين سنة.
ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها عبد الواحد بن شنيف بن محمد بن عبد الواحد الدّيلمي البغدادي، الفقيه الحنبلي، أبو الفرج، أحد أكابر الفقهاء. تفقّه على أبي علي البرداني، وبرع، وكان مناظرا مجوّدا وأمينا من قبل القضاة، ويباشر بعض الولايات، وله دنيا واسعة. وكان ذا فطنة، وشجاعة، وقوة قلب، وعفة، ونزاهة، وأمانة.
قال ابن النجار [2] : كان مشهورا بالديانة وحسن الطريقة، ولم تكن له رواية في الحديث. توفي- رحمه الله تعالى- ليلة السبت حادي عشري شعبان، وصلى عليه الشيخ عبد القادر، ودفن بمقبرة الإمام أحمد، رضي الله عنه.
وفيها أبو الحسن علي بن أبي القاسم بن أبي زرعة الطبري، المقرئ المحدّث، الفقيه الحنبلي الزاهد، من أهل آمل طبرستان.
ذكره ابن السمعاني فقال: شيخ صالح خيّر ديّن كثير العبادة والذكر، مستعمل السنن [3] مبالغ فيها جهده. وكان مشهورا بالزهد والديانة، رحل بنفسه في طلب الحديث إلى أصبهان، وسمع بها جماعة من أصحاب أبي نعيم الحافظ، كأبي سعد المطرّز [4] ، وأبي علي الحداد، وغيرهما. وسمع.
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» : «ووقفها» .
[2] انظر «ذيل تاريخ بغداد» (1/ 238- 239) .
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : (2/ 188) «للسنن» .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المطرب» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .

(6/141)


ببلده آمل من أبي المحاسن الرّوياني الفقيه، وأبي بكر بن الخطّاب، وتوفي بالعسيلة [1] بعد فراغه من الحج، والعمرة، والزيارة، في المحرم ودفن بها.
انتهى.
وفيها أبو القاسم هبة الله بن أحمد الواسطي الشّروطي. روى عن الخطيب وابن المسلمة، وتوفي في ذي الحجة.
__________
[1] انظر «معجم البلدان» (4/ 125) .

(6/142)


سنة تسع وعشرين وخمسمائة
فيها هجم على سرادق المسترشد بالله أبي منصور الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن محمد بن القائم الهاشمي العبّاسي، سبعة عشر من الباطنية فقتلوه وقتلوا بظاهر مراغة، وكانت ولادته في ربيع الأول، سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وبويع له بالخلافة عند موت أبيه في ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، وكان ذا همة عالية، وشهامة زائدة، وإقدام، ورأي، وهيبة شديدة. ضبط الأمور- أي أمور الخلافة- ورتبها أحسن ترتيب، وأحيا رميمها، ونشر عظامها، وشيّد أركان الشريعة، وطرّز أكمامها، وباشر الحروب بنفسه، وخرج عدة نوب إلى الحلّة، والموصل، وطريق خراسان، إلى أن خرج النّوبة الأخيرة وكسر جيشه بقرب همذان، وأخذ أسيرا إلى أذربيجان في هذه السنة.
وكان قد سمع الحديث من أبي القاسم بن بيان، وعبد الوهاب بن هبة الله السبتي. وروى عنه محمد بن عمر بن مكّي الأهوازي، ووزيره علي ابن طراد، وإسماعيل بن طاهر الموصلي.
وذكره ابن الصلاح في «طبقات الشافعية» وناهيك بذلك، فإنه قال: هو الذي صنّف له أبو بكر الشاشي كتابه «العمدة» في الفقه، وبلقبه اشتهر الكتاب، فإنه كان حينئذ يلقب عمدة الدّنيا والدّين.

(6/143)


وذكره ابن السبكي في «طبقات الشافعية» [1] فقال: كان في أول أمره تنسّك، ولبس الصوف، وانفرد في بيت للعبادة، وكان مولده يوم الأربعاء ثامن عشر شعبان سنة ست وثمانين وأربعمائة، وخطب له أبوه بولاية العهد، ونقش اسمه على السكّة في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين، وكان مليح الخط، ما كتب أحد من الخلفاء قبله مثله، يستدرك على كتّابه ويصلح أغاليط في كتبهم. وأما شهامته وهيبته وشجاعته وإقدامه، فأمر أشهر من الشمس. ولم تزل أيامه مكدرة بكثرة التشويش والمخالفين، وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك، إلى أن خرج الخرجة الأخيرة إلى العراق، فكسر [2] وأخذ، ورزق الشهادة.
وقال الذهبي: مات السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه سنة خمس وعشرين، فأقيم ابنه داود مكانه، فخرج عليه عمه مسعود بن محمد، فاقتتلا ثم اصطلحا على الاشتراك بينهما، ولكلّ مملكة، وخطب لمسعود بالسلطنة ببغداد ومن بعده لداود، وخلع عليهما، ثم وقعت بين الخليفة ومسعود، وحشة [3] فخرج لقتاله، فالتقى الجمعان، وغدر بالخليفة أكثر عسكره، فظفر به مسعود، وأسر الخليفة وخواصّه، فحبسهم بقلعة بقرب همذان، فبلغ أهل بغداد ذلك، فحثوا في الأسواق على رؤوسهم التراب، وبكوا وضجوا، وخرج النساء حاسرات يندبن الخليفة، ومنعوا الصلاة والخطبة.
قال ابن الجوزي: وزلزلت بغداد مرارا كثيرة، ودامت كل يوم خمس مرّات أو ست مرات، والناس يستغيثون، فأرسل السلطان سنجر إلى ابن أخيه مسعود يقول: ساعة وقوف الولد غياث الدّنيا والدّين على هذا المكتوب، يدخل على أمير المؤمنين، ويقبّل الأرض بين يديه، ويسأله العفو والصفح،
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 258) .
[2] في «تاريخ الخلفاء» ص (432) وهو مصدر المؤلف: «وانكسر» .
[3] لفظة «وحشة» لم ترد في «تاريخ الخلفاء» الذي بين يدي.

(6/144)


ويتنصل غاية التنصل، فقد ظهر عندنا من الآيات السماوية والأرضية ما لا طاقة لنا بسماع مثلها، فضلا عن المشاهدة: من العواصف، والبروق، والزلازل، ودوام [1] ذلك عشرين يوما، وتشويش العساكر، وانقلاب البلدان.
ولقد خفت على نفسي من جانب الله، وظهور آياته، وامتناع الناس من الصلوات في الجوامع، ومنع الخطباء ما لا طاقة لي بحمله، فالله الله، تتلافى [2] أمرك وتعيد أمير المؤمنين إلى مقرّ [3] عزّة، وتحمل الغاشية [4] بين يديه كما جرت عادتنا وعادة آبائنا، ففعل مسعود جميع ما أمر به، وقبّل الأرض بين يدي الخليفة، ووقف يسأل العفو.
ثم أرسل سنجر رسولا آخر ومعه عسكر يستحثّ مسعود على إعادة الخليفة إلى مقرّ عزّة، فجاء في العسكر سبعة عشر من الباطنية، فذكر أن مسعودا ما علم بهم، وقيل: بل هو الذي دسّهم، فهجموا على الخليفة في مخيّمه [5] ففتكوا به، وقتلوا معه جماعة من أصحابه، فما شعر بهم العسكر إلّا وقد فرغوا من شغلهم، فأخذوهم وقتلوهم إلى لعنة الله، وجلس السلطان للعزاء، وأظهر المساءة بذلك، ووقع النحيب والبكاء، وجاء الخبر إلى بغداد، فاشتد ذلك على الناس، وخرجوا حفاة مخرّقين الثياب، والنساء ناشرات الشعور يلطمن ويقلن المراثي، لأن المسترشد كان محببا فيهم [ببرّه] ، ولما فيه [6] من الشجاعة والعدل والرّفق بهم.
__________
[1] في «تاريخ الخلفاء» : «ودام» .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «بتلاقي» والتصحيح من «المنتظم» (10/ 47) و «تاريخ الخلفاء» ص (433) .
[3] في «المنتظم» : «مستعر» وفي «تاريخ الخلفاء» : «منرّ» وهي محرّفة من «مقرّ» .
[4] في «آ» و «ط» : «الفاشية» وهو تحريف، والتصحيح من «المنتظم» و «تاريخ الخلفاء» .
[5] في «تاريخ الخلفاء» : «خيمته» .
[6] لفظة «ببرّه» سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «تاريخ الخلفاء» وقوله: «لما فيه» تحرف في «ط» إلى «بمرة شافية» .

(6/145)


وقتل المسترشد بمراغة يوم الخميس سادس عشر ذي القعدة.
وقال الذهبي: وقد خطب المسترشد [1] بالناس يوم عيد أضحى، فقال:
الله أكبر ما سحّت [2] الأنواء، وأشرق الضياء، وطلعت ذكاء، وعلت على الأرض السماء، الله أكبر ما همع [3] سحاب، ولمع سراب، وأنجح طلاب، وسرّ قادما إياب. وذكر خطبة بليغة ثم جلس، ثم قام فخطب وقال: اللهم أصلحني في ذريتي وأعني على ما ولّيتني وأوزعني شكر نعمتك، ووفقني وانصرني، فلما فرغ منها وتهيأ للنزول بدره أبو المظفر الهاشمي فأنشده:
عليك سلام الله يا خير من علا ... على منبر قد حفّ أعلامه النّصر
وأفضل من أمّ الأنام وعمّهم ... بسيرته الحسنى وكان له الأمر
وهي طويلة.
وبالجملة فإنه كان من حسنات الخلفاء، رحمه الله تعالى.
وفيها، أو في التي قبلها، الحسن بن أحمد بن جكّينا [4] ، الشاعر المشهور.
قال العماد الكاتب: أجمع أهل بغداد على أنه لم يرزق أحد من الشعراء لطافة طبعه، وكان يلقب بالبرغوث ومن شعره:
لافتضاحي في عوارضه ... سبب والنّاس لوّام
كيف يخفى ما أكابده ... والذي أهواه نمّام
وله أيضا:
__________
[1] لفظة «المسترشد» لم ترد في «تاريخ الخلفاء» الذي بين يدي.
[2] كذا في «آ» و «ط» : «ما سحّت» أي ما سالت الأمطار وفي «تاريخ الخلفاء» : «ما سبحت» .
[3] في «آ» : «ماهع» وفي «تاريخ الخلفاء» : «ما همى» . وجاء في «مختار الصحاح» (همع) :
وسحاب همع، أي ماطر.
[4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «حكّينا» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» (11/ 387) و «فوات الوفيات» (1/ 319) .

(6/146)


لمّا بدا خطّ العذا ... ريزين عارضه [1] بمشق
وظننت أنّ سواده ... فوق البياض كتاب عتقي [2]
فإذا به من سوء حظ ... ي عهدة كتبت برقّي
وفيها- أو في التي قبلها- علي بن عطية اللّخمي البلنسي، الشاعر المشهور، عرف بابن الزقّاق. كان شاعرا مفلقا حسن السبك رشيق العبارة.
ومن شعره قوله في غلام أصابته جراحة في وجنته:
وما شق وجنته عابثا ... ولكنها آية للبشر
جلاها لنا الله كيما نرى ... بها كيف كان انشقاق القمر
وفيها- أو في التي قبلها، وبه جزم ابن خلّكان وابن شهبة [3]- محمد ابن عبد الله بن أحمد أبو نصر الأرغياني- بالفتح، فالسكون، فكسر المعجمة، وفتح التحتية، نسبة إلى أرغيان، من نواحي نيسابور- الشافعي صاحب «الفتاوى» المعروفة، وهي في مجلدين ضخمين، يعبر عنها تارة ب «فتاوى الأرغياني» وتارة ب «فتاوى إمام الحرمين» لأنها أحكام مجرّدة، أخذها مصنّفها من «النهاية» . قرأ على إمام الحرمين. وسمع من أبي الحسن الواحدي المفسر، وروى عنه في تفسير قوله تعالى: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ 12: 94 [يوسف: 94] فقال: إن ريح الصبا استأذنت ربها أن تأتي يعقوب عليه السّلام بريح يوسف عليه السلام، قبل أن يأتيه البشير بالقميص، فأذن لها فأتته بذلك، فلذلك يتروح كل محزون بريح الصبا، وهي من ناحية المشرق إذا هبّت على الأبدان نعمتها ولينتها، وهيّجت الأشواق إلى الأوطان والأحباب. انتهى.
__________
[1] في «الوافي بالوفيات» و «فوات الوفيات» : «يزين خدّيه» .
[2] في «آ» و «ط» : «عتق» وما أثبته من «الوافي بالوفيات» و «فوات الوفيات» .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 221- 222) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 348- 349) .

(6/147)


قال ابن السمعاني: ولد المذكور بأرغيان سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وقدم نيسابور، وتفقّه على إمام الحرمين، وبرع في الفقه، وكان إماما متنسكا، كثير العبادة، حسن السيرة، مشتغلا بنفسه، توفي في ذي القعدة بنيسابور وله شعر.
وفيها طراد السّلمي السّنبسي البلنسي، عرف بزربول الأدب، وفيه يقول بعضهم، وقد أرسل معه كتاب جراب الدولة لصديق له يداعبه:
وما يهدى مع الزّربول يوما ... إلى خلّ بأظرف من جراب
ومن شعره هو:
بادروا بالفرار من مقلتيه ... قبل أن تخسروا النّفوس عليه
واعلموا أنّ للغرام ديونا ... ما لها الدّهر منقذ من يديه
وفيها شمس الملوك، أبو الفتح إسماعيل بن تاج الملوك بوري بن طغتكين، ولي دمشق بعد أبيه، وكان وافر الحرمة، موصوفا بالشجاعة، كثير الإغارة على الفرنج. أخذ منهم عدة حصون، وحاصر أخاه ببعلبك مدّة، لكنه كان ظالما مصادرا، جبّارا [مسودنا] . رتّبت أمّه زمرّد خاتون من وثب عليه من قلعة دمشق في ربيع الأول، وكانت دولته نحو ثلاث سنين، وترتّب بعده في الملك أخوه محمود، وصار أتابكه معين الدّين أنر الطّغتكيني، فبقي أربع سنين وقتله غلمانه. قاله في «العبر» [1] .
وفيها الحسن بن الحافظ لدّين الله عبد المجيد العبيدي المصري، ولي عهد أبيه ووزيره، ولي ثلاثة أعوام، فظلم، وغشم، وفتك، حتّى إنه قتل في ليلة أربعين أميرا، فخافه أبوه، وجهز لحربه جماعة، فالتقاهم واختبطت مصر، ثم دسّ عليه أبوه من سقاه سمّا فهلك.
__________
[1] (4/ 77- 78) وما بين حاصرتين مستدرك منه.

(6/148)


وفيها دبيس بن صدقة ملك العرب نور الدولة أبو الأعزّ [1] ولد الأمير سيف الدولة الأسدي، صاحب الحلّة. كان فارسا، شجاعا، مقداما، جوادا، ممدحا، أديبا، كثير الحروب والفتن، خرج على المسترشد بالله غير مرة، ودخل خراسان، والشام، والجزيرة، واستولى على كثير من العراق، وكان مسعّر حرب وجمرة بلاء. قتله السلطان مسعود بمراغة في ذي الحجة، وأظهر أنه قتله أخذا بثأر المسترشد، فلله الحمد على قتله.
وله نظم حسن منه:
تمتّع بأيام السّرور فإنما ... عذار الأماني بالهموم يشيب
ونسب العماد الكاتب في «الخريدة» إليه الأبيات اللّامية التي من جملتها:
أسلمه حبّ سليمانكم ... إلى هوى أيسره القتل
وفيها ظافر بن القاسم بن منصور بن عبد الله بن خلف بن عبد الغني أبو المنصور الجذامي الإسكندري، المعروف بالحداد، الشاعر المشهور.
كان من الشعراء المجيدين، وله ديوان شعر أكثره [2] جيد، ومدح جماعة من المصريين، وروى عنه الحافظ أبو طاهر السّلفي وغيره من الأعيان، ومن مشهور شعره قوله:
لو كان بالصبر الجميل ملاذه ... ما سحّ وابل دمعه ورذاذه
ما زال جيش الحبّ يغزو قلبه ... حتّى وهي وتقطّعت أفلاذه
لم يبق فيه مع الغرام بقيّة ... إلّا رسيس يحتويه جذاذه
من كان يرغب في السلامة فليكن ... أبدا من الحدق المراض عياذه
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «سير أعلام النبلاء» (19/ 612) : «أبو الأعز» وفي «المنتظم» (10/ 52) ، و «وفيات الأعيان» (2/ 263) و «العبر» (4/ 78) طبع الكويت، و (2/ 435) طبع بيروت، و «النجوم الزاهرة» (5/ 256) : «أبو الأغرّ» .
[2] كذا في «ط» و «وفيات الأعيان» (2/ 540) : «أكثره» وفي «آ» : «كثيره» .

(6/149)


لا تخدعنّك بالفتور فإنّه ... نظر يضرّ بقلبك استلذاذه
يا أيها الرّشأ الذي من طرفه ... سهم إلى حبّ القلوب نفاذه
درّ يلوح بفيك من نظّامه؟ ... خمر يجول عليه من نبّاذه
وقناة ذاك القدّ كيف تقوّمت؟ ... وسنان ذاك اللحظ ما فولاذه؟
رفقا بجسمك لا يذوب فإنني ... أخشى بأن يجفو عليه لاذه
هاروت يعجز عن مواقع سحره ... وهو الإمام فمن ترى أستاذه؟
تالله ما علقت محاسنك امرأ ... إلّا وعزّ على الورى استنقاذه
أغريت حبّك بالقلوب فأذعنت ... طوعا وقد أودى بها استحواذه
ما لي أتيت الحظّ من أبوابه ... جهدي فدام نفوره ولواذه
إيّاك من طمع المنى فعزيزه ... كذليله وغنيّه شحّاذه
ذالّية ابن دريد استهوى بها ... قوما [1] غداة نبت به بغداذه
دانوا [2] لزخرف قوله فتفرّقت ... طمعا بهم صرعاه أو جذّاذه
من قدّر الرزق السنيّ لك آنما [3] ... قد كان ليس يضرّه إنفاذه
وهذه القصيدة من غرر القصائد.
ومن شعره:
رحلوا فلولا أنّني ... أرجو الإياب قضيت نحبي
والله ما فارقتهم ... لكنني فارقت قلبي
وذكره علي بن ظافر بن أبي المنصور في كتابه «بدائع البدائه» وأثنى
__________
[1] في «آ» و «ط» : «قوم» وما أثبته من «وفيات الأعيان» (2/ 541) .
[2] في «آ» و «ط» : «دانت» وأثبت لفظ «ديوانه» ص (129) بتحقيق الدكتور حسين نصّار، و «وفيات الأعيان» .
[3] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» وفي «ديوانه» : «أينما» .

(6/150)


عليه، وأورد فيه عن القاضي أبي عبد الله محمد بن الحسين الآمدي النائب.
كان في الحكم بثغر الإسكندرية، قال: دخلت على الأمير السعيد بن ظفر أيام ولايته الثغر، فوجدته يقطر دهنا على خنصره، فسألته عن سببه، فذكر ضيق خاتمه عليه، وأنّه ورم بسببه، فقلت له: الرأي قطع حلقته قبل أن يتفاقم الأمر به، فقال: اختر من يصلح لذلك، فاستدعيت أبا المنصور ظافر الحداد فقطع الحلقة وأنشد بديها:
قصّر عن أوصافك العالم ... وكثّر [1] الناثر والناظم
من يكن البحر له راحة ... يضيق عن خنصره الخاتم
فاستحسنه الأمير ووهب له الحلقة، وكانت من ذهب. وكان بين يدي الأمير غزال مستأنس، وقد ربض وجعل رأسه في حجره، فقال ظافر بديها:
عجبت لجرأة هذا الغزال ... وأمر تخطّى له واعتمد
وأعجب به إذ بدا جاثما ... وكيف اطمأن وأنت الأسد
فزاد الأمير والحاضرون في الاستحسان، وتأمل ظافر شيئا على باب المجلس يمنع الطير من دخولها فقال:
رأيت ببابك هذا المنيف ... شباكا فأدركني بعض شكّ
وفكرت [2] فيما رأى خاطري ... فقلت البحار مكان الشبك
ثم انصرف وتركنا متعجبين من حسن بديهته، رحمه الله تعالى.
وكانت وفاته بمصر في المحرم. قاله ابن خلّكان [3] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وأكثر» وفي «النجوم الزاهرة» (5/ 376) : «فاعترف» وما أثبته من «وفيات الأعيان» (2/ 543) و «ديوانه» ص (299) .
[2] في «وفيات الأعيان» : «وفكّر» .
[3] في «وفيات الأعيان» (2/ 540- 543) .

(6/151)


وفيها ثابت بن منصور بن المبارك الكيلي [1] المقرئ المحدّث الحنبلي أبو العزّ.
سمع من أبي محمد التميمي، وأبي الغنائم بن أبي عثمان، وغيرهما.
وعني بالحديث، وسمع الكثير، وكتب الكثير، وخرّج تخاريج لنفسه عن شيوخه في فنون، وحدّث وسمع منه جماعة، وروى عنه السّلفي، والمبارك ابن أحمد، وابن الجوزي، وغيرهم.
وقال أبو الفرج: كان ديّنا ثقة صحيح الإسناد، ووقف كتبه قبل موته.
وقال السّلفيّ عنه: فقيه مذهب أحمد. كتب كثيرا، وسمع معنا وقبلنا على شيوخ، وكان ثقة وعر الأخلاق.
وتوفي يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة.
قال ابن رجب: قيل توفي سنة ثمان وعشرين، ورأيت جماعة من المحدّثين وغيرهم نعتوه في طباق السماع بالإمام الحافظ، رحمه الله.
وهو منسوب إلى كيل [2] قرية على شاطئ دجلة على مسيرة يوم من بغداد مما يلي طريق واسط ويقال لها جيل أيضا. انتهى.
ومنها [3] الشيخ عبد القادر [4] .
وفيها أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد الفارسي، الحافظ الأديب، صاحب «تاريخ نيسابور» ومصنّف «مجمع الغرائب» ومصنّف «المفهم في شرح مسلم» كان إماما في الحديث، واللغة،
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 93- 94) .
[2] انظر «معجم البلدان» (4/ 498) .
[3] يعني من «كيل» ، أو من «جيل» .
[4] هو شيخ الشيوخ الإمام عبد القادر الكيلاني، ويقال: الجيلاني، المتوفى سنة (561) هـ، وسوف ترد ترجمته في ص (329- 335) من هذا المجلد.

(6/152)


والأدب، والبلاغة، فقيها شافعيا، أكثر الأسفار، وحدّث عن جدّه لأمه أبي القاسم القشيري وطبقته، وأجاز له أبو محمد الجوهري وآخرون.
وتفقّه بإمام الحرمين، لازمه أربع سنين، وأخذ عنه الخلاف والفقه، ورحل فأكثر الأسفار، ولقي العلماء، ثم رجع إلى نيسابور، وولي خطابتها، وأخذ التفسير والأصول عن خالية أبي سعيد عبد الله، وأبي سعيد عبد الواحد، ابني أبي القاسم القشيري، ومات بنيسابور عن ثمان وسبعين سنة.
وفيها قاضي الجماعة أبو عبد الله بن الحاج التّجيبي القرطبي [1] المالكي، محمد بن أحمد بن خلف. روى عن أبي علي الغسّاني وطائفة، وكان من جلّة العلماء وكبارهم، متبحرا في العلوم والآداب، ولم يكن أحد في زمانه أطلب للعلم منه، مع الدّين، والخشوع، قتل ظلما بجامع قرطبة في صلاة الجمعة، عن إحدى وسبعين سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 79) .

(6/153)


سنة ثلاثين وخمسمائة
فيها كبس عسكر حلب بلاد الفرنج بالساحل، فأسروا، وسبوا، وغنموا، وشرع أمر الفرنج يتضعضع.
وفيها حصل بين السلطان مسعود وبين الخليفة الراشد بالله خلف، وجمعت العساكر من الفريقين، وذهب الخليفة إلى الموصل، ودخل السلطان مسعود بغداد، واحتوى على دار الخلافة [1] ، واستدعى الفقهاء، وأخرج خطّ والد الخليفة المسترشد أنّه من خرج من بغداد لقتال السلطان فقد خلع نفسه من الخلافة، فأفتى من أفتى من الفقهاء بخلعه، فخلعه في [2] يوم الاثنين، سادس عشر ذي القعدة بحكم الحاكم، وفتيا الفقهاء، واستدعى بعمه المقتفي بن المستظهر بالله، فبويع له بالخلافة.
قال ابن الجوزي في «الشذور» : وقد ذكر الصولي شيئا فتأملته، فإذا هو عجيب. قال الناس: إن كل سادس يقوم بأمر النّاس منذ أول الإسلام لا بد أن يخلع، فاعتبرت أنا هذا فوجدته كذلك، انعقد الأمر لنبينا محمد- صلّى الله عليه وسلم- ثم قام أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والحسن، وخلع، ثم معاوية، ويزيد ابن معاوية، ومعاوية بن يزيد، ومروان، وعبد الملك، وابن الزّبير، فخلع وقتل. ثم لم ينتظم لبني أميّة أمر، فولي السفّاح، والمنصور، والمهدي، والهادي، والرشيد، والأمين، فخلع وقتل، ثم المأمون، والمعتصم، والواثق،
__________
[1] في «آ» : «الخليفة» .
[2] لفظة «في» سقطت من «آ» .

(6/154)


والمتوكل، والمنتصر، والمستعين، فخلع وقتل، ثم المعتز، ثم المقتدي، ثم المعتمد، ثم المعتضد، ثم المكتفي، ثم المقتدر، فخلع، ثم ردّ ثم قتل، ثم القاهر، والراضي، والمتقي، والمستكفي، والمطيع، والطائع. فخلع، ثم القادر، والقائم، والمقتدي، والمستظهر، والمسترشد، والراشد، فخلع، ثم ولي المقتفي.
وفيها توفي أبو منصور البأآر- كالقفّال- نسبة إلى عمل البئر- إبراهيم ابن الفضل الأصبهاني الحافظ. روى عن أبي الحسين بن النّقور وخلق.
قال ابن السمعاني: رحل وسمع، وما أظن أحدا بعد ابن طاهر المقدسي رحل وطوّف مثله، أو جمع الأبواب كجمعه، إلّا أن البأآر لحقه الإدبار [1] في آخر الأمر، فكان يقف في سوق أصبهان ويروي من حفظه بسنده، وسمعت أنه يضع في الحال.
وقال لي إسماعيل بن محمد الحافظ: أشكر الله كيف ما لحقته.
وأما ابن طاهر المقدسي فجرب عليه الكذب مرّات. قاله في «العبر» [2] .
وفيها سلطان بن يحيى بن علي بن عبد العزيز زين القضاة أبو المكارم القرشي الدمشقي. روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء وجماعة وناب في القضاء عن أبيه ووعظ وأفتى.
وفيها علي بن أحمد بن منصور بن قيس الغسّاني أبو الحسن المالكي، النحوي الزاهد، شيخ دمشق ومحدّثها. روى عن أبي القاسم السميساطي، وأبي بكر الخطيب، وعدة.
قال السّلفي: لم يكن في وقته مثله بدمشق، كان زاهدا عابدا، ثقة.
__________
[1] لفظة «الإدبار» سقطت من «آ» .
[2] (4/ 81- 82) .

(6/155)


وقال ابن عساكر: كان متحرّزا، متيقظا، منقطعا في بيته بدرب النقاشة [1] أو ببيته الذي في المنارة الشرقية بالجامع، مفتيا يقرئ الفرائض والنحو.
وفيها أبو سهل محمد بن إبراهيم بن سعدويه الأصبهاني المزكّي.
راوي «مسند البرقاني» عن أبي الفضل الرازي، توفي في ذي القعدة.
وفيها أبو عبد الله محمد بن حمّويه الجويني الزاهد، شيخ الصوفية بخراسان. له مصنّف في التصوف، وكان زاهدا، عارفا، قدوة، بعيد الصيت. روى عن موسى بن عمران الأنصاري وجماعة، وعاش اثنتين وثمانين سنة، وهو جدّ بني حمّويه.
قال السخاوي: دفن في داره ببحيراباذا، إحدى قرى جوين، وقرأ الفقه والأصول على إمام الحرمين، ثم انجذب إلى الزهد وحجّ مرّات، وكان مستجاب الدعاء، وصنّف كتاب «لطائف الأذهان في تفسير القرآن» و «سلوة الطالبين في سيرة سيد المرسلين» صلّى الله عليه وسلم» وكتابا في علم الصوفية، وغير ذلك.
ولد سنة تسع وأربعين وأربعمائة، وأخذ طريقة التصوف عن أبي الفضل علي بن محمد الفارمذي عن أبي القاسم الطّوسي عن أبي عثمان سعيد بن سلام المغربي عن الزجاجي، عن الجنيد. انتهى.
وفيها أبو بكر محمد بن علي بن أبي ذرّ [2] الصالحاني، مسند
__________
[1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «النقاسة» والتصحيح من «العبر» (4/ 82) وعلّق عليه الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد فقال: ما يزال حتى اليوم ويسمى حارة النقاشة، وأحال على كتابه «معجم الأماكن الطبوغرافية» .
[2] في «آ» و «ط» : «ابن شاذان» وهو خطأ، فابن شاذان هو محمد بن عبد الله بن الحسين بن مهران بن شاذان بن يزيد الفامي الصالحاني، مات سنة (440) هـ. انظر «الأنساب» (8/ 13) ، وما أثبته من «العبر» (4/ 83) طبع الكويت، و (2/ 438) طبع بيروت، و «سير أعلام النبلاء» (19/ 585) .

(6/156)


أصبهان في زمانه، وآخر من حدّث عن أبي طاهر بن عبد الرحيم الكاتب.
كان صالحا صحيح السماع، توفي في جمادى الآخرة عن اثنتين وتسعين سنة، وآخر أصحابه عين الشمس. قاله في «العبر» [1] .
وفيها [أبو] عبد الله الفراوي- بضم الفاء، نسبة إلى فراوة بلد قرب خوارزم- محمد بن الفضل بن أحمد الصّاعدي النيسابوري، راوي «صحيح مسلم» عن الفارسي، ومسند خراسان، وفقيه الحرم. كان شافعيا مفتيا مناظرا، صحب إمام الحرمين مدّة، وعاش تسعين سنة.
قال ابن شهبة [2] : يعرف بفقيه الحرم، لأنه أقام بالحرمين مدة طويلة، ينشر العلم، ويسمّع الحديث، ويعظ الناس، ويذكّرهم. أخذ الأصول والتفسير عن أبي القاسم القشيري، وتفقّه بإمام الحرمين، وسمع من خلق كثير، وتفرّد ب «صحيح مسلم» .
وقال ابن السمعاني: هو إمام مفت، مناظر، واعظ، حسن الأخلاق والمعاشرة، جواد، مكرم للغرباء، ما رأيت في شيوخنا مثله. ثم حكي عن بعضهم [3] أنه قال: الفراوي ألف راوي [4] .
قال الذهبي: وقد أملى أكثر من ألف مجلس، توفي في شوال، ودفن إلى جانب ابن خزيمة.
وفيها كافور النبويّ [5] من خدّام النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، كان أسود، خصيا، طويلا، لا لحية له.
__________
[1] (4/ 83) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 352) .
[3] أقول: هو عبد الرشيد بن علي الطبري كما في «سير أعلام النبلاء» (19/ 618) . (ع) .
[4] أقول: أي يقدّر بألف راو. (ع) .
[5] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (109/ ب) ولم أقف على ذكر له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.

(6/157)


ومن شعره:
حتّام همّك في حلّ وترحال ... تبغي العلا والمعالي مهرها غالي
يا طالب المجد دون المجد ملحمة ... في طيّها تلف للنّفس والمال
ولليالي صروف قلّما انجذبت ... إلى مراد امرئ يسعى لآمال

(6/158)