شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وثلاثين
وخمسمائة
فيها توفي أبو البركات أحمد بن علي بن عبد الله بن الأبرادي [1]
البغدادي، الفقيه الحنبلي الزاهد. سمع من أبي الغنائم بن أبي عثمان،
وأبي الحسن بن الأخضر الأنباري وخلق، وقرأ الفقه على ابن عقيل، وصحب
الفاعوس وغيره من الصالحين. وتعبد ووقف دارا بالبدرية شرقي بغداد على
أصحاب أحمد. وسمع منه جماعة منهم: أبو المعمر الأنصاري، وأبو القاسم
ابن عساكر، ورويا عنه، وتوفي ليلة الخميس ثاني عشر رمضان ودفن بباب
أبرز.
وفيها إسماعيل بن أبي القاسم [بن أبي بكر] القارئ [2] أبو محمد
النيسابوري. روى عن أبي الحسين عبد الغافر، وأبي حفص بن مسرور، وكان
صوفيّا صالحا، ممن خدم أبا القاسم القشيري، ومات في رمضان وله اثنتان
وتسعون سنة. وقد روى «صحيح مسلم» كلّه.
وفيها تميم بن أبي سعيد [3] أبو القاسم الجرجاني. روى عن أبي
__________
[1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الإيرادي» والتصحيح من «ذيل طبقات
الحنابلة» (1/ 188) و «المنهج الأحمد» (2/ 284) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الغازي» والتصحيح من «العبر» (4/ 84) طبع
الكويت و (2/ 439) طبع بيروت، و «النجوم الزاهرة» (5/ 260) وما بين
حاصرتين زيادة منه.
[3] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 20) .
(6/159)
حفص بن مسرور، وأبي سعد الكنجروذي،
والكبار، وكان مسند هراة في زمانه، توفي في هذه السنة أو قبلها. قاله
في «العبر» [1] .
وفيها طاهر بن سهل بن بشر أبو محمد الإسفراييني الدمشقي الصائغ، عن
إحدى وثمانين سنة. سمع أباه، وأبا بكر الخطيب، وأبا القاسم الحنّائي،
وطائفة، وكان ضعيفا.
قال ابن عساكر: حكّ اسم أخيه وكتب بدله اسمه.
وفيها الحسن بن يحيى بن روبيل الدمشقي الأبّار. كان يبيع الإبر، وكان
صالحا ناسكا مغرى بهجاء زوجته، لأنها أشارت عليه أن يمدح كبيرا فما
نفع، فهجاه فصفع، فقال: لولا زوجتي لما صفعت ولولا تغريرها [2] في لما
وقعت.
وفيها أبو جعفر الهمذاني محمد بن أبي علي الحسن بن محمد، الحافظ
الصدوق، رحل وروى عن ابن النّقور، وأبي صالح المؤذّن، والفضل ابن
المحبّ، وطبقتهم بخراسان، والعراق، والحجاز، والنواحي.
قال ابن السمعاني: ما أعرف أن أحدا في عصره سمع أكثر منه. توفي في ذي
القعدة.
وقال ابن ناصر الدّين [3] : كان حافظا من المكثرين.
وفيها أبو القاسم بن الطّبر هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري البغدادي
المقرئ. قرأ بالروايات على أبي بكر محمد بن موسى الخيّاط [4] ،
__________
[1] (4/ 85) .
[2] في «ط» : «تعذيرها» وهو تحريف.
[3] انظر «التبيان شرح بديعة البيان» (161/ ب) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحنّاط» والتصحيح من «العبر» (4/ 86) و
«معرفة القراء الكبار» (1/ 485) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 593) .
(6/160)
وهو آخر أصحابه. وسمع من أبي إسحاق البرمكي
وجماعة، وكان ثقة صالحا ممتعا بحواسه. توفي في جمادى الآخرة عن ست
وتسعين سنة.
وفيها أبو عبد الله يحيى بن الحسن بن أحمد بن البنّاء البغدادي
الحنبلي. روى عن أبي الحسين بن الأبنوسي، وعبد الصمد بن المأمون، وكان
ذا علم وصلاح، وهو أخو أبي نصر المتقدم ذكره.
قال ابن رجب [1] : ولد يوم الجمعة رابع عشري ذي القعدة، سنة ثلاث
وخمسين وأربعمائة، وبكّر به أبوه في السماع، فسمع من أبي الحسين بن
المهتدي، وابن الأبنوسي، وابن النّقور، ووالده أبي علي بن البنا،
وغيرهم.
وحدّث وروى عنه جماعة من الحفّاظ، منهم: ابن عساكر، وابن الجوزي، وابن
بوش.
وروى عنه ابن السمعاني إجازة. وقال: كان شيخا صالحا، حسن السيرة، واسع
الرواية، حسن الأخلاق، متودّدا، متواضعا، برا، لطيفا بالطلبة، مشفقا
عليهم، وتوفي ليلة الجمعة ثامن شهر ربيع الأول.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 189) .
(6/161)
سنة اثنتين وثلاثين
وخمسمائة
فيها توفي أبو نصر الغازي أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني الحافظ.
قال ابن السمعاني: ثقة حافظ، ما رأيت في شيوخي أكثر رحلة منه.
سمع أبا القاسم ابن مندة، وأبا الحسين بن النّقور، والفضل بن المحبّ،
وطبقتهم. وكان جماعة من أصحابنا يفضّلونه على إسماعيل التيمي الحافظ.
توفي في رمضان.
وقال الذهبيّ [1] : عاش ثلاثا وثمانين سنة.
وفيها أحمد بن محمد بن أحمد بن مخلد بن عبد الرحمن بن أحمد ابن الحافظ
بقي بن مخلد أبو القاسم القرطبي المالكي، أحد الأئمة. روى عن أبيه،
وابن الطّلاع، وأجاز له أبو العبّاس بن دلهاث، وتوفي في سلخ العام عن
سبع وثمانين سنة.
وفيها الفقيه الحنبلي أبو بكر الدّينوري أحمد بن أبي الفتح محمد بن
أحمد، من أئمة الحنابلة ببغداد. تفقّه على أبي الخطّاب، وبرع في الفقه،
وتقدم في المناظرة على أبناء جنسه، حتّى كان أسعد الميهني شيخ الشافعية
يقول: ما اعترض أبو بكر الدّينوري على دليل أحد إلّا ثلم فيه ثلمة.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 87) .
(6/162)
وله تصانيف في المذهب، منها كتاب «التحقيق
في مسائل التعليق» وتخرّج به أئمة منهم: أبو الفتح بن المنّي، والوزير
ابن هبيرة.
قال ابن الجوزي: حضرت درسه بعد موت شيخنا ابن الزّاغوني [1] نحوا من
أربع سنين.
قال: وأنشدني- أي لنفسه-:
تمنّيت أن تمسي [2] فقيها مناظرا ... بغير عناء والجنون فنون
وليس اكتساب المال دون مشقّة ... تلقّيتها فالعلم كيف يكون
وقال ابن الجوزي: كان يرق عند ذكر الصالحين ويبكي، ويقول:
للعلماء عند الله قدر، فلعل الله أن يجعلني منهم. توفي يوم السبت غرة
جمادى الأولى، ودفن عند رجلي [3] أبي منصور الخيّاط، قريبا من قبر
الإمام أحمد، رضي الله عنه.
وفيها إسماعيل بن أبي صالح أحمد بن عبد الملك، المؤذّن الفقيه، أبو سعد
النيسابوري الشافعي. روى عن أبيه، وأبي حامد الأزهري، وطائفة، وتفقّه
على إمام الحرمين، وبرع في الفقه، ونال جاها ورئاسة عند سلطان كرمان.
وتوفي ليلة الفطر وله نيّف وثمانون سنة.
وفيها سعيد بن أبي الرجاء محمد بن أبي [منصور] بكر أبو الفرج الأصبهاني
الصّيرفي الخلّال السّمسار [4] . توفي في صفر عن سنّ عالية، فإنه
__________
[1] تحرفت في «آ» إلى «الزعفراني» .
[2] في «آ» و «ط» : «أن أمسي» وما أثبتناه من «المنتظم» (10/ 73) و
«البداية والنهاية» (12/ 213) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 190) و
«المنهج الأحمد» (2/ 285) .
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «رجل» .
[4] انظر «العبر» (4/ 87- 88) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 622) وما بين
حاصرتين مستدرك منه.
(6/163)
سمع سنة ست وأربعين من أحمد بن محمد بن
النّعمان القصّاص، وروى «مسند أحمد بن منيع» و «مسند العدني [1] » و
«مسند أبي يعلى» وأشياء كثيرة، وكان صالحا ثقة.
وفيها عبد المنعم بن أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن أبو المظفّر
القشيري النيسابوري، آخر أولاد الشيخ وفاة، عاش سبعا وثمانين سنة،
وحدّث عن سعيد البحيري، والبيهقي، والكبار، وأدرك ببغداد أبا الحسين بن
النّقور وجماعة.
وفيها أبو الحسن الجذامي علي بن عبد الله بن محمد بن سعيد بن موهوب
الأندلسي، أحد الأئمة، أجاز له أبو عمر بن عبد البرّ، وأكثر عن أبي
العبّاس بن دلهاث العذري، وصنّف تفسيرا وكتابا في الأصول، وعمّر إحدى
وتسعين سنة.
وفيها علي بن علي بن عبيد الله أبو منصور الأمين، والد عبد الوهاب ابن
سكينة. روى «الجعديات» عن الصّريفيني، وكان خيّرا زاهدا، يصوم صوم
داود، وكان أمينا على أموال الأيتام ببغداد، عاش أربعا وثمانين سنة.
وفيها فاطمة بنت علي بن المظفّر بن زعبل [2] ، أم الخير، البغدادية
الأصل، النيسابورية المقرئة. روت «صحيح مسلم» و «غريب» الخطابي عن أبي
الحسين الفارسي، وعاشت سبعا وتسعين سنة، وكانت تلقن النساء، وقيل:
توفيت في العام المقبل. قاله في «العبر» [3] .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الغربي» والتصحيح من «العبر» (4/ 88) و
«سير أعلام النبلاء» (19/ 622) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «دعبل» والتصحيح من «العبر» (4/ 89) و «سير
أعلام النبلاء» (19/ 625) .
[3] (4/ 89) .
(6/164)
وفيها أبو الحسن الكرجي محمد بن عبد الملك
بن محمد بن عمر، الفقيه الشافعي، شيخ الكرج وعالمها ومفتيها.
قال ابن السمعاني: إمام ورع فقيه مفت محدّث أديب. أفنى عمره في طلب
العلم ونشره. وروى عن مكّي السلّار وجماعة، وله القصيدة المشهورة في
السّنّة نحو مائتي بيت، شرح فيها عقيدة السلف، وله تصانيف في المذهب
والتفسير.
وقال ابن كثير في «طبقاته» : له كتاب «الفصول في اعتقاد الأئمة الفحول»
حكى فيه عن أئمة عشرة من السلف، الأئمة الأربعة، وسفيان الثوري،
والأوزاعي، وابن المبارك، واللّيث، وإسحاق بن راهويه أقوالهم في أصول
العقائد. انتهى. كذا قال، ولم يذكر العاشر، وله مختصر في الفقه يقال له
«الذرائع في علم الشرائع» وله تفسير، وكان لا يقنت في الفجر، ويقول: لم
يصح في ذلك حديث، وقد قال الشافعي: إذا صحّ الحديث فاضربوا بقولي
الحائط.
وقال ابن شهبة [1] : ولد سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وتوفي في شعبان.
والكرجيّ: بكاف وراء مفتوحتين، وبالجيم. انتهى [2] .
وفيها الراشد بالله أبو جعفر منصور بن المسترشد بالله الفضل بن
المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله الهاشمي العبّاسي، خطب له بولاية
العهد أكثر أيام والده وبويع بعده، وكان شابا أبيض، مليح الوجه، تام
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 351) .
[2] قلت: وكان شاعرا أيضا، وقد أورد الإسنويّ من شعره هذين البيتين في
«طبقات الشافعية» (2/ 349) :
كلّ العلوم سوى القرآن مشغلة ... إلّا الحديث وإلّا الفقه في الدّين
العلم ما كان فيه قال حدّثنا ... وما سوى ذاك وسواس الشياطين
(6/165)
الشكل، شديد البطش، شجاع النفس، حسن
السيرة، جوادا كريما، شاعرا فصيحا، لم تطل دولته. خرج من بغداد إلى
الجزيرة وأذربيجان، فخلعوه لذنوب ملفّقة، فدخل مراغة وعسكر فيها، وسار
إلى أصبهان ومعه السلطان داود بن محمود، فحاصرها وتمرّض هناك، فوثبت
عليه جماعة من الباطنية فقتلوه وقتلوا، وقيل: قتلوه صائما يوم سادس
عشري رمضان، وله ثلاثون سنة. وخلّف نيفا وعشرين ابنا. وقد غزا أهل
همذان وعبرها في أيام عزله، وظلم وعسف وقتل كغيره. قاله في «العبر» [1]
.
وفيها أبو شروان بن خالد الوزير أبو نصر القاشاني [2] ، وزر للمسترشد
والسلطان محمود، وكان من عقلاء الرجال ودهاتهم، وفيه دين وحلم وجود، مع
تشيّع قليل.
وكان محبا للعلماء موصوفا بالجود والكرم، أرسل إليه القاضي الأرجاني
يطلب منه خيمة، فلم يكن عنده، فجهز له خمسمائة دينار، وقال:
اشتر بهذه خيمة، فقال:
لله درّ ابن خالد رجلا ... أحيا لنا الجود بعد ما ذهبا
سألته خيمة ألوذ بها ... فجاد لي ملء خيمة ذهبا
وكان هو السبب في عمل «مقامات الحريري» وإيّاه عنى الحريريّ في أول
«مقاماته» [3] بقوله: فأشار عليّ من إشارته حكم وطاعته غنم.
وفيها القاضي الأعز محمد بن هبة الله بن خلف التميمي، ولي بانياس، وكان
ذا كرم ومروءة، ومات بدمشق، وهو الذي يكثر هجوه ابن منير الشاعر، من
ذلك قوله من قصيدة:
__________
[1] (4/ 89- 90) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الغاسّاني» والتصحيح من «العبر» (4/ 90)
وتحرفت «أنوشروان» فيه وفي طبعة بيروت منه إلى «نوشروان» . فتصحح وانظر
«النجوم الزاهرة» (5/ 261) .
[3] انظر «مقامات الحريري» ص (4) طبعة البابي الحلبي، ولفظة «عليّ» لم
ترد فيها.
(6/166)
هو قاض كما يقول ولكن ... ما عليه من
القضاء علامة
عمّة تملأ الفضاء عليه ... فوق وجه كعشر عشر القلامة
وعليها من التّصاوير ما لم ... يجمع القدس مثله والقمامة
وفيها أبو الحسن يونس بن محمد بن مغيث بن محمد بن يونس بن عبد الله بن
مغيث القرطبي [1] العلّامة. أحد الأئمة بالأندلس. كان رأسا في الفقه،
واللغة، والأنساب، والأخبار، وعلو الإسناد. روى عن أبي عمر بن الحذّاء،
وحاتم بن محمد، والكبار، وتوفي في جمادى الآخرة عن خمس وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 90) .
(6/167)
سنة ثلاث وثلاثين
وخمسمائة
فيها كما قال في «الشذور» كانت زلزلة بجنزة [1] أتت على مائتي ألف
وثلاثين ألفا فأهلكتهم، وكانت الزلزلة عشرة فراسخ.
وفيها توفي الشيخ أبو العبّاس أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة المرسي.
روى عن جماعة وانفرد بالإجازة عن أبي عمرو الدّاني.
وفيها زاهر بن طاهر أبو القاسم الشّحّامي النيسابوري، المحدّث المستملي
الشّروطي، مسند خراسان. روى عن أبي سعد الكنجروذي، والبيهقي، وطبقتهما،
ورحل في الحديث أولا وآخرا، وخرّج التخاريج [2] ، وأملى نحوا من ألف
مجلس، ولكنه كان يخلّ بالصلوات، فتركه جماعة لذلك. توفي في ربيع الآخر.
قاله في «العبر» [3] .
وفيها جمال الإسلام أبو الحسن علي بن المسلّم بن محمد بن علي السّلمي
الدمشقي، الفقيه الشافعي الفرضي، مدرس الغزالية والأمينية، ومفتي الشام
في عصره، وهو أول من درّس بالأمينية المنسوبة لأمين الدولة سنة أربع
__________
[1] في «آ» و «ط» : «بخبزة» وهو تصحيف، والتصحيح من «المنتظم» (10/ 78)
و «العبر» بطبعتيه. وجنزة: اسم أعظم مدينة بأرّان، وهي بين شروان
وأذربيجان. انظر «معجم البلدان» (2/ 171) .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «التاريخ» وما أثبتناه من «العبر» .
[3] (4/ 91- 92) .
(6/168)
عشرة وخمسمائة، وصنّف في الفقه، والتفسير،
وتصدّر للاشتغال والرواية، فحدّث عن أبي نصر بن طلاب، وعبد العزيز
الكتاني، وطائفة، وتفقّه على ابن عبد الجبّار المروزي، ثم على نصر
المقدسي، ولزم الغزالي مدة مقامه بدمشق، ودرّس في حلقة الغزالي مدّة.
قال الحافظ ابن عساكر: بلغني أن الغزالي قال: خلّفت بالشام شابا إن عاش
كان له شأن، قال: فكان كما تفرس فيه، سمعنا منه الكثير، وكان ثقة ثبتا
عالما بالمذهب والفرائض، وكان حسن الخطّ، موفقا في الفتاوى، وكان على
فتاويه عمدة أهل الشام، وكان يكثر من عيادة المرضى وشهود الجنائز،
ملازما للتدريس والإفادة، حسن الأخلاق، ولم يخلّف بعده مثله. انتهى.
وفيها أبو جعفر الكلواذي [1]- بفتح أوله والواو والمعجمة وسكون اللام،
نسبة إلى كلواذى قرية ببغداد- محمد بن محفوظ بن محمد بن الحسن ابن
أحمد، وهو ابن الإمام أبي الخطّاب الحنبلي. المتقدم ذكره [2] .
ولد سنة خمسمائة، وتفقّه على أبيه، وبرع في الفقه، وصنّف كتابا سمّاه
«الفريد» . قاله ابن القطيعي.
وفيها أبو بكر محمد بن باجه السّرقسطي، عرف بابن الصائغ [3] ، الفيلسوف
الشاعر، ذكره صاحب كتاب «قلائد [4] العقيان» فقال: هو رمد جفن الدّين
[5] ، وكمد نفوس المهتدين، اشتهر سخفا وجنونا، وهجر [6] مفروضا
__________
[1] تحرفت نسبته إلى «الكلوذاني» في «آ» و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/
191) مصدر المؤلف، وما جاء في «ط» هو الصواب.
[2] انظر وفيات سنة (510) هـ ص (45- 46) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 429- 431) و «نفح الطيب» (7/ 17) وما
بعدها.
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «فرائد» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[5] في «آ» و «ط» : «العين» وما أثبتناه من «نفح الطيب» .
[6] في «آ» و «ط» : «وهجا» والتصحيح من «نفح الطيب» .
(6/169)
ومسنونا، فما يتشرّع، ولا يأخذ في غير
الأباطيل [1] ولا يشرع إلى غير ذلك من كلام كثير.
وفيها محمود بن بوري بن طغتكين، الملك شهاب الدّين، صاحب دمشق، ولي بعد
قتل أخيه شمس الملوك إسماعيل، وكانت أمّه زمرّد هي الكلّ، فلما تزوّج
بها الأتابك زنكي وسارت إلى حلب، قام بتدبير المملكة معين الدّين أنر
[2] الطغتكيني، ووثب على محمود هذا جماعة من المماليك فقتلوه في شوال،
وأحضروا أخاه محمدا من مدينة بعلبك فملّكوه.
وفيها هبة الله بن سهل السّيّدي أبو محمد البسطامي ثم النيسابوري.
فقيه صالح متعبد، عالي الإسناد. روى عن أبي حفص بن مسرور، وأبي يعلى
الصّابوني، والكبار، وتوفي في صفر.
وفيها هبة الله بن الحسين [3] بن يوسف، وقيل: أحمد، المنعوت بالبديع
الأسطرلابي- نسبة إلى الأسطرلاب، بفتح الهمزة، وسكون السين، وضم الطاء،
كلمة يونانية معناها ميزان الشمس. وقال بعضهم: «اللاب» اسم الشمس بلسان
اليونان، فكأنه قيل: أسطر الشمس إشارة إلى الخطوط التي فيه، قيل: إن
أوّل من وضعه بطليموس صاحب المجسطي- كان صاحب الترجمة شاعرا مشهورا،
أحد الأدباء الفضلاء، وكان وحيد زمانه في عمل الآلات الفلكية، متقنا
لهذه الصناعة، وحصل له من جهة عملها مال جزيل في خلافة المسترشد.
__________
[1] في «نفح الطيب» : «الأضاليل» .
[2] في «آ» و «ط» و «الكامل في التاريخ» (11/ 22 و 38 و 305) و «وفيات
الأعيان» (1/ 297) «أنز» بالزاي، وفي «وفيات الأعيان» (5/ 184) و
«العبر» (4/ 92) طبع الكويت، و (2/ 445) طبع بيروت و «سير أعلام
النبلاء» (20/ 229) : «أنر» بالراء وهو ما أثبته.
[3] تحرف في «آ» و «ط» إلى «الحسن» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (6/
50) و «معجم الأدباء» (19/ 273) و «مرآة الجنان» (3/ 261) و «سير أعلام
النبلاء» (20/ 52) .
(6/170)
وذكره العماد في «الخريدة» وأثنى عليه،
وأورد له مقاطيع من شعره، فمن ذلك قوله:
أهدي لمجلسه الكريم [1] وإنما ... أهدي له ما حزت من نعمائه
كالبحر يمطره السحاب وما له ... من عليه [2] لأنّه من مائه
وقوله أيضا:
أذاقني حمرة المنايا ... لمّا اكتسى خضرة العذار
وقد تبدّى السّواد فيه ... وكارتي بعد في العيّار
وقوله أيضا:
قال قوم عشقته أمرد [3] الخ ... د وقد قيل: إنّه نكريش
قلت فرخ الطاووس أحسن ما كا ... ن إذا ما علا عليه الريش
قوله نكريش: لفظة عجمية، والأصل فيها نيك ريش، معناه لحية جيدة، فنيك:
جيد، وريش: لحية.
وله أيضا:
ولمّا بدا خطّ بخدّ معذّبي ... كظلمة ليل في ضياء نهار
خلعت عذاري في هواه فلم أزل ... خليع عذار في جديد عذار
قال ابن خلّكان: وكان كثير الخلاعة، يستعمل المجون في أشعاره، حتى يفضي
به إلى الفاحش في اللفظ، وكان ظريفا في جميع حركاته، توفي بعلة الفالج،
ودفن بمقبرة الوردية من بغداد. انتهى ملخصا.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» (6/ 51) : «لمجلسه الكريم» ،
وفي «معجم الأدباء» (19/ 275) : «لمجلسك الشريف» .
[2] في «وفيات الأعيان» و «معجم الأدباء» : «فضل عليه» .
[3] في «آ» و «ط» : «أمر» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
(6/171)
سنة أربع وثلاثين
وخمسمائة
فيها كما قال في «الشذور» خسف بجنزة [1] ، وصار مكان البلد ماء أسود،
وقدم التجار من أهلها فلزموا المقابر يبكون على أهلهم.
وفيها توفي محمد بن أحمد بن علي، ويعرف بزفره، ويقال: ابن زفره، كان
إماما جليلا حافظا عمدة.
قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» :
محمد بن أحمد بن زفره ... درّ له ثناؤه المسرّه
[2] وفيها عبد الجبّار بن محمد الخواري [3]- بالضم والتخفيف وراء، نسبة
إلى خوار، بلد الرّيّ- كان إماما جليلا، سمع الواحدي وغيره.
وفيها أبو الفضل محمد بن إسماعيل الفضيلي الهروي العدل. روى عن أبي عمر
المليحي، ومحلم الضبي، وتوفي في صفر.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «بخبزة» وهو تصحيف، والصواب ما أثبته، وانظر
التعليق على ص (168) .
[2] قلت: وقال ابن ناصر الدّين في «التبيان شرح بديعة البيان» (161/ ب)
: سمع من محدّثين عدة، منهم: محمد بن أحمد بن محمد الفارسي، ويحيى بن
عبد الوهاب بن مندة، وكان أحد من عني بهذا الشأن- يعني علم الحديث-.
[3] قلت: وترجم له ياقوت ترجمة مفيدة أثناء كلامه في «معجم البلدان»
(2/ 394) على من أنجبتهم «خوار» من العلماء، وذكر بأنه مات سنة (536) ،
فيحسن بالقارئ الوقوف عليها، وقد تحرفت نسبته في «غربال الزمان» ص
(430) إلى «الخوارزمي» وتحرفت «خوار» إلى «خوارزم» .
(6/172)
وفيها محمد بن بوري بن طغتكين جمال الدّين
[1] . كان ظالما سيئ السيرة، ولي دمشق عشرة أشهر ومات في شعبان، وأقيم
بعده ابنه آبق صبي مراهق.
وفيها يحيى بن علي بن عبد العزيز القاضي المنتجب أبو الفضل القرشي زكي
الدّين، قاضي دمشق وأبو قاضيها، المعروف بابن الصائغ، الدمشقي الشافعي.
قال الإسنوي [2] : كان فاضلا، رحل إلى بغداد فتفقه على الشاشي، وقرأ
العربية على أبي علي الفارسي [3] ، وتولى القضاء بدمشق، وكان محمود
السيرة.
ولد سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة. انتهى. وتوفي في ربيع الأول.
وكان له ولد يقال له منتجب الدّين محمد، خال الحافظ ابن عساكر، ووالده
[4] القاضي الزكي. تفقّه على الشيخ نصر المقدسي، وناب عن والده لما حجّ
سنة عشر وخمسمائة، ثم اشتغل بالحكم لما كبر والده وبعد موته أيضا، وكان
نزها عفيفا، صلبا في الأحكام، وقورا، متوددا، شفوقا، حسن النظر.
ولد سنة سبع وستين وأربعمائة، وتوفي في ربيع الأول سنة تسع وثلاثين
وخمسمائة. ذكره ابن عساكر في «تاريخه» .
وفيها يحيى بن بطريق الطّرسوسي [ثم] الدّمشقي [5] . روى عن أبي بكر
الخطيب، وأبي الحسين محمد بن مكّي، وتوفي في رمضان.
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 296- 297) و «النجوم الزاهرة» (5/ 266) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 141- 142) .
[3] قلت: وهو وهم تابع فيه المؤلف الإسنويّ، إذ أن وفاة أبي علي
الفارسي كانت سنة (377) هـ.
[4] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «ووالد» .
[5] انظر «العبر» (4/ 94) وما بين حاصرتين زيادة منه.
(6/173)
سنة خمس وثلاثين
وخمسمائة
فيها توفي إسماعيل بن محمد بن الفضل، الحافظ الكبير، قوام السّنّة، أبو
القاسم التّيمي الطّلحي الأصبهاني [1] الشافعي. روى عن أبي عمرو بن
مندة وطبقته بأصبهان، وأبي نصر الزّينبي ببغداد، ومحمد بن سهل السرّاج
بنيسابور. ذكره أبو موسى المديني فقال: أبو القاسم إمام أئمة وقته،
وأستاذ علماء عصره، وقدوة أهل السّنّة في زمانه، أصمت في صفر سنة أربع
وثلاثين، ثم فلج بعد مدة، وتوفي بكرة يوم عيد الأضحى، وكان مولده سنة
سبع وخمسين وأربعمائة.
وقال ابن السمعاني: هو أستاذي في الحديث، وعنه أخذت [2] هذا القدر. وهو
إمام في التفسير، والحديث، واللغة، والأدب، عارف بالمتون والأسانيد،
أملى بجامع أصبهان قريبا من ثلاثة آلاف مجلس.
وقال أبو عامر العبدري [3] : ما رأيت شابا ولا شيخا قطّ مثل إسماعيل
التّيمّي. ذاكرته فرأيته حافظا للحديث، عارفا بكل علم، متفننا.
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 80) .
[2] في «آ» و «ط» : «وعنه أحدّث» وما أثبته من «العبر» (4/ 95) طبع
الكويت و (2/ 447) طبع بيروت، و «سير أعلام النبلاء» (20/ 84) .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الغندري» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه، و
«سير أعلام النبلاء» .
(20/ 85) .
(6/174)
وقال أبو موسى: صنّف شيخنا إسماعيل
«التفسير» في ثلاثين مجلدة كبار، وسماه «الجامع» وله «الإيضاح» في
التفسير أربع مجلدات، و «الموضح» في التفسير ثلاث مجلدات، وله
«المعتمد» في التفسير عشر مجلدات، و «تفسير» بالعجمي عدة مجلدات، رحمه
الله تعالى.
وقال ابن شهبة [1] : له كتاب «الترغيب والترهيب» و «شرح صحيح البخاري»
و «صحيح مسلم» وكان ابنه شرع [2] فيهما فمات في حياته، فأتمهما، وله
كتاب «دلائل النبوة» وكتاب «التذكرة» نحو ثلاثين جزءا، وغير ذلك.
وقال ابن مندة: في «الطبقات» : ليس في وقتنا مثله، وكان أئمة بغداد
يقولون: ما رحل إلى بغداد بعد أحمد بن حنبل أفضل ولا أحفظ منه، ولم
ينكر أحد شيئا من فتاويه قطّ.
وأما ولده فهو أبو عبد الله محمد. ولد في حدود سنة خمسمائة، ونشأ في
طلب العلم، فصار إماما، مع الفصاحة، والذكاء، وصنّف تصانيف كثيرة، مع
صغر سنه. اخترمته المنية بهمذان سنة ست وعشرين وخمسمائة.
وفيها رزين بن معاوية، أبو الحسن العبدري الأندلسي السّرقسطي، مصنّف
«تجريد الصحاح» [3] . روى كتاب البخاري عن أبي مكتوم بن أبي ذرّ، وكتاب
مسلم عن الحسين الطبري [4] ، وجاور بمكّة دهرا، وتوفي في المحرم.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 338- 339) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «شرح» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء»
(20/ 85) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 360) .
[3] جمع فيه بين «الموطأ» للإمام مالك، و «صحيح البخاري» و «صحيح مسلم»
و «سنن أبي داود» و «سنن الترمذي» و «المجتبى من سنن النسائي» ورتبه
الإمام المبارك بن الأثير بعد ذلك وسماه «جامع الأصول في أحاديث
الرسول» .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الطري» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه، و
«سير أعلام النبلاء» (20/ 205) و «العقد الثمين» (4/ 399) .
(6/175)
وفيها أبو منصور القزّاز عبد الرحمن بن
محمد بن عبد الواحد الشيباني البغدادي، ويعرف بابن زريق. روى عن
الخطيب، وأبي جعفر بن المسلمة، والكبار، وكان صالحا كثير الرواية، توفي
في شوال عن بضع وثمانين سنة.
وفيها عبد الوهاب بن شاه أبو الفتوح الشّاذياخي النيسابوري التاجر.
سمع من القشيري «رسالته» ومن أبي سهل الحفصي «صحيح البخاري» ومن طائفة،
وتوفي في شوال.
وفيها أبو نصر الفتح بن محمد بن خاقان القيسي الإشبيلي، صاحب كتاب
«قلائد العقيان» . له عدة تصانيف، منها الكتاب المذكور، وقد جمع فيه من
شعراء المغرب [1] طائفة كثيرة، وتكلّم على ترجمة كل واحد منهم بأحسن
عبارة وألطف إشارة، وله أيضا كتاب «مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح
أهل الأندلس» وهو ثلاث نسخ: كبرى، ووسطى، وصغرى، وهو كتاب كثير
الفائدة، لكنه قليل الوجود، وكلامه في هذه الكتب يدل على فضله وغزارة
مادته، وكان كثير الأسفار، سريع التنقلات، وتوفي قتيلا بمدينة مرّاكش
في الفندق. قاله ابن خلّكان [2] .
وقال غيره: مات بمراكش قتيلا ذبح بمسكنه في فندق من فنادقها، وكان
يتكلم على الشعراء في كتابه «قلائد العقيان» بألفاظ كالسحر الحلال
والماء الزلال، يقال: إنه أراد أن يفضح الشعراء الذين ذكرهم بنشره،
وكان يكتب إلى المغاربة ورؤسائها يعرّف كلا على انفراده أنه عزم على
كتاب «القلائد» وأن يبعث إليه بشيء من شعره ليضعه في كتابه، وكانوا
يخافونه ويبعثون إليه الذي طلب، ويرسلون له الذهب والدنانير، فكل من
أرضاه أثنى
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الغرب» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 23- 24) .
(6/176)
عليه، وكل من قصّر هجاه وثلبه، وممن تصدى
له وأرسل إليه ابن باجه وزير صاحب المريّة، وهو أحد الأعيان في العلم
والبيان، يشبهونه في المغرب بابن سينا في المشرق، فلما وصلته رسالة ابن
خاقان تهاون بها ولم يعرها طرفه، فذكره ابن خاقان بسوء ورماه بداهية.
وفيها أبو الحسن بن توبة محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الجبّار ابن توبة
الأسدي العكبري [1] الشافعي المقرئ. روى عن أبي جعفر بن المسلمة، وأبي
بكر الخطيب، وطائفة وتوفي في صفر.
وتوفي أخوه عبد الجبّار بعده بثلاثة أشهر، وروى عن أبي محمد
الصّريفيني، وجماعة، وكان الأصغر. قاله في «العبر» [2] .
وفيها أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد- يتصل نسبه بكعب بن مالك
الأنصاري أحد الثلاثة الذين خلّفوا ثم تاب الله عليهم- القاضي أبو بكر
الأنصاري البغدادي الحنبلي البزّاز [3] ، مسند العراق، ويعرف بقاضي
المارستان. حضر أبا إسحاق البرمكي، وسمع من علي بن عيسى الباقلاني،
وأبي محمد الجوهري، وأبي الطيب الطبري، وطائفة، وتفقّه على القاضي أبي
يعلى، وبرع في الحساب والهندسة، وشارك في علوم كثيرة، وانتهى إليه علو
الإسناد في زمانه، توفي في رجب وله ثلاث وتسعون سنة وخمسة أشهر.
قال ابن السمعاني: ما رأيت أجمع للفنون منه، نظر في كل علم، وسمعته
يقول: تبت من كل علم تعلمته إلّا الحديث وعلمه. قاله في «العبر» .
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «الطبري» وما جاء في «آ» هو الصواب. انظر «سير
أعلام النبلاء» . (20/ 34) و «العبر» (4/ 96) طبع الكويت و (4/ 448)
طبع بيروت.
[2] (4/ 96) .
[3] انظر «العبر» (4/ 96- 97) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 23- 28) و
«البداية والنهاية» .
(12/ 217- 218) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 192- 198) .
(6/177)
ومن شعره قوله:
احفظ لسانك لا تبح بثلاثة ... سنّ ومال ما استطعت ومذهب
فعلى الثّلاثة تبتلى بثلاثة ... بمكفّر وبحاسد ومكذّب
وكان يقول: من خدم المحابر خدمته المنابر.
وقال ابن رجب في «طبقاته» [1] : ولد يوم الثلاثاء عاشر صفر سنة اثنتين
وأربعين وأربعمائة، وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وسمع على خلائق،
وتفقّه على القاضي أبي يعلى، وقرأ الفرائض، والحساب، والجبر،
والمقابلة، والهندسة، وبرع في ذلك، وله فيه تصانيف، وشهد عند
الدّامغاني، وتفنن في علوم كثيرة.
قال ابن السمعاني: كان حسن الكلام، حلو المنطق، مليح المحاورة، ما رأيت
أجمع للفنون منه. نظر في كل علم، وكان سريع النسخ، حسن القراءة للحديث،
سمعته يقول: ما ضيّعت ساعة من عمري في لهو أو لعب.
قال: وسمعته يقول أسرتني الرّوم وبقيت في الأسر سنة ونصفا، وكان خمسة
أشهر الغلّ في عنقي والسلاسل على يدي ورجلي، وكانوا يقولون لي: قل
المسيح ابن الله! حتّى نفعل ونصنع في حقك، فامتنعت وما قلت، ووقت أن
حبست كان ثم معلّم يعلم الصبيان الخط بالرومية، فتعلمت في الحبس الخطّ
الرّوميّ. وسمعته يقول: حفظت القرآن ولي سبع سنين، وما من علم في عالم
الله إلّا وقد نظرت فيه وحصّلت منه كله أو بعضه، ورحل إليه المحدّثون
من البلاد.
وقال ابن الجوزي: ذكر لنا أن منجمين حضرا حين ولد أبو بكر بن
__________
[1] يريد «ذيل طبقات الحنابلة» والنقل عنده (1/ 193) .
(6/178)
عبد الباقي، فأجمعا أن عمره اثنتان وخمسون
سنة. قال: وها أنا قد تجاوزت التسعين.
قال: ورأيته بعد ثلاث وتسعين صحيح الحواس لم يتغير منها شيء، ثابت
العقل، يقرأ الخط الدقيق من بعد. ودخلنا عليه قبل موته بمديدة فقال:
قد نزلت في أذني مادة، فقرأ علينا من حديثه، وبقي على هذا نحوا من
شهرين، ثم زال ذلك وعاد إلى الصحة، ثم مرض فأوصى أن يعمق قبره زيادة
على العادة، وأن يكتب عليه قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ
مُعْرِضُونَ 38: 67- 68 [ص: 68- 69] وبقي ثلاثة أيام قبل موته لا يفتر
من قراءة القرآن، إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني رجب، ودفن بباب حرب
إلى جانب أبيه قريبا من بشر الحافي، رحمه الله.
وقال ابن الخشاب: كان مع تفرّده بعلم الحساب والفرائض، وافتنانه في
علوم عديدة [1] صدوقا ثبتا في الرواية، متحريا فيها.
وقال ابن ناصر: لم يخلّف بعده من يقوم مقامه في علمه.
وقال ابن شافع: ما رأيت ابن الخشاب يعظم أحدا من مشايخه تعظيمه له.
وقال ابن أبي الفوارس: سمعت القاضي أبا بكر بن عبد الباقي يقول:
كنت مجاورا بمكة- حرسها الله تعالى- فأصابني يوما جوع شديد لم أجد شيئا
أدفع به عني الجوع، فوجدت كيسا من إبريسم مشدودا بشرابة إبريسم أيضا،
فأخذته وجئت إلى بيتي، فحللته فوجدت فيه عقدا من لؤلؤ لم أر مثله،
فخرجت فإذا شيخ ينادي عليه ومعه خرقة فيها خمسمائة دينار، وهو يقول:
هذا لمن يردّ علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ، فقلت: أنا محتاج، وأنا
__________
[1] في «آ» : «كثيرة» .
(6/179)
جائع، فآخذ هذا الذهب فأنتفع به، وأرد عليه
الكيس، فقلت له: تعال [إليّ] [1] ، وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامة
الكيس، وعلامة الشرابة، وعلامة اللؤلؤ، وعدده، والخيط الذي هو مشدود
به، فأخرجته ودفعته إليه.
فسلّم إليّ خمسمائة دينار، فما أخذتها، وقلت: يجب أن أعيده إليك ولا
آخذ له جزاء، فقال لي: لا بد أن تأخذ، وألح عليّ كثيرا، فلم أقبل،
فتركني ومضى، وخرجت من مكّة وركبت البحر، فانكسر المركب وغرق الناس
وهلكت أموالهم، وسلمت أنا على قطعة من المركب، فبقيت مدّة في البحر لا
أدري أين أذهب، فوصلت إلى جزيرة فيها قوم، فقعدت في بعض المساجد،
فسمعوني أقرأ، فلم يبق أحد إلّا جاءني [2] وقال: علمني القرآن، فحصل لي
منهم شيء كثير من المال. ثم رأيت [في ذلك المسجد] [3] أوراقا من مصحف،
فأخذتها، فقالوا: تحسن تكتب؟ فقلت: نعم، فقالوا: علمنا الخطّ، وجاءوا
بأولادهم من الصبيان والشباب، وكنت أعلمهم، فحصل لي أيضا من ذلك شيء
كثير، فقالوا لي بعد ذلك: عندنا صبية يتيمة ولها شيء من الدنيا نريد أن
تتزوج بها، فامتنعت، فقالوا: لا بد، والزموني، فأجبتهم فلما زفوها مددت
عيني أنظر إليها فوجدت ذلك العقد بعينه معلقا في عنقها، فما كان لي
حينئذ شغل إلّا النظر إليه، فقالوا: يا شيخ كسرت قلب هذه اليتيمة من
نظرك إلى هذا العقد، ولم تنظر إليها، فقصصت عليهم قصة العقد، فصاحوا
بالتهليل والتكبير، حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة، فقلت:
ما بكم؟ فقالوا: ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية، وكان
يقول: ما وجدت في الدنيا مسلما كهذا الذي ردّ عليّ هذا العقد، وكان
يدعو
__________
[1] مستدركة من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «جاء إليّ» .
[3] ما بين حاصرتين زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 197) .
(6/180)
ويقول: اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه
بابنتي، والآن قد حصلت، فبقيت معها مدة ورزقت منها ولدين.
ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولدي، ثم مات الولدان، فحصل العقد لي
فبعته بمائة ألف دينار، وهذا المال الذي ترون معي [1] من بقايا ذلك
المال.
وقد تضمنت هذه القصة: أنه لا يجوز قبول الهدية على ردّ الأمانات، لأنه
يجب عليه ردّها بغير عوض، وهذا إذا كان لم يلتقطها بنيّة أخذ الجعل
المشروط، وقد نص أحمد، رضي الله عنه، على مثل ذلك في الوديعة، وأنه لا
يجوز لمن ردّها إلى صاحبها قبول هديته إلّا بنية المكافأة. انتهى ما
أورده ابن رجب ملخصا.
وفيها أبو يعقوب يوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد، شيخ الصوفية بمرو،
وبقية مشايخ الطريق العاملين. تفقّه على الشيخ أبي إسحاق فأحكم مذهب
الشافعي، وبرع في المناظرة، ثم ترك ذلك وأقبل على شأنه. وروى عن
الخطيب، وابن المسلمة، والكبار، وسمع بأصبهان، وبخارى، وسمرقند، ووعظ،
وخوّف، وانتفع به الخلق، وكان صاحب أحوال وكرامات. توفي في ربيع الأول،
عن أربع وتسعين سنة. قاله في «العبر» [2] .
وقال السخاوي في «طبقاته» وابن الأهدل: أبو يعقوب الهمذاني، الفقيه
الزاهد، العالم العامل الرباني، صاحب المقامات والكرامات. قدم بغداد في
صباه بعد ستين وأربعمائة، ولازم الشيخ أبا إسحاق الشيرازي، وتفقّه
عليه، حتّى برع في الأصول، والمذهب، والخلاف، ثم زهد في
__________
[1] لفظة «معي» سقطت من «آ» .
[2] (4/ 97) .
(6/181)
ذلك، واشتغل بالزهد، والعبادة، والرياضة
[1] ، والمجاهدة، حتّى صار علما من أعلام الدّين، يهتدي به الخلق إلى
الله، ثم قدم بغداد في سنة خمس وخمسمائة وعقد بها مجلس الوعظ بالمدرسة
النظامية، وصادف بها قبولا عظيما من الناس، وكان قطب وقته في فنّه.
وذكر ابن النجار في «تاريخه» أن فقيها يقال له ابن السّقّاء سأله عن
مسألة وأساء معه الأدب، فقال له الإمام يوسف: اجلس فإني أجد- ويروى
أشم- من كلامك رائحة الكفر، وكان أحد القراء حفظة القرآن، فاتفق أنه
[2] تنصّر ومات عليها، نعوذ بالله من سوء الخاتمة، وذلك أنه خرج إلى
بلد الرّوم رسولا من الخليفة، فافتتن بابنة الملك، فطلب زواجها
فامتنعوا إلّا أن يتنصّر، فتنصّر، ورؤي في القسطنطينية مريضا وبيده خلق
مروحة يذب بها الذباب عن وجهه، فسئل عن القرآن، فذكر أنه نسيه إلّا آية
واحدة وهي رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ
15: 2 [الحجر: 2] وذكرت حكاية ابن السّقّاء في «البهجة» المصنفة في
مناقب الشيخ عبد القادر، وأن ابتلاءه كان بسبب [3] إساءته إلى بعض
الأولياء، يقال له: الغوث، فالله أعلم.
__________
[1] في «آ» : «والرئاسة» .
[2] أي السائل.
[3] في «آ» : «سبب» .
(6/182)
|