شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وثلاثين
وخمسمائة
فيها كانت ملحمة عظيمة بين السلطان سنجر وبين التّرك الكفرة بما وراء
النهر، أصيب [فيها] [1] المسلمون، وأفلت سنجر في نفر يسير، بحيث أنه
وصل بخل في ستة أنفس، وأسرت زوجته وبنته، وقتل من جيشه مائة ألف أو
أكثر، وكانت التّرك في ثلاثمائة ألف فارس.
وفيها توفي أبو سعد الزّوزني- بفتح الزايين وسكون الواو، نسبة إلى
زوزن، بلد بين هراة ونيسابور- أحمد بن محمد بن الشيخ أبي الحسن علي ابن
محمود بن ماخوّة الصوفي. روى عن القاضي أبي يعلى، وأبي جعفر بن
المسلمة، والكبار، وتوفي في شعبان عن سبع وثمانين سنة.
قال ابن ناصر: كان متسمّحا، فرأيته في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟
قال: غفر لي وأنا في الجنّة.
وفيها أبو العبّاس بن العريف أحمد بن محمد بن موسى الصنهاجي الأندلسي
الصوفي الزاهد.
قال ابن بشكوال [2] : كان مشاركا في أشياء، ذا عناية في القراءات،
__________
[1] لفظة «فيها» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «العبر» .
[2] انظر «الصلة» (1/ 81) .
(6/183)
وجمع الروايات والطرق وحملتها، وكان
متناهيا في الفضل والدّين، وكان الزهاد والعبّاد يقصدونه.
وقال الذهبي [1] : لما كثر أتباعه توهّم السلطان، وخاف أن يخرج عليه،
فطلبه، فأحضر إلى مرّاكش، فتوفي في الطريق قبل أن يصل، وقيل: توفي
بمرّاكش، وله ثمان وسبعون سنة، وكان من أهل المريّة.
وفيها إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث أبو القاسم بن السمرقندي
الحافظ.
ولد بدمشق سنة أربع وخمسين، وسمع بها من الخطيب، وعبد الدائم الهلالي،
وابن طلّاب، والكبار، وببغداد من الصّريفيني فمن بعده.
قال أبو العلاء الهمذاني: ما أعدل به أحدا من شيوخ العراق، وهو من شيوخ
ابن الجوزي، توفي في ذي القعدة.
وفيها إسماعيل بن عبد الواحد بن إسماعيل بن محمد الإمام أبو سعد
البوشنجي، نزيل هراة.
ولد سنة إحدى وستين وأربعمائة، وكان شافعيا عالما بالمذهب، درّس،
وأفتى، وصنّف.
قال ابن السمعاني: كان فاضلا غزير الفضل حسن المعرفة بالمذهب، جميل
السيرة، مرضي الطريقة، كثير العبادة، ملازما للذكر، قانعا باليسير، خشن
العيش، راغبا في نشر العلم، ملازما للسنّة غير ملتفت إلى الأمراء
وأبناء الدنيا.
وقال عبد الغافر: شاب نشأ في عبادة الله، مرضي السيرة على منوال أبيه،
وهو فقيه مناظر مدرس زاهد.
__________
[1] انظر «العبر» (1/ 99) .
(6/184)
وقال الرافعي في كتاب «الخلع [1] » : هو
إمام غوّاص متأخرّ، لقيه من لقيناه. توفي بهراة.
وله كتاب سمّاه [2] «المستدرك» وقف عليه الرّافعي ونقل عنه في مواضع.
قاله ابن قاضي شهبة [3] .
وفيها عبد الجبّار بن محمد بن أحمد أبو محمد الخواري [4]- بضم الخاء
والتخفيف، نسبة إلى خوار بلد بالرّي- الشافعي المفتي إمام جامع
نيسابور، تفقّه على إمام الحرمين وسمع البيهقي، والقشيري، وجماعة،
وتوفي في شعبان عن إحدى وتسعين سنة.
وفيها ابن برّجان أبو الحكم، عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال
اللّخمي الإفريقي ثم الإشبيلي العارف، شيخ الصوفية، مؤلّف «شرح الأسماء
الحسنى» توفي غريبا بمرّاكش.
قال [ابن] الأبّار: كان من أهل المعرفة بالقراءات، والحديث، والتحقيق،
بعلم الكلام والتصوف، مع الزهد والاجتهاد في العبادة، وقبره بإزاء قبر
ابن العريف.
وفيها شرف الإسلام عبد الوهاب ابن الشيخ أبي الفرج الحنبلي عبد الواحد
بن محمد الأنصاري الشيرازي ثم الدمشقي [5] الفقيه الواعظ شيخ الحنابلة
بالشام بعد والده ورئيسهم وهو باني مدرسة الحنبلية [6] داخل
__________
[1] تحرف في «ط» إلى «الجامع» وانظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 209)
.
[2] في «ط» : «أسماه» .
[3] انظر «طبقات الشافعية» (1/ 336- 337) .
[4] سبق للمؤلف أن ذكره في وفيات سنة (534) انظر ص (172) .
[5] انظر «العبر» (4/ 100) .
[6] في «ط» «مدرسة الحنابلة» وما جاء في «آ» موافق لما جاء في «العبر»
وانظر «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 64) .
(6/185)
باب الفراديس، سكنها الشيخ محمد الأسطواني
من سنة خمس وأربعين وتسعمائة إلى نيف وسبعين وتسعمائة. كذا رأيته على
هامش «طبقات» ابن رجب.
وقال ابن رجب في «الطبقات» [1] : توفي والد عبد الوهاب وهو صغير فاشتغل
بنفسه، وتفقّه، وبرع، وناظر، وأفتى، ودرّس الفقه والتفسير، ووعظ،
واشتغل عليه خلق كثير، وكان فقيها بارعا وواعظا فصيحا وصدرا معظما، ذا
حرمة، وحشمة، وسؤدد ورئاسة ووجاهة وهيبة وجلالة، كان ينشد على الكرسي
بجامع دمشق إذا طاب وقته قوله:
سيّدي علّل الفؤاد العليلا ... وأحيني قبل أن تراني قتيلا
إن تكن عازما على قبض روحي ... فترفّق بها قليلا قليلا
ولشرف الإسلام تصانيف في الفقه، والأصول، منها «المنتخب في الفقه» في
[2] مجلدين، و «المفردات» و «البرهان في أصول الدّين» وغير ذلك، وحدّث
عن أبيه وغيره، وسمع منه ببغداد ابن كامل.
توفي- رحمه الله- في ليلة الأحد سابع عشر صفر، سنة ست [وثلاثين
وخمسمائة] ودفن عند والده بمقابر الشهداء من مقابر الباب الصغير.
وفيها أبو عبد الله المازري محمد بن علي بن عمر المالكي المحدّث، مصنّف
«المعلم في شرح مسلم» كان من كبار أئمة زمانه.
قال ابن الأهدل: نسبة إلى مازر بفتح الزاي وكسرها، بلدة بجزيرة صقلية
[3] ، وكان ذا فنون من أئمة المالكية وله «المعلم بفوائد مسلم» ومنه
أخذ القاضي عياض شرحه «الإكمال» .
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 198- 200) .
[2] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[3] انظر «معجم البلدان» (5/ 40) .
(6/186)
توفي بالمهدية، عن ثلاث وثمانين سنة.
وفيها هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن طاووس أبو محمد البغدادي إمام
جامع دمشق. ثقة، مقرئ، محقّق، ختم عليه خلق، وله اعتناء بالحديث. روى
عن أبي العبّاس بن قبيس [1] ، وأبي عبد الله بن أبي الحديد، وببغداد من
البانياسي وطائفة، وبأصبهان من ابن شكرويه [2] وطائفة، وآخر أصحابه ابن
أبي لقمة.
وفيها يحيى بن علي أبو محمد [3] بن الطرّاح المدبّر. روى عن عبد الصمد
بن المأمون وأقرانه، وكان صالحا ساكنا، توفي في رمضان.
__________
[1] تحرف في «آ» و «ط» إلى «ابن قيس» والتصحيح من «العبر» (4/ 101) طبع
الكويت و (2/ 451) طبع بيروت، و «سير أعلام النبلاء» (20/ 98) .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «سكرويه» بالسين المهملة، والتصحيح من
«العبر» بطبعتيه، و «سير أعلام النبلاء» .
[3] في «آ» : «ابن محمد» وهو خطأ وانظر «العبر» (4/ 101) و «سير أعلام
النبلاء» (20/ 77- 78) .
(6/187)
سنة سبع وثلاثين
وخمسمائة
فيها توفي أحمد بن محمد بن أبي المختار، الشريف العلوي النّوبندجاني،
شاعر مفلق. ومن شعره:
اخضرّ بالزّغب المنمنم خدّه ... فالخدّ ورد بالبنفسج معلم
يا عاشقيه تمتّعوا بعذاره ... من قبل أن يأتي السّواد الأعظم
وفيها توفي صاحب ملطية محمد بن الدانشمند، واستولى على مملكة مسعود بن
قلج أرسلان صاحب قونية.
وفيها الحسين بن علي سبط الخيّاط البغدادي المقرئ، أبو عبد الله.
قال ابن السمعاني: شيخ صالح ديّن حسن الإقراء، يأكل من كدّ يده.
سمع الصّريفيني، وابن المأمون، والكبار.
وفيها أبو الفتح بن البيضاوي، القاضي عبد الله بن محمد بن محمد ابن
محمد، أخو قاضي القضاة أبي القاسم الزّينبي لأمه. سمع أبا جعفر بن
المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وكان متحرّيا في أحكامه، توفي في
جمادى الأولى ببغداد.
وفيها علي بن يوسف بن تاشفين، أمير المسلمين، صاحب المغرب، كان يرجع
إلى عدل ودين وتعبّد وحسن طويّة وشدّة إيثار لأهل
(6/188)
العلم، وتعظيم لهم، وذمّ للكلام وأهله.
ولما وصلت إليه كتب أبي حامد [1] أمر بإحراقها وشدّد في ذلك، ولكنه
[كان] [2] مستضعفا مع رؤوس أمرائه، فلذلك ظهرت مناكير وخمور في دولته،
فتغافل وعكف على العبادة، وتوثب عليه ابن تومرت، ثم صاحبه عبد المؤمن.
توفي في رجب عن إحدى وستين سنة، وتملّك بعده ابنه تاشفين. قاله في
«العبر» [3] .
وقال ابن الأهدل: كان من أئمة الهدى علما وعملا.
وفيها عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن لقمان النّسفي
السمرقندي الحنفي الحافظ، ذو الفنون، يقال: له مائة مصنّف. روى عن
إسماعيل بن محمد النّوحي فمن بعده، وله أوهام كثيرة. قاله في «العبر»
[4] .
وقال غيره: كان فاضلا مفسرا أديبا، صنّف كتبا في التفسير، والفقه، ونظم
«الجامع الصغير» لمحمد بن الحسن [5] ، وقدم بغداد وحدّث بكتاب «تطويل
الأسفار لتحصيل الأخبار» من جمعه، وروى عنه عامة مشايخه.
وفيها كوخان [6] سلطان التّرك والخطا، الذي هزم المسلمين وفعل
__________
[1] يعني الغزالي.
[2] مستدركة من «العبر» مصدر المؤلف، وقد سبقني إلى استدراكها الأستاذ
حسام الدّين القدسي ناشر الطبعة السابقة رحمه الله دون أن يشير إلى
المصدر الذي استدركها عنه.
[3] (4/ 102) .
[4] (4/ 102) .
[5] يعني الإمام محمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة (189) هـ رحمه
الله، وكتابه «الجامع الصغير» في فقه الإمام أبي حنيفة النعمان، جمع
فيه أربعين كتابا مشتملة على مسائل الفقه ولم يبوب الأبواب لكل كتاب
منها، ثم إن القاضي أبا طاهر بن الدبّاس بوبه ورتبه ليسهل على
المتعلمين حفظه ودراسته، وقد طبع في إدارة القرآن والعلوم الإسلامية في
كراتشي بالباكستان مع شرحه «النافع الكبير» للكنوي، وذلك عام (1407)
هـ.
[6] في «آ» : «كوخان خان» وفي «ط» : «كوخان خال» وما أثبته من «العبر»
بطبعتيه. وقال ابن الأثير في «الكامل» (11/ 83) : «كو» بلسان الصين،
لقب لأعظم ملوكهم، و «خان» لقب
(6/189)
الأفاعيل في السنة الماضية، واستولى على
سمرقند وغيرها، هلك في رجب ولم يمهله الله، وكان ذا عدل على كفره، وكان
مليح الشكل، حسن الصورة، كامل الشجاعة، لا يمكّن أميرا من إقطاع بل
يعطيهم من خزانته، ويقول: إن أخذوا الإقطاعات ظلموا الناس. وكان يعاقب
على السّكر، ولا ينكر الزّنا ولا يستقبحه، وتملّكت ابنته بعده، ولم تطل
مدتها، وتملّكت أمّها [1] بعدها، فحكمت على الخطا وما وراء النهر.
وفيها محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز، القاضي المنتجب، أبو المعالي
القرشي الدمشقي الشافعي، قاضي دمشق، وابن قاضيها القاضي الزكي. سمع أبا
القاسم بن أبي العلاء وطائفة، وسمع بمصر من الخلعي، وتفقّه على نصر
المقدسي وغيره، وتوفي في ربيع الأول عن سبعين سنة.
وفيها مفلح بن أحمد أبو الفتح الرّومي ثم البغدادي الورّاق. سمع من أبي
بكر الخطيب، والصّريفيني، وجماعة. توفي في المحرم.
لملوك الترك، فمعناه أعظم الملوك.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «أمّه» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» بطبعتيه،
وانظر «الكامل في التاريخ» (11/ 86) .
(6/190)
سنة ثمان وثلاثين
وخمسمائة
فيها توفي أبو المعالي عبد الخالق بن عبد الصمد بن البدن البغدادي
الصفّار المقرئ. روى عن ابن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون.
وفيها أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد الأنماطي الحافظ
الحنبلي، مفيد بغداد. سمع الصّريفيني ومن بعده.
قال أبو سعد [1] : حافظ، متقن، كثير السماع.
وقال ابن رجب [2] : ولد في رجب سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وسمع
الكثير من خلق كثير، وكتب بخطه الكثير، وسمع العالي والنازل، حتى إنه
قرأ على ابن الطيّوري جميع ما عنده.
قال ابن ناصر عنه: كان بقية الشيوخ، وكان ثقة ولم يتزوج قطّ.
وقال الحافظ أبو موسى المديني في «معجمه» : هو حافظ عصره ببغداد.
وذكره ابن السمعاني فقال: حافظ، ثقة، متقن، واسع الرواية، دائم البشر،
سريع الدمعة عند الذكر، حسن المعاشرة، جمع الفوائد، وخرّج
__________
[1] يعني السمعاني، وقد نقل المؤلف كلامه عن «ذيل طبقات الحنابلة» (1/
202) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 201- 203) وما بين حاصرتين مستدرك
منه.
(6/191)
التخاريج، لعله ما بقي جزء مروي إلّا وقد
قرأه، وكان متفرغا للتحديث إما أن يقرأ عليه، أو ينسخ [شيئا] .
وذكره تلميذه ابن الجوزي في عدة مواضع من كتبه، كمشيخته، و «طبقات
الأصحاب المختصرة» و «التاريخ» و «صفة الصفوة» و «صيد الخاطر» وأثنى
عليه كثيرا، وقال: كان ثقة ثبتا ذا دين وورع، وكنت أقرأ عليه الحديث
وهو يبكي، فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته، وكان على طريقة
السلف، وانتفعت به ما لم أنتفع بغيره، ودخلت عليه في مرضه وقد بلي وذهب
لحمه، فقال: إن الله- عزّ وجلّ- لا يتّهم في قضائه. وما رأينا في مشايخ
الحديث أكثر سماعا منه، ولا أكثر كتابة للحديث منه، مع المعرفة به، ولا
أصبر على الإقراء، ولا أكثر دمعة وبكاء، مع دوام البشر وحسن اللقاء،
وكان لا يغتاب أحدا ولا يغتاب عنده أحد. وكان سهلا في إعارة الأجزاء،
لا يتوقف.
توفي- رحمه الله- يوم الخميس حادي عشر المحرم، ودفن من الغد بالشونيزية
وهي مقبرة أبي القاسم الجنيد، غربي بغداد.
وفيها علي بن طراد، الوزير الكبير، أبو القاسم الزّينبي العبّاسي، وزير
المسترشد والمقتفي. سمع من عمه أبي نصر الزّينبي، وأبي القاسم بن
البسري، وكان صدرا مهيبا نبيلا، كامل السؤدد، بعيد الغور، دقيق النظر،
ذا رأي ودهاء وإقدام، نهض بأعباء بيعة المقتفي وخلع الراشد في نهار
واحد، وكان الناس يتعجبون من ذلك، ولما تغيّر عليه المقتفي وهمّ بالقبض
عليه، احتمى منه بدار السلطان مسعود، ثم خلّص ولزم داره، واشتغل
بالعبادة والخير، إلى أن مات في رمضان، وكان يضرب المثل بحسنه في صباه.
وفيها محمد بن الخضر بن أبي المهزول المعروف بالسّابق [1] من
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (3/ 39- 41) و «فوات الوفيات» (3/ 347-
349) .
(6/192)
أهل المعرّة، كان شاعرا مجوّدا، دخل بغداد،
وجالس ابن ناقيا [1] ، والأبيوردي، وأبا زكريا التبريزي، وأنشدهم، ولقي
ابن الهبّارية، وعمل رسالة لقبها «تحية الندمان» .
ومن شعره في مليح حلقوا رأسه:
وجهك المستنير قد كان بدرا ... فهو شمس لنفي صدغك عنه
ثبتت آية النهار عليه ... إذ محا القوم آية الليل منه
وفيها أبو البركات محمد بن علي بن صدقة بن جلب، الصائغ الحنبلي [2] ،
أمين الحكم بباب الأزج. سمع من أبي محمد التميمي، وقرأ الفقه على
القاضي أبي خازم.
وذكر ابن القطيعي عن أبي الحسين بن أبي البركات الصائغ قال:
سمعت أبي قال: جاءت فتوى إلى القاضي أبي خازم وفيها مكتوب:
ما يقول الإمام أصلحه اللّ ... هـ[إلهي] وللسبيل هداه
في محبّ أتى إليه حبيب ... في ليالي صيامه فأتاه
أفتنا هل صباح ليلته أف ... طر أم لا وقل لنا ما تراه
قال: فقال لي القاضي أبو خازم: أجب يا أبا البركات، فكتبت الجواب،
وبالله التوفيق:
أيها السائلي عن الوطء في لي ... لة الصيام الذي إليه دعاه
وجده بالذي أحب وقد أح ... رق نار الغرام منه حشاه
كيف يعصي ولو تفكّر في قد ... رة ربّي مفكّرا ما عصاه
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن ماقيا» وفي «الوافي بالوفيات» : «ابن باقيا»
وهو خطأ، والتصحيح من «فوات الوفيات» و «وفيات الأعيان» (3/ 98- 99) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 204) و «المنهج الأحمد» (2/ 292-
293) .
(6/193)
أأمنت الذي دحا الأرض أن يط ... بق دون
الورى عليك سماه
ليس فيما أتيت ما يبطل الصو ... م جوابي فاعلم هداك الله
توفي ليلة الثلاثاء سابع عشر رجب، ودفن بباب حرب، وسبب موته أن زوجته
سمّته في طعام قدمته له، وأكل معه منه رجلان، فمات أحدهما من ليلته
والآخر من غده، وبقي أبو البركات مريضا مديدة، ثم مات، رحمه الله
تعالى.
وفيها أبو الفتوح الإسفراييني محمد بن الفضل بن محمد، ويعرف أيضا بابن
المعتمد، الواعظ المتكلم. روى عن أبي الحسن بن الأخرم المديني، ووعظ
ببغداد، وجعل شعاره إظهار مذهب الأشعري، وبالغ في ذلك، حتى هاجت فتنة
كبيرة بين الحنابلة والأشعرية، فأخرج من بغداد، فغاب مدة ثم قدم وأخذ
يثير الفتنة ويبث اعتقاده ويذم الحنابلة، فأخرج من بغداد، وألزم
بالإقامة ببلده، فأدركه الموت ببسطام في ذي الحجة، وكان رأسا في الوعظ
أوحد في مذهب الأشعري، له تصانيف في الأصول والتصوف.
قال ابن عساكر: أجرأ من رأيته لسانا وجنانا، وأسرعهم جوابا، وأسلسهم
خطابا. لازمت حضور مجلسه، فما رأيت مثله واعظا ولا مذكّرا.
قاله في «العبر» [1] .
وفيها أبو القاسم الزّمخشري، محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي النحوي
اللغوي المفسر المعتزلي، صاحب «الكشاف» و «المفصّل» عاش إحدى وسبعين
سنة، وسمع ببغداد من ابن البطر [2] ، وصنّف عدة تصانيف،
__________
[1] (4/ 105) .
[2] في «ط» : «ابن الطبر» وهو خطأ.
(6/194)
وسقطت رجله، فكان يمشي في جاون خشب، وكان
داعية إلى الاعتزال، كثير الفضائل. قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن خلّكان [2] : الإمام الكبير في التفسير، والحديث، والنحو،
واللغة، وعلم البيان. كان إمام عصره من غير مدافع، تشد إليه الرحال في
فنونه. أخذ النحو عن أبي مضر [3] منصور، وصنّف التصانيف البديعة، منها
«الكشاف» في تفسير القرآن العظيم، لم يصنّف قبله مثله، و «الفائق» في
تفسير [4] الحديث، و «أساس البلاغة» في اللغة، و «ربيع الأبرار وفصوص
الأخبار» و «متشابه أسامي الرواة» و «النصائح الكبار» و «النصائح
الصغار» و «ضالة الناشد» و «الرائض في علم الفرائض» و «المفصل» في
النحو، وقد اعتنى بشرحه خلق كثير، و «الأنموذج» في النحو، و «المفرد
والمؤلّف» في النحو، و «رؤوس المسائل» في الفقه، و «شرح أبيات سيبويه»
و «المستقصى في أمثال العرب» و «صميم العربية» و «سوائر الأمثال» و
«ديوان التمثيل» [5] و «شقائق النعمان» [6] و «شافي العيّ [7] من كلام
الشافعي» و «القسطاس» في العروض، و «معجم الحدود» و «المنهاج» في
الأصول، و «مقدمة من الآداب» و «ديوان الرسائل» و «ديوان الشعر» و
«الرسالة الناصحة» والأمالي في كل فنّ، وغير ذلك.
__________
[1] (4/ 106) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 168- 174) .
[3] تحرفت في «آ» إلى «مظفر» .
[4] لفظة «تفسير» سقطت من «ط» .
[5] في «آ» و «ط» و «كشف الظنون» : «ديوان التمثل» وما أثبته من «معجم
الأدباء» لياقوت (19/ 134) و «وفيات الأعيان» .
[6] واسمه الكامل كما في «معجم الأدباء» (19/ 135) و «وفيات الأعيان» :
«شقائق النعمان في حقائق النّعمان» وقد خصصه للكلام على مناقب أبي
حنيفة النعمان رحمه الله تعالى.
[7] في «آ» و «ط» : «العيي» وما أثبته من «معجم الأدباء» و «وفيات
الأعيان» .
(6/195)
وكان قد سافر إلى مكّة- حرسها الله تعالى-
وجاور بها زمانا، فصار يقال له «جار الله» لذلك، فكان هذا الاسم علما
عليه. وسمعت من بعض المشايخ أن إحدى رجليه كانت ساقطة [1] و [أنّه] كان
يمشي في جاون خشب، وكان سبب سقوطها أنه في بعض أسفاره في بلاد خوارزم
أصابه ثلج كثير وبرد شديد في الطريق فسقطت منه رجله، وأنه كان بيده
محضر فيه شهادة خلق كثير ممن اطلعوا على حقيقة ذلك، خوفا من أن يظن من
لم [2] يعلم الحال أنها قطعت لريبة.
ورأيت في تاريخ [بعض] المتأخرين، أن الزّمخشري لما دخل بغداد واجتمع
بالفقيه الحنفي الدامغاني سأله عن [سبب] قطع رجله، فقال: دعاء الوالدة،
وذلك أنني في صباي أمسكت عصفورا وربطته بخيط في رجله، وأفلت من يدي،
فأدركته وقد دخل في خرق، فجذبته فانقطعت رجله في الخيط، فقالت والدتي:
قطع الله رجل الأبعد كما قطعت رجله، فلما وصلت إلى سنّ الطلب رحلت [3]
إلى بخارى لطلب العلم، فسقطت عن الدابة فانكسرت رجلي، وعملت عليّ عملا
[4] أوجب قطعها.
وكان الزّمخشري المذكور معتزلي الاعتقاد متظاهرا به، حتّى نقل عنه أنه
كان إذا قصد صاحبا له واستأذن عليه في الدخول يقول لمن يأخذ له الإذن:
قل له أبو القاسم المعتزلي بالباب. وأول ما صنّف كتاب «الكشّاف» استفتح
الخطبة بقوله: «الحمد لله الذي خلق القرآن» فيقال: إنه قيل متى تركته
على هذه الهيئة هجره الناس ولا يرغب أحد فيه، فغيّره بقوله:
__________
[1] في «آ» و «ط» : «سقطت» وما أثبته من «وفيات الأعيان» وما بين
حاصرتين مستدرك منه.
[2] لفظة «لم» سقطت من «ط» .
[3] في «آ» و «ط» «دخلت» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» .
[4] في «آ» و «ط» : «عمل» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» .
(6/196)
«الحمد لله الذي جعل القرآن» وجعل عندهم
بمعنى خلق. ورأيت في كثير من النسخ «الحمد لله الذي أنزل القرآن» وهذا
إصلاح الناس لا إصلاح المصنّف.
وكان الحافظ أبو الطاهر السّلفي كتب إليه من الإسكندرية وهو يومئذ
مجاور بمكة يستجيزه في مسموعاته ومصنفاته، فردّ جوابه بما لا يشفي
الغليل، فلما كان في العام الثاني كتب إليه أيضا مع بعض الحجّاج
استجازة أخرى، ثم قال في آخرها: ولا يحوج- أدام الله توفيقه- إلى
المراجعة، فالمسافة بعيدة، وقد كاتبه في السنة الماضية فلم يجبه بما
يشفي الغليل، وفي ذلك الأجر الجزيل. فكتب [إليه] الزّمخشري جوابه بأفصح
عبارة وأبلغها، ولم يصرح له بمقصوده.
ومن شعره السائر قوله:
ألا قل لسعدى ما لنا فيك [1] من وطر ... وما النّجل [2] من أعين البقر
فإنّا اقتصرنا بالذين تضايقت ... عيونهم والله يجزي من اقتصر
مليح ولكن عنده كلّ [3] جفوة ... ولم أر في الدّنيا صفاء بلا كدر
ولم أنس إذ غازلته قرب روضة ... إلى جنب حوض فيه للماء منحدر [4]
فقلت له: جئني بورد وإنما ... أردت به ورد الخدود وما شعر
فقال: انتظرني رجع طرف أجئ به ... فقلت له: هيهات ما لي منتظر
فقال: ولا ورد سوى الخدّ حاضر ... فقلت له: إنّي قنعت بما حضر
__________
[1] في «آ» و «ط» : «فيه» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[2] في «آ» و «ط» : «وما بطنين النحل» وما أثبته من «وفيات الأعيان» و
«العقد الثمين» (7/ 147) والنجل: سعة فتحة العين. ورواية البيت في «سير
أعلام النبلاء» (20/ 155) :
ألا قل لسعدى ما لنا فيك من وطر ... وما تطّبينا النّجل من أعين البقر
[3] لفظة «كل» سقطت من «آ» .
[4] في «آ» و «ط» : «منحصر» وما أثبته من «وفيات الأعيان» و «سير أعلام
النبلاء» .
(6/197)
ومن شعره يرثي شيخه أبا مضر [1] منصورا:
وقائلة: ما هذه الدّرر التي ... تساقط من عينيك سمطين سمطين؟
فقلت لها: الدّر الذي كان قد حشا ... أبو مضر أذني تساقط من عيني
ومن شعره:
أقول لظبي مرّ بي وهو راتع ... أأنت أخو ليلى فقال: يقال
فقلت وفي حكم الصبابة والهوى ... يقال أخو ليلى فقال: يقال
فقلت وفي ظل الأراكة والحمى ... يقال ويستسقي فقال: يقال
ومما أنشد لغيره في كتاب «الكشّاف» [2] في سورة البقرة، عند قوله
تعالى: إِنَّ الله لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً
فَما فَوْقَها 2: 26 [البقرة:
26] فإنه قال: أنشدت لبعضهم:
يا من يرى مدّ البعوض جناحها ... في ظلمة اللّيل البهيم الأليل
ويرى مناط عروقها في نحرها ... والمخّ في تلك العظام النّحل
اغفر لعبد تاب عن فرطاته ... ما كان منه في الزمان الأول
وكانت ولادة الزمخشري يوم الأربعاء سابع عشري رجب، سنة سبع وستين
وأربعمائة بزمخشر، وتوفي ليلة عرفة بجرجانيّة خوارزم، بعد رجوعه من
مكّة. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا [3] .
وقال ابن الأهدل: كان من أئمة الحنفية، معتزلي العقيدة، عظم صيته في
علوم الأدب، وسلّم مناظروه له. انتهى ملخصا أيضا.
__________
[1] لفظة «مضر» سقطت من «آ» .
[2] انظر «الكشاف» (1/ 265) مصورة دار المعرفة ببيروت.
[3] لفظة «ملخصا» لم ترد في «آ» .
(6/198)
سنة تسع وثلاثين
وخمسمائة
فيها توفي أبو البدر الكرخي إبراهيم بن محمد بن منصور [1] . ثقة ذو
مال، حدّث عن ابن سمعون، وعن خديجة الشاهجانية، وسمع أيضا من الخطيب
وطائفة، وتوفي في ربيع الأول.
وفيها تاشفين [2] صاحب المغرب، أمير المسلمين، ولد علي بن يوسف بن
تاشفين المصمودي البربري الملثّم، ولي بعد أبيه سنتين وأشهرا، وكانت
دولته في ضعف وانتقال، وزوال، مع وجود عبد المؤمن، فتحصّن بمدينة
وهران، فصعد ليلة في رمضان إلى مزار بظاهر وهران، فبيّته أصحاب عبد
المؤمن، فلما أيقن بالهلكة ركض فرسه فتردّى به إلى البحر، فتحطم وتلف،
ولم يبق لعبد المؤمن منازع، فأخذ تلمسان.
وفيها ولّى جقر [3] بالموصل رجلا ظالما يقال له القزويني، فسار سيرة
قبيحة، وشكا الناس إليه، فولّى مكانه عمر بن شكله، فأساء السيرة أيضا،
فقال الحسن بن أحمد الموصلي:
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 106) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 79- 80) .
[2] انظر «العبر» (4/ 106- 107) و «النجوم الزاهرة» (5/ 275) .
[3] هو أبو سعيد جقر بن يعقوب الهمذاني، الملقب نصير الدّين. كان نائب
عماد الدّين زنكي صاحب الجزيرة والموصل والشام، استنابه عنه بالموصل،
وكان جبارا عسوفا، سفاكا للدماء، مستحلا للأموال. مات يوم الخميس
التاسع من ذي القعدة سنة (539) هـ. انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 100-
101) و «وفيات الأعيان» (1/ 364- 365) .
(6/199)
يا نصير الدّين يا جقر ... ألف قزويني ولا
عمر
لو رماه الله في سقر ... لاشتكت من ظلمه سقر
وفيها توفي أبو منصور بن الرزّاز، سعيد بن محمد بن عمر البغدادي، شيخ
الشافعية، ومدرّس النظامية، تفقّه على الغزالي، وأسعد الميهني، وإلكيا
الهرّاسي، وأبي بكر الشاشي، وأبي سعد المتولي. وروى عن رزق الله
التميمي، وبرع وساد، وصار إليه رئاسة المذهب، وكان ذا سمت ووقار
وجلالة، كان مولده سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وتوفي في ذي الحجة،
ودفن بتربة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي.
وفيها أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح الرّعيني الإشبيلي، خطيب إشبيلية
ومقرئها ومسندها. روى عن أبيه، وأبي عبد الله بن منظور، وأجاز له ابن
حزم، وقرأ القراءات على أبيه وبرع فيها، ورحل الناس إليه من الأقطار
للحديث والقراءات، ومات في شهر جمادى الأولى عن تسع وثمانين سنة.
وفيها- أو في التي قبلها كما جزم به ابن ناصر الدّين [1]- أبو المعالي
عبد الله بن أحمد بن أحمد بن محمد المروزي الحلواني- بفتح الحاء
[المهملة] ، نسبة إلى الحلوى- البزّاز. كان حافظا فقيها عالما نبيها.
قاله ابن ناصر الدّين.
وفيها علي بن هبة الله بن عبد السلام، أبو الحسن الكاتب البغدادي. سمع
الكثير بنفسه، وكتب، وجمع، وحدّث عن الصريفيني، وابن النّقور، وتوفي في
رجب عن ثمان وثمانين سنة.
وفيها أبو البركات عمر بن إبراهيم بن محمد الزّيدي الكوفي النحوي
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (162/ آ) وما بين حاصرتين مستدرك
منه.
(6/200)
الحنفي. أجاز له محمد بن علي بن عبد الرحمن
العلوي، وسمع من أبي بكر الخطيب وخلق، وسكن الشام مدة، وله مصنفات في
العربية، وكان يقول:
أفتي برأي أبي حنيفة ظاهرا، وبمذهب جدّي زيد بن علي تديّنا.
وقال أبيّ النّرسي: كان جاروديا [1] لا يرى الغسل من الجنابة.
وقال في «العبر» [2] : قلت: وقد اتهم بالرفض، والقدر، والتجهّم.
توفي في شعبان، وله سبع وتسعون سنة، وشيّعه نحو ثلاثين ألفا، وكان مسند
الكوفة. انتهى.
وفيها فاطمة بنت محمد بن أبي سعد البغدادية أم البهاء الواعظة، مسندة
أصبهان. روت عن أبي الفضل الرازي [3] وسبط بحرويه [4] ، وأحمد ابن
محمود الثقفي، وسمعت «صحيح البخاري» من سعيد العيّار. وتوفيت في رمضان،
ولها أربع وتسعون سنة.
وفيها القاسم بن المظفّر علي بن القاسم الشهرزوري، والد قاضي الخافقين
أبي بكر محمد، والمرتضى أبي محمد عبد الله، وأبي منصور المظفّر، وهو جد
بيت الشهرزوري، قضاة الشام، والموصل، والجزيرة، وكلهم إليه ينتسبون.
كان حاكما بمدينة إربل مدة، وبمدينة سنجار مدة، وكان من أولاده وحفدته
أولاد علماء نجباء كرماء، نالوا المراتب العلية، وتقدموا
__________
[1] نسبة أبي الجارود زياد بن المنذر الهمذاني، وقيل الثقفي، ويقال
النهدي الأعمى. كان رافضيا يضع الحديث في الفضائل والمثالب، وإليه ينسب
الجارودية، ويقولون: إن عليا- رضي الله عنه- أفضل الصحابة، وتبرءوا من
أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وزعموا أن الإمامة مقصورة على ولد فاطمة
رضي الله عنها، وبعضهم يرى الرجعة ويبيح المتعة. قال ابن معين: كذّاب
عدوّ الله. عن «ميزان الاعتدال» للذهبي (2/ 93- 94) باختصار.
[2] (4/ 108) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المرازي» والتصحيح من «العبر» (4/ 109) و
«سير أعلام النبلاء» (20/ 148) .
[4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «نحرويه» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام
النبلاء» .
(6/201)
عند الملوك، وتحكموا وقضوا، ونفقت أسواقهم،
خصوصا حفيده القاضي كمال الدّين محمد، ومحيي الدّين بن كمال الدّين،
وقدم بغداد غير مرّة، وذكره جماعة وأثنوا عليه، منهم: أبو البركات
المستوفي في «تاريخ إربل» [1] وأورد له شعرا، فمن ذلك قوله:
همّتي دونها السّها والزّبانا ... قد علت جهدها فما تتدانى
فأنا متعب معنىّ إلى أن ... تتفانى الأيام أو نتفانى
هكذا وجدت هذه الترجمة في «تاريخ الإسلام» لابن شهبة.
والصحيح أن البيتين لولده أبي بكر محمد قاضي الخافقين، فإنه المتوفى في
هذا التاريخ.
وأما والده القاسم فذكر ابن خلّكان [2] أن وفاته سنة تسع وثمانين
وأربعمائة، وهذا غاية البعد والوهم، وكانت ولادة قاضي الخافقين بإربل
سنة ثلاث أو أربع وخمسين وأربعمائة، وتوفي في جمادى الآخرة ببغداد،
ودفن بباب أبرز، وإنما قيل له قاضي الخافقين لكثرة البلاد التي وليها،
وممن سمع منه، السمعاني، وقال في حقه: إنه اشتغل بالعلم على الشيخ أبي
إسحاق الشيرازي، وولي القضاء بعدة بلاد، ورحل إلى العراق، وخراسان،
والجبال، وسمع الحديث الكثير.
وأما أخو قاضي الخافقين المرتضى، فهو أبو محمد عبد الله بن القاسم بن
المظفّر والد القاضي كمال الدّين، كان أبو محمد المذكور مشهورا بالفضل
والدّين، مليح الوعظ، مع الرشاقة والتجنيس، أقام ببغداد مدة يشتغل
بالحديث والفقه، ثم رحل إلى الموصل، وتولى بها القضاء، وروى
__________
[1] انظر «تاريخ إربل» (1/ 203) بتحقيق الأستاذ سامي الصقار.
[2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 69) .
(6/202)
الحديث، وله شعر رائق، فمن ذلك قصيدته التي
على طريقة الصوفية، ولقد أحسن فيها، ومنها:
لمعت نارهم وقد عسعس اللي ... ل وملّ الحادي وحار الدليل
فتأمّلتها وفكري من البي ... ن عليل ولحظ عيني كليل
وفؤادي ذاك الفؤاد المعنّى ... وغرامي ذاك الغرام الدخيل
ثم قابلتها وقلت لصحبي ... هذه النّار نار ليلى فميلوا
فرموا نحوها لحاظا صحيحا ... ت وعادت خواسئا وهي حوّل
ثم مالوا إلى الملام وقالوا ... خلّب ما رأيت أم تخييل
فتنحّيتهم وملت إليها ... والهوى مركبي وشوقي الزميل
وهي طويلة.
ومن شعره قوله:
يا ليل ما جئتكم زائرا ... إلّا وجدت الأرض تطوى لي
ولا ثنيت العزم عن بابكم ... إلّا تعثرت بأذيالي
وكانت ولادته في شعبان سنة خمس وستين وأربعمائة وتوفي في شهر ربيع
الأول سنة إحدى عشرة وخمسمائة بالموصل ودفن بالتربة المعروفة بهم.
وأما أخوه المظفّر، فإن السمعاني ذكره في «الذيل» فقال: ولد بإربل،
ونشأ بالموصل، وورد بغداد وتفقّه بها على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي،
ورجع إلى الموصل، وولي قضاء سنجار على كبر سنه وسكنها، وكان قد أضرّ،
ثم قال: سألته عن مولده فقال: ولدت في جمادى الآخرة- أو رجب- سنة سبع
وخمسين وأربعمائة بإربل، ولم يذكر وفاته، والله أعلم.
وفيها أبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي ثم النيسابوري [1] ،
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 93) وما بين حاصرتين زيادة منه.
(6/203)
راوي «السّنن الكبير» عن البيهقي وراوي «
[صحيح] البخاري» عن [سعيد] العيّار، توفي في جمادى الآخرة، وله إحدى
وتسعون سنة.
وفيها [أبو عبد الله] محمد بن عبد العزيز السّوسي [ثم البصري] الشاعر
[1] . كان ظريفا [ماجنا] ، له منظر حسن، ورث من أبيه مالا جزيلا فأنفقه
في اللهو وافتقر، فعمل قصيدته الظريفة المعروفة بالسّوسية، التي أولها
الحمد لله ليس [لي] بخت ... ولا ثياب يضمّها تخت
وفيها أبو المنصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن محمد بن خيرون
البغدادي المقرئ الدبّاس، مصنّف «المفتاح» و «الموضح في القراءات» أدرك
أصحاب أبي الحسن الحمّامي، وسمع الحديث من أبي جعفر بن المسلمة،
والخطيب، والكبار، وتفرّد بإجازة أبي محمد الجوهري.
توفي في رجب، وله خمس وثمانون سنة.
وفيها أبو المكارم المبارك بن علي السّمّذي- بكسرتين وتشديد الميم،
نسبة إلى السّمّذ، وهو الخبز الأبيض، يعمل للخواص- البغدادي سمع
الصريفيني وطائفته، ومات يوم عاشوراء.
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (3/ 261) وما بين حاصرتين في الترجمة منه.
(6/204)
سنة أربعين وخمسمائة
فيها توفي أبو سعد البغدادي الحافظ أحمد بن محمد بن أبي سعد أحمد بن
الحسن الأصبهاني. ولد سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وسمع من عبد الرحمن،
وعبد الوهاب ابني مندة وطبقتهما، وببغداد من عاصم بن الحسن.
قال [أبو] سعد بن السمعاني: حافظ، ديّن، خيّر، يحفظ «صحيح مسلم» وكان
يملي من حفظه.
وقال الذهبي [1] : حجّ مرّات، ومات في ربيع الآخر بنهاوند، ونقل إلى
أصبهان.
وقال ابن ناصر الدّين [2] : كان ثقة متقنا ديّنا خيّرا واعظا، و «صحيح
مسلم» من بعض حفظه.
وفيها أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن البحيري.
روى عن القشيري، وأحمد بن منصور المغربي. توفي في جمادى الأولى عن سبع
وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 110) .
[2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (162/ ب) .
(6/205)
وفيها [أبو الفتح] محمد بن محمد بن الخشّاب
الكاتب [1] ، أحد الفضلاء. فمن شعره:
أراك اتّخذت سواكا أراكا ... لكيما أراك وأنسى سواكا
سواك فما أشتهي أن أرى ... فهب لي رضابا وهب لي سواكا
ومن هنا أخذ القائل:
ما أردت الأراك إلّا لأني ... إن ذكرت الأراك قلت أراكا
وهجرت السواك إلّا لأني ... إن ذكرت السواك قلت سواكا
وقال الآخر:
طلبت منك سواكا ... وما طلبت سواكا
وما طلبت أراكا ... إلّا أردت أراكا
وكان حسن الخطّ [والعبارة] والتّرسل، له حظ [وافر] من العربية، وكان
يضرب به المثل في الكذب ووضع الخيالات [2] والحكايات المستحيلات،
منهمكا على الشرب مع كبر سنه.
وفيها [أبو عبد الله] محمد بن مزّاح الأزدي [3] .
من شعره في ثقيل:
لنا صديق زائد ثقله ... فظفره كالجبل الرّاسي
تحمل منه الأرض أضعاف ما ... تحمله من سائر النّاس
ولبعض الأندلسيين:
ليس بإنسان ولكنّه ... يحسبه النّاس من النّاس
__________
[1] انظر «الأنساب» (5/ 120) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 76- 77) و
«الوافي بالوفيات» (1/ 165) وما بين حاصرتين زيادة منه.
[2] في «الوافي بالوفيات» : «ووضع المحالات» .
[3] انظر «الوافي بالوفيات» (5/ 17) وما بين حاصرتين زيادة منه.
(6/206)
أثقل في أنفس إخوانه ... من جبل راس على
راس
وفيها أبو إسحاق الضرير، إبراهيم بن محمد الطّليطلي، وهو القائل:
أتاك العذار على غرّة ... فإن كنت في غفلة فانتبه
وقد كنت تأبى زكاة الجمال ... فصار شجاعا تطوّقت به
وفيها أبو الحسن محمد بن الحسن أبو علي بن أبي جعفر الطّوسي [1] ، شيخ
الرافضة [2] وعالمهم، وابن شيخهم وعالمهم، رحلت إليه طوائف الشيعة من
كل جانب إلى العراق وحملوا إليه، وكان ورعا عالما كثير الزهد.
وأثنى عليه السمعاني.
وقال العماد الطبري: لو جازت على غير الأنبياء صلاة صليت عليه.
وفيها أبو منصور بن الجواليقي، موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن
الحسن البغدادي الحنبلي [3] .
قال ابن رجب [4] : هو شيخ أهل اللغة في عصره. ولد في ذي الحجة سنة خمس
وستين وأربعمائة، وسمع الحديث الكثير من أبي القاسم بن البسري، وأبي
طاهر بن أبي الصّقر، وابن الطّيوري، وخلق، وبرع في علم اللغة والعربية،
ودرّس العربية في النظامية بعد شيخه أبي زكريا مدة، ثم قرّبه المقتفي
لأمر الله تعالى، فاختص بإمامته في الصلوات، وكان المقتفي يقرأ عليه
شيئا من الكتب، وانتفع به، وبان أثره في توقيعاته، وكان من أهل السّنّة
المحامين عنها، ذكر ذلك ابن شافع.
وقال ابن السمعاني في حقه: إمام اللغة والأدب، وهو من مفاخر
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (2/ 349) .
[2] في «ط» و «الوافي بالوفيات» : «شيخ الشيعة» .
[3] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 89- 91) .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 204- 206) .
(6/207)
بغداد، وهو متدين ثقة ورع، غزير الفضل،
كامل العقل، مليح الخط، كثير الضبط، صنّف التصانيف وانتشرت عنه، وشاع
ذكره، ونقل بخطه الكثير.
وكذلك قال عنه تلميذه ابن الجوزي. وقال: وقرأت عليه كتابه «المعرّب»
[1] وغيره من تصانيفه.
وقال ابن خلّكان [2] : صنف التصانيف، وانتشرت عنه، مثل «شرح كتاب أدب
الكاتب» وكتاب «المعرّب» و «تتمة درّة الغوّاص» للحريري.
وكان يصلي بالمقتفي بالله، فدخل عليه- وهو أول ما دخل- فما زاد على أن
قال: السلام على أمير المؤمنين. فقال: ابن التلميذ النصراني- وكان
قائما وله إدلال الخدمة والطب-: ما هكذا يسلّم على أمير المؤمنين يا
شيخ، فلم يلتفت إليه ابن الجواليقي، وقال: يا أمير المؤمنين: سلامي هو
ما جاءت به السّنّة النبوية. وروى الحديث، ثم قال: يا أمير المؤمنين لو
حلف حالف أن نصرانيا أو يهوديا لم يصل إلى قلبه نوع من أنواع العلم على
الوجه [المرضي] لما لزمته كفّارة، لأن الله تعالى ختم على قلوبهم ولن
يفك ختم الله إلّا الإيمان، فقال: صدقت وأحسنت [3] وكأنما ألجم ابن
التلميذ بحجر مع فضله وغزارة أدبه.
وقال المنذري: سمع منه جماعة، منهم: ابن ناصر، وابن السمعاني، وابن
الجوزي، وأبو اليمن الكندي، وتوفي سحر يوم الأحد خامس عشر المحرم، ودفن
بباب حرب عند والده، رحمهما الله تعالى.
__________
[1] وهو مطبوع في دار الكتب المصرية بالقاهرة بتحقيق العلّامة الشيخ
أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى.
[2] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 342- 343) .
[3] لفظة «وأحسنت» سقطت من «آ» .
(6/208)
|