شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وأربعين وخمسمائة
فيها أخذت الفرنج طرابلس المغرب بالسيف ثم عمروها.
وفيها توفي أبو البركات إسماعيل بن الشيخ أبي أحمد بن محمد النيسابوري [1] ثم البغدادي، شيخ الشيوخ، وله ست وسبعون سنة. روى عن أبي القاسم بن البسري وطائفة. وكان مهيبا جليلا وقورا متصوّفا [2] .
وفيها حنبل بن علي أبو جعفر البخاري [السّجزي] الصوفي. سمع من شيخ الإسلام [3] بهراة، وصحبه، وببغداد من أبي عبد الله النّعالي، توفي بهراة في شوال.
وفيها زنكيّ الأتابك عماد الدّين [4] ، صاحب الموصل وحلب، ويعرف أبوه بالحاجب قسيم الدولة آق سنقر التّركي. ولي شحنكيّة بغداد في آخر دولة المستظهر بالله، ثم نقل إلى الموصل، وسلّم إليه السلطان محمود ولده فروخشاه الملقّب بالخفاجي ليربيه، ولهذا قيل له أتابك. وكان فارسا شجاعا ميمون النقيبة، شديد البأس، قوي المراس، عظيم الهيبة، فيه ظلم وزعارة،
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 160- 161) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (9/ 336- 337) .
[2] في «آ» و «ط» : «مصونا» وما أثبته من «العبر» (4/ 111) طبع الكويت و (2/ 459) طبع بيروت.
[3] يعني الإمام القدوة أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، كما جاء مبينا في «الأنساب» (7/ 47) ولفظة «السّجزي» التي بين الحاصرتين في الترجمة زيادة منه.
[4] انظر «العبر» (4/ 112) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 189- 191) .

(6/209)


ملك الموصل، وحلب، وحماة، وحمص، وبعلبك، والرّها، والمعرّة. قتله بعض غلمانه وهو نائم وهربوا إلى قلعة جعبر، ففتح لهم صاحبها عليّ بن مالك العقيلي، وكان زنكي- سامحه الله- حسن الصورة، أسمر، مليح العينين، قد وخطه الشيب، وجاوز الستين، قتل في ربيع الآخر، وتملّك الموصل بعده ابنه غازي، وتملّك حلب وغيرها ابنه الآخر نور الدّين محمود.
وفيها أبو الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري الأندلسي، البلنسي المحدّث. رحل إلى المشرق، وسافر في التجارة إلى الصين، وكان فقيها عالما متقنا. سمع أبا عبد الله النّعالي، وطراد بن محمد، وطائفة، وسكن أصبهان مدة ثم بغداد، وتفقّه على الغزالي، وتوفي في المحرم.
وفيها سبط الخيّاط الإمام أبو محمد عبد الله بن علي البغدادي، المقرئ الفقيه، الحنبلي النحوي، شيخ المقرئين بالعراق، وصاحب التصانيف.
ولد سنة أربع وستين وأربعمائة، وسمع من أبي الحسين بن النّقّور وطائفة، وقرأ القرآن على جدّه الزاهد أبي منصور، والشريف عبد القادر، وطائفة، وبرع في العربية على ابن فاخر، وأمّ بمسجد [ابن] جردة بضعا وخمسين سنة، وقرأ عليه خلق. وكان من أندى الناس صوتا بالقرآن، توفي في ربيع الآخر، وكان الجمع في جنازته يفوت الإحصاء. قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن الجوزي: قرأت عليه القرآن والحديث الكثير، ولم أسمع قارئا قطّ أطيب صوتا منه، ولا أحسن أداء على كبر سنه، وكان كثير التلاوة، لطيف الأخلاق، ظاهر الكياسة والظرافة وحسن المعاشرة للعوام والخواص، قويا في السّنّة، وكان طول عمره منفردا في مسجده.
__________
[1] (4/ 113) .

(6/210)


وقال ابن شافع: سار ذكر سبط الخيّاط في الأغوار والأنجاد، ورأس أصحاب الإمام أحمد، وصار واحد وقته ونسيج وحده، لم أسمع في جميع عمري من يقرأ الفاتحة أحسن ولا أفصح منه. وكان جمال العراق بأسره، ظريفا كريما لم يخلّف مثله في أكثر فنونه.
وقال ابن نقطة: كان شيخ العراق، يرجع إلى دين وثقة وأمانة، وكان ثقة صالحا من أئمة المسلمين، وله شعر حسن، فمنه:
يا من تمسّك بالدنيا ولذتها ... وجدّ في جمعها بالكدّ والتعب
هلّا عمرت لدار سوف تسكنها ... دار القرار وفيها معدن الطلب
فعن قليل تراها وهي داثرة ... وقد تمزّق ما جمّعت من نشب
وقوله أيضا:
أيّها الزائرون بعد وفاتي ... جدثا ضمّني ولحدا عميقا
سترون الذي رأيت من المو ... ت عيانا وتسلكون الطريقا
وقوله أيضا:
الفقه علم به الأديان ترتفع ... والنحو عزّ به الإنسان ينتفع
ثم الحديث إذا ما رمته فرج ... من كل معنى به الإنسان يبتدع
ثم الكلام فذره فهو زندقة ... وخرّقه فهو خرق ليس يرتقع
قال ابن الجوزي: توفي بكرة الاثنين ثاني عشر ربيع الآخر، وتوفي في غرفته التي في مسجده فحطّ تابوته بالحبال من سطح المسجد، وأخرج إلى جامع القصر، فصلى عليه عبد القادر، وما رأيت جمعا أكثر من جمعه ودفن في دكة الإمام أحمد عند جده أبي منصور.
وفيها أبو بكر وجيه بن طاهر بن محمد الشحّامي، أخو زاهر، توفي في جمادي الآخرة عن ست وثمانين سنة. سمع القشيري، وأبا حامد

(6/211)


الأزهري، ويعقوب الصّيرفي، وطبقتهم، وطائفة، بهراة، وببغداد، والحجاز، وأملى مدة، وكان خيّرا متواضعا متعبدا لا كأخيه، وتفرّد في عصره. قاله في «العبر» [1] .
__________
[1] (4/ 113) .

(6/212)


سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة
فيها غزا نور الدّين محمود بن زنكي، فافتتح ثلاثة حصون للفرنج بأعمال حلب.
وفيها كان الغلاء المفرط- بل وقبلها بسنوات- بإفريقية [حتى أكلوا لحوم الآدميين] [1] .
وفيها توفي أبو الحسن بن الأبنوسي أحمد بن أبي محمد عبد الله بن علي البغدادي الشافعي الوكيل. سمع أبا القاسم بن البسري وطبقته، وتفقّه وبرع، وقرأ الكلام والاعتزال، ثم لطف الله به، وتحوّل سنّيا. توفي في ذي الحجة عن بضع وسبعين سنة.
وفيها أبو جعفر البطروجي [2] أحمد بن عبد الرحمن الأندلسي، أحد الأئمة. روى عن أبي عبد الله الطّلّاعي، وأبي علي الغسّاني، وطبقتهما، وكان إماما حافلا [3] بصيرا بمذهب مالك ودقائقه، إماما في الحديث ومعرفة
__________
[1] ما بين حاصرتين تكملة من «العبر» مصدر المؤلف.
[2] جاء في هامش «ط» ما نصه: «البطروجي: لا أدري نسبته لأي شيء، وما رأيت من تكلم عليه. (المؤلف) » .
قلت: وكذا ضبط الذهبيّ نسبته في «العبر» (4/ 114) : «البطروجي» وتابعه المؤلف، وقال في «سير أعلام النبلاء» (20/ 116) : «البطروجي» ويقال: «البطروشي» وانظر «معجم البلدان» (1/ 447) .
[3] في «ط» : «عاقلا» .

(6/213)


رجاله وعلله، له مصنّفات مشهورة، ولم يكن في وقته بالأندلس مثله، ولكنه كان قليل العربية، رثّ الهيئة، خاملا. توفي في المحرم.
وفيها أبو بكر بن الأشقر أحمد بن علي بن عبد الواحد الدلّال. روى عن المهتدي بالله، والصّريفيني، وكان خيّرا، صحيح السماع، توفي في صفر.
وفيها دعوان [1] بن علي بن حمّاد بن صدقة الجبّائي، ويقال له الجبّي أيضا- نسبة إلى قرية [2] بسواد بغداد عند العقر على طريق خراسان- المقرئ الفقيه الحنبلي أبو محمد.
ولد سنة ثلاث وستين وأربعمائة بالجبة المذكورة، وقدم بغداد فسمع بها من أبي محمد التميمي، وأبي عبد الله بن البسري وجماعة، وقرأ بالروايات على الشريف عبد القاهر المكّي، وابن سوار، وتفقّه على أبي سعد المخرّمي، وأحكم [3] الفقه، وأعاد لشيخه المذكور، وأقرأ القرآن، وحدّث وانتفع به الناس. قرأ عليه جماعة، وحدّث عنه آخرون، منهم: ابن السمعاني.
قال ابن الجوزي: كان خيّرا [4] ، ديّنا ذا ستر وصيانة وعفاف وطرائق محمودة [5] على سبيل السلف الصالح. توفي يوم الأحد سادس عشري ذي القعدة، ودفن من الغد بمقبرة أبي بكر غلام الخلّال إلى جانبه.
وفيها علي بن عبد السيّد أبو القاسم بن العلّامة أبي نصر بن الصبّاغ
__________
[1] في «آ» و «ط» : «عوان» والتصحيح من «المنتظم» (10/ 127) و «العبر» بطبعتيه.
[2] وهي قرية «جبّى» كما جاء ذلك مبينا في «معجم البلدان» (2/ 97) .
[3] لفظة «وأحكم» سقطت من «آ» .
[4] لفظة «خيرا» لم ترد في «المنتظم» المطبوع.
[5] في «المنتظم» : «وطريق محمودة» .

(6/214)


الشاهد. سمع من الصريفيني كتاب «السبعة» لابن مجاهد، وعدة أجزاء، وكان صالحا حسن الطريقة، توفي في جمادى الأولى.
وفيها عمر بن ظفر أبو حفص المغازليّ، مفيد بغداد. سمع أبا القاسم ابن البسري فمن بعده، وأقرأ القرآن مدة، وكتب الكثير. توفي في شعبان.
وفيها أبو عبد الله الجلّابي [1] القاضي، محمد بن علي بن محمد بن محمد بن الطيب الواسطي المغازلي. سمع من محمد بن محمد بن مخلد الأزدي، والحسن بن أحمد الغندجاني، وطائفة، وأجاز له أبو غالب بن بشران اللغوي وطبقته، وكان ينوب في الحكم بواسط.
وفيها أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصّيصي ثم اللّاذقي ثم الدمشقي، الفقيه الشافعي الأصولي الأشعري. سمع من أبي بكر الخطيب، وتفقه على الفقيه نصر المقدسي، وسمع ببغداد من رزق الله، وعاصم. وبأصبهان من ابن شكرويه، ودرّس بالغزالية، ووقف وقوفا، وأفتى وأشغل، وصار شيخ دمشق في وقته، توفي في ربيع الأول، وله أربع وتسعون سنة، وآخر أصحابه ابن أبي لقمة.
قال ابن شهبة [2] : كان منقبضا عن الدخول على السلاطين، ودفن بمقابر باب الصغير.
وفيها أبو السعادات بن الشّجريّ، هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة الشريف العلوي الحسيني البغدادي النحوي، صاحب التصانيف.
قال ابن خلّكان [3] : كان إماما في النحو واللغة وأشعار العرب وأيامها
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحداني» والتصحيح من «الأنساب» (3/ 400) و «العبر» بطبعتيه.
[2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 372) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 45- 50) .

(6/215)


وأحوالها، كامل الفضائل، متضلعا من الأدب، صنّف فيه عدة تصانيف، فمن ذلك كتاب «الأمالي» وهو أكبر تآليفه وأكثرها إفادة، أملاه في أربعة وثمانين مجلسا، وهو يشتمل على فوائد جمّة من فنون الأدب، وختمه بمجلس قصره على أبيات من شعر المتنبي، تكلّم عليها، وذكر ما قاله الشرّاح فيها، وزاد من عنده ما سنح له، وهو من الكتب الممتعة، ولما فرغ من إملائه حضر إليه أبو محمد بن الخشّاب، والتمس منه سماعه عليه، فلم يجبه إلى ذلك، فعاداه وردّ عليه في مواضع من الكتاب، ونسبه فيها إلى الخطأ، فوقف أبو السعادات على ذلك الردّ، فردّ عليه في ردّه وبيّن وجوه غلطه وجمعه كتابا سماه «الانتصار» وهو على صغر حجمه مفيد جدا، وسمعه عليه الناس، وجمع أيضا كتابا سماه «الحماسة» ضاهى به «حماسة أبي تمام» وهو كتاب غريب أحسن فيه، وله في النحو عدة تصانيف، وله «ما اتفق لفظه واختلف معناه» ، وشرح «اللمع» لابن جنّي وشرح «التصريف المملوكي» .
وكان حسن الكلام، حلو الألفاظ، فصيحا، جيد البيان والتفهيم، وقرأ الحديث بنفسه على جماعة، منهم ابن المبارك الصيرفي، وابن نبهان الكاتب، وغيرهما.
وحكى أبو البركات عبد الرحمن بن الأنباري في كتاب «مناقب الأدباء» أنّ العلّامة الزّمخشري لما قدم بغداد قاصدا للحج، مضى إلى زيارته [1] شيخنا أبو السعادات بن الشّجري ومضينا إليه معه، فلما اجتمع به أنشده قول المتنبي [2] :
وأستكبر الأخبار قبل لقائه ... فلما التقينا صغّر الخبر الخبر
ثم أنشده بعد ذلك:
__________
[1] تحرفت في «وفيات الأعيان» إلى «زيارة» فتصحح فيه.
[2] انظر «ديوانه» بشرح العكبري (2/ 155) .

(6/216)


كانت مساءلة الرّكبان تخبرني ... عن جعفر بن فلاح أحسن الخبر
حتّى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأطيب [1] مما قد رأى بصري
وهذان البيتان منسوبان لابن هانئ الأندلسي.
قال ابن الأنباري: فقال العلّامة الزّمخشري: روي عن النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- أنه لما قدم عليه زيد الخيل قال له: «يا زيد! ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلّا رأيته دون ما وصف لي، غيرك» [2] .
قال ابن الأنباري: فخرجنا من عنده ونحن نعجب كيف يستشهد الشريف بالشعر والزّمخشريّ بالحديث، وهو رجل أعجمي.
وكان أبو السعادات نقيب الطالبيين بالكرخ نيابة عن والده الطاهر، وله شعر حسن، فمن شعره قوله في ابن جهير الوزير:
هذي السّديرة والغدير الطافح ... فاحفظ فؤادك إنني لك ناصح
يا سدرة الوادي الذي إن ضلّه ال ... ساري هداه نشره المتفاوح
هل عائد قبل الممات لمغرم ... عيش تقضّى في ضلالك صالح
ما أنصف الرشأ الضنين بنظرة ... لما دعا مصغي الصبابة طامح
شطّ المزار به وبوّئ منزلا ... بصميم قلبك فهو دان نازح
غصن يعطّفه النسيم وفوقه ... قمر يحفّ به ظلام جانح
وإذا العيون تساهمته لحاظها ... لم يرو منه الناظر المتراوح
ولقد مررنا بالعقيق وشاقنا ... فيه مراتع للمها ومسارح
ظلنا به نبكي فكم من مضمر ... وجدا أذاع هواه دمع سافح
برت الشئون رسومها فكأنّما ... تلك العراص المقفرات نواضح
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «بأحسن» .
[2] ذكره عماد الدّين بن الأثير في «أسد الغابة» (2/ 301) وابن حجر في «الإصابة» (3/ 35) مصورة دار الكتب العلمية ببيروت.

(6/217)


يا صاحبيّ تأمّلا حييتما ... وسقى دياركما الملثّ الرائح
أدمى بدت لعيوننا أم ربرب ... أم خرّد أكفالهنّ رواجح
أم هذه مقل الصّوار [1] بدت لنا ... خلل البراقع أم قنا وصفائح
لم تبق جارحة وقد واجهننا ... إلّا وهنّ لهابهنّ [2] جوارح
كيف ارتجاع القلب من أسر الهوى ... ومن الشقاوة أن يراض القارح
ثم خرج إلى المديح.
وكان بينه وبين ابن جكّينا الشاعر تنافس جرت العادة به بين أهل الفضائل، فلما وقف على شعره عمل فيه:
يا سيدي والذي أراحك من ... نظم قريض يصدى به الفكر
مالك من جدّك النّبيّ سوى ... أنك ما ينبغي لك الشعر
وكانت ولادته في شهر رمضان سنة خمسين وأربعمائة، وتوفي يوم الخميس ثاني عشري رمضان، ودفن من الغد في داره بالكرخ من بغداد، رحمه الله تعالى.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الصرار» والتصحيح من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف.
[2] في «آ» و «ط» : «لبازهن» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .

(6/218)


سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة
في ربيع الأول نازلت الفرنج دمشق في عشرة آلاف فارس وستين ألف راجل، فخرج المسلمون من دمشق للمصاف، فكانوا مائة وثلاثين ألف رجل وعسكر البلد. فاستشهد نحو المائتين، ثم برزوا في اليوم الثاني فاستشهد جماعة، وقتل من الفرنج عدد كثير، فلما كان في اليوم الخامس وصل غازي بن أتابك، وأخوه نور الدّين في عشرين ألفا إلى حماه، وكان أهل دمشق في الاستغاثة والتضرّع إلى الله تعالى، وأخرجوا المصحف العثماني إلى صحن الجامع، وضجّ الناس والنساء والأطفال [مكشّفي الرؤوس، وصدقوا الافتقار إلى الله] [1] فأغاثهم، وركب قسيس الفرنج وفي عنقه صليب وفي يديه صليبان، وقال: أنا قد وعدني المسيح إلى أن [2] آخذ دمشق، فاجتمعوا حوله، وحمل على البلد، فحمل عليه المسلمون فقتلوه وقتلوا جماعة [3] وأحرقوا الصلبان، ووصلت النجدة، فانهزمت الفرنج، وأصيب منهم خلق.
وفيها كان شدة القحط بإفريقية، فانتهز رجّال صاحب صقلية الفرصة، فأقبل في مائتين وخمسين مركبا، فهرب منه صاحب المهدية،
__________
[1] ما بين حاصرتين مستدرك من «العبر» بطبعتيه.
[2] لفظة «أن» سقطت من «ط» .
[3] في «العبر» بطبعتيه: «وقتلوا حماره» .

(6/219)


فأخذها الملعون بلا ضربة ولا طعنة، وصار للفرنج من طرابلس المغرب إلى قريب تونس.
وفيها توفي أبو تمّام أحمد بن أبي العزّ محمد بن المختار بن المؤيد بالله الهاشمي العبّاسي البغدادي السفّار، نزيل خراسان. سمع أبا جعفر بن المسلمة وغيره، وتوفي في ذي القعدة بنيسابور عن بضع وتسعين سنة.
وفيها أبو إسحاق الغنوي- نسبة إلى غني بن أعصر [1]- إبراهيم بن محمد بن نبهان الرّقّي الصوفي، الفقيه الشافعي. سمع رزق الله التميمي، وتفقّه على الغزالي وغيره، وكان ذا سمت ووقار وعبادة، وهو راوي خطب ابن نباتة. توفي في ذي الحجة عن خمس وثمانين سنة.
وفيها قاضي العراق أبو القاسم الزّينبي [2] علي بن نور الهدى أبي طالب الحسين بن محمد بن علي العبّاسي الحنفي. سمع من أبيه وعمه وطراد، وكان ذا عقل ووقار ورزانة وعلم وشهامة ورأي. أعرض عنه في الآخر المقتفي وجعل معه في القضاء ابن المرخّم، ثم مرض ومات يوم الأضحى.
وفيها صالح بن شافع بن صالح بن حاتم بن أبي عبد الله الجيلي الحنبلي [3] الفقيه المعدل، أبو المعالي.
ولد ليلة الجمعة لست خلون من المحرم سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وسمع من أبي منصور الخيّاط، و [ابن] الطيوري، وغيرهما. وصحب ابن عقيل وغيره من الأصحاب، وتفقّه ودرّس.
__________
[1] في «الأنساب» (9/ 184) : «وهو غني بن يعصر وقيل أعصر، واسمه منبه بن سعد بن قيس ابن عيلان بن مضر» وانظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» (20/ 175- 176) .
[2] انظر «الجواهر المضية» (2/ 568) والمصادر المذكورة في حاشيته.
[3] انظر «الوافي بالوفيات» (16/ 258) و «المنهج الأحمد» (2/ 302- 303) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 213- 214) .

(6/220)


قال ابن الميداني [1] في «تاريخ القضاة» : كان فقيها زاهدا من سروات الناس.
وقال المنذري: كان أحد الفضلاء والشهود، وحدّث عنه الحافظان أبو القاسم الدمشقي، وأبو سعد بن السمعاني، توفي يوم الأربعاء سادس عشر رجب، ودفن في دكة الإمام أحمد.
وذكر ابن الجوزي أنه دفن على ابن عقيل.
وفيها المبارك بن كامل بن أبي غالب محمد بن أبي طاهر الحسين ابن محمد البغدادي الطّفري [2] المحدّث الحنبلي، مفيد العراق، أبو بكر، ويعرف أبوه بالخفّاف.
ولد يوم الخميس ثاني عشر ذي الحجة سنة خمس وتسعين وأربعمائة، وقرأ القرآن بالروايات، وسمع الحديث الكثير، وأول سماعه سنة ست وخمسمائة، وعني بهذا الشأن. سمع من أبي القاسم بن بيان [3] ، وابن نبهان، وغيرهما.
قال ابن الجوزي: وما زال يسمع العالي والنازل، ويتتبع الأشياخ في الروايات وينقل السماعات، فلو قيل: إنه سمع من ثلاثة آلاف شيخ لما ردّ القائل. وجالس الحفّاظ وكتب بخطه الكثير، وانتهت إليه معرفة المشايخ ومقدار ما سمعوا والإجازات، إلّا أنه كان قليل التحقيق فيما ينقل من السماع
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» : «ابن الميداني» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف: «ابن المنذري» .
[2] في «آ» و «ط» : «الطغري» وهو تحريف، والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 214) و «المنهج الأحمد» (2/ 301) وانظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 299) وذكره ابن ناصر الدّين في «التبيان شرح بديعة البيان» (163/ آ) .
[3] تصحف في «آ» و «ط» إلى «ابن تبان» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «ذيل طبقات الحنابلة» .

(6/221)


مجازفة لكونه يأخذ عن ذلك ثمنا، وكان فقيرا إلى ما يأخذ، وكان كثير التزويج والأولاد، وله كتاب «سلوة الأحزان» نحو ثلاثمائة جزء وأكثر، وكان صدوقا. توفي يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى ودفن بالشونيزية.
وفيها الجوزقاني الحسين بن إبراهيم بن حسين بن جعفر الهمذاني.
كان حافظا عالما بما يحويه. ومن مصنفاته كتاب «الموضوعات» أجاد فيه. قاله ابن ناصر الدّين [1] .
وفيها ابن بجنّك أحمد بن محمد بن الفضل بن عمر بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني، حافظ مشهور عمدة. نقله ابن ناصر الدّين أيضا [2] .
وفيها أبو الدرّ ياقوت الرّومي التاجر، عتيق ابن البخاري. حدّث بدمشق، ومصر، وبغداد، عن الصريفيني بمجالس المخلّص وغير ذلك.
توفي بدمشق في شعبان.
وفيها أبو الحجّاج الفندلاوي [3] يوسف بن دوناس [4] المغربي المالكي. كان فقيها عالما صالحا، حلو المجالسة، شديد التعصب للأشعرية، صاحب تحرّق على الحنابلة. قتل في سبيل الله في حصار الفرنج لدمشق مقبلا غير مدبر بالنّيرب أول يوم جاءت الفرنج، وقبره يزار بمقبرة باب الصغير. خرج راجلا مع أصحابه لقتال الفرنج، فقال له معين الدّين: يا شيخ إن الله قد عذرك، ليس لك قوة على القتال أنا أكفيك، فقال: قد بعت وأشتري، لا أقيله ولا أستقيله، وقرأ: إِنَّ الله اشْتَرى 9: 111 الآية [التوبة:
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (162/ ب- 163/ آ) .
[2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (163/ آ) .
[3] تصحف في «آ» و «ط» إلى «القندلاوي» والتصحيح من «العبر» (4/ 120) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 209) .
[4] تصحف في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «دوباس» والتصحيح من «اللباب في تهذيب الإنسان» (2/ 442) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 209) .

(6/222)


111] ومضى نحو الرّبوة، فالتقاه طلّب الفرنج فقتلوه، وحمل إلى باب الصغير، وقبره من جانب المصلى قريبا من الحائط، وعليه بلاطة منقورة فيها شرح حاله.
ورآه بعض أصحابه في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: أنا في جنّات مع قوم على سرور متقابلين [1] .
__________
[1] اقتباس من قوله تعالى في الآية (46) من سورة الحجر: إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ 15: 47.

(6/223)


سنة أربع وأربعين وخمسمائة
فيها توفي القاضي ناصح الدّين أبو بكر الأرّجاني أحمد بن محمد ابن الحسين، قاضي تستر، وحامل لواء الشعر بالمشرق، وله ديوان مشهور.
روى عن ابن ماجة الأبهري، وتوفي في ربيع الأول، وقد شاخ.
وأرّجان: مشدّد [1] ، بلد صغير من عمل الأهواز. قاله في «العبر» [2] .
وقال ابن خلّكان [3] : منبت شجرته أرّجان، وموطن أسرته تستر وعسكر مكرم من خوزستان، وهو وإن كان في العجم مولده، فمن العرب محتده، سلفه القديم من الأنصار، لم تسمح [4] بنظيره سالف الأعصار، أوسيّ الأسّ خزرجيّه، قسّيّ النطق إياديّه، فارسيّ القلم وفارس ميدانه، وسلمان برهانه، من أبناء فارس الذين نالوا العلم المتعلق [5] بالثّريا، جمع بين العذوبة والطيب في الرّي والرّيّا. انتهى كلام العماد [6] .
وقال ابن خلّكان أيضا: وكان فقيها شاعرا، وفي ذلك يقول:
أنا أشعر الفقهاء غير مدافع ... في العصر، أو أنا أفقه الشعراء
__________
[1] في «آ» و «ط» : «مشددا» وما أثبتناه من «العبر» .
[2] (4/ 121) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 152- 154) .
[4] في «آ» : «لم تسمع» وفي «وفيات الأعيان» : «لم يسمح» .
[5] كذا في «آ» : «المعلق» وفي «ط» و «وفيات الأعيان» : «المتعلق» .
[6] يريد انتهى نقل ابن خلّكان عن «الخريدة» للعماد الأصبهاني.

(6/224)


شعري إذا ما قلت دوّنه الورى ... بالطبع لا بتكلّف الإلقاء
كالصوت في ظلّ [1] الجبال إذا علا ... للسمع هاج تجاوب الأصداء
ومن شعره أيضا:
شاور سواك إذا نابتك نائبة ... يوما، وإن كنت من أهل المشورات
فالعين تنظر منها ما نأى ودنا [2] ... ولا ترى نفسها إلا بمرآة
ومن شعره وهو معنى غريب:
رثى لي وقد ساويته في نحوله ... خيالي لمّا لم يكن لي راحم
فدلّس بي حتّى طرقت مكانه ... وأوهمت إلي أنه بي حالم
وبتنا ولم يشعر بنا الناس ليلة ... أنا ساهر في جفنه وهو نائم
وله أيضا:
لو كنت أجهل ما علمت لسرّني ... جهلي كما قد ساءني ما أعلم
كالصّعو [3] يرتع في الرياض وإنما ... حبس الهزار لأنه يترنّم
وله ديوان شعر فيه كل معنى لطيف، ومولده سنة ستين وأربعمائة، وتوفي بمدينة تستر، وقيل بعسكر مكرم، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو المحاسن أسعد بن علي بن الموفق الهروي الحنفي، العبد الصالح، راوي «الصحيح» [4] و «الدارمي» [5] و [ «عبد» ] [6] عن الداودي، عاش خمسا وثمانين سنة.
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «في ملل» .
[2] في «وفيات الأعيان» : «ما رنا ونأى» .
[3] في «آ» و «ط» : «كالصقر» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «مرآة الجنان» (3/ 281) والصّعو: طائر.
[4] يعني «صحيح البخاري» كما جاء مبينا في «سير أعلام النبلاء» (20/ 212) .
[5] يعني «سنن الدارمي» .
[6] ما بين حاصرتين مستدرك من «العبر» (4/ 121) ويعني ب «عبد» «مستند عبد بن حميد» .

(6/225)


وفيها الأمير معين الدّين أنر [1] الطّغتكيني، مقدّم جيش دمشق، ومدبّر الدولة، وكان عاقلا سايسا، حسن الديانة، ظاهر الشجاعة، كثير الصدقات، وهو مدفون بقبته التي بين دار البطيخ والشامية، توفي في ربيع الآخر وله مدرسة بالبلد.
وفيها الحافظ لدين الله، أبو الميمون، عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بالله العبيدي الرافضي، صاحب مصر، بويع يوم مصرع ابن عمه الآمر، فاستولى عليه أحمد بن الأفضل أمير الجيوش، وضيّق عليه، فعمل عليه الحافظ وجهز من قتله واستقلّ بالأمور، وعاش سبعا وسبعين سنة، وكان يعتريه القولنج، فعمل شيرماه الدّيلمي طبلا مركبا من المعادن السبعة، إذا ضربه من به داء القولنج خرج منه ريح متتابع واستراح. مات في جمادى الأولى، وكانت دولته عشرين سنة إلّا خمسة أشهر، وقام بعده ابنه الظافر.
وفيها أبو الفضل القاضي عياض بن موسى بن عياض، العلّامة اليحصبي السّبتيّ المالكي الحافظ، أحد الأعلام.
ولد سنة ست وسبعين وأربعمائة، وأجاز له أبو علي الغسّاني، وأبو محمد بن عتّاب، وطبقتهما. ولي قضاء سبتة مدة، ثم قضاء غرناطة، وصنّف التصانيف البديعة، وسمع من أبي علي بن سكّرة وغيره، ومن مصنّفاته «الشفاء» الذي لم يسبق إلى مثله، ومنها «مشارق الأنوار» [2] في غريب «الصحيحين» و «الموطأ» ، وكان إمام وقته في علوم شتى، مفرطا في الذكاء، وله شعر حسن، منه قوله:
الله يعلم أني منذ لم أركم ... كطائر خانه ريش الجناحين
__________
[1] انظر «النجوم الزاهرة» (5/ 286) .
[2] وهو من خيرة كتبه أيضا.

(6/226)


فلو قدرت ركبت البحر نحوكم ... فإنّ بعدكم عنّي جنى حيني
وقوله:
انظر إلى الزرع وخاماته ... تحكي وقد ماست أمام الرياح
كتيبة خضراء مهزومة ... شقائق النّعمان فيها جراح
وبالجملة فإنه كان عديم النظير، حسنة من حسنات الأيام، شديد التعصب للسّنّة والتمسك بها، حتّى أمر بإحراق كتب الغزالي لأمر توهمه منها، وما أحسن قول من قال فيه:
ظلموا عياضا وهو يحلم عنهم ... والظلم بين العالمين قديم
جعلوا مكان الراء عينا في اسمه ... كي يكتموه وإنه معلوم
لو لاه ما فاحت [1] أباطح سبتة ... والنّبت حول خبائها [2] معدوم
وفيها أبو بكر عبد الله بن عبد الباقي بن التّبّان الواسطي ثم البغدادي أبو بكر [3] ، الفقيه الحنبلي ويسمى محمد وأحمد أيضا.
قال ابن الجوزي: كان من أهل القرآن، سمع من أبي الحسين بن الطيوري، وتفقّه على ابن عقيل، وناظر، وأفتى، ودرّس، وكان أمّيّا لا يكتب، توفي في شوال عن تسعين سنة، ودفن بمقبرة باب حرب، رحمه الله تعالى. انتهى.
وقال ابن شافع: كان مذهبيا جيدا، وخلافيا مناظرا، ومن أهل القرآن.
بقي على حفظه لعلومه إلى أن مات، وله تسعون سنة أو أزيد.
وقال ابن النجّار: سمع منه المبارك بن كامل، وأبو الفضل بن شافع.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» : «ما فاحت» وفي «وفيات الأعيان» (3/ 485) : «ما ناحت» .
[2] في «وفيات الأعيان» : «والروض حول فنائها» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 216) .

(6/227)


وفيها غازي [1] السلطان سيف الدّين، صاحب الموصل، وابن صاحبها زنكي بن آق سنقر. كان فيه دين وخير وشجاعة وإقدام. توفي في جمادى الآخرة، وقد نيّف على الأربعين، وتملّك بعده أخوه قطب الدّين مودود.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «غاز» والتصحيح من «العبر» (4/ 123) .

(6/228)


سنة خمس وأربعين وخمسمائة
فيها أخذت العربان ركب العراق، وراح للخاتون أخت السلطان مسعود ما قيمته مائة ألف دينار، وتمزّق الناس، ومات خلق جوعا وعطشا.
وفيها توفي الرئيس أبو علي الحسين بن علي الشحّامي النيسابوري.
روى عن الفضل بن المحب وجماعة، توفي بمرو في شعبان.
وفيها أبو المفاخر الحسن بن ذي النّون [1] الواعظ. كان يعيد الدرس خمسين مرّة، ويقول لمن لم يعد كذلك، لم يستقر، جلس ببغداد وأنشد:
أهوى عليّا وإيماني محبته ... كم مشرك دمه من سيفه وكفى
إن كنت ويحك لم تسمع مناقبه ... فاسمعه من هل أتى يا ذا الغبي وكفى
وفيها عبد الملك بن أبي نصر الجيلاني ثم البغدادي [2] الشافعي.
كان صالحا يأوي الخرب، ليس له مسكن معلوم ولا قوت مفهوم، تفقّه على الرّوياني وغيره. قاله ابن الأهدل.
وفيها أبو بكر محمد بن عبد العزيز بن علي الدّينوري ثم البغدادي
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن الليث» والتصحيح من «المنتظم» (10/ 143) و «الكامل في التاريخ» (11/ 153) و «النجوم الزاهرة» (5/ 298) و «البداية والنهاية» (12/ 228) .
[2] انظر «غربال الزمان» ص (426) .

(6/229)


البيّع. سمع أبا نصر الزّينبي، وعاصم بن الحسن وجماعة، وتوفي [في المحرم، وله سبعون سنة.
وفيها المبارك بن أحمد الكندي البغدادي الخبّاز، شيخ فقير يخبز بيده ويبيعه. سمع أبا نصر الزّينبي وعاصم بن الحسن، وطائفة، وتوفي] [1] في شوال.
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من «ط» .

(6/230)