بخراسان لطلب العلم والتقدم، وكان يعرف
اللّسان الفارسي مع العربي، وهو حسن الحديث في الجدّ والهزل، توفي
يوم الاثنين سابع رجب، وكان له يوم مشهود، ودفن في جوار أبيه في
مقابر الشهداء بالباب الصغير. قاله حمزة بن القلانسي في «ذيل تاريخ
دمشق» [1] .
وفيها عبد الله بن هبة الله بن محمد بن أحمد بن السّامري، الفقيه
الحنبلي، أبو الفتح.
ولد يوم الاثنين ثاني عشري ذي الحجة، سنة خمس وثمانين وأربعمائة،
وسمع الكثير من ثابت بن بندار، وابن خشيش، وجعفر السرّاج، وغيرهم،
وتفقّه على أبي الخطّاب الكلوذاني، وحدّث اليسير، وروى عنه جماعة،
توفي في ليلة الاثنين ثالث عشري محرم، سنة خمس وأربعين وخمسمائة،
ودفن من الغد بمقبرة باب حرب. قاله ابن رجب [2] .
وفيها أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الأواني الرّاذاني [3]-
بالراء والمعجمة، نسبة إلى راذان، قرية ببغداد- ثم البغدادي،
الفقيه الحنبلي، الواعظ الزاهد.
ولد بأوانا- قرية على عشرة فراسخ من بغداد-. سمع من ابن بيان، وابن
خشيش، وابن ناصر، ولازمه إلى أن مات، وتفقّه على أبي سعد المخرّمي،
ووعظ وتقدّم، ولما توفي ابن الزاغوني أخذ حلقته [4] بجامع
__________
[1] انظر ص (483) منه بتحقيق الدكتور سهيل زكار.
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 219) .
[3] انظر «الأنساب» (6/ 37) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 220) .
[4] في «آ» و «ط» : «أخذ عنه حلقته» وأثبت لفظ «ذيل طبقات
الحنابلة» (1/ 220) مصدر المؤلف و «المنهج الأحمد» (2/ 305) .
(6/236)
المنصور في النظر والوعظ، وطلبها ابن
الجوزي فلم يعطها لصغر سنه، وسمع منه ابن السمعاني وأثنى عليه.
قال ابن الجوزي: توفي يوم الأربعاء رابع صفر، ودفن من الغد إلى
جانب ابن سمعون [1] بمقبرة الإمام أحمد، وكان موته فجأة، فإنه دخل
إلى بيته ليتوضأ لصلاة الظهر، فقاء فمات. وكان قد تزوّج وعزم تلك
الليلة على الدخول بزوجته.
وفيها أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الفتح محمد بن علي بن محمد
الحلواني [2] الفقيه الحنبلي الإمام، وقد سبق ذكر أبيه.
ولد سنة تسعين وأربعمائة، وتفقّه على أبيه، وأبي الخطّاب، وبرع في
الفقه، وله «تفسير القرآن» في أحد وأربعين جزءا، وروى عن أبيه وعلي
بن أيوب البزّار، والمبارك بن عبد الجبّار، وخلق.
وذكره ابن شافع، وابن النجار وأثنيا عليه.
وذكره ابن الجوزي وقال: كان يتّجر في الخلّ ويقتنع به، ولم يقبل من
أحد شيئا، وتوفي يوم الاثنين سلخ ربيع الأول، وصلى عليه من الغد
الشيخ عبد القادر [3] .
__________
[1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ابن شمعون» وما أثبتناه من «المنتظم»
(10/ 146) و «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 221) و «المنهج الأحمد» (2/
305- 306) .
[3] يعني الجيلاني رحمه الله.
(6/237)
سنة سبع وأربعين
وخمسمائة
فيها توفي أمية بن عبد العزيز بن أبي الصّلت الأندلسي [1] ، نزيل
إسكندرية. كان أديبا فاضلا، حكيما فيلسوفا، ماهرا في الطب، ورد
القاهرة واتصل بوزير الآمر، ثم نقم عليه وحبسه ثم أطلقه، فقصد يحيى
بن تميم صاحب القيروان فحسنت حاله عنده، ومن تصانيفه كتاب «الأدوية
المفردة» و «الانتصار» في أصول الفقه، وغير ذلك.
ومن شعره:
قد كنت جارك والأيام ترهبني ... ولست أرهب غير الله من أحد
فنافستني الليالي فيك ظالمة ... وما حسبت الليالي من ذوي الحسد
وفيها أبو عبد الله بن غلام الفرس محمد بن الحسن بن محمد بن سعيد
الدّاني [2] المقرئ الأستاذ. أخذ القراءات عن أبي داود [3] وابن
الدّش [4] ، وأبي الحسن بن شفيع، وغيرهم، وسمع من أبي علي الصدفي،
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 243- 247) و «الوافي بالوفيات» (9/
402- 406) .
[2] انظر «معرفة القراء الكبار» (1/ 505- 506) و «العبر» (4/ 126)
و «غاية النهاية» (2/ 121) .
[3] في «آ» و «ط» إلى «ابن داود» وما أثبتناه من المصادر المذكورة
في التعليق السابق.
[4] كذا كتبها المؤلف والذهبي في «العبر» (4/ 126) : «ابن الدّش»
أخذا برأي من يحذف الواو لالتقاء الساكنين، وكتبها الذهبي في
«معرفة القراء الكبار» (1/ 451) و (1/ 505) : «ابن
(6/238)
وتصدّر للإقراء مدة، ولتعليم العربية، وكان
مشاركا في علوم جمّة، صاحب تحقيق وإتقان، وولي خطابة بلده، ومات في
المحرم، عن خمس وسبعين سنة.
وفيها القاضي الأرموي أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف، الفقيه
الشافعي.
ولد ببغداد سنة تسع وخمسين وأربعمائة، وسمع أبا جعفر بن المسلمة،
وابن المأمون، وابن المهتدي، ومحمد بن علي الخيّاط، وتفرّد
بالرواية عنهم، وكان ثقة صالحا، تفقّه على الشيخ أبي إسحاق، وانتهى
إليه علو الإسناد بالعراق، توفي في رجب، وقد تولى قضاء دير العاقول
في شبيبته، وكان يشهد في الآخر.
وفيها محمد بن منصور الحرضي النيسابوري، شيخ صالح، سمع القشيري
ويعقوب الصيرفي والكبار، ومات في شعبان.
وفيها السلطان مسعود غياث الدّين أبو الفتح بن محمد بن ملكشاه ابن
ألب أرسلان بن جغر بيك [1] السلجوقي. ربّاه بالموصل الأمير مودود
ثم آق سنقر البرسقي [2] ثم جوش بك [3] فلما تمكّن أخوه السلطان
محمود طمّعه جوش بك [3] في السلطنة، فجمع وحشد، والتقى أخاه،
فانكسر مسعود، ثم الدّوش» وابن الجزري في «غاية النهاية» (1/ 548)
و (2/ 121) بإثبات الواو، وقيدها الأخير بقوله: بضم الدال المهملة،
بعدها واو ساكنة، بعدها شين معجمة ساكنة، وربما تحذف الواو لالتقاء
الساكنين.
__________
[1] في «العبر» بطبعتيه: «ابن طغربيك» وانظر «سير أعلام النبلاء»
(20/ 384- 386) و (18/ 414) والمصادر المذكورة في هامشه.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أفسق القرسقي» .
[3] في «آ» و «ط» : «جوس بك» وفي «سير أعلام النبلاء» : «خوش بك»
وما أثبته من «وفيات الأعيان» (5/ 200) و «العبر» بطبعتيه.
(6/239)
تنقّلت به الأحوال، واستقل بالملك سنة ثمان
وعشرين وامتدت أيامه، وكان منهمكا في اللهو واللعب، كثير المزاح،
ليّن العريكة، سعيدا في دنياه، سامحه الله تعالى.
عاش [1] خمسا وأربعين سنة، ومات في جمادى الآخرة، وكان قد آذى
المقتفي في الآخر فقنت عليه شهرا، فمات. قاله في «العبر» [2] .
__________
[1] في «ط» : «وعاش» .
[2] (4/ 127- 128) .
(6/240)
سنة ثمان وأربعين
وخمسمائة
فيها توفي ابن الطّلّاية أبو العبّاس أحمد بن أبي غالب بن أحمد
البغدادي [1] الحنبلي، الورّاق الزاهد العابد. سمع من عبد العزيز
الأنماطي وغيره، وانفرد بالجزء التاسع من «المخلّصيّات» حتّى أضيفت
عليه، وقد زاره السلطان مسعود في مسجده بالحربية، فتشاغل عنه
بالصلاة، وما زاده على أن قال له: يا مسعود، اعدل، وادع لي، الله
أكبر، وأحرم بالصلاة، فبكى السلطان وأبطل المكوس والضرائب وتاب،
وكان الشيخ من أعاجيب دهره في الاستقامة، لازم مسجده سبعين سنة لم
يخرج منه إلا للجمعة، وكان متقللا من الدّنيا، متعبدا، لا يفتر
ليلا ولا نهارا، لم يكن في زمنه أعبد منه، لازم ذلك حتّى انطوى
طاقين، قانعا بثوب خام، وجرة ماء، وكسر يابسة، رحمه الله تعالى.
وفيها الرّفّاء عين الزّمان [2] أبو الحسين أحمد بن منير بن أحمد
بن مفلح الطرابلسي، الشاعر المشهور. كان رافضيا [3] هجّاء فائق
النظم، له
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 260- 263) و «ذيل طبقات
الحنابلة» (1/ 224) و «المنهج الأحمد» (2/ 309- 310) .
[2] في «آ» و «ط» : «عين النهار» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان»
(1/ 156) و «الوافي بالوفيات» (8/ 193) .
[3] في «ط» : «شيعيا» .
(6/241)
ديوان شعر، وكان أبوه ينشد الأشعار ويغني
في أسواق طرابلس، ونشأ أبو الحسين المذكور، وحفظ القرآن الكريم،
وتعلم اللغة والآداب، وقال الشعر، وقدم دمشق فسكنها، وكان رافضيا
[1] كثير الهجاء، خبيث اللّسان، ولما كثر ذلك منه سجنه بوري بن
أتابك طغتكين، صاحب دمشق مدة، وعزم على قطع لسانه، ثم شفعوا فيه
فنفاه، وكان بينه وبين ابن القيسراني مكاتبات وأجوبة ومهاجاة،
وكانا مقيمين بحلب ومتنافسين في صناعتهما كما جرت عادة المتماثلين.
ومن شعره من جملة قصيدة:
وإذا الكريم رأى الخمول نزيله ... في منزل فالحزم أن يترحّلا
كالبدر لمّا أن تضاءل جدّ في ... طلب الكمال فحازه متنقّلا
سفها لحلمك أن رضيت بمشرب ... رنق [2] ورزق الله قد ملأ الملا
ساهمت عيسك مرّ عيشك قاعدا ... أفلا فليت بهنّ ناصية الفلا
فارق ترق كالسيف سلّ فبان في ... متنيه ما أخفى القراب وأخملا
لا تحسبنّ ذهاب نفسك ميتة ... ما الموت إلّا أن تعيش مذلّلا
للقفر لا للفقر هبها إنما ... مغناك ما أغناك أن تتوسّلا
لا ترض من دنياك ما أدناك من ... دنس وكن طيفا جلا ثمّ انجلى
وهي طويلة كلها حسن.
ومن محاسن شعره القصيدة التي أولها:
من ركّب البدر في صدر الرّديني ... وموّه [3] السّحر في حدّ
اليمانيّ
__________
[1] في «ط» : «شيعيا» .
[2] في «آ» و «ط» : «زيف» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» و «الوافي
بالوفيات» .
[3] في «ط» : «ومره» .
(6/242)
وأنزل النّيّر الأعلى إلى فلك ... مداره في
القباء الخسروانيّ
طرف رنا أم قراب سلّ صارمه ... وأغيد ماس أم أعطاف خطّيّ
أذلّني بعد عزّ والهوى أبدا ... يستعبد اللّيث للظبي الكناسيّ
[ومنها أيضا] [1] :
وما يجنّ [2] عقيقيّ الشفاه من ال ... ريق الرّحيقيّ والثّغر
الجمانيّ
لو قيل للبدر من في الأرض تحسده ... إذا تجلّى لقال ابن الفلانيّ
أربى عليّ بشتّى [3] من محاسنه ... تألّفت بين مسموع ومرئيّ
إباء فارس في لين الشآم مع الظّ ... رف العراقيّ والنّطق الحجازيّ
وما المدامة بالألباب أفتك من ... فصاحة البدر في ألفاظ تركيّ
وله أيضا:
أنكرت مقلته سفك دمي ... وعلا وجنته فاعترفت
[4]
لا تخالوا خاله في خدّه ... قطرة من دم جفني نطفت
ذاك من نار فؤادي جذوة ... فيه ساخت وانطفت ثم طفت
وكانت ولادته سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة بطرابلس، ووفاته في جمادى
الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بحلب، ودفن بجبل جوشن، وزرت قبره
ورأيت [5] عليه مكتوبا:
من زار قبري فليكن موقنا ... أن الذي ألقاه يلقاه
فيرحم الله امرءا زارني ... وقال لي: يرحمك الله
__________
[1] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» .
[2] في «آ» و «ط» : «وما يحن» وما أثبته من «وفيات الأعيان» و
«الوافي بالوفيات» .
[3] في «آ» و «ط» : «بشيء» وما أثبته من «وفيات الأعيان» و «الوافي
بالوفيات» .
[4] في «آ» و «ط» : «فاحترقت» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» و «الوافي
بالوفيات» .
[5] في «ط» : «ووجدت» .
(6/243)
ومنير: بضم الميم وكسر النون، وسكون الياء
المثناة من تحتها، وبعدها راء. انتهى ما قاله ابن خلّكان ملخصا.
وفيها رجّار [1] الفرنجي، صاحب صقلية، هلك في ذي القعدة بالخوانيق،
وامتدت أيامه.
وفيها أحمد [2] بن عبد الرحمن بن محمد الأزجي القاضي أبو علي.
سمع من أبي محمد التميمي وغيره، وتفقّه على أبي الخطّاب الكلوذاني،
وولي قضاء المدائن وغيرها.
ذكره ابن السمعاني فقال: أحد فقهاء الحنابلة وقضاتهم، كتبت عنه
يسيرا. توفي يوم السبت سابع عشر شعبان.
وفيها أبو الفتح الكروخي- بالفتح وضم الراء، آخره معجمة، نسبة إلى
كروخ، بلد بنواحي هراة- عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل الهروي،
الرجل الصالح، راوي «جامع الترمذي» . كان ورعا ثقة، كتب بالجامع
نسخة ووقفها، وكان يعيش من النسخ، حدّث ببغداد، ومكّة، وعاش ستا
وثمانين سنة، توفي في ذي الحجّة.
وفيها أبو الحسن البلخي علي بن الحسن الحنفي الواعظ الزاهد، درّس
بالصّادريّة، ثم جعلت له دار الأمير طرخان مدرسة، وقام عليه
الحنابلة لأنّه تكلّم فيهم، وكان يلقّب برهان الدّين، وكان زاهدا
معرضا عن الدّنيا، وهو الذي قام في إبطال (حيّ على خير العمل) من
حلب، وكان معظما
__________
[1] تصحف في «آ» و «ط» إلى «رحار» والتصحيح من «الكامل في التاريخ»
(11/ 187) و «وفيات الأعيان» (6/ 218) و «العبر» (4/ 130) .
[2] في «آ» و «ط» : «حمد» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» (1/
223) و «المنهج الأحمد» (2/ 309) .
(6/244)
مفخما في الدولة، درّس أيضا بمسجد خاتون
ومدرسته داخل الصدرية. قاله في «العبر» [1] .
وفيها أبو الفرج عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف
البغدادي محدّث بغداد، كان خيّرا متواضعا متقنا مكثرا، صاحب حديث
وإفادة. روى عن أبي نصر الزّينبي وخلق، وتوفي في المحرم، عن أربع
وثمانين سنة.
وفيها القاضي أبو المعالي الحسن بن محمد بن أبي جعفر البلخي
الشافعي، تفقّه على البغوي، وروى عنه أبو سعد بن السمعاني، وأثنى
عليه، وذكر أنه توفي في رمضان. قاله الإسنوي [2] .
وفيها عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحسين بن محمد ابن
عمر بن زيد عماد الدين أبو محمد النّيهي [3]- بكسر النون، وسكون
التحتية، وهاء، نسبة إلى نيه، بلدة صغيرة بين سجستان وإسفرايين-
الشافعي.
قال ابن السمعاني في «الأنساب» [4] : كان إماما فاضلا عالما عاملا،
حافظا للمذهب، راغبا في الحديث ونشره، ديّنا مباركا، كثير الصلاة
والعبادة، حسن الأخلاق، تفقّه على البغوي، وتخرّج عليه جماعة كثيرة
من العلماء، وروى الحديث عن جماعة، وحضرت مجالس أماليه بمرو مدة
مقامي.
__________
[1] (4/ 131) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 252) .
[3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 359- 360) و «طبقات
الشافعية» للإسنوي (2/ 475- 476) .
[4] انظر «الأنساب» (12/ 189) وقد نقل المؤلف كلامه عن «طبقات
الشافعية» لابن قاضي شهبة.
(6/245)
وقال غيره: كان شيخ الشافعية بتلك الدّيار،
وله كتاب في المذهب وقف عليه ابن الصلاح وانتخب منه غرائب، وتوفي
في شعبان.
وفيها عبد الرحمن بن محمد البوشنجي الخطيبي [1] الفقيه الشافعي،
تفقّه على أبي نصر بن القشيري وغيره. احترق في فتنة الغزّ بمرو في
المنارة.
قاله ابن الأهدل.
وفيها الملك العادل علي بن السلّار الكردي ثم المصري، وزير الظافر.
أقبل من ولاية الإسكندرية إلى القاهرة ليأخذ الوزارة بالقهر، فدخل
وحكم، ففرّ الوزير نجم الدّين سليم بن [محمد بن] مصال [2] ، وجمع
العساكر وجاء، فجهز ابن السلّار جيشا لحربه، فالتقوا بدلاص [3] .
فقتل ابن مصال وطيف برأسه في سنة أربع وأربعين، وكان ابن السلّار
سنّيا شافعيا شجاعا مقداما، بنى للسّلفيّ مدرسة معروفة، لكنه جبار
عنيد، ظالم، شديد البأس، صعب المراس، وكان زوج أم عبّاس بن باديس،
فقتله نصر بن عبّاس هذا على فراشه بالقاهرة في المحرم، وولي عبّاس
الملك.
وفيها الشهرستاني الأفضل، محمد بن عبد الكريم بن أحمد أبو الفتح
الشافعي المتكلم، صاحب التصانيف، أخذ علم النظر والأصول عن أبي
القاسم الأنصاري، وأبي نصر بن القشيري، ووعظ ببغداد، وظهر له
القبول التام.
قال في «العبر» [4] : واتهم بمذهب الباطنية.
وقال ابن قاضي شهبة [5] : صنّف كتبا كثيرة، منها «نهاية الإقدام في
علم
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 211- 212) .
[2] ما بين الحاصرتين مستدرك من «وفيات الأعيان» (3/ 416) وحاشية
«النجوم الزاهرة» (5/ 295) .
[3] قال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 459) : دلاص، كورة بصعيد مصر
على غربي النيل.
[4] (4/ 132) .
[5] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 366- 368) .
(6/246)
الكلام» ، وكتاب «الملل والنّحل» و «تلخيص
الأقسام لمذاهب الأعلام» .
وقال ابن خلّكان [1] : كان إماما، مبرّزا، فقيها، متكلما، واعظا،
توفي في شعبان.
وقال ابن الأهدل [2] : سمع الحديث من ابن المديني، وكتب عنه ابن
السمعاني، وعظم صيته في الدّنيا.
وشهرستان: اسم لثلاث مدن.
الأولى: بين نيسابور وخوارزم.
والثانية: قصبة ناحية نيسابور.
والثالثة: مدينة على نحو ميلين من أصبهان. انتهى.
وفيها أبو علي محمد بن عبد الله بن محمد البسطامي [3] الشافعي
المعروف بإمام بغداد. كان فقيها مناظرا، وشاعرا مجيدا، تفقّه على
إلكيا الهرّاسي، وسمع من ابن العلّاف، ولم يحدّث شيئا، وتوفي ببلخ
[4] [سنة] ثمان وأربعين وخمسمائة. ذكره ابن السمعاني.
وفيها أبو طاهر السّنجي- بالكسر والسكون، نسبة إلى سنج بجيم قرية
بمرو- محمد بن محمد بن عبد الله المروزي [5] الحافظ، خطيب مرو،
تفقّه على أبي المظفّر السمعاني، وعبد الرحمن البزّاز. وسمع من
طائفة، ولقي ببغداد ثابت بن بندار وطبقته، ورحل مع أبي بكر بن
السمعاني، وكان ذا معرفة وفهم، مع الثقة والفضل والتعفف، توفي في
شوال، عن بضع وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 273) ولفظة «واعظا» لم ترد فيه.
[2] انظر «مرآة الجنان» لليافعي (3/ 290) .
[3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 253) و «الوافي بالوفيات»
(3/ 333) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «سلخ» والتصحيح من «طبقات الشافعية»
للإسنوي ولفظة «سنة» مستدركة منه.
[5] انظر «الأنساب» (7/ 166) و «العبر» (4/ 132- 133) .
(6/247)
وفيها أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن بن
محمد الكشميهني المروزي الخطيب، شيخ الصوفية ببلده، وآخر من روى عن
محمد بن أبي عمران «صحيح البخاري» عاش ستا وثمانين سنة.
وفيها أبو عبد الله بن القيسراني محمد بن نصر بن صغير [1] بن خالد
الأديب، حامل لواء الشعر في عصره، تولى إدارة الساعات التي بدمشق
مدة، ثم سكن حلب، وكان عارفا بالهيئة، والنجوم، والهندسة، والحساب،
مدح الملوك والكبار، وعاش سبعين سنة، ومات بدمشق.
قال ابن خلّكان [2] : كان [هو، و] ابن منير ينسب إلى التحامل على
الصحابة، رضوان الله عليهم، ويميل إلى التشيع، فكتب إليه ابن
القيسراني، وقد بلغه أنه هجاه، قوله:
ابن منير هجوت مني ... حبرا أفاد الورى صوابه
ولم تضيّق بذاك صدري ... فإن لي أسوة الصحابة
ومن محاسن شعره قوله:
كم ليلة بتّ من كأسي وريقته ... نشوان أمزج سلسالا بسلسال
وبات لا تحتمي عنّي [3] مراشفه ... كأنّما ثغره ثغر بلا وال
وقوله في مدح خطيب:
شرح المنبر صدرا ... لتلقّيك رحيبا
أترى ضمّ خطيبا ... منك أم ضمخ طيبا
وقوله في الغزل:
بالسفح من لبنان لي ... قمر منازله القلوب
__________
[1] تصحف في «ط» إلى «صعير» .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 458- 461) وما بين الحاصرتين مستدرك
منه.
[3] في «آ» و «ط» : «عنه» والتصحيح من «وفيات الأعيان» وفي «الوافي
بالوفيات» (5/ 114) :
«منّي» .
(6/248)
حملت تحيته الشما ... ل فردّها عنّي الجنوب
فرد الصفات غريبها ... والحسن في الدّنيا غريب
لم أنس ليلة قال لي ... لما رأى جسمي [1] يذوب
بالله قل لي من أعلّ ... ك يا فتى؟ قلت: الطبيب
وكانت ولادته بعكا سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وتوفي ليلة الأربعاء
حادي عشري شعبان بدمشق، ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفيها محمد بن يحيى العلّامة أبو سعد [2] النيسابوري محيي الدّين،
شيخ الشافعية، وصاحب الغزالي، انتهت إليه رئاسة المذهب بخراسان [3]
وقصده الفقهاء من البلاد، وصنف التصانيف، منها «المحيط في شرح
الوسيط» .
وهو القائل:
وقالوا يصير الشّعر في الماء حيّة ... إذا الشمس لاقته فما خلته
صدقا
[4]
فلمّا التوى صدغاه في ماء وجهه ... وقد لسعا قلبي تيقّنته حقّا
[5] توفي في رمضان شهيدا على يد الغزّ- قبحهم الله- عن اثنتين
وسبعين سنة، ورثاه جماعة، منهم: علي البيهقي فقال:
يا سافكا دم عالم متبحّر ... قد طار في أقصى الممالك صيته
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «جسدي» .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (223- 224) و «طبقات الشافعية الكبرى»
للسبكي (7/ 25- 28) بتحقيق الطناحي والحلو، و «سير أعلام النبلاء»
(20/ 312- 315) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 369- 370)
وقد كنّي في بعض المصادر بأبي سعيد.
[3] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه، و «مرآة الجنان» (3/ 291)
: «انتهت إليه رئاسة المذهب بخراسان» وفي المصادر الأخرى: «وانتهت
إليه رئاسة المذهب بنيسابور» .
[4] في «طبقات الشافعية الكبرى» : «فما خلته حقا» .
[5] في «طبقات الشافعية الكبرى» : «تيقنته صدقا» .
(6/249)
بالله قل لي يا ظلوم ولا تخف ... من كان
محيي الدّين [1] كيف تميته
وفيها محمود بن الحسين بن بندار، أبو نجيح، الطّلحي [2] الواعظ
المحدّث الحنبلي. سمع الحديث الكثير، وطلبه بنفسه، وقرأ وسمع
بأصبهان كثيرا من يحيى بن مندة الحافظ وغيره، ورحل إلى بغداد وسمع
بها من ابن الحصين، والقاضي أبي الحسين، وكتب بخطه كثيرا، وخطه حسن
متقن، ووعظ وقال الشعر، وسمع منه ابن سعدون القرطبي. وحدّث عنه
محمد بن مكّي الأصبهاني بها وغيره.
وفيها نصر بن أحمد بن مقاتل السّوسي ثم الدمشقي [3] . روى عن أبي
القاسم بن أبي العلاء وجماعة، وكان شيخا مباركا، توفي في ربيع
الأول.
وفيها هبة الله بن الحسين بن أبي شريك الحاسب [4] ، مات ببغداد في
صفر. سمع من أبي الحسين بن النّقور، وكان حشريا مذموما.
وفيها أبو الحسين المقدسي [5] الزاهد، صاحب الأحوال والكرامات،
دوّن الشيخ الضياء سيرته في جزء، وقبره بحلب يزار.
__________
[1] في «طبقات الشافعية الكبرى» : «يحيي الدّين» .
[2] انظر «المنهج الأحمد» (2/ 308) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/
222- 223) .
[3] انظر «العبر» (4/ 134) .
[4] انظر «العبر» (4/ 134) .
[5] انظر «العبر» (4/ 134) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 380- 384)
ولا يعرف اسمه.
(6/250)
سنة تسع وأربعين
وخمسمائة
فيها في صفر أخذ نور الدّين دمشق من مجير الدّين أبق بن محمد ابن
بوري بن طغتكين، على أن يعوّضه بحمص، فلم يتم، وأعطاه بالس [1] ،
فغضب وسار إلى بغداد، وبنى بها دارا فاخرة، وبقي بها مدة، وكانت
الفرنج قد طمعوا في دمشق بحيث أن نوّابهم استعرضوا من بدمشق من
الرقيق، فمن أحب المقام تركوه، ومن أراد العود إلى وطنه أخذوه
قهرا، وكان لهم على أهل دمشق القطيعة كلّ سنة، فلطف الله، واستمال
نور الدّين أحداث دمشق، فلما جاء ونازلها استنجد أبق بالفرنج،
وسلّم إليه النّاس البلد من شرقيه، وحاصر أبق في القلعة، ثم نزل
بعد أيام، وبعث المقتفي عهدا بالسلطنة لنور الدّين وأمره بالمسير
إلى مصر، وكان مشغولا بحرب الفرنج.
وفيها توفي الظافر بالله أبو منصور إسماعيل بن الحافظ لدّين الله
عبد المجيد بن محمد بن المستنصر العبيدي الرافضي. بقي في الولاية
خمسة أعوام، ووزر له ابن مصال، ثم ابن السلّار، ثم عبّاس، ثم إن
عبّاسا وابنه نصرا قتلا الظافر غيلة في دارهما وجحداه في شعبان،
وأجلس عباس في الدست الفائز عيسى بن الظافر صغيرا، وكان الظافر
شابا لعّابا منهمكا في
__________
[1] بالس: بلدة بين حلب والرّقّة على عشرين فرسخا من حلب. انظر
«الأنساب» (2/ 54) و «معجم البلدان» (1/ 328) .
(6/251)
الملاهي والقصف، فدعاه نصر إليه، وكان يحبّ
نصرا. فجاءه متنكّرا معه خويدم، فقتله وطمره. وكان من أحسن أهل
زمانه، عاش اثنتين وعشرين سنة.
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : بنى الظّافر الجامع الظّافري
داخل باب زويلة، ودعاه عبّاس- وكان خصيصا به- إلى داره التي هي
اليوم مدرسة الحنفية، وتعرف بالسيفية، فقتله ومن معه ليلا، وأقام
ولده الفائز عيسى، ثم اطلع أهل القصر على القصة، فكاتبوا الصالح،
فقصد القاهرة ومعه جيش، فهرب نصر بن عبّاس وأبوه، وكان قد دبّر ذلك
أسامة بن منقذ، فخرج معهما، ودخل الصالح القاهرة، وأتوا إلى الدار،
فأخرجوا الظافر من تحت بلاطة وحملوه إلى تربتهم التي في القصر،
وكاتبت أخت الظافر الفرنج بعسقلان وشرطت لهم مالا على إمساك عباس،
فخرجوا عليه، فصادفوه فقتلوه، وأمسكوا نصرا وجعلوه في قفص من حديد،
وأرسلوه إلى القاهرة، فقطعوا يديه وقرضوا جسمه بالمقاريض، وصلبوه
على باب زويلة، وبقي سنة ونصفا مصلوبا. انتهى.
وفيها أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي صفي الدّين
النيسابوري. سمع من جدّه ومن جدّه لأمه طاهر الشحامي، ومحمد بن
عبيد الله الصرّام، وطبقتهم، وكان رأسا في معرفة الشروط. حدّث ب
«مسند أبي عوانة» ومات من الجوع بنيسابور في فتنة الغزّ، وله خمس
وسبعون سنة.
قاله في «العبر» [1] .
وفيها عبيد الله بن المظفّر الباهلي الأندلسي [2] . خدم السلطان
__________
[1] (4/ 136- 137) .
[2] انظر «خريدة القصر» (قسم شعراء المغرب) ص (289- 299) و «وفيات
الأعيان» (3/ 123- 124) و «نفح الطيب» (2/ 133- 135) .
(6/252)
محمد بن ملكشاه، وأنشأ له مرستانا يحمل على
الجمال في الأسفار، وكان شاعرا خليعا، له ديوان شعر سماه «نهج
الوضاعة» [1] يذكر فيه مثالب الشعراء الذين كانوا بدمشق، وكان
يهاجي أهل عصره ويرثي من يموت. حبّابا للمجون والهزل، وكان يجلس
على دكان بجيرون للطب [2] ، ويدمن شرب الخمر، ولما مات ابن
القيسراني رثاه بقوله:
مذ توفي محمد القيسراني ... هجرت لذّة الكرا أجفاني
لم يفق بعده الفؤاد من الحز ... ن ولا مقلتي من الهملان
في أبيات كثيرة فيها مجون.
ولما مات رثاه عرقلة الدمشقي بقوله:
يا عين سحّي بدمع ساكب ودم ... على الحكيم الذي يكني أبا الحكم
قد كان لا رحم الرّحمن شيبته ... ولا سقى قبره من صيّب الدّيم
شيخا يرى الصلوات الخمس نافلة ... ويستحل دم الحجّاج في الحرم
وفيها عبد الخالق بن زاهر بن طاهر، أبو منصور الشحّامي الشروطي
المستملي. سمع من جدّه، وأبي بكر بن خلف، وطبقتهما، وهلك في
العقوبة والمطالبة في فتنة الغزّ، وله أربع وسبعون سنة. وكان يملي
ويستملي في الآخر.
وفيها الحافظ دادا النّجيب، أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن الحسين
ابن محمد بن دادا الجرباذقاني المنعوت بالمنتجب. كان ذا علم ودين
[وتعفف متين] أثنى عليه ابن نقطة وغيره. قاله ابن ناصر الدّين [3]
.
__________
[1] واسمه الكامل: «نهج الوضاعة لأولي الخلاعة» كما في «الخريدة» و
«نفح الطيب» .
[2] في «آ» : «للطلب» .
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (164/ آ) وما بين حاصرتين زيادة
منه.
(6/253)
وفيها أبو العشائر محمد بن خليل بن فارس
القيسي الدمشقي. سمع أبا القاسم المصّيصي. وصحب [1] نصر المقدسي
مدة.
وفيها أبو الفتح الهروي محمد بن عبد الله بن أبي سعد الصوفي،
الملقب بالشيرازي. أحد الذين جاوزوا المائة، صحب شيخ الإسلام
وغيره، وكان من كبار الصالحين.
وفيها أبو المعمّر الأنصاري المبارك بن أحمد الأزجي الحافظ. سمع
أبا عبد الله النّعالي فمن بعده، وله «معجم» في مجلد، وكان سريع
القراءة معتنيا [2] بالرواية.
وفيها المظفّر بن علي بن محمد بن محمد بن محمد بن جهير الوزير ابن
الوزير، أبو نصر بن أبي القاسم. ولي وزارة المقتفي سبع سنين، وعزل
سنة اثنتين وأربعين، وتوفي في ذي الحجة، عن نيف وستين سنة.
وفيها مؤيّد الدولة ابن الصّوفي الدمشقي، وزير صاحب دمشق أبق.
كان ظلوما غشوما، فسرّ الناس بموته، ودفن بداره [3] بدمشق.
وفيها أبو المحاسن البرمكي نصر بن المظفّر الهمذاني، ويعرف بالشخص
العزيز. سمع أبا الحسين بن النّقور، وعبد الوهاب بن مندة، وتفرّد
في زمانه، وقصده الطلبة.
__________
[1] في «آ» و «ط» «وسمع نصر» وما أثبتناه من «العبر» بطبعتيه.
[2] في «العبر» بطبعتيه: «معنيا» .
[3] في «آ» : «في داره» .
(6/254)
سنة خمسين وخمسمائة
فيها توفي أبو العبّاس الأقليشي أحمد بن معد بن عيسى التّجيبي
الأندلسي الدّانيّ [1] . سمع أبا الوليد بن الدبّاغ وطائفة، وبمكّة
من الكروخي، وكان زاهدا عارفا علّامة متقنا، صاحب تصانيف، وله شعر
في الزهد ومن تصانيفه كتاب «النجم» .
وفيها أحمد الحريزي، كان عاملا للمقتفي على نهر الملك، وكان من
أظلم العالم، يظهر الدين ويجلس على السجادة وبيده سبحة [2] يسبّح
بها، ويقرأ القرآن، ويعذب الناس بين يديه، يعلّق الرجال بأرجلهم
والنساء بثديهنّ، ويومئ إلى الجلّاد الرأس الوجه، دخل إلى الحمام،
فدخل عليه ثلاثة فضربوه بالسيوف حتّى قطّعوه، فحمل إلى بغداد ودفن
بها، فأصبح وقد خسف بقبره. قاله ابن شهبة.
وفيها أبو عثمان العصائديّ [3] إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري.
روى عن طاهر بن محمد الشحّامي وطائفة، وكان ذا رأي وعقل، عمّر
تسعين سنة.
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 358) .
[2] في «ط» : «مسبحة» .
[3] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الغضائري» والتصحيح من «العبر»
بطبعتيه، و «النجوم الزاهرة» (5/ 321) .
(6/255)
وفيها سعيد بن أحمد بن الإمام أبي محمد
الحسن بن أحمد [بن البنّاء] البغدادي أبو القاسم الحنبلي. سمع ابن
البسري، وأبا نصر الزّينبي، وعاش ثلاثا وثمانين سنة. توفي في ذي
الحجة.
وفيها أبو الفتح محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب.
سمع رزق الله التميمي، والحميدي، ومات في صفر.
وفيها محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر الحافظ الثقة البغدادي
السلامي أبو الفضل [1] محدّث العراق.
ولد سنة سبع وستين وأربعمائة، وسمع علي بن البسري، وأبا طاهر بن
أبي الصقر، والبانياسي، وطبقتهم، وأجاز له من خراسان أبو صالح
المؤذّن، والفضل بن المحب، وأبو القاسم بن عليّك وطبقتهم، وعني
بالحديث بعد أن برع في الفقه [2] وتحول من مذهب الشافعي إلى مذهب
الحنابلة.
قال ابن النجار: كان ثقة ثبتا، حسن الطريقة، متدينا، فقيرا،
متعففا، نظيفا، نزها، وقف كتبه، وخلّف ثيابا خلقة وثلاثة دنانير،
ولم يعقب.
وقال فيه أبو موسى المديني الحافظ: هو مقدّم أصحاب الحديث في وقته
ببغداد.
وقال ابن رجب [3] : كان والده شابا تركيا، محدّثا فاضلا، من أصحاب
أبي بكر الخطيب الحافظ. توفي في شبيبته، وأبو الفضل هذا صغير،
فكفله جده لأمه أبو حكيم الحيري الفرضي، فأسمعه في صغره شيئا يسيرا
من الحديث، وأشغله بحفظ القرآن، والفقه على مذهب الشافعي. ثم إنه
صحب
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 139) و «النجوم الزاهرة» (5/ 321) .
[2] في «العبر» بطبعتيه: «في اللغة» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 225- 229) .
(6/256)
أبا زكريا التبريزي اللغوي، وقرأ عليه
الأدب واللغة، حتى مهر في ذلك. ثم جدّ في سماع الحديث، وصاحب ابن
الجواليقي.
وكان في أول الأمر أبو الفضل أميل إلى الأدب، وابن الجواليقي أميل
إلى الحديث، وكان الناس يقولون: يخرج ابن ناصر لغوي بغداد، وابن
الجواليقي محدّثها، فانعكس الأمر فصار ابن ناصر محدّث بغداد، وابن
الجواليقي لغويها، وخالط ابن ناصر الحنابلة، ومال إليهم وانتقل إلى
مذهبهم لمنام رأى فيه النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، وهو يقول له:
«عليك بمذهب الشّيخ أبي منصور الخيّاط» .
قال السّلفي: سمع ابن ناصر معنا كثيرا، وهو شافعي أشعري، ثم انتقل
إلى مذهب أحمد في الأصول والفروع، ومات عليه، وله جودة حفظ وإتقان،
وهو ثبت إمام.
وقال ابن الجوزي: كان حافظا ضابطا مفتيا ثقة، من أهل السّنّة، لا
مغمز فيه، وكان كثير الذكر، سريع الدمعة، وهو الذي تولى تسميعي
الحديث، وعنه أخذت ما أخذت من علم الحديث.
[وقال أيضا] : قرأت عليه ثلاثين سنة، ولم أستفد من أحد كاستفادتي
منه.
وقال ابن رجب: ومن غرائب ما حكي عن ابن ناصر، أنه كان يذهب إلى أن
السلام على الموتى، يقدم فيه لفظة «عليكم» فيقال عليكم السلام،
لظاهر حديث أبي جريّ الهجيميّ [1] وذكر في بعض تصانيفه أن
__________
[1] قلت: في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف: «لظاهر
حديث أبي حري الهجيمي» ، وهو تصحيف والتصحيح من «سنن أبي داود» رقم
(4084) و «عمل اليوم والليلة» للنسائي رقم (318) ونص الحديث عند
أبي داود: «حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن أبي عفار، حدثنا أبو تميمة
الهجيمي عن أبي جريّ جابر بن سليم قال: رأيت رجلا يصدر الناس
(6/257)
الإحداد [1] على الميت بترك الطيب والزينة
لا يجوز للرجال [بحال] [2] ويجوز للنساء على أقاربهم ثلاثة أيام
دون زيادة عليها، ويجب على المرأة على زوجها المتوفى [عنها] [2]
أربعة أشهر وعشرا. انتهى.
وفيها عبد الملك بن محمد بن عبد الملك اليعقوبي المؤدّب أبو الكرم
[3] .
ولد بعد السبعين والأربعمائة، وسمع من أبي الثرى، وأبي الغنائم بن
المهتدي، وغيرهما، وحدّث، وسمع منه ابن الخشّاب، وابن شافع، وكان
رجلا صالحا من خيار أصحابنا الحنابلة، تفقّه على ابن عقيل، وسمع
الحديث الكثير.
ومن شعره:
يا أهل ودّي ويا أهلا [4] دعوتكم ... بالحقّ لكنّها العادات
والنّوب
أشبهتم الدّهر في تلوين صبغته ... فكلكم حائل الألوان منقلب
وفيها أبو الكرم الشّهرزوري [5] ، المبارك بن الحسن البغدادي [6]
عن رأيه، لا يقول شيئا إلا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا
رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قلت:
عليك السلام يا رسول الله، مرتين، قال: «لا تقل عليك السلام، فإن
عليك السلام تحية الميت، قل: السلام عليك ... » وهو كذلك عند
النسائي في «عمل اليوم والليلة» . وأبو جريّ اسمه جابر بن سليم، أو
سليم بن جابر، وانظر «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف» للمزي (9/ 138)
و (2/ 144- 145) .
__________
[1] في «ط» : «الحداد» وكلاهما بمعنى. انظر «لسان العرب» (حدد) .
[2] ما بين حاصرتين مستدرك من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 229- 230) و «المنهج الأحمد»
(2/ 313) .
[4] في «آ» و «ط» : «وما أهلا» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و
«المنهج الأحمد» .
[5] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «السهروردي» والتصحيح من المصادر
المذكورة في التعليق التالي.
[6] انظر «العبر» (4/ 141) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 289- 291) و
«معرفة القراء الكبار» (1/ 506- 508) .
(6/258)
شيخ المقرئين، ومصنّف «المصباح في القراءات
العشر» [1] كان خيّرا صالحا، قرأ عليه خلق كثير. أجاز له أبو
الغنائم بن المأمون، والصّريفيني، وطائفة.
وسمع من إسماعيل بن مسعدة، ورزق الله التميمي، وقرأ القراءات على
عبد السيد بن عتّاب، وعبد القاهر العبّاسي، وطائفة، وانتهى إليه
علو الإسناد في القراءات، وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها مجلّي [2] بن جميع، قاضي القضاة بالدّيار المصرية، أبو
المعالي القرشي المخزومي الشافعي الأرسوفي [3] الأصل المصري، تفقّه
على الفقيه سلطان المقدسي تلميذ الشيخ نصر، وبرع وصار من كبار
الأئمة.
وقال الحافظ زكي الدّين المنذري: إن أبا المعالي تفقّه من غير شيخ
وتفقّه عليه جماعة، منهم: العراقي شارح «المهذب» وتولى قضاء
الدّيار المصرية سنة سبع وأربعين، ثم عزل لتغير الدولة [4] في
أوائل سنة تسع وأربعين، ومن تصانيفه «الذخائر» .
قال الإسنوي [5] : وهو كثير الفروع والغرائب، إلّا أن ترتيبه غير
معهود متعب [6] لمن أراد استخراج المسائل منه، وفيه أيضا أوهام.
وقال الأذرعي: إنه كثير الوهم، قال: ويستمد من كلام الغزالي ويعزوه
إلى الأصحاب. قال: وذلك عادته، ومن تصانيفه أيضا «أدب القضاء»
سمّاه
__________
[1] واسم الكتاب في «سير أعلام النبلاء» و «معرفة القراء الكبار» :
«المصباح الزاهر في العشرة البواهر» .
[2] تصحف في «آ» و «ط» إلى «محلي» والتصحيح من «العبر» (4/ 141) و
«سير أعلام النبلاء» (20/ 325) .
[3] تصحف في «آ» و «ط» إلى «الأرشوفي» والتصحيح من «سير أعلام
النبلاء» و «حسن المحاضرة» (1/ 405) .
[4] في «ط» : «الدول» .
[5] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 512) .
[6] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «صعب» .
(6/259)
«العمدة» ومصنّف في الجهر بالبسملة، وله
مصنّف في المسألة السّريجية، اختار فيه عدم الوقوع، وله مصنّف في
جواز اقتداء بعض المخالفين ببعض في الفروع. قاله ابن شهبة [1] .
وتوفي في ذي القعدة.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 365) .
(6/260)