شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وخمسين
وخمسمائة
فيها كما قال في «الشذور» كثر الحريق ببغداد في المحالّ ودام.
وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن الفرج بن راشد بن محمد المدني الورّاق
البغدادي الحنبلي [1] ، الحجّة القاضي، من أهل المدينة، قرية فوق
الأنبار [2] .
ولد في عشر ذي الحجّة سنة تسعين وأربعمائة، وقرأ القرآن بالرّوايات على
مكّي بن أحمد الحنبلي وغيره [وتفقّه على عبد الواحد بن سيف.
وسمع من أبي منصور محمد بن أحمد الخازن وغيره، وشهد عند قاضي القضاة
الزّينبي، وولي القضاء بدجيل مدة.
وحدّث، وروى عنه ابن السمعاني، وغيره] [3] وتوفي يوم السبت سادس ذي
الحجة، ودفن من الغد بمقبرة باب حرب.
وفيها أبو القاسم الحمّامي إسماعيل بن علي بن الحسين النيسابوري ثم
الأصبهاني الصوفي، مسند أصبهان، وله أكثر من مائة سنة. سمع سنة
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 230) .
[2] قال ياقوت في «المشترك وضعا» ص (389) : ومدينة الأنبار مجاورة لها،
بناها السّفّاح وسكنها لما ولي الخلافة.
[3] ما بين حاصرتين سقط من «آ» .
(6/261)
تسع وخمسين وأربعمائة من أبي مسلم محمد بن
مهربرود [1] ، وتفرّد بالسماع من جماعة، وسمع منه السّلفي.
وقال يوسف بن أحمد الحافظ: أخبرنا الشيخ المعمّر الممتع بالعقل،
والسمع، والبصر، وقد جاوز المائة أبو القاسم الصوفي، ومات في سابع صفر.
وفيها أبو القاسم بن البنّ الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي الدمشقي،
تفقّه على نصر المقدسي، وسمع من أبي القاسم المصّيصي، والحسن بن أبي
الحديد، وجماعة، وتوفي في ربيع الآخر عن خمس وثمانين سنة.
وفيها عبد القاهر بن عبد الله الوأواء الحلبي [2] ، الشاعر، شرح «ديوان
المتنبي» .
وفيها أبو بكر عتيق بن أحمد الأزدي الأندلسي الأوريولي [3] . حجّ فسمع
[بمكّة] من طراد الزّينبي، وهو آخر من حدّث عنه بالمغرب. توفي
بأوريولة، وله أربع وثمانون سنة.
وفيها القاضي أبو محمد عبد الله بن ميمون بن عبد الله الكوفني [4]
المالكاني.
وكوفن: بكاف مضمومة وواو ساكنة بعدها نون، قرية من أبيورد.
ومالكان: قيل: إنها اسم قرية أيضا.
__________
[1] تحرف في «ط» إلى «مهريرد» .
[2] انظر «إنباه الرواة» (2/ 186- 187) و «الأعلام» (4/ 49) .
[3] انظر «العبر» (4/ 143) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[4] في «آ» و «ط» : «الكوفن» والتصحيح من «الأنساب» (10/ 496) و «معجم
البلدان» (4/ 490) .
(6/262)
وقال ابن السمعاني: كان فقيها شافعيا [1]
فاضلا [مبرّزا] ، له باع طويل في المناظرة والجدل، ومعرفة تامة بهما،
تفقّه على والدي، وسمع [الحديث معه و] منه.
ولد في حدود سنة تسعين وأربعمائة.
قال ابن باطيش: ومات بأبيورد ليلة الاثنين ثامن ذي القعدة.
وفيها- أو في التي قبلها وبه جزم الإسنوي [2]- علي بن معصوم بن أبي ذر
المغربي الشافعي.
قال ابن السمعاني: إمام فاضل عالم بالمذهب، بحر في الحساب.
ولد بقلعة بني حمّاد من بلاد بجاية، سنة تسع وثمانين وأربعمائة،
واستوطن العراق، وتفقّه على الفرج الخويي [3] ثم انتقل إلى خراسان،
ومات بأسفرايين [4] في شعبان.
وفيها أبو الحسن علي بن أحمد بن محمويه اليزدي [5] الشافعي، المقرئ
الزاهد، نزيل بغداد. قرأ بأصبهان على أبي الفتح الحدّاد، وأبي سعد
المطرّز، وغيرهما، وسمع من ابن مردويه، وببغداد من أبي القاسم الرّبعي،
وأبي الحسين بن الطّيوري، وبرع في القراءات والمذهب، وصنّف
__________
[1] لفظة «شافعيا» لم ترد في «الأنساب» وما بين حاصرتين في الترجمة
زيادة منه.
[2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 435) .
[3] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الخريني» والتصحيح من «طبقات
الشافعية» للإسنوي، وانظر «الإكمال» (2/ 228) و «الأنساب» (5/ 213) وهو
أبو الروح الفرج بن عبيد الله بن خلف الخوييّ مترجم في «طبقات
الشافعية» للإسنوي (1/ 482) .
[4] في «آ» و «ط» : «باسفرائن» وما أثبتناه من «آثار البلاد وأخبار
العباد» ص (295) و «معجم البلدان» (1/ 177) .
[5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «البرذي» والتصحيح من «العبر» (4/ 143) و
«سير أعلام النبلاء» (20/ 334) .
(6/263)
في القراءات، والزهد، والفقه، وكان رأسا في
الزهد والورع، توفي في جمادى الآخرة، وقد قارب الثمانين.
وفيها علي بن الحسين الغزنويّ [1] الواعظ، الملقب بالبرهان. كان فصيحا
وله جاه عريض، وكان شيعيا، وكان السلطان مسعود يزوره وبنى له رباطا
بباب الأزج، واشترى له قرية من المسترشد وأوقفها عليه.
قال ابن الجوزي [2] : سمعته ينشد:
كم حسرة لي في الحشا ... من ولد إذا نشا
وكم أردت رشده ... فما نشا كما نشا
وكان يعظم السلطان ولا يعظم الخليفة، فلما مات السلطان مسعود أهين
الغزنويّ ومنع من الوعظ، وأخذ جميع ما كان بيده، فاستشفع إلى الخليفة
في القرية الموقوفة عليه، فقال: ما يرضى أن يحقن دمه، وكان يتمنى الموت
مما لاقى من الذلّ بعد العزّ، وألقى كبده قطعا مما لاقى.
وفيها الفقيه الزاهد الصالح، عمر بن عبد الله بن سليمان بن السّري
اليمني [3] توفي بمكّة حاجّا. روى طاهر بن يحيى المعمراني أنه كان قد
أصابه بثرات [4] في وجهه، فارتحل إلى جبلة [5] متطببا، فرأى ليلة قدومه
إليها عيسى بن مريم- صلى الله عليه وسلم- فقال له: يا روح الله! امسح
وجهي، فمسحه فأصبح معافى. قاله ابن الأهدل.
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 324- 325) و «النجوم الزاهرة» (5/
323- 324) .
[2] انظر «المنتظم» (10/ 167) والبيتان أيضا في «النجوم الزاهرة»
وتقدما في ص (73) .
[3] انظر «مرآة الجنان» (3/ 297) و «غربال الزمان» ص (430) وفيهما
وفاته سنة (550) .
[4] جاء في «مختار الصحاح» (بثر) : البثر والبثور: خراج صغار واحدتها
بثرة.
[5] في «مرآة الجنان» و «غربال الزمان» : «إلى ذي الجبلة» وهو خطأ،
وجبلة: جبل ضخم في اليمن، على مقربة من أضاخ، بين الشّريف، ماء لبني
نمير، وبين الشّرف، ماء لبني كلاب.
انظر «معجم ما استعجم» (1/ 365) و «معجم البلدان» (2/ 104) .
(6/264)
وفيها أبو عبد الله بن الرّطبي، محمد بن
عبيد الله بن سلامة الكرخي- كرخ جدّان- المعدّل. روى عن أبي القاسم بن
البسري، وأبي نصر الزّينبي، وتوفي في شوال عن ثلاث وثمانين سنة.
وفيها أبو البيان نبأ بن محمد بن محفوظ القرشي [1] الشافعي اللّغوي
الدمشقي الزاهد، شيخ الطائفة البيانية بدمشق، ويعرف بابن الحوراني. كان
كبير القدر، عالما عاملا، زاهدا، تقيا، خاشعا، ملازما للعلم والعمل
والمطالعة، كثير العبادة والمراقبة، سلفيّ المعتقد، كبير الشأن، بعيد
الصيت، ملازما للسّنّة، صاحب أحوال ومقامات. سمع أبا الحسن علي بن
الموازيني وغيره، وله تآليف ومجاميع، ورد على المتكلمين وأذكار مسجوعة
وأشعار مطبوعة، وأصحاب ومريدون، وفقراء بهديه يقتدون. كان هو والشيخ
رسلان شيخي دمشق في عصرهما وناهيك بهما. قاله في «العبر» [2] .
ودخل يوما إلى الجامع الأموي، فرأى جماعة في الحائظ الشمالي يثلبون
أعراض الناس، فقال: اللهم كما أنسيتهم ذكرك فأنسهم ذكري.
وقال السخاوي: قبره يزار بباب الصغير.
ولم يذكره ابن عساكر في «تاريخه» ولا ابن خلّكان في «الأعيان» .
توفي في وقت الظهر يوم الثلاثاء ثاني ربيع الأول، ودفن من الغد وشيّعه
خلق عظيم. انتهى.
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 326- 327) .
[2] (4/ 144- 145) .
(6/265)
سنة ثنتين وخمسين
وخمسمائة
فيها كما قال في «الشذور» وقعت زلازل في الشام، تهدمت منها ثلاثة عشر
بلدا من بلاد الإسلام: حلب، وحماة، وشيزر، وكفر طاب، وفامية، وحمص،
والمعرّة، وتل حرّان. وخمسة من بلاد الكفر: حصن الأكراد، وعرقة [1] ،
واللاذقية، وطرابلس، وأنطاكية.
فأما حماة فهلك أكثرها. وأما شيزر فما سلم منها إلّا امرأة وخادم لها
وهلك الباقون. وأما حلب فهلك منها خمسمائة نفس. وأما كفر طاب فما سلم
منها أحد. وأما فامية فهلكت وساخت قلعتها. وهلك من حمص خلق كثير. وهلك
بعض المعرة. وأما تل حرّان فإنه انقسم نصفين، وظهر من وسطه نواويس
وبيوت. وأما حصن الأكراد وعرقة [1] فهلكتا جميعا. وهلكت اللاذقية فسلم
منها نفر، ونبع فيها حومة ماء حمئة. وهلك أكثر أهل طرابلس، وأكثر
أنطاكية.
انتهى.
وفيها كما قال في «العبر» [2] . خرجت الإسماعيلية على حجّاج خراسان،
فقتلوا وسبوا، واستباحوا الركب، وصبّح الضعفاء والجرحى إسماعيلي [3]
شيخ ينادي: يا مسلمين ذهبت الملاحدة فأبشروا، ومن هو
__________
[1] قال ياقوت في «المشترك وضعا» ص (307) : عرقة: بلد من سواحل الشام
شرقي طرابلس على أربعة فراسخ.
[2] (4/ 146) .
[3] في «آ» و «ط» : «إسماعيل» والتصحيح من «العبر» .
(6/266)
عطشان سقيته، فبقي إذا كلّمه أحد جهز عليه،
فهلكوا إلى رحمة الله كلهم.
واشتدّ القحط بخراسان، وتخربت بأيدي الغزّ، ومات سلطانها سنجر، وغلب كل
أمير على بلد واقتتلوا، وتعثرت الرعية الذين نجوا من القتل.
وفيها هزم نور الدّين الفرنج على صفد، وكانت وقعة عظيمة.
[وفيها انقرضت دولة الملثّمين. بالأندلس، لم يبق منهم إلّا جزيرة
ميورقة] [1] .
وفيها أخذ نور الدّين من الفرنج غزّة وبانياس. وملك شيزر من بني منقذ
[2] .
وفيها توفي القاضي أبو بكر بن محمد بن عبد الله اليافعي [3] . حضر موته
صاحب «البيان» [4] وقال [حين نعي] [5] : ماتت المروءة. أخذ الفقه عن
زيد اليفاعيّ [6] . وكان عالما شاعرا. روى عن أبيه وجدّه [7] كتاب
«رسالة الشافعي» و «مختصر المزني» وولي قضاء اليمن، وكان له ولد يقال
له محمد، مات في حياته، فرثاه وقال:
جوار الله خير من جواري ... له دار لكلّ خير دار
وكان للقاضي أبي بكر جاه عظيم عند الملوك، خلّص فقهاء اليمن من
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» .
[2] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 219- 221) و «دول الإسلام» (2/ 68)
و «العبر» (4/ 146) .
[3] انظر «مرآة الجنان» (3/ 300- 301) و «غربال الزمان» ص (431- 432) .
[4] وهو الإمام يحيى بن أبي الخير بن سالم اليماني. سترد ترجمته في
وفيات سنة (558) انظر ص (308) .
[5] ما بين حاصرتين زيادة من «مرآة الجنان» .
[6] في «آ» و «ط» : «البقاعي» وما أثبته من «غربال الزمان» و «طبقات
فقهاء اليمن» للجعدي ص (150 و 175 و 213) .
[7] في «آ» و «ط» : «عن ابنه وخاله» وما أثبته من «غربال الزمان» .
(6/267)
الخراج والمظالم. ولما قدم القاضي الرشيد
من مصر إلى اليمن أكرمه كرامة عظيمة. قاله ابن الأهدل.
وفيها أبو علي الخرّاز أحمد بن أحمد بن علي الحريمي [1] . سمع أبا
الغنائم محمد بن علي الدقاق، ومالكا البانياسي، وتوفي في ذي الحجة.
وعوّضه نصيبين فتملّكها إلى أن مات في [شعبان، وطالت أيامه بها، وخلّف
ذرية فخملوا.] [2] .
وفيها أحمد سنجر السلطان الأعظم معز الدّين أبو الحارث، ولد السلطان
ملكشاه بن ألب أرسلان بن جغريبك السلجوقي صاحب خراسان، وأجلّ ملوك
العصر وأعرقهم نسبا، وأقدمهم ملكا وأكثرهم جيشا. واسمه بالعربي أحمد بن
الحسن بن محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجوق، وخطب له بالعراق، والشام،
والجزيرة، وأذربيجان، وأرّان، والحرمين، وخراسان، وما وراء النهر،
وغزنة، وعاش ثلاثا وسبعين سنة.
قال ابن خلّكان [3] : أول ما ناب في المملكة عن أخيه بركياروق سنة
تسعين وأربعمائة، ثم استقلّ بالسلطنة سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، ولقب
حينئذ بالسلطان، وكان قبل ذلك يلقّب بالملك المظفّر. وكان وقورا مهيبا
ذا حياء وكرم وشفقة على الرعية. وكان مع كرمه المفرط من أكثر الناس
مالا.
اجتمع في خزانته من الجوهر ألف وثلاثون رطلا، وهذا ما لم يملكه خليفة
ولا ملك فيما نعلم. توفي في ربيع الأول ودفن في [4] قبّة بناها وسمّاها
دار
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 147) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 327) .
[2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 427- 428) وقد نقل المؤلف كلامه باختصار
وتصرف تبعا لصاحب «العبر» .
[4] لفظة «في» سقطت من «آ» .
(6/268)
الآخرة. وقد تضعضع ملكه في آخر أيامه
وقهرته الغزّ، ورأى الهوان، ثم من الله عليه وخلص. قاله في «العبر» [1]
.
وفيها أبو عبد الله بن خميس الحسين بن نصر الموصلي الجهني [2] الملقب
بتاج الإسلام. أخذ الفقه عن الغزالي، وقضى برحبة ملك بن طوق، ثم رجع
إلى الموصل، وصنّف كثيرا، وسكن قرية في الموصل، وراء القرية التي فيها
العين المعروفة بعين القيّارة [3] التي ينفع الاستحمام بها من الفالج
والريح الباردة [4] مشهورة هناك. قاله ابن الأهدل.
وفيها عبد الصبور بن عبد السلام أبو صابر الهرويّ [5] التاجر. روى
«جامع الترمذي» ببغداد عن أبي عامر الأزدي، وكان صالحا خيّرا.
وفيها عبد الملك بن مسرّة أبو مروان اليحصبي الشّنتمري [6] ثم القرطبي.
أحد الأعلام.
قال ابن بشكوال [7] : كان ممن جمع الله له الحديث والفقه، مع الأدب
البارع، والدّين، والورع، والتواضع. أخذ «الموطأ» عن أبي عبد الله بن
الطلّاع سماعا، وغيره، وتوفي في شعبان.
وفيها عثمان بن علي البيكندي [8] أبو عمرو، مسند بخارى. كان
__________
[1] (4/ 147- 148) وانظر «النجوم الزاهرة» (5/ 326- 327) .
[2] انظر «مرآة الجنان» (3/ 302- 303) و «غربال الزمان» ص (432) .
[3] في «آ» و «ط» : «بعين الفتاوة» وفي «غربال الزمان» : «بعين
العيادة» وما أثبته من «وفيات الأعيان» (2/ 139) و «مرآة الجنان» وانظر
«تاج العروس» (قير) (13/ 500) .
[4] في «آ» و «ط» : «البارد» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «مرآة
الجنان» و «غربال الزمان» .
[5] انظر «العبر» (4/ 148) .
[6] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «المستثمري» والتصحيح من «العبر» (4/
148) .
[7] انظر «الصلة» (2/ 367) .
[8] تحرفت نسبته في «ط» إلى «السكندري» .
(6/269)
إماما ورعا عالما عابدا متعففا، تفرّد
بالرواية عن أبي المظفّر عبد الكريم الأبرقي، وسمع من عبد الواحد
الزّبيري المعمّر، وطائفة، ومات في شوال عن سبع وثمانين سنة.
وفيها عمر بن عبد الله الحربيّ [1] المقرئ أبو حفص. سمع الكثير، وروى
عن طراد وطبقته، وتوفي في شعبان.
وفيها صدر الدّين أبو بكر الخجندي محمد بن عبد اللطيف بن محمد المهلّبي
الأزدي ثم الأصفهاني [2] . كان إماما فاضلا مناظرا شافعيا، صدر العراق
في زمانه على الإطلاق، جوادا مهيبا متقدما عند السلاطين، يصدرون عن
رأيه، ورد بغداد، وتولّى تدريس النظامية، ووعظ بها وبجامع القصر، وكان
كوزير ذا حشمة أشبه منه بالعلماء، يمشي والسيوف حوله مشهورة، خرج من
بغداد إلى أصبهان، فنزل بقرية بين همذان والكرخ، فنام وهو في عافية،
فأصبح ميتا، وذلك في شوال، فحمل إلى أصبهان ودفن بسيلان. ذكره ابن
السمعاني والذهبي.
وأما ولده عبد اللطيف بن محمد بن عبد اللطيف [3] ، فكان رئيس أصبهان في
العلم، وكان فقيها فاضلا مقدّما معظما عند الرعايا والسلاطين [4] تفقّه
على أبيه، ودرّس بعده، وأفتى ووعظ وأنشأ، وسمع وحدّث.
مات بهمذان بعد عوده من الحجاز في أحد الربيعين سنة ثمانين.
__________
[1] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الحري» والتصحيح من «العبر» (4/
149) و «معرفة القراء الكبار» (1/ 509) .
[2] انظر «العبر» (4/ 149) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 386- 387) و
«طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 490) .
[3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 491) .
[4] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «عند الوزراء والسلاطين» .
(6/270)
وخمسمائة، وهو ابن ثمان وأربعين سنة، وحمل
إلى أصبهان ودفن بها. ذكره التفليسي.
وأما حفيده فهو: أبو بكر محمد بن عبد اللطيف [1] الشافعي كان فقيها
بارعا، رئيسا كبيرا، عريقا في الفضل والرئاسة. انتهى إليه رئاسة
الشافعية بأصبهان بعد موت أبيه، وورد بغداد فأنعم عليه الخليفة بما لم
ينعم به على أحد من أمثاله، ورتّب له ما يفوت الحصر، وتولى نظر
النظامية، والنظر في أحوال الفقهاء، ثم خرج مع الوزير إلى أصبهان
واستولى عليها، وولى الخليفة بها سنقر الطويل من أمراء بغداد، وأذن
لابن الخجندي في المقام بها، فجرت بينه وبين الأمير سنقر وحشة، فيقال:
إنه دسّ عليه من قتله، وذلك في أحد الجمادين سنة اثنتين وتسعين
وخمسمائة، وسمع شيئا من الحديث، إلّا أنه لم يبلغ سن الرواية عنه. ذكره
ابن باطيش وغيره.
وفيها أبو المظفّر محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سعدان الحنبلي
الأزجي [2] الفقيه. سمع الحديث من القاضي الحسين، وأبي العزّ ابن كادش،
وتفقّه على القاضي أبي الحسين، وأبي بكر الدّينوري، ولازمه.
وروى عنه أحمد بن طارق، وكتب عنه المبارك بن كامل [حكاية] بغير إسناد
في «معجمه» .
قال صدقة بن الحسين في «تاريخه» : كان فقيها كيسا من أصحاب أبي بكر
الدّينوري. توفي في ذي القعدة ودفن بباب حرب.
وفيها محمد بن خذاداذ [3] بن سلامة بن خذاداذ [3] العراقي المأموني
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 491- 492) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 230) وما بين حاصرتين في الترجمة
مستدرك منه.
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «خذداذ» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» (3/
36) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 231) و «المنهج الأحمد» (2/ 314) .
(6/271)
المباردي الحداد، الكاتب الفقيه الحنبلي
الأديب، أبو بكر بن أبي محمد، ويعرف بنقّاش المبارد. سمع من نصر بن
البطر [1] ، والحسين بن طلحة، وأبي نصر الزّينبي، وأبي الخطّاب.
وكتب خطا حسنا.
قال ابن النجار: كان فقيها مناظرا أصوليا تفقّه على أبي الخطّاب، وعلّق
عنه مسائل الخلاف، وقرأ الأدب، وقال الشعر، وكان صدوقا، وتوفي ليلة
الخميس مستهل جمادى الآخرة، وصلّي عليه من الغد، ودفن بباب حرب.
وقيّد ابن نقطة [2] «خذاداذ» بدال مهملة بين ذالين معجمتين.
وفيها أبو بكر بن الزّاغوني محمد بن عبيد الله بن نصر البغدادي [3]
المجلّد. سمع أبا القاسم بن البسري، وأبا نصر الزّينبي، والكبار، وصار
مسند العراق، وكان صالحا مرضيا، إليه المنتهى في التجليد، اصطفاه
الخليفة لتجليد خزانة كتبه. توفي في ربيع الآخر، وله أربع وثمانون سنة.
وفيها أبو الحسن محمد بن المبارك وكنيته أبو البقاء بن محمد بن عبد
الله بن محمد، المعروف بابن الخلّ [4] . الفقيه الشافعي البغدادي،
تفقّه على أبي بكر الشّاشي، وبرع في العلم، وكان يجلس في مسجده الذي
بالرحبة شرقي بغداد لا يخرج منه إلّا بقدر الحاجة، يفتي ويدرّس، وكان
قد تفرّد بالفتوى بالمسألة السّريجيّة ببغداد، وصنّف كتابا سمّاه
«توجيه التنبيه»
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن النضر» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» و «ذيل
طبقات الحنابلة» وانظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 46) .
[2] في «تكملة الإكمال» باب (خذاداذ وخذادار) (2/ 413) طبع جامعة أم
القرى بمكّة المكرمة.
[3] انظر «العبر» (4/ 150) .
[4] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 227- 228) و «العبر» (4/ 150) و «طبقات
الشافعية» للإسنوي (1/ 486- 487) .
(6/272)
على صورة الشرح، لكنه مختصر، وهو أول من
شرح «التنبيه» لكن ليس فيه طائل، وله كتاب في أصول الفقه، وسمع الحديث
من أبي عبد الله الحسين ابن أحمد بن أبي طلحة، وأبي عبد الله الحسين
البسري، وغيرهما. وروى عنه الحافظ أبو سعد السمعاني وغيره، وكان يكتب
خطا جيدا منسوبا، وكانت الناس يحتالون على أخذ خطه في الفتاوى من غير
حاجة إليها، بل لأجل الخطّ لا غير، فكثرت عليه الفتوى، وضيقت عليه
أوقاته، ففهم ذلك، فصار يكسر القلم ويكتب جواب الفتوى به، فانصرفوا عنه
[1] وقيل: إن صاحب الخطّ المليح هو أخوه، والله أعلم.
وتوفي ببغداد ونقل إلى الكوفة ودفن بها.
وكان أخوه أبو الحسين أحمد بن المبارك فقيها فاضلا وشاعرا ماهرا، ذكره
العماد الكاتب في كتابه «خريدة القصر» وأثنى عليه، وأورد له مقاطيع شعر
[2] ، ودو بيت، فمن ذلك قوله في بعض الوعاظ:
ومن الشقاوة أنهم ركنوا إلى ... نزغات ذاك الأحمق التّمتام
شيخ يبهرج دينه بنفاقه ... ونفاقه منهم على أقوام
وإذا رأى الكرسيّ تاه بنفسه [3] ... أي أن هذا منصبي ومقامي
ويدق صدرا ما انطوى إلّا على ... غلّ يواريه بكفّ عظام
ويقول أيش أقول من حصر به ... لا لازدحام عبارة وكلام
وله دو بيت:
هذا ولهي وكم [4] كتمت الولها ... صونا لوداد من هوى النفس لها
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «فأقصروا عنه» .
[2] في «ط» : «مقاطيع من شعره» .
[3] في «وفيات الأعيان» : «تاه بأنفه» .
[4] في «آ» و «ط» : «وقد» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
(6/273)
يا آخر محنتي ويا أوّلها ... آيات غرامي
فيك من أوّلها
وله:
ساروا وأقام في ودادي الكمد ... لم يلق كما لقيت منهم أحد
شوق وجوى ونار وجد تقد ... ما لي جلد ضعفت ما لي جلد
وله:
ما ضرّ حداة عيسهم لو رفقوا ... لم يبق غداة بينهم لي رمق
قلب قلق وأدمع تستبق ... أوهى جلدي من الفراق الفرق
وكانت ولادته سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وتوفي في سنة اثنتين
وثلاثين وخمسمائة. قاله ابن خلّكان [1] .
وفيها أبو القاسم نصر بن نصر العكبري [2] الواعظ. روى عن أبي القاسم بن
البسري وطائفة، وتوفي في ذي الحجة عن سبع وثمانين سنة.
__________
[1] في «وفيات الأعيان» (4/ 227- 228) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «الطبري» وانظر «العبر» (4/ 150) و «سير أعلام
النبلاء» (20/ 296- 297) .
(6/274)
سنة ثلاث وخمسين
وخمسمائة
فيها كما قال ابن الأثير [1] نزل ألف وسبعمائة من الإسماعيلية على روق
[2] كبير التركمان [فجازوه] [3] ، فأسرع عسكر التركمان فأحاطوا بهم
ووضعوا فيهم السيف، فلم ينج منهم إلّا تسعة أنفس، فلله الحمد.
وفيها توفي مسند الدّنيا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى السّجزي ثم
الهروي الماليني [4] الصوفي الزاهد. سمع «الصحيح» [5] و «مسندي [6] »
الدّارمي وعبد بن حميد، من جمال الإسلام الداودي في سنة خمس وستين
وأربعمائة، وسمع من أبي عاصم الفضيل [7] ، ومحمد بن أبي مسعود، وطائفة،
وصحب شيخ الإسلام الأنصاري وخدمه، وعمّر إلى هذا الوقت، وقدم بغداد
فازدحم الخلق عليه، وكان خيّرا متواضعا متودّدا، حسن السمت،
__________
[1] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 238) والمؤلف ينقل عن «العبر» (4/
151) وقد تصرف الذهبي أثناء النقل.
[2] تصحفت في «العبر» بطبعتيه إلى «زوق» والروق: بيت كالفسطاط يحمل على
سطاع واحد في وسطه، والجمع أروقة. انظر «لسان العرب» (روق) .
[3] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «العبر» .
[4] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 303- 311) .
[5] يعني «صحيح البخاري» انظر «الأنساب» (7/ 47) .
[6] في «آ» و «ط» : «ومسند» والتصحيح من «العبر» .
[7] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «الفضيلي» فتصحح، وانظر «سير أعلام
النبلاء» (20/ 304) .
(6/275)
متين الديانة، محبا للرواية. توفي سادس ذي
القعدة ببغداد وله خمس وتسعون سنة. قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : حمله أبوه من هراة إلى بوشنج، فسمع
«صحيح البخاري» وغيره من جمال الإسلام الداودي. عزم على الحجّ وهيأ ما
يحتاج إليه فأصبح ميتا، وكان آخر كلمة قالها: يا لَيْتَ قَوْمِي
يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي من الْمُكْرَمِينَ 36:
26- 27 [يس 26- 27] ودفن بالشونيزية وعمّر حتّى ألحق الأصاغر بالأكابر.
انتهى.
وفيها أبو الفتح سالم بن عبد الله بن عبد الملك الشيباني [2] الفقيه
الحنبلي الزاهد. صحب أبا بكر الدّينوري، وسمع من الشريف أبي العزّ بن
المختار، وأبي الغنائم النّرسي، وغيرهما.
قال ابن شافع: كان فقيها زاهدا مخمولا ذكره عند أبناء الدّنيا رفيعا
عند الله وصالحي عباده. توفي ليلة الأربعاء سابع شعبان، ودفن بباب حرب.
وفيها الإمام العلّامة عبد الله بن يحيى الصّعبي [3] عن ثمان وسبعين،
أو إحدى وثمانين سنة. وكان مدرّس سهفنة [4] وقد تفقّه عليه خلق باليمن،
وكان صاحب «البيان» يحبه ويقول له: شيخ الشيوخ، وحضر جنازته يوم مات.
روي أن أناسا وقعوا عليه في طريق فضربوه بالسيوف فلم تقطع سيوفهم، فسئل
عن ذلك فقال: كنت أقرأ سورة يس.
قال ابن سمرة: والمشهور أنه كان يقرأ قوله تعالى:
__________
[1] (4/ 151- 152) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 232) .
[3] انظر «مرآة الجنان» (3/ 306- 307) و «غربال الزمان» ص (433) .
[4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «سهقنة» والتصحيح من «مرآة الجنان» و
«غربال الزمان» وقد جاء في حاشية الأخير: وسهفنة من قرى ذي السفال من
محافظة إب.
(6/276)
وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ
الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ 2: 255 [البقرة: 255] فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً
وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ 12: 64 [يوسف، 64] وَحِفْظاً من كُلِّ
شَيْطانٍ مارِدٍ 37: 7 [الصّافّات، 7] وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ
الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ 41: 12 [فصّلت: 12] إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ
لَشَدِيدٌ 85: 12 [البروج: 12] إلى آخر السورة، وتسمى آيات الحفظ،
وسببه أنه وجدها معلقة في عنق شاة والذئاب تلاعبها لا تضرها.
صنّف الصّعبيّ كتاب «التعريف» في الفقه و «احتراز المذهب» وكان يقوم
بكفايته وما يحتاج إليه رجل من مشايخ بني يحيى من يافع.
قال اليافعي- رحمه الله تعالى-[1] : [أهل] يافع يقولون: أهل يحيى وأهل
عيسى وأهل موسى، ثلاثة بطون لهم [2] عز وشرف، فأهل موسى أخوالي، وفيهم
الكرم والمشيخة، وأهل يحيى أخوال بني عمي، وفيهم العزّ والنجدة، ولا
تزال الحرب بينهم وبين أعدائهم. وفيهم الفقيه الولي أبو بكر البحيري
[3] الذي كان السلطان المؤيد في طوعه، واستدرك الفقيه حسين على اليافعي
وغلّطه في ثنائه عليه، ونسبه- أي البحيري- إلى الزندقة لكونه من أتباع
ابن عربي، والله أعلم بحاله. قاله ابن الأهدل.
وفيها كوتاه الحافظ أبو مسعود عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد
الأصبهاني. توفي في شعبان عن سبع وسبعين سنة، وحدّث عن رزق الله
التميمي، وأبي بكر بن ماجة الأبهري، وخلق.
قال أبو موسى المديني: أوحد وقته في علمه وطريقته [4] وتواضعه، حدثنا
لفظا وحفظا على منبر وعظه.
__________
[1] انظر «مرآة الجنان» (3/ 307) وما بين حاصرتين مستدرك من «غربال
الزمان» .
[2] في «مرآة الجنان» : «وفيهم» .
[3] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (115/ ب) : «البحيري» وفي «غربال
الزمان» : «اليحيوي» .
وفي «مرآة الجنان» : «التغزي» .
[4] في «العبر» بطبعتيه: «مع طريقته» .
(6/277)
وقال غيره: كان جيّد المعرفة، حسن الحفظ،
ذا عفّة وقناعة وإكرام للغرباء.
وقال ابن ناصر الدّين [1] : كان إماما حافظا من أولاد المحدّثين، كان
ابن عساكر يفخّم أمره [ويصفه بالحفظ والإتقان] وأثنى عليه ابن السمعاني
وغيره [من الأعيان] . انتهى.
وفيها علي بن عساكر بن سرور المقدسي ثم الدمشقي الخشّاب [2] .
صحب الفقيه نصر المقدسي [مدّة] وسمع منه سنة سبعين وأربعمائة، ثم سمع
بدمشق من أبي عبد الله بن أبي الحديد. توفي في سنّ أبي الوقت، صحيح
الذهن والجسم، وتوفي في شوال.
وفيها العلّامة أبو حفص الصفّار عمر بن أحمد بن منصور النيسابوري [3] .
روى عن أبي بكر بن خلف، وأبي المظفّر موسى بن عمران وطائفة، ولقبه عصام
الدّين. كان من كبار الشافعية يذكر مع محمد بن يحيى ويزيد عليه
بالأصول.
قال ابن السمعاني، إمام بارع مبرّز جامع لأنواع من العلوم الشرعية،
سديد السيرة، مكثرا، مات يوم عيد الأضحى.
وفيها الفقيه الإمام الورع الزاهد عمر بن إسماعيل بن يوسف اليمني. أخذ
عن الإمام زيد بن الحسن الفايشي [4] «المهذب» وأصول الفقه، وصحب يحيى
بن أبي الخير صاحب «البيان» في الطلب. قاله ابن الأهدل.
وفيها نصر بن منصور الحرّاني، عرف بابن العطار [5] . كان تاجرا
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (164/ آ) وما بين حاصرتين زيادة
منه.
[2] انظر «العبر» (4/ 152) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[3] انظر «العبر» (4/ 153) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 142- 143) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الغايشي» والتصحيح من «طبقات فقهاء اليمن»
ص (155) .
[5] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 239) و «البداية والنهاية» (12/
238) .
(6/278)
كبيرا كثير المال، قارئا للقرآن، يكسو
العراة، ويفك الأسرى، ويسمع الحديث، ويزور الصالحين.
قال العكبري: رأيت النّبيّ، صلّى الله عليه وسلم، فقلت: امسح بيدك على
عيني فإنها تؤلمني، فقال: «امض إلى أبي نصر بن العطّار يمسح على عينك»
فقلت في نفسي: أدع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأروح إلى رجل من
أبناء الدّنيا! وعاودته القول، وقلت: يا رسول الله، امسح على عيني،
فقال: أما سمعت الحديث «إن الصّدقة لتقع في يد الله قبل أن تقع في يد
السّائل» [1] «وهذا نصر قد صافحت يده يد الحقّ- سبحانه وتعالى- امض
إليه» فانتبهت ومضيت إليه، فلما رآني قام حافيا وقال: ما الذي رأيته في
المنام، ومسح على عيني وقرأ المعوذات، فذهب الألم. قال: وذهبت إحدى
عيني نصر. قال: فخرجت يوما إلى جامع السلطان لأصلي الجمعة، فجلست على
جانب دجلة لأتوضأ، وإذا بفقير عليه أطمار رثة، فتقدمت إليه وقلت له:
امسح على عيني، فمسح عليها فعادت صحيحة، فدفعت إليه منديلا فيه دنانير،
فقال: ما لي به حاجة، إن كان معك رغيف خبز، فقمت واشتريت له خبزا،
ورجعت فلم أره، فكان نصر بعد ذلك لا يمشي إلّا وفي كمه الخبز إلى أن
مات.
وفيها يحيى بن سلامة الحصكفي الخطيب [2] صاحب ديوان الشعر
__________
[1] رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (9/ 114) من حديث عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه موقوفا عليه، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/
111) وعزاه للطبراني في «المعجم الكبير» من حديث عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه، وقال: وفيه عبد الله بن قتادة المحاربي ولم يضعفه أحد، وبقية
رجاله ثقات، وقد ذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/ 141) ولم
يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكر هذا الأثر أيضا السيوطي في «الدر
المنثور» (3/ 375) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، والحكيم الترمذي، وابن
أبي حاتم، وهو موقوف على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
[2] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 205- 210) و «سير أعلام النبلاء» (20/
320- 321) وانظر التعليق التالي.
(6/279)
والخطب، الفقيه الشافعي معين الدّين،
المعروف بالخطيب.
قال ابن خلّكان: والحصكفي بكسر الحاء المهملة [1] نسبة إلى حصن كيفا،
قلعة حصينة.
[ولد] بطنزة- بطاء مهملة مفتوحة ونون ساكنة وزاي معجمة- وهي بلدة صغيرة
بديار بكر فوق الجزيرة. انتهى.
نشأ معين الدّين هذا بحصن كيفا، وقدم بغداد فقرأ الفقه حتّى أجاد فيه،
وقرأ الأدب على الخطيب أبي زكريا التبريزي شارح «المقامات» ثم رجع إلى
بلاده واستوطن ميّافارقين، وتولى بها الخطابة، وانتصب للإفتاء
والاشتغال، وانتفع عليه الناس [2] .
قال العماد في «الخريدة» : كان علّامة الزمان في علمه، ومعريّ العصر في
نثره ونظمه، ولم يزل على ذلك إلى أن توفي في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة.
قاله الإسنوي [3] .
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : له الترصيع البديع، والتجنيس
النفيس، والتطبيق والتحقيق، واللفظ الجزل الرقيق، والمعنى السهل
العميق، والتقسيم المستقيم، والفضل السائر المقيم، فمن قوله في مليح في
خصره زنار:
قد شدّ بالميم الألف ... من جسمه ميم ألف
فقلت إذ مرّ بنا ... بخوط بان منعطف
بالله يا زنّاره ... رفقا به لا ينقصف
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» للإسنوي، والذي في «وفيات
الأعيان» الذي بين يدي: «بفتح الحاء وسكون الصاد المهملة وفتح الكاف،
وفي آخرها فاء» وهو كذلك في «اللباب» (1/ 369) .
[2] في «وفيات الأعيان» : «واشتغل عليه الناس وانتفعوا بصحبته» .
[3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 438- 439) .
(6/280)
وكان الحصكفي يتشيع، وله الخطب المليحة
والرسائل المنتقاة.
انتهى [1] .
__________
[1] قلت: وفيها مات بمصر محمود بن إسماعيل بن حميد الدمياطي، أبو
الفتح، المعروف بابن قادوس. الشاعر المنشئ. كان القاضي الفاضل يلقبه
بذي البلاغتين (النثر والشعر) له ديوان شعر في مجلدين. انظر «حسن
المحاضرة» (2/ 233) و «كشف الظنون» (1/ 767) و «الأعلام» (7/ 166) .
(6/281)
سنة أربع وخمسين
وخمسمائة
فيها كما قال في «الشذور» وقع في قرى بغداد برد كان في البردة خمسة
أرطال، ووزنوا واحدة فبلغت تسعة أرطال، وانفتح القورج [1] وجاء الماء
فأحاط بالسور، ثم فتح فتحة ودخل فأغرق كثير من محال من نهر معلّى [2] ،
وهدم ما لا يحصى من الدّور، وغرقت مقبرة الإمام أحمد بن حنبل، وكانت
آية عجيبة.
وفيها سار عبد المؤمن في مائة ألف، فنازل المهديّة برّا وبحرا فأخذها
من الفرنج بالأمان، ولكن ركبوا البحر، وكان شتاء، فغرق أكثرهم.
وفيها أقبلت الرّوم في جموع عظيمة وقصدوا الشام، فالتقاهم المسلمون
وانتصروا، ولله الحمد، وأسر ابن أخت ملك الرّوم.
وفيها توفي ابن قفرجل أبو القاسم أحمد بن المبارك بن عبد الباقي
__________
[1] القورج: نهر بين القاطول وبغداد، منه يكون غرق بغداد كل وقت تغرق.
انظر «معجم البلدان» (4/ 412) .
[2] نهر المعلّى: مدينة ببغداد كانت بها قصور الخلافة، وتنسب المدينة
إلى النهر الذي يخترقها، وهو بدوره منسوب إلى المعلّى بن طريف مولى
المهدي. انظر «معجم البلدان» (5/ 324) .
و «الروض المعطار» ص (406) .
(6/282)
البغدادي الذّهبي القطّان. روى عن عاصم بن
الحسن وجماعة.
وفيها أبو جعفر العبّاسي أحمد بن محمد بن عبد العزيز المكّي [1] ، نقيب
الهاشميين بمكّة. روى عن أبي علي الشافعي، وحدّث ببغداد وأصبهان، وكان
صالحا متواضعا فاضلا مسندا، توفي في شعبان عن ست وثمانين سنة وثلاثة
أشهر، وسماعه في الخامسة من أبي علي.
وفيها أحمد بن معالي- ويسمى عبد الله أيضا- ابن بركة الحربي الحنبلي
[2] .
تفقّه على أبي الخطّاب الكلوذاني، وبرع في النظر.
قال ابن الجوزي: كان له فهم حسن وفطنة في المناظرة. وسمعت درسه مدة،
وكان قد انتقل إلى مذهب الشافعي، ثم عاد إلى مذهب أحمد ووعظ.
وقال صدقة [بن الحسين] : كان شيخا كبيرا قد نيف [3] على الثمانين،
فقيها مناظرا عارفا، له مخالطة مع الفقهاء، ومعاشرة مع الصوفية، وكان
يتكلم كلاما حسنا إلّا أنه كان متلونا في المذهب.
توفي يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى، وصلى عليه الشيخ عبد القادر [4]
، ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 155) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 331- 332) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 232- 233) و «المنهج الأحمد» (2/
316) .
[3] في «ط» : «وقد نيف» .
[4] يعني الجيلاني.
(6/283)
وكان سبب موته أنه ركب دابة فانحنى في مضيق
[1] ليدخل، فاتكأ بصدره على قربوس السّرج فأثّر فيه، وانضم إلى ذلك
إسهال فضعفت القوة، وكان مرضه يومين أو ثلاثة، رحمه الله تعالى.
وله تعليقة في الفقه.
وفيها أحمد بن مهلهل بن عبيد الله بن أحمد البرداسي [2] الحنبلي.
قال ابن النجار: هو من قرية برداس [3]- بسكون الراء من بلد إسكاف-
المقرئ الزاهد الضرير، أبو العبّاس. كان من أهل القرآن والزهد
والعبادة.
روى عن أبي طالب اليوسفي وغيره، وكان أبو الحسن بن البرداسي [4] يقول:
كان هذا الشيخ يصلي في كل يوم أربعمائة ركعة.
وتوفي يوم الخميس غرة جمادى الأولى، ودفن بباب حرب.
وقال ابن النجار: كان منقطعا في مسجده [5] لا يخالط أحدا، مشتغلا بالله
عزّ وجل، وكان الإمام المقتفي يزوره، وكذلك وزيره ابن هبيرة. والناس
كافة يتبركون به، وكان قد قرأ طرفا صالحا من الفقه على أبي الخطّاب
الكلوذاني، ثم على أبي بكر الدّينوري، وسمع الحديث من أبي غالب
الباقلاني وغيره، وحدّث باليسير، وروى عنه ابن شافع والباقداري. قاله
ابن رجب.
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «في ضيق» وهو خطأ.
[2] كذا في «آ» و «ط» «البرادسي» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 236) و
«المنهج الأحمد» (2/ 316) : «البرداني» .
[3] كذا في «آ» و «ط» : «برداس» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج
الأحمد» : «برد» .
[4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «البراندسي» .
[5] في «آ» و «ط» : «في مسجد» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و
«المنهج الأحمد» .
(6/284)
وفيها أبو زيد جعفر بن زيد بن جامع الحموي
الشامي [1] مؤلّف رسالة «البرهان» التي رواها عنه ابن الزّبيدي، وكان
صالحا عابدا، صاحب سنّة وحديث، روى عن ابن الطيوري، واليوسفي، وغيرهما،
وتوفي في ذي الحجة، وقد شاخ.
وفيها أبو علي الحسن بن جعفر بن عبد الصمد بن المتوكل على الله
العبّاسي الهاشمي [2] المقرئ الأديب الحنبلي.
ولد في حادي عشر شوال سنة سبع وسبعين وأربعمائة، وقرأ القرآن، وسمع
قديما من أبي غالب البقّال الباقلاني [3] وابن العلّاف، وغيرهما، وكان
فيه لطف وظرف وأدب، ويقول الشعر الحسن، مع دين وخير، وجمع سيرة
المسترشد وسيرة المقتفي، وجمع لنفسه مشيخة، وجمع كتابا سمّاه «سرعة
الجواب ومداعبة الأحباب» أحسن فيه.
وقال ابن النجار: كان أديبا فاضلا صالحا متدينا صدوقا. روى عنه ابن
الأخضر وغيره.
وذكره ابن السمعاني [وقال: كان صالحا، فاضلا، له معرفة بالأدب والشعر]
[4] ومن شعره ما كتبه:
أجزت للسادة الأخيار ما سألوا ... فليرووا عنّي بلا بخس ولا كذب
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 155) .
[2] انظر «العبر» (4/ 155) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 387- 388) و
«ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 233) وقد تحرفت فيه «الحسن» إلى «الحسين»
فتصحح، و «المنهج الأحمد» (2/ 317- 320) .
[3] تقدمت ترجمته في المجلد الخامس حوادث سنة (500) ص (426) وانظر «سير
أعلام النبلاء» (19/ 235- 236) و «الوافي بالوفيات» (11/ 414) .
[4] ما بين حاصرتين زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» .
(6/285)
مما [1] أحبوه من شعر ومن خبر ... ومن جميع
سماعاتي من الكتب
وليحذروا السّهو والتصحيف من غلط ... ويسلكوا سنّة الحفّاظ في الأدب
ومن شعره أيضا:
يا ذا الذي أضحى يصول ببدعة ... وتشيّع وتمشعر [2] وتمعزل
لا تنكرنّ تحنبلي وتسنّني [3] ... فعليهما يوم المعاد معوّلي
إن كان ذنبي حبّ مذهب أحمد ... فليشهد الثقلان أني حنبلي
قاله ابن رجب.
وفيها أبو عبد الله سعيد بن الحسين بن شنيف بن محمد الدّيلمي الدّارقزي
[4] الأمين الحنبلي.
ولد سنة تسع وسبعين وأربعمائة. وسمع من أبي عبد الله الحسين بن محمد
السرّاج الفقيه، والحسين بن طلحة النّعالي [5] وابن الطيوري، وغيرهم،
لا من أبي الخطّاب الكلوذاني.
وسمع الحديث من أبي غالب الباقلاني وغيره، وحدّث باليسير.
وروى عنه ابن شافع، وتفقّه في المذهب، وكان إماما بجامع دار القز،
وأمينا للقاضي بمحلته [6] [وما يليها] ، وكان شيخا صالحا ثقة، وروى عنه
جماعة، منهم، ابنه أبو عبد الله الحسين.
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» : «مهما» .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «وتمشعر» وفي «المنهج
الأحمد» : «وتجهّم» .
[3] في «آ» و «ط» : «لا تنكرن الحنبلي ونسبتي» والتصحيح من «ذيل طبقات
الحنابلة» و «المنهج الأحمد» .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 237) و «المنهج الأحمد» (2/ 320-
321) .
[5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «النعال» .
[6] في «آ» و «ط» : «بمجلسه» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» وما
بين حاصرتين مستدرك منه.
(6/286)
وتوفي ليلة السبت رابع عشر ذي الحجة، ودفن
من الغد بمقبرة باب حرب، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو الحسن بن أبي البركات محمد بن أحمد بن علي بن عبد الله بن
الأبرادي البغدادي [1] الفقيه الحنبلي. تفقّه على ابن عقيل، وسمع منه،
ومن أبيه، وابن الفاعوس وحدّث باليسير.
وسمع من أبي الفضل بن شافع.
وتوفي يوم الجمعة خامس شعبان، وقد اشتبه على بعض الناس وفاته بوفاة
أبيه.
وفيها محمد شاه بن السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه، أخو ملكشاه
السلجوقي [2] توفي بعلة السلّ، وله ثلاث وثلاثون سنة، وكان كريما
عاقلا، وهو الذي حاصر بغداد من قريب، واختلف الأمراء من بعده، فطائفة
لحقت بأخيه ملكشاه، وطائفة لحقت بسليمان شاه.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 236) و «المنهج الأحمد» (2/ 320) .
[2] انظر «العبر» (4/ 155) .
(6/287)
سنة خمس وخمسين
وخمسمائة
فيها تملّك سليمان شاه همذان، وذهب ملكشاه إلى أصبهان فمات بها.
وفيها توفي [1] المقتفي لأمر الله، أبو عبد الله محمد بن المستظهر
بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن الأمير محمد بن القائم
العبّاسي، أمير المؤمنين. كان عالما فاضلا دينا حليما شجاعا مهيبا
خليقا للإمارة، كامل السؤدد، كان لا يجري في دولته أمر وإن [2] صغر
إلّا بتوقيعه، وكتب أيام خلافته ثلاث ربعات، ووزر له علي بن طراد، ثم
أبو نصر بن جهير، ثم علي ابن صدقة، ثم ابن هبيرة، وحجبه أبو المعالي بن
الصاحب ثم جماعة بعده، وكان أدم اللون بوجهه أثر جدري، مليح الشيبة،
عظيم الهيبة، ابن حبشية.
كانت دولته خمسا وعشرين سنة. توفي في ربيع الأول عن ست وستين سنة، وقد
جدّد باب الكعبة، واتخذ لنفسه من العقيق تابوتا دفن فيه. قاله في
«العبر» [3] .
وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [4] : بويع له بالخلافة عند خلع أخيه
وعمره أربعون سنة، وسبب تلقبه بالمقتفي أنه رأى في منامه قبل أن يستخلف
__________
[1] لفظة «توفي» سقطت من «ط» .
[2] لفظة «وإن» سقطت من «آ» .
[3] (4/ 158- 159) .
[4] ص (437) .
(6/288)
بستة أيام رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
وهو يقول له: «سيصل هذا الأمر إليك فاقتف بي» فلقب المقتفي لأمر الله.
وبعث السلطان مسعود [1] بعد أن أظهر العدل ومهد بغداد، فأخذ جميع ما في
دار الخلافة من دوابّ وأثاث وذهب وستور وسرادق، ولم يترك في إصطبل
الخلافة سوى أربعة أفراس وثمانية أبغال برسم الماء، فيقال: إنهم بايعوا
المقتفي على أن لا يكون عنده خيل ولا آلة سفر.
وكان صاحب سياسة، جدد معالم الإمامة، ومهّد رسوم الخلافة، وباشر الأمور
بنفسه، وغزا غير مرّة، وامتدت أيامه.
وقال أبو طالب عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع الهاشمي في كتاب
«المناقب العباسية» : كانت أيام المقتفي نضرة بالعدل، زهرة بفعل
الخيرات، وكان على قدم من العبادة قبل إفضاء الأمر إليه، وكان في أول
أمره متشاغلا بالدّين، ونسخ العلوم، وقراءة القرآن، ولم ير مع سماحته
ولين جانبه ورأفته بعد المعتصم خليفة، في شهامته وصرامته وشجاعته، مع
ما خص به من زهده وورعه وعبادته، ولم تزل جيوشه منصورة حيث يممت.
وقال ابن الجوزي: من أيام المقتفي عادت بغداد والعراق إلى يد الخلفاء،
ولم يبق لها منازع، وقبل ذلك من دولة المقتدر إلى وقته كان الحكم
للمتغلبين من الملوك وليس للخليفة معهم إلّا اسم الخلافة. ومن سلاطين
دولته السلطان سنجر صاحب خراسان، والسلطان نور الدّين الشهيد محمود
صاحب الشام، وكان شجاعا كريما، محبا للحديث وسماعه، معتنيا بالعلم،
مكرما لأهله. ولما دعا المقتفي الإمام أبا منصور بن الجواليقي النحوي
ليجعله إماما يصلي به، دخل عليه فما زاد على أن قال: السلام على
__________
[1] في «آ» و «ط» : «السلطان محمود» والتصحيح من «تاريخ الحلفاء» وانظر
«سير أعلام النبلاء» (20/ 401) .
(6/289)
أمير المؤمنين ورحمة الله، وكان ابن
التلميذ النصراني الطبيب قائما فقال:
ما هكذا يسلّم على أمير المؤمنين يا شيخ، فلم يلتفت إليه ابن
الجواليقي، وقال: يا أمير المؤمنين، سلامي هو ما جاءت به السّنّة
النبوية. وروى الحديث، ثم قال: لو حلف حالف أن نصرانيا أو يهوديا لم
يصل إلى قلبه نوع من أنواع العلم على الوجه لما لزمته كفّارة، لأن الله
ختم على قلوبهم، ولن يفك ختم الله إلّا الإيمان. فقال المقتفي: صدقت
وأحسنت، وكأنما ألجم ابن التلميذ بحجر مع غزارة أدبه [1] .
وفيها توفي الفائز صاحب مصر، وأقيم بعده العاضد [2] .
وفيها أبو بكر أحمد بن غالب بن أحمد بن غالب بن عبد الله الحربي [3]
الفقيه الحنبلي الفرضي المعدل.
سمع الحديث من ابن قريش وغيره، وتفقّه وبرع في المذهب.
قال ابن النجار: كان أحد الفقهاء، حافظا لكتاب الله تعالى، له معرفة
بالفرائض، والحساب، والنجوم، وأوقات الليل والنهار، وشهد عند قاضي
القضاة الزّينبي، وتولى قضاء دجيل مدة، ثم عزل. حدّث باليسير، وسمع منه
عبد المغيث الحربي وغيره.
وتوفي يوم الأحد يوم عيد الأضحى، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها العميد بن القلانسي [4] صاحب «التاريخ» أبو يعلى حمزة بن راشد
التميمي الدمشقي الكاتب، صاحب «تاريخ دمشق» [5] . انتهى به إلى هذه
__________
[1] سبق أن أورد المؤلف خبر ابن الجواليقي في ترجمته من حوادث سنة
(540) ص (208) فراجعه.
[2] انظر «النجوم الزاهرة» (5/ 331) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 238) و «المنهج الأحمد» (2/ 322) .
[4] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 388- 389) .
[5] نشرته دار الإحسان بدمشق بتحقيق الأستاذ الدكتور سهيل زكّار.
(6/290)
السنة. حدّث عن سهل بن بشير الإسفراييني،
وولي رئاسة البلد مرتين، وكان يسمى أيضا المسلم. توفي في ربيع الأول عن
بضع وثمانين سنة.
وفيها أبو يعلي بن الحبوبي [1] حمزة بن علي بن هبة الله الثعلبي [2]
الدمشقي البزّاز. سمع أبا القاسم المصيصي، ونصر المقدسي. مات في جمادى
الأولى عن بضع وثمانين سنة، وكان لا بأس به. قاله في «العبر» [3] .
وفيها ثقة الملك الحلبي الحسن بن علي بن عبد الله بن أبي جرادة [4] .
سافر إلى مصر وتقدم عند الصالح بن زرّيك [5] وناب فيها.
ومن شعره قوله من أبيات:
يفنى الزّمان وآمالي مصرّمة ... ومن أحبّ على مطل وإملاق
واضعية العمر لا الماضي انتفعت به ... ولا حصلت على شيء من الباقي
وفيها خسر شاه، سلطان غزنة، تملّك بعد أبيه بهرام شاه بن مسعود ابن
إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين، وكان عادلا سايسا مقربا
للعلماء، وكانت دولته تسع سنين، وتملّك بعده ولده ملكشاه.
وفيها أبو جعفر الثقفي، قاضي العراق، عبد الواحد بن أحمد بن محمد، وقد
ناهز الثمانين. ولي قضاء الكوفة مدة، وسمع من أبي النّرسي [6] ، ثم
ولّاه المستنجد في هذا العام قضاء القضاة [7] فتوفي في آخر العام، وولي
بعده ابنه جعفر.
__________
[1] في «ط» : «الجبّري» وهو خطأ، وانظر «العبر» و «سير أعلام النبلاء»
(20/ 357) .
[2] في «آ» و «ط» : «التغلبي» وهو تصحيف والتصحيح من «العبر» و «سير
أعلام النبلاء» .
[3] (4/ 156- 157) .
[4] انظر «النجوم الزاهرة» (5/ 331- 332) .
[5] في «آ» و «ط» : «ابن رزيل» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» .
[6] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أبي النشري» والتصحيح من «العبر» (4/ 157)
.
[7] في «آ» و «ط» : «قاضي القضاة» وما أثبتناه من «العبر» .
(6/291)
وفيها الفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى بن
الظافر إسماعيل بن الحافظ عبد المجيد بن محمد بن المستنصر العبيدي.
أقيم في الخلافة بعد قتل أبيه وله خمس سنين. فحمله الوزير عبّاس على
كتفه. وقال: يا أمراء، هذا ولد مولاكم، وقد قتل مولاكم أخواه فقتلتهما
كما ترون، فبايعوا هذا الطفل. فقالوا: سمعنا وأطعنا. وضجّوا ضجة واحدة.
ففزع الصبيّ وبال واختل عقله، فيما قيل: من تلك الضجة، وصار يتحرّك
ويصرع، وتوفي في رجب في هذه السنة. وكان الحلّ والرّبط لعبّاس، فلما
هرب عبّاس وقتل، كان الأمر للصالح طلائع بن رزّيك.
وفيها علوي الإسكاف [1] الحنبلي. كان شيخا صالحا من أصحاب أبي الحسن بن
الزّاغوني، وكان يقرأ في كتاب الخرقي. توفي في يوم الجمعة رابع عشري
جمادى الآخرة.
وفيها الشريف الخطيب أبو المظفّر محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن
التّريكي [2] العبّاسي الهاشمي الحنبلي المعدّل.
كان مولده سنة سبعين وأربعمائة، وروى عن طراد، وأبي نصر الزّينبي،
والعاصمي، وغيرهم، وحدّث، وسمع منه جماعة، وكان جليل القدر من رجالات
الهاشميين، ذا أدب وعلم، وله نظم. قاله ابن رجب [3] .
وفيها أبو الفتوح الطائي، محمد بن أبي جعفر محمد بن علي
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 238- 239) .
[2] في «آ» و «ط» : «النويلي» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «البرمكي»
وكلاهما خطأ، والتصحيح من «المنتظم» (10/ 197) و «سير أعلام النبلاء»
(20/ 359) ، و «النجوم الزاهرة» (5/ 333) و «المنهج الأحمد» (2/ 321) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 238) .
(6/292)
الهمذاني [1] صاحب «الأربعين» سمع فيد بن
عبد الرحمن الشعراني، وإسماعيل بن الحسن الفرائضي، وطائفة، بخراسان،
والعراق، والجبال، وتوفي في شوال عن خمس وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 159) و «النجوم الزاهرة» (5/ 333) .
(6/293)
|