شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وسبعين
وخمسمائة
فيها سار صلاح الدّين، فأخذ منبج، ثم نازل قلعة عزاز مدة، وقفز على
الإسماعيلية فجرحوه في فخذه، وأخذوا فقتلوا، وافتتح القلعة.
وفيها توفي الحافظ ابن عساكر صاحب «التاريخ» الثمانين مجلدة [1]
__________
[1] واسمه الكامل «تاريخ دمشق حماها الله وذكر فضلها وتسمية من حلّها
من الأوائل، أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها» وهو من أحسن ما كتب
في تاريخ البلدان، ترجم فيه ابن عساكر للأعيان والمحدّثين والقادة
وسواهم من مشاهير الزمان منذ عصر الصحابة وحتى الزمن الذي عاش فيه، وقد
رتب الأسماء على حروف المعجم مع تقديم تراجم من سمي ب «أحمد» على من
سواهم. وقد شرع المجمع العلمي العربي بدمشق (مجمع اللغة العربية) في
عهد رئيسه الأول العلّامة المؤرخ الأستاذ محمد كرد علي بنشر هذا الكتاب
العظيم فأخرج المجلدتين الأولى والثانية بتحقيق الأستاذ الدكتور صلاح
الدّين المنجد، والمجلدة العاشرة بتحقيق الأستاذ الشيخ محمد أحمد
دهمان، وبعد فترة طويلة تابع المجمع نشر الكتاب فأخرج مجلدة أخرى تضم
تراجم (عاصم- عائذ) بتحقيق الأستاذ الدكتور شكري فيصل ومشاركة بعض
الأساتذة، وتلتها مجلدة أخرى ضمت تراجم (عبادة بن أوفى- عبد الله بن
ثوب) وقد تولى تحقيقها الأستاذ الدكتور شكري فيصل والأستاذان رياض عبد
الحميد مراد وروحية النحاس، ثم تلتها مجلدة أخرى ضمت تراجم (عبد الله
بن جابر- عبد الله بن زيد) تولى تحقيقها الأستاذ الدكتور شكري فيصل
والأستاذان سكينة الشهابي ومطاع الطرابيشي، ثم صدرت المجلدة الأخيرة من
الكتاب المشتملة على تراجم النساء وقد تولت تحقيقها الأستاذة سكينة
الشهابي، ثم صدرت بعض المجلدات الأخرى من الكتاب بتحقيق عدد من
الأفاضل، وقد ترامى إلى سمعي أن مؤسسة الرسالة في بيروت تزمع على إعادة
نشر الكتاب كاملا بتحقيق جديد ومنهج جديد.
(6/395)
أبو القاسم علي ابن الحسن بن هبة الله
الدمشقي [1] محدّث الشام، ثقة الدّين.
قال ابن شهبة [2] : فخر الشافعية وإمام أهل الحديث في زمانه وحامل
لوائهم، صاحب «تاريخ دمشق» وغيره من المؤلفات المفيدة المشهورة. مولده
في مستهل سنة تسع وتسعين وأربعمائة. رحل إلى بلاد كثيرة، وسمع الكثير
من نحو ألف وثلاثمائة شيخ وثمانين امرأة، وتفقّه بدمشق وبغداد، وكان
ديّنا خيّرا يختم في كل جمعة، وأما في رمضان ففي كل يوم، معرضا عن
المناصب بعد عرضها عليه، كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قليل
الالتفات إلى الأمراء وأبناء الدنيا.
قال الحافظ أبو سعد السمعاني في «تاريخه» : هو كثير العلم غزير الفضل،
حافظ، ثقة، متقن، ديّن، خيّر، حسن السمت، جمع بين معرفة المتون
والأسانيد، صحيح القراءة، متثبت، محتاط، رحل وبالغ في الطلب، إلى أن
جمع ما لم يجمع غيره، وصنّف التصانيف، وخرّج التخاريج.
وقال أبو محمد عبد القادر الرّهاوي: رأيت الحافظ السّلفي والحافظ أبا
العلاء الهمذاني، والحافظ أبا موسى المديني، ما رأيت فيهم مثل ابن
عساكر. توفي في رجب ودفن بمقبرة باب الصغير شرقي الحجرة التي فيها
معاوية، رضي الله عنه.
ومن تصانيفه المشهورة: «التاريخ الكبير» ثمانمائة [جزء في ثمانين وقد
قام الإمام ابن منظور باختصار الكتاب إلى نحو الربع، وتقوم دار الفكر
بدمشق بطبع هذا المختصر بتحقيق عدد من الأساتذة وقد صدرت معظم أجزائه.
وقام العلّامة الشيخ عبد القادر بدران الدّوماني الدمشقي بتهذيب هذا
«التاريخ» وقد طبع من تهذيبه سبع مجلدات، اعتنى بإخراج السادس والسابع
منها الأستاذ أحمد عبيد رحمه الله.
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 309- 311) و «العبر» (4/ 212- 213) و
«سير أعلام النبلاء» (20/ 554- 571) وكتابي «عناقيد ثقافية» ص (45- 51)
طبع دار المأمون للتراث بدمشق.
[2] انظر «طبقات الشافعية» (2/ 13- 15) .
(6/396)
مجلدا [1] ، «الموافقات» اثنان وسبعون
جزءا، «الأطراف للسنن الأربعة» ] [2] ثمانية وأربعون جزءا، «معجم
شيوخه» [3] اثنا عشر جزءا، «مناقب الشبان» خمسة عشر جزءا، «فضل أصحاب
الحديث» أحد عشر جزءا، «تبيين كذب المفتري على الشيخ أبي الحسن
الأشعري» مجلدة.
وقال الذهبي: ومن تصفّح «تاريخه» عرف منزلة الرجل في الحفظ.
وله شعر حسن، منه:
ألا إنّ الحديث أجلّ علم ... وأشرفه الأحاديث العوالي
وأنفع كلّ نوع [4] منه عندي ... وأحسنه الفرائد [5] والأمالي
وإنّك لن ترى للعلم شيئا ... يحقّقه كأفواه الرّجال
فكن يا صاح ذا حرص عليه ... وخذه من الرّجال بلا ملال
ولا تأخذه من صحف فترمى ... من التّصحيف بالدّاء العضال
وفيها حفدة العطّاري [6] ، الإمام مجد الدّين أبو منصور، محمد بن أسعد
بن محمد الطّوسي، الفقيه الشافعي، الأصولي الواعظ، تلميذ محيي السّنّة
البغوي، وراوي كتابيه «شرح السّنّة» و «معالم التنزيل» وقد دخل إلى
__________
[1] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «مجلدة» .
[2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[3] وهو مخطوط لم يطبع بعد ويقع في مجلدين.
وله أيضا «المعجم المشتمل على ذكر أسماء شيوخ الأئمة النبل» وقد قامت
بطبعه لأول مرة دار الفكر بدمشق بتحقيق الأستاذة سكينة الشهابي.
[4] في «آ» و «ط» : «كل يوم» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[5] في «آ» و «ط» : «الفوائد» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (3/ 310) .
[6] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (121/ ب) إلى «العطاردي» والتصحيح
من «وفيات الأعيان» (4/ 238- 239) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 539-
540) و «العبر» (4/ 213) و «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 76) . قال ابن
خلّكان: وحفدة: بفتح الحاء المهملة والفاء والدال المهملة، ولا أعلم لم
سمي بهذا الاسم مع كثرة كشفي عنه.
(6/397)
بخارى [وتفقه بها] [1] ثم عاد إلى أذربيجان
والجزيرة، وبعد صيته في الوعظ.
أنشد يوما على الكرسي من جملة أبيات:
تحية صوب [2] المزن يقرؤها الرّعد ... على منزل كانت تحلّ به هند
نأت فأعارتها [3] القلوب صبابة ... وعارية العشّاق ليس لها ردّ
قال ابن خلّكان: توفي في ربيع الآخر، ثم قال: وقيل سنة ثلاث وسبعين.
وفيها أبو النجم المبارك بن الحسن بن طراد الباماوردي [4] الفرضي
الحنبلي، المعروف بابن القابلة.
ولد سنة خمس وخمسمائة تقريبا، وسمع من طلحة العاقولي سنة عشر، وهو أقدم
سماع وجد له، ومن القاضي أبي الحسين بن الفرّاء، وأبي غالب الماوردي،
وغيرهم.
قال ابن الجوزي: كان عارفا بعلم الفرائض والحساب والدور، حسن العلم
بالجبر والمقابلة، وغامض الوصايا والمناسخات، أمّارا بالمعروف، شديدا
على أهل البدع، عارفا بمواقيت الشمس والقمر. توفي ليلة السبت لعشر بقين
من جمادى الأولى ودفن بمقبرة الطبري بقرية الزادمان [5] ظاهر بغداد.
وفيها أبو المحاسن المجمعي محمد بن عبد الباقي بن هبة الله بن حسين بن
شريف المجمعي الموصلي الحنبلي [6] .
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «صوت» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[3] في «وفيات الأعيان» : «فأعرناها» .
[4] انظر «المنتظم» (10/ 261) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 334- 335) .
[5] كذا في «آ» و «ط» و «المنتظم» : «الزادمان» وفي «ذيل طبقات
الحنابلة» : «الزاويان» .
[6] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 335) .
(6/398)
ذكره ابن القطيعي فقال: أحد فقهاء الحنابلة
المواصلة، ورد بغداد وتفقّه على القاضي أبي يعلى، وسمع بها الحديث
والأدب، وكان تاليا لكتاب الله تعالى، وجمع كتابا اشتمل على طبقات
الفقهاء من أصحاب الإمام أحمد.
قال: وكان بالموصل عمر الملّا مقدّما في بلده، فاتهم [1] بشيء من ماله،
وكان خصيصا به، فضربه إلى أن أشفى على التلف، ثم أخرجه إلى بيته، وبقي
أياما يسيرة، وتوفي في رجب- أو شعبان- بالموصل. وعمر هذا [2] كان يظهر
الزهد والديانة، وأظنه كان يميل إلى المبتدعة، وقد تبين بهذه الحكاية
أيضا، ظلمه وتعديه. قاله ابن رجب.
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «فاتهمه» .
[2] في «آ» : «وهذا محمد» وفي «ط» : «وهذا عمر» وأثبت لفظ «ذيل طبقات
الحنابلة» .
(6/399)
سنة اثنتين وسبعين
وخمسمائة
فيها أمر صلاح الدّين ببناء السور الكبير المحيط بمصر والقاهرة من
البرّ، وطوله تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة ذراع بالقاسمي، فلم يزل
العمل فيه إلى أن مات صلاح الدّين وأنفق عليه أموالا لا تحصى، وكان
مشيد بنائه قراقوش، وأمر أيضا بإنشاء قلعة الجبل، ثم توجه إلى
الإسكندرية، وسمع الحديث من السّلفي. قاله في «العبر» [1] .
وفيها كانت وقعة الكنز، جمع الكنز الأسود مقدّم السودان خلقا وجيّش
بالصعيد ليعيد دولة العبيديين، وسار إلى القاهرة في مائة ألف، فخرج
لحربه نائب مصر سيف الدّين أبو بكر العادل، فالتقوا، فانكسر الكنز وقتل
في المصاف.
قال أبو المظفر بن الجوزي: قيل: إنه قتل منهم ثمانون ألفا، يعني من
السودان.
وفيها توفي أبو محمد صالح بن المبارك بن الرّخلة الكرخي [2] المقرئ
القزاز. سمع النّعالي وغيره، وتوفي في صفر.
وفيها العثماني أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى الأموي
__________
[1] (4/ 213- 214) .
[2] انظر «العبر» (4/ 214) .
(6/400)
الدّيباجي، محدّث الإسكندرية بعد السّلفي
في الرتبة. روى عن أبي القاسم ابن الفحّام وغيره، ويعرف بابن أبي
اليابس. كان ثقة صالحا يقرئ النحو واللغة، وكان السّلفيّ يؤذيه ويرميه
بالكذب، فكان يقول: كل من بيني وبينه شيء فهو في حلّ إلّا السّلفي،
فبيني وبينه وقفة بين يدي الله تعالى. توفي في شوال عن ثمان وثمانين
سنة. قاله في «العبر» [1] .
وفيها أبو الحسن علي بن عساكر بن المرحّب بن العوّام البطائحي [2]
الضرير المقرئ الحنبلي الأستاذ. قرأ القراءات على أبي العز القلانسي،
وأبي عبد الله البارع، وطائفة، وتصدّر للإقراء، وأتقن الفنّ، وحدّث عن
أبي طالب بن يوسف وطائفة.
قال الشيخ موفق الدّين بن قدامة: كان مقرئ [3] أهل بغداد في وقته، وكان
عالما بالعربية، إماما في السّنّة.
قرأ عليه القراءات جماعة من الكبار، منهم: عبد العزيز بن دلف، وابن
الحميري.
وحدّث عنه جماعة، منهم ابن الأخضر، وعبد الغني المقدسي، وعبد القادر
الرّهاوي، وغيرهم.
توفي ليلة الثلاثاء ثامن عشري شعبان، وصلّى عليه من الغد الجواليقي،
ودفن بباب حرب.
وفيها محمد بن أحمد بن ماشاذه [4] أبو بكر الأصبهاني، المقرئ
__________
[1] (4/ 213- 214) .
[2] انظر «العبر» (4/ 215) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 335- 337) .
[3] تحرفت في «آ» إلى «يقرئ» .
[4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ماساده» والتصحيح من «العبر» (4/ 215) .
(6/401)
المحقّق. قرأ القراءات، وتفرّد بالسماع من
سليمان بن إبراهيم الحافظ، ومات في عشر المائة.
وفيها الأديب الرّفّاء أبو عبد الله محمد بن غالب الأندلسي [1] الشاعر
المشهور، ديوانه كله ملح.
ومن شعره في غلام نسّاج:
قالوا وقد أكثروا في حبّه عذلي ... لم ذا تهيم بمذّال ومبتذل
[2]
فقلت لو كان [3] أمري في الصّبابة لي ... لاخترت ذاك ولكن ليس ذلك لي
أحببته [4] حببيّ الثّغر عاطره ... حلو اللّمى ساحر الأجفان والمقل
غزيّل لم تزل في الغزل جائلة ... بنانه جولان الفكر في الغزل
جذلان تلعب بالمحواك [5] أنمله ... على السّدى لعب الأيام بالدّول
[6]
جذبا [7] بكفّيه أو فحصا بأخمصه ... تخبّط الظّبي في أشراك محتبل
وفيها أبو المعالي محمد بن مسعود [8] . خرج إلى الحجّ فمات.
ومن شعره:
ولمّا أن تولّيت القضايا ... وفاض الجور من كفّيك فيضا
ذبحت بغير سكّين وإنّي ... لأرجو الذّبح بالسكّين أيضا
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 432- 433) و «رايات المبرزين» ص (211-
213) بتحقيق الأستاذ الدكتور محمد رضوان الداية، و «سير أعلام النبلاء»
(21/ 74) .
[2] رواية البيت في «وفيات الأعيان» و «رايات المبرزين» :
قالوا وقد أكثروا في حبه عذلي ... لو لم تهم بمذال القدر مبتذل
[3] في «رايات المبرزين» : «لو أن» .
[4] في «رايات المبرزين» : «غلقته» .
[5] في «ط» : «المحراك» .
[6] في «رايات المبرزين» : «بالأمل» .
[7] في «رايات المبرزين» : «ضما» .
[8] انظر «النجوم الزاهرة» (6/ 79) .
(6/402)
وفيها أبو الفضل بن الشهرزوري [1] قاضي
القضاة كمال الدّين محمد ابن عبد الله بن القاسم بن المظفّر الموصلي
الشافعي.
ولد سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وتفقّه ببغداد على أسعد الميهني، وسمع
من نور الهدى الزّينبي، وبالموصل من جدّه لأمه علي بن طوق. وولي قضاء
بلده لأتابك زنكي، ثم وفد على نور الدّين فبالغ في تبجيله، وركن إليه
وصار قاضيه ووزيره ومشيره، ومن جلالته أن السلطان صلاح الدّين لما أخذ
دمشق وتمنّعت عليه القلعة أياما، مشى إلى دار القاضي كمال الدّين
فانزعج وخرج لتلقّيه، فدخل وجلس. وقال: طب نفسا فالأمر أمرك والبلد
بلدك.
قال ابن قاضي شهبة [2] : ولّاه نور الدّين قضاء دمشق سنة خمس وخمسين،
وهو الذي أحدث الشبّاك الكمالي الذي يصلي فيه نواب السلطنة اليوم، وبنى
مدرسة بالموصل، ومدرستين بنصيبين، ورباطا بالمدينة المنورة، ووقف
الهامة [3] على الحنابلة، وحكم في البلاد الشامية، واستناب ولده محيي
الدّين بحلب، وابن أخيه أبي القاسم في قضاء حماة، وابن أخيه الآخر في
قضاء حمص.
قال ابن عساكر: وكان يتكلم في الأصول كلاما حسنا، وكان أديبا شاعرا،
فكه المجالسة.
وقال صاحب «المرآة» [4] : لما قدم أحمد بن قدامة والد الشيخ أبي عمر
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 215- 216) و «النجوم الزاهرة» (6/ 79- 80) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 16) .
[3] الهامة: قرية صغيرة إلى الشمال الغربي من دمشق، ذات مناخ معتدل،
يخترق أراضيها نهر بردى، يقصد بساتينها أهل دمشق في فصل الصيف للتنزه
والاستجمام، وقد شهدت في السنوات العشر الأخيرة توسعا في العمران أتى
على خيرة أراضيها الزراعية الخصبة. ولم أقف على ذكر لها فيما بين يدي
من كتب البلدان.
[4] يعني «مرآة الزمان» وهو مترجم فيه (8/ 215- 216) .
(6/403)
إلى دمشق، خرج إليه القاضي كمال الدّين
ومعه ألف دينار، فعرضها عليه فلم يقبلها، فاشترى بها قرية الهامة، ووقف
نصفها على الشيخ أحمد والمقادسة، ونصفها [الآخر] على الأنباري [1] .
انتهى.
ومن شعر الشهرزوري:
وجاءوا عشاء يهرعون وقد بدا ... بجسمي من داء الصّبابة ألوان
فقالوا وكلّ معظم بعض ما يرى ... أصابتك عين قلت عين [2] وأجفان
وفيها مسلم بن ثابت بن زيد بن القاسم بن أحمد بن النحّاس البزّار
البغدادي المأموني [3] الفقيه الحنبلي، أبو عبد الله بن أبي البركات،
ويعرف بابن جوالق- بضم الجيم-.
ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة، وسمع من أبي علي بن نبهان، وتفقّه على
أبي الخطّاب الكلوذاني، وناظر وروى عنه ابن الأخضر. توفي يوم الأحد
عشري ذي الحجة، ودفن بمقبرة باب حرب.
وفيها أبو الفتح نصر بن سيّار [4] بن صاعد بن سيّار الكتّاني الهروي
الحنفي [5] القاضي شرف الدّين. كان بصيرا بالمذهب، مناظرا، ديّنا
متواضعا. سمع الكثير من جدّه القاضي أبي العلاء، والقاضي أبي عامر
الأزدي، ومحمد بن علي العميري، والكبار، وتفرّد في زمانه، وعاش سبعا
وتسعين سنة، وتوفي يوم عاشوراء، وهو آخر من روى «جامع الترمذي» عن أبي
عامر. قاله في «العبر» .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الأساري» والتصحيح من «طبقات الشافعية»
لابن قاضي شهبة.
[2] في «آ» و «ط» : «قل أن» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 337) .
[4] تحرفت في «آ» إلى «يسار» .
[5] انظر «العبر» (4/ 261) و «الجواهر المضية» (3/ 195) .
(6/404)
سنة ثلاث وسبعين
وخمسمائة
فيها كانت وقعة الرّملة، سار صلاح الدّين من مصر، فسبى وغنم ببلاد
عسقلان، وسار إلى الرّملة فالتقى الفرنج، فحملوا على المسلمين وهزموهم
وثبت [1] السلطان وابن أخيه تقي الدّين عمر، ودخل الليل، واحتوت الفرنج
على المعسكر بما فيه، وتمزّق العسكر وعطشوا في الرمال، واستشهد جماعة
[وتحيّز صلاح الدّين] [2] ونجا، ولله الحمد. وقتل ولد لتقيّ الدّين
عمر، وله عشرون سنة، وأسر الأمير الفقيه عيسى الهكّاري، وكانت نوبة
صعبة، ونزلت الفرنج على حماة وحاصرتها أربعة أشهر لاشتغال السلطان بلم
شعث العسكر.
وفيها توفي أرسلان [شاه] بن طغرل [3] بن محمد بن ملكشاه السلجوقي،
سلطان أذربيجان. كان له السكّة والخطبة، والقائم بدولته زوج أمه إلدكز
[4] ، ثم ابنه البهلوان، فلما توفي خطبوا لولده طغرل [5] الذي قتله
خوارزم شاه.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» : «وثبت» وفي «العبر» بطبعتيه: «وبيت» وانظر
«الكامل في التاريخ» (11/ 442- 443) .
[2] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» بطبعتيه.
[3] في «آ» و «ط» : «ابن طغربك» وفي «العبر» بطبعتيه: «ابن طغريل» وما
أثبته من «الكامل في التاريخ» (11/ 446) وعند ابن خلّكان في «وفيات
الأعيان» (5/ 208) : «ابن طغرلبك» .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى: «الزكر» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه.
[5] في «آ» و «ط» : «طغربك» وفي «العبر» بطبعتيه: «طغربل» وما أثبته من
«الكامل في التاريخ» (11/ 446) .
(6/405)
وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد بن المبارك
بن أحمد بن بكروس ابن سيف الدّينوري ثم البغدادي ويعرف بابن أبي العز،
وبابن الحمّامي [1] الفقيه الحنبلي، الزاهد العابد، قرأ بالروايات على
جماعة، وسمع من ابن كادش وغيره، وتفقّه على أبي بكر الدّينوري، وكان
رفيق ناصح الإسلام بن المنيّ [2] وبنى مدرسة ببغداد ودرّس بها، وتفقّه
عليه جماعة، منهم: الشيخ فخر الدّين بن تيمية.
وروى عنه الشيخ موفق الدّين، وكان متزوجا بابنة ابن الجوزي. وتوفي يوم
الثلاثاء خامس صفر، وكان له يوم مشهود وتوفي شابا.
وفيها صدقة بن الحسين بن بختيار بن الحداد البغدادي [3] الفقيه
الحنبلي، الأديب الشاعر المتكلم الكاتب المؤرخ، أبو الفرج.
ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة، وقرأ بالروايات، وسمع الحديث من أبي
السعادات المتوكل وغيره، وتفقّه على ابن عقيل وابن الزّاغوني، وبرع في
الفقه وفروعه وأصوله، وقرأ علم الكلام والمنطق والفلسفة والحساب
ومتعلقاته من الفرائض وغيرها، وكتب خطا حسنا صحيحا، وقال الشعر الحسن،
وأفتى، وتردد إليه الطلبة في فنون العلم، وروى عنه ابن شافع، وابن
ريحان، وغيرهما.
قال ابن النجار: وله مصنفات حسنة في الأصول، وجمع تاريخا على السنين،
بدأ فيه من وفاة شيخه ابن الزاغوني سنة سبع وعشرين وخمسمائة، مذيلا به
على تاريخ شيخه، ولم يزل يكتب فيه إلى قريب وفاته، وكان قوته
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 338) .
[2] في «آ» : «ابن المثنى» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 339- 342) .
(6/406)
من أجرة نسخه، ولم يزل قليل الحظّ منغّص
العيش، وحطّ عليه ابن الجوزي في «تاريخه» [1] ونسبه إلى الحيرة والشك.
وفيها الوزير أبو الفرج محمد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفّر بن
رئيس الرؤساء الوزير أبي القاسم علي بن المسلمة [2] . روى عن ابن
الحصين وجماعة، ووزر للمستضيء، ولقّب عضد الدّين. وكان جوادا سريّا
معظّما مهيبا، خرج للحجّ في تجمل عظيم، فوثب عليه واحد من الباطنية
فقتله في أوائل ذي القعدة عن تسع وخمسين سنة.
وفيها أبو محمد بن المأمون الأديب، صاحب «التاريخ» هارون بن العبّاس بن
محمد العبّاسي المأموني البغدادي [3] الأديب. روى عن قاضي المارستان
وشرح «مقامات الحريري» . توفي في ذي الحجّة كهلا.
وفيها لاحق بن علي بن كاره، أخو دهبل البغدادي [4] . روى عن أبي القاسم
بن بيان وغيره، وتوفي في نصف شعبان عن ثمان وسبعين سنة.
وفيها أبو شاكر السّقلاطوني يحيى بن يوسف بن بالان الخباز [5] . روى عن
ثابت بن بندار، والحسين بن البسري وجماعة، وتوفي في شعبان.
__________
[1] انظر «المنتظم» (10/ 276) .
[2] انظر «العبر» (4/ 217) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 75- 77) .
[3] انظر «العبر» (4/ 217- 218) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 52- 53) .
[4] انظر «العبر» (4/ 218) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 77) .
[5] انظر «العبر» (4/ 218) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 64) .
(6/407)
سنة أربع وسبعين
وخمسمائة
فيها أخذ ابن قرايا الرافضي، الذي ينشد في الأسواق ببغداد، فوجدوا في
بيته سبّ الصحابة، فقطعت يده ولسانه، ورجمته العامة، فهرب وسبح،
فألحّوا عليه بالآجر فغرق فأخرجوه وحرقوه [1] ، ثم وقع التقبح على
الرافضة وأحرقت كتبهم وانقمعوا حتّى صاروا في ذلة اليهود، وهذا شيء لم
يتهيأ ببغداد من نحو مائتين وخمسين سنة.
وفيها خرج نائب دمشق فرخ شاه ابن أخي السلطان، فالتقى الفرنج فهزمهم،
وقتل مقدمهم هنفري [2] الذي كان يضرب به المثل في الشجاعة.
وفيها توفي أبو أحمد أسعد بن بلدرك البغدادي البواب المعمّر [3] في
ربيع الأول، عن مائة وأربع سنين، ولو سمع في صغره لبقي مسند العالم.
سمع من أبي الخطّاب بن الجرّاح، وأبي الحسين بن العلّاف.
وفيها أبو العباس أحمد بن أبي غالب بن أبي عيسى بن شيخون الأبرودي
الجبابيني- نسبة إلى الجبابين بكسر الموحدة الثانية وتحتية ونون،
__________
[1] انظر رواية مقتله عند ابن كثير في «البداية والنهاية» (12/ 300)
فقد توسع في الكلام عليه هناك.
[2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «هنقري» بالقاف، والتصحيح من «الكامل في
التاريخ» (11/ 537) و «وفيات الأعيان» (7/ 176) و «العبر» (4/ 219) .
[3] في «آ» و «ط» : «أحمد بن أسعد بن بلدرك» والتصحيح من «سير أعلام
النبلاء» (20/ 578) .
(6/408)
قرية ببغداد [1]- الفقيه الحنبلي الضرير.
دخل بغداد في صباه، وحفظ القرآن، وقرأ بالروايات على أبي محمد سبط
الخيّاط، وسمع منه الحديث، ومن سعد الخير الأنصاري، ومن جماعة دونهما،
وقرأ الفقه وحصّل منه طرفا صالحا، وكان صالحا صدوقا، توفي يوم الجمعة
عاشر رجب، وصلّي عليه يومئذ ودفن بمقبرة الإمام أحمد عن نيف وأربعين
سنة.
وفيها الحيص بيص شهاب الدّين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد ابن صيفيّ
التّميمي [2] الشاعر المشهور، وله ديوان معروف. كان وافر الأدب، متضلعا
من اللغة، بصيرا بفقه الشافعية والمناظرة.
قال ابن خلّكان: كان لا يخاطب أحدا إلّا باللغة العربية، ويلبس على زي
العرب، ويتقلد سيفا، فرأى الناس في حركة مزعجة فقال: ما للناس حيص بيص،
فلقّب بذلك.
وقال: تفقّه بالرّيّ على القاضي محمد بن عبد الكريم المعروف بالوزّان،
وتميّز فيه، وتكلّم في الخلاف، إلّا أنه غلب عليه [الأدب، ونظم] [3]
الشعر. سمع الحديث، وحدّث. وقال: توفي في سادس شعبان ودفن من الغد غربي
بغداد بمقابر [4] قريش. انتهى.
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : وسموا ابنه هرج مرج، وابنته دخل
خرج.
حكى نصر بن مجلّي- وكان من أهل السّنّة- أنه رأى عليّ بن أبي طالب-
كرّم الله وجهه- في النوم، فقال له: يا أمير المؤمنين! تفتحون مكّة
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 343) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 362- 365) و «العبر» (4/ 219) و «سير
أعلام النبلاء» (21/ 61- 62) و «البداية والنهاية» (12/ 301- 302) .
[3] زيادة من «وفيات الأعيان» (2/ 263) .
[4] في «آ» : «بمقبرة» .
(6/409)
فتقولون من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم
يتم على ولدك الحسين يوم الطفّ ما تمّ؟ فقال: أما سمعت أبيات ابن صيفي
في هذا المعنى؟ فقلت:
لا. قال: أسمعها منه. فاستيقظت، فأتيت إلى دار الحيص بيص فذكرت له
المنام، فشهق وبكى، وحلف أنها ما خرجت من فمه لأحد، ولم ينظمها إلّا في
ليلته، ثم أنشدني:
ملكنا فكان العفو منّا سجية ... فلمّا ملكتم سال بالدّم أبطح
وحلّلتم قتل الأسارى وطالما ... غدونا على الأسرى نمنّ [1] ونصفح
وحسبكم هذا التّفاوت بيننا ... وكلّ وعاء بالذي فيه ينضح
وقال غيره: خرج حيص بيص ليلة ثملا، فرأى في طريقه جرو كلب، فضربه بسيفه
فقتله، فعمد بعض الظرفاء إلى أبيات وعلقها في عنق أمه، وأدخلها ديوان
الوزير هيئة مشتكية، ففضّت الورقة، فإذا فيها:
يا أهل بغداد إن الحيص بيص أتى ... بخزية أكسبته العار في البلد
أبدى شجاعته في اللّيل مجترئا ... على جريّ ضعيف البطش والجلد
فأنشدت أمّه من بعد ما احتسبت ... دم الأبيلق عند الواحد الصّمد
لا أعتب الدّهر والأيام ما صنعت ... كلتا يديّ أصابتني ولم أرد
كلاهما خلف من فقد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي
يشير إلى قول [2] أعرابية قتل أخوها ولدها، والله أعلم.
وفيها شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج الدّينوري ثم البغدادي [3]
الكاتبة المسندة، فخر النساء. كانت ديّنة عابدة صالحة. سمّعها أبوها
الكثير، وصارت مسندة العراق، وروت عن طراد، وابن البطر، وطائفة، وكانت
ذات
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «نعفّ» .
[2] تحرفت في «آ» إلى «قتل» .
[3] انظر «العبر» (4/ 220) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 542- 543) .
(6/410)
برّ وخير، توفيت في رابع عشر المحرم، عن
نيف وتسعين سنة.
وفيها أبو رشيد عبد الله بن عمر الأصبهاني [1] ، آخر من بقي بأصبهان من
أصحاب الرئيس الثّقفي.
وفيها أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفي [2] أخو عبد
الحق. روى عن ابن بيان وجماعة، وكان خيّاطا ديّنا، توفي بمكّة وله
سبعون سنة.
وفيها أبو الخطّاب العليميّ عمر بن محمد بن عبد الله الدمشقي [3]
التّاجر السفّار. طلب بنفسه، وكتب الكثير في تجارته بالشام، ومصر،
والعراق، وما وراء النهر. روى عن نصر الله المصّيصي، وعبد الله بن
الفراوي، وطبقتهما، وتوفي في شوال عن أربع وخمسين سنة.
وفيها أبو عبد الله بن المجاهد، الزاهد القدوة، محمد بن أحمد بن عبد
الله الأنصاري الأندلسي [4] عن بضع وثمانين سنة. قرأ العربية، ولزم أبا
بكر بن العربي مدة.
قال [ابن] الأبّار: كان المشار إليه في زمانه بالصلاح، والورع،
والعبادة، وإجابة الدعوة، وكان أحد أولياء الله الذين تذكر به رؤيتهم.
آثاره مشهورة وكراماته معروفة، مع الحظّ الوافر من الفقه والقراءات.
وفيها محمد بن عبد نسيم العيشوني [5] . روى عن ابن العلّاف، وابن
نبهان، وقع من سلّم فمات في الحال في جمادى الآخرة. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 220) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 576) .
[2] انظر «العبر» (4/ 220) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 48- 49) .
[3] انظر «العبر» (4/ 220) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 49- 50) .
[4] انظر «العبر» (4/ 220- 221) .
[5] انظر «العبر» (4/ 221) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 543) .
(6/411)
سنة خمس وسبعين
وخمسمائة
فيها كما قال في «الشذور» وقعت زلزلة فوق بلاد إربل فتصادمت منها
الجبال، وكان هناك نهر أحمر ماؤه من دماء الهالكين.
وفيها نزل صلاح الدّين على بانياس، وأغارت سراياه على الفرنج، ثم أخبر
بمجيء الفرنج، فبادر في الحال وكبسهم، فإذا هم في ألف قنطارية وعشرة
آلاف راجل، فحملوا على المسلمين فثبتوا لهم [1] ثم حمل المسلمون
فهزموهم ووضعوا فيهم السيف، ثم أسروا مائتين وسبعين أسيرا، منهم مقدّم
الدّيويّة [2] فاستفكّ نفسه بألف أسير وبجملة من المال، وأما ملكهم
فانهزم جريحا.
وفيها توفي أحمد بن أبي الوفاء عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الصمد بن
محمد بن الصائغ البغدادي [3] الفقيه الحنبلي الإمام، أبو الفتح، نزيل
حرّان.
ولد ببغداد سنة تسعين وأربعمائة، ولزم أبا الخطّاب الكلوذاني وخدمه
وتفقّه عليه، وسمع منه ومن ابن بيان، وسافر إلى حلب وسكنها، ثم استوطن
__________
[1] في «العبر» بطبعتيه: «فبيتوا لهم» .
[2] قال الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد في تعليقه على «العبر» :
ويسمون أيضا: «الداوية» وهم المسلمون بالفرنسية.
[3] انظر «العبر» (4/ 222) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 347- 348) .
(6/412)
حرّان إلى حين وفاته، وكان هو المفتي
والمدرّس بها، وقرأ عليه الفقه جماعة، منهم: الشيخ فخر الدّين بن
تيمية، وسمع منه جماعة، منهم: ابن عبدوس، والعماد المقدسي، وأبو الحسن
بن القطيعي، وروى عنه في «تاريخه» .
قال: وأنشدني أبو الخطّاب الكلوذاني لنفسه:
أنا شيخ وللمشايخ بالآ ... داب علم يخفى على الشبّان
فإذا ما ذكرتني فتأدّب ... فهو فرض يردّ بالميزان
وفيها إسماعيل بن موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن بن محمد بن
الجواليقي [1] الأديب بن الأديب أبو محمد بن أبي منصور الحنبلي.
ولد في شعبان سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، وسمع من أبي الحصين، وأبي
الحسين بن الفرّاء وغيرهما، وقرأ القرآن والأدب على أبيه، وكان عالما
باللغة، والعربية، والأدب، وله سمت حسن، وقام مقام أبيه في دار
الخلافة.
قال ابن الجوزي: ما رأينا ولدا أشبه أباه مثله، حتّى في مشيه وأفعاله،
وتوفي يوم الجمعة منتصف شوال ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وقال ابن النجار: كان من أعيان العلماء بالأدب، صحيح النقل، كثير
المحفوظ، حجّة ثقة نبيلا، مليح الخطّ.
وفيها أبو يحيى اليسع بن عيسى بن حزم الغافقي [2] المقرئ. أخذ القراءات
عن أبيه، وأبي الحسن شريح، وطائفة، وأقرأ بالإسكندرية، والقاهرة،
واستملى عليه السلطان صلاح الدّين، وقرّبه واحترمه، وكان فقيها
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 346- 347) و «سير أعلام النبلاء»
(20/ 91) .
[2] انظر «العبر» (4/ 222) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 544- 545) .
(6/413)
مفتيا محدّثا مقرئا نسابة أخباريا، بديع
الخطّ، وقيل: هو أول من خطب بالدعوة العباسية بمصر، توفي في رجب.
وفيها تجنّي الوهبانية [1] أم عتب [2] . آخر من روى في الدّنيا بالسماع
عن طراد، والنّعالي. توفيت في شوال.
وفيها المستضيء بأمر الله، أبو محمد الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن
المقتفي محمد بن المستظهر أحمد بن المقتدي العبّاسي [3] بويع بعد أبيه
في ربيع الآخر سنة ست وستين، ونهض بخلافته الوزير عضد الدّين ابن رئيس
الرؤساء فاستوزره، وكان ذا دين وحلم وأناة ورأفة ومعروف زائد، وأمه
أرمنية، عاش خمسا وأربعين سنة، وخلّف ولدين أحمد الناصر وهاشما.
قال ابن الجوزي في «المنتظم» : أظهر من العدل والكرم ما لم نره في
أعمارنا، وفرّق مالا عظيما في الهاشميين وفي المدارس، وكان ليس للمال
عنده وقع.
وقال الذهبي: كان يطلب ابن الجوزي ويأمر بعقد مجلس الوعظ، ويجلس بحيث
يسمع ولا يرى، وفي أيامه اختفى الرفض [ببغداد ووهى، وأما بمصر والشام
فتلاشى، وزالت دولة العبيديين أولي الرفض] [4] وخطب له بديار مصر وبعض
المغرب واليمن.
وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» : ولما استخلف خلع على أرباب الدولة
وغيرهم فحكى خيّاط المخزن أنه فصل ألفا وثلاثمائة قباء إبريسم،
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 223) - وقد تحرفت «الوهبانية» فيه وفي طبعة بيروت
منه إلى «الوهّابية» - و «سير أعلام النبلاء» (20/ 550- 551) .
[2] في «مشتبه النسبة» للذهبي (1/ 110) : «ويقال: أم الحباء» .
[3] انظر «العبر» (4/ 223- 224) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 68- 72) و
«تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (444- 448) .
[4] ما بين حاصرتين سقط من «آ» .
(6/414)
وخطب له على منابر بغداد، ونثرت الدنانير
كما جرت العادة، وولّى روح الحديثي القضاء، وأمر سبعة عشر مملوكا.
وللحيص بيص فيه:
يا إمام الهدى علوت عن الجو ... د بمال وفضّة ونضار
فوهبت الأعمار والأمن والبل ... دان في ساعة مضت من نهار
فبماذا نثني عليك وقد جا ... وزت فضل البحور والأمطار
[1]
إنما أنت معجز مستقلّ ... خارق للعقول والأفكار
جمعت نفسك الشريفة بالبأ ... س وبالجود بين ماء ونار
قال ابن الجوزي: واحتجب المستضيء عن أكثر الناس فلم يركب إلّا مع
الخدم، ولم يدخل عليه غير قيماز، وفي خلافته انقضت، دولة بني عبيد،
وخطب له بمصر وضربت السكة باسمه، وجاء البشير بذلك، فغلّقت الأسواق
ببغداد، وعملت القباب، وصنّفت كتابا سميته «النصر على مصر» . هذا كلام
ابن الجوزي.
وللعماد الكاتب قصيدة في ذلك منها:
قد خطبنا للمستضيء بمصر ... نائب المصطفى إمام العصر
وخذلنا لنصره العضد العا ... ضد والقاصر الذي بالقصر
وتركنا الدّعيّ [2] يدعو ثبورا ... وهو بالذّل تحت حجر وحصر
وتوفي المستضيء في ذي القعدة عن ست وثلاثين سنة.
وفيها أبو الحسين عبد الحقّ بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفيّ [3] الشيخ
الثقة، عن إحدى وثمانين سنة. أسمعه أبوه الكثير من أبي القاسم
__________
[1] في «آ» : «والأقطار» .
[2] في «آ» : «المدعي» وهو تحريف، وأثبت لفظ «ط» و «تاريخ الخلفاء» .
[3] انظر «العبر» (4/ 224) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 552- 554) و
«دول الإسلام» (2/ 88) .
(6/415)
الرّبعي، وابن الطّيوري، وجعفر السرّاج،
وطائفة، ولم يحدّث بما سمعه حضورا تورعا، وكان فقيرا، صالحا، متعففا،
كثير التلاوة جدا، توفي في جمادى الأولى.
وفيها أبو الفضل عبد المحسن بن تريك [1] الأزجي البيّع. روى عن ابن
بيان وجماعة. توفي يوم عرفة.
وفيها أبو المحاسن عمر بن علي بن الخضر بن عبد الله بن علي القرشي
الزّبيري الدمشقي [2] القاضي الحافظ، نزيل بغداد، وسمع من أبي الدّرّ
ياقوت الرّومي وطائفة بدمشق، ومن أبي الوقت والناس ببغداد، وصحب أبا
النجيب السّهروردي، وولي قضاء الحريم. توفي في ذي الحجّة وله خمسون
سنة.
قال ابن ناصر الدّين [3] : هو حافظ رحال ثقة مأمون.
وفيها أبو هاشم الدّوشابي- بضم الدال المهملة ومعجمة وباء موحدة، نسبة
إلى الدّوشاب وهو الدّبس- عيسى بن أحمد الهاشمي العبّاسي البغدادي
الهرّاس [4] . روى عن الحسين بن البسري وغيره، وتوفي في رجب.
وفيها أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة اللّمتوني الإشبيلي [5] ،
المقرئ الحافظ، صاحب شريح. فاق الأقران في ضبط القراءات، وسمع الكثير
من أبي مروان الباجي، وابن العربي، وخلق، وبرع
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن نزيك» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (4/
224) و «النجوم الزاهرة» (6/ 86) .
[2] انظر «العبر» (4/ 224) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 105- 106) و
«النجوم الزاهرة» (6/ 86) .
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (168/ آ) .
[4] انظر «العبر» (4/ 225) و «النجوم الزاهرة» (6/ 86) .
[5] انظر «العبر» (4/ 225) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 85- 86) .
(6/416)
أيضا في الحديث، واشتهر بالإتقان وسعة
المعرفة بالعربية. توفي في ربيع الأول عن ثلاث وسبعين سنة.
قال ابن ناصر الدّين [1] : لم يكن له نظير في الإتقان.
وفيها أبو بكر الباقداري- بكسر القاف بعد الموحدة والألف وبإهمال الدال
والراء، نسبة إلى باقدارى بالقصر من قرى بغداد [2]- محمد بن أبي غالب
ابن أحمد بن أحمد بن مرزوق بن أحمد الضرير [3] الحافظ. سمع أبا محمد
سبط الخيّاط فمن بعده، وبرع في الحديث حتّى صار ابن ناصر يسأله ويرجع
إلى قوله، وكان حنبليّ المذهب.
قال ابن الدّبيثي [4] : انتهى إليه معرفة رجال الحديث وحفظه، وعليه كان
المعتمد فيه، توفي كهلا لخمس بقين من ذي الحجّة ببغداد.
وفيها أبو عبد الله الوهراني محمد بن محرز ركن الدّين وقيل جمال الدّين
[5] المقرئ الأديب الكاتب، صاحب المزاح والدعابة والمنام الطويل، الذي
جمع أنواعا من المجون والأدب. مات في رجب بدمشق. قاله في «العبر» .
وقال ابن خلّكان: هو أحد الفضلاء الظرفاء، قدم من بلاده إلى البلاد
المصرية في أيام السلطان صلاح الدّين- رحمه الله تعالى- وفنّه الذي
يمتّ به صناعة الإنشاء، فلما دخل البلاد رأى بها القاضي الفاضل، وعماد
الدّين الأصبهاني الكاتب، وتلك الحلبة علم من نفسه أنه ليس في طبقتهم
ولا تنفق سلعته مع وجودهم، فعدل عن طريق الجدّ وسلك طريق الهزل، وعمل
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (167/ ب) .
[2] انظر «معجم البلدان» (1/ 327) وهو مترجم فيه.
[3] انظر «العبر» (4/ 225) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 146) .
[4] في «آ» و «ط» : «ابن الزّينبي» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» و
«سير أعلام النبلاء» .
[5] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 385- 386) و «العبر» (4/ 225- 226) .
(6/417)
المنامات والرسائل المشهورة والمنسوبة
إليه، وهي كثيرة بأيدي الناس، وفيها دلالة على خفة روحه ورقة حاشيته
وكمال ظرفه، ولو لم يكن فيها إلّا المنام الكبير لكفاه، فإنه أتى فيه
بكل حلاوة، ولولا طوله لذكرته، ثم إن الوهراني المذكور تنقل في البلاد
وأقام بدمشق زمانا، وتوفي في رجب.
ونقلت من خطّ القاضي الفاضل: وردت الأخبار من دمشق في سابع عشر رجب
بوفاة الوهراني، رحمه الله تعالى.
والوهراني: بفتح الواو وسكون الهاء وفتح الراء وبعد الألف نون، هذه
النسبة إلى وهران مدينة كبيرة على أرض القيروان، بينها وبين تلمسان
مسافة يوم وهي على البحر الشامي [1] ، خرج منها جماعة من العلماء
وغيرهم.
وفي بعض نسخ ابن خلّكان، ثم إن الوهرانيّ المذكور تنقل في البلاد وأقام
بدمشق زمانا، وتولى الخطابة بداريّا، وهي قرية على باب دمشق في الغوطة،
وتوفي سنة خمس وسبعين وخمسمائة بداريّا، ودفن على باب تربة الشيخ أبي
سليمان الدّاراني، رحمه الله تعالى. انتهى ما أورده ابن خلّكان.
وفيها أبو محمد بن الطبّاخ المبارك بن علي بن الحسين بن عبد الله ابن
محمد الطبّاخ البغدادي [2] نزيل مكّة وإمام الحنابلة بالحرم، المحدّث
الحافظ. سمع الكثير ببغداد من ابن الطّيوري، وابن كادش وغيرهما، وتفقّه
بالقاضي أبي الحسين، وابن الزّاغوني، وكان صالحا دينا ثقة، حافظ مكّة
في زمانه والمشار إليه بالعلم بها، وأخذ عنه ابن عبدوس وغيره، وتوفي في
ثاني شوال بمكّة، وكان يوم جنازته مشهودا، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو الفضل متوجهر بن محمد بن تركانشاه [3] الكاتب. كان أديبا
__________
[1] قلت: وهي الآن في الجزائر المعاصرة إلى الشمال الغربي منها على
شاطئ البحر الأبيض المتوسط.
[2] انظر «العبر» (4/ 226) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 554) .
[3] في «العبر» (4/ 226) : «ابن تركشاه» ولم يرد للفظة ذكر في «مرآة
الجنان» (3/ 402) .
(6/418)
فاضلا، مليح الإنشاء، حسن الطريقة، كتب
للأمير قايماز المستنجدي، وروى «المقامات» عن الحريري مرارا، وروى عن
هبة الله بن أحمد الموصلي وجماعة، وتوفي في جمادى الأولى، وله ست
وثمانون سنة.
وفيها أبو منصور المظفّر بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسين ابن محمد
بن خلف بن الفرّاء [1] .
ولد سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وسمع الحديث، وبرع في مذهب الحنابلة
أصولا وفروعا، وناظر وتأدب، وقال الشعر الجيد.
ومن شعره:
لست أنسى من سليمى قولها ... يوم جدّ البين مني وبكت
قطع الله يد الدّهر لقد ... قرطست إذ بالنّوى شملي رمت
فجرى دمعي لمّا سمعت [2] ... ووعت أذناي منها ما وعت
يا لها من قولة عن ناظري ... نومة طول حياتي قد نفت
توفي في عنفوان شبابه يوم الجمعة، لخمس عشرة خلت من شوال، ودفن بمقبرة
الإمام أحمد.
وفيها أبو عمر بن عيّاد الأستاذ المقرئ المحقّق، يوسف بن عبد الله ابن
سعيد [3] الأندلسي الحافظ. قدم بلنسية وأخذ القراءات عن أبي مروان بن
الصّيقل [4] ، وابن هذيل، وسمع من طارق بن يعيش وجماعة، وعني بصناعة
الحديث، وكتب العالي والنازل، وبرع في معرفة الرجال، وصنّف التصانيف
الكثيرة، وعاش سبعين سنة.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 343- 344) .
[2] في «آ» و «ط» : «لما قد سمعت» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] في «آ» و «ط» : «ابن سعد» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (21/
181) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الصقيل» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء»
.
(6/419)
|