شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وسبعين
وخمسمائة
فيها نزل السلطان صلاح الدّين على حصن من بلاد الأرمن فافتتحه وهدمه،
ثم رجع فوافاه التقليد وخلع السلطنة بحمص من النّاصر لدّين الله، فركب
بها هناك، وكان يوما مشهودا.
وفيها أبو طاهر السّلفيّ الحافظ العلّامة الكبير، مسند الدّنيا، ومعمّر
الحفّاظ أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني
الجرواءاني- وجرواءان [1] محلّة بأصبهان. وسلفة، بكسر المهملة لقب جدّه
أحمد، ومعناه غليظ الشفة- سمع من أبي عبد الله الثقفي، وأحمد بن عبد
الغفّار بن أشته، ومكّي السلّار، وخلق كثير بأصبهان، خرّج عنهم في
«معجم» [2] وحدّث بأصبهان في سنة اثنتين وتسعين. قال: وكنت ابن سبع
عشرة سنة، أكثر أو أقل، ورحل سنة ثلاث فأدرك أبا الخطاب بن البطر
ببغداد، وتفقه بها بإلكيا الهرّاسي، وأبي بكر الشّاشي، وغيرهما، وعمل
«معجما» لشيوخ بغداد،
__________
[1] وكذا ضبطها السمعاني في «الأنساب» (3/ 236) وضبطها ياقوت في «معجم
البلدان» (2/ 130) : «جرواءان» بالضم ثم السكون، وواو، وألفين بينهما
همزة وآخره نون.
[2] واسمه الكامل «معجم السّفر» وقد نشره- أو نشر قسما منه فيما أعلم-
المكتب الإسلامي ببيروت بتحقيق الدكتور حسن عبد الحميد رحمه الله
تعالى.
(6/420)
ثم حجّ، وسمع بالحرمين، والكوفة، والبصرة،
وهمذان، وزنجان [1] والرّيّ، والدّينور، وقزوين، وأذربيجان [2] ،
والشام، ومصر، فأكثر وأطاب، وتفقّه فأتقن مذهب الشافعي، وبرع في الأدب
وجوّد القرآن بالرّوايات، واستوطن الإسكندرية بضعا وستين سنة، مكبا على
الاشتغال، والمطالعة، والنسخ، وتحصيل الكتب، وقد أفردت أخباره في «جزء»
وجاوز المائة بلا ريب، وإنما النزاع في مقدار الزيادة، ومكث نيفا
وثمانين سنة يسمع عليه.
قال الذّهبيّ [3] : ولا أعلم أحدا مثله في هذا.
وقال ابن عساكر [4] : سمع السّلفيّ ممن لا يحصى، ومات يوم الجمعة بكرة
خامس ربيع الآخر، وتزوّج بالإسكندرية امرأة ذات يسار، [فسلّمت إليه
مالها] وحصلت له ثروة بعد فقر، وصارت له بالإسكندرية وجاهة، وبنى له
العادل علي بن إسحاق بن السّلّار أمير مصر مدرسة بالإسكندرية.
وقال ابن السمعاني: هو ثقة ورع متقن متثبت حافظ فهم، له حظّ من
العربية.
وفيها شمس الدولة الملك المعظم توران شاه- ومعناه ملك المشرق- بن أيوب
بن شاذي، وكان أسنّ من أخيه السلطان صلاح الدّين، وكان يحترمه ويتأدّب
معه، سيّره فغزا النوبة، فسبى وغنم، ثم بعثه فافتتح اليمن، وكانت بيد
الخوارج الباطنية، وأقام بها ثلاث سنين، ثم اشتاق إلى طيب الشام
ونضارتها، فقدم وناب بدمشق لأخيه، وكان أرسله أخوه قبل فتحه اليمن إلى
بلاد الرّوم ليفتحها، فوجدها لا تساوي التعب فرجع عنها بغنائم
__________
[1] تحرفت في «آ» إلى «زنجار» .
[2] تكرر ذكر «زنجان» هنا مرة أخرى فحذفته.
[3] انظر «العبر» (4/ 228) .
[4] انظر «تاريخ دمشق» (7/ 180) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف، وما بين
حاصرتين زيادة منه.
(6/421)
كثيرة ورقيق كثير، وتحول من الشام إلى مصر
في سنة أربع وسبعين ثم مات بالإسكندرية في صفر هذه السنة، فنقلته أخته
ستّ الشام ودفنته في مدرستها المعروفة بها بمحلّة العونيّة، ودفنت هي
معه وولدها، وكان توران من أجود النّاس وأسخاهم، غارقا في اللّذات، مات
وعليه مائتا ألف دينار فوفاها عنه أخوه صلاح الدّين.
قال الفاضل مهذب الدّين أبو طالب محمد بن علي الخيمي، نزيل مصر: رأيته
في النّوم فمدحته وهو في القبر، فلف كفنه ورماه إليّ وقال:
لا تستقلّنّ معروفا سمحت به ... ميتا وأصبحت منه عاري البدن
[1]
ولا تظننّ جودي شابه بخل ... من بعد بذلي ملك الشّام واليمن
إني خرجت من الدّنيا وليس معي ... من كلّ ما ملكت كفّي سوى كفني
وفيها أبو الحسن علي بن محمد [2] بن المبارك بن أحمد بن بكروس الحنبلي
البغدادي الفقيه، أخو أبي العبّاس أحمد.
ولد يوم الاثنين ثالث رجب، سنة أربع وخمسمائة، وسمع الحديث من ابن
الحصين، وابن السمرقندي، وغيرهما.
وتفقّه في المذهب، وبرع، وأفتى، وناظر ودرّس بمدرسة أخيه آخرا، وصنّف
في المذهب، وله كتاب «رؤوس المسائل» وكتاب «الأعلام» وحدّث وسمع منه
جماعة، منهم: ابن القطيعي، وروى عنه في «تاريخه» ولزم بيته في آخر عمره
لمرض حصل له إلى أن توفي يوم الاثنين ثالث ذي الحجة، ودفن بمقبرة
الإمام أحمد.
__________
[1] في «وفيات الأعيان» (1/ 309) : «فأمسيت منه عاريا بدني» .
[2] في «آ» و «ط» : «عبد الله بن محمد» وما أثبته من «ذيل طبقات
الحنابلة» (1/ 348) .
(6/422)
وفيها أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن
بن أحمد بن علي بن صابر الدّمشقي.
ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة، وعني بالحديث. أسمعه أبوه الكثير من
النّسيب، وأبي طاهر الحنّائي [1] وطبقتهما، ولعب في شبابه، وباع أصول
أبيه في شبابه بالهوان. توفي في رجب على طريقة حسنة.
وفيها أبو المفاخر المأموني، راوي «صحيح مسلم» بمصر سعيد بن الحسين بن
سعيد العبّاسي. روى الحديث هو وابنه وحفيده ونافلته.
وفيها أبو الفهم بن أبي العجائز الأزدي الدمشقي، واسمه عبد الرحمن بن
عبد العزيز بن محمد، وهو راوي حديث سحنام عن أبي طاهر الحنّائي.
وفيها أبو الحسن بن العصّار النّحوي علي بن عبد الرحيم السّلمي الرّقّي
ثم البغدادي. كان علّامة في اللغة، حجّة في العربية. أخذ عن ابن
الجواليقي، وكتب الكثير بخطه الأنيق، وروى عن أبي الغنائم بن المهتدي
بالله وغيره، وخلّف مالا طائلا، وإليه انتهى علم اللغة، توفي في المحرم
عن ثمان وستين سنة.
وفيها السلطان غازي سيف الدّين، صاحب الموصل وابن صاحبها قطب الدّين
مودود بن أتابك زنكي التّركي الأتابكي. توفي في صفر بعلّة السّلّ وله
ثلاثون سنة، وكان شابا مليحا أبيض طويلا عاقلا وقورا قليل الظلم.
قال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان من أحسن الناس صورة، غيورا، ما
يدع خادما بالغا يدخل على حريمه، طاهر اللّسان، عفيفا عن أموال
__________
[1] تحرفت في «آ» إلى «الحساني» وفي «ط» إلى «الحسباني» والتصحيح من
«العبر» (4/ 229) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 93) .
(6/423)
النّاس، قليل السّفك للدماء، استسقى الناس
[1] وهو معهم، فاستعانوا [2] عليه، وقالوا: كيف يستجاب لنا وفينا
الخمور والحواطين بيننا، فقال: قد أبطلتها، فرجعوا إلى البلد، وفيهم
أبو الفرج الدّقّاق الرجل الصالح، فأراق الخمور، ونهب العامة دكاكين
الخمّارين، فاستدعى الدّقّاق إلى القلعة، وقال: أنت جرّأت العامة عليّ
وضربه على رأسه فانكشف، فنزل مكشوف الرأس، فقيل له غطّه، فقال: لا
أغطيه حتّى ينتقم الله لي ممن ظلمني، فمات الدوادار الذي ضربه بعد
قليل، ومرض سيف الدّين وتوفي. انتهى.
وفيها محمد بن محمد بن مواهب أبو العزّ بن الخراساني البغدادي الأديب،
صاحب النوادر، والعروض، والديوان الشعر، الذي هو في مجلدات، كان صاحب
ظرف [3] ، ومجون، وذكاء مفرط، وتفنن في الأدب.
روى عن أبي الحسن بن الطّيوري، وأبي سعد بن حشيش، وجماعة، وتغيّر ذهنه
قبل موته بيسير، توفي في رمضان وله اثنتان وثمانون سنة. قاله في
«العبر» [4] .
__________
[1] لفظة «الناس» سقطت من «آ» .
[2] في «ط» : «واستعانوا» .
[3] كذا في «ط» و «العبر» : «ظرف» وفي «آ» : «طرف» .
[4] (4/ 230) .
(6/424)
سنة سبع وسبعين
وخمسمائة
فيها توفي الملك الصالح أبو الفتح إسماعيل بن السلطان نور الدّين محمود
بن زنكي، ختنه أبوه [وعمل] وقتا باهرا، وزيّنت دمشق لختانه، ثم مات
أبوه بعد ختانه بأيّام، وأوصى له بالسلطنة، فلم تتم له، وبقيت له حلب،
وكان شابا ديّنا عاقلا محببا إلى الحلبيين إلى الغاية، بحيث إنهم
قاتلوا عن حلب صلاح الدّين قتال الموت، وما تركوا شيئا من مجهودهم،
ولما مرض بالقولنج في رجب ومات أقاموا عليه المآتم [1] وبالغوا في
النوح والبكاء، وفرشوا الرّماد في الطّرق، وكان له تسع عشرة سنة، وأوصى
بحلب لابن عمّه عز الدّين مسعود بن مودود فجاء وتملّكها.
ولما كان إسماعيل بالقولنج وصف له الأطباء قليل خمر، فقال: لا أفعل
حتّى أسأل الفقهاء، فسأل الشافعية فأفتوه بالجواز، وسأل العلاء
الكاساني فأفتاه بالجواز أيضا، فقال له: إن كان الله قرّب أجلي يؤخره
شرب الخمر؟
فقال: لا، فقال: والله لا لقيت الله وقد فعلت ما حرّم عليّ، ومات ولم
يشربه، رحمه الله تعالى.
وفيها الكمال بن الأنباري النّحويّ العبد الصالح أبو البركات عبد
الرحمن بن محمد بن عبيد الله الشافعي، تفقّه بالنظامية على ابن
الرزّاز،
__________
[1] في «العبر» بطبعتيه: «المأتم» .
(6/425)
وأخذ النحو عن ابن الشّجري واللغة عن ابن
الجواليقي، وبرع في الأدب حتّى صار شيخ العراق.
توفي في شعبان وله أربع وستون سنة.
وكان زاهدا عابدا مخلصا ناسكا تاركا للدّنيا، له مائة وثلاثون مصنفا في
الفقه [1] ، والأصول، والزهد، وأكثرها في فنون العربية، منها كتاب
«أسرار العربية» وهو سهل المأخذ، كثير الفوائد [2] ، وكتاب «الميزان»
في النحو أيضا، وكتاب «طبقات الأدباء المتقدمين والمتأخرين» مع صغر
حجمه، ثم انقطع في آخر عمره في بيته، واشتغل بالعلم والعبادة، وترك
الدّنيا ومجالسة أهلها، وكان لا يسرج في بيته، مع خشونة الملبس
والفراش، ولا يخرج إلّا يوم الجمعة، وحمل إليه المستضيء خمسمائة دينار
فردّها، فقال: أتركها لولدك، فقال: إن كنت خلقته فأنا أرزقه، وأنجب كلّ
من اشتغل عليه، ودفن في تربة أبي إسحاق الشيرازي.
والأنبار: قرية قديمة على الفرات بينها وبين بغداد عشرة فراسخ.
وفيها شيخ الشيوخ أبو الفتح عمر بن علي بن الزاهد محمد بن علي ابن
حمّويه الجويني [3] الصّوفي، وله أربع وستون سنة. روى عن جدّه،
والفراوي، وولّاه نور الدّين مشيخة الشيوخ بالشام، وكان وافر الحرمة.
__________
[1] في «ط» : «في اللغة» .
[2] في «ط» : «الفائدة» .
[3] انظر «تكملة الإكمال» لابن نقطة (2/ 19- 20) و «العبر» (4/ 232) .
(6/426)
سنة ثمان وسبعين
وخمسمائة
فيها سار صلاح الدّين، فافتتح حرّان، وسروج، وسنجار، ونصيبين،
والرّقّة، ونازل الموصل فحاصرها، وتحيّر من حصانتها، ثم جاءه رسول
الخليفة يأمره بالترحل عنها، فرحل ورجع، فأخذ حلب من عز الدّين مسعود
الأتابكي وعوّضه بسنجار.
وفيها مات نائب دمشق فرّوخشاه، وولي بعده شمس الدّين محمد بن المقدّم.
وفيها توفي الشيخ الزاهد القدوة أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد ابن
يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة، الشيخ الكبير الرفاعي البطائحي-
والبطائح عدة قرى مجتمعة في وسط الماء بين واسط والبصرة- كان شافعي
المذهب، فقيها.
قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» [1] : وهو مغربي الأصل.
ولد في المحرم سنة خمسمائة، وتخرّج بخاله الشيخ الزاهد منصور.
قال ابن خلّكان: كان رجلا صالحا شافعيا فقيها، انضم إليه خلق من
الفقراء، وأحسنوا فيه الاعتقاد، وهم الطائفة الرفاعية، ويقال لهم
الأحمدية
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 1- 3) .
(6/427)
والبطائحية، ولهم أحوال عجيبة من أكل
الحيّات حيّة، والنزول إلى التنانير وهي تضّرم نارا، والدخول إلى
الأفرنة، وينام الواحد منهم في جانب الفرن والخباز يخبز في الجانب
الآخر، وتوقد لهم النّار العظيمة، ويقام السماع فيرقصون عليها إلى أن
تنطفئ النار، ويقال: إنهم في بلادهم يركبون الأسود ونحو ذلك وأشباهه.
انتهى.
وعن الشيخ أحمد أنه قال: سلكت كل الطرق الموصلة، فما رأيت أقرب ولا
أسهل ولا أصلح من الافتقار والذّل والانكسار، فقيل له: يا سيدي! فكيف
يكون؟ قال: تعظم أمر الله وتشفق على خلق الله، وتقتدي بسنة سيدك رسول
الله.
وقد صنّف الناس في مناقب الشيخ أحمد- رحمه الله تعالى- وأفردوا ترجمته
وذكروا من كراماته ومقاماته أشياء حسنة، وكان فقيها شافعيا قرأ
«التنبيه» وله شعر حسن. توفي في جمادى الأولى.
قال ابن كثير: ولم يعقب، وإنما المشيخة في ابني أخيه. انتهى كلام ابن
قاضي شهبة.
وقال في «العبر» [1] : وقد كثر الزّغل في أصحابه، وتجددت لهم أحوال
شيطانية منذ أخذت التتار العراق، من دخول النيران، وركوب السباع،
واللّعب بالحيّات، وهذا لا يعرفه الشيخ ولا صلحاء أصحابه، فنعوذ بالله
من الشيطان الرجيم. انتهى.
وقال سبط ابن الجوزي [2] : [حكى لي بعض أشياخنا قال:] حضرت عنده ليلة
نصف شعبان وعنده نحو مائة ألف إنسان، فقلت له: هذا جمع
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 233) .
[2] انظر «مرآة الزمان» (8/ 236) وما بين حاصرتين زيادة منه.
(6/428)
عظيم فقال: جسرت مجسر [1] هامان [2] ، أنى
[3] خطر ببالي أني مقدم هذا الجمع؟.
وكان متواضعا، سليم الصدر، مجردا من الدّنيا، ما ادخر شيئا قطّ.
رآه بعض أصحابه في المنام مرارا في مقعد صدق ولم يخبره، وكان للشيخ
أحمد امرأة بذيئة اللّسان تسفه عليه وتؤذيه، فدخل عليه الذي رآه في
مقعد صدق يوما فرآه وفي يد امرأته محراك التّنّور، وهي تضربه على
أكتافه، فاسود ثوبه وهو ساكت، فانزعج الرجل وخرج من عنده [فاجتمع
بأصحاب الشيخ] ، وقال: يا قوم يجري على الشيخ من هذه الامرأة هذا وأنتم
سكوت؟
فقال بعضهم: مهرها خمسمائة دينار وهو فقير، فمضى الرجل وجمع خمسمائة
دينار وجاء بها إلى الشيخ، فقال: ما هذا؟ قال: مهر هذه الامرأة السفيهة
التي فعلت بك كذا وكذا، فتبسّم وقال: لولا صبري على ضربها ولسانها ما
رأيتني في مقعد صدق.
وعن يعقوب ابن كراز، أن الشيخ كان لا يقوم لأحد من أبناء الدّنيا،
ويقول: النظر في وجوههم يقسي القلب، وكان يترنم بهذا البيت:
إن كان لي عند سليمى قبول ... فلا أبالي ما يقول العذول
وكان يقول:
ومستخبري عن سرّ ليلى تركته ... بعمياء من ليلى بغير يقين
يقولون خبّرنا فأنت أمينها ... وما أنا إن خبّرتهم بأمين
وذكر ابن الجوزي، أن سبب وفاته- رضي الله عنه- أبيات أنشدت بين يديه،
تواجد عند سماعها تواجدا كان سبب مرضه الذي مات فيه، وكان
__________
[1] في «آ» و «ط» : «حشرت محشر» والتصحيح من «مرآة الزمان» والمعنى
أقدمت مقدم هامان.
انظر «مختار الصحاح» (جسر) .
[2] في «مرآة الزمان» : «ماهان» .
[3] في «آ» و «ط» : «إن» والتصحيح من «مرآة الزمان» .
(6/429)
المنشد لها الشيخ عبد الغني بن نقطة حين
زاره وهي:
إذا جنّ ليلي هام قلبي بذكركم ... أنوح كما ناح الحمام المطوّق
وفوقي سحاب يمطر الهمّ والأسى ... وتحتي بحار بالأسى تتدفّق
سلوا أمّ عمرو كيف بات أسيرها ... تفكّ الأسارى دونه وهو موثق
فلا هو مقتول ففي القتل راحة ... ولا هو مأسور يفكّ فيطلق
فمفهوم كلام ابن الجوزي أن الأبيات لغيره، مع أن ابن خلّكان [1] ذكر
أنها من نظمه.
وفيها أبو طالب الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاووس الدّمشقي المقرئ.
آخر من قرأ على أبي الوحش سبيع، وآخر من سمع على الشريف النّسيب، توفي
في شوال وله ست وثمانون سنة.
وفيها أبو القاسم بن بشكوال خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى
الأنصاري القرطبي، الحافظ. محدّث الأندلس ومؤرّخها ومسندها.
سمع أبا محمد بن عتّاب، وأبا بحر بن العاص، وطبقتهما، وأجاز له أبو علي
الصّدفي، وسمع العالي والنازل، وكان سليم الباطن، كثير التواضع، ألّف
خمسين تأليفا في أنواع العلوم، منها «الحكايات المستغربة» و «غوامض
الأسماء المبهمة» [2] و «معرفة العلماء الأفاضل» و «القربة إلى الله
بالصلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم» و «جزء» ذكر فيه من روى
«الموطأ» عن مالك، رتبهم على حروف المعجم، فبلغوا ثلاثة وسبعين رجلا،
وكتاب «المستعينين عند المهمات والحاجات وما يسرّ الله لهم من
الإجابات» وغير ذلك، وولي قضاء بعض جهات إشبيلية، ثم اقتصر على إسماع
العلم، وتوفي في ثامن رمضان، وله أربع وثمانون سنة.
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 172) .
[2] وقد طبع حديثا في مكتبة عالم الكتب ببيروت طبعة متقنة محررة في
مجلدين.
(6/430)
وفيها خطيب الموصل، أبو الفضل، عبد الله بن
أحمد بن محمد بن عبد القاهر [1] الطّوسي ثم البغدادي.
ولد في صفر سنة سبع وثمانين، وسمع حضورا من طراد، والنّعالي، وغيرهما،
وسمع من ابن البطر، وأبي بكر الطّريثيثي، وخلق، وكان ثقة في نفسه. توفي
في رمضان.
قال ابن النجّار: وقرأ الفقه- أي فقه الشافعي- والأصول على إلكيا
الهرّاسي، وأبي بكر الشّاشي، والأدب على أبي زكريا التّبريزي، وولي
خطابة الموصل زمانا، وتفرّد في الدّنيا، وقصده الرّحّالون [2] .
وفيها أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن علي بن حمنيس [3] البغدادي
السّرّاج. سمع أبا الحسن بن العلّاف، وأبا سعد بن خشيش، وجماعة.
قال ابن الأخضر: كان لا يحسن يصلي، ولا أن يقول التحيات، وتوفي في رجب.
قاله في «العبر» [4] .
وفيها عز الدّين فرّوخشاه بن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي، صاحب بعلبك وأبو
صاحبها، الملك الأمجد، ونائب دمشق لعمه صلاح الدّين، وكان ذا معروف
وبرّ، وتواضع، وأدب، وكان للتاج الكندي به اختصاص، توفي بدمشق ودفن في
قبته التي بمدرسته المطلّة على الميدان في الشرق الشمالي
__________
[1] في «آ» و «ط» و «العبر» طبع الكويت: «عبد القادر» والتصحيح من
«العبر» طبع بيروت، و «سير أعلام النبلاء» (21/ 87) .
[2] كذا في «آ» و «العبر» (4/ 234) وفي «سير أعلام النبلاء» (21/ 89) :
«الرّحّالون» . وفي «آ» :
«الراحلون» .
[3] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه: «حمنيس» وفي «سير أعلام
النبلاء» (21/ 89) :
«حمتيس» .
[4] (4/ 235) .
(6/431)
في جمادى الأولى، وهو أخو صاحب حماة تقي
الدّين.
وله شعر حسن، منه:
إذا شئت أن تعطي الأمور حقوقها ... وتوقع حكم العدل أحسن موقعه
فلا تصنع المعروف مع غير أهله ... فظلمك وضع الشّيء في غير موضعه
وفيها القطب النّيسابوري، الفقيه العلّامة، أبو المعالي مسعود بن محمد
بن مسعود الطّريثيثي- بضم الطاء المهملة، وفتح الراء، وسكون التحتية،
ومثلثة، نسبة إلى طريثيث، ناحية بنيسابور- الشافعي.
ولد سنة خمس وخمسمائة، وتفقّه على محمد بن يحيى صاحب الغزالي، وتأدّب
على أبيه، وسمع من هبة الله السّيدي وجماعة، وبرع في الوعظ، وحصل له
القبول ببغداد، ثم قدم دمشق سنة أربعين، وأقبلوا عليه، ودرّس
بالمجاهدية والغزالية، ثم خرج إلى حلب، ودرّس بالمدرستين اللتين بناهما
نور الدّين، وأسد الدّين، ثم ذهب إلى همذان فدرّس بها، ثم عاد بعد مدة
[1] إلى دمشق، ودرّس بالغزالية، وانتهت إليه رئاسة المذهب بدمشق، وكان
حسن الأخلاق، قليل التصنّع، مطّرحا للتكلّف، صنّف مختصرا في الفقه
سمّاه «الهادي» وتوفي بدمشق في شهر رمضان، ودفن بمقابر الصوفية.
وفيها أبو محمد بن الشّيرازي، هبة الله بن محمد بن هبة الله بن جميل
[2] البغدادي المعدّل الصوفي الواعظ. سمع أبا علي بن نبهان وغيره، وقدم
دمشق سنة ثلاثين وخمسمائة وهو شاب، فسكنها وأمّ بمشهد عليّ وفوّض إليه
عقد الأنكحة، توفي في ربيع الأول وهو في عشر الثماني، وأمّ بعده في
المشهد ابنه القاضي شمس الدّين أبو نصر محمد.
__________
[1] قوله: «بعد مدة» لم يرد في «آ» .
[2] كذا في «آ» و «ط» : «ابن جميل» وفي «العبر» بطبعتيه: «ابن مميل» .
(6/432)
وفيها أبو الفضل وفاء بن أسعد التّركي
الخبّاز. روى عن أبي القاسم ابن بيان وجماعة، وتوفي في ربيع الآخر،
وكان شيخا صالحا.
وفيها ممدود الذّهبي البغدادي المجاب الدّعوة. اتّهم بسرقة فأتي به إلى
باب المتولّي [1] ، ومدّ ليضرب، فرفع النّقيب يده ليضربه فيبست يده،
فقال له صاحب الباب: ما لك؟ قال: قد يبست يدي، فرفعوه عن الأرض، فعادت
يده صحيحة، فعاد النّقيب ليضربه فيبست يده، فعل ذلك ثلاث مرّات، فبكى
صاحب الباب، وقام إليه وأجلسه إلى جانبه واعتذر إليه.
وفيها أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن [2] صاحب المغرب، كان حسن السيرة،
مجاهدا في سبيل الله تعالى، أغار الفنش [3] ملك طليطلة على بلاد
الأندلس، فعدا إليه يوسف في مائتي ألف فارس وثمانين ألفا، فنزل على
بلاد الفنش [3] ، فخامر عليه وزيره ابن المالقي، وقال للعساكر: إن أمير
المؤمنين يأمركم أن تعدوا إلى مراكش، فبقي في نفر يسير، وأرسل إلى
الفنش [3] يقول له: ادهمه، فليس معه عسكر، فجاء الفنش [3] ، فالتقاه
يوسف فطعن في جنبه فمات بعد يومين وحمل إلى إشبيلية، وكانت إمارته
اثنتين وعشرين سنة، وقدّموا ولده يعقوب وبايعوه، ولقّبوه [4] بالمنصور،
ولم يكن في ولد عبد المؤمن [5] مثل يعقوب.
وفيها أبو الحسن علي بن أبي المعالي المبارك، وقيل أحمد بن أبي
__________
[1] في «ط» : «النوبي» .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 98- 102) .
[3] كذا في «آ» و «ط» و «سير أعلام النبلاء» (21/ 100) : «الفنش» وفي
بعض المصادر:
«الأذفنش» .
[4] في «ط» : «ولقّب» .
[5] في «ط» : «في بني عبد المؤمن» .
(6/433)
الفضل بن أبي القاسم بن الأحدب [1] الورّاق
الدّارقزي المحوّلي [2] الفقيه الحنبلي، المعروف بابن غريبة.
ولد في منتصف رمضان سنة ست وخمسمائة، وسمع الكثير من أبي القاسم بن
الحصين وغيره ببغداد وغيرها من البلاد، وتفقّه في المذهب على ابن سيف
وغيره، وقرأ الفرائض على القاضي أبي بكر، وكان ثقة صحيح السماع، ذا عقل
وتجربة، ولّاه الوزير ابن هبيرة رفع المظالم، وانقطع في آخر عمره
بالمحوّل إلى أن مات، وأفلج قبل موته بشهور، وسمع منه جماعة، منهم: ابن
الحنبلي، وابن القطيعي، وغيرهما، وروى عنه ابن الجوزي، وتوفي يوم الأحد
حادي عشر جمادى الأولى بالمحوّل وحمل على أعناق الرجال، فدفن بمقبرة
الإمام أحمد.
وفيها أبو القاسم عبيد الله [3] بن علي بن محمد بن محمد بن الحسين بن
محمد بن خلف الفرّاء القاضي ابن القاضي ابن القاضي أبي يعلى.
ولد ليلة الاثنين رابع عشر ذي الحجّة سنة سبع وعشرين وخمسمائة، وأسمعه
أبوه الكثير في صباه من جماعة أعيان، وسمع هو بنفسه من ابن ناصر
الحافظ، وأبي بكر بن الزّاغوني وغيرهما، وبالغ في السماع والإكثار،
وتفقّه وكتب، وكانت داره مجمعا لأهل العلم وينفق عليهم بسخاء نفس وسعة
صدر، وسمع منه جماعة، منهم: ابن القطيعي، وجمع، وصنّف أنواعا من
العلوم، وحمله بذل يده وكرم طبعه على أن استدان ما لا يمكنه وفاؤه،
فغلبه الأمر حتّى باع معظم كتبه، وخرج عن يده أكثر أملاكه، واختفى في
بيته من
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن الأديب» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 349) .
[3] كذا في «آ» و «ط» : «عبيد الله» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 351)
: «عبد الله» .
(6/434)
الديون، وبلغ به الحال إلى أن اغتيل في
شهادة على امرأة بتصريف بعض الحاضرين، فأنكرت المرأة المشهود عليها ذلك
الإشهاد، فكان سببا لعزله من الشهادة، فهو عدل في روايته ضعيف في
شهادته، وتوفي يوم الجمعة يوم عيد الأضحى في هذه السنة أو في سنة
ثمانين كما صححه بل جزم به ابن رجب.
(6/435)
سنة تسع وسبعين
وخمسمائة
فيها توفي تاج الملوك مجد الدّين بوري [1] ، أخو السلطان صلاح الدّين،
وله ثلاث وعشرون سنة. كان أديبا شاعرا، له ديوان صغير، وجمع الله فيه
محاسن الأخلاق ومكارمها، مع الشجاعة والفصاحة.
ومن شعره:
أقبل من أعشقه راكبا ... من جهة الغرب على أشهب
فقلت: سبحانك يا ذا العلى ... أشرقت الشمس من المغرب
ومنه أيضا:
أيا حامل الرّمح الشبيه بقدّه ... ويا شاهرا سيفا على لحظه عضبا
ذر الرّمح واغمد ما سللت فربّما ... قتلت وما حاولت طعنا ولا ضربا
أصابت ركبته طعنة على حلب مات منها بعد أيام [2] .
وفيها تقيّة بنت غيث بن علي الأرمنازي [3] الشاعرة المحسنة، لها شعر
سائر، وكانت امرأة برزة جلدة، مدحت تقي الدّين عمر صاحب حماة والكبار،
وعاشت أربعا وسبعين سنة، ولها ابن محدّث معروف. [صحبت
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 290- 292) وفيه: «وبوري معناه بالعربية
ذئب» و «العبر» (4/ 237) .
[2] راجع هذه الفقرة عند ابن خلّكان في «الوفيات» (1/ 292) فهي أوضح
وأتم هناك.
[3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 297- 300) وما بين حاصرتين في الترجمة
زيادة منه لا بد منها، و «العبر» (4/ 237) و «سير أعلام النبلاء» (21/
94- 95) .
(6/436)
الحافظ السّلفي زمانا بثغر الإسكندرية،
وذكرها في بعض تعاليقه، وأثنى عليها، وكتب بخطّه] عثرت يوما [في منزل
سكناي] فانجرحت، فشقّت وليدة في الدار خرقة من خمارها وعصبت به جرحي
[1] فقالت:
لو وجدت السّبيل جدت بخدّي ... عوضا عن خمار تلك الوليدة
كيف لي أن أقبّل اليوم رجلا ... سلكت دهرها الطّريق الحميدة
وفيها أبو الفتح الخرقي عبد الله بن أحمد بن أبي [الفتح] الأصبهاني [2]
مسند أصبهان. سمع أبا مطيع المصري، وأحمد بن عبد الله السّوذرجانيّ
وانفرد بالرواية عن جماعة. توفي في رجب وله تسع وثمانون سنة، وكان رجلا
صالحا.
وفيها الأبله الشاعر صاحب الديوان أبو عبد الله محمد بن بختيار
البغدادي [3] شاب ظريف، وشاعر مفلق، جمع شعره بين الصناعة والرّقّة،
وسمي الأبله لذكائه من باب تسمية الشيء بضده كما يقال للأسود كافور.
أنشد الأبله لابن الدّوامي [4] الحاجب يوما قوله:
زار من أحيا بزورته ... والدّجى في لون طرّته
قمر يثني معاطفه ... بانة في طيّ بردته
بتّ أستجلي المدام على ... غرّة الواشي وغرّته
__________
[1] في «آ» و «ط» : «جرحها» وما أثبته يقتضيه السياق.
[2] انظر «العبر» (4/ 237) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 90- 91) وما بين
الحاصرتين مستدرك منهما.
[3] انظر «المحمدون من الشعراء وأشعارهم» ص (235- 236) طبع دار ابن
كثير، و «وفيات الأعيان» (4/ 463- 465) و «العبر» (4/ 238) و «الوافي
بالوفيات» (2/ 244- 246) و «النجوم الزاهرة» (6/ 95- 96) .
[4] هو عزّ الكفاة الحسن بن هبة الله الدوامي البغدادي، سترد ترجمته في
وفيات سنة (645) من المجلد السابع إن شاء الله تعالى.
(6/437)
آه من خصر له وعلى ... رشفة من برد ريقته
يا له في الحسن من صنم ... كلّنا من جاهليّته
فقال له ابن الدّوامي: يا حجّة العرب! هي لك؟ قال: نعم، فصاح صائح:
يكذب، ما هي له، ففتشوا فلم يجدوا أحدا، فقال: أنشدني غيرها.
فأنشده غيرها، كل ذلك والقائل يقول له تكذب- ثلاث مرات- فقال الأبله في
الثالثة: فما هي لي فهي لمن؟ فقال القائل: هي لي، قال: ومن أنت؟ قال
شيطانك الذي أعلمك قول الشعر، قال له: صدقت، الله يحفظك عليّ.
قال أبو الدرّ الرّومي الشاعر: مرض الأبله فعدته، فقال: ما بقيت أقدر
أنظم، قلت: فما سببه؟ قال: مات تابعي، وتوفي بعد ذلك ومن شعره أيضا:
دارك يا بدر الدّجى جنّة ... بغيرها نفسي ما تلهو
وقد روي في خبر أنه ... أكثر أهل الجنّة البله
وله:
يا ذا الذي كفل اليتيم ... وقصده كفل اليتيم
إن كنت ترغب في النّعيم ... فقد حصلت على الجحيم
قال الذهبي: مات وخلّف ثمانية آلاف دينار، ولم يكن له وارث، وتوفي في
جمادى الآخرة.
وفيها أبو العلاء البصري محمد بن جعفر البصري ثم البغدادي [1] المقرئ،
قرأ القراءات [2] على أبي الخير الغسّال [3] وسمع من ابن بيان، وأبي
النّرسي، وعاش ثلاثا وتسعين سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 238) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 91) .
[2] كذا في «آ» و «العبر» : «القراءات» وفي «ط» : «القرآن» .
[3] تصحف في «آ» و «ط» إلى «العسّال» والتصحيح من «معرفة القراء
الكبار» (1/ 465) .
(6/438)
وفيها قاضي زبيد الإمام الفاضل البارع
المحمود السيرة، علي بن الحسين السّيري [1]- بفتح السين وبالراء
المهملتين- توفي بمخلاف الساعد قافلا من مكّة، وكان ممن أجمع على فضله
الموافق والمخالف، يقال: إنه أجاب عن ألف مسألة امتحنه بها أهل زبيد،
وفضائله يتعجب منها السامع، كما قال ابن سمرة [2] .
وفيها أبو طالب الكتّاني محمد بن علي بن أحمد الواسطي [3] المحتسب.
توفي في المحرّم، وله أربع وتسعون سنة. سمع من أبي الصقر الشاعر، وأبي
نعيم الجمّاري وطائفة، وانفرد بإجازة أبي طاهر أحمد بن الحسن الكرجي،
[و] الباقلّاني، وجماعة، ورحل إلى بغداد فلحق بها أبا الحسن بن
العلّاف، وكان ثقة ديّنا.
وفيها يونس بن محمد بن منعة الإمام رضي الدّين الموصلي [4] الشافعي،
والد العلّامة كمال الدّين موسى، وعماد الدّين محمد، تفقّه على الحسين
بن نصر بن خميس، وببغداد على أبي منصور الرزاز، ودرّس، وأفتى، وناظر،
وتفقّه به جماعة، وكان مولده بإربل سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وتوفي في
المحرم.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «السير» وتصحفت في «طبقات فقهاء اليمن» إلى
«البشري» ، وانظر «مرآة الجنان» (3/ 415) و «غربال الزمان» ص (463) .
[2] في «طبقات فقهاء اليمن» ص (243) وهو عمر بن علي بن سمرة الجعدي أبو
الخطاب، مؤرخ يماني، من القضاة، مات بعد سنة (586) هـ. انظر «الأعلام»
للزركلي (5/ 55) .
[3] انظر «العبر» (4/ 238) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[4] انظر «العبر» (4/ 238) و «النجوم الزاهرة» (6/ 96) و «طبقات
الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 25- 26) .
(6/439)
سنة ثمانين وخمسمائة
فيها توفي إيلغازي بن ألبي [1] بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق، الملك
قطب الدّين التركماني، صاحب ماردين، وليها بعد أبيه مدة، وكان موصوفا
بالشجاعة والعدل، توفي في جمادى الآخرة.
وفيها [محمد بن حمزة] بن أبي الصّقر [2] أبو عبد الله القرشي الدّمشقي
الشّروطي المعدّل. توفي في صفر وله إحدى وثمانون سنة، وكان ثقة صاحب
حديث. سمع من هبة الله بن الأكفاني وطائفة، ورحل فسمع من ابن الطّبري
[3] ، وقاضي المارستان، وكتب الكثير وأفاد، وكان شروطي البلد.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن المني» والتصحيح من «وفيات الأعيان»
(5/ 207) و «النجوم الزاهرة» (6/ 97) والضبط عنه.
[2] ما بين حاصرتين لم يرد في «آ» وهو مترجم في «العبر» (4/ 239) و
«سير أعلام النبلاء» (21/ 109) .
[3] في «آ» : «ابن الطير» وفي «ط» و «العبر» : «ابن الطبر» وما أثبته
من «سير أعلام النبلاء» .
(6/440)
|