شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وتسعين
وخمسمائة
فيها كانت وقعة الزلّاقة بالأندلس [بين يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن
وبين ألفنش [1] المتغلب على أكثر جزيرة الأندلس] [2] فدخل يعقوب وعديّ
من زقاق سبته في مائة ألف وأما المطوّعة فقل ما شئت، وأقبل ألفنش [1]
في مائتي ألف وأربعين ألفا، فانتصر الإسلام وانهزم الكلب في عدد يسير،
وقتل من الفرنج كما أرخ أبو شامة [3] وغيره مائة ألف وستة وأربعون
ألفا، وأسر ثلاثون ألفا، وغنم المسلمون غنيمة لم يسمع بمثلها، حتّى
أبيع السّيف بنصف درهم، والحصان بخمسة دراهم، والحمار بدرهم، وذلك في
شعبان.
وفيها توفي أبو الحسن إسماعيل بن أبي سعد بن علي بن إبراهيم بن محمد
الأصبهاني المحدّث، ويعرف بطاهريته [4] الحنبلي. سمع الكثير، وحصّل
الأصول، وحدّث ببغداد، قدمها حاجّا عن فاطمة الجوزدانية، وفاطمة
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الفيش» وما أثبته من «العبر» (4/ 275) و «دول
الإسلام» (2/ 102) و «النجوم الزاهرة» (6/ 137) والضبط عنهما.
[2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» .
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (7- 8) .
[4] في «آ» و «ط» : «ويعرف بطاهرنية» والتصحيح من «التكملة لوفيات
النقلة» (1/ 219) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 383) .
(6/500)
بنت محمد بن أحمد بن البغدادي، وسمع منه
أبو الفتوح بن الحصري وغيره، وكان شيخا صالحا صدوقا، توفي في صفر.
وفيها ذاكر بن كامل الخفّاف البغدادي [1] أخو المبارك. سمّعه أخوه من
أبي علي الباقرحيّ، وأبي علي بن المهدي، وأبي سعيد بن الطّيوري،
والكبار، وكان صالحا خيّرا صوّاما، توفي في رجب.
وفيها أبو الحسن شجاع بن محمد بن سيدهم المدلجي، المصري [2] المقرئ
الفقيه المالكي النحوي. قرأ القراءات على ابن الحطيئة [3] ، وسمع من
جماعة، وتصدّر بجامع مصر، وتوفي في ربيع الآخر، وآخر أصحابه الكمال
الضرير.
وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبيد الله
الحجري الأندلسي المريّيّ [4] ، الحافظ الزاهد القدوة، أحد الأعلام.
ولد سنة خمس وخمسمائة، وقرأ «صحيح البخاري» على شريح، وسمع فأكثر عن
أبي الحسن بن مغيث، وابن العربي، والكبار، وتفنن في العلوم، وبرع في
الحديث، وطال عمره وشاع ذكره، وكان قد سكن سبتة، فدعاه السلطان إلى
مرّاكش ليسمع منه، وكان غاية في العدالة في هذا الشأن، توفي في أول
صفر.
وفيها أبو محمد عبد المؤمن بن عبد الغالب بن محمد بن طاهر بن
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 276) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 250- 251) .
[2] «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 220- 221) وانظر «العبر» (4/ 276-
277) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 575- 576) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «الخطية» وفي «العبر» بطبعتيه إلى «الحطئة»
والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» و «معرفة القراء الكبار» .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المري» والتصحيح من «العبر» (4/ 277) و
«سير أعلام النبلاء» (21/ 251) .
(6/501)
خليفة بن محمد بن حمدان الشيباني البغدادي
الورّاق [1] الفقيه الحنبلي.
ولد في شهر ربيع الآخر سنة سبع عشرة وخمسمائة، وسمع ببغداد من القاضي
أبي بكر بن عبد الباقي، وابن الطّلّاية، وابن الزّاغوني وغيرهم،
وبهمذان من أبي الخير الباغبان وغيره، وحدّث وسمع منه ابن القطيعي،
وقال: كان له صلاح ودين زائد، وروى عنه ابن خليل الحافظ وغيره، وتوفي
يوم عرفة ودفن بباب حرب.
وفيها أبو الحسن علي بن هلال بن خميس الواسطي الفاخراني- نسبة إلى بيع
الفخّار [2]- الضرير ويلقب معين الدّين. ذكره المنذري [3] فقال: تفقّه
على مذهب الإمام أحمد، وسمع من أبي الحسين بن عبد الخالق، وأبي الفرج
بن صدقة، وخديجة بنت أحمد النّهرواني، وغيرهم، وحدّث، وهو منسوب إلى
الفخرانية قرية من سواد واسط، توفي في حادي عشري ذي الحجة. انتهى.
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 234) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/
383) .
[2] قلت: وذلك ما أشار إليه ابن الأثير في «اللباب في تهذيب الأنساب»
(2/ 401) في كلامه عمن عرف بهذه النسبة ولكن المترجم منسوب إلى
«الفخرانية» كما ذكر المنذري في «التكملة» وابن رجب في «الذيل» .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 235- 236) و «ذيل طبقات
الحنابلة» (1/ 384) .
(6/502)
سنة اثنتين وتسعين
وخمسمائة
فيها التقى يعقوب صاحب المغرب وألفنش [1] فهزمه أيضا يعقوب، ولله
الحمد، وساق وراءه إلى طليطلة وحاصره، وضربها بالمجانيق، فخرجت والدة
ألفنش [1] وحريمه، وبكين بين يدي يعقوب، فرقّ لهنّ ومن عليهنّ، ولولا
ابن غانية الملثم وهيجه ببلاد المغرب لافتتح يعقوب عدة مدن للفرنج،
لكنه رجع لحرب غانية.
وفيها هبّت ريح سوداء عمّت الدّنيا، وذلك بعد خروج الناس من مكة، ووقع
على الناس رمل أحمر، ووقع من الركن اليمانيّ قطعة، وتحرك البيت الحرام
[مرارا] ، وهذا شيء لم يعهد [منذ بناه عبد الله بن الزّبير، رضي الله
عنهما] [2] .
وفيها ظهر ببوصير- قرية بصعيد مصر- بيت هرمس الحكيم [3] ، وفيه
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الفيش» والتصحيح من «دول الإسلام» (2/ 102) و
«النجوم الزاهرة» .
(6/ 137) وقال صديقي الأستاذ عدنان عبد ربّه وتلفظ في الإسبانية ب
«القنس» بالسين المهملة آخر الحروف.
[2] انظر «النجوم الزاهرة» (6/ 139) وما بين حاصرتين زيادة منه.
[3] قال السيوطي في «حسن المحاضرة» (1/ 62) : هو هرمس المثلث، ويقال
له: إدريس عليه الصلاة والسلام، كان نبيّا، وحكيما، وملكا. وهرمس لقب
... قال أبو معشر: هو أول من تكلم في الأشياء العلويّة من الحركات
النجومية، وأول من بنى الهياكل، ومجّد الله فيها، وأول من نظر في الطب
وتكلم فيه، وأنذر بالطوفان، وكان يسكن صعيد مصر، فبنى هناك
(6/503)
أمثلة كباش، وضفادع، وقوارير، كلها كاس،
وفيه أموات لم تبل ثيابهم.
وفيها توفي أبو الرّضا أحمد بن طارق الكركي ثم البغدادي، التاجر
المحدّث. سمع من ابن ناصر، وأبي الفضل الأرموي، وطبقتهما فأكثر، ورحل
إلى دمشق ومصر، وهو من كرك نوح، وكان شيعيّا جلدا. قاله في «العبر» [1]
.
وفيها نجيب الدّين أبو عبد الله حامد بن محمد بن حامد الصفّار
الأصفهاني [2] ، الفقيه الحنبلي، المحدّث الإمام. سمع أباه أبا جعفر
محمد، وأبا طاهر بن نصر، وجماعة بأصبهان، وبهمذان أبا زرعة المقدسي،
وأبا العلاء العطّار [3] ، وقدم بغداد حاجّا سنة ثمان وثمانين، وسمع
بها من جماعة، وقرأ على ابن الجوزي مناقب الإمام أحمد، وحدّث بها
باليسير، وكتب عنه ابن النّفيس.
قال ابن النجّار: كان فقيها حنبليا فاضلا، له معرفة بالحديث. انتهى.
وفيها الإمام فخر الدّين قاضي خان [الحسن بن منصور] [4] بن
__________
الأهرام والبراني، وصوّر فيها جميع الصناعات، وأشار إلى صفات العلوم
لمن بعده حرصا منه على تخليد العلوم بعده، وخيفة أن يذهب رسم ذلك من
العالم، وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة، ورفعه إليه مكانا عليا.
أقول: وقال المرتضى الزّبيدي في «تاج العروس» (17/ 32) : وهرمس
الهرامسة، يعنون به سيدنا إدريس عليه السلام وهو النبي المثلث. (ع) .
[1] (4/ 378- 379) وانظر «النجوم الزاهرة» (6/ 140) وهو منسوب إلى
«كرك» قرية في أصل جبل لبنان كما في «معجم البلدان» (4/ 452) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 384) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «القطّان» والتصحيح من «ذيل طبقات
الحنابلة» وانظر «الأنساب» (8/ 474) .
[4] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
(6/504)
محمود بن عبد العزيز الأوزجندي [1] الإمام
الكبير، بقية السلف، مفتي الشرق، من طبقة المجتهدين في المسائل. أخذ عن
الإمام ظهير الدّين المرغيناني، وإبراهيم بن إسماعيل الصفّار، وتفقّه
عليه شمس الأئمة الكردري [2] ، وله «الفتاوى» و «شرح الجامع الصغير» .
قاله ابن كمال باشا في «طبقاته» [3] .
وفيها تقي الدّين أبو الفضل إلياس بن حامد بن محمود بن حامد بن محمد
ابن أبي الحجر الحرّاني [4] الفقيه الحنبلي المحدّث. سمع ببغداد من
شهدة وغيرها.
قال ناصح الدّين بن الحنبلي: وكان رفيقي في درس شيخنا ابن المنّي، وسكن
الموصل إلى أن توفي بها في سلخ شوال، وولي مشيخة دار الحديث بها، وكان
حسن الطريقة، وسمع منه بدل التبريزي.
وفيها سعد بن أحمد بن مكّي النّيلي [5]- بكسر النون نسبة إلى نيل بلد
على الفرات [6]- المؤدب الشاعر، أكثر شعره مديح في أهل البيت.
قال العماد: كان غاليا في التشيع حاليا بالتورع، عالما بالأدب.
__________
[1] قلت: ويقال أيضا: «الأزكندي» نسبة إلى «أوزكند» ويقال: «أزجند»
أيضا بلد بما وراء النهر من نواحي فرغانة. قال ياقوت: وخبّرت أن «كند»
بلغة أهل تلك البلاد معناه القرية كما يقول أهل الشام «الكفر» وانظر
«معجم البلدان» (1/ 280) .
[2] نسبة إلى «كردر» ناحية من نواحي خوارزم أو ما يتاخمها من نواحي
الترك. انظر «معجم البلدان» (4/ 450) .
[3] يعني في كتابه «طبقات المجتهدين» وهو مخطوط لم ينشر بعد فيما أعلم.
انظر «الأعلام» للعلّامة الزركلي- طيّب الله ثراه- (1/ 133) .
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 266) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/
387) .
[5] انظر «معجم الأدباء» (11/ 190- 191) وقد أرّخ وفاته سنة (565) و
«فوات الوفيات» (2/ 50- 51) وفيه «سعيد» بدل «سعد» .
[6] انظر «معجم البلدان» (5/ 334) .
(6/505)
ومن شعره:
قمر أقام قيامتي بقوامه ... لم لا يجود لمهجتي بذمامه
ملّكته كبدي فأتلف مهجتي ... بجمال بهجته وحسن كلامه
وبمبسم عذب كأنّ رضا ... به شهد مذاب في عبير
[1] مدامه وهي طويلة.
وفيها الشيخ السّديد، شيخ الطبّ بالدّيار المصرية، شرف الدّين عبد الله
بن علي [2] . أخذ الصناعة عن الموفّق بن المعين، وخدم العاضد صاحب مصر،
ونال الحرمة والجاه العريض، وعمّر دهرا، وأخذ عنه نفيس الدّين بن
الزّبير.
وحكى بعضهم أن الشيخ السّديد حصل له في يوم ثلاثون ألف دينار.
وحكى عنه ابن الزّبير تلميذه، أنه طهّر ولدي الحافظ لدّين الله، فحصل
له من الذّهب نحو خمسين ألف دينار.
وفيها عبد الخالق بن عبد الوهّاب بن محمد الصّابوني المالكي الخفّاف
[3] الحنبلي أبو محمد الضرير. سمّعه أبوه من أبي علي الباقرحي، وعلي بن
عبد الواحد الدّينوري، وطائفة، وتوفي في ذي الحجّة. قاله في «العبر» .
ومن شعره:
دع النّاس طرّا واصرف الودّ عنهم ... إذا كنت في أخلاقهم لا تسامح
فشيئان معدومان في الأرض درهم ... حلال وخلّ في الحقيقة ناصح
__________
[1] في «آ» و «ط» : «في عتيق» وما أثبته من «معجم الأدباء» و «فوات
الوفيات» .
[2] انظر «العبر» (4/ 279) و «حسن المحاضرة» (1/ 540) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 268- 269) و «العبر» (4/ 279) و
«سير أعلام النبلاء» (21/ 274- 275) .
(6/506)
وفيها أبو الغنائم بن المعلّم، شاعر
العراق، محمد بن علي بن فارس بن علي بن عبد الله بن الحسين بن القاسم
الواسطي الهذلي، الملقب نجم الدّين [1] الشاعر المشهور. كان شاعرا رقيق
الشعر، لطيف حاشية الطبع، يكاد شعره يذوب من رقته، وهو أحد من سار شعره
وانتشر ذكره ونبه بالشعر قدره وحسن به حاله وأمره وطال في نظم القريض
عمره، وساعده على قوله زمانه ودهره. يغلب على شعره وصف الشوق والحب،
وذكر الصّبابة والغرام.
وذكر بعضهم أن سبب لطافة شعر ابن المعلّم حفظ المنتسبين للشيخ أحمد بن
الرفاعي لشعره واعتناؤهم به في سماعاتهم، فعادت عليه بركة أنفاسهم.
قال ابن خلّكان: وبالجملة فشعره يشبه النّوح، لا يسمعه من عنده أدنى
هوى إلّا فتنة وهاج غرامه، وكان بينه وبين ابن التّعاويذي تنافس.
ومن شعر ابن المعلّم قوله من قصيدة:
ردّوا عليّ شوارد الأظعان ... ما الدار إن لم تغن من أوطاني
[ومنها:]
ولكم بذاك الجذع من متمنّع ... هزأت معاطفه بغصن البان
وقوله:
كم قلت إيّاك العقيق فإنّه ... ضربت جآذره بصيد أسوده
وأردت صيد مها الحجاز فلم يسا ... عدك القضاء فرحت بعض صيوده
وله من قصيدة:
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 5- 9) و «العبر» (4/ 279) .
(6/507)
أجيرتنا إنّ الدّموع التي جرت ... رخاصا
على أيدي النّوى لغوالي
أقيموا على الوادي ولو عمر ساعة ... كلوث إزار أو كحلّ عقال
فكم ثمّ لي من وقفة لو شريتها ... بنفسي لم أغبن فكيف بمالي
وكانت ولادته في ليلة سابع عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسمائة، وتوفي
رابع رجب بالهرث- بضم الهاء وسكون الراء وبعدها ثاء مثلثة قرية من
أعمال نهر جعفر بينها وبين واسط نحو عشرة فراسخ- وكانت وطنه ومسكنه إلى
أن توفي بها.
وفيها ابن القصّاب الوزير الكبير مؤيد الدّين أبو الفضل محمد بن علي
البغدادي [1] المنشئ البليغ، وزر [وسار بالعساكر، ففتح همذان وأصبهان،
وحاصر الرّيّ، وصارت له هيبة عظيمة في النّفوس. توفي] بظاهر همذان في
شعبان، وقد نيّف على السبعين [2] وردّ العسكر [3] ، فلما جاء خوارزم
شاه نبشه [4] وحزّ رأسه وطوّف به بخراسان.
وفيها المجير الإمام أبو القاسم محمود بن المبارك الواسطي ثم البغدادي
[5] ، الفقيه الشافعي، أحد الأذكياء والمناظرين.
ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة، وتفقّه بالنظامية على أبي منصور بن الرزّاز
وغيره، وأخذ علم الكلام عن أبي الفتوح محمد بن الفضل الإسفراييني، وصار
المشار إليه في زمانه، والمقدّم على أقرانه. حدّث عن
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 279- 280) وما بين حاصرتين استدركته منه. و «سير
أعلام النبلاء» (21/ 323- 324) .
[2] في «آ» و «ط» : «على التسعين» والتصحيح من «العبر» وفي «سير أعلام
النبلاء» : «وقد جاوز سبعين سنة» كما في كتابنا.
[3] في «ط» «المعسكر» وفي «آ» «العساكر» وما أثبته من «العبر» وهو
الصواب.
[4] في «العبر» بطبعتيه إلى «بيّته» .
[5] انظر «العبر» (4/ 280) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 255- 256) .
(6/508)
أبي الحسين وجماعة، ودرّس بالنظامية، وكان
ذكيا طوالا غوّاصا على المعاني. قدم دمشق وبنيت له مدرسة جاروخ [1] ثم
توجه إلى شيراز وبنى له ملكها مدرسة، ثم أحضره ابن القصّاب وقدّمه.
قال ابن شهبة [2] : قال ابن الدّبيثي: ما رأينا أجمع لفنون العلم منه،
مع حسن العبارة. قال: وخرج رسولا إلى خوارزم شاه إلى أصبهان، فمات
بهمذان في ذي القعدة.
وفيها يوسف معالي الأطرابلسي ثم الدّمشقي الكتّاني البزّار [3] المقرئ.
روى عن هبة الله بن الأكفاني وجماعة، وتوفي في شعبان.
__________
[1] وكانت تعرف بالمدرسة الجاروخية، وهي داخل بابي الفرج والفراديس،
لصيقة الإقبالية الحنفية، شمالي الجامع الأموي والظاهرية الجوانية،
بناها جاروخ التركماني الملقب ب سيف الدّين. انظر «الدارس في تاريخ
المدارس» للنعيمي (1/ 225- 232) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 62) .
[3] انظر «العبر» (4/ 280) .
(6/509)
سنة ثلاث وتسعين
وخمسمائة
في شوال افتتح العادل يافا [1] عنوة، وكانت لها [2] مدّة في يد الفرنج.
وفيها أخذت الفرنج من المسلمين بيروت، وهرب أميرها عز الدّين سامة [3]
إلى صيدا.
وفيها توفي سيف الإسلام الملك العزيز طغتكين بن أيوب بن شاذي [4] ،
أرسله أخوه صلاح الدّين، فتملّك اليمن، وكان بها نوّاب أخيهما شمس
الدولة، وبقي بها بضع عشرة سنة، وكان شجاعا سايسا فيه ظلم، رحل إليه
ابن عنين إلى اليمن لما نفاه صلاح الدّين لهجوه للناس، فامتدحه بقصيدة
لامية، ومدح فيها دمشق أولها [5] :
__________
[1] في «آ» و «ط» : «باقا» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (4/ 281) و
«دول الإسلام» (2/ 103) .
[2] في «آ» و «ط» : «له» والتصحيح من «العبر» .
[3] في «آ» و «ط» : «شامة» وما أثبته من «العبر» و «دول الإسلام» .
[4] انظر «ذيل الروضتين» ص (11) و «وفيات الأعيان» (2/ 523- 525) و
«العبر» (4/ 281) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 333) و «دول الإسلام» (2/
103) .
[5] انظر «ديوان ابن عنين» ص (68- 72) بتحقيق الأستاذ خليل مردم بك،
رحمه الله، طبع دار صادر ببيروت.
(6/510)
حنين إلى الأوطان ليس يزول ... وقلب عن
الأشواق ليس يحول
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... وظلّك في مقرى [1] عليّ ظليل
دمشق فبي شوق إليها مبرّح ... وإن لجّ واش أو ألحّ عذول
بلاد [2] بها الحصباء درّ وتربها ... عبير وأنفاس الشمال شمول
تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق ... وصحّ نسيم الرّوض وهو عليل
وفي كبدي من قاسيون حرارة ... تزول رواسيه وليس تزول
وو الله ما فارقتها عن ملالة ... سواي عن العهد القديم يحول
ولكن أبت أن تحمل الضّيم همّتي ... ونفس لها فوق السّماك حلول
فإنّ الفتى يلقى المنايا مكرّما ... ويكره طول العمر وهو ذليل
[3]
وكيف أخاف الدّهر [4] أو أحرم الغنى ... ورأي ظهير الدّين في جميل
فتى الجدّ [5] أمّا جاره فمكرّم [6] ... عزيز وأمّا ضدّه فذليل
من القوم أمّا أحنف فمسفّه ... لديه وأمّا حاتم فبخيل
[7]
__________
[1] في «ديوانه» : «يا مقرى» وعلق محققه بقوله: «مقرى ورد في معجم
البلدان أنها قرية من نواحي دمشق. وعيّن ابن طولون الصالحي مكانها
بقوله في رسالته «ضرب الحوطة على الغوطة» : مقرى كانت قرية فخربت شرقي
الصالحية أدركت فيها السبع قاعات، والآن باق بها مسجد ومئذنة عند
طاحونها على نهر ثورا» .
[2] في «ديوانه» : «ديار» .
[3] في «آ» و «ط» : «وهو ظليل» والمثبت من «ديوانه» .
[4] في «ديوانه» : «الفقر» .
[5] في «ديوانه» : «المجد» .
[6] في «ديوانه» : «فممنّع» .
[7] تقدم هذا البيت في ديوانه إلى ما قبل البيت السابق.
(6/511)
وأمّا عطايا كفّه فسوابغ ... عذاب وأما
ظلّه فظليل
فأجزل صلته واكتسب من جهته مالا وافرا، وخرج به من اليمن وسلطانها
يومئذ الملك العزيز عثمان بن صلاح الدّين، فألزمه بدفع الزكاة من
المتاجر التي وصلت معه من اليمن فقال [1] :
ما كلّ من يتسمّى بالعزيز لها ... أهل ولا كلّ برق سحبه غدقه
[2]
بين العزيزين بون في فعالهما ... هذاك يعطي وهذا يأخذ الصّدقه
وكان طغتكين صاحب الترجمة، محمود السيرة مع ظلم وعسف، ولما كثر عليه
الذهب سبكه وجعله مثل الطواحين، ومات بالمدينة التي أنشأها باليمن،
يقال لها المنصورة، وقام من بعده ولده إسماعيل الذي سفك الدماء، وقال:
إنه أمويّ وادّعى الخلافة.
وفيها تقي الدّين أبو محمد طلحة بن مظفر [3] بن غانم بن محمد العلثي-
بفتح العين المهملة وسكون اللام ومثلثة، نسبة إلى علث قرية بين عكبرا
وسامرّا- الفقيه الحنبلي الخطيب المحدّث الفرضي النظّار المفسر الزاهد
الورع [4] العارف. نشأ في العلث، وحفظ الكتاب العزيز، وقرأ على
البطائحي، والبرهان ابن الحصري، وغيرهما.
وقرأ الفقه على ابن المنّي، وسمع الحديث الكثير، وقرأ «صحيح مسلم» .
__________
[1] انظر «ديوانه» ص (223) .
[2] في «آ» و «ط» : «ولا كل سحب في الورى غدقه» وأثبت لفظ «ديوانه» .
[3] في «آ» و «ط» : «طلحة بن عبد بن مظفّر» وما أثبته موافق لما عند
ياقوت في «معجم البلدان» (4/ 146) والمنذري في «التكملة لوفيات النقلة»
(1/ 295) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 390) و «طبقات المفسرين» (1/ 219-
221) .
[4] تحرفت في «ط» إلى «الورف» .
(6/512)
وكان متواضعا لطيفا أديبا في مناظرته لا
يسفه على أحد، فقيرا مجردا، ويرحم الفقراء ولا يخالط الأغنياء، وروى عن
ابن الجوزي ولازمه وقرأ عليه كثيرا من تصانيفه، وكان أديبا شاعرا
فصيحا، واشتهر اسمه ورزق القبول من الخلق، وكثر أتباعه وانتفع به
الناس، وروى عنه [1] ابن الجوزي في «تاريخه» حكاية فقال: حدثني طلحة بن
مظفّر الفقيه أنه ولد عندهم بالعلث مولود لستة أشهر، فخرج وله أربعة
أضراس.
قال المنذري: توفي في ثالث عشر ذي الحجة بالعلث ودفن بزاويته هناك.
وفيها الوزير جلال الدّين عبيد الله [2] بن يونس بن أحمد بن عبيد الله
ابن هبة الله البغدادي الأزجي، الفقيه الحنبلي الفرضي، الأصولي
المتكلم، وزير الخليفة الناصر جلال الدّين، تفقّه في الأصلين، والحساب،
والهندسة، والجبر، والمقابلة، ورحل في طلب العلم إلى همذان، وصنّف وعني
بالحديث، والفرائض، والحساب، وسمع ممن لا يحصى، وسمع منه جماعة لا
تحصر، منهم: ابن دلف، وابن القطيعي، وبالغ في مدحه والثناء عليه.
وذكر ابن النجار: أنه لم يكن في ولايته محمودا، وقد علمت أن الناس لا
يجتمعون على حمد شخص ولا ذمه.
وأما أبو شامة [3] فإنّه بالغ في ذمه والحطّ عليه بأمور لم يقم عليها
حجّة. وكذلك ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» قال بعد أن أثنى عليه: غير
أنه
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «عن» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و
«طبقات المفسرين» .
[2] في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 392) : «عبد الله»
والتصحيح من «العبر» (4/ 281) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 299) ، وورد
في «آ» و «ط» : «ابن يونس مسعود بن أحمد» وأبقيت الكلام كما في «ذيل
طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (12) وكذلك ابن تغري بردي في «النجوم
الزاهرة» (6/ 142) .
(6/513)
شان فضيلته برأيه الفاسد وأفعاله السيئة،
فإنه خرّب بيت الشيخ عبد القادر الكيلاني وشتّت أولاده، ويقال: إنه بعث
في الليل من نبش قبر الشيخ عبد القادر الكيلاني ورمى عظامه في اللّجّة
[1] وقال: هذا وقف ما يحلّ أن يدفن فيه أحد [2] .
ولما اعتقله الخليفة كتبوا فيه فتاوى أنه كان سبب هزيمة العسكر، فذكروا
أشياء فأفتوا بإباحة دمه، فسلّم إلى الوزير ابن القصّاب واعتقله في بيت
للسلاح، فأخرج منه ميتا. انتهى.
وفيها أبو بكر بن الباقلّاني [3] مقرئ العراق، عبد الله بن منصور بن
عمران الرّبعي الواسطي، تلميذ أبي العزّ القلانسي، وآخر أصحابه، روى
الحديث عن خميس الحوزيّ [4] ، وأبي عبد الله البارع، وطائفة، وتوفي في
سلخ ربيع الأول وله ثلاث وتسعون سنة وثلاثة أشهر.
وفيها أبو محمد عبد الوهّاب بن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الجيلي ثم
البغدادي الأزجي [5] الفقيه الحنبلي الواعظ.
ولد في ثاني شعبان سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.
ذكر أبو شامة: أنه سمع من ابن الحصين، وابن السمرقندي.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «دجلة» والتصحيح من «ذيل الروضتين» و
«النجوم الزاهرة» .
[2] قلت: وعقب ابن تغري بردي على فعلته هذه في «النجوم الزاهرة» بقوله:
قلت: وما فعله هو بعظام الشيخ أقبح من أن يدفن بعض المسلمين في بعض
أوقاف المسلمين، وما ذاك إلا الحسد من الشيخ عبد القادر وعظم شهرته،
حتى وقع منه ما وقع، ولهذا كان موته على أقبح وجه، بعد أن قاسى خطوبا
ومحنا، وحبس سنين، حتى أخرج من الحبس ميتا، وهذا ما وقع له في الدنيا،
وأما الآخرة فأمره إلى الله تعالى، وبالجملة فإنه كان من مساوئ الدّهر.
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 277- 278) و «سير أعلام النبلاء»
(21/ 246- 248) و «العبر» (4/ 281) .
[4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الجوزي» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء»
.
[5] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 288- 289) و «ذيل طبقات
الحنابلة» (1/ 388- 390) .
(6/514)
وذكر ابن القادسي: أنه سمع من ابن الحصين،
وابن الزّاغوني، وابن البنا، وغيرهم.
وأسمعه والده في صباه من أبي غالب بن البنا وغيره.
وقرأ الفقه على والده حتّى برع، ودرّس نيابة عن والده بمدرسته، وهو حيّ
وقد نيّف على العشرين من عمره، ثم استقلّ بالتدريس بها بعده، ثم نزعت
منه لابن الجوزي، ثم ردّت إليه، وتولى المظالم للناصر سنة ثلاث
وثمانين، وكان كيّسا ظريفا من ظرفاء أهل بغداد، ولم يكن في أولاد أبيه
أفقه منه. كان فقيها فاضلا، له كلام حسن في مسائل الخلاف، فصيحا في
الوعظ وإيراد الملح مع عذوبة الألفاظ، مليح النّادرة، ذا مزح ودعابة
وكياسة.
قال أبو شامة: قيل له يوما على مجلس وعظه: ما تقول في أهل البيت؟ فقال:
قد أعموني، وكان أعمش أجاب عن بيت نفسه.
وروى عنه ابن الدّبيثي، وابن الغزّال الواعظ، وابن خليل [1] وأجاز
لمحمد بن يعقوب، وتوفي ليلة الأربعاء خامس عشري شوال.
وفيها قاضي القضاة أبو طالب علي بن علي بن هبة الله بن محمد بن البخاري
[2] البغدادي الشافعي. سمع من أبي الوقت، وولي القضاء سنة اثنتين
وثمانين، ثم عزل، ثم أعيد سنة تسع وثمانين.
وفيها محمد بن حيدرة بن أبي البركات عمر بن إبراهيم بن محمد أبو
المعمّر الحسيني الزّيدي الكوفي [3] . سمع من جدّه، وهو آخر من حدّث عن
أبي النّرسي، وكان رافضيا.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «خيل» .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «النجاري» والتصحيح من
«التكملة لوفيات النقلة» (1/ 281) و «النجوم الزاهرة» (6/ 143) .
[3] انظر «العبر» (4/ 282) و «النجوم الزاهرة» (6/ 143) .
(6/515)
وفيها أبو البركات، ويقال أبو الثناء،
محمود بن أحمد بن ناصر البغدادي الحربي الحذّاء [1] . سمع من ابن
الطّلّاية، وعبد الخالق بن يوسف، وغيرهما، وتفقّه في مذهب أحمد، وأقرأ
الفقه وحدّث، وتوفي في شهر ربيع الآخر ببغداد.
وفيها أبو إسحاق، ويقال أبو الحزم، مكّي بن أبي القاسم بن عبد الله بن
معالي بن عبد الباقي بن العرّاد البغدادي المأموني [2] ، الفقيه
الحنبلي المحدّث.
ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وسمع من ابن ناصر، والأرموي، وابن البنا،
وغيرهم، واعتنى بهذا الشأن، ولم يزل يقرأ ويسمع إلى آخر عمره، وهو ثقة
صحيح السماع، وقد نسبه القطيعي إلى التساهل والتسامح.
وروى عنه ابن خليل، والبلداني، وغيرهما، وتوفي ليلة الجمعة سادس المحرم
ببغداد، ودفن بباب حرب مجاورا قبر بشر الحافي.
وفيها ناصر بن محمد أبو الفتح الأصبهاني القطّان [3] . روى الكثير عن
جعفر الثقفي، وإسماعيل بن الإخشيذ، وخلق، وتوفي في ذي الحجّة، وأكثر
عنه الحافظ ابن خليل.
وفيها أبو القاسم يحيى بن أسعد بن بوش الأزجي الحنبلي الخبّاز [4] سمع
الكثير من أبي طالب اليوسفي، وأبي سعد بن الطّيوري، وأبي علي الباقرحي،
وطائفة، وكان عاميّا. مات شهيدا غصّ بلقمة فمات في ذي القعدة، عن بضع
وثمانين سنة، وله إجازة [من] ابن بيان. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 278- 279) و «ذيل طبقات
الحنابلة» (1/ 391) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 387- 388) .
[3] انظر «العبر» (4/ 282) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 306- 307)
وفيهما: «ويعرف بالويرج» .
[4] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 243- 244) و «العبر» (4/ 283) و
«النجوم الزاهرة» .
(6/ 143) .
(6/516)
سنة أربع وتسعين
وخمسمائة
فيها استولى علاء الدّين بن خوارزم شاه تكش على بخارى، وكانت لصاحب
الخطا لعنه الله، وجرى له معه حروب وخطوب ثم انتصر تكش وقتل خلق من
الخطا.
وفيها توفي أبو علي الفارسي [1] ، الزاهد، واسمه الحسن بن مسلم الحنبلي
الفارسي، من قرية بنهر عيسى يقال لها الفارسية. كان أحد الأبدال وزاهد
العراق. سمع وتفقّه بأبي ذرّ الكرخي، وكان متبتلا أقام أربعين سنة لا
يكلّم أحدا من الناس، صائم الدّهر، قائم الليل، يقرأ كل يوم وليلة
ختمة.
وكانت السباع تأوي إلى زاويته، والخليفة وأرباب الدولة يمشون إلى
زيارته.
حكي أن فقيرا احتلم بزاويته في ليلة باردة، فنزل إلى النهر ليغتسل،
فجاء السبع فنام على جبته، وكاد الفقير يموت من البرد والخوف، فخرج
الشيخ حسن وجاء إلى السبع فضربه بكمه وقال: يا مبارك لم تتعرض لضيفنا،
فقام السبع يهرول، وتوفي بالفارسية في المحرم وقد بلغ التسعين.
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 283) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 301- 302) و
«ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 395- 396) وهو غير أبي عليّ الفارسي الإمام
النحوي الشهير.
(6/517)
وفيها جرديك [1] أحد أكابر أمراء الدولتين
النّورية والصّلاحية. حضر جميع الفتوحات، وهو الذي قتل شاور بمصر، وابن
الخشّاب بحلب، وكان فارس الإسلام.
وفيها صاحب سنجار الملك عماد الدّين زنكي بن قطب الدّين مودود ابن
أتابك زنكي [2] تملّك حلب بعد ابن عمه الصالح إسماعيل فسار السلطان
صلاح الدّين فنازله، ثم أخذ منه حلب وعوّضه بسنجار فملكها إلى هذا
الوقت، ونجد صلاح الدّين على عكا، وكان عادلا متواضعا موصوفا بالبخل،
وتملّك بعده ابنه قطب الدّين محمد.
وفيها تقي الدّين أبو الحسين وأبو الخير، سلامة بن إبراهيم بن سلامة
الحدّاد [3] القبّاني الدّمشقي المحدّث الفقيه الحنبلي. سمع من ابن
هلال، وابن الموازيني، وغيرهما من مشايخ دمشق، وعني بالحديث، وأمّ
بحلقة الحنابلة بجامع دمشق، وكان ثقة صالحا، وابن نقطة الحافظ يعتمد
على خطّه وينقل عنه في «استدراكه» .
قال ابن الحنبلي: كان حسن السمت، يحفّ شاربه ويقصّر ثوبه، ويأكل من كسب
يده، ويعمل القبابين ويعتمد عليه في تصحيحها. وروى عنه ابن خليل في
«معجمه» وتوفي سابع عشري ربيع الآخر.
وفيها أبو الفضائل الكاغدي الخطيب، عبد الرحيم بن محمد
__________
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (13) و «النجوم الزاهرة» (6/ 143) واسمه
جرديك بن عبد الله النّوري.
[2] انظر «ذيل الروضتين» ص (13) و «العبر» (4/ 283- 284) و «النجوم
الزاهرة» (6/ 144) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 306) و «الإعلام بوفيات الأعلام»
للذهبي ص (244) بتحقيق الأستاذين رياض عبد الحميد مراد، وعبد الجبّار
زكار، طبع مكتبة دار العروبة بالكويت، و «الوافي بالوفيات» (15/ 331-
332) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 397) وقد تحرفت «الحداد» إلى «الحذاء»
في «آ» و «ط» .
(6/518)
الأصبهاني [1] المعدّل. روى عن أبي علي
الحدّاد وعدة، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها أبو طاهر الأصبهاني علي بن سعيد بن فاذشاه [2] . روى عن الحداد
[3] أيضا ومات في ربيع الأول.
وفيها أبو الهيجاء مقدّم الأكراد، ويعرف بالسّمين [4] ، بعثه الخليفة
إلى همذان فلم يتمّ أمره وتفرّق عنه أصحابه، فاستحيا أن يعود إلى
بغداد، فطلب الشام فلما وصل إليها مرض، وكان نازلا على تلّ، فقال:
ادفنوني فيه، فلما مات حفر له قبر على رأس التلّ فظهرت بلاطة عليها اسم
أبيه فدفنوه عليه.
وفيها أبو الحسن علي بن موسى بن محمد بن خلف الأنصاري [5] نزيل فاس
وخطيبها ومصنّف «شذور الذهب» في صنعة الكيمياء، الذي لم ينظم أحد في
الكيمياء مثل نظمه، حتّى قيل إنه إن لم يعلمك صنعة الذّهب علّمك صنعة
الأدب، وإن فاتك ذهبه لم يفتك أدبه، ويعرف بابن أرفع رأس [6] ويقال: هو
شاعر الحظ، حكيم الشعر.
وفيها مجاهد الدّين قايماز الخادم الرّومي [7] الحاكم على الموصل، وهو
الذي بنى الجامع المجاهدي، والمدرسة، والرّباط، والمارستان بظاهر
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 284) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 246) .
[2] انظر «العبر» (4/ 284) .
[3] يعني عن أبي علي الحداد المتقدم ذكره في الترجمة السابقة.
[4] انظر «النجوم الزاهرة» (6/ 145) .
[5] انظر «فوات الوفيات» (3/ 106- 109) و «غاية النهاية في طبقات
القراء» (1/ 581- 582) .
و «كشف الظنون» (2/ 1029) و «الأعلام» للزركلي (5/ 26) .
[6] في «الأعلام» : «ويعرف بابن أرفع رأسه» .
[7] انظر «مرآة الزمان» (8/ 294) و «النجوم الزاهرة» (6/ 144) .
(6/519)
الموصل على دجلة، وأوقف عليه الأوقاف، وكان
عليه رواتب كثيرة بحيث لم يدع في الموصل بيت فقير إلّا وأغنى أهله،
وكان ديّنا صالحا يتصدق كل يوم خارجا عن الرواتب بمائة دينار، وكان
يصوم في السنة ستة أشهر، ومدحته الشعراء، منهم ابن التّعاويذي بقصيدة
أولها:
عليل الشّوق فيك متّى يصحّ ... وسكران بخبل كيف يصحو
فأعطاه ألف دينار.
وفيها قوام الدّين بن زبادة يحيى بن سعيد بن هبة الله الواسطي ثم
البغدادي [1] صاحب ديوان الإنشاء ببغداد، ومن انتهت إليه صناعة التّرسل
مع معرفته بالفقه، والأصول، والكلام، والنحو، والشعر. أخذ عن ابن
الجواليقي، وحدّث عن علي بن الصبّاغ، والقاضي الأرّجاني، وولي نظر
واسط، ثم ولي حجابة الحجّاب وغير ذلك، وتوفي في ذي الحجّة.
ومن شعره:
باضطراب الزّمان ترتفع الأن ... ذال فيه حتّى يعمّ البلاء
وكذا الماء ساكنا فإذا حرّ ... ك ثارت من قعره الأقذاء
وله أيضا:
لا تغبطنّ وزيرا للملوك وإن ... أناله الدّهر منهم فوق همّته
واعلم بأنّ له يوما تمور به ال ... أرض الوقور كما مارت لهيبته
هارون وهو أخو موسى الشقيق له ... لولا الوزارة لم يأخذ بلحيته
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 244- 249) و «العبر» (4/ 284) و «سير
أعلام النبلاء» (21/ 336- 337) .
(6/520)
سنة خمس وتسعين
وخمسمائة
فيها كانت فتنة فخر الدّين الرّازي، صاحب التصانيف، وذلك أنه قدم هراة
ونال إكراما عظيما من الدولة، فاشتد ذلك على الكراميّة، فاجتمع يوما هو
والزاهد مجد الدّين بن القدوة، فاستطال فخر الدّين على ابن القدوة
وشتمه وأهانه، فلما كان من الغد جلس ابن عم مجد الدّين فوعظ الناس،
وقال: رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ
فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ 3: 53 [آل عمران: 53] أيها الناس! لا
نقول إلّا ما صحّ عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأما قول أرسطو،
وكفريات ابن سينا، وفلسفة الفارابي فلا نعلمها فلأي شيء يشتم بالأمس
شيخ من شيوخ الإسلام يذبّ عن دين الله، وبكى فأبكى الناس وضجت
الكراميّة وثاروا من كل ناحية، وحميت الفتنة، فأرسل السلطان الجند
فسكّنهم، وأمر الرّازي بالخروج. قاله في «العبر» [1] .
وفيها كانت بدمشق فتنة الحافظ عبد الغني [2] ، وكان أمّارا بالمعروف،
داعية إلى السّنّة، فقام عليه الأشعرية وأفتوا بقتله، فأخرج من دمشق
طريدا.
قاله في «العبر» [3] أيضا.
وفيها مات العزيز صاحب مصر أبو الفتح عثمان بن السلطان
__________
[1] (4/ 285) .
[2] يعني المقدسي.
[3] (4/ 286) وانظر الخبر بتوسع في «ذيل الروضتين» ص (16) .
(6/521)
صلاح الدّين يوسف بن أيوب [1] ، توفي في
المحرّم عن ثمان وعشرين سنة.
وكان شابا مليحا ظريف الشمائل قويا ذا بطش وأيد وكرم وحياء وعفة، بلغ
من كرمه أنه لم تبق له خزانة، وبلغ من عفته أنه كان له غلام بألف
دينار، فحلّ لباسه، ثم وفّق فتركه وأسرع إلى سريّة له فافتضّها، وأمر
الغلام بالتستّر.
وأقيم بعده ولده علي فاختلفت الأمراء، وكاتب بعضهم الأفضل، فصار من
صرخد إلى مصر وعمل نيابة السلطنة، ثم سار بالجيوش ليأخذ دمشق من عمه،
فأحرق العادل الحواضر والسّرب، ووقع الحصار، ثم دخل الأفضل من باب
السلامة، وفرحت به العامة وحوصرت القلعة مدة، وكان سبب موت العزيز أنّه
خرج إلى الفيّوم يتصيّد فتقنطرت به فرسه فأصابته حمى فمات بعد يومين
ودفن بالقرافة قرب الإمام الشافعي، وكان عمره سبعا وعشرين سنة، وخلّف
عشرة أولاد أكبرهم ناصر الدّين محمد.
وفيها صلب بدمشق الذي زعم أنه عيسى بن مريم وأضلّ طائفة، فأفتى العلماء
بقتله.
وفيها عبد الخالق بن هبة الله أبو محمد الحريمي بن البندار [2]
الزّاهد. روى عن ابن الحصين وجماعة.
قال ابن النجار: كان يشبه الصحابة، ما رأيت مثله، توفي في ذي القعدة.
وفيها ابن رشد الحفيد، هو العلّامة أبو الوليد محمد بن أحمد بن
العلّامة المفتي أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي [3] المالكي.
أدرك من حياة جده شهرا سنة عشرين، وتفقّه وبرع، وسمع الحديث وأتقن الطب
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 286) و «النجوم الزاهرة» (6/ 146) .
[2] انظر «العبر» (4/ 286) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 328- 330) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 321- 322) و «سير أعلام النبلاء»
(21/ 307- 310) .
(6/522)
وأقبل على الكلام والفلسفة حتّى صار يضرب
به المثل فيها، وصنّف التصانيف، مع الذكاء المفرط والملازمة للاشتغال
ليلا ونهارا، وتآليفه كثيرة نافعة، في الفقه، والطب، والمنطق،
والرياضي، والإلهي، وتوفي في صفر بمرّاكش.
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الملك [1] بن إسماعيل بن عبد الملك بن
إسماعيل بن علي الأصبهاني [2] الواعظ الحنبلي.
ولد سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وسمع من أبي علي الحمّامي،
والباغبان، وغيرهما. وببغداد من هبة الله بن الشّبلي وخلق، وكان له
قبول كثير عند أهل بلده، وقدم بغداد غير مرّة وأملى بها، وسمع منه ابن
القطيعي، وابن النجّار، وقال: كان فاضلا صدوقا. وتوفي ليلة الرابع
والعشرين من ذي الحجّة.
وفيها أبو بكر [3] بن زهر [3] محمد بن عبد الملك بن زهر الإيادي
الإشبيلي [4] شيخ الطب وجالينوس العصر.
ولد سنة سبع وخمسمائة، وأخذ الصناعة عن جدّه أبي العلاء زهر بن عبد
الملك، وبرع ونال تقدّما وحظوة عند السلاطين، وحمل الناس عنه تصانيفه.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن عبد الله» والتصحيح من مصادر الترجمة المذكورة
في التعليق التالي.
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 342- 343) و «الوافي بالوفيات»
(4/ 43) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 397- 398) .
[3] في «آ» و «ط» : «أبو بكر بن خيرون بن زهر» والتصحيح من المصادر
المذكورة في التعليق التالي.
[4] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 434- 437) و «العبر» (4/ 288) و «سير
أعلام النبلاء» (21/ 325- 327) .
(6/523)
وكان جوادا ممدحا محتشما كثير العلوم. قيل:
إنه حفظ «صحيح البخاري» كلّه.
قال ابن دحية: كان شيخنا أبو بكر يحفظ شعر ذي الرّمّة، وهو ثلث لغة
العرب، مع الإشراف على جميع أقوال أهل الطب، توفي بمرّاكش في ذي
الحجّة.
وفيها أبو جعفر الطّرسوسي محمد بن إسماعيل الأصبهاني [1] الحنبلي. سمع
أبا علي الحدّاد، ويحيى بن مندة، وابن طاهر، وطائفة، وتفرّد في عصره،
وتوفي في جمادى الآخرة عن أربع وتسعين سنة.
وفيها أبو الحسن الجمّال مسعود بن أبي منصور بن محمد الأصبهاني الخيّاط
[2] . روى عن الحدّاد، ومحمود الصّيرفي، وحضر غانما البرجي، وأجاز له
عبد الغفّار الشّيروي، وتوفي في شوال.
وفيها أبو الفضل الصّوفي منصور بن أبي الحسن الطّبري [3] الواعظ.
تفقّه وتفنّن، وسمع من زاهر الشّحّامي وغيره، وهو ضعيف في روايته [4]
لمسلم [5] عن الفراوي توفي بدمشق في ربيع الآخر.
وفيها جمال الدّين أبو القاسم يحيى بن علي بن الفضل بن هبة الله [6] ،
العلّامة البغدادي، شيخ الشافعية بها، ويعرف بابن فضلان.
ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة، وتفقّه على أبي منصور بن الرزّاز
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 287- 288) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 245- 246)
.
[2] انظر «العبر» (4/ 288) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 268) و «النجوم
الزاهرة» (6/ 154) .
[3] انظر «العبر» (4/ 288- 289) و «النجوم الزاهرة» (6/ 154) .
[4] في «ط» : «في رواية» .
[5] قال الذهبي في ترجمته في «ميزان الاعتدال» (4/ 183) : «أخذ يروي
«صحيح مسلم» عن الفراوي، فتقدم ابن خليل وبيّن للجماعة أن الثبت مزوّر،
فقاموا» .
[6] انظر «العبر» (4/ 154) و «النجوم الزاهرة» (6/ 154) .
(6/524)
ببغداد، وبنيسابور على محمد بن يحيى تلميذ
الغزالي، وسمع جماعة، وانتفع به خلق كثير، واشتهر اسمه وطار صيته، وكان
إماما في الفقه، والأصول، والخلاف، والجدل، مشارا إليه في ذلك، وكان
يجري له وللمجير البغدادي بحوث ومحافل، ويشنّع كل منهما على الآخر،
وتوفي في شعبان.
وفيها المنصور أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي [1]
الملقب بأمير المؤمنين. بويع سنة ثمانين وخمسمائة بعد أبيه وسنّه
اثنتان وثلاثون سنة، وكان صافي اللّون، جميلا، أعين، أفوه، أقنى، أكحل،
مستدير اللّحية، ضخما، جهوريّ الصوت، جزل الألفاظ، كثير الإصابة بالظنّ
والفراسة، خبيرا، ذكيا، شجاعا، مقداما، محبا للعلوم، كثير الجهاد،
ميمون التقيّة، ظاهري المذهب، معاديا لكتب الفقه والرأي [2] ، أباد
منها شيئا كثيرا بالحريق، وحمل الناس على التشاغل بالأثر. قاله في
«العبر» .
وقال ابن الأهدل: طاب حاله وأظهر بهجة ملك عبد المؤمن، وتنصّل للجهاد،
وأجرى الأحكام على قانون الشرع، ولقّب أمير المؤمنين كأبيه وجدّه. رحل
إلى الأندلس، ورتّب قواعدها، وعزم عليهم في الجهر بالبسملة [3] في أول
الفاتحة، ثم عاد إلى مرّاكش وهي كرسي ملكهم، فجاءه كتاب ملك الفرنج
يتهدده، من جملة كتابه: باسمك اللهم فاطر السموات والأرض، وصلّى الله
على السيد المسيح روح الله وكلمته، فمزّق يعقوب الكتاب، وكتب على ظهر
قطعة منه: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ
لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ
27: 37 [النّمل: 37] الجواب ما ترى لا ما تسمع، وأنشد:
__________
[1] انظر «العبر» (4/ 289) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 311- 319) .
[2] في «آ» و «ط» : «لكتب الفقه والفقه» والتصحيح من «العبر» .
[3] في «آ» و «ط» : «بالتسمية» والتصحيح من «مرآة الجنان» (3/ 480) .
(6/525)
ولا كتب إلّا المشرفيّة عندنا ... ولا رسل
إلّا الخميس العرمرم
[1] ثم سار إليهم وعبر بحر سبتة إلى الأندلس، ثم رحل منها فدخل بلادهم
وأوقع بهم وقعة لم يسمع بمثلها، ولم ينج منهم إلّا ملكهم في عدد يسير،
وبلغت الدّروع من المغنم ستين ألف درع ولم يحص عدد الدواب، وكان من
عادة الموحدين لا يأسرون مشركا بل يقتلونهم، ثم عاد إلى إشبيلية والتمس
الفرنج صلحهم فصالحهم، ولو طالت أيامه لم يترك في يدهم مدينة.
وبنى بالقرب من سلا مدينة على هيئة الإسكندرية في اتساع الشوارع وحسن
التقسيم والتحسين، بناها على جانب البحر المحيط، وسمّاها دار الفتح، ثم
رجع إلى مرّاكش، وكان محبا للعلم والعلماء، يصلّي بالناس الخمس ويلبس
الصوف، وكان على قدم التواضع وإليه تنسب الدنانير اليعقوبية، وكان قد
عزم على علماء زمانه أن لا يقلدوا أحدا من الأئمة الماضين بل تكون
أحكامهم بما ينتهي إليه اجتهادهم.
قال ابن خلّكان [2] : أدركنا جماعة منهم على هذا المنهج، مثل أبي
الخطّاب بن دحية، وأخيه أبي عمر، ومحيي الدّين بن عربي الطائي نزيل
دمشق، وغيرهم، وتوفي يعقوب بمرّاكش وأوصى أن يدفن على قارعة الطريق
لتترحم عليه المارّة، وقيل: إنه تجرّد من الملك وذهب إلى المشرق فمات
خاملا.
قال اليافعي [3] : سمعت من لا أشك في صلاحه من المغاربة أن
__________
[1] البيت للمتنبي وهو في «ديوانه» بشرح العكبري (3/ 352) وفيه «عنده»
مكان «عندنا» .
قال العكبري: المشرفية: السيوف، تنسب إلى موضع تطبع فيه السيوف، وهي
المشارف.
والخميس: الجيش العظيم. والعرمرم: الكثير.
[2] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 10) .
[3] انظر «مرآة الجنان» (3/ 483) .
(6/526)
شيوخ المغرب راموا أن يعارضوا «رسالة»
القشيري وما جمع فيها من المشايخ المشارقة فذكروا إبراهيم بن أدهم،
وقالوا: لا تتم لنا المعارضة إلّا بملك مثله، فلما تزهد يعقوب وانسلخ
عن الملك تمّ لهم ذلك.
وبويع بعد يعقوب لولده محمد الناصر فاسترجع المهدية من الملثم.
(6/527)
|