شذرات الذهب في أخبار من ذهب
[المجلد
السابع]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سنة إحدى وستمائة
فيها تغلّبت الفرنج على مملكة القسطنطينيّة، وأخرجوا الرّوم منها بعد
حصار طويل، وحروب كثيرة. قاله في «العبر» [1] .
وفيها خرجت الكرج فعاثوا ببلاد أذربيجان [2] ، وقتلوا وسبوا، ووصلت
زعازعهم [3] إلى عمل خلاط، فانتدب لحربهم عسكر خلاط، وعسكر أرزن [4]
الرّوم، فالتقوهم، ونصر الله الإسلام، وقتل في المصافّ ملك الكرج.
وفيها جاءت الفرنج إلى حماة بغتة، وأخذوا النّساء الغسّالات من باب
البلد، وخرج إليهم الملك المنصور، وقاتل قتالا حسنا، وكسر الفرنج
__________
[1] (5/ 1) .
[2] قلت: كذا ضبطها ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 128) بفتح الهمزة،
وسكون الذال، وفتح الراء، وكسر الباء الموحدة، وياء ساكنة، وجيم. وقال:
وقد فتح قوم الذال، وسكّنوا الراء، ومدّ آخرون الهمزة مع ذلك. وأضاف:
وروي عن المهلّب- ولا أعرف المهلّب هذا- آذريبجان، بمد الهمزة، وسكون
الذال، فيلتقي الساكنان، وكسر الراء، ثم ياء ساكنة، وباء موحدة مفتوحة،
وجيم، وألف، ونون.
[3] كذا في «آ» و «ط» : «زعازعهم» وهي الكتائب. انظر «لسان العرب»
(زعع) وفي «العبر» :
«عياراتهم» .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أردن» والتصحيح من «العبر» ، وقال ياقوت
في «معجم البلدان» (1/ 150) : أرزن مدينة مشهورة قرب خلاط.
(7/5)
عسكره، ووقف على السّاقة [1] من الرّقيطا
[1] إلى باب حماة، ولولا وقوفه ما أبقوا من المسلمين أحدا [2] .
وفيها ولدت امرأة ولدا له رأسان وأربعة أرجل وأيد، ومات من يومه. قاله
ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» .
وفيها توفي السّكّر المحدّث أحمد بن سليمان بن أحمد الحربي [3] المقرئ
المفيد، عن نيف وستين سنة. قرأ القراءات على أحمد بن محمد ابن شنيف
وجماعة، وسمع من سعيد بن البنّا، وابن البطّي فمن بعدهما، وكان ثقة،
مكثرا، صاحب قرآن وتهجد وإفادة للطلبة، توفي في صفر.
وفي حدودها وما يقرب، أبو الآثار وأبو الأمانة جبريل بن صارم بن علي بن
سلامة الصّعبيّ [4] الأديب الحنبلي. قدم بغداد سنة أربع وثمانين
وخمسمائة وهو فقير، فتفقّه في المذهب، وقرأ الخلاف، وجالس النّحاة،
وحصّل طرفا صالحا من الأدب، وسمع الحديث من ابن الجوزي وغيره، ومدح
الخليفة الناصر بعدّة قصائد، وأثرى ونبل مقداره، واشتهر ذكره، فنفذ من
الديوان في رسالة إلى خوارزم شاه، وسمع الحديث من مشايخ خراسان، وحصّل
نسخا بما سمع، ثم عاد إلى بغداد وقد صار له الغلمان التّرك والمراكب،
ولم يزل يرسل من الديوان إلى خوارزم شاه إلى أن قبض عليه لسبب ظهر منه،
فسجن بدار الخلافة، وانقطع خبره عن النّاس.
__________
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (132/ آ) : «ووقف في السّاقة»
وما أثبته من «النجوم الزاهرة» (6/ 187) وجاء في حاشيته: الرقيطاء:
قرية بحماة كما في «تاريخ حماة» للصابوني ص (27) وساقة الجيش: مؤخّره
انظر «تاج العروس» (سوق) .
[2] انظر «ذيل الروضتين» ص (51) وانظر رواية أخرى للخبر في «تاريخ
الإسلام» للذهبي (الطبقة الحادية والستون) ص (45) طبع مؤسسة الرسالة.
[3] انظر «العبر» (5/ 1) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 580) و «النجوم
الزاهرة» (6/ 188) .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 38- 39) .
(7/6)
ومما أنشد له ابن القطيعي:
لا غرو إن أضحت الأيّام توسعني ... فقرا وغيري بالإثراء موسوم
فالحرف في كلّ حال غير منتقص ... ويدخل الاسم تصغير وترخيم
وفيها عبد الرّحيم بن محمد بن أحمد بن حمّويه الأصبهاني [1] الرجل
الصّالح، نزيل همذان. روى بالحضور «معجم الطبراني» عن عبد الصمد
العنبري، عن ابن ريذة.
وفيها أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن أيوب الحربي الفلّاح [2] .
آخر من سمع من أبي العزّ بن كادش، وسمع أيضا من ابن الحصين. توفي في
ربيع الأول.
وفيها نجم الدّين أبو محمد عبد المنعم بن علي بن نصر بن منصور ابن هبة
الله النّهري الحرّاني [3] . الفقيه الحنبلي الواعظ، من أهل حرّان.
رحل إلى بغداد في صباه سنة ثمان وسبعين لطلب العلم، فسمع من أبي
السّعادات القزّاز وغيره. وتفقه على أبي الفتح بن المنّي، حتّى حصّل
طرفا صالحا من المذهب والخلاف، ثم عاد إلى حرّان، ثم قدم بغداد مرة
أخرى سنة ست وتسعين ومعه ولداه النّجيب عبد اللطيف، والعزّ عبد العزيز،
فسمع، وأسمعهما الكثير، وقرأ على الشيوخ. وكتب وحصّل وناظر في مجالس
الفقهاء وحلق المناظرين، ودرّس وأفاد الطلبة، واستوطن بغداد وعقد بها
مجلس الوعظ بعدّة أماكن.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 1- 2) .
[2] انظر «العبر» (5/ 2) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 419- 420) وزاد في
نسبته: البقلي البستبان، وقال: وتفسيره النّاطور.
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 36- 38) .
(7/7)
ذكره ابن النجار وقال: كان مليح الكلام في
الوعظ، رشيق الألفاظ، حلو العبارة، كتبنا عنه شيئا يسيرا، وكان ثقة،
صدوقا، متحرّيا، حسن الطّريقة، متديّنا، متورّعا، نزها، عفيفا، عزيز
النّفس، مع فقر شديد، وله مصنفات حسنة، وشعر جيد، وكلام في الوعظ بليغ.
وكان حسن الأخلاق، لطيف الطبع، متواضعا.
وقال سبط ابن الجوزي: كان كثير الحياء، يزور جدّي ويسمع معنا الحديث.
وذكر أنه استوطن بغداد لوحشة جرت بينه وبين خطيب حرّان ابن تيمية، فإنه
خشي منه أن يتقدم عليه، وكان يقصد التجانس في كلامه، وسمعته ينشد:
وأشتاقكم يا أهل ودّي وبيننا ... كما زعم البين المشتّ فراسخ
فأمّا الكرى عن ناظري فمشرّد ... وأما هواكم في فؤادي فراسخ
وقال ابن النجّار أيضا: توفي يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول.
وفيها شميم الحلّيّ أبو الحسن علي بن الحسن بن عنتر [1] النّحوي
اللّغوي الشاعر. تأدب بابن الخشّاب، وكان ذا تيه وحمق ودعاوى كثيرة،
تزري بكثرة فضائله. قاله في «العبر» .
وقال ابن خلّكان [2] : كان أديبا، فاضلا، خبيرا بالنحو واللغة وأشعار
العرب، حسن الشعر، وكان اشتغاله ببغداد على ابن الخشّاب ومن في طبقته
من أدباء ذلك الوقت، ثم سار إلى ديار بكر والشام، ومدح الأكابر، وأخذ
جوائزهم، واستوطن الموصل، وله عدة تصانيف، وجمع من نظمه كتابا سمّاه
«الحماسة» ورتّبه على عشرة أبواب، وضاهى به كتاب «الحماسة» لأبي تمّام.
وكان جمّ الفضيلة، إلّا أنه كان بذيء اللّسان، كثير الوقوع في الناس،
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 2) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 411- 412) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 339- 340) .
(7/8)
متعرّضا لثلب أعراضهم [1] لا يثبت لأحد في
الفضل شيئا.
وسئل لم سمي شميما؟ قال: أقمت مدة آكل كل يوم شيئا من الطّين [2] ،
فإذا وضعته عند قضاء الحاجة شممته فلا أجد له رائحة، فسمّيت [3] بذلك
شميما.
وشميم: بضم الشين المعجمة، وفتح الميم، وسكون الياء المثناة من تحتها،
وبعدها ميم، وهو من الشمّ. انتهى ملخصا.
وقال ياقوت الحموي [4] : قدمت آمد فقصدته فوجدته شيخا كبيرا نحيف
الجسم، وبين يديه جمدان [5] مملوء كتبا من تصانيفه، فقال: من أين قدمت؟
قلت: من بغداد، فهشّ لي، وأقبل يسألني عنها. وقلت له: إنما جئت لأقتبس
من علومك [6] شيئا، فقال: وأيّ علم تحبّ؟ قلت: الأدب، فقال:
إنّ تصانيفي في الأدب كثيرة، وكلما أجمع الناس على استحسان شيء، أنشأت
فكرتي من جنسه ما أدحض به المتقدم [7] . ورأيت النّاس مجمعين على
خمريّات أبي نواس، فعملت كتاب «الخمريات» من نظمي، لو عاش أبو نواس
لاستحيا أن يذكر شعر نفسه. ورأيتهم مجمعين على خطب ابن نباتة، فصنّفت
كتاب الخطب، وليس للناس اليوم إلّا الاشتغال بخطبي.
وجعل يزري على المتقدمين ويمدح نفسه، ويجهّل الأوائل، فعجبت منه، وقلت:
أنشدني شيئا من شعرك، فأنشدني:
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «مسلطا على ثلب أعراضهم» .
[2] سيرد التعريف بالطّين في حاشية الصفحة (11) .
[3] في «آ» و «ط» : «فسمّي» وما أثبته من «وفيات الأعيان» مصدر
المؤلّف.
[4] انظر «معجم الأدباء» (13/ 50- 59) وقد نقل عنه بتصرف واختصار.
[5] في «معجم الأدباء» : «جامدان» ولعله أراد بقوله: «جمدان» أي «وعاء»
.
انظر التعليق الذي كتبه العلّامة الشيخ أحمد محمد شاكر على «المعرّب»
للجواليقي ص (95) .
[6] في «معجم الأدباء» : «من علوم الموالي» .
[7] في «ا» و «ط» : «المتقدمين» وما أثبته من «معجم الأدباء» .
(7/9)
امزج بمسبوك اللّجين ... ذهبا حكته دموع
عيني
لمّا نعى ناعي [1] الفرا ... ق ببين [2] من أهوى وبيني
كانت ولم تقدر لشي ... ء قبلها إيجاب كوني
فأخالها [3] التّحريم لم ... اشبّهت بدم الحسين
خفقت لنا شمسان من ... لآلائها في الخافقين
وبدت لنا في كأسها ... من لونها في حلّتين
فاعجب هداك الله من ... كون اتّفاق الضّرّتين
في ليلة جاء [4] السّرو ... ر بها يطالبنا بدين
ومضى طليق الرّاح من ... قد كان مغلول اليدين
هي [5] زينة الأحياء في ال ... دّنيا وزينة كلّ زين
فاستحسنت ذلك، فقال: ويلك يا جاهل [6] ، ما عندك غير الاستحسان؟
قلت: فما أصنع؟ قال: اصنع هكذا، ثم قام يرقص ويصفّق إلى أن تعب ثمّ
جلس، وقال: ما أصنع بهؤلاء الذين لا يفرّقون بين الدّرّ والبعر،
والياقوت والحجر؟ فاعتذرت إليه. وسألته عمن تقدّم من العلماء، فلم يحسن
الثّناء على أحد منهم، فسألته عن أبي العلاء المعرّي، فغضب وقال: ويلكم
كم تسيئون [7] الأدب بين يديّ، من هو ذاك الكلب الأعمى حتّى يذكر
بحضرتي؟
قلت: يا سيدي! أنا رجل محدّث وأحبّ أن أسألك عن شيء، فقال: هات
__________
[1] في «معجم الأدباء» : «لما دعا داعي» .
[2] البين: البعد.
[3] في «معجم الأدباء» : «وأحالها» .
[4] في «معجم الأدباء» : «بدأ» .
[5] في «معجم الأدباء» : «ذي» .
[6] لفظة «يا جاهل» لم ترد في «معجم الأدباء» .
[7] في «معجم الأدباء» : «ويلك كم تسيء» .
(7/10)
مسألتك. فقلت: لم سمّيت شميما؟ فشتمني ثم
ضحك وقال: بقيت مدّة من عمري لا آكل إلّا الطّين [1] . بحيث تنشفت
الرّطوبة، فإذا جاءني الغائط كان مثل البندقة، فكنت آخذه وأقول لمن
أنبسط إليه شمّه فإنه لا رائحة له، فكثر ذلك مني، فلقّبت بذلك. انتهى.
توفي بالموصل في رجب عن سنّ عالية.
وفيها أبو محمد محمد بن حمد بن حامد بن مفرّج بن غياث الأنصاري
الأرتاحي المصري [2] الحنبلي.
ولد سنة سبع وخمسمائة تخمينا. وسمع بمصر من أبي الحسن علي ابن نصر بن
محمد بن عفير الأرتاحي العابد وغيره، وبمكّة من المبارك بن الطبّاخ،
وأجاز له أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفرّاء الموصلي، وتفرّد
بإجازته.
قال المنذري: كتب عنه جماعة من الحفّاظ وغيرهم من أهل البلد والواردين
عليها، وحدّثوا عنه، وهو أول شيخ سمعت منه الحديث، ونعته بالشيخ الأجل
الصالح أبي عبد الله محمد بن الشيخ الأجل الصالح أبي الثّناء حمد. قال:
وهو من بيت القرآن والحديث والصلاح، حدّث من بيته غير واحد، وروى عنه
ابن خليل في «معجمه» ونعته بالصالح وبالإمام. توفي في عشري شعبان بمصر،
ودفن بسفح المقطّم.
__________
[1] في «معجم الأدباء» : «الطيب» . وقال الأستاذ الدكتور إحسان عبّاس
في تعليقه على «وفيات الأعيان» (3/ 339) : قال آدم متز: وكان من
الأطعمة المحبوبة الطّين الذي يؤكل في آخر الطعام، وأحسنه ما كان يجلب
من ناحية كرّان، وهو أخضر كالسلق وأشرق منه ولا نظير له، وكذلك ورد ذكر
الطّين الأبيض العادي في كلام الشعراء، وكان الأخضر يجلب بكثرة من بلاد
قوهستان، وكان يجلب من نيسابور طين يسمى بالنقل يحمل إلى أداني البلاد
وأقاصيها ويتحف به الملوك والسادة، وكان الرطل منه ربما يباع في مصر
وبلاد المغرب بدينار ...
على أن كثيرا من الفقهاء حرّموا أكل الطّين.
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 72) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/
38) .
(7/11)
وفيها ابن الخصيب [1] أبو المفضّل محمد بن
الحسن بن أبي الرّضا القرشي الدمشقي. روى عن جمال الإسلام، وعلي بن أبي
عقيل الصّوري، وضعّفه ابن خليل.
وفيها يوسف بن سعيد البناء الأزجي البعلي [2] الفقيه الحنبلي المحدّث.
سمع كثيرا، وكتب بخطّه.
توفي يوم السبت سلخ السنة، ودفن يوم الأحد مستهل السنة التي بعدها.
وفيها أبو الفتوح يوسف بن المبارك بن كامل الخفّاف البغدادي [3] .
سمّعه أبوه الحافظ أبو بكر الكثير من القاضي أبي بكر الأنصاري، وابن
زريق القزّاز، وطائفة، وكان عامّيّا لا يكتب، توفي في ربيع الأول.
__________
[1] تصحف في «آ» و «ط» و «المنتخب» (133/ آ) إلى: «الحصيب» والتصحيح من
«التكملة لوفيات النقلة» (2/ 54) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 442) و
«العبر» (5/ 2) .
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 49) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 60- 61) و «سير أعلام النبلاء»
(21/ 417- 418) و «النجوم الزاهرة» (6/ 188) .
(7/12)
سنة اثنتين وستمائة
فيها كما قال في «العبر» [1] وجد بإربل خروف وجهه وجه آدميّ.
وفيها كثرت الغارات من الكلب ابن ليون صاحب سيس على بلاد حلب، يسبي
ويحرق، فسار لحربه عسكر حلب فهزمهم. انتهى.
وفيها وجد التّقيّ الأعمى [2] مدرّس الأمينية مشنوقا في المنارة
الغربية، ابتلي بأخذ ماله من بيته فاتّهم شخصا كان يقرأ عليه ويقوده من
الجامع إلى بيته ومن بيته إلى الجامع، فأنكر المتهم ذلك، وتعصب له
أقوام عند والي البلد، فوقع الناس في عرض التّقيّ لكونه اتّهم من ليس
من أهل التّهم، ولكونه جمع المال وهو وحيد غريب، وأنه ليس بصادق فيما
ادعاه، فغلب عليه هم من ضياع ماله والوقع في عرضه، ففعل بنفسه ذلك،
وامتنع الناس من الصلاة عليه، وقالوا: قتل نفسه، فتقدم الشيخ فخر
الدّين بن عساكر وصلّى عليه، فاقتدى الناس به.
ودرّس بعده في الأمينية الجمال المصري وكيل بيت المال.
وفيها توفي أبو يعلى حمزة بن علي بن حمزة بن فارس بن
__________
[1] (5/ 3) وذكره الذهبي أيضا في «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (91)
.
[2] هو عيسى بن يوسف بن أحمد الغرّافي. انظر «ذيل الروضتين» ص (54- 55)
و «تاريخ الإسلام» (61/ 105- 107) وقد تحرفت نسبته في «البداية
والنهاية» (13/ 44) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 185) إلى
«العراقي» فتصحح.
(7/13)
القبّيطي [1] البغدادي المقرئ [2] . قرأ
القراءات على سبط الخيّاط، والشّهرزوري. وسمع منهما [3] ، ومن أبي عبد
الله السلّال وطائفة.
وكان خبيرا زاهدا، بصيرا بالقراءات، حاذقا بها. توفي في ذي الحجّة.
وفيها عثمان بن عيسى بن درباس القاضي العلّامة ضياء الدّين أبو عمرو
الكردي الهذباني المارانيّ [4] ثم المصري. تفقه في مذهب الشافعي على
أبي العبّاس الخضر بن عقيل، وابن أبي عصرون، والخضر بن شبل، وساد وبرع،
وتقدم في المذهب، وشرح «المهذّب» في عشرين مجلدا إلى كتاب الشهادات،
وشرح «اللّمع» في مجلدين، وناب عن أخيه صدر الدّين عبد الملك.
قال ابن خلّكان: كان من أعلم الفقهاء في وقته بمذهب الشافعي، ماهرا في
أصول الفقه. توفي بالقاهرة في ذي القعدة وقد قارب تسعين سنة، ودفن
بالقرافة الصغرى. قاله ابن قاضي شهبة في «طبقاته» [5] .
وفيها [السلطان شهاب الدّين الغوري] [6] محمد بن سام، صاحب غزنة. قتلته
[7] الإسماعيلية في شعبان بعد قفوله من غزو الهند، وكان ملكا
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «القسطي» والتصحيح من المصادر المذكورة في
التعليق التالي.
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 92) و «غاية النهاية في طبقات
القراء» (1/ 264) و «النجوم الزاهرة» (6/ 191) .
[3] في «آ» : «وروى وسمع منهما» وآثرت لفظ «ط» .
[4] تحرفت نسبته في «آ» إلى «الحارثي» وفي «ط» إلى «الحاراني» والتصحيح
من التكملة لوفيات النقلة» (2/ 90) و «وفيات الأعيان» (3/ 242) و
«طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (8/ 337) .
[5] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 75- 76) .
[6] ما بين حاصرتين سقط من «ط» وتقدم في «آ» إلى ما قبل ترجمة (عثمان
بن عيسى) السابقة، وهو مترجم في «العبر» (5/ 4) و «سير أعلام النبلاء»
(21/ 320- 322) .
[7] في «آ» : «قتله» .
(7/14)
جليلا مجاهدا، واسع الممالك، حسن السيرة،
وهو الذي حضر عنده فخر الدّين الرّازي فوعظه، وقال: يا سلطان العالم!
لا سلطانك يبقى ولا تلبيس الرّازي يبقى، وإنّ مردّنا إلى الله، فانتحب
السلطان بالبكاء.
وفيها ضياء بن أبي القاسم أحمد بن علي بن الخريف البغدادي النجّار [1]
. سمع الكثير من قاضي المارستان، وأبي الحسين محمد بن الفرّاء وكان
أمّيّا. توفي في شوال.
وفيها أبو العزّ عبد الباقي بن عثمان الهمذاني الصّوفي [2] . روى عن
زاهر الشّحّامي وجماعة، وكان ذا علم وصلاح.
وفيها أبو زرعة اللّفتواني- بفتح اللّام وسكون الفاء وضم الفوقية، نسبة
إلى لفتوان قرية بأصبهان [3]- عبيد الله بن محمد بن أبي نصر الأصبهاني
[4] . أسمعه أبوه الكثير من الحسين الخلّال، وحضر على ابن أبي ذرّ
الصالحاني، وبقي إلى هذه السنة، وانقطع خبره بعدها.
وفيها طاشتكين أمير الحاج العراقي ويلقب بمجير الدّين [أبو سعيد
المستنجدي] [5] . حجّ بالنّاس ستا وعشرين سنة، وكان شجاعا، سمحا، قليل
الكلام، حليما، يمضي عليه الأسبوع ولا يتكلم. استغاث إليه رجل فلم
يكلّمه، فقال له الرجل: الله كلّم موسى، فقال له: وأنت موسى؟ فقال له
الرجل: وأنت الله! فقضى حاجته. وكان قد جاوز التسعين، واستأجر وقفا
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 5) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 418- 419) و
«تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (112- 113) طبع مؤسسة
الرسالة.
[2] انظر «العبر» (5/ 5) .
[3] انظر «معجم البلدان» (5/ 20) .
[4] انظر «العبر» (5/ 5) و «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص
(117) .
[5] انظر «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (113) وما بين
حاصرتين زيادة منه، و «النجوم الزاهرة» (6/ 190) واسمه فيه: «طاشتكين
بن عبد الله المقتفوي» .
(7/15)
مدة ثلاثمائة سنة على جانب دجلة ليعمره
دارا، وكان ببغداد رجل محدّث يقال له فتيحة، فقال: يا أصحابنا نهنّيكم،
مات ملك الموت، فقالوا: وكيف ذلك؟ فقال [1] : طاشتكين عمره تسعون سنة،
واستأجر أرضا ثلاثمائة سنة، فلو لم يعرف أنّ ملك الموت قد مات لم يفعل
ذلك، فضحك النّاس. قاله ابن شهبة في «تاريخه» .
__________
[1] لفظة «فقال» سقطت من «آ» .
(7/16)
سنة ثلاث وستمائة
فيها تمّت عدّة حروب بخراسان، قوي فيها خوارزم شاه، واتّسع ملكه،
وافتتح بلخ وغيرها.
وفيها قبض الخليفة على الرّكن [1] عبد السّلام بن الشيخ عبد القادر [2]
وأحرقت كتبه، وحكم بفسقه، وهو الذي وشى على الشيخ أبي الفرج بن الجوزي،
حتّى نكب، فلقاه الله تعالى.
وفيها توفي جمال الدولة، واقف الإقباليتين، إقبال الخادم [3] بالقدس،
بعد أن وقف داره بدمشق مدرستين شافعية وحنفية، ووقف عليها مواضع:
الثلثان على الشافعية، والثلث على الحنفية.
وفيها ايتامش [4] مملوك الخليفة الناصر، كان أقطعه الخليفة دجيل وقوفا
وبها رجل نصراني من جهة الوزير ابن مهدي يؤذي المسلمين ويركب ويتجبّر
على المسلمين، فسقى ايتامش سما فمات، فأمر الخليفة أن يسلّم ابن ساوة
النصراني لمماليك ايتامش، فكتب الوزير إلى الخليفة يقول: إن
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الركني» وما أثبته من «ذيل الروضتين» ص (55) و
«تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (49) .
[2] أقول: هو الركن عبد السلام بن عبد الوهّاب بن الشيخ عبد القادر
الجيلاني كان فاسد العقيدة.
انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 55) و «البداية والنهاية» (13/ 68)
وستأتي ترجمته صفحة (83) من هذا الجزء (ع) .
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (59) .
[4] انظر «ذيل الروضتين» ص (61) وقد ذكره في وفيات سنة (604) .
(7/17)
النصارى بذلوا في ابن ساوة مائة ألف دينار
على أن لا يقتل، فكتب الخليفة على رأس الورقة:
إنّ الأسود أسود الغاب همّتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السّلب
فسلّم إلى المماليك فقتلوه وأحرقوه.
وفيها داود بن محمد بن محمود بن ماشاذه، أبو إسماعيل الأصبهاني [1] [في
شعبان] [2] . حضر فاطمة الجوزدانيّة، وسمع زاهر الشّحّامي، وغانم بن
خالد وجماعة.
وفيها سعيد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطّاف أبو القاسم المؤدّب [3]
ببغداد. روى عن قاضي المارستان، وأبي القاسم بن السّمرقندي، وتوفي في
ربيع الآخر.
وفيها عبد الرزّاق بن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح [الجيليّ] [4]
الحافظ الثقة الحنبلي، أبو بكر. أسمعه أبوه من أبي الفضل الأرموي
وطبقته، ثم سمع هو بنفسه.
قال الضياء: لم أر ببغداد في تيقظه وتحرّيه مثله.
وقال ابن نقطة: كان حافظا ثقة مأمونا.
وقال ابن النجار: كان حافظا ثقة متقنا، حسن المعرفة بالحديث، فقيها على
مذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل، ورعا متدينا، كثير العبادة، منقطعا في
منزله عن النّاس، لا يخرج إلّا في الجمعات، محبا للرواية، مكرما لطلاب
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 6) .
[2] ما بين الحاصرتين لم يرد في «آ» .
[3] انظر «العبر» (5/ 6) و «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص
(130) .
[4] انظر «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (133- 134) وما
بين الحاصرتين زيادة منه.
(7/18)
العلم، سخيا بالفائدة، ذا مروءة، مع قلّة
ذات يده، وأخلاق حسنة، وتواضع وكيس. وكان خشن العيش، صابرا على فقره،
عزيز النّفس، عفيفا، على منهاج السلف.
وقال أبو شامة في «تاريخه» [1] : كان زاهدا عابدا ورعا، لم يكن في
أولاد الشيخ مثله، وكان مقتنعا من الدّنيا باليسير، ولم يدخل فيما دخل
فيه غيره من إخوته.
وقال ابن رجب [2] : ولد يوم الاثنين ثامن عشر ذي القعدة سنة ثمان
وعشرين وخمسمائة ببغداد. وسمع الكثير بإفادة والده وبنفسه، وتوفي ليلة
السبت سادس شوال، وصلّي عليه بمواضع متعددة، وكان يوما مشهودا، ودفن
بمقبرة الإمام أحمد.
وقال الذهبي [3] : حدّث عنه أبو عبد الله الدّبيثي، وابن النجّار،
والضياء المقدسي، والنّجيب عبد اللطيف، والتّقي اليلداني، وابنه قاضي
القضاة أبو صالح، وآخرون.
وفيها أبو محمد عبد الحليم بن محمد بن أبي القاسم الخضر [بن] محمد بن
تيميّة أبو محمد بن الشيخ فخر الدّين [4] ، وسيأتي ذكر والده.
ولد المترجم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وسمع الحديث ببغداد من ابن كليب
[5] ، وابن المعطوش [6] ، وابن الجوزي، وغيرهم.
__________
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (58) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 40- 41) .
[3] انظر «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (134) .
[4] مترجم في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 39- 40) .
[5] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (134/ آ) إلى «ابن كلب» والتصحيح
من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[6] تصحفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (134/ آ) إلى «ابن المعطوس»
والتصحيح من «سير
(7/19)
وأقام ببغداد مدة طويلة، وقرأ الفقه على
مذهب الإمام أحمد، وأتقن الخلاف، والأصول، والحساب، والهندسة،
والفلسفة، والعلوم القديمة. ذكر ذلك ابن النجّار.
وسمع منه الحافظ ضياء الدّين وغيره، وتوفي في سادس شوال بحرّان.
وذكر والده في كتابه «الترغيب» أن لولده عبد الحليم هذا كتابا سمّاه
«الذخيرة» وذكر عنه فروعا في دقائق الوصايا وعويص المسائل.
وفيها أبو الفرج علي بن عمر بن فارس الحدّاد الباجسرائي [1] ثم
البغدادي الأزجي الفرضي الحنبلي. تفقه على أبي حكيم النّهرواني، وقرأ
الفرائض والحساب، وكان فيه فضل ومعرفة، وتقلب في الخدم الديوانية.
ذكره المنذري وقال: توفي ليلة رابع شعبان ببغداد.
وفيها أبو الحسن علي بن فاضل بن سعد الله بن صمدون [2] الحافظ الصّوري
ثم المصري [3] . قرأ القراءات على أحمد بن جعفر الغافقي، وأكثر عن
السّلفي، وسمع بمصر من الشريف الخطيب، وكان رأسا في هذا الشأن، وكتب
الكثير. توفي في صفر.
وفيها أبو جعفر الصّيدلاني- نسبة إلى بيع الأدوية والعقاقير- محمد ابن
أحمد بن نصر الأصبهاني [4] سبط حسين بن مندة.
أعلام النبلاء» (21/ 400) و «ذيل طبقات الحنابلة» .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (134/ آ) إلى «الباجرائي» والتصحيح
من «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 109) مصدر المؤلف.
[2] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «ابن حمدون» فتصحح.
[3] انظر «العبر» (5/ 6) و «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص
(137) و «حسن المحاضرة» (1/ 354) .
[4] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 138- 139) و «العبر» (5/ 7) .
(7/20)
ولد في ذي الحجّة سنة تسع وخمسمائة، وحضر
الكثير على الحدّاد، ومحمود الصّيرفي، وسمع من فاطمة الجوزدانية،
وانتهى إليه علو الإسناد في الدّنيا، ورحلوا إليه. توفي في رجب.
وفيها محمد بن كامل بن أحمد بن أسد أبو المحاسن التّنوخي الدّمشقي [1]
. سمع من طاهر بن سهل الإسفراييني، ومات في ربيع الأول.
وممن حدّث عنه الفخر بن البخاري.
وفيها مخلص الدّين [2] أبو عبد الله محمد بن معمر بن الفاخر القرشي
الأصبهاني [3] . ولد سنة عشرين وخمسمائة، وأسمعه والده حضورا من فاطمة
الجوزدانية، وجعفر الثّقفي، وسمع من [محمد بن علي بن] أبي ذرّ، وزاهر
[الشّحّامي] ، وخلق. وكان عارفا بمذهب الشافعي، وبالنحو والحديث، قويّ
المشاركة، محتشما ظريفا وافر الجاه. توفي في ربيع الآخر.
وفيها صائن الدّين أبو الحرم مكّي بن ريّان بن شبّة، العلّامة
الماسكيني [4]- بكسر الكاف وبالمهملة نسبة إلى ماكسين مدينة بالجزيرة
[5]- ثم الموصلي الضرير المقرئ النحوي، صاحب ابن الخشّاب.
قرأ القراءات على يحيى بن سعدون، وبرع في القراءات، والعربية، واللغة،
وغير ذلك، ولم يكن لأهل الجزيرة في وقته مثله.
__________
[1] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 142- 143) .
[2] ويلقب ب «فخر الدّين» أيضا. انظر حاشية «تاريخ الإسلام» .
[3] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 143- 144) وما بين الحاصرتين في الترجمة
مستدرك منه، و «العبر» (5/ 7) .
[4] انظر «ذيل الروضتين» ص (58- 59) و «وفيات الأعيان» (5/ 278- 280) و
«تاريخ الإسلام» (61/ 145- 146) و «العبر» (5/ 8) وقد تصحفت «ريّان»
فيه إلى «ربّان» فتصحح.
[5] انظر «معجم البلدان» (5/ 43) .
(7/21)
روى عن خطيب الموصل، وسمع منه الفخر علي
[1] والنّاس.
توفي بالموصل وقد شاخ.
وفيها الشيخ الكبير الشهير أبو الحسن علي بن عمر بن محمد، المعروف
بالأهدل، وقيل: توفي سنة سبع، واقتصر عليه الجزري في «تاريخه» .
كان من أعيان المشايخ أهل الكرامات والإفادات، قدم جدّه محمد من العراق
على قدم التصوف، وهو شريف حسينيّ، ونشأ ابن ابنه عليّ نشوءا حسنا، وبلغ
من الحال والشهرة مبلغا. قيل: ولم يكن له شيخ، وقيل: بل صحبه رجل سائح
من أصحاب الشيخ عبد القادر الجيلاني. وقيل: رأى أبا بكر الصّدّيق [رضي
الله عنه] وأخذ عنه مناما، وقيل: أخذ من الخضر، وكان يقول: أنا نبات
الرحمن. وبه تخرّج أبو الغيث بن جميل وتهذّب، وكان يقول: خرجت من عند
ابن أفلح لؤلؤا بهما، فثقبني سيدي علي الأهدل.
وأما والد الشيخ، فكان سائحا، ونعاه ولده الشيخ علي إلى أصحابه يوم
مات، وصلوا عليه، وتوفي الشيخ علي بأحواف السودان من سهام، ولذريته
كرامات وبركات. قاله ابن الأهدل في «تاريخه» .
__________
[1] هو ابن أخت الحافظ ضياء الدّين المقدسي كما جاء مبينا في «تاريخ
الإسلام» .
(7/22)
سنة أربع وستمائة
فيها سار خوارزم شاه محمد بن تكش بجيوشه وقصد الخطا، فحشدوا له
والتقوه، فجرى لهم وقعات، وانهزم المسلمون، وأسر جماعة، منهم السلطان
خوارزم شاه، واختبطت البلاد، وأسر معه أمير من أمرائه، فأظهر خوارزم
شاه أنه مملوك لذلك الأمير، ثم قال الأمير: أريد أن أبعث رجلا بكتابي
إلى أهلي ليستفكوني بما أردت. قال: ابعث غلامك بذلك، وقرر عليه مبلغا
كثيرا، فبعث مملوكه- يعني خوارزم شاه- وخلّص بهذه الحيلة، ووصل، وزيّنت
[1] البلاد، ثم قال الخطائي [2] لذلك الأمير: [إن] سلطانكم قد عدم.
قال: أوما تعرفه؟ قال: لا. قال: هو الذي قلت لك إنه مملوكي. قال:
هلّا عرّفتني حتّى كنت أخدمه وأسير به إلى مملكته فأسعد به؟ قال: خفتك
عليه. قال: فسر بنا إليه، فسارا إليه.
وفيها تملّك الملك الأوحد أيوب بن العادل مدينة خلاط بعد حرب جرت بينه
وبين صاحبها بليان ثم قتل بليان بعد ذلك.
وفيها توفي أبو العبّاس الرّعيني أحمد بن محمد بن أحمد بن مقدام
الإشبيلي المقرئ [3] . آخر من روى القراءات عن أبي الحسن شريح، وسمع
__________
[1] في «العبر» بطبعتيه: «ورتبت» وهو خطأ فتصحح وانظر «تاريخ الإسلام»
(61/ 51) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» و «العبر» إلى «الخطاي» والتصحيح من «تاريخ
الإسلام» .
[3] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 585) و «تاريخ الإسلام» (61/ 149)
و «العبر» (5/ 9- 10) .
(7/23)
منه ومن أبي [بكر بن] العربي وجماعة، وكان
من الأدب والزّهد بمكان. أخذ الناس عنه كثيرا، وتوفي بين العيدين عن
سبع وثمانين سنة.
وفيها حنبل بن عبد الله الرّصافي [1] أبو عبد الله المكبّر. راوي
«المسند» بكماله عن ابن الحصين. كان دلّالا في الأملاك، وسمع «المسند»
في نيّف وعشرين مجلسا بقراءة ابن الخشّاب سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة.
توفي في رابع المحرم بعد عوده من دمشق، وما تهنّى بالذهب الذي ناله وقت
سماعهم عليه. قاله في «العبر» .
وفيها ستّ الكتبة نعمة بنت علي بن يحيى بن الطرّاح [2] روت الكثير
بدمشق عن جدّها، وتوفيت في ربيع الأول.
وفيها عبد المجيب بن عبد الله بن زهير البغدادي [3] . سمّعه عمّه عبد
المغيث بن عبد الله من أحمد بن يوسف ومن جماعة، وكان كثير التلاوة
جدّا. توفي بحماة في سلخ المحرم.
وفيها أبو محمد وأبو الفرج عبد الرّحمن بن عيسى بن أبي الحسن علي بن
الحسين البزوري البابصري [4] ، الواعظ الحنبلي.
ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة. وسمع من أبي الوقت [السّجزي] ، وهبة
الله بن الشّبلي [5] وغيرهما.
وقرأ الوعظ، والفقه، والحديث، على الشيخ أبي الفرج بن الجوزي.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 10) و «تاريخ الإسلام» (61/ 151- 152) .
[2] انظر «العبر» (5/ 10) و «تاريخ الإسلام» (61/ 153- 154) .
[3] انظر «العبر» (5/ 10) و «تاريخ الإسلام» (61/ 158) .
[4] انظر: «تاريخ الإسلام» (61/ 156- 157) و «البداية والنهاية» (13/
50) - وقد تحرفت «البزوري» فيه إلى «المروزي» - و «ذيل طبقات الحنابلة»
(2/ 41- 43) .
[5] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» المطبوع إلى «السبكي» فتصحح.
(7/24)
وكان خصيصا به، ثم تهاجرا، وتباينا إلى أن
فرّق الموت بينهما.
قال سبط ابن الجوزي: ثم حدّثته نفسه بمضاهاة جدّي وتكنى بكنيته، واجتمع
إليه سفساف أهل باب البصرة، وانقطع عن جدّي، ولما جاء من واسط، ما جاء
إليه، ولا زاره، وتزوّج صبيّة وهو في عشر السبعين، فاغتسل في ماء بارد
فانتفخ ذكره فمات [1] .
وقال ابن رجب: هو منسوب إلى بزور [2] قرية بدجيل.
وقال ابن النجار: تفقّه على مذهب أحمد، ووعظ، وكان صالحا، حسن الطريقة،
خشن العيش، غزير الدمعة عند الذّكر. كتبت عنه، وهو الذي جمع سيرة ابن
المنّي، وطبقات أصحابه، وذكر فيها أنه لزمه، وقرأ عليه، وكلامه فيها
يدل على فصاحة ومعرفة [3] بالفقه والأصول والحديث [4] .
وقد ذكره الحافظ الضياء، فقال: شيخنا الإمام الواعظ أبو محمد، ولكن ابن
الجوزي وأصحابه يذمونه.
توفي ليلة الاثنين السادس من شعبان ودفن بباب حرب.
وفيها أبو الفضل عبد الواحد بن عبد السلام بن سلطان الأزجي البيّع [5]
المقرئ الأستاذ. قرأ القراءات على سبط الخيّاط، وأبي الكرم
__________
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (134/ ب) : «ومات» وما أثبته من «ذيل
طبقات الحنابلة» .
[2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (135/ آ) : «بزورا» وما أثبته من «ذيل
طبقات الحنابلة» وهو الصواب وانظر «أحسن التقاسيم» ص (237) . وذكره ابن
نقطة في «تكملة الإكمال» الشهير ب «الاستدراك» (1/ 401) بتحقيق الدكتور
عبد القيوم عبد ربّ النّبيّ (باب البزوري والبزروي) وضبط نسبته ولم
يذكر إلى أي شيء نسب.
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «على فصاحته ومعرفته» .
[4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «والجدل» .
[5] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 584) .
(7/25)
الشّهرزوري، وسمع منهما ومن الأرموي. وأقرأ
القراءات، وكان ديّنا صالحا، توفي في ربيع الأول.
وفيها ابن السّاعاتي الشاعر المفلق بهاء الدّين علي بن محمد بن رستم
[1] ، صاحب ديوان الشعر.
قال ابن خلّكان: له ديوان شعر يدخل في مجلدين، أجاد فيه كلّ الإجادة،
وآخر لطيف سماه «مقطّعات النّيل» نقلت منه:
لله يوم في سيوط وليلة ... صرف الزّمان بأختها لا يغلط
بتنا وعمر اللّيل في غلوائه ... وله بنور البدر فرع أشمط
والطّلّ في سلك الغصون كلؤلؤ ... رطب يصافحه النّسيم فيسقط
والطّير يقرأ والغدير صحيفة ... والرّيح يكتب والغمام ينقّط [2]
وهذا تقسيم بديع.
ونقلت منه أيضا:
ولقد نزلت بروضة حزنيّة [3] ... رتعت نواظرنا [4] بها والأنفس
وظللت أعجب حيث يحلف صاحبي ... والمسك من نفحاتها [5] يتنفّس
ما الجوّ إلّا عنبر والدّوح إلّا ... جوهر والرّوض إلّا سندس
سفرت شقائقها فهمّ الأقحوا ... ن بلثمها فرنا إليه النّرجس
فكأنّ ذا خدّ وذا ثغر يحا ... وله وذا أبدا عيون تحرس
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 395- 397) و «العبر» (5/ 11) و «سير
أعلام النبلاء» (21/ 471- 472) .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «سير أعلام النبلاء» : «ينقّط» وفي «وفيات
الأعيان» : «تنقط» .
[3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «خزية» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[4] في «آ» و «ط» : «نواظرها» والتصحيح من «المنتخب» و «وفيات الأعيان»
.
[5] في «ط» : «نفحائها» .
(7/26)
وله كل معنى مليح.
أخبرني ولده بالقاهرة المحروسة، أن أباه توفي يوم الخميس الثالث
والعشرين من شهر رمضان بالقاهرة، ودفن بسفح المقطّم، وعمره إحدى وخمسون
سنة وستة أشهر واثنا عشر يوما. انتهى.
وفيها أبو ذرّ الخشني، مصعب بن محمد بن مسعود الجيّاني [1] النّحويّ
اللّغويّ، الفقيه المالكي، ويعرف أيضا بابن أبي ركب. صاحب التصانيف،
وحامل لواء العربية بالأندلس. ولي خطابة إشبيلية مدة، ثم قضاء جيّان،
ثم تحوّل إلى فاس [2] ، وبعد صيته وسارت الرّكبان بتصانيفه. توفي بفاس،
وله سبعون سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 11) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 477- 478) .
[2] تحرفت في «آ» إلى «فارس» .
(7/27)
سنة خمس وستمائة
فيها نازلت الكزج [1] مدينة أرجيش [2] فافتتحوها بالسّيف وأحرقوها.
قال ابن الأهدل: والكزج بالزّاي والجيم [1] .
وفيها توفي ابن القارص [3] الحسين بن أبي نصر بن الحسين [4] بن هبة
الله بن أبي حنيفة الحريمي [5] المقرئ الضرير. روى عن ابن الحصين،
وعمّر دهرا، وتوفي في شعبان.
وفيها أبو عبد الله الحسين بن أحمد الكرخي الكاتب [6] . روى عن
__________
[1] قلت: وهو وهم منه ومخالف لما جاء في المصادر الأخرى.
قال الزّبيدي في «تاج العروس» (كرج) : الكرج، بالضم جيل من النصارى.
وقال اليافعي في «مرآة الجنان» (4/ 5) : الكرج: بالراء والجيم.
ويخيل إليّ بأن ابن الأهدل توهم بأن السكون التي على الراء نقطة فقيدها
بالزاي دون الرجوع إلى المصادر التي تحدثت عنهم وهي كثيرة.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (135/ آ) إلى (ارحلس) والتصحيح من
«العبر» (5/ 11) و «دول الإسلام» (2/ 111) .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (135/ آ) و «العبر» طبع
بيروت إلى «ابن الفارض» والتصحيح من «العبر» طبع الكويت و «سير أعلام
النبلاء» و «تبصير المنتبه» و «النجوم الزاهرة» .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «حسن» والتصحيح من «المنتخب» (135/ آ) و
«العبر» و «سير أعلام النبلاء» و «النجوم الزاهرة» .
[5] انظر «العبر» (5/ 12) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 433- 434) و
«تبصير المنتبه» (3/ 1065) - وقد تحرفت «الحريمي» فيه إلى «الجرمي» - و
«النجوم الزاهرة» (6/ 196) .
[6] انظر «العبر» (5/ 12) و «تاريخ الإسلام» (61/ 173) .
(7/28)
قاضي المارستان، وأبي منصور بن زريق. مات
في ذي القعدة.
وفيها صاحب الجزيرة العمرية الملك سنجرشاه بن غازي بن مودود ابن أتابك
زنكي [1] . قتله ابنه غازي وحلفوا له، ثم وثب عليه من الغد خواصّ أبيه
فقتلوه، وملّكوا أخاه الملك المعظم، وكان سنجر سيىء السيرة ظلوما.
وفيها الجبّائي الإمام السّنّي أبو محمد عبد الله بن أبي الحسن بن أبي
الفرج [2] .
قال المنذري: ابن أبي الفضل، بدل ابن أبي الفرج، والأول أصح.
قال القطيعي: سألته عن مولده فقال: سنة إحدى وعشرين وخمسمائة تقريبا،
وسألته عن نسبه فقال: نحن من قرية يقال لها الجبّة [3] من ناحية بشرى
من أعمال طرابلس، وكنا قوما نصارى فتوفي أبي ونحن صغار، وكان أبي من
علماء النصارى، وهم يعتقدون فيه أنه يعلم الغيب، فلما مات نفذت إلى
المعلّم، فقالت والدتي: ولدي الكبير للكسب وعمارة أرضنا، وولدي الصغير
يضعف عن الكسب، وأشارت إليّ، ولنا أخ أوسط، فقال المعلّم: أمّا هذا
الصغير- يعنيني- فما يتعلم، ولكن هذا- وأشار إلى أخي- فأخذه وعلّمه
ليكون مقام أبي، فقدّر الله أن وقعت حروب، فخرجنا من قريتنا. فهاجرت من
بينهم. وكان في قريتنا جماعة من المسلمين يقرؤون القرآن، وإذا سمعتهم
أبكي، فلما دخلت أرض الإسلام أسلمت وعمري بضع عشرة سنة،
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 12) و «تاريخ الإسلام» (61/ 154) .
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 153- 155) و «سير أعلام النبلاء»
(21/ 488) و «تكملة الإكمال» لابن نقطة (2/ 201- 202) و «العبر» (5/
12- 13) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 44- 47) والقسم الذي نشره الدكتور
إحسان عبّاس من كتاب «الاستسعاد بمن لقيت من صالحي العباد في البلاد»
ضمن كتابه «شذرات من كتب مفقودة» ص (186- 187) وفيه بعض الخلاف عما في
كتابنا.
[3] وقال ابن نقطة أيضا: قال لي محمد بن عبد الواحد المقدسي: إنه من
قرية من أعمال طرابلس الشام يقال لها «الجبّة» .
(7/29)
ثم بلغني إسلام أخي الكبير، وتوفي مرابطا،
ثم أسلم أخي الذي كان يعلّمه المعلّم، ودخلت بغداد في سنة أربعين
وخمسمائة.
وقال ابن رجب: وأصابه سباء [1] فاسترق.
وقال أبو الفرج ابن الحنبلي: كان مملوكا، فقرأ القرآن في حلقة الحنابلة
بجامع دمشق، فحفظه وحفظ شيئا من عبادات المذهب الحنبلي، فقام قوم إلى
الشيخ زين الدّين علي بن إبراهيم بن نجا الواعظ، وهو على منبر الوعظ،
فقالوا: هذا الصبيّ قد حفظ القرآن وهو على خير، نريد أن نشتريه ونعتقه،
فاشتري من سيده وأعتق، وسافر عن دمشق، وطلب همذان، ولقي الحافظ أبا
العلاء الهمذاني، فأقام عنده. وقرأ عليه القرآن، وسمع الحديث، وصار عند
الحافظ مصدّرا يقرئ الناس ويأخذ عليه، واشتهر بالخير والعلم، ودخل
العجم. وسمع الكثير، ورجع إلى بغداد، وسمع حديثها، ولقي مشايخها.
قال: ولقيته ببغداد واستزارني إلى بيته، وقال لجماعته [2] : أنا مملوك
بيت الحنبلي، ثم سافر إلى أصبهان.
وقال الشيخ موفق الدّين: كان رجلا صالحا، وهو من جبّة طرابلس.
سبي من طرابلس صغيرا، واشتراه ابن نجية وأعتقه، فسافر إلى بغداد ثم إلى
أصبهان، وكان يسمع معنا الحديث. انتهى.
سمع المترجم من ابن ناصر وأضرابه، وتفقّه على أبي حكيم النّهرواني،
وصحب الشيخ عبد القادر الجيلي مدة، مائلا إلى الزهد والصلاح، وانتفع
به.
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «سبي» .
[2] في «ط» : «وقال جماعته» وهو خطأ.
(7/30)
قال ابن النجّار: كتب إليّ عبد الله بن أبي
الحسن الجبّائي قال: كنت أسمع كتاب «حلية الأولياء» على شيخنا ابن
ناصر، فرقّ قلبي، وقلت في نفسي: أشتهي [1] أن أنقطع عن الخلق وأشتغل
بالعبادة، ومضيت وصلّيت خلف الشيخ عبد القادر، فلما صلى، جلسنا بين
يديه، فنظر إليّ وقال: إذا أردت الانقطاع فلا تنقطع حتّى تتفقّه،
وتجالس الشيوخ وتتأدّب بهم، فحينئذ يصلح لك الانقطاع، وإلّا فتمضي
وتنقطع قبل أن تتفقه، وأنت فريخ ما ريّشت، فإن أشكل عليك شيء من أمر
دينك تخرج من زاويتك، وتسأل الناس عن أمر دينك؟ ما يحسن بصاحب [2]
الزاوية أن يخرج من زاويته، ويسأل الناس عن أمر دينه. ينبغي لصاحب
الزاوية أن يكون كالشمعة يستضاء بنوره.
قال: وكان الشيخ يتكلم يوما في الإخلاص، والرّياء، والعجب، وأنا حاضر
في المجلس، فخطر في نفسي: كيف الخلاص من العجب؟ فالتفت إليّ الشيخ
وقال: إذا رأيت الأشياء من الله تعالى، وأنه وفقك لعمل الخير، وأخرجت
[نفسك] من الشّين [3] ، سلمت من العجب.
وقال ابن الحنبلي: كانت حرمة الشيخ عبد الله [الجبّائي] كبيرة ببغداد
وبأصبهان، وكان إذا مشى في السوق قام له أهل السوق.
وله رياضات ومجاهدات.
وروى عنه ابن خليل في «معجمه» وتوفي ثالث جمادى الآخرة بأصبهان.
وفيها عبد الواحد بن أبي المطهّر القاسم بن الفضل الصّيدلاني
__________
[1] في «آ» و «ط» : «اشتهيت» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] في «آ» و «ط» : «ما أحسن صاحب» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (135/ ب) : «البين» وما أثبته من «ذيل
طبقات الحنابلة» ولفظة «نفسك» زيادة منه. والشّين ضد الزّين.
(7/31)
الأصبهاني [1] في جمادى الأولى، عن إحدى
وتسعين سنة. سمع من جعفر الثّقفي، وفاطمة الجوزدانية، وغيرهم.
وفيها أبو الحسن المعافري، خطيب القدس، علي بن محمد بن علي بن جميل
المالقي [2] المالكي. سمع كتاب «الأحكام» من مصنّفه عبد الحق، وسمع
بالشام من يحيى الثقفي وجماعة، وكتب وحصّل، ونال رئاسة وثروة مع الدّين
والخير.
وفيها علي بن ربيعة بن أحمد بن محمد بن حينا الحربوي، من أهل حربا من
سواد بغداد [3] . قدم بغداد في صباه، وصحب عمّه لأمّه أبا المقال سعد
بن علي الخاطري، وقرأ عليه الأدب، وحفظ القرآن، وتفقّه في مذهب الإمام
أحمد، وسمع الحديث من أبي الوقت، وسعيد بن البنا، وأبي بكر بن
الزّاغوني، وغيرهم، وشهد عند الحكّام، وتوكل للخليفة الناصر، ورفع قدره
ومنزلته، ثم عزل عن الوكالة.
وكان ذا طريقة حسنة [4] حميدة، وحسن سمت، واستقامة وعفّة ونزاهة،
فاضلا، خيّرا، يكتب خطا حسنا على طريقة ابن مقلة. وسمع منه إسحاق
العلثي، وكان يكره الرواية ويقل مخالطة الناس.
ذكره ابن النجار [5] وقال: توفي يوم السبت ثامن شوال، ودفن بباب حرب،
وأظنه قارب السبعين.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 13) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 435- 436) .
[2] انظر «العبر» (5/ 13) و «النجوم الزاهرة» (6/ 197) .
[3] وقال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 237) و «ابن نقطة» في «تكملة
الإكمال» (2/ 130) والمنذري في «التكملة لوفيات النقلة» : حربا: قرية
من أعمال دجيل بالعراق مما يلي الموصل.
[4] لفظة «حسنة» سقطت من «ط» .
[5] تنبيه: سقطت ترجمته من «ذيل تاريخ بغداد» لابن النجار الجزء الرابع
من المطبوع في حيدرآباد فحقها أن تكون فيه، فقد جاء في آخر الجزء
الثالث من المطبوع: آخر المجلد
(7/32)
وفيها أبو الجود غياث بن فارس اللّخمي [1]
مقرئ الدّيار المصرية.
ولد سنة ثمان وخمسمائة، وسمع من ابن رفاعة، وقرأ القراءات على الشريف
الخطيب، وأقرأ النّاس دهرا، وآخر من مات من أصحابه إسماعيل المليجي،
توفي في رمضان.
وفيها أبو الفتح المندائي [2] محمد بن أحمد بن بختيار الواسطي المعدّل،
مسند العراق.
ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة، وأسمعه أبوه القاضي أبو العبّاس من ابن
الحصين، وأبي عبد الله البارع، وغيرهما، وتفقّه على سعيد بن الرزّاز،
وتأدب على ابن الجواليقي. توفي في شعبان، وكان من خيار النّاس.
وفيها- أو في التي قبلها كما جزم به ابن قاضي شهبة- محمد بن أحمد بن
أبي سعد [3] الإمام أبو الخطاب، رئيس الشافعية ببخارى هو وأبوه وجدّه
وجدّ جدّه.
قال السبكي في «الطبقات الكبرى» : كان عالم تلك البلاد، وإمامها،
ومحقّقها، وزاهدها، وعابدها.
وقال عفيف الدّين المطري: هو مجتهد زمانه، وعلّامة أقرانه، لم تر
العيون مثله، ولا رأى مثل نفسه. انتهى.
__________
العاشر من هذه النسخة، وهو آخر المجلد العشرين من الأصل، ويتلوه في
الذي يليه- إن شاء الله تعالى- «علي بن الحسين بن أبي الحمراء» وواقع
الحال أن الجزء الذي تلاه بدئ بترجمة «علي بن محمد» !.
[1] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 182- 184) و «العبر» (5/ 13- 14) و
«غاية النهاية» (2/ 4) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الميداني» والتصحيح من «العبر» (5/ 14) و
«تاريخ الإسلام» (61/ 184) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن سعد» والتصحيح من «طبقات الشافعية
الكبرى» (8/ 43) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 79) .
(7/33)
قال السبكي: وهو مصنّف «الملخص» [1] وكتاب
«المصباح» كلاهما في الفقه.
وفيها أبو بكر بن مشّق المحدّث العالم، محمد بن المبارك بن محمد
البغدادي البيّع [2] . عاش ثنتين وسبعين سنة. وروى عن القاضي الأرموي
وطبقته، وكان صدوقا متودّدا، بلغت أثبات مسموعاته ست مجلدات.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المخلص» والتصحيح من «طبقات الشافعية
الكبرى» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
[2] انظر «العبر» (5/ 14) و «تاريخ الإسلام» (61/ 188- 189) .
(7/34)
|