شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وستمائة
فيها جلس سبط ابن الجوزي بجامع دمشق ووعظ وحثّ على الغزاة، وكان الناس من باب الساعات إلى مشهد زين العابدين، واجتمع عنده شعور عظيمة [1] كثيرة، وذكر حكاية أبي قدامة الشّامي مع تلك المرأة التي قطعت شعرها وبعثت به إليه وقالت: اجعله قيدا لفرسك في سبيل الله، فعمل من الشعور التي عنده مجتمعة شكلا لخيل المجاهدين، ولما صعد المنبر أمر بإحضارها، فكانت ثلاثمائة شكال، فلما رآها الناس صاحوا صيحة واحدة، وقطعوا مثلها، وكان والي دمشق حاضرا والأعيان، فلما نزل عن المنبر، قام والي دمشق ومشى مع السبط وركب وركب الناس، وخرجوا إلى باب المصلّى، وكانوا خلقا لا يحصون كثرة، وساروا إلى نابلس لقتال الفرنج، فأسروا، وهزموا، وهدموا، وقتلوا، ورجعوا سالمين غانمين.
وفي سابع شوال شرعوا في عمارة المصلّى بظاهر دمشق المجاورة لمسجد النّارنج [2] برسم صلاة العيدين، وفتحت له الأبواب من كل جانب، وبني له منبر كبير عال.
وفيها جدّدت أبواب الجامع [الأموي] الغربية من جهة باب البريد بالنّحاس الأصفر.
__________
[1] لفظة «عظيمة» لم ترد في «ط» .
[2] اسمه «مسجد الحجر» ويعرف ب «مسجد النارنج» . انظر «ثمار المقاصد في ذكر المساجد» ص (128) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 361) .

(7/35)


وفيها توفي إدريس بن محمد أبو القاسم العطّار، المعروف بآل والويه. روى عن محمد بن علي بن أبي ذرّ الصّالحاني، وتوفي في شعبان.
قيل: إنه جاوز المائة.
وفيها أسعد- ويسمّى محمد- ابن المنجّى بن بركات بن المؤمل التّنوخي المعرّيّ ثم الدمشقي [1] الحنبلي القاضي، وجيه الدّين، أبو المعالي، ويقال في أبيه أبو المنجّى، وفي جدّه أبو البركات.
ولد سنة تسع عشرة وخمسمائة، وسمع بدمشق من أبي القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل السّوسي، وببغداد من أبي الفضل الأرموي، وأبي العبّاس الماندائي [2] وغيرهم، وهو واقف الوجيهية التي برأس باب البريد، وهي مدرسة قريبة من مدرسة الخاتونية الجوانية، وبها خلاو كثيرة، ولها وقف كثير اختلس.
قال المنذري: وتفقّه ببغداد على مذهب الإمام أحمد.
وقال الذهبي [3] : ارتحل إلى بغداد وتفقّه بها، وبرع في المذهب، وأخذ الفقه عن الشيخ عبد القادر الجيلي وغيره، وتفقه بدمشق على شرف الإسلام عبد الوهاب ابن الشيخ أبي الفرج [الحنبلي] ، وأخذ عنه الشيخ الموفّق بن روى عنه جماعة.
وقال ناصح الدّين بن الحنبلي: كان أبو المعالي بن المنجّى يدرّس في المسمارية يوما وأنا يوما، ثم استقليت بها في حياته. وكان له اتصال بالدولة
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 176- 177) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (249) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 49- 51) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (180- 181) .
[2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (136/ آ) : «المايداي» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» :
«المايدائي» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» وعلّق محققه الدكتور بشار عواد معروف بقوله: تكتب «الماندائي» و «المندائي» .
[3] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 195) .

(7/36)


وخدمة السلاطين، وأسنّ وكبر، وكفّ بصره في آخر عمره.
وله تصانيف منها كتاب «الخلاصة في الفقه» و «العمدة» و «النهاية في شرح الهداية» في بضعة عشر مجلدا. وسمع منه جماعة، منهم: الحافظ المنذري، وابن خليل، وابن البخاري، وتوفي في ثامن [1] عشري ربيع الأول، ودفن بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو الطّاهر إسماعيل [بن عمر] بن نعمة بن يوسف بن شبيب الرّؤبي [2] المصري العطّار الأديب البارع ابن أبي حفص [3] .
ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة تقديرا. وكان بارعا في الأدب، حنبلي المذهب، له مصنفات أدبية، وله مماليك [4] منها مائة جارية ومائة غلام، وغير ذلك، وكان بارعا في معرفة العقاقير.
ذكره المنذري وقال: رأيته ولم يتفق لي السماع منه، وتوفي في عشري المحرم بمصر، ودفن إلى جنب أبيه بسفح المقطّم على جانب الخندق، وكان أبوه رجلا صالحا مقرئا، وأخوه مكّي هو الذي جمع سيرة الحافظ عبد الغني [5] .
وفيها عفيفة بنت أحمد بن عبد الله بن محمد بن [أمّ] هانئ الفارفانية [6] الأصبهانية.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (136/ ب) : «ثامن» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 50) :
«ثاني» .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «الرّومي» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» (61/ 197) وانظر التعليق عليه فهو مفيد نافع، وما بين الحاصرتين مستدرك منه ومن «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 48) .
[4] قوله: «وله مماليك» لم يرد في «ذيل طبقات الحنابلة» .
[5] يعني المقدسي.
[6] نسبة إلى «فارفان» من قرى أصبهان. انظر «معجم البلدان» (4/ 228) وهي مترجمة في

(7/37)


ولدت سنة عشر وخمسمائة، وهي آخر من روى عن عبد الواحد [الدّشتج] ، صاحب أبي نعيم، ولها إجازة من أبي علي الحداد وجماعة، وسمعت من فاطمة «المعجمين» الكبير والصغير للطبراني. توفيت في ربيع الآخر.
وفيها القاضي الأسعد أبو المكارم، أسعد بن الخطير أبي سعد مهذّب بن مينا [1] بن زكريا بن أبي قدامة بن أبي مليح ممّاتي المصري، الكاتب الشاعر.
كان ناظر الدواوين بالدّيار المصرية، وفيه فضائل، وله مصنفات عديدة، ونظم سيرة السلطان صلاح الدّين، ونظم كتاب «كليلة ودمنة» .
وله ديوان شعر منه:
تعاتبني وتنهى عن أمور ... سبيل النّاس أن ينهوك عنها
أتقدر أن تكون كمثل عيني ... وحقّك ما عليّ أضرّ منها
وله في ثقيل رآه بدمشق:
حكى نهرين ما في الأر ... ض من يحكيهما أبدا
حكى في خلقه ثوري ... وفي ألفاظه [2] بردى
__________
[ (-) ] «العبر» (5/ 17) و «تاريخ الإسلام» (61/ 199- 200) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 481- 483) .
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (136/ ب) : «ابن ميناس» وما أثبته من «وفيات الأعيان» (1/ 210) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 485) وانظر مصادر ترجمته الأخرى في حاشيته.
[2] في «وفيات الأعيان» : «وفي أخلاقه» ونهر «ثوري» أحد الأنهار المتفرعة من نهر بردى الشهير بدمشق، ويجري في شمال المدينة القديمة، وتروى منه إلى الآن أراضي عدة قرى من الغوطة الشرقية.

(7/38)


وله في غلام نحويّ:
وأهيف أحدث لي نحوه ... تعجّبا يعرب عن ظرفه
علامة التأنيث في لفظه ... وأحرف العلّة في طرفه
توفي يوم الأحد سلخ جمادى الأولى عن اثنتين وستين سنة، وكانت وفاته في حلب.
وفيها الحسن بن أحمد بن جكّينا [1] الشاعر الأديب.
قال العماد: أجمع أهل بغداد على أنّه لم يرزق أحد من الشعراء [2] لطافة شعره ومنه:
لافتضاحي في عوارضه ... سبب والنّاس لوّام
كيف يخفى ما أكابده ... والذي أهواه نمّام
وقوله:
لمّا بدا خطّ العذا ... ر يزين [3] عارضه بمشق
وظننت أنّ سواده ... فوق البياض كتاب عتقي [4]
فإذا به من سوء حظ ... ي عهدة كتبت برقّي
وفيها أبو عبد الله المرادي محمد بن سعيد المرسي [5] . أخذ
__________
[1] في «آ» و «ط» : «أحمد بن أحمد بن حكينا» وهو خطأ، والتصحيح من المجلد السادس من كتابنا هذا ص (146) فقد سبق له أن ترجمه هناك في موضعه الصحيح، وأما إيراد ترجمته هنا أيضا فهو وهم منه تبع فيه ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة» (6/ 197) .
[2] في «ط» : «من الشعر» وهو خطأ.
[3] في «آ» و «ط» : «بريش» والتصحيح من المجلد السادس ص (147) .
[4] في «آ» و «ط» : «عتق» وما أثبته من «الوافي بالوفيات» (11/ 390) و «فوات الوفيات» (1/ 320) .
[5] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 203) و «العبر» (5/ 21) .

(7/39)


القراءات عن ابن هذيل، وسمع من جماعة، وتوفي في رمضان.
وفيها الإمام فخر الدّين الرّازي العلّامة أبو عبد الله، محمد بن عمر ابن حسين القرشي الطّبرستاني الأصل، الشافعي المفسّر المتكلّم، صاحب التصانيف المشهورة.
ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة، واشتغل على والده الإمام ضياء الدّين خطيب الرّيّ، صاحب محيي السّنّة البغوي، وكان فخر الدّين ربع القامة، عبل الجسم، كبير اللّحية، جهوري الصوت، صاحب وقار وحشمة، له ثورة ومماليك وبزّة حسنة وهيئة جميلة. إذا ركب مشى معه نحو الثلاثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم، في التفسير، والفقه، والكلام، والأصول، والطّبّ، وغير ذلك. وكان فريد عصره، ومتكلّم زمانه، رزق الحظوة في تصانيفه، وانتشرت في الأقاليم. وكان له باع طويل في الوعظ، فيبكي [1] كثيرا في وعظه. سار إلى شهاب الدّين الغوري سلطان غزنة، فبالغ في إكرامه، وحصلت له منه أموال طائلة، واتصل بالسلطان علاء الدّين خوارزم شاه، فحظي لديه، وكان بينه وبين الكراميّة السيف الأحمر، فينال منهم وينالون منه، سبّا وتكفيرا، حتّى قيل: إنّهم سمّوه فمات، وخلّف تركة ضخمة، منها ثمانون ألف دينار.
توفي بهراة يوم عيد الفطر. قاله جميعه في «العبر» [2] .
وقال ابن قاضي شهبة: ومن تصانيفه «تفسير كبير» - لم يتمه [3]-، في
__________
[1] في «آ» و «العبر» : «فبكى» وما أثبته من «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (137/ آ) .
[2] (5/ 18- 19) وانظر «تاريخ الإسلام» (21/ 204- 215) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 500- 501) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2- 84) .
[3] قلت: وأتمه فيما بعد الإمام العلّامة نجم الدّين أحمد بن محمد المخزومي القمولي، المتوفى سنة (727) . انظر «طبقات المفسرين» (1/ 86- 87) و «كشف الظنون» (2/ 1756) .

(7/40)


اثني عشر مجلدا كبارا، سمّاه «مفاتيح الغيب» وكتاب «المحصول» و «المنتخب» و «نهاية العقول [1] » و «تأسيس التقديس» و «العالم في أصول الدّين» و «المعالم في أصول الفقه» و «الملخص» في الفلسفة و «شرح سقط الزّند» لأبي العلاء، وكتاب «الملل والنّحل» .
ومن تصانيفه على ما قيل: كتاب «السّرّ المكتوم في مخاطبة الشمس والنّجوم» على طريقة من يعتقده، ومنهم من أنكر أن يكون من مصنفاته.
انتهى ملخصا.
وقال ابن الصلاح: أخبرني القطب الطّوعاني مرّتين، أنه سمع فخر الدّين الرّازي يقول: يا ليتني لم أشتغل بعلم الكلام، وبكى.
وروي عنه أنه قال: لقد اختبرت الطّرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فلم أجدها تروي غليلا، ولا تشفي عليلا، ورأيت أصحّ الطرق طريقة القرآن. أقرأ في التنزيل [2] وَالله الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ 47: 38 [محمّد: 38] ، وقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 42: 11 [الشورى: 11] ، وقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ 112: 1 [الإخلاص: 1] ، وأقرأ في الإثبات: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى 20: 5 [طه: 5] ، يَخافُونَ رَبَّهُمْ من فَوْقِهِمْ 16: 50 [النّحل: 50] ، وإِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ 35: 10 [فاطر: 10] ، وأقرأ إن الكلّ من الله قوله: قُلْ كُلٌّ من عِنْدِ الله 4: 78 [النّساء: 78] ، ثم قال:
وأقول من صميم القلب، من داخل الرّوح: إني مقرّ بأن كلّ ما هو الأكمل الأفضل الأعظم [3] الأجلّ، فهو لك، وكلّ ما هو [4] عيب ونقص فأنت [5] منزّه عنه. انتهى.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «نهاية المعقول» والتصحح من «وفيات الأعيان» (4/ 249) و «تاريخ الإسلام» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
[2] تحرفت في «ط» إلى «التنزيه» .
[3] لفظة «الأعظم» سقطت من «آ» .
[4] لفظة «هو» سقطت من «آ» .
[5] لفظة «فأنت» سقطت من «آ» .

(7/41)


وقال ابن الأهدل: ومن شعره [1] :
نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وأنشد يوما معاتبا لأهل هراة [2] :
المرء ما دام حيّا يستهان به ... ويعظم الرّزء فيه حين يفتقد
انتهى.
وفيها العلّامة [3] مجد الدّين أبو السّعادات ابن الأثير المبارك بن محمد ابن محمد بن عبد الكريم الشّيباني الجزريّ ثم الموصلي [4] الشافعي الكاتب. مصنّف «جامع الأصول» [5] ...
__________
[1] الأبيات في «وفيات الأعيان» (4/ 250) و «تاريخ الإسلام» (61/ 209) و «مرآة الجنان» (4/ 10) .
[2] البيت في «وفيات الأعيان» (4/ 252) و «مرآة الجنان» (4/ 11) .
[3] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «والعلاء» فتصحح.
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 191- 192) و «وفيات الأعيان» (4/ 141- 143) و «العبر» (5/ 19) و «تاريخ الإسلام» (61/ 216- 217) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 488- 489) و «مرآة الجنان» (4/ 11- 13) .
[5] واسمه الكامل «جامع الأصول في أحاديث الرسول» وقد طبع أول مرة في مطبعة أنصار السّنّة المحمدية بمصر، وقام بتحقيقه الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي، رحمه الله، بإشراف العلّامة الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الدّيار المصرية آنذاك، رحمه الله، لكنه لم يخرّج أحاديثه ولم يبيّن درجة كل حديث ذكره المؤلف من خارج «الصحيحين» من جهة الصحة والضعف. ثم قام بتحقيقه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط من جديد تحقيقا علميا، خرّج فيه الأحاديث، وبيّن درجة كل حديث من الأحاديث التي أوردها المؤلف من «السنن» و «موطأ مالك» وقامت بطبعه بدمشق مكتبة الحلواني، ومطبعة الملّاح، ومكتبة دار البيان، وذلك بين عامي (1389- 1394 هـ) وقد كتب الله عزّ وجلّ لهذه الطبعة القبول والانتشار، فأعيد طبعها مصورة عدة مرّات في بيروت.-

(7/42)


و «النهاية في غريب الحديث» [1] ولد سنة أربع وأربعين، وسمع من يحيى بن سعدون القرطبي، وخطيب الموصل.
قال ابن شهبة في «طبقاته» [2] : ولد بجزيرة ابن عمر، ونشأ بها، ثم انتقل إلى الموصل، وسمع الحديث، وقرأ الفقه والحديث والأدب والنحو، ثم اتصل بخدمة السلطان، وترقت به المنازل، حتّى باشر كتابة السّرّ، وسأله صاحب الموصل أن يلي الوزارة، فاعتذر بعلو السنّ والسهو [3] بالعلم، ثم حصل له نقرس، أبطل حركة يديه ورجليه، وصار يحمل في محفّة.
ويقوم والدي الآن بمراجعة كاملة للكتاب لتصحيح ما وقع فيه من الأخطاء المطبعية وغير المطبعية، مضيفا إليها ما وقع عليه من الملاحظات أثناء المراجعة فيه خلال العشرين سنة التي مضت على طبعه، وسوف تصدر هذه الطبعة المنقحة والمزيدة من التحقيق والضبط والتخريج قريبا إن شاء الله تعالى.
وللكتاب «تتمة» لم تطبع حتى الآن أقوم بتحقيقها بالاشتراك مع الأستاذين رياض عبد الحميد مراد، ومحمد أديب الجادر، بإشراف والدي حفظه الله تعالى، وهي تضم فهرسا رائدا في الدلالة على الألفاظ الخفية التي يشكل أمر الوصول إليها على المحدّثين المتمرسين، بله الباحثين الجدد وسواهم من القراء، وسوف يضمه الجزء الثاني عشر، وتضم «التتمة» كذلك سيرة مختصرة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولآل بيته الكرام، ثم للعشرة المبشرين بالجنة، ثم تراجم وافية مفيدة لكل من ذكر في الكتاب من الأعلام تمتاز بالسبق والدّقة وضبط الأنساب وتقييدها بالحركات، وسوف يضم قسم التراجم الأجزاء الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وسنتبع هذه الأجزاء- إن شاء الله تعالى- بجزء يضم فهارس تفصيلية ل «التتمة» سيتولى إعداده الأستاذ عدنان عبد ربّه، فنسأل الله عزّ وجلّ العون على الانتهاء من تحقيق «التتمة» في أقرب وقت ودفعها إلى الطبع على الفور لكي يعم الانتفاع بها، إنه تعالى خير مسؤول.
__________
[1] طبع في مصر طبعة متقنة بتحقيق الأستاذين طاهر أحمد الزاوي، والدكتور محمود محمد الطناحي، ثم صورت طبعته عدة مرات.
[2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 76- 78) .
[3] في «آ» و «ط» : «بعلو السند والشهرة» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.

(7/43)


وقال ابن خلّكان [1] كان فقيها، محدّثا، أديبا، نحويا، عالما بصنعة الحساب والإنشاء، ورعا، عاقلا، مهيبا، ذا برّ وإحسان.
وذكره ابن المستوفي، والمنذري، وأثنى كل واحد منهما عليه.
وذكره ابن نقطة [2] وقال: توفي آخر يوم من سنة ست وستمائة برباطه في قرية من قرى الموصل، ودفن به.
وقال ابن الأهدل: له مصنفات بديعة وسيعة، منها: «جامع الأصول الستة الصحاح أمّهات الحديث» وضعه على كتاب رزين بن معاوية الأندلسي إلّا أن فيه زيادات كثيرة، ومنها: «النهاية في غريب الحديث» وكتاب «الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشّاف» في تفسير القرآن العظيم، أخذه من الثّعلبي والزّمخشري، وله كتاب «المصطفى المختار في الأدعية والأذكار» وكتاب «صنعة الكتابة» و «شرح أصول ابن الدهّان» [3] في النحو، وكتاب «شافي العي [4] في شرح مسند الشافعي» وغير ذلك، وعرض له فالج أبطل نصفه، وبقي مدة تغشاه الأكابر من العلماء، وأنشأ رباطا، ووقف أملاكه عليه. وداره التي يسكنها، وحكي أن تصنيفه كلّه في حال تعطله، لأنّه كان عنده طلبة يعينونه على ذلك، وحكى أخوه أبو الحسن [5] : جاءه طبيب وعالجه بدهن قارب أن يبرأ، فقال: أنا [6] في راحة من صحبة هؤلاء القوم وحضورهم، وقد
__________
[1] تنبيه: نقل المؤلف هذا النقل عن «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة، ولم أقف عليه في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي.
[2] انظر «تكملة الإكمال» (1/ 123) بتحقيق الدكتور عبد القيوم عبد رب النّبي.
[3] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (137/ ب) : «وشرح أصول ابن الدهّان» وفي «مرآة الجنان» : «وكتاب البديع في شرح الفصول في النحو» لابن الدهان.
[4] في «آ» و «ط» : «الشافعي» والتصحيح من «كشف الظنون» (2/ 1683) .
[5] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (137/ ب) : «أبو الحسين» وهو خطأ والصواب ما أثبتناه.
[6] في «ط» : «إني» .

(7/44)


سكنت نفسي إلى الانقطاع [1] فدعني أعش باقي عمري سليما من الذّل، وترك. انتهى.
وفيها ابن الإخوة مؤيّد الدّين أبو مسلم هشام بن عبد الرحيم بن أحمد [بن محمد بن الإخوة البغدادي ثم الأصبهاني [2] المعدّل. سمع حضورا من أبي ذرّ، وزاهر، وسمع] [3] من أبي عبد الله الخلّال وطائفة، وروى كتبا كبارا. توفي في جمادى الآخرة.
وفيها أبو زكريا الأواني يحيى بن الحسين [4] . قرأ القراءات على أبي الكرم الشّهرزوري، ودعوان، وسمع بواسط من أبي عبد الله الجلّابي وغيره، وتوفي في صفر.
وفيها مجد الدّين يحيى بن الرّبيع العلّامة أبو علي الشّافعي [5] .
ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة بواسط. تفقّه أولا على أبي النّجيب السّهروردي، ورحل إلى محمد بن يحيى، فتفقّه عنده سنتين ونصف، وسمع من نصر الله بن الجلخت، وببغداد من ابن ناصر، وبنيسابور من عبد الله بن الفراوي [6] ، وولي تدريس النّظّامية، وكان إماما في القراءات، والتفسير، والمذهب، والأصلين، والخلاف، كبير القدر، وافر الحرمة.
توفي في ذي القعدة.
__________
[1] قوله: «إلى الانقطاع» لم يرد في «آ» .
[2] انظر «العبر» (5/ 19) .
[3] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» .
[4] انظر «العبر» (5/ 20) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 591) .
[5] انظر «العبر» (5/ 20) و «تاريخ الإسلام» (61/ 223- 224) .
[6] قلت: ضبطها محققو «تاريخ الإسلام» بفتح الفاء وهو وهم منهم، والصواب بضمها. انظر «الأنساب» (9/ 256) .

(7/45)


سنة سبع وستمائة
فيها خرجت الفرنج من البحر من غربي دمياط، وساروا في البرّ، فأخذوا قرية نورة واستباحوها وردّوا في الحال.
وفيها توفي صاحب الموصل الملك العادل نور الدّين أرسلان شاه بن عزّ الدّين مسعود بن مودود بن أتابك زنكي التّركي [1] . ولي بعد أبيه ثمان عشرة سنة، وكان شهما، شجاعا، سايسا، مهيبا، مخوفا.
قال أبو السعادات بن الأثير وزيره: ما قلت له في فعل خير إلّا وبادر إليه.
وقال أبو شامة: كان عقد نور الدّين صاحب الموصل مع وكيله بدمشق على بنت من بيت المال على مهر ثلاثين ألف دينار، ثم بان أنه قد مات من أيام.
وقال أبو المظفّر [سبط ابن] الجوزي [2] : كان جبّارا، سافكا للدماء، بخيلا.
وقال ابن خلّكان [3] : كان شهما عارفا بالأمور، تحوّل شافعيا ولم يكن في بيته شافعي سواه، وله مدرسة قلّ أن يوجد مثلها في الحسن.
توفي ليلة الأحد التاسع والعشرين من رجب في شبارة بالشطّ ظاهر الموصل.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 21) .
[2] انظر «مرآة الزمان» (8/ 356) وقد نقل عنه بتصرف واختصار.
[3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 193- 194) .

(7/46)


والشبارة عندهم هي الحرّاقة [1] بمصر، وكتم موته حتى دخل به دار السلطنة بالموصل، ودفن بتربته التي بمدرسته المذكورة.
وخلّف ولدين، هما الملك القاهر عز الدّين مسعود، والملك المنصور عماد الدّين زنكي.
وقام بالمملكة بعده ولده القاهر، وهو أستاذ الأمير بدر الدّين أبي الفضائل لؤلؤ الذي تغلب على الموصل وملكها في سنة ثلاثين وستمائة في أواخر شهر رمضان، وكان قبل نائبا بها ثم استقلّ.
وفيها أبو الفخر أسعد بن سعيد بن محمود بن محمد بن روح الأصبهاني [2] ، التاجر، رحلة وقته.
ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة، وسمع «المعجم الكبير» للطبراني بفوت و «المعجم الصغير» من فاطمة [3] ، وكان آخر من سمع منها. وسمع من زاهر [4] وسعيد بن أبي الرجاء. توفي في ذي الحجة، وآخر من سمع منه وروى عنه بالإجازة تقي الدّين ابن الواسطي.
وفيها تقيّة [5] بنت محمد بن آموسان. روت عن أبي عبد الله الخلّال، وغانم بن خالد. توفيت في رجب بأصبهان.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الحرافة» والتّصحيح من «المنتخب» (137/ ب) و «وفيات الأعيان» والحرّاقة: ضرب من السّفن فيها مرامي نيران يرمى بها العدوّ في البحر. انظر «المعجم الوسيط» (حرق) .
[2] انظر «العبر» (5/ 21- 22) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 491- 492) .
[3] يعني الجوزدانية كما في «سير أعلام النبلاء» .
[4] يعني الشّحّامي.
[5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «بقية» والتصحيح من «العبر» (4/ 22) و «تاريخ الإسلام» (61/ 230) .

(7/47)


وفيها أخوها جعفر بن آموسان [1] الواعظ أبو محمد الأصبهاني. سمع من فاطمة بنت البغدادي وجماعة، وروى الكثير، وحجّ فأدركه الأجل بالمدينة النبوية في المحرم.
وفيها زاهر بن أحمد بن أبي غانم أبو المجد بن أبي طاهر الثقفي الأصبهاني [2] .
ولد سنة إحدى وعشرين، وسمع من محمد بن علي بن أبي ذرّ، وسعيد بن أبي [3] الرجاء، وزاهر بن طاهر، وطائفة، وروى حضورا عن جعفر ابن عبد الله الثقفي. توفي في ذي القعدة.
وفيها عائشة بنت معمر بن الفاخر أم حبيبة الأصبهانية [4] . حضرت فاطمة الجوزدانية، وسمعت من زاهر [بن طاهر] وجماعة.
قال ابن نقطة: سمعنا منها «مسند أبي يعلى» بسماعها من سعيد الصّيرفي. توفيت في ربيع الآخر.
وفيها أبو أحمد بن سكينة الحافظ ضياء الدّين عبد الوهاب بن الأمين علي بن علي البغدادي [5] الصّوفي الشافعي، مسند العراق، وسكينة جدّته.
ولد سنة تسع عشرة، وسمع من ابن الحصين، وزاهر الشّحّامي وطبقتهما، ولازم ابن السمعاني، وسمع الكثير من قاضي المارستان وأقرانه،
__________
[1] في «تاريخ الإسلام» (61/ 231) : «جعفر بن أبي سعيد بن أبي محمد، المعروف جده بآموسان» .
[2] انظر «العبر» (5/ 22) .
[3] لفظة «أبي» سقطت من «آ» .
[4] انظر «العبر» (5/ 22- 23) و «تاريخ الإسلام» (61/ 235) .
[5] انظر «العبر» (5/ 23- 24) و «تاريخ الإسلام» (61/ 236- 239) .

(7/48)


وقرأ القراءات على سبط الخيّاط وجماعة ومهر فيها، وقرأ العربية على ابن الخشّاب، وقرأ المذهب والخلاف على أبي منصور الرّزّاز، وصحب جدّه لأمه أبا البركات إسماعيل بن أسعد، وأخذ علم الحديث عن ابن ناصر ولازمه.
قال ابن النجار: هو شيخ العراق في الحديث، والزهد، والسمت، وموافقة السّنّة. كانت أوقاته محفوظة لا تمضي له ساعة إلّا في تلاوة، أو ذكر، أو تهجد، أو تسميع، وكان يديم الصيام غالبا، ويستعمل السّنّة في أموره، إلى أن قال: وما رأيت أكمل منه، ولا أكثر عبادة، ولا أحسن سمتا، صحبته وقرأت عليه القراءات، وكان ثقة نبيلا من أعلام الدّين.
وقال ابن الدّبيثي: كان من الأبدال.
وقال الذّهبي: آخر من له إجازته، الكمال المكبّر.
توفي في تاسع ربيع الآخر.
وفيها ابن طبرزد، مسند العصر، أبو حفص موفق الدّين عمر بن محمد بن معمر الدّراقزّيّ [1] المؤدّب.
ولد سنة ست عشرة وخمسمائة، وسمع من ابن الحصين، وأبي غالب ابن البنّا، وطبقتهما. فأكثر. وحفظ أصوله إلى وقت الحاجة، وروى الكثير، ثم قدم دمشق في آخر أيامه فازدحموا عليه، وقد أملى مجالس بجامع المنصور، وعاش تسعين سنة وسبعة أشهر، وكان ظريفا، كثير المزاح. توفي في تاسع رجب ببغداد.
وفيها أبو موسى الجزولي- بضم الزاي، نسبة إلى جزولة [2] بطن من
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 24) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 507- 512) .
[2] قال القفطي في «إنباه الرواة» : وربما قالوا: «كزولة» بالكاف.

(7/49)


البربر بالمغرب- عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت البربريّ المراكشيّ [1] النحويّ العلّامة.
حجّ وأخذ العربية عن ابن برّي بمصر، وسمع الحديث من أبي [محمد بن] عبيد الله [2] . وإليه انتهت الرئاسة في علم النحو، وولي خطابة مرّاكش مدة، وكان بارعا في الأصول، والقراءات.
قال ابن خلّكان [3] : كان إماما في علم النحو، كثير الاطلاع على دقائقه وغريبه وشاذّه، وصنّف فيه المقدّمة التي سمّاها «القانون» ولقد أتى فيها بالعجائب، وهي في غاية الإيجاز مع الاشتمال على شيء كثير من النحو، ولم يسبق إلى مثلها، واعتنى بها جماعة من الفضلاء فشرحوها، ومنهم من وضع لها أمثلة، ومع هذا كله لا تفهم حقيقتها، وأكثر النّحاة يعترفون بقصور أفهامهم عن إدراك مراده منها، فإنها كلها رموز وإشارات، وبالجملة فإنه أبدع فيها. وله أمال في النحو لم تشتهر، ونسبت «الجمل» إليه لأنها من نتائج خواطره، وكان يقول: هي ليست من تصنيفي، لأنه كان متورّعا، وكان استفادها من شيخه ابن برّي، وإنما نسبت إليه لأنه انفرد بترتيبها، وانتفع به خلق كثير، وتوفي بأزمّورة [4] من عمل مراكش.
ويللبخت: بفتح التحتية المثناة واللام الأولى، وسكون الثانية، وفتح الباء الموحدة، وسكون الخاء المعجمة وبعدها تاء مثناة فوقية، اسم بربريّ.
وفيها الشيخ أبو عمر المقدسي الزّاهد محمد بن أحمد بن محمد بن
__________
[1] انظر «إنباه الرواة» (2/ 378- 380) و «العبر» (5/ 24) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 497) .
[2] ما بين الحاصرتين مستدرك من «سير أعلام النبلاء» وقد سمع منه «صحيح البخاري» .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 488- 490) .
[4] في «آ» و «ط» ، «بأزمور» والتصحيح من «معجم البلدان» (1/ 169) وقال: بلد بالمغرب في جبال البربر.

(7/50)


قدامة بن مقدام الحنبلي [1] القدوة الزّاهد، أخو العلّامة موفق الدّين.
ولد بجمّاعيل سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، وهاجر [مع والده] إلى دمشق لاستيلاء الفرنج على الأرض المقدسة، وسمع الحديث من أبي المكارم عبد الواحد بن هلال وطائفة كثيرة، وكتب الكثير بخطّه، وحفظ القرآن، والفقه، والحديث، وكان إماما، فاضلا، مقرئا، زاهدا، عابدا، قانتا لله، خاشعا من الله، منيبا إلى الله، كثير النفع لخلق الله، ذا أوراد وتهجّد واجتهاد وأوقات مقسمة على الطاعات [2] من الصّلاة، والصّيام، والذّكر، وتعلّم العلم، والفتوّة والمروءة والخدمة والتواضع، رضي الله عنه وأرضاه.
فلقد كان عديم النظير في زمانه. خطب بجامع الجبل إلى أن مات. قاله في «العبر» [3] .
وقال ابن رجب في «طبقاته» [4] : هاجر به والده وبأخيه الشيخ الموفق وأهلهم إلى دمشق لاستيلاء الفرنج على الأرض المقدسة، فنزلوا بمسجد أبي صالح ظاهر باب شرقي، فأقاموا به مدة نحو سنتين، ثم انتقلوا إلى الجبل.
قال أبو عمر: فقال الناس: الصالحية، الصالحية، ينسبونا إلى مسجد أبي صالح، لا أنّا صالحون.
حفظ الشيخ أبو عمر القرآن، وقرأه بحرف أبي عمرو. وسمع الحديث من والده وخلائق، وقدم مصر وسمع بها من الشريف أبي المفاخر سعيد بن الحسن بن المأموني، وأبي محمد بن برّي النحوي. وخرّج له الحافظ عبد الغني المقدسي أربعين حديثا من رواياته، وحدّث بها. وسمع منه جماعة، منهم: الضياء، والمنذري، وروى عنه ابن خليل، وولده
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 5- 9) وعبارة «مع والده» التي بين الحاصرتين زيادة منه.
[2] في «العبر» : «على الطاعة» .
[3] (5/ 25) وانظر «تاريخ الإسلام» (61/ 247- 259) .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 52- 61) .

(7/51)


شمس الدّين أبو الفرج عبد الرحمن قاضي القضاة، وحفظ «مختصر الخرقي [1] » في الفقه. وتفقّه في المذهب، وكتب بخطّه كثيرا، من ذلك «الحلية» لأبي نعيم، و «تفسير البغوي» و «المغني» في الفقه لأخيه الشيخ موفق الدّين، و «الإبانة» لابن بطّة. وكتب مصاحف كثيرة لأهله، وكتب [2] «الخرقي» [3] للناس والكلّ بغير أجرة، وكان سريع الكتابة، وربما كتب في اليوم كرّاسين بالقطع الكبير.
وقال الحافظ الضياء: وكان الله قد جمع له معرفة الفقه، والفرائض، والنحو، مع الزّهد، والعمل، وقضاء حوائج الناس.
قال: وكان لا يكاد يسمع دعاء إلّا حفظه ودعا به [ولا يسمع ذكر صلاة إلّا صلّاها] [4] ولا يسمع حديثا إلّا عمل به، وكان لا يترك قيام الليل من وقت شبوبيته، وقلّل الأكل في مرضه قبل موته، حتّى عاد كالعود، ومات وهو عاقد على أصابعه يسبّح.
قال: وحدّثت عن زوجته قالت: كان يقوم الليل، فإذا جاءه النوم عنده قضيب يضرب به على رجله [5] فيذهب عنه النوم.
وكان كثير الصيام سفرا وحضرا.
وقال [ولده] [6] عبد الله: إنه في آخر عمره سرد الصّوم [7] ، فلامه أهله،
__________
[1] جاء في هامش «المنتخب» لابن شقدة: قال ابن حجر: الخرقي: هو بخاء معجمة مكسورة، شيخ الحنابلة، منسوب إلى «خرق» قرية على بريد من مرو. «تاريخ العدوي» .
[2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (138/ ب) : «ويكتب» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] يعني «مختصر الخرقي» .
[4] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «المنتخب» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[5] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «رجله» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «رجليه» .
[6] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «المنتخب» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[7] أقول: أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوما، ويفطر يوما. (ع) .

(7/52)


فقال: أغتنم أيامي، وكان لا يسمع بجنازة إلّا حضرها، ولا مريض إلّا عاده، ولا بجهاد إلّا خرج فيه، وكان يقرأ في الصلاة كل ليلة سبعا مرتّلا، ويقرأ في النهار سبعا بين الظهر والعصر، وكان يقرئ [1] ويلقن إلى ارتفاع النهار، ثم يصلي الضحى طويلة، وكان يصلي كل ليلة جمعة بين العشاءين صلاة التسبيح [ويطيلها] [2] ، ويصلي يوم الجمعة ركعتين بمائة قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ 112: 1 [3] . وكان يصلي في كل يوم وليلة اثنتين وسبعين ركعة نافلة، وله أوراد كثيرة. وكان يزور القبور كل جمعة بعد العصر، ولا ينام إلّا على وضوء، ويحافظ على سنن وأذكار عند نومه.
وكان لا يترك غسل الجمعة، ولا يخرج إلى الجمعة إلّا ومعه شيء يتصدق به. وكان يؤثر بما عنده لأقاربه وغيرهم، ويتصدق كثيرا ببعض ثيابه، حتى يبقى في الشتاء بجبة بغير قميص. وكانت عمامته قطعة بطانة، فإذا احتاج أحد إلى خرقة أو مات صغير، قطع منها. وكان يلبس الخشن وينام على الحصير. وكان ثوبه إلى نصف ساقه، وكمّه إلى رسغه.
ومكث مدة لا يأكل أهل الدّير إلّا من بيته. يجمع الرجال ناحية، والنساء ناحية، وكان إذا جاء شيء إلى بيته فرّقه على الخاص والعام.
وكان يقول: لا علم إلّا ما دخل مع صاحبه القبر.
ويقول: إذا لم تتصدقوا لا يتصدق أحد عنكم، وإذا لم تعطوا السائل أنتم أعطاه غيركم.
وكان إذا خطب ترقّ القلوب وتبكي النّاس بكاء كثيرا. وكانت له هيبة عظيمة في القلوب. واحتاج الناس إلى المطر سنة، فطلع إلى مغارة الدّم [4] ومعه
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «يقرئ» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «يقرأ» .
[2] زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] أقول: هذه الصلاة بهذه الكيفية لم ترد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (ع) .
[4] حول مغارة الدّم راجع كتاب «حدائق الإنعام في فضائل الشام» ص (96) بتحقيق الأستاذ يوسف بديوي.

(7/53)


نساء من محارمه، واستسقى ودعا، فجاء المطر حينئذ، وجرت الأودية شيئا لم يره الناس من مدة طويلة [1] .
وقال عبد الله بن النحاس: كان والدي يحب الشيخ أبا عمر، فقال لي يوم جمعة: أنا أصلي الجمعة خلف الشيخ، ومذهبي أن بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 من الفاتحة، ومذهبه أنها ليست من الفاتحة، فمضينا إلى المسجد، فوجدنا الشيخ، فسلّم على والدي وعانقه، وقال: يا أخي صلّ وأنت طيب القلب، فإنني ما تركت بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 في فريضة ولا نافلة مذ أممت بالناس. وله كرامات كثيرة، وقد أطال الضياء ترجمته، وكذلك سبط ابن الجوزي في «المرآة» [2] وقال: كان معتدل القامة، حسن الوجه، عليه أنوار العبادة، لا يزال متبسما، نحيل الجسم من كثرة الصيام والقيام.
وكان يحمل الشّيخ من الجبل إلى بيوت الأرامل واليتامى، ويحمل إليهم في الليل الدراهم والدقيق ولا يعرفونه. ولا نهر أحدا [3] ولا أوجع قلب أحد. وكان أخوه الموفق يقول: هو شيخنا، ربّانا وأحسن إلينا، وعلّمنا وحرص علينا، وكان للجماعة كالوالد يقوم بمصالحهم، ومن غاب منهم خلفه في أهله، وهو الذي هاجر بنا وسفّرنا إلى بغداد، وبنى الدّير. ولما رجعنا من بغداد زوّجنا وبنى لنا دورا خارجة عن الدّير وكفانا هموم الدّنيا. وكان يؤثرنا ويدع أهله محتاجين، وبنى المدرسة والمصنع بعلو همته، وكان مجاب الدعوة، وما كتب لأحد ورقة للحمّى إلّا وشفاه الله تعالى.
وذكر جماعة أن الشيخ قطب، [وأقام قطب الوقت] [4] قبل موته بست سنين.
__________
[1] لفظة «طويلة» لم ترد في «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] انظر «مرآة الزمان» (8/ 356- 361) .
[3] في «مرآة الزمان» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «وما نهر أحدا» وهو أجود.
[4] زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 58) لا يتم المعنى بدونها.

(7/54)


وقال سبط ابن الجوزي: كان على مذهب السّلف الصالح، حسن العقيدة، متمسكا بالكتاب والسّنّة والآثار المروية وغيرها [1] كما جاءت من غير طعن على أئمة الدّين وعلماء المسلمين، وينهى عن صحبة المبتدعين، ويأمر بصحبة الصالحين.
قال: وأنشدني لنفسه:
أوصيكم في القول بالقرآن ... بقول أهل الحقّ والإيقان [2]
ليس بمخلوق ولا بفان ... لكن كلام الملك الدّيّان
آياته مشرقة المعاني ... متلوّة في اللفظ باللّسان
محفوظة في الصّدر والجنان ... مكتوبة في الصّحف بالبنان
والقول في الصّفات يا إخواني ... كالذّات والعلم مع البيان
إمرارها من غير ما كفران [3] ... من غير تشبيه ولا عدوان
ولما كان عشية الاثنين ثامن عشري ربيع الأول، جمع أهله واستقبل القبلة، ووصاهم بتقوى الله تعالى ومراقبته، وأمرهم بقراءة يس وكان آخر كلامه إِنَّ الله اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 2: 132 [البقرة: 132] .
وتوفي- رحمه الله- وغسّل في المسجد، ومن وصل إلى الماء الذي غسّل به، نشّف [به] النساء [مقانعهن] والرجال عمائمهم [4] ، وكان يوما مشهودا، ولما خرجوا بجنازته من الدّير كان يوما شديد الحرّ، فأقبلت غمامة
__________
أقول: وهذه الألقاب من قطب وغيرها، ليست ألقابا صحيحة، ولم يذكرها العلماء المتقدمون، وليس في الإسلام قطب ولا غوث ولا غيرهما. (ع) .
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (139/ آ) : «ويمرها» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «والإيقاف» .
[3] في «آ» «من غير كفران» وهذه الأبيات لم ترد في «مرآة الزمان» .
[4] في «آ» و «ط» . «نشّف النساء والرجال به عمائهم» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 60) .

(7/55)


فأظلت الناس إلى قبره. وكان يسمع منها دوىّ كدويّ النّحل، ولولا [المبارز المعتمد، والشجاع بن محارب، وشبل] الدولة [الحسامي] [1] أحاطوا به بالسيوف، لما وصل من كفنه إلى قبره شيء.
ولمّا دفن رأى بعض الصالحين في منامه تلك الليلة النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- وهو يقول: «من زار أبا عمر ليلة الجمعة، فكأنّما زار الكعبة، فاخلعوا نعالكم قبل أن تصلوا إليه» [2] .
ومات عن ثمانين سنة، ولم يخلّف قليلا ولا كثيرا.
وذكر الضياء عن عبد المولى بن محمد، أنه كان يقرأ عند قبر الشيخ سورة البقرة، وكان وحده، فبلغ إلى قوله تعالى: لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ 2: 68 [البقرة: 68] ، قال: فغلطت، فردّ عليّ الشيخ من القبر. قال: فخفت وارتعدت وقمت، ثم مات القارئ بعد ذلك بأيام.
قال: وقرأ بعضهم عند قبره سورة الكهف، فسمعه من القبر يقول:
لا إله إلّا الله [3] ، ورؤيت له منامات كثيرة، ودفن بسفح قاسيون إلى جانب والده، رحمهما الله تعالى.
وفيها محمد بن هبة الله بن كامل أبو الفرج [4] الوكيل عند قضاة بغداد. أجاز له ابن الحصين، وسمع من أبي غالب بن البنّا وطائفة، وروى الكثير، وكان ماهرا في الحكومات. توفي في رجب.
وفيها المظفّر بن إبراهيم أبو منصور بن البرتي- بكسر الموحدة
__________
[1] ما بين الحاصرتين زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] أقول: لا تؤخذ الأحاديث والأحكام من المنامات. (ع) .
[3] قلت: هذا وما سبقه من مبالغات محبيه المغالين في الإطراء، هو مما نهى الشرع الحنيف عنه، ولو حصل لأحد لحصل لسيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولأصحابه المكرمين رضي الله عنهم أجمعين، ولكن لا يصح شيء من ذلك.
[4] انظر «العبر (5/ 26) و «تاريخ الإسلام» (61/ 260) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 10- 11) .

(7/56)


وفوقية، نسبة إلى برت قرية بنواحي بغداد [1]- الحربي. آخر من حدّث عن أبي الحسين محمد بن الفرّاء توفي في شوال.
وفيها أبو القاسم المبارك بن أنوشتكين [2] بن عبد الله النّجمي السّيدي البغدادي [3] المعدّل الأديب الحنبلي. سمع من أبي المظفّر ابن التّركي الخطيب وخلق، وشهد عند قاضي القضاة أبي القاسم بن الشّهرزوري، وكان وكيل الخليفة الناصر بباب طراد، وبقي على ذلك إلى موته.
قال ابن نقطة: سمعت منه، وكان ثقة عالما فاضلا.
وروى عنه ابن خليل في «معجمه» . توفي في حادي عشر صفر، ودفن بباب حرب.
وفيها أبو زكريا يحيى بن أبي الفتح بن عمر بن الطبّاخ الحرّاني [4] الضرير المقرئ [5] ، الفقيه الحنبلي. رحل وقرأ القرآن بواسط بالروايات على هبة الله الواسطي وغيره، وسمع بها الحديث من ابن الكتّاني، وسمع ببغداد من ابن الخشّاب، وشهدة في آخرين، وتفقّه ببغداد، ورجع إلى حرّان وحدّث بها، وسمع منه سبط ابن الجوزي وغيره، وتوفي في شوال بحرّان.
وفيها صفي الدّين أبو زكريا يحيى بن المظفّر بن علي بن نعيم
__________
[1] تنبيه: كذا قال المؤلف- رحمه الله تعالى-. وضبط ابن نقطة نسبته في «إكمال الإكمال» (1/ 375) بالحروف «البرني» بفتح الباء وسكون الراء بعدها نون مكسورة، ومثله المنذري في «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 57) ، وقال ابن نقطة: سمعت منه، وكان شيخا صالحا، صحيح السماع.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن أبي سكين» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «ابن أبي شتكين» والتصحيح من «تكملة الإكمال» (باب السّندي والسيدي) مصورة عن مخطوطة الظاهرية.
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 51- 52) .
[4] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 264) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 62) .
[5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «المقدسي» .

(7/57)


البغدادي البدري، الزاهد الحنبلي، المعروف بابن الحبير [1] .
ولد في محرم سنة أربعين وخمسمائة، وسمع الحديث من ابن ناصر، وأبي الوقت، وغيرهما. وتفقّه في المذهب، وكان يسافر في التجارة إلى الشام ثم انقطع في بيته بالبدرية محلّة من محال بغداد الشرقية. وكان كثير العبادة، حسن الهيئة والسمت، كثير الصلاة والصيام والتنسك، ذا مروءة وتفقد للأصحاب وتودّد إليهم، وانتفع به جماعة من مماليك الخليفة، وبنيت له دكّة [2] في آخر عمره لقراءة الحديث عليه. وتوفي في يوم الاثنين ضحى تاسع عشري ذي الحجّة، ودفن بباب حرب.
وكان له ابن [3] يقال له: أبو بكر محمد، كان فقيها فاضلا في المذهب، فانتقل إلى مذهب الشافعيّ لأجل الدّنيا، وولي القضاء وقيلت فيه الأشعار.
قاله ابن رجب [4] .
__________
[1] انظر «تكملة الإكمال» لابن نقطة (2/ 12) و «تاريخ الإسلام» (61/ 264) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 62- 63) .
قال ابن رجب: و «الحبير» بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف، وبالراء المهملة.
وقال ابن نقطة: أوله حاء مهملة مضمومة، تصغير حبر.
[2] في «آ» و «ط» : «وثبتت له ذكر» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف، وجاء في الخبر عنده أيضا: «بأمر الخليفة بجامع القصر» .
قال ابن منظور في «لسان العرب» : والدّكّة، بناء يسطّح أعلاه.
[3] لفظة «ابن» سقطت من «آ» .
[4] قلت: وفي هذه السنة أيضا توفي الوجيه أبو الفتوح ناصر بن أبي الحسن علي بن خلف الأنصاري، المعروف بابن صورة. كان سمسار الكتب بمصر، وله في ذلك حظّ كبير، وكان يجلس في دهليز داره لذلك، ويجتمع عنده في يومي الأحد والأربعاء أعيان الرؤساء والفضلاء ويعرض عليهم الكتب التي تباع، ولا يزالون عنده إلى انقضاء وقت السوق، فلما مات السّلفيّ سار إلى الإسكندرية لبيع كتبه. مات في السادس عشر من شهر ربيع الآخر، سنة سبع وستمائة بمصر، ودفن بقرافتها، رحمه الله تعالى. انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 201) و «وفيات الأعيان» (1/ 197) .

(7/58)


سنة ثمان وستمائة
فيها قدم رسول جلال الدّين حسن صاحب الألموت بدخول قومه في الإسلام، وأنهم قد تبرّؤوا من الباطنية وبنوا المساجد والجوامع، وصاموا رمضان، ففرح الخليفة بذلك.
وفيها وثب قتادة الحسني [1] أمير مكّة على الركب العراقي بمنى، فنهب النّاس، وقتل جماعة، فقيل: راح للناس ما قيمته ألف ألف دينار. ولم ينتطح فيها عنزان. قاله في «العبر» [2] .
وفيها كانت زلزلة عظيمة بمصر هدمت دورا كثيرة بالقاهرة، ومات خلق كثير تحت الهدم. قاله السيوطي [3] .
وفيها توفي أبو العبّاس العاقولي أحمد بن الحسن بن أبي البقاء [4] المقرئ. قرأ القراءات على أبي الكرم الشّهرزوري، وسمع من أبي منصور القزّاز، وابن خيرون، وطائفة. وتوفي يوم التّروية، عن ثلاث وثمانين سنة.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحسيني» والتصحيح من «الكامل في التاريخ» (12/ 401) و «العبر» وانظر «العقد الثمين» (6/ 39) .
[2] (5/ 26- 27) .
[3] انظر «كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة» للسيوطي ص (115) بتحقيق الأستاذ عبد الرحمن ابن عبد الجبّار الفريوائي، طبع مكتبة الدار بالمدينة المنورة.
[4] انظر «العبر» (5/ 27) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 598) .

(7/59)


وفيها جهاركس، ويقال جركس، الأمير الكبير فخر الدّين الصلاحي [1] . أعطاه العادل بانياس والشّقيف، فأقام هناك مدّة، وكان أحد أمراء صلاح الدّين. شهد الغزوات كلّها، وتوفي في رجب بدمشق ودفن بقاسيون في تربته التي وقف عليها [2] قرية بوادي بردى تسمّى الكفر [3] وعشرين قيراطا من جميع قرية بيت سوا، سوى أحكار بيوت بالصالحية، وعلى قبره قبة عظيمة على جادة الطريق.
قال ابن خلّكان: كان كريما، نبيل القدر، عالي الهمّة، بنى بالقاهرة القيسارية الكبرى المنسوبة إليه. رأيت جماعة من التجار الذين طافوا البلاد يقولون: لم نر في شيء من البلاد مثلها في حسنها وعظمها وإحكام بنائها، وبنى بأعلاها مسجدا كبيرا وربعا معلّقا.
وجهاركس: بكسر الجيم، معناه بالعربي أربعة أنفس.
وفيها ابن حمدون صاحب «التذكرة» أبو سعد الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد بن حمدون البغدادي، كاتب الإنشاء للدولة. قاله في «العبر» [4] فكناه بأبي سعد، وجزم بوفاته في هذه السنة.
وقال ابن خلّكان [5] : أبو المعالي محمد بن أبي سعد الحسن بن محمد [ابن] علي بن حمدون الكاتب، الملقب كافي الكفاة، بهاء الدين البغدادي.
كان فاضلا ذا معرفة تامة بالأدب والكتابة، من بيت مشهور بالرئاسة، هو،
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 381) و «تاريخ الإسلام» (61/ 267- 268) و «العبر» (5/ 27) .
[2] لفظة «عليها» سقطت من «آ» .
[3] قلت: لعلها «كفر مدير» وهي في الغوطة الشرقية لدمشق. انظر «غوطة دمشق» للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي رحمه الله ص (178) .
[4] (5/ 27) .
[5] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 380- 382) وذكره ابن شاكر الكتبي في «فوات الوفيات» (3/ 323- 324) والصفدي في «الوافي بالوفيات» (2/ 357) .

(7/60)


وأبوه، وأخواه أبو نصر وأبو المظفّر. وسمع أبو المعالي من أبي القاسم إسماعيل بن الفضل الجرجاني وغيره، وصنّف كتاب «التذكرة» وهو من أحسن المجاميع، يشتمل على التاريخ، والأدب، والنوادر، والأشعار، لم يجمع أحد من المتأخرين مثله، وهو مشهور بأيدي النّاس، كثير الوجود، وهو من الكتب الممتعة.
ذكره العماد الكاتب الأصبهاني في «الخريدة» فقال: كان عارض العسكر المقتفوي [1] ثم صار صاحب ديوان الزّمان المستنجدي، وهو كلف باقتناء الحمد وابتناء المجد، وفيه فضل ونبل، وله على أهل الأدب ظل وأكفّ [2] . وألّف كتابا سمّاه «التذكرة» وجمع فيه الغثّ والسمين، والمعرفة والنكرة، فوقف الإمام المستنجد [3] على حكايات ذكرها نقلا من التواريخ، توهم في الدولة غضاضة، فأخذ من دست منصبه وحبس، ولم يزل في نصبه إلى أن رمس، وذلك في أوائل سنة اثنتين وستين وخمسمائة.
وأورد له:
يا خفيف الرّأس والعقل معا ... وثقيل الرّوح أيضا والبدن
تدّعي أنّك مثلي طيّب ... طيّب أنت ولكن بلبن [4]
انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا، فانظر التناقض بين كلامه وكلام «العبر» .
وفيها أسباه مير بن محمد بن نعمان الجيلي، الفقيه الحنبلي، أبو
__________
[1] في «آ» و «ط» : «المقتدي» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[2] لفظة «وأكف» لم ترد في «ط» و «وفيات الأعيان» .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المستنجدي» والتصحيح من «وفيات الأعيان» ، وهو الخليفة العبّاسي المستنجد بالله أبو المظفّر يوسف بن المقتفي المتوفى سنة (566 هـ) . انظر «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (442- 443) .
[4] علق الصفديّ على ذلك بقوله: يريد أنه قرع.

(7/61)


عبد الله [1] . تفقّه ببغداد على الشيخ عبد القادر، ونزل عنده، ولازم الاشتغال بمدرسته إلى آخر عمره.
وسمع من ابن المادح، وحدّث عنه باليسير، وعمّر. وسمع منه ابن القطيعي وجماعة. وكان أصابه صمم شديد في آخر عمره.
قال ابن النجار: كان شيخا صالحا [2] مشتغلا بالعلم والخير، مع علو سنّه، وأظنه ناطح المائة.
وقال ابن رجب: توفي ليلة الجمعة حادي عشري ربيع الأول، ودفن بباب حرب.
وفيها الخضر بن كامل بن سالم بن سبيع الدمشقي السّروجي المعبّر [3] . سمع من نصر الله المصّيصي، وببغداد من الحسين سبط الخيّاط.
توفي في شوال.
وفيها عبد الرحمن الرّومي عتيق أحمد بن باقا البغدادي [4] . قرأ على أبي الكرم الشّهرزوري، وروى «صحيح البخاري» بمصر والإسكندرية، عن أبي الوقت [السّجزي] . توفي في ذي القعدة وقد شاخ.
وفيها ابن نوح الغافقيّ العلّامة أبو عبد الله محمد بن أيوب بن محمد ابن وهب الأندلسي البلنسي [5] .
ولد سنة ثلاثين وخمسمائة، وقرأ القراءات على ابن هذيل، وسمع من
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 223) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 63) .
[2] لفظة «صالحا» سقطت من «آ» .
[3] انظر «العبر» (5/ 27) و «تاريخ الإسلام» (61/ 269) .
[4] انظر «العبر» (5/ 28) و «تاريخ الإسلام» (61/ 271) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[5] انظر «العبر» (5/ 28) و «تاريخ الإسلام» (61/ 276- 277) .

(7/62)


جماعة، وتفقّه وبرع على مذهب مالك، ولم يبق له في وقته نظير بشرق الأندلس تفنّنا واستبحارا. كان رأسا في الفقه، والقراءات، والعربية، وعقد الشروط.
قال [ابن] الأبّار: تلوت عليه، وهو أغزر من لقيت علما وأبعدهم صيتا. توفي في شوال.
وفيها عماد الدّين محمد بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك العلّامة أبو حامد [الإربلي] الشافعي [1] .
تفقّه على والده، وببغداد على يوسف بن بندار وغيره، ودرّس في عدة مدارس بالموصل، واشتهر، وقصده الطلبة من البلاد.
قال ابن خلّكان [2] : كان إمام وقته في المذهب، [والأصول، والخلاف، وكان له صيت عظيم في زمانه، صنّف «المحيط» جمع فيه بين «المهذّب» ] [3] و «الوسيط» وكان ذا ورع ووسواس في الطهارة، بحيث إنه يغسل يده من مس القلم، وكان كالوزير لصاحب الموصل نور الدّين، وما زال به حتى نقله إلى الشافعية، وتوجّه إلى بغداد، وتفقّه بالمدرسة النظامية على السّديد محمد، وسمع بها الحديث من الكشميهنيّ وغيره. وعاد إلى الموصل ودرّس بها في عدّة مدارس، منها النّورية، والعزّية، والزّينبية، والبقشية [4] ، والعلائية.
وقال ابن شهبة [5] : كان لطيف المحاورة، دمث الأخلاق. وكان مكمّل
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 28- 29) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 253- 254) وقد نقل المؤلف كلامه عن «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
[3] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[4] في «ط» : «والبغشية» .
[5] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 85) وراجع ترجمته في «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (8/ 97- 98) .

(7/63)


الأدوات، لم يرزق سعادة في تصانيفه، فإنها ليست على قدر فضله. توفي في جمادى الآخرة. انتهى.
وقال الذّهبي [1] : هو جدّ مصنّف «التعجيز» تاج الدّين عبد الرحيم [2] بن محمد بن محمد الموصلي.
وفيها منصور بن عبد المنعم بن أبي البركات عبد الله بن فقيه الحرم محمد بن الفضل الفراوي أبو الفتح وأبو القاسم [3] .
ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. وسمع من جدّه وجدّ أبيه، وعبد الجبّار الخواري، ومحمد بن إسماعيل الفارسي، وروى الكتب الكبار، ورحلوا إليه، وتوفي في ثامن شعبان بنيسابور.
وفيها ابن سناء الملك، القاضي أبو القاسم هبة الله بن القاضي الرّشيد أبي الفضل جعفر بن المعتمد سناء الملك المصري [4] الأديب، صاحب «الديوان» المشهور، والمصنّفات الأدبية. قرأ [القرآن] [5] على الشريف الخطيب [6] ، وقرأ النحو على ابن برّي، وسمع من السّلفيّ، وكتب بديوان الإنشاء مدة، وكان بارع التّرسّل والنظم.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 29) وراجع «تاريخ الإسلام» (61/ 280- 282) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «عبد الرحمن» وانظر «تاريخ الإسلام» (61/ 282) .
[3] انظر «العبر» (5/ 29) .
[4] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 61- 66) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 480- 481) و «العبر» (5/ 29- 30) و «تاريخ الإسلام» (61/ 284- 486) .
[5] سقطت لفظة «القرآن» من «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (139/ ب) ومن «العبر» بطبعتيه، واستدركتها من «سير أعلام النبلاء» و «تاريخ الإسلام» .
[6] هو الإمام أبو الفتوح ناصر بن الحسن الزّيدي، مقرئ الدّيار المصرية في عصره. انظر ترجمته في «معرفة القراء الكبار» (2/ 525- 526) وقد تحرفت «الزّيدي» إلى «الزّيري» في حاشية «سير أعلام النبلاء» (1/ 480) فتصحح.

(7/64)


قال ابن خلّكان: كان كثير التخصص [1] والتنعّم، وافر السعادة، محظوظا من الدّين، اختصر كتاب «الحيوان» للجاحظ، وسمّى المختصر «روح الحيوان» وهي تسمية لطيفة. وله ديوان جميعه موشحات سماه «دار الطّراز [2] » . وجمع شيئا من الرسائل الدائرة بينه وبين القاضي الفاضل، وفيه كل معنى مليح.
واتفق في عصره جماعة من الشعراء المجيدين، وكان لهم مجالس تجري بينهم فيها مفاكهات ومحاورات يروق سماعها. ودخل في ذلك الوقت إلى مصر شرف الدّين بن عنين، فعملوا له الدعوات، وكانوا يجتمعون على أرغد عيش، وكانوا يقولون: هذا شاعر الشام، وجرت لهم محافل سطّرت عنهم.
ومن شعر ابن سناء الملك [3] .
لا الغصن يحكيك ولا الجؤذر ... حسنك مما ذكروا [4] أكثر
يا باسما أبدى لنا ثغره ... عقدا ولكن كلّه جوهر
قال لي اللّاحي ألا تسمع [5] ... فقلت يا لاحي ألا تبصر
وله يتغزل بجارية عمياء [6] :
شمس بغير الشّعر لم تحجب ... وفي سوى العينين لم تكسف
__________
[1] في «آ» و «ط» : «كثير التخصيص» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[2] تحرف اسمه في «آ» و «ط» إلى «درّ الطّراز» والتصحيح من «وفيات الأعيان» وهو مطبوع بتحقيق الدكتور جودت الركابي وانظر «كشف الظنون» (1/ 732) .
[3] انظر «ديوانه» ص (344) طبع دار الجيل ببيروت.
[4] في «آ» و «ط» : «مما أكثروا» وفي «وفيات الأعيان» : «مما كثروا» والتصحيح من «ديوانه» .
[5] في «آ» و «ط» : «ألا تستمع» والتصحيح من «ديوانه» و «وفيات الأعيان» .
[6] انظر «ديوانه» ص (484- 485) .

(7/65)


مغمدة المرهف لكنّها ... تجرح في الجفن [1] بلا مرهف
رأيت منها الخلد [2] في جؤذر ... ومقلتي يعقوب في يوسف
وله في غلام ضرب ثم حبس [3] :
بنفسي من لم يضربوه لريبة ... ولكن ليبدو الورد في سائر الغصن
ولم يودعوه السّجن إلّا مخافة ... من العين أن تعدو على ذلك الحسن
وقالوا له شاركت في الحسن يوسفا ... فشاركه أيضا في الدّخول إلى السّجن
وله أيضا [4] :
وما كان تركي حبّه عن ملالة ... ولكن لأمر يوجب القول بالتّرك [5]
أراد شريكا في الذي كان بيننا ... وإيمان قلبي قد نهاني عن الشّرك
وقال العماد الكاتب في «الخريدة» : كنت عند القاضي الفاضل في خيمته، فأطلعني على قصيدة كتبها إليه ابن سناء الملك، وكان سنّه لم يبلغ عشرين سنة، فعجبت منها، وأولها [6] :
فراق قضى للهمّ والقلب بالجمع ... وهجر تولّى صلح عيني مع الدّمع
وتوفي ابن سناء الملك في العشر الأول من شهر رمضان بالقاهرة، عن بضع وستين سنة.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» وفي «ديوانه» : «تقتل بالغمد» .
[2] في «آ» و «ط» : «الجلد» بالجيم، وما أثبته من «ديوانه» و «وفيات الأعيان» .
[3] انظر «ديوانه» ص (783- 784) .
[4] انظر «ديوانه» ص (528) .
[5] كذا رواية البيت في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» وروايته في «ديوانه» :
تركت حبيب القلب لا عن ملالة ... ولكن لذنب أوجب الأخذ بالترك
[6] البيت في «وفيات الأعيان» (6/ 65) .

(7/66)


وفيها يونس بن يحيى الهاشمي أبو محمد البغدادي القصّار، نزيل مكّة. روى عن أبي الفضل الأرموي، وابن الطّلّاية، وطبقتهما. قاله في «العبر» [1] .
__________
[1] (5/ 30) وانظر «تاريخ الإسلام» (61/ 288- 289) .

(7/67)


سنة تسع وستمائة
فيها كانت الملحمة العظمى بالأندلس بين النّاصر محمد بن يعقوب ابن يوسف وبين الفرنج، ونصر الله الإسلام واستشهد بها عدد كثير، وتعرف بوقعة العقاب.
وفيها توفي أبو جعفر الحصّار أحمد بن علي بن يحيى بن عون الله الأنصاري الأندلسي الدّاني، المقرئ المالكي، نزيل بلنسية. قرأ القراءات على ابن هذيل، وسمع من جماعة، وتصدّر للإقراء، ولم يكن أحد يقارنه في الضبط والتحرير، ولكن ضعّفه الأبّار وغيره لروايته عن ناس كأنّه ما لقيهم [1] . توفي في صفر. قاله في «العبر» [2] .
وفيها أبو عمر بن عات أحمد بن هارون بن أحمد بن جعفر بن عات النّقري- بضم النون والقاف [3] وراء- نسبة إلى نقر بطن من أحمس-
__________
[1] في «آ» و «ط» و «العبر» : «ما كأنه لقيهم» وما أثبته يقتضيه السياق.
[2] (5/ 30) وانظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 593- 594) .
[3] تنبيه: وهم محقق «العبر» طبع الكويت فضبطها بضم النون وسكون القاف، وأحال على «اللباب» ! وفي «اللباب» بضم النون والقاف كما في كتابنا، وتبعه محقق «العبر» طبع بيروت!!.
أقول: والذي في «سير أعلام النبلاء» (22/ 13) : «النّفزي» وجاء في التعليق عليه:
وضبطها المنذري بالحروف، قال: ونفزة، بفتح النون وسكون الفاء وفتح الزاي وبعدها تاء تأنيث. قبيلة كبيرة. (ع) .

(7/68)


الشّاطبي الحافظ. سمع أباه العلّامة أبا محمد، وابن هذيل. ولما حجّ [سمع] من السّلفيّ، وكان عجبا في سرد المتون ومعرفة الرجال والأدب [وكان زاهدا، سلفيا، متعفّفا، عدم في وقعة العقاب في صفر.
قال ابن ناصر الدّين [1]] [2] : كان زاهدا ورعا حافظا ثقة مأمونا. انتهى.
وفيها الملك الأوحد أيوب بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب [3] .
تملّك خلاط خمس سنين، وكان ظلوما غشوما [4] سفّاكا لدماء الأمراء.
مات في ربيع الأول.
وفيها أبو نزار ربيعة بن الحسن الحضرمي اليمني الصّنعاني [5] الشافعي المحدّث.
ولد سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وتفقّه بظفار، ورحل إلى العراق وأصبهان، وسمع من أبي المطهّر الصيدلاني، ورجاء بن حامد المعداني [6] وطائفة، وكان مجموع الفضائل، كثير التعبّد والعزلة.
قال ابن ناصر الدين [7] : أبو نزار الذّماري ربيعة بن الحسن بن علي الحضرمي الصّنعاني أبو نزار الحافظ الفقيه الشافعي. كان إماما حافظا فقيها ماهرا لغويا أديبا شاعرا. انتهى.
توفي في جمادى الآخرة.
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (172/ آ) وقد نقل المؤلف كلامه بتصرف.
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» .
[3] انظر «العبر» (5/ 31) .
[4] لفظة «غشوما» لم ترد في «ط» و «العبر» .
[5] انظر «العبر» (5/ 31) و «تاريخ الإسلام» (61/ 294- 296) .
[6] في «آ» : «العدائي» وما أثبته من «ط» و «تاريخ الإسلام» .
[7] في «التبيان شرح بديعة البيان» (172/ آ) .

(7/69)


وفيها أبو شجاع زاهر بن رستم الأصبهانيّ الأصل ثم البغدادي [1] ، الفقيه الشافعي الزاهد. قرأ القراءات على سبط الخيّاط، وأبي الكرم، وسمع منهما ومن الكروخي وجماعة، وجاور، وأمّ بمقام إبراهيم إلى أن عجز وانقطع. توفي في ذي القعدة، وكان ثقة بصيرا بالقراءات.
وفيها أبو الفضل بن المعزّم عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن صالح الهمذاني [2] الفقيه. توفي في ربيع الآخر، وسمع من أبي جعفر محمد بن علي الحافظ، وعبد الصبور الهروي، وطائفة. وكان مكثرا، صحيح السماع.
وفيها علي بن يحيى الحمّامي [3] .
قال ابن ناصر الدّين [4] : معدود في الحفّاظ الفضلاء والمحدّثين العلماء. انتهى.
وفيها أبو الحسن بن النجّار علي بن محمد بن حامد اليغنوي- بفتح الياء التحتية والنون وسكون الغين المعجمة، نسبة إلى يغنى قرية بنسف [5]- الفقيه الحنبلي. قرأ الفقه والخلاف على الفخر إسماعيل صاحب ابن المنّي، وتكلم في مسائل الخلاف فأجاد، وقرأ طرفا صالحا من الأدب، وقال الشعر وكان يكتب خطا حسنا، وسافر عن بغداد ودخل ديار بكر، وولي القضاء بآمد، وأقام بها إلى حين وفاته، وكان صهرا لعبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 31- 32) و «تاريخ الإسلام» (61/ 296) .
[2] انظر «العبر» (5/ 32) و «تاريخ الإسلام» (61/ 300) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 258- 259) .
[4] في «التبيان شرح بديعة البيان» (172/ آ) .
[5] انظر «معجم البلدان» (5/ 438) و «اللباب» (3/ 415) وقد تحرفت نسبته في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 65) إلى «البغوي» فتصحح.

(7/70)


الكيلاني على ابنته، وتوفي بآمد في رمضان وقد جاوز الأربعين.
قال ابن النجار: أنشدت له:
لو صبّ ما ألقى على صخرة ... لذابت الصّخرة من وجدها
أو ألقيت نيران قلبي على ... دجلة لم يقدر على وردها
أو ذاقت النّار غرامي بكم ... لم تتوار النّار في زندها
لو لم ترجّ الرّوح روح اللقا ... لكان روح الرّوح في فقدها
وفيها ابن القبّيطيّ [1] أبو الفرج محمد بن علي بن حمزة أخو حمزة [2] الحرّاني ثم البغدادي. روى عن الحسين، وأبي محمد، سبطي الخيّاط [3] وأبي منصور بن خيرون، وطائفة، وكان متيقظا، حسن الأخلاق.
وفيها محمد بن محمد بن أبي الفضل الخوارزمي [4] . سمع من زاهر الشحّامي بأصبهان.
وفيها ناصر الدّين أبو الثناء وأبو الشكر، محمود بن عثمان بن مكارم النعّال البغدادي الأزجي [5] ، الفقيه الحنبلي، الواعظ الزاهد.
ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ببغداد، وقرأ القرآن، وسمع
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (140/ آ) إلى «القسطي» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 249) و «تاريخ الإسلام» (61/ 310) و «العبر» (5/ 32) .
[2] في «آ» و «ط» : «أبو حمزة» وهو تحريف، والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق السابق.
[3] في «التكملة لوفيات النقلة» : «سمع من أبي عبد الله الحسين، وأبي محمد عبد الله ابني علي ابن أحمد المقرئين سبطي الشيخ أبي منصور الخياط» .
[4] انظر «العبر» (5/ 32) و «تاريخ الإسلام» (61/ 311 و 312) .
[5] انظر «ذيل الروضتين» ص (82) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 63- 64) .

(7/71)


الحديث، من أبي الفتح بن البطّي [1] ، وحدّث، وحفظ «مختصر الخرقي» ، وقرأ على أبي الفتح بن المنّي، وصحب الشيخ عبد القادر مدة، وتأدّب به، وكان يطالع الفقه والتفسير، ويجلس في رباطه للوعظ، وكان رباطه مجمعا للفقراء وأهل الدّين والفقهاء الغرباء، الذين يرحلون إلى أبي الفتح بن المنّي، وكان الاشتغال في رباطه بالعلم أكثر من الاشتغال في سائر المدارس. سكنه الشيخ موفق الدّين المقدسي، والحافظ عبد الغني [وأخوه الشيخ العماد، والحافظ عبد القادر الرّهاوي، وغيرهم من أكابر الرحّالين لطلب العلم] [2] .
قال أبو الفرج بن الحنبلي [3] : ولما قدمت بغداد سنة اثنتين وسبعين نزلت الرّباط، ولم يكن فيه بيت خال، فعمرت به بيتا وسكنته، وكان الشيخ محمود وأصحابه ينكرون المنكر، ويريقون الخمور، ويرتكبون الأهوال في ذلك، [حتّى إنه أنكر على جماعة من الأمراء، وبدّد خمورهم، وجرت بينه وبينهم فتن] وضرب مرات، وهو شديد في دين الله، له إقدام وجهاد. وكان كثير الذّكر، قليل الحظّ من الدنيا، وكان يسمّى شيخ الحنابلة.
قال: وكان يهذّبنا ويؤدّبنا، وانتفعنا به كثيرا.
وقال أبو شامة: كانت له رياضات وسياحات [4] ومجاهدات، وساح في بلاد الشام وغيرها، وكان يؤثر أصحابه، وانتفع به خلق كثير، وكان مهيبا، لطيفا، كيّسا، باشّا، مبتسما، يصوم الدّهر، ويختم القرآن كل يوم وليلة [5] ، ولا يأكل إلّا من غزل عمّته.
__________
[1] تحرفت في «آ» إلى «البعلي» وهو أبو الفتح محمد بن عبد الباقي البغدادي الحاجب ابن البطّي. انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» (20/ 481- 484) .
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[3] انظر كتاب «شذرات من كتب مفقودة» للدكتور إحسان عبّاس ص (200) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[4] لفظة «سياحات» لم ترد في «ذيل الروضتين» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[5] أقول: صيام الدّهر، وختم القرآن كل يوم وليلة خلاف السنة. (ع) .

(7/72)


توفي ليلة الأربعاء عاشر صفر عن أزيد من ثمانين سنة ودفن برباطه.
وفيها أبو زكريا يحيى بن سالم بن مفلح البغدادي [1] نزيل الموصل، الحنبلي. سمع ببغداد من أبي الوقت، وتفقّه بها على صدقة بن الحسين بن الحداد، وحدّث بالموصل، وتوفي بها في شهر رمضان، ودفن بمقبرة الجامع العتيق.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 64- 65) .

(7/73)


سنة عشر وستمائة
فيها ظهرت بلاطة وهم يحفرون خندق حلب، وقلعت فوجد تحتها سبع عشرة قطعة من ذهب وفضة على هيئة اللّبن، فوزنت، فكانت ثلاثة وستين رطلا بالحلبي، وعشرة أرطال ونصف، وأربعة وعشرين فضة، ثم وجد حلقة من ذهب وزنها رطلان ونصف، فكمّل الجميع قنطارا.
وفيها كما قال أبو شامة [1] : ورد الخبر بخلاص خوارزم شاه من أسر التتار. أي وذلك أنه كان صاحب إقدام، فكان من خبره أنه نازل التتار بجيوشه، فخطر له أن يكشفهم، فتنكر ولبس زيهم هو وثلاثة، ودخلوا فيهم، فأنكرتهم التتار وقبضوا عليهم، وقرّروهم، فمات اثنان تحت الضرب ولم يقرّا، ورسموا على خوارزم شاه ورفيقه فهربا في الليل.
وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس البغدادي [2] الفقيه الحنبلي المعدّل، ويلقب شمس الدّين.
ولد ليلة ثامن عشري جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وخمسمائة.
ذكر [ابن] القادسي، أن أباه سمّاه عبد الرحمن، فرأى في منامه النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يسمّيه إبراهيم ويكنيه أبا محمد، وقرأ القرآن على عمه، وسمع من
__________
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (83) و «العبر» (5/ 33) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 69- 70) .

(7/74)


أبيه وعمّه، ومن أبي الفتح بن البطّي وجماعة كثيرة، واشتغل بالمذهب على أبيه وعمه، وبالخلاف على أبي الفتح بن المنّي ولازمه مدة، وشهد عند قاضي القضاة ابن الشّهرزوري، وولي نظر وقوف الجامع، ثم ولي النيابة بباب النّوبي [1] سنة أربع وستمائة، فغيّر لباسه، وتغيرت أحواله، وأساء السيرة بكثرة الأذى والمصادرة والجنايات على الناس والسعي بهم.
قال ابن القادسي: حدثني عبد العزيز بن دلف، قال: كان ابن بكروس يلازم قبر معروف الكرخي، فسمعته يدعو أكثر الأوقات: اللهم مكّني من دماء المسلمين ولو يوما واحدا. قال: فمكّنه الله تعالى من ذلك.
وقال ابن السّاعي [2] : حدثني عبد العزيز الناسخ، أنه وعظ ابن بكروس يوما فقال: يا شيخ! اعلم أني قد فرشت حصيرا في جهنم، فقمت متعجّبا من قوله، ولم يزل على ذلك إلى أن قبض عليه في ربيع الآخر، وضرب حتّى تلف فمات ليلة الخميس ثامن عشر جمادى الأولى.
قال ابن القادسي: قرأ سورة يس فلما بلغ إلى قوله تعالى: إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ 36: 53 [يس: 53] جعل يكررها إلى أن مات. انتهى.
وفيها أبو الفضل تاج الأمناء أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله الدّمشقي المعدّل ابن عساكر [3] ، والد العزّ النسّابة.
ولد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وسمع من نصر بن أحمد بن مقاتل، وأبي القاسم بن البنّ، وعمّيه الصائن، والحافظ، وطائفة، وسمع بمكّة
__________
[1] في «آ» و «ط» : «بباب النوى» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.
[2] تحرفت في «ط» إلى «اللياعي» .
[3] انظر «العبر» (5/ 33) و «الأعلام» (1/ 217) .

(7/75)


من أحمد بن المقرّب، وخرّج لنفسه «مشيخة» وكتب وجمع، وخدم في جهات كبار. توفي في رجب.
وفيها أبو الفضل التّركستاني أحمد بن مسعود بن علي [1] شيخ الحنفية بالعراق وعالمهم ومدرّس مشهد أبي حنيفة الإمام. توفي في ربيع الآخر.
وفيها الفخر فخر الدّين إسماعيل بن علي بن حسين البغدادي الأزجي المأموني الفقيه الحنبلي أبو محمد، ويعرف بابن الرّفّاء المناظر، ويعرف أيضا بغلام ابن المنّي [2] .
ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة، ولازم أبا فتح نصر بن المنّي مدة، وسمع من شهدة، وكانت له حلقة كبيرة للمناظرة والاشتغال بعلم الكلام والجدل، ولم يكن في دينه بذاك، وتخرّج به جماعة، وأجاز لعبد الصمد بن أبي الجيش المقرئ. وولاه الخليفة الناصر النظر في قراه وعقاره الخاص، ثم صرفه.
وقد حطّ عليه أبو شامة، ونسبه إلى الظلم في ولايته، وكذلك ابن النجّار، مع أنه قال: كان حسن العبارة، جيد الكلام في المناظرة، مقتدرا على ردّ الخصوم، وكانت الطوائف مجمعة على فضله وعلمه. قال: ورتّب ناظرا في ديوان المطبق مديدة فلم تحمد سيرته، فعزل واعتقل مدة بالديوان ثم أطلق، ولزم منزله.
قال: ولم يكن في دينه بذاك. ذكر لي ولده أبو طالب عبد الله في معرض المدح، أنه قرأ المنطق والفلسفة على ابن مرقيس [3] الطبيب
__________
[1] انظر «الجواهر المضية» (1/ 331- 333) بتحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو، و «البداية والنهاية» (13/ 65) .
[2] انظر «العبر» (5/ 34) و «البداية والنهاية» (13/ 65) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 66- 68) .
[3] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (140/ ب) وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «ابن مرقش» .

(7/76)


النصراني، ولم يكن في زمانه أحد [1] أعلم منه بتلك العلوم، وأنه كان يتردد إليه إلى بيعة النصارى.
قال: وسمعت من أثق به من العلماء أنه صنّف كتابا سماه «نواميس الأنبياء» يذكر فيه أنهم كانوا حكماء، كهرمس، وأرسطاطاليس.
قال: وسألت بعض تلامذته الخصيصين به [عن ذلك] [2] فما أثبته ولا أنكره.
وقال: كان متسمحا في دينه، متلاعبا به، ولم يزد على ذلك.
قال: وكان دائما يقع في الحديث، وفي رواته، ويقول: هم جهّال لا يعرفون العلوم العقلية ولا معاني الحديث الحقيقية، بل هم مع اللفظ الظاهر، ويذمهم ويطعن عليهم.
ومما أنشده ابن النجّار من شعره:
دليل على حرص ابن آدم أنّه ... ترى كفّه مضمومة وقت وضعه
ويبسطها وقت الممات إشارة ... إلى صفرها مما حوى بعد جمعه
وتوفي- كما قال أبو شامة، وابن القادسي- في ربيع الأول.
وقال ابن النجار: يوم الثلاثاء ثامن ربيع الآخر، ودفن من يومه بداره بدرب الجب، ثم نقل إلى باب حرب، سامحه الله.
وفيها أيدغمش [3] السلطان شمس الدّين صاحب همذان وأصبهان والرّيّ. كان قد تمكّن وكثرت جيوشه واتّسعت ممالكه، بحيث إنّه حصر ولد
__________
[1] لفظة «أحد» لم ترد في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] ما بين حاصرتين مستدرك من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] انظر «دول الإسلام» (2/ 115) و «تاريخ الإسلام» (61/ 322) و «العبر» (5/ 34) .

(7/77)


أستاذه أبا بكر بن البهلوان بأذربيجان إلى أن خرج عليه منكلي بالتركمان وحاربه، واستعان عليه بالمماليك البهلوانية، فهرب إلى بغداد، فسلطنه الخليفة وأعطاه الكوسات في العام الماضي، فلما كان في المحرم كبسته التركمان وقتلوه وحملوا رأسه إلى منكلي.
وفيها الحسين بن سعيد بن شنيف [1] أبو عبد الله الأمين. سمع من هبة الله بن الطبر، وقاضي المارستان وجماعة، وتوفي في المحرم ببغداد.
وفيها زينب بنت إبراهيم القيسي زوجة الخطيب ضاء الدّين الدّولعي أم الفضل [2] . سمعت من نصر الله المصّيصي، وأجاز لها أبو عبد الله الفراوي وخلق. توفيت في ربيع الأول.
وفيها ابن حديدة الوزير معز الدّين أبو المعالي سعيد بن علي الأنصاري البغدادي [3] وزر للناصر في سنة أربع وثمانين وخمسمائة، فلما عزل بابن مهدي صودر، فبذل للمترسّمين ذهبا وهرب، وحلق لحيته [4] والتفّ في إزار، وبقي بأذربيجان مدة، ثم قدم بغداد ولزم بيته إلى أن مات في جمادى الأولى.
وفيها عبد الجليل بن أبي غالب بن مندويه الأصبهاني أبو مسعود [5] ، الصّوفي المقرئ، نزيل دمشق. روى «الصحيح» [6] عن أبي الوقت، وروى عن نصر البرمكي.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 35) .
[2] انظر «العبر» (5/ 35) .
[3] انظر «العبر» (5/ 35) و «تاريخ الإسلام» (61/ 326- 327) .
[4] في «العبر» و «تاريخ الإسلام» : «وحلق رأسه» .
[5] انظر «العبر» (5/ 35) و «تاريخ الإسلام» (61/ 329- 330) .
[6] يعني «صحيح البخاري» كما في «تاريخ الإسلام» .

(7/78)


قال القوصي [1] : هو الإمام، شيخ القراء، بقية السّلف.
توفي في جمادى الأولى.
وفيها ابن هبل الطبيب العلّامة، مهذّب الدّين علي بن أحمد بن علي البغدادي [2] ، نزيل الموصل. روى عن أبي القاسم بن السّمرقندي، وكان من الأذكياء الموصوفين، له عدة تصانيف وجماعة تلامذة.
وفيها عين الشّمس بنت أحمد بن أبي الفرج الفقيهة الأصبهانية [3] .
سمعت حضورا في سنة أربع وعشرين من إسماعيل بن الإخشيذ، وسمعت من أبي ذرّ [الصّالحاني] ، وكانت آخر من حدّث عنهما.
توفيت في ربيع الآخر.
وفيها محمد بن مكّي بن أبي الرجاء بن علي بن الفضل الأصبهاني المليحي [4] المحدّث الحنبلي المؤدّب. سمع من مسعود الثقفي وخلق كثير، وعني بهذا الشأن، وقرأ الكثير بنفسه، وكتب بخطّه وخرّج وأفاد الطلبة بأصبهان، وحدّث وأجاز للحافظ المنذري، ولأبي الحسن بن البخاري، وأحمد بن شيبان. وقد رويا عنه بالإجازة.
توفي في العشر الأواخر من المحرّم بأصبهان.
وفيها محمد بن حمّاد بن محمد بن جوخان البغدادي الضرير الفقيه الحنبلي [5] أبو بكر. سمع الحديث من ابن البطّي، وشهدة، وحدّث بيسير، وحفظ القرآن وقرأه بتجويد وأقرأه، وتفقّه على ابن المنّي، وتكلّم في مسائل
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «العوصي» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[2] انظر «العبر» (5/ 36) .
[3] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 336) وما بين حاصرتين زيادة منه.
[4] انظر «العبر» (5/ 36) و «تاريخ الإسلام» (61/ 340- 341) و «سير أعلام النبلاء» .
(22/ 110- 111) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 65- 66) .
[5] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 68) .

(7/79)


الخلاف، وتوفي يوم الأربعاء سلخ رمضان ببغداد وقد ناطح السبعين، ودفن بباب حرب.
وفيها أبو العشائر بن التّلولي [1] محمد بن علي بن محمد بن كرم السّلامي المعدّل. سمع من ابن البطّي وجماعة، وتفقّه في مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وقرأ طرفا من العربية على ابن الخشّاب، وشهد عند قاضي القضاة العبّاسي، وكان يؤم بمسجد بالجانب الغربي من بغداد. حدّث وسمع منه قوم من الطلبة، وكان غاليا في التسنن، حتى إنه يقول أشياء لا يلزمه التلفظ بها.
منها: أن بلالا خير من موسى بن جعفر ومن أبيه، وكان ذلك في وزارة القميّ الشيعي فنفاه إلى واسط، وكان ناظرها غاليا في التشيّع، فأخذه وطرحه في مطمورة إلى أن مات بها وانقطع خبره في هذه السنة، رحمه الله تعالى.
وفيها صاحب المغرب السلطان الملك الناصر الملقب بأمير المؤمنين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي [2] وأمّه أمة روميّة، وكان أشقر أشهل أسيل الخدّ [3] ، حسن القامة، طويل الصمت، كثير الإطراق، بعيد الغور، ذا شجاعة وحلم، وفيه بخل بيّن.
تملّك بعد أبيه في صفر، سنة خمس وتسعين وخمسمائة، ووزر له غير واحد، منهم أخوه إبراهيم، وكان أولى بالملك منه.
وفي سنة تسع وتسعين سار ونزل على مدينة فاس، وكان قد أخذها منهم ابن غانية فظفر جيشه بابن غانية عبد الله بن إسحاق بن غانية متولّي
__________
[1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «البلوي» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» (62/ 83) وجعله في وفيات سنة (611) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 68) .
[2] انظر «العبر» (5/ 36- 38) و «تاريخ الإسلام» (61/ 341- 344) .
[3] في «تاريخ الإسلام» : «أسيل الخدّين» .

(7/80)


فاس، فقتلوه. ثم خرج عليه عبد الرحمن بن الجزارة [1] بالسّوس، وهزم الموحدين مرّات، ثم قتل واستولى ابن عمّة [2] ابن غانية على إفريقية كلها سوى بجاية وقسنطينية [3] فسار الناصر وحاصر المهديّة أربعة أشهر، ثم تسلّمها من ابن عمّة ابن غانية، وصار من خواص أمرائه، ثم خامر إليه سير أخو ابن غانية، فأكرمه أيضا.
قال عبد الواحد المراكشي في «تاريخه» : فبلغني أن جملة ما أنفقه في هذه السفرة مائة وعشرين حمل ذهب، ثم دخل الأندلس في سنة ثمان وستمائة، فحشد له الإذفنش [4] واستنفر عليه حتّى فرنج الشام وقسطنطينية الكبرى، وكانت وقعة الموضع المعروف بالعقاب، فانكسر المسلمون، وكان الذي أعان على ذلك أن البربر الموحّدين [5] لم يسلّوا سلاحا، بل جبنوا وانهزموا غيظا على تأخير أعطياتهم، وثبت السلطان ولله الحمد ثباتا كليا، ولولا ذلك لاستؤصلت تلك الجموع، ورجعت الفرنج بغنائم لا تحصى، وأخذوا بلد بيّاسة [6] عنوة، ثم مات بالسكتة في شعبان.
وفيها أبو النجم هلال بن محفوظ الرّسعني الجزري [7] الفقيه
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن الحدارة» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» وفيه: «يحيى بن عبد الرحمن بن الجزارة» .
[2] لفظة «ابن عمة» لم ترد في «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[3] تحرفت في «العبر» بطبعتيه وفي «تاريخ الإسلام» إلى «قسطنطينية» فتصحح. وانظر «معجم البلدان» (4/ 349) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الأذقيش» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[5] في «آ» و «ط» : «الموجودين» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[6] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ببا» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» وانظر «معجم البلدان» (1/ 518) و «الروض المعطار» ص (121- 122) .
وقال الحميري في «الروض المعطار» ص (121) : بيّاسة: بالأندلس، بينها وبين جيّان عشرون ميلا، وكل واحدة منهما تظهر من الأخرى.
[7] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 68) .

(7/81)


الحنبلي. رحل إلى بغداد، وسمع بها من شهدة الكاتبة وغيرها، وتفقّه بها.
وبيته بالجزيرة بيت مشيخة وصلاح.
حدّث [1] برأس العين، وسمع منه جماعة، رحمه الله تعالى [2] .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أحدث» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] جاء في «ط» بعد قوله: «رحمه الله تعالى» : «والله سبحانه أعلم» .

(7/82)