شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وعشرين وستمائة
فيها استولى [بدر الدّين] لؤلؤ على الموصل، وخنق ابن أستاذه محمود بن القاهر، وزعم أنه مات.
وفيها عادت التتار من بلاد القفجاق ووصلوا إلى الرّيّ، وكان من سلم من أهلها قد تراجعوا إليها، فما شعروا إلّا بالتتار قد أحاطوا بهم، فقتلوا وسبوا، ثم ساروا إلى قمّ، وقاشان، فأبادوهما، ثم عطفوا إلى همذان، فقتلوا وفظّعوا، ثم ساروا إلى توريز فوقع بينهم وبين الخوارزمية مصاف.
وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن أبي الفتح يوسف بن محمد الأزجي المشتري [1] . مسند وقته. سمع من الأرموي، وابن الطّلّاية، وابن ناصر، وطائفة، وتفرّد بأشياء. توفي في شعبان.
وفيها أحمد بن محمد القادسي [2] الضرير الحنبلي. كان خشن العيش. طلب المستضيء بالله من يصلي به التراويح، فأحضروه فقالوا:
ما مذهبك؟ قال: حنبلي، فقالوا: ما يمكن أن يصلي بدار الخلافة حنبليّ، فقال [3]
__________
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (142) و «تاريخ الإسلام» (63- 7) و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (117) بتحقيق الأستاذ خضير عبّاس محمد خليفة المنشداوي، طبع دار الكتاب العربي ببيروت.
[2] انظر «تاريخ الإسلام» (63/ 47- 48) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 191- 192) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 130- 131) و «ذيل الروضتين» ص (43- 144) .

(7/166)


القادسي: أنا حنبلي وما أريد أن أصلي بكم، فسمعه الخليفة فقال: صلّ على مذهبك، وكان ملازما لابن الجوزي، وبه انتفع.
وفيها أبو سليمان ابن حوط الله، وهو داود بن سليمان بن داود الأنصاري [1] نزيل مالقة. رحل، وروى عن ابن بشكوال فأكثر، وعن عبد الحق بن بويه، وأبي عبد الله بن زرقون، وولي قضاء بلنسية، وغيرها، وعاش تسعا وستين سنة.
وفيها أبو طالب بن عبد السميع عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع بن أبي تمّام الواسطي [2] المقرئ المعدّل. قرأ القراءات على عبد العزيز السّماتي وغيره، وسمع ببغداد من هبة الله بن الشّبلي وطائفة، وصنّف أشياء حسنة، وعني بالحديث والعلم. توفي في المحرّم عن ثلاث وثمانين سنة.
وفيها ابن الحباب، القاضي الأسعد، أبو البركات عبد القوي بن عبد العزيز بن الحسين التميمي السّعدي الأغلبي المصري [3] المالكي الأخباري المعدّل، راوي «السيرة» عن ابن رفاعة [4] . كان ذا فضل ونبل، وسؤدد، وعلم، ووقار، وحلم. وكان جمالا لبلده. توفي في شوال وله خمس وثمانون سنة.
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 119- 120) و «تاريخ الإسلام» (63/ 50- 51) و «العبر» (5/ 83) .
[2] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 611- 612) و «العبر» (5/ 83) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 185- 187) و «تاريخ الإسلام» (63/ 55- 56) .
[3] انظر «العبر» (5/ 83) و «حسن المحاضرة» (1/ 377) .
[4] هو أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي المصري المتوفى سنة (561) انظر «العبر» (4/ 174) و «حسن المحاضرة» (1/ 406) وقد تقدمت ترجمته في المجلد السادس ص (329) .

(7/167)


وفيها عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي، سلطان المغرب، أبو محمد [1] . ولي الأمر في العام الماضي فلم يدار أمراء البربر فخلعوه وخنقوه في شعبان، وكانت ولايته تسعة أشهر، وفي أيامه استولى على مملكة الأندلس ابن أخيه عبد الله بن يعقوب الملقب بالعادل، والتقى الإفرنج فهزموا جيشه، ثم طلب مرّاكش بأسوإ حال فقبضوا عليه، وتملّك الأندلس بعده أخوه إدريس مديدة فخرج عليه محمد بن هود [الجذامي، ودعا إلى آل العبّاس، فمال الناس إليه، فهرب إدريس بعسكره إلى مرّاكش، فالتقاه] [2] صاحبها يومئذ يحيى بن محمد بن يوسف، فهزم يحيى.
وفيها علي بن عبد الرشيد أبو الحسن الهمذاني [3] ، قاضي همذان، ثم قاضي الجانب الغربي ببغداد، ثم قاضي تستر. حضر على أبي الوقت [السّجزي] ، وسمع من أبي الخير الباغياني. وقرأ القراءات على جدّه لأمه أبي العلاء العطّار. توفي في صفر.
وفيها الشيخ علي الفرنثي [4] الزاهد، صاحب الزاوية والأصحاب بسفح قاسيون. وكان صاحب حال وكشف وعبادة وصدق، وهو الذي حكي عنه أنه قال: أربعة يتصرفون في قبورهم كتصرف الأحياء [5] : الشيخ عبد القادر [6] ، ومعروف الكرخي، وعقيل المنبجي، وحياة بن قيس الحرّاني.
توفي في جمادى الآخرة.
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 341) و «العبر» (5/ 83- 84) .
[2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[3] انظر «العبر» (5/ 84) و «تاريخ الإسلام» (63/ 63) .
[4] انظر «تاريخ الإسلام» (63/ 65) و «العبر» (5/ 84) وقد تحرفت «الفرنثي» في المطبوع منه في الكويت وبيروت إلى «الفرتثي» فتصحح، وتحرفت في «آ» إلى «القرشي» . قال الذهبي في «مشتبه النسبة» ص (506) : وفرنث: من قرى دجيل.
[5] أقول: هذا من المبالغات التي لا تجوز. (ع) .
[6] يعني الجيلاني.

(7/168)


وفيها ابن اليتيم أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن محمد الأنصاري الأندرشي [1] ، خطيب المريّة. رحل في طلب الحديث، وسمع من أبي الحسن بن النّعمة [2] ، وابن هذيل، والكبار. وبالإسكندرية من السّلفي.
وببغداد من شهدة. وبدمشق من الحافظ ابن عساكر.
ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وتوفي في ربيع الأول.
وفيها ابن اللّبودي شمس الدّين محمد بن عبدان الدمشقي الطّبيب [3] .
قال ابن أبي أصيبعة: كان علّامة وقته، وأفضل أهل زمانه في العلوم الحكمية. وكان له ذكاء مفرط، وحرص بالغ.
توفي في ذي القعدة، ودفن بتربته بطريق المزّة.
وفيها ابن زرقون أبو الحسين محمد بن أبي عبد الله محمد بن سعيد الأنصاري الإشبيلي [4] ، شيخ المالكية. كان من كبار المتعصبين للمذهب فأوذي من جهة بني عبد المؤمن لما أبطلوا القياس وألزموا الناس بالأثر والظاهر. وقد صنّف كتاب «المعلّى في الردّ على المحلّى» لابن حزم.
توفي في شوال وله ثلاث وثمانون سنة.
وفيها محمد بن هبة الله بن مكرّم أبو جعفر البغدادي [5] الصّوفي.
__________
[1] في «ا» و «ط» : «الأندلسي» والتصحيح من «العبر» (5/ 84) والأندرشي نسبة إلى «أندرش» مدينة من أعمال المريّة. انظر «الروض المعطار» ص (42) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «العمة» والتصحيح من «العبر» .
[3] انظر «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» ص (662- 663) طبع مكتبة دار الحياة ببيروت، و «العبر» (5/ 85) .
[4] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 311- 312) و «العبر» (5/ 85) .
[5] انظر «العبر» (5/ 85- 86) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 246- 247) و «تاريخ الإسلام» (63/ 70- 71) .

(7/169)


توفي في المحرم ببغداد وله أربع وثمانون سنة. روى عن أبي الفضل الأرموي، وأبي الوقت [السّجزي] وجماعة.
وفيها الفازاري [1] محمد بن يخلفتن [2] بن أحمد البربري التلمساني، الفقيه المالكي، الأديب الشاعر. ولي قضاء قرطبة.
وفيها الفخر الموصلي أبو المعالي محمد بن أبي الفرج [بن] أبي المعالي الموصلي ثم البغدادي [3] الشافعي المقرئ، صاحب يحيى ابن سعدون، ومعيد النظامية. كان بصيرا بعلل القراءات.
قال ابن النجار: كان فقيها فاضلا نحويا، حسن الكلام في مسائل الخلاف. له معرفة تامة بوجوه القراءات وعللها وطرقها. وله في ذلك مصنّفات، وكان كيّسا، متواضعا، متوددا، حسن العشرة. وقدم بغداد سنة اثنتين وسبعين [4] وخمسمائة، فتفقه بها، وتوفي بها في سادس رمضان، رحمه الله.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الغاراري» والتصحيح من «العبر» (5/ 86) و «تاريخ الإسلام» (63/ 71) .
[2] تصحفت في «العبر» بطبعتيه إلى «يخلقتن» بالقاف.
[3] انظر «العبر» (5/ 86) و «تاريخ الإسلام» (63/ 71- 72) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 446- 447) .
[4] لفظة «وسبعين» سقطت من «آ» .

(7/170)


سنة اثنتين وعشرين وستمائة
فيها جاء جلال الدّين بن خوارزم شاه، فبذل السيف في دقوقا [1] ، وفعل ما لا تفعله الكفرة، وأحرق دقوقا، وعزم على هجم بغداد، فانزعج الخليفة النّاصر، وحصّن بغداد، وأقام المجانيق، وأنفق ألف ألف دينار، ففجأ ابن خوارزم شاه أن الكرج قد خرجوا على بلاده، فساق إليهم والتقاهم.
قال أبو شامة [2] : فظفر بهم، وقتل منهم سبعين ألفا، ثم أخذ تفليس [3] بالسيف، وقتل بها ثلاثين ألفا في آخر العام.
وكان قد أخذ تبريز بالأمان، وتزوّج بابنة السلطان طغريل [4] السّلجوقي، ثم جهز جيشا فافتتحوا كنجة، وأخذ أيضا مراغة، وكانت الكرج قد ملّكوا عليهم امرأة وتطلبوا لها من ينكحها لينوب عنها في الملك، فأرسل سلطان الرّوم [5] إليها يخطبها لابنه فامتنعوا، وقالوا: لا يحكم علينا مسلم،
__________
[1] مدينة بين إربل وبغداد. انظر «معجم البلدان» (2/ 459) و «بلدان الخلافة الشرقية» ص (120- 121) . وجاء في «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (119) بأنه فعل ذلك لكونهم سبّوه وشتموه على الأسوار.
[2] انظر «ذيل الروضتين» ص (144) .
[3] انظر «معجم البلدان» (2/ 35- 36) و «بلدان الخلافة الشرقية» ص (216) .
[4] في «آ» و «ط» : «طغربك» وما أثبته من «العبر» (5/ 87) و «تاريخ الإسلام» (63/ 11) .
[5] كذا في «آ» و «ط» : «سلطان الروم» وفي «الكامل» لابن الأثير (12/ 416- 417) و «تاريخ الإسلام» : «صاحب أرزن الرّوم مغيث الدّين طغريل شاه بن قليج أرسلان ... » .

(7/171)


فقال: إن ابني يتنصّر ويتزوجها فأجابوه، فتنصّر ابنه وأقام معها، وأمر ونهى، نعوذ بالله من الخذلان. وكان الزوج يسمع عنها القبائح ويسكت، وكانت تعشق مملوكا لها، ورآها يوما في الفراش مع المملوك فأنكر ذلك، فقالت:
إن رضيت وإلّا أنت أخبر. ثم نقلته إلى قلعة وحجرت عليه، ثم سمعت بشابين مليحين، فأحضرت أحدهما وتزوجت به، وأحضرت آخر بديع الحسن من أهل كنجة، فطلبت منه أن يتنصّر للتزوج به.
وفي سلخ رمضان توفي الخليفة النّاصر لدين الله أبو العبّاس أحمد ابن المستضيء بأمر الله الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي الهاشمي العبّاسي [1] . بويع بالخلافة في أول ذي القعدة، سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وله ثلاث وعشرون سنة، وكان أبيض، تركيّ الوجه، أقنى الأنف، خفيف العارضين، رقيق المحاسن، فيه شهامة وإقدام، وله عقل ودهاء، وهو أطول بني العبّاس خلافة، كما أن الناصر لدين الله الأموي صاحب الأندلس أطول بني أميّة دولة، وكما أن المستنصر بالله العبيدي أطول العبيديين دولة، وكما أن السلطان سنجر بن ملكشاه أطول بني سلجوق دولة.
قال الموفّق عبد اللطيف: كان يشقّ الدّروب والأسواق أكثر الليل والناس يتهيبون لقاءه، أظهر الفتوة والبندق والحمام المناسيب في أيامه، وتفنن الأعيان والأمراء في ذلك ودخل فيه الملوك.
وقال الذهبي: وكان مستقلا [2] بالأمور بالعراق، متمكنا من الخلافة، يتولى الأمور بنفسه، ما زال في عزّ وجلالة واستظهار وسعادة. أصابه فالج في
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 87- 88) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 192) و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (121- 123) .
[2] في «العبر» بطبعتيه: «مشتغلا» .

(7/172)


آخر أيامه، وتوفي في سلخ رمضان وله سبعون سنة إلّا أشهرا [1] . وولي بعده ولده الظاهر.
وقال ابن النجار: دانت السلاطين للناصر، ودخل تحت طاعته من كان من المخالفين، وذلّت له العتاة والطّغاة، وانقهرت لسيفه الجبابرة، وفتح البلاد العديدة، وملك من الممالك ما لم يملكه أحد ممن تقدّمه. من السلاطين والخلفاء والملوك، وخطب له ببلاد الأندلس وبلاد الصين، وكان أسد بني العبّاس تتصدع لهيبته الجبال، وكان حسن الخلق، لطيف الخلق، كامل الظرف، فصيح اللّسان، بليغ البيان، له التوقيعات المسددة والكلمات المؤيدة. كانت أيامه غرّة في وجه الدّهر، ودرّة في تاج الفخر.
وقال الموفق عبد اللطيف: أحيا هيبة الخلافة- وكانت قد ماتت بموت المعتصم- ثم ماتت بموته، وكان الملوك والأكابر بمصر والشام إذا جرى ذكره في خلواتهم خفضوا أصواتهم هيبة وإجلالا.
وقال ابن واصل [2] : كان مع ذلك رديء السيرة في الرعية، مائلا إلى الظّلم والعسف. وكان يفعل أفعالا متضادة. وكان يتشيّع ويميل إلى مذهب الإمامية، بخلاف آبائه، حتّى إن ابن الجوزي سئل بحضرته من أفضل الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: أفضلهم بعده من كانت ابنته تحته، فكنّى بفضل الصّديق ولم يقدر أن يصرح.
وقال الذهبي: أجاز الناصر لجماعة من الأعيان فحدثوا عنه، منهم ابن سكينة، وابن الأخضر، وابن النجار، وابن الدامغاني، وآخرون.
وقال سبط ابن الجوزي وغيره: قلّ بصر الناصر في آخر عمره، وقيل:
ذهب بالكلّية، ولم يشعر بذلك أحد من الرّعية، حتّى الوزير وأهل الدّار.
__________
[1] كذا في «ط» و «العبر» : «إلا أشهرا» وفي «آ» : «إلا شهرا» .
[2] في كتابه «مفرج الكروب» وهو غير متوفر بين أيدينا.

(7/173)


وكان له جارية قد علّمها الخطّ بنفسه، فكانت تكتب مثل خطّه، فتكتب على التواقيع.
وقال شمس الدّين الجزري [1] : كان الماء الذي يشربه النّاصر تأتي به الدّواب من فوق بغداد بسبعة [2] فراسخ ويغلى سبع غلوات كل يوم غلوة، ثم يحبس في الأوعية سبعة أيام، ثم يشرب منه، ومع هذا ما مات حتّى سقي المرقد مرات، وشقّ ذكره، وأخرج منه الحصى ثم مات منه.
ومن لطائفة أن خادما له اسمه يمن كتب إليه ورقة فيها عتب، فوقّع فيها: بمن يمنّ يمن، ثمن يمن ثمن.
وفيها ابن يونس صاحب «شرح التنبيه» الإمام شرف الدّين أحمد بن العلّامة ذي الفنون كمال الدّين موسى ابن الشيخ المفتي رضي الدّين يونس الموصلي الشافعي [3] . توفي في ربيع الآخر عن سبع وأربعين سنة.
قال ابن خلّكان: كان كثير المحفوظات، غزير المادة، نسج على منوال أبيه في التفنن، وما سمعت أحدا يلقي الدروس مثله. ولقد كان من محاسن الوجود، وما أذكره إلّا وتصغر الدنيا في عيني.
وقال الذهبي: عاش بعده أبوه سبع عشرة سنة.
وفيها إبراهيم بن عبد الرحمن القطيعي المواقيتي أبو إسحاق الخيّاط [4] . روى «الصحيح» [5] غير مرة عن أبي الوقت [السّجزي] ، وتوفي في شعبان، وكان ثقة فاضلا مؤقّتا.
__________
[1] انظر «المختار من تاريخه» للذهبي ص (122) .
[2] في «آ» و «ط» : «سبعة» والتصحيح من «المختار من تاريخ ابن الجزري» .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 108- 109) و «العبر» (5/ 88- 89) .
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 156- 157) و «العبر» (5/ 89) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 288) و «تاريخ الإسلام» (63/ 91) .
[5] يعني «صحيح البخاري» فقد رواه عن أبي الوقت السّجزي، ورواه السجزيّ عن أبي محمد-

(7/174)


وفيها أبو إسحاق بن البرني إبراهيم بن مظفّر بن إبراهيم [1] الواعظ، شيخ دار الحديث المهاجرية بالموصل. روى عن ابن البطّي وجماعة، وكان عالما متفننا.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن أبي المكارم بن شكر بن نعمة بن علي ابن أبي الفتح بن حسن بن قدامة بن أيوب بن عبد الله بن رافع المقدسي [2] ، الخطيب الحنبلي، خطيب قرية مردا من عمل نابلس.
قال الحافظ الضياء: سافر إلى بغداد في طلب العلم، واشتغل وحصّل في مدة يسيرة ما لم يحصّله غيره في مدة طويلة. وسمع الحديث ببغداد وبجبل قاسيون، وسمعت شيخنا الإمام عماد الدّين إبراهيم بن عبد الواحد غير مرة يغبطه بما هو عليه من كثرة الخير، ثم ذكر له كرامات من تكثير الطعام في وقت احتيج فيه إلى تكثيره، ومن المعافاة من الصرع بما يكتبه.
وقال المنذري: توفي بمردا.
وفيها أحمد بن علي بن أحمد الموصلي الفقيه الحنبلي الزاهد أبو العبّاس المعروف بالوتّارة، ويقال: ابن الوتّارة [3] قال المنذري: سمع على علو سنّه من المتأخرين.
وقال النّاصح ابن الحنبلي: كان يعرف «مسائل الهداية» لأبي الخطاب، ويأكل من كسب يده، ولباسه الثوب الخام، وانتفع به جماعة، وصارت له
__________
[ (-) ] ابن حمّوية السّرخسي، ورواه ابن حموية عن الفربري رواية الإمام البخاري.
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 136) و «تاريخ الإسلام» (63/ 92) و «الوافي بالوفيات» (6/ 147) و «توضيح المشتبه» (1/ 417) .
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 159- 160) و «تاريخ الإسلام» (63/ 89) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 163- 164) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 163) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 164) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (179) .

(7/175)


حرمة قوية بالموصل واحترام من جانب صاحبها ومن بعده.
وتوفي بالموصل رابع عشر ذي الحجة.
وفيها أبو الفضل جعفر بن شمس الخلافة محمد ابن مختار الأفضلي المصري مجد الملك [1] ، الشاعر الأديب الكبير.
قال ابن خلّكان: كان فاضلا، حسن الخطّ، وكتب كثيرا، وخطه مرغوب فيه لحسنه وضبطه، وله ديوان جمع فيه أشياء لطيفة، دلّت على [2] جودة اختياره. وله ديوان شعر أجاد فيه، نقلت من خطّه لنفسه:
هي شدّة يأتي السّرور [3] عقيبها ... وأسى يبشّر بالسّرور العاجل
وإذا نظرت فإن بؤسا دائما [4] ... للمرء خير من نعيم زائل
وتوفي في الثاني عشر من المحرم، ودفن بالموضع المعروف بالكوم الأحمر، ظاهر مصر، رحمه الله.
والأفضلي: بفتح الهمزة وسكون الفاء، وفتح الضاد المعجمة وبعدها لام، نسبة إلى الأفضل أمير الجيوش بمصر.
وتوفي والده في ذي الحجّة سنة عشرين وستمائة.
وفيها أبو عبد الله الحسين بن عمر بن باز، المحدّث الموصلي [5] .
رحل وسمع من شهدة وطبقتها، وكتب الكثير، وولي مشيخة دار الحديث بالموصل التي بناها صاحب إربل. توفي في ربيع الآخر.
__________
[1] انظر «وفيات لأعيان» (1/ 362- 363) و «العبر» (5/ 89) .
[2] لفظة «على» سقطت من «آ» .
[3] في «وفيات الأعيان» : «يأتي الرخاء» .
[4] في «وفيات الأعيان» : «زائلا»
[5] انظر «العبر» (5/ 89- 90) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 258- 259) .

(7/176)


وفيها ابن شكر، الصاحب الوزير، صفي الدّين أبو محمد عبد الله [بن علي] بن الحسين بن عبد الخالق الشّيبي الدّميري المالكي [1] .
ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وسمع الحديث، وتفقه وساد.
قال أبو شامة [2] : كان خليقا بالوزارة، لم يتولّها [3] [بعده] مثله.
وقال الذهبي: كان يبالغ في إقامة النواميس، مع التواضع للعلماء، ويتعانى الحشمة الضخمة [4] والصدقات والصّلات، ولقد تمكّن من العادل تمكّنا لا مزيد عليه، ثم غضب عليه ونفاه، فلما مات عاد ابن شكر إلى مصر ووزر للكامل، ثم عمي في الآخر. توفي في شعبان.
وفيها ابن البنّاء [5] . راوي «جامع الترمذي» عن الكروخي، أبو الحسن علي بن أبي الكرم نصر بن المبارك العراقي ثم المكّي الجلال.
حدّث بمصر، والإسكندرية، وقوص، وأماكن، وتوفي بمكة في صفر أو في ربيع الأول.
وفيها زين الدّين قاضي القضاة بالدّيار المصرية أبو الحسن علي ابن العلّامة يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي ثم البغدادي الشافعي [6] . عاش اثنتين وسبعين سنة، وتوفي في جمادى الآخرة، وروى عن أبي زرعة وغيره.
__________
[1] نظر «فوات الوفيات» (2/ 193- 196) و «العبر» (5/ 90) وما بين الحاصرتين مستدرك منه وقد تحرفت «الدّميري» فيه وفي المطبوع منه ببيروت إلى «الدّينوري» و «سير أعلام النبلاء» (22/ 294- 295) و «تاريخ الإسلام» (63/ 99- 103) وسوف يكرر المؤلف ترجمته قريبا.
انظر ص (184) .
[2] وعزا هذا النقل لأبي شامة أيضا الذهبي في كتبه المذكورة في التعليق السابق ولم أقف عليه في «ذيل الروضتين» ص (147) .
[3] في «آ» و «ط» : «لم يبق» وما أثبته من مصادر الترجمة وما بين الحاصرتين مستدرك منها.
[4] في «آ» : «الفخمة» .
[5] انظر «العبر» (5/ 90) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 247- 248) .
[6] انظر «العبر» (5/ 91) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 296- 297) .

(7/177)


وفيها الملك الأفضل نور الدّين علي بن السلطان صلاح الدّين يوسف بن أيوب [1] .
ولد سنة خمس وستين وخمسمائة بالقاهرة، وسمع من عبد الله بن برّي وجماعة، وله شعر وترسل وجودة كتابة. تسلطن بدمشق ثم حارب أخاه العزيز صاحب مصر على الملك، ثم زال سلطانه، وتملّك سميساط، وأقام بها مدة. وكان فيه عدل وحلم وكرم وإنما أدركته حرفة الأدب. توفي فجأة في صفر، وكان فيه تشيّع. قاله في «العبر» .
زاد ابن خلّكان: ونقل إلى حلب، ودفن بتربته بظاهر حلب بالقرب من مشهد الهروي.
وفيها عمر بن بدر الموصليّ الحنفي ضياء الدّين [2] . حدّث عن ابن كليب وجماعة، وتوفي بدمشق في شوالها، عن بضع وستين سنة.
وفيها الفخر الفارسي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الفيروزآبادي [3] الشافعيّ الصوفيّ. روى الكثير عن السّلفي، وصنّف التصانيف في التصوف والمحبة وفيها أشياء منكرة. توفي في أثناء ذي الحجّة وقد نيّف على التسعين. قاله في «العبر» .
وقال اليافعي: هو صاحب العلوم الربّانية النافعة، وقد نقم عليه الذهبي.
وقال ابن شهبة في «طبقاته» [4] : سمع من السّلفي، وابن عساكر،
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 419- 421) و «العبر» (5/ 91) و «تاريخ الإسلام» (63/ 112- 114) .
[2] انظر «العبر» (5/ 91) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 287- 288) .
[3] انظر «العبر» (5/ 91) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 179- 181) و «مرآة الجنان» (4/ 53) .
[4] لم أقف على هذا النقل في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة الذي بين يدي.

(7/178)


وغيرهما، وكان صوفيا، محقّقا، فاضلا، بارعا، فصيحا، بليغا، له مصنّفات كثيرة، منها كتاب «مطية النقل وعطية العقل» في الأصول والكلام، وغير ذلك من المصنفات، وبنى زاوية بالقرافة بمعبد ذي النّون المصري ودفن بها.
وفيها القزويني مجد الدّين أبو المجد، محمد بن الحسين بن أبي المكارم [1] الصوفي الفقيه.
ولد سنة أربع وخمسين وخمسمائة بقزوين. وسمع «شرح السّنّة» و «معالم التنزيل» من حفدة العطاردي، وسمع من جماعة، وحدّث بالعراق، والشام، والحجاز، ومصر، وأذربيجان، والجزيرة. وبعد صيته. توفي بالموصل في شعبان.
وفيها الفخر بن تيميّة أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيميّة الحرّاني [2] ، الفقيه الحنبلي، المقرئ الواعظ، فخر الدّين، شيخ حرّان وخطيبها.
ولد في أواخر شعبان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة بحرّان، وقرأ القرآن على والده، وله نحو عشر سنين، وكان والده زاهدا يعدّ من الأبدال.
وشرع في الاشتغال بالعلم من صغره، وتردّد إلى فتيان بن ميّاح، وابن عبدوس، وغيرهما ثم ارتحل إلى بغداد، وسمع بها الحديث من المبارك بن خضر، وابن البطّي، وابن الدّجاجي، وخلق، وتفقه ببغداد على أبي الفتح ابن المنّي، وابن بكروس، وغيرهما، ولازم ابن الجوزي وسمع منه كثيرا من مصنفاته، وقرأ عليه «زاد المسير في [علم] التفسير» [3] قراءة بحث وفهم،
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 92) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 249- 250) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 386- 388) و «العبر» (5/ 92) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 288- 290) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 151- 162) .
[3] وقد قام بطبعه المكتب الإسلامي بدمشق في تسع مجلدات بتحقيق الشيخين شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط.

(7/179)


وجدّ في الاشتغال والبحث، ثم أخذ في التدريس، والوعظ، والتصنيف، وإلقاء التفسير بكرة كل يوم بجامع حرّان، واظب على ذلك حتّى فسّر القرآن العظيم خمس مرات.
قال ابن خلّكان: ذكره محاسن بن سلامة الحرّاني في «تاريخ حرّان» وابن المستوفي في «تاريخ إربل» فقال: له القبول التام عند الخاص والعام، وكان بارعا في تفسير القرآن وجميع العلوم، له فيها يد بيضاء.
وقال ابن نقطة: ثقة، فاضل، صحيح السماع، مكثر. سمعت منه بحرّان.
وقال ابن النجار: سمعت منه ببغداد، وحرّان، وكان شيخا فاضلا، حسن الأخلاق، صدوقا، متدينا.
وقال ابن رجب: كان صالحا تذكر له كرامات وخوارق، وله تصانيف كثيرة، منها: «التفسير الكبير» في أكثر من ثلاثين مجلدا، وهو تفسير حسن، ومنها ثلاث مصنفات في المذهب، وله ديوان خطب مشهور، و «الموضح في الفرائض» ومصنفات في الوعظ وغير ذلك، وبينه وبين الموفق كلام ورسائل في مسألة خلود أهل البدع المحكوم بكفرهم في النّار، كان يقول بخلودهم والموفّق لا يطلق عليهم الخلود.
وله شعر حسن، توفي- رحمه الله- يوم الخميس عاشر صفر بحرّان.
كذا ذكره ولده عبد الغني، وقال: مات الوالد في الصلاة، فإني ذكّرته بصلاة العصر وأخذته إلى صدري فكبّر وجعل يحرّك حاجبه وشفتيه بالصلاة حتّى شخص بصره، رحمه الله.
وقد ذكر ولده له مناقب صالحة رؤيت له بعد وفاته، وهي كثيرة جدا، جمعها في جزء.

(7/180)


وفيها أبو محمد عبد الله بن علي بن أحمد بن الزّيتوني البوازيجي- بفتح الموحدة والواو وزاي وتحتية وجيم، نسبة إلى بوازيج بلد قرب تكريت [1]- سمع من ابن الفاخر، وابن بندار، وابن الرّحبي، وغيرهم.
قال ابن السّاعي: كان حنبليا، خيّرا، محسنا، صالحا، صاحب سند ورواية، أنشدني:
ضيّق العذر في الضراعة أنّا ... لو قنعنا بقسمنا لكفانا
ما لنا نعبد العباد إذا كا ... ن إلى الله فقرنا وغنانا
وفيها محمد بن علي بن مكّي بن ورخز [2] البغدادي، الفقيه الحنبلي المعدّل، أبو عبد الله. تفقه على ابن المنّي، وأفتى وناظر، وشهد عند الريحاني، ورتّب مشرفا على وكلاء الخليفة الناصر، وكان فقيها فاضلا خيّرا ديّنا ثقة خبيرا بالمذهب. قاله ابن رجب.
وقال ابن السّاعي أنشدني:
يجمع المرء ثم يترك ما يج ... مع من كسبه لغير شكور
ليس يحظى إلّا بذكر جميل ... أو بعلم من بعده مأثور
توفي يوم الجمعة العشرين من جمادى الأولى، ودفن بمقبرة باب حرب.
وفيها عمرو بن رافع بن علوان الزّرعي [3] .
قال ناصح الدّين بن الحنبلي: قدم من زرع في عشر الستين، وهو ابن نيف وعشرين سنة، ونزل عندنا في المدرسة هو ورفقة له [4] واشتغلوا على
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 142- 143) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 162- 163) .
[2] في «ط» «ورخزا» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 163) مصدر المؤلف.
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 166) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (196- 197) .
[4] في «آ» و «ط» : «هو ورفيق له» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» و «شذرات من كتب مفقودة» .

(7/181)


والدي، فحفظوا القرآن، وسمعوا درسه، وحفظوا كتاب «الإيضاح» وكان هذا الفقيه الحنبلي عمرو يحفظ كثيرا وسريعا. وعمل الفرائض فأسرع في معرفتها. ورحل إلى حرّان وأقام بها مديدة يشتغل، ثم رجع إلى دمشق، ثم إلى زرع، وأقام بها يفتي، ثم أضرّ في آخر عمره، ومات بزرع، رحمه الله.
وفيها الزّكي بن رواحة [1] هبة الله بن محمد الأنصاري، التاجر المعدّل، واقف المدرسة الرّواحية بدمشق، وأخرى بحلب. توفي في رجب بدمشق.
وفيها أبو السعادات أسعد بن يحيى بن موسى بن منصور السّلمي السّنجاري [2] الشافعي، الشاعر المنعوت بالبهاء. كان فقيها، وتكلّم في الخلاف، إلّا أنه غلب عليه الشعر، وأجاد فيه، واشتهر به، وخدم به الملوك، وأخذ جوائزهم، وطاف البلاد، ومدح الأكابر.
قال ابن خلّكان: وشعره كثير يوجد بأيدي الناس، ولم أدر هل دوّن شعره أم لا، ثم وجدت له في خزانة التّربة الأشرفية بدمشق «ديوانا» في مجلد كبير.
ومن شعره من جملة قصيدة مدح بها كمال الدّين بن الشهرزوري [3] :
وهواك ما خطر السّلوّ بباله ... ولأنت أعلم في الغرام بحاله
ومتى وشى واش إليه فإنه ... سال هواك فذاك من عذّاله
أوليس للكلف المعنّى شاهد ... من حاله يغنيك عن تسآله
جدّدت ثوب سقامه وهتكت ست ... ر غرامه، وصرمت حبل وصاله
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن راحة» والتصحيح من «العبر» (5/ 92) و «تاريخ الإسلام» (63/ 126) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 214- 217) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 302- 303) و «تاريخ الإسلام» (63/ 93- 94 و 165- 166) . و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (125) .
[3] هو القاضي محمد بن عبد الله بن أبي أحمد القاسم الشهرزوري، الملقب كمال الدّين. مات سنة (599 هـ) . انظر «وفيات الأعيان» (4/ 241- 245) .

(7/182)


أفزلّة [1] سبقت له أم خلّة ... مألوفة من تيهه ودلاله
يا للعجابة [2] من أسير دأبه ... يفدي الطليق بنفسه وبماله
بأبي وأمي نابل بلحاظه [3] ... لا يتّقى بالدّرع حدّ نباله
ريّان من ماء الشّبيبة والصّبا ... شرقت معاطفه بطيب زلاله [4]
تسري النّواظر في مراكب حسنه ... فتكاد تغرق في بحار جماله
فكفاه عين كماله في نفسه ... وكفى كمال الدّين عين كماله
كتب العذار على صحيفة خدّه ... نونا وأعجمها بنقطة خاله
فسواد طرّته كليل صدوده ... وبياض غرّته كيوم وصاله
وله أيضا من جملة قصيدة:
ومهفهف حلو الشمائل فاتر ال ... ألحاظ فيه طاعة وعقوق
وقف الرّحيق على مراشف ثغره ... فجرى به من خدّه راووق
سدّت محاسنه على عشّاقه ... سبل السّلوّ فما إليه طريق
وله من جملة قصيدة أخرى:
هبّت نسيمات الصّبا سحرة ... ففاح منها العنبر الأشهب
فقلت إن مرت [5] بوادي الغضا ... من أين هذا النّفس الطّيّب
وله أشياء حسنة.
وكانت ولادته سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وتوفي في أوائل هذه السنة. انتهى ملخصا.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «أفذلة» بالذال والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[2] في «وفيات الأعيان» و «تاريخ الإسلام» : «يا للعجائب» .
[3] في «آ» و «ط» : «بابلي لحاظه» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[4] في «آ» و «ط» : «دلاله» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «تاريخ الإسلام» .
[5] في «وفيات الأعيان» : «إذ مرت» .

(7/183)


وفيها الوزير صفي الدّين أبو محمد عبد الله بن علي [1] بن شكر، له بدمشق آثار حسنة، منها عمارة المصلى بميدان الحصى، وتبليط جامع بني أميّة، وعمارة مسجد الفوّارة، وتجديد جامع حرستا، وجامع المزّة، وغير ذلك.
وفيها أبو الحسن علي بن الجارود، الأديب الفاضل الشاعر.
فمن شعره:
أحكم فإنّك في الجمال أمير ... واعدل فقلبي في يديك أسير
واكفف لحاظك أيها الرشأ الذي ... يسطو على أسد الشرى ويجور
يا عاذلي خفّض عليك فإنني ... مذ خطّ لام عذاره معذور
وفيها أبو الدّر ياقوت بن عبد الله الرّومي، الملقب مهذّب الدّين [2] ، الشاعر المشهور. مولى أبي منصور التّاجر الحلبي.
قال ابن خلّكان: اشتغل بالعلم وأكثر من الأدب، واستعمل قريحته في النظم فجاد فيه، ولما تميّز ومهر سمّى نفسه عبد الرحمن، وكان مقيما في المدرسة النظامية ببغداد، وعدّه ابن الدّبيثي في جملة من اسمه عبد الرحمن، وذكر أنه نشأ ببغداد، وحفظ القرآن الكريم، وقرأ شيئا من الأدب، وكتب خطا حسنا، وقال الشعر، وأكثر منه في الغزل والتصابي، وذكر المحبة، وراق شعره.
ومن شعره:
ألست من الولدان أحلى شمائلا ... فكيف سكنت القلب وهو جهنّم
وقال ابن النجار في «تاريخ بغداد» : وجد أبو الدّر المذكور في داره ميتا
__________
[1] في «ا» و «ط» «أبو عبد الله محمد» وهو خطأ والتصحيح من ترجمته التي أوردها المؤلف قبل قليل. انظر ص (177) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 122- 126) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 312- 313) و «تاريخ الإسلام» (63/ 126- 127) .

(7/184)


يوم الأربعاء ثامن عشر جمادى الأولى من السنة، وكان قد خرج من النظامية فسكن في دار بدرب دينار الصغير، فلم يعلم متى مات، وقد ناهز الستين، والله أعلم.
وقال ابن خلّكان: أيضا: الروميّ- بضم الراء وسكون الواو، بعدها ميم، نسبة إلى بلاد الرّوم، وهو إقليم مشهور متسع كثير البلاد-.
وهاهنا نكتة غريبة يحتاج إليها ويكثر السؤال عنها، وهي أن أهل الرّوم يقال لهم: بنو الأصفر، واستعمله الشعراء في أشعارهم، فمن ذلك قول عدي ابن زيد العبادي [1] من جملة قصيدته المشهورة:
وبنو الأصفر الكرام ملوك الرّ ... وم لم يبق منهم مذكور
ولقد تتبعت ذلك كثيرا فلم أجد فيه أحدا شفى الغليل، حتّى ظفرت بكتاب قديم نقلت منه ما صورته، عن العبّاس، عن أبيه قال: انحرق ملك الرّوم في الزمان الأول، فبقيت امرأة، فتنافسوا في الملك حتّى وقع بينهم شرّ، فاصطلحوا أن يملّكوا أوّل من يشرف عليهم، فجلسوا مجلسا لذلك، وأقبل رجل معه عبد حبشيّ يريد الرّوم، فأبق العبد منه، فأشرف عليهم، فقالوا:
انظروا في أي شيء وقعتم، فزوّجوه تلك المرأة، فولدت غلاما، فسموه الأصفر، فخاصمهم المولى، فقال: صدق أنا عبده، فأرضوه وأعطوه، حتّى رضي، فبسبب ذلك قيل للرّوم: بنو الأصفر لصفرة لون الولد، لكونه مولّدا بين الحبشي والمرأة البيضاء، والله أعلم. انتهى وفيها أبو المكارم، يعيش [بن ريحان] بن مالك بن هبة الله بن ريحان الأنباري ثم البغدادي [2] ، الفقيه الحنبلي الزاهد.
__________
[1] انظر «الأعلام» (4/ 220) للزركلي وتعليق مؤلفه عليه فهو مفيد نافع.
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 163- 164) و «تاريخ الإسلام» (63/ 127) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 164) وما بين الحاصرتين مستدرك منها.

(7/185)


ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة تقريبا، وسمع من ابن الدّجّاجي، وصدقة بن الحسين، وأبي زرعة المقدسي، وآخرين.
قال المنذري: كان من فضلاء الفقهاء، متدينا، معتزلا عن الناس، ولنا منه إجازة. وتوفي ليلة الخميس خامس عشر ذي الحجة ودفن من الغد بباب حرب
.

(7/186)


سنة ثلاث وعشرين وستمائة
وفيها وقع برد وزنوا بردة فكانت مائة رطل بالبغدادي.
وفيها توفي الشمس البخاري أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور السّعدي المقدسي ثم الدمشقي المعروف بالبخاري [1] ، شمس الدّين أبو العبّاس أخو الحافظ ضياء الدّين محمد، ووالد الفخر علي، مسند عصره.
ولد في العشر الأواخر من شوال، سنة أربع وستين وخمسمائة بالجبل، وسمع بدمشق من أبي المعالي بن صابر وغيره، وببغداد من ابن الجوزي وطبقته، وبنيسابور وواسط من جماعة. وتفقه في مذهب الإمام أحمد، وبرع في المذهب، وأقام مدة يشتغل بالخلاف على الرّضي النيسابوري، ولهذا عرف بالبخاري، ثم رجع إلى الشام وسكن حمص مدة.
قال المنذري: وهو أول من ولي القضاء بها [2] .
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 177) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 255- 257) و «تاريخ الإسلام» (63/ 129- 130) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 168- 170) و «القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية» (2/ 418) طبع مجمع اللغة العربية بدمشق.
[2] قوله: «وهو أول من ولي القضاء بها» لم يرد في «التكملة» للمنذري التي بين يدي، والذي عنده: «وولي القضاء بحمص» وعلق محقّقه الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف- نفع الله به- بقوله: قال ابن العديم في «بغية الطلب» : وذكر الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي

(7/187)


وقال ابن الذهبيّ [1] : كان إماما، عالما، مفتيا، مناظرا، ذا سمت ووقار. وكان كثير المحفوظ [كثير الخير] [2] ، حجّة، صدوقا، كثير الاحتمال، تامّ المروءة، [فصيحا، مفوّها] [2] ، لم يكن في المقادسة أفصح منه، واتّفقت الألسنة على شكره وشهرته وفضله [3] . وما كان عليه يغني عن الإطناب في ذكره.
وروى عنه [أخوه] الضياء الحافظ وغيره، وأجاز للمنذري، وقال: إنه توفي ليلة الخميس خامس جمادى الآخرة، ودفن من الغد إلى جانب خاله الشيخ موفق الدّين.
وفيها أحمد بن محمود بن أحمد بن ناصر البغدادي الحريمي الحذّاء أبو العبّاس بن أبي البركات [4] .
ولد سنة ثلاث وأربعين تقديرا، وسمع ما أفاده والده من ابن البطّي، وابن بندار، وابن الدّجّاجي، وغيرهم، وتفقه في مذهب الإمام أحمد على والده، وحدّث، وأجاز للمنذري.
قال ابن الساعي: توفي يوم الأربعاء حادي عشر جمادى الأولى ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
المنذري في كتاب «التكملة» أنه ولي القضاء بحمص وليس كذلك، وإنما ولي التحديث بحمص في أيام الملك المجاهد شيركوه بن محمد، أحضره إليها للتحديث، فظنّ الناقل أنه ولي القضاء. وكان قاضي حمص صالح بن أبي شبل.
[1] في «آ» و «ط» : «وقال الدّبيثيّ» وهو خطأ والتصحيح من «تاريخ الإسلام» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» واستدركته من «تاريخ الإسلام» .
[3] قوله: «وشهرته وفضله» لم يرد في «تاريخ الإسلام» وإنما هو في «ذيل طبقات الحنابلة» ولعله زيادة من مؤلّفه، والله أعلم.
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 174- 175) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 167- 168) .

(7/188)


وفيها أحمد بن ناصر بن أحمد بن محمد بن ناصر، الإسكاف الفقيه، أبو العبّاس بن أبي البركات الفقيه الحنبلي الحربي [1] .
قرأ طرفا من الفقه على والده، وسمع الحديث من ابن البطّي، ويحيى ابن ثابت بن بندار، وابن الدّجّاجي وغيرهم، وكتب عنه ابن النجار. وقال:
كان شيخا، حسنا، فهما، متيقظا. توفي يوم الأحد حادي عشري جمادى الأولى، ودفن بباب حرب.
وفيها ابن الأستاذ أبو محمد عبد الرّحمن بن عبد الله بن علوان الحلبي [2] المحدّث الصالح، والد قاضي حلب.
ولد سنة أربع وثلاثين وخمسمائة. وسمع من طائفة، وحجّ من بغداد، فسمع بها من أحمد بن محمد العبّاسي، وكان له عناية متوسطة بالحديث، توفي في عاشر جمادى الآخرة.
وفيها الإمام الرافعي أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسين بن الحسن [3] ، الإمام العلّامة إمام الدّين الشافعي، صاحب «الشرح» المشهور الكبير على «المحرر» وصاحب «الوجيز» . انتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه. وكان مع براعته في العلم صالحا، زاهدا، ذا أحوال وكرامات ونسك وتواضع.
__________
[1] تنبيه: وهم المؤلف في إيراد هذه الترجمة هنا فهي تكرار للترجمة المتقدمة عليها مباشرة مع اختلاف في نسب المترجم، وقد تبع في ذلك ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 168) ويعود الفضل في التنبيه على هذا الوهم إلى الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف فيما علقه على «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 174) جزاه الله تعالى خيرا ونفع به.
[2] انظر «العبر» (5/ 94) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 303- 304) .
[3] انظر «العبر» (5/ 94) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 252- 255) و «تاريخ الإسلام» (63/ 143- 144) .

(7/189)


قال ابن قاضي شهبة: إليه يرجع عامة الفقهاء من أصحابنا في هذه الأعصار في غالب الأقاليم والأمصار، ولقد برز فيه على كثير ممن تقدّمه، وحاز قصب السبق، فلا يدرك شأوه إلّا من وضع يديه حيث وضع قدمه. تفقّه على والده وغيره، وسمع الحديث من جماعة.
وقال ابن الصلاح: أظن أني لم أر في بلاد العجم مثله. كان ذا فنون، حسن السيرة، جميل الأمر، صنف «شرح الوجيز» في بضعة عشر مجلدا لم يشرح «الوجيز» بمثله.
وقال النووي [1] : إنه كان من الصالحين المتمكنين، وكانت له كرامات [كثيرة] ظاهرة.
وقال أبو عبد الله محمد بن محمد الإسفراييني: هو شيخنا، إمام الدّين، وناصر السّنة صدقا. كان أوحد عصره في العلوم الدينية، أصولا وفروعا، ومجتهد زمانه في المذهب، وفريد وقته في التفسير. [كان له مجلس بقزوين للتفسير] [2] ولتسميع الحديث. صنّف شرحا ل «مسند الشافعي» وأسمعه وصنّف شرحا ل «الوجيز» ، ثم صنّف أوجز منه.
وقيل: إنه لم يجد زيتا للمطالعة في قرية بات بها فتألم، فأضاء له عرق كرمة فجلس يطالع ويكتب عليه.
ومن شعره:
أقيما على باب الرّحيم أقيما ... ولا تنيا في ذكره فتهيما
هو الرّبّ من يقرع على الصّدق بابه ... يجده رؤوفا بالعباد رحيما
__________
[1] انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 264- 265) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «تاريخ الإسلام» مصدر المؤلف وانظر «تهذيب الأسماء واللغات» .

(7/190)


وقال ابن خلّكان [1] : توفي في هذه السنة بقزوين وعمره نحو ست وستين سنة.
ومن تصانيفه «العزيز في شرح الوجيز» الذي يقول فيه النووي بعد وصفه: واعلم أنه لم يصنّف في مذهب الشافعيّ- رضي الله عنه- ما يحصّل لك مجموع ما ذكرته أكمل من كتاب الرافعي ذي التحقيقات، بل اعتقادي واعتقاد كل مصنّف أنه لم يوجد مثله في الكتب السابقات ولا المتأخرات فيما ذكرته من المقاصد المهمات.
والرافعي: منسوب إلى رافعان، بلدة من بلاد قزوين. قاله النووي [2] .
وقال الإسنوي [3] : وسمعت قاضي القضاة جلال الدّين القزويني يقول:
إن رافعان بالعجمي، مثل الرافعي بالعربي، فإن الألف والنون في آخر الاسم عند العجم كياء النسبة [4] في آخره عند العرب، فرافعان نسبة إلى رافع، قال: ثم إنه ليس بنواحي قزوين بلدة يقال لها رافعان [5] ولا رافع، بل هو منسوب إلى جدّ له يقال له: رافع، أي وهو رافع بن خديج.
وحكى ابن كثير [6] قولا أنه منسوب إلى رافع مولى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم.
وفيها علي بن النّفيس بن بورنداز [7] أبو الحسن البغدادي.
__________
[1] تنبيه: لم أقف على ذكره في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي، وهذا النقل في «فوات الوفيات» (2/ 377) دون ذكر السنّ الّتي مات فيها.
[2] هذا القول ذكره النووي في «مختصر طبقات الشافعية» لابن الصلاح، وليس في «تهذيب الأسماء واللغات» والله أعلم.
[3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 571- 573) .
[4] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «كالنسبة» .
[5] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 254) فقد أورد الذهبي فيه رأيا لأبي المعالي بن رافع يؤيد ما جاء في كتابنا هذا.
[6] في كتابه «طبقات الشافعية» وليس في «البداية والنهاية» .
[7] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «بوريدان» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة»

(7/191)


ولد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وسمع من أبي الوقت [السّجزي] ، ومحمود فورجه، وجماعة، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها شبل الدولة، كافور الحسامي طواشي حسام الدّين محمد [1] ، ولد ستّ الشام، وخادم ستّ الشام. له فوق جسر ثورا [2] من صالحية دمشق، المدرسة، والتربة، والخانقاه، وأوقف عليها الأوقاف، ونقل لها الكتب الكثيرة، وفتح للناس طريقا من الجبل إلى دمشق قريبة على عين الكرش، وبنى المصنع الذي على رأس الزقاق [الطويل] [3] ، والخانقاه للصوفية إلى جانب مدرسته، ومصنعا آخر عند مدرسته، وكان ديّنا، وافر الحشمة. روى عن الخشوعي، ودفن بتربته إلى جانب مدرسته.
وفيها الظّاهر بأمر الله أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بأمر الله الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي العباسي [4] .
ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وبويع بالخلافة بعد أبيه في العام الماضي، وكانت خلافته تسعة أشهر ونصفا، وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا، حتّى بالغ ابن الأثير وقال: أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سنّة العمرين.
__________
(3/ 191- 192) و «العبر» (5/ 94) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 297) .
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (150) و «العبر» (5/ 95) .
[2] يعني جسر نهر ثورا أحد أفرعة نهر بردى الشهير بدمشق. انظر «معجم البلدان» (2/ 86) و «غوطة دمشق» للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي ص (86) .
[3] زيادة من «ذيل الروضتين» .
[4] انظر «مرآة الزمان» (8/ 423) و «ذيل الروضتين» ص (149- 150) و «العبر» (5/ 95- 96) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 264- 268) و «تاريخ الخلفاء» ص (458- 460) .

(7/192)


وقال أبو شامة [1] : كان أبيض مشربا بحمرة، حلو الشمائل، شديد القوى [2] ، قيل له: ألا تتفسح [3] ؟ قال: لقد لقس الزرع [4] ، فقيل: يبارك الله في عمرك، فقال: من فتح [دكانا] [5] بعد العصر أيش يكسب. ثم إنه أحسن إلى النّاس وفرّق الأموال، وأبطل المكوس وأزال المظالم.
وقال الذهبي: توفي في ثالث عشر رجب، وبويع بعده ابنه المستنصر بالله.
وفيها أحمد بن عبد المنعم الحكيم البغدادي [6] . كان حسن المعرفة بالأدب والطلب.
ومن شعره:
إذا لم أجد لي في الزّمان مؤانسا ... جعلت كتابي مؤنسي وجليسي
وأغلقت بابي دون من كان ذا غنى ... وأمليت من مال القناعة كيسي
وفيها ابن أبي لقمة، أبو المحاسن محمد بن السيد بن فارس الأنصاري الدمشقي الصفّار [7] المعمّر.
ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وسمع من هبة الله بن طاووس، والفقيه نصر الله المصّيصي، وجماعة. تفرّد بالرّواية عنهم، وأجاز له من
__________
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (145) ضمن ترجمة أبيه.
[2] في «ذيل الروضتين» : «شديد القوة» .
[3] في «ذيل الروضتين» : «ألا يتفسح» وفي «سير أعلام النبلاء» : «ألا تتنزّه» .
[4] كذا في «آ» و «ط» و «سير أعلام النبلاء» : «لقد لقس الزرع» وفي «ذيل الروضتين» الذي بين يدي: «قد فات الزرع» .
جاء في «تاج العروس» (لقس) : اللّقس واللّاقس: الجرب.
[5] استدركتها من «ذيل الروضتين» .
[6] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.
[7] انظر «العبر» (5/ 96) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 298- 299) .

(7/193)


بغداد سنة أربعين علي بن الصبّاغ وطبقته، وكان ديّنا، كثير التلاوة والذّكر.
توفي في ثالث ربيع الأول.
وفيها ابن البيّع أبو المحاسن محمد بن هبة الله بن عبد العزيز الدّينوري الزّهري [1] . سمع من عمّه أبي بكر محمد بن أبي حامد، ومحمد ابن طراد الزّينبي، وجماعة، انفرد بالرواية عنهم، وكان شيخا جليلا نبيلا رضيا، توفي في شوال.
وفيها أبو القاسم العتّابي المبارك بن علي بن أبي الجود الورّاق [2] آخر أصحاب ابن الطّلّاية. كان رجلا صالحا، توفي في المحرم.
قال الذهبي: حدثنا عنه الأبرقوهيّ.
وفيها أبو العزّ موفق الدّين مظفّر بن إبراهيم بن جماعة بن علي بن شامي بن أحمد بن ناهض بن عبد الرزاق العيلاني- بالعين المهملة، نسبة إلى قيس عيلان- الحنبلي الأديب الشاعر العروضي الضرير المصري [3] .
ولد لخمس ليال بقين من جمادى الآخرة، سنة أربع وأربعين وخمسمائة بمصر، وسمع الحديث من أبي القاسم بن البستي، وابن الصّابوني، وأبي طاهر السّلفي، والبوصيري، وغيرهم. ولقي جماعة من الأدباء، وقال الشّعر الجيّد، وبرع في علم العروض، وصنّف فيه تصنيفا مشهورا دلّ على حذقه. ومدح جماعة كثيرة من الملوك، والشعراء، والوزراء، وغيرهم. وحدّث بتصنيفه وبشيء من شعره.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 262- 263) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 262- 263) .
[2] انظر «العبر» (5/ 96- 97) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 263) و «تاريخ الإسلام» (63/ 156- 157) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 168- 169) و «وفيات الأعيان» (5/ 213- 217) و «تاريخ الإسلام» (63/ 157- 159) و «نكت الهميان» ص (290- 293) وقد تصحفت «العيلاني» فيه إلى «الغيلاني» بالغين المعجمة فتصحح. و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 166- 167) .

(7/194)


قال المنذري: سمعت منه وكان بقية فضلاء طبقته.
وذكر ابن خلّكان أنه قال: دخلت يوما على القاضي هبة الله بن سناء الملك الشاعر فقال لي: يا أديب صنفت نصف بيت ولي أيام أفكر في تمامه قلت: وما هو؟ قال:
بياض عذاري من سواد عذاره
قلت: قد حصل تمامه، وأنشدت:
كما جلّ ناري فيه من جلنّاره
فاستحسنه وعمل عليه.
ومن نظمه الأبيات المشهورة السائرة الرائقة الفائقة:
قالوا عشقت وأنت أعمى ... ظبيا كحيل الطّرف ألمى
وحلاه ما عاينتها ... فنقول قد شغفتك دهما
وخياله بك في المنا ... م فما أطاف ولا ألمّا
من أين أرسل للفؤا ... د وأنت لم تنظره سهما
ومتى رأيت جماله ... حتّى كساك هواه سقما
وبأيّ جارحة وصل ... ت لوصفه نثرا ونظما
والعين داعية الهوى ... وبه ينمّ إذا تنمّى
فأجبت إني موسو ... يّ العشق إنصافا وفهما
أهوى بجارحة السّما ... ع ولا أرى ذات المسمّى
وقال ابن خلّكان: وأخبرني أحد أصحابه أن شخصا قال له: رأيت في بعض تآليف أبي العلاء المعرّي ما صورته: أصلحك الله وأبقاك، لقد كان من الواجب أن تأتينا اليوم إلى منزلنا الخالي، لكي نحدث عهدا بك يا زين

(7/195)


الأخلاء، فما مثلك من ضيّع عهدا [1] وغفل، وسأله من أي الأبحر هذا؟ وهل هو بيت واحد أم أكثر؟ فإن كان أكثر فهل أبياته على رويّ واحد أم هي مختلفة الرّويّ. قال: فأفكر ساعة، ثم أجابه بجواب حسن، فلما قال لي المخبر ذلك، قلت له: اصبر عليّ حتّى أنظر [فيه] ولا تقل ما قاله، ثم أفكرت فيه فوجدته يخرج من بحر الرّجز، وهذا المجزوء منه، وتشتمل هذه الكلمات على أربعة أبيات، على رويّ اللّام، وهي على صورة يسوغ استعمالها عند العروضيين، ومن لم يكن من العروضيين [2] ومن لم يكن له بهذا الفنّ معرفة، فإنه ينكرها، لأجل قطع الموصول منها، ولا بد من الإتيان بها لتظهر [3] صورة ذلك وهي:
أصلحك الله وأب ... قاك لقد كان من ال
واجب أن تأتينا ال ... يوم إلى منزلنا ال
خالي لكي نحدث عه ... دا بك يا زين الأخل
لاء فما مثلك من ... ضيّع [4] عهدا أو غفل [5]
وهذا إنما يذكره أهل هذا الشأن للمعاياة لا أنه [6] من الأشعار المستعملة، فلما استخرجته عرضته على ذلك الشخص، فقال: هكذا قاله مظفّر الأعمى.
وكانت ولادة مظفّر الدّين المذكور لخمس بقين من جمادى الآخرة،
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «من غير عهدا» .
[2] قوله: «ومن لم يكن من العروضيين» لم يرد في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي.
[3] في «آ» و «ط» : «لتنظر» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[4] في «وفيات الأعيان» : «غيّر» .
[5] في «آ» و «ط» : «وغفل» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[6] في «وفيات الأعيان» : «لا لأنه» .

(7/196)


سنة أربع وأربعين وخمسمائة بمصر، وتوفي بها سحرة يوم السبت من المحرم. انتهى ملخصا، أي ودفن بسفح المقطّم.
وفيها الجمال المصري، قاضي القضاة أبو الوليد يونس بن بدران بن فيروز بن صاعد بن محمد بن علي الشّيبي الشّافعي [1] .
ولد في حدود الخمسين وخمسمائة، وسمع من السّلفي، وولي الوكالة السلطانية بالشام، ودرّس بالأمينيّة، ثم ولي القضاء، ودرّس بالعادليّة، واختصر «الأم» للشافعي، ولم يكن بذاك المحمود في الولاية.
توفي في ربيع الآخر، ودفن بداره بقرب القليجيّة، وقد تكلّم في نسبه.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 97) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 257- 258) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 122- 123) .

(7/197)


سنة أربع وعشرين وستمائة
فيها جاء الخبر إلى السلطان جلال الدّين وهو بتوريز [1] أنّ التتار قد قصدوا أصبهان وبها أهله، فسار إليها وتأهب للملتقى، فلما التقى الجمعان خذله أخوه غياث الدّين وولّى، وتبعه جهان بهلوان، فكسرت ميمنته ميسرة التتار، ثم حملت ميسرته على ميمنة التتار فطحنتها أيضا، وتباشر الناس بالنصر، ثم كرّت التتار مع كمينها، وحملوا حملة واحدة كالسّيل، وقد أقبل الليل، فزالت الأقدام، وقلت الأمراء [واشتد القتال] [2] وتداعى بنيان جيش جلال الدّين، وثبت هو في طائفة يسيرة، وأحيط [3] به، فانهزم على حميّة، وطعن طعنة لولا الأجل لتلف، وتمزّق جيشه، وكانت ملحمة لم يسمع بمثلها في الملاحم في انهزام كلا الفريقين [4] ، وذلك في رمضان. قاله في «العبر» [5] .
__________
[1] لم أقف على ذكر لها فيما بين يدي من كتب البلدان والمعجمات. وإنما ورد ذكرها في «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (137) .
وجاء في حاشية التحقيق من «تاريخ الإسلام» (63/ 18) ما نصه: وهي تبريز، هكذا تلفظ عند بعضهم، دون الإحالة على مصدر الكلام.
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» .
[3] في «آ» و «ط» : «واحتيط» والتصحيح من «العبر» .
[4] في «ط» : «الفرقين» وهو تحريف.
[5] (5/ 97- 98) .

(7/198)


وفيها في رمضان قبل [هذا] [1] المصاف بأيام، اتفق موت جنكزخان طاغية التتار وسلطانهم الأعظم، الذي خرّب البلاد وأباد الأمم، وهو الذي جيّش الجيوش، وخرج بهم من بادية الصين، فدانت له المغول، وعقدوا له عليهم، وأطاعوه طاعة الأبرار للملك القهّار، واسمه قبل الملك تمرجين [2] ، ومات على الكفر، وكان من دهاة العالم، وأفراد الدّهر، وعقلاء التّرك، وهو جدّ ابني العم بركة وهولاكو.
وفيها توفي قاضي حرّان، أبو بكر عبد الله بن نصر بن محمد بن أبي بكر [3] ، الفقيه الحنبلي المقرئ. رحل إلى بغداد، وتفقه بها، وسمع الحديث من شهدة، وابن شاتيل، وطبقتهما. ورحل إلى واسط، وقرأ بها القراءات بالروايات.
قال ابن حمدان الفقيه: سمعت عليه أشياء. قال: وكان مشهورا بالدّيانة والصيانة، متوحدا في فنّه، وفي فنون القراءة وجودة أدائها. وصنّف في القراءات، وعاش خمسا وسبعين سنة.
وفيها عبد الله بن الحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني [4] .
سمع أباه، ونصر بن المظفّر، وعلي بن محمد المشكاني [5] راوي «تاريخ البخاري» [6] وجماعة. توفي في شعبان.
__________
[1] مستدركة من «العبر» .
[2] تصحف في «آ» و «ط» إلى «تمرحين» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» (63/ 168) .
[3] انظر «العبر» (5/ 98- 99) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 182) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 171- 172) .
[4] انظر «العبر» (5/ 99) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 263- 264) .
[5] انظر ترجمته في «الأنساب» (11/ 334- 335) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 311- 312) .
[6] يعني «التاريخ الصغير» كما جاء مبينا في «الأنساب» و «سير أعلام النبلاء» .

(7/199)


وفيها البهاء عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور المقدسي [1] ، الفقيه الحنبلي الزاهد، بهاء الدّين أبو محمد، ابن عم البخاري.
ولد سنة خمس، وقيل: ست وخمسين وخمسمائة. وسمع بدمشق من ابن [2] أبي الصقر وغيره، ورحل إلى بغداد، وسمع بها من شهدة، وعبد الحق اليوسفي، وطبقتهما. وسمع بحرّان من أحمد بن أبي الوفاء الفقيه، ويقال: إنه تفقه ببغداد على ابن المنّي، وبالشام على الشيخ موفق الدّين ولازمه، وصنف التصانيف، منها «شرح عمدة [3] الشيخ موفق الدين» وهو في مجلد، نصّ في أوله أن الماء لا ينجس حتّى يتغير مطلقا، ويقال: إنه شرح «المقنع» أيضا.
قال سبط ابن الجوزي: كان يؤم بمسجد الحنابلة بنابلس، ثم انتقل إلى دمشق. قال: وكان صالحا، ورعا، زاهدا، غازيا، مجاهدا، جوادا، سمحا.
وقال المنذري: كان فيه تواضع وحسن خلق، وأقبل في آخر عمره على الحديث إقبالا كليّا [4] وكتب منه الكثير. وحدث بنابلس، والشام. توفي- رحمه الله- في سابع ذي الحجة، ودفن من يومه بسفح قاسيون.
وفيها قاضي القضاة ابن السّكّري عماد الدّين عبد الرحمن بن
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 212- 213) و «العبر» (5/ 99) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 99) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 170- 171) و «القلائد الجوهرية» (2/ 475) طبع مجمع اللغة العربية بدمشق.
[2] لفظة «ابن» سقطت من «آ» .
[3] المعروف ب «عمدة الفقه» وهو مطبوع أكثر من مرة آخرها بدمشق بتحقيق ثناء الهوّاري وإيمان زهراء.
[4] في «لتكملة» : «إقبالا كثيرا» .

(7/200)


عبد العلي بن علي المصري [1] الشافعي. تفقه على الشهاب الطّوسي، وبرع في المذهب، وأفتى، وولي القضاء بالقاهرة وخطابتها، وحدّث وأفتى ودرّس، وله حواش على «الوسيط» مفيدة، و «مصنّف في مسألة الدّور» وعزل قبل موته من القضاء بسبب أنه طلب منه قرض شيء من مال الأيتام فامتنع.
ويحكى عنه أنه عزل الشيخ عبد الرحمن النويري لحكمه بالمكاشفات، فقال النويري: عزلته وعزلت ذرّيته، فعزل بعد ذلك.
وفيها حجّة الدّين الحقيقي أبو طالب عبد المحسن بن أبي العميد الأبهري [2] الشافعي الصوفي.
ولد سنة ست وخمسين وخمسمائة، وتفقه بهمذان، وعلّق «التعليقة» عن الفخر النّوقاني [3] . وسمع بأصبهان من التّرك وجماعة، وببغداد من ابن شاتيل، وبدمشق ومصر. وكان كثير الأسفار، والعبادة، والتهجد، صاحب أوراد، وصدق، وعزم. جاور مدة بمكة، وتوفي في صفر.
وفيها الملك المعظّم سلطان الشّام، شرف الدّين عيسى بن العادل [4] الحنفي، الفقيه الأديب.
ولد بالقاهرة سنة ست وسبعين وخمسمائة، وحفظ القرآن، وبرع في الفقه، وشرح «الجامع الكبير» في عدة مجلدات بإعانة غيره، ولازم الاشتغال
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 99) و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (8/ 170- 171) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 67) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 92) .
[2] انظر «العبر» (5/ 99- 100) و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (8/ 314) و «العقد الثمين» (5/ 493- 495) .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «البوقاني» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق السابق.
[4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 494- 496) و «العبر» (5/ 100) و «تاريخ الإسلام» (63/ 185- 189) و «البداية والنهاية» (13/ 121- 122) .

(7/201)


زمانا، وسمع «المسند» [كلّه] [1] لابن حنبل. وله شعر كثير. وكان عديم الالتفات إلى النواميس وأبّهة الملوك [2] ، ويركب وحده مرارا ثم تتلاحق به مماليكه. وكان فيه خير وشرّ كثير، سامحه الله تعالى.
قال ابن الأهدل: كان حنفيا شديد التعصب لمذهبه، ولم يكن في بني أيوب حنفيّ سواه، وتبعه أولاده، وكان قد شرط لمن حفظ «المفصّل» للزمخشري مائة دينار وخلعة، فحفظه جماعة لهذا السبب، وكان من النّجباء الأذكياء. انتهى.
وقال غيره: ومن شعره- وقد مرض بالحمى-:
زارت ممحّصة [3] الذّنوب وودّعت ... تبّا لها من زائر ومودّع
باتت معانقتي كأنّي حبّها ... ومقيلها ومبيتها في أضلعي
قالت وقد عزمت على ترحالها ... ماذا تريد؟ فقلت: ألا ترجعي
وله:
هجم الشتاء ونحن بالبيداء ... فدفعت شرّته بصوت غناء
وجمعت قافات يزول بجمعها ... همّ الشتاء ولوعة البرحاء
قدح وقانون وقاني قهوة ... مع قينة في قبّة زرقاء
ومرض ابن عنين، فكتب إليه:
أنظر إليّ بعين مولى لم يزل ... يولي الندى وتلاف قبل تلافي
أنا كالذي أحتاج ما تحتاجه ... فاغنم ثوابي والثناء الوافي
فجاء إليه فعاده ومعه صرّة فيها ثلاثمائة دينار، وقال: هذه الصلة وأنا
__________
[1] زيادة من «العبر» مصدر المؤلف.
[2] في «العبر» بطبعتيه: «وأبّهة الملك» .
[3] في «ط» : «ممخضة» .

(7/202)


العائد، وهذه لو وقعت لأكابر النّحاة لاستحسنت منه، فكيف هذا الملك.
توفي- رحمه الله- في سلخ ذي القعدة.
وقال ابن خلّكان: توفي يوم الجمعة، مستهل ذي الحجة بدمشق، ودفن في قلعتها، ثم نقل إلى الصالحية ودفن في مدرسته هناك، بها قبور جماعة من إخوته وأهل بيته، تعرف بالمعظمية. انتهى.
وفيها الفتح بن عبد الله بن محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السّلام، عميد الدّين، أبو الفرج البغدادي [1] الكاتب.
ولد في أول سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، وسمع من جدّه أبي الفتح، وأبي الفضل الأرموي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، وطائفة، وتفرّد بالرواية عنهم، ورحل الناس إليه.
توفي في الرابع والعشرين من المحرم، وهو من بيت حديث وأمانة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 100- 101) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 272- 274) و «تاريخ الإسلام» (63/ 189- 191) .

(7/203)


سنة خمس وعشرين وستمائة
فيها توفي اللّبلي- بالباء الموحدة نسبة إلى لبلة بلد بالأندلس- المحدّث الرّحّال، محب الدّين، أحمد بن تميم بن هشام الأندلسي [1] .
طوّف، وسمع من ابن طبرزد، والمؤيد الطّوسي، وطبقتهما. وكان من وجوه أهل لبلة. توفي في رجب بدمشق كهلا.
وفيها ابن طاووس أبو المعالي أحمد بن الخضر بن هبة الله بن أحمد الصّوفي [2] أخو هبة الله. سمع من حمزة بن كروّس، وكان عريا من الفضيلة. توفي في رمضان. قاله في «العبر» .
وفيها أحمد بن شيرويه بن شهردار الدّيلمي أبو مسلم الهمذاني [3] روى عن جدّه، ونصر بن المظفّر البرمكي، وأبي الوقت [السّجزي] ، وطائفة، وتوفي في شعبان.
وفيها أبو منصور ابن البرّاج، أحمد بن يحيى بن أحمد البغدادي
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 102) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 301) و «تاريخ الإسلام» (63/ 199) .
[2] انظر «العبر» (5/ 102) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 152) و «تاريخ الإسلام» (63/ 200) .
[3] انظر «العبر» (5/ 103) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 260- 261) و «تاريخ الإسلام» (63/ 200) وما بين الحاصرتين زيادة منهما وقد تحرفت «شيرويه» في «آ» و «ط» و «العبر» إلى «شرويه» .

(7/204)


الصوفي [1] . راوي «سنن النسائي» عن أبي زرعة، وسمع أيضا من ابن البطّي، وكان صالحا، عابدا، توفي في المحرّم.
وفيها ابن بقيّ قاضي الجماعة أبو القاسم أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد الأموي مولاهم البغوي القرطبي [2] . سمع جدّه أبا الحسن، ومحمد بن عبد الحق الخزرجي، وأجاز له شريح، وجماعة. وكان ظاهريّ المذهب، مسند أهل المغرب وعالمهم ورئيسهم. ولي القضاء بمرّاكش مضافا إلى خطتي المظالم والكتابة العليا [3] وغير ذلك. توفي في نصف رمضان وقد تجاوز ثمانيا وثمانين سنة، وآخر من روى عنه عبد الله بن هارون الطائي.
وفيها داود بن رستم بن محمد بن أبي سعيد الحرّاني [4] الحنبلي ببغداد، ودفن بباب حرب. سمع من نصر القزّاز وغيره، وصفه المنذري بأنه رفيقه، وذكره ابن النجار وأنه ناطح الستين.
وفيها أبو علي الجواليقي الحسن بن إسحاق بن العلّامة أبي منصور، موهوب بن أحمد البغدادي [5] . روى عن ابن ناصر، وعن أبي بكر بن الزّاغوني، وجماعة، وكان ذا دين ووقار.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 103) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 277- 278) و «تاريخ الإسلام» (63/ 202) .
[2] انظر «العبر» (5/ 103) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 274- 277) و «تاريخ الإسلام» (63/ 203- 204) .
[3] في «آ» و «ط» : «مضافا إلى الغاية العليا» وفي «العبر» : «مضافا إلى الكتابة العليا» وما أثبته من «سير أعلام النبلاء» و «تاريخ الإسلام» .
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 224) و «تاريخ الإسلام» (63/ 210) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 172) .
[5] انظر «العبر» (5/ 103- 104) و «تاريخ الإسلام» (63/ 208- 209) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 278) .

(7/205)


وفيها النّفيس بن البنّ أبو محمد الحسن بن علي بن أبي القاسم الحسين بن الحسن الأسدي الدمشقي [1] تفرّد عن جدّه بحديث كثير، وكان ثقة، حسن السمت والديانة. توفي في شعبان.
وفيها القاضي الإمام جمال الدّين عبد الرحيم [بن علي] ابن شيث القرشي [2] . جمع الله له بين الفضل والمروءة، والكرم والفتوة. كان كثير الصدقات، وكان القاضي الفاضل يحتاج إليه في علم الرسائل. كتب إليه أبو المظفّر كتابا يتشوق إليه، فأجابه:
وافى كتابك وهو الرّوض مبتسما ... عن ثغر درّ طغى من بحرك الطّامي
وكان عندي كالماء الزّلال وقد ... تناولته يمين الحائم الظّامي
لله نفحة فضل منه رحت بها ... نشوان أسحب أذيالي وأكمامي
تولى الوزارة للملك المعظم بالشام، ونشأ بقوص، ومات بدمشق، ودفن بتربته بقاسيون.
وفيها ابن عفيجة أبو منصور محمد بن عبد الله بن المبارك البندنيجي ثم البغدادي البيّع [3] . أجاز له في سنة بضع وثلاثين وخمسمائة أبو منصور ابن خيرون، وأبو محمد سبط الخيّاط، وطائفة. وسمع من ابن ناصر. توفي في ذي الحجّة.
وفيها محمد بن النّفيس بن محمد بن إسماعيل بن عطاء أبو الفتح
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 104) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 278- 280) .
[2] انظر «مرآة الزمان» (8/ 431) و «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 217) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 301- 302) و «تاريخ الإسلام» (63/ 212- 213) و «النجوم الزاهرة» (6/ 271) وما بين الحاصرتين في الترجمة زيادة منها جميعا.
[3] انظر «العبر» (5/ 104) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 280- 281) و «تاريخ الإسلام» (63/ 216- 217) .

(7/206)


البغدادي الصّوفي [1] . سمع «الصحيح» [2] من أبي الوقت [السّجزي] ، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها أبو محمد عبد المحسن بن عبد الكريم بن ظافر بن رافع [الحصنيّ] الحصري المصري [3] الحنبلي الفقيه.
ولد في أوائل سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة بمصر، وسمع بها من أبي إسحاق إبراهيم بن هبة الله وجماعة كثيرة، ورحل إلى دمشق، فتفقه بها على الشيخ موفق الدّين، وانقطع إليه مدة، وتخرّج به، وسمع منه، ومن أبي الفتوح البكري، وغيرهما. وسمع بحرّان من الحافظ عبد القادر الرّهاوي.
وحدّث بحمص، وبمصر، وكتب بخطه، وحصّل كسبا. وتوجه إلى الحجّ فغرق [في البحر] وذهب جميع ما معه، وعاد إلى مصر مجردا من جميع ما كان معه، ولم يزل على سداد وأمر جميل إلى أن توفي في ثالث جمادى الآخرة بمصر، ودفن بسفح المقطّم. قاله ابن رجب.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 104) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 261- 262) و «تاريخ الإسلام» (63/ 220) .
[2] يعني «صحيح البخاري» .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 223- 224) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 172) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منهما.

(7/207)