شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وثلاثين وستمائة
فيها تسلطن بدر الدّين لؤلؤ بالموصل، وانقرض البيت الأتابكي.
وفيها تكامل بناء المستنصريّة ببغداد، وهي على المذاهب الأربعة، على يد أستاذ الدّار ابن العلقمي الذي وزر، ولا نظير لها في الدّنيا فيما أعلم. قاله الذهبي [1] .
وفيها توفي صلاح الدّين أحمد بن عبد السّيد بن شعبان الإربلي [2] .
كان حاجبا لمظفّر الدّين صاحب إربل، فتغيّر عليه واعتقله، فلما خرج، خرج إلى الشام ودخل مصر، فعظمت منزلته عند الكامل، ثم تغيّر عليه واعتقله، وكان ذا فضيلة تامّة ونظم حسن، فعمل دو بيت وأملاه لبعض القيان فغنت [3] به، فقال: هذا لمن؟ فقيل للصلاح الإربلي، فأطلقه وعادت منزلته أحسن ما كانت، والدّوبيت:
ما أمر تجنّيك على الصبّ خفي ... أفنيت زماني بالأسى والأسف
ما ذاك بقدر ذنبي [4] ولقد ... بالغت فما قصدك إلّا تلفي
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 123) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 184- 187) و «الوافي بالوفيات» (7/ 62- 64) و «المختصر في أخبار البشر» (2/ 156) .
[3] كذا في «آ» و «ط» و «الوافي بالوفيات» : «فغنت» وفي «وفيات الأعيان» : «فغناه» فليحرر.
[4] في «وفيات الأعيان» و «الوافي بالوفيات» : «ماذا عضب بقدر ذنبي» وفي الشطرة الثانية بعض الخلاف عندهما.

(7/251)


وكان الكامل قد تغيّر على بعض إخوته وهو الفائز إبراهيم، فأصلح قضيته الصلاح، وكتب إلى الكامل:
وشرط صاحب مصر أن يكون كما ... قد كان يوسف في الحسنى لإخوته
أسوا فقابلهم بالعفو وافتقروا ... فبرّهم وتولّاهم برحمته
وله:
وإذا رأيت بنيك فاعلم أنّهم ... قطعوا إليك مسافة الآجال
وصل البنون إلى محلّ أبيهم ... وتجهّز [1] الآباء للتّرحال
وفيها أبو محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل البغدادي الجوهري [2] عن ثمانين سنة. روى عن هبة الله الدقّاق، وابن البطّي، وطائفة. وتفرّد بأشياء، وكان صالحا ثقة، توفي في ذي القعدة. قاله في «العبر» .
وفيها ابن الزّبيدي سراج الدّين أبو عبد الله الحسين بن المبارك بن محمد بن يحيى بن مسلم بن موسى بن عمران الرّبعي الزّبيدي الأصل البغدادي البابصري الحنبلي [3] . مدرس مدرسة عون الدّين بن هبيرة.
ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة، وروى عن أبي الوقت [السّجزي] ، وأبي زرعة [المقدسي] ، وأبي زيد الحموي، وغيرهم. وقرأ القرآن بالرّوايات. وتفقه في المذهب وأفتى، وكانت له معرفة حسنة بالأدب، وصنّف تصانيف، منها كتاب «البلغة» في الفقه. وله منظومات في اللغة، والقراءات،
__________
[1] في «ط» : «وتجهزوا» وهو تحريف.
[2] انظر «العبر» (5/ 123- 124) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 356- 357) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 361) و «العبر» (5/ 124) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 357- 359) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 188- 189) و «المنهج الأحمد» الورقة (366) .

(7/252)


وكان فقيها، فاضلا، ديّنا، خيّرا، حسن الأخلاق، متواضعا. وحدّث ببغداد، ودمشق، وحلب، وغيرها من البلاد. وسمع منه أمم، وروى عنه خلق كثير من الحفّاظ وغيرهم، منهم الدّبيثي، والضياء. وآخر من حدّث عنه أبو العبّاس الحجّار الصّالحي. سمع منه «صحيح البخاري» وغيره، وتوفي ثالث عشري صفر ببغداد.
وفيها العلبي زكريا بن علي بن حسّان بن علي أبو يحيى البغدادي الصّوفي [1] . روى عن أبي الوقت [السّجزي] وغيره، وكان عامّيّا. مات في ربيع الأول.
وفيها السّيف الآمدي أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد الحنبلي ثم الشافعي [2] المتكلم العلّامة، صاحب التصانيف العقلية.
ولد بعد الخمسين بآمد، وقرأ القراءات والفقه، ودرس على ابن المنّي، وسمع من ابن شاتيل، ثم تفقه للشافعي على ابن فضلان، وبرع في الخلاف، وحفظ طريقة أسعد الميهني، وقيل: إنه حفظ «الوسيط» للغزالي، وتفنن في علم النظر، والكلام، والحكمة، وكان [ذكيا] [3] من أذكياء العالم.
أقرأ بمصر مدة، فنسبوه إلى دين الأوائل، وكتبوا محضرا بإباحة دمه، فلما رأى بعضهم ذلك الإفراط وقد حمل المحضر إليه ليكتب كما كتبوا، كتب:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... والقوم أعداء له وخصوم
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 124) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 359- 360) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 293- 294) و «العبر» (5/ 124- 125) و «المختصر في أخبار البشر» (2/ 155- 156) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 306- 307) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 137- 139) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 99- 101) و «النجوم الزاهرة» (6/ 285) .
[3] لفظة «ذكيا» لم ترد في «ط» وانفردت بها «آ» .

(7/253)


قال ابن خلّكان: وضعوا خطوطهم بما يستباح به الدّم، فخرج مستخفيا إلى الشام، فنزل حماة مدة، وصنّف في الأصلين، والحكمة، والمنطق، والخلاف، وكلّ ذلك مفيد، ثم قدم دمشق في سنة اثنتين وثمانين فأقام بها مدة، ثم ولاه الملك المعظّم بن العادل تدريس العزيزية، فلما ولي أخوه الأشرف موسى عزل عنها [1] ونادى في المدارس: من ذكر غير التفسير، والحديث، والفقه، أو تعرّض لكلام الفلاسفة، نفيته. فأقام السيف الآمدي خافيا في بيته إلى أن توفي في صفر، ودفن بتربته بقاسيون.
ويحكى عن ابن عبد السلام أنه قال: ما تعلّمنا قواعد البحث إلّا منه، وأنه قال: ما سمعت أحدا يلقي الدّرس أحسن منه، كأنه يخطب، وأنه قال:
لو ورد على الإسلام متزندق يشكك [2] ما تعيّن لمناظرته غيره [لاجتماع آلات ذلك فيه] .
وقال سبط ابن الجوزي: لم يكن في زمانه من يجاريه في الأصلين، وعلم الكلام. ومن تصانيفه المشهورة «الإحكام في أصول الأحكام» مجلدين، و «ابكار الأفكار» في أصول الدّين، في خمس مجلدات، واختصره في مجلد.
قال الذهبي: وله نحو من عشرين تصنيفا.
وقال السّبكي: وتصانيفه كلّها حسنة منقّحة.
وفيها القرطبيّ أبو عبد الله محمد بن عمر المقرئ المالكي [3] ، الرجل الصالح. حجّ. وسمع من عبد المنعم بن الفراوي وطائفة. وقرأ
__________
[1] كذا في «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف، وفي «آ» : «عزل منها» .
[2] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «يستشكل» وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[3] انظر «العبر» (5/ 125) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 639- 640) و «العقد الثمين» (2/ 237- 242) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/ 219- 220) .

(7/254)


القراءات على أبي القاسم الشّاطبي، وكان إماما، زاهدا، متقنا، بارعا في عدة علوم، كالفقه، والقراءات، والعربية، طويل الباع في التفسير. توفي بالمدينة المنورة في صفر. قاله في «العبر» .
وفيها طغريل [1] شهاب الدّين، الخادم أتابك صاحب حلب، الملك العزيز، ومدبّر دولته. كان صالحا، خيّرا، متعبّدا، كثير المعروف، ذا رأي، وعقل، وسياسة، وعدل.
وفيها الشيخ عبد الله بن يونس الأرمني [2] الزّاهد القدوة، صاحب الزّواية بجبل قاسيون. كان صالحا، متواضعا، مطّرحا للتكلف، يمشي وحده، ويشتري الحاجة. وله أحوال، ومجاهدات، وقدم في الفقر. سافر [إلى] الأقطار، ولقي الأبدال والأبرار. كان في بدايته لا يأوي إلّا [إلى البراري] [3] القفار. قرأ القرآن، وتفقه لأبي حنيفة، وحفظ «القدوري» [4] وصحب رجلا من الأولياء، فدلّه على الطريق.
بعث إليه الأمجد صاحب بعلبك أربعين دينارا يقضي بها دينه وهو بالقدس، فأخذها الرّسول. ثم إن الأمجد زاره وقال له: بعثت إليك أربعين
__________
[1] في «آ» و «ط» : «طغربك» وفي «وفيات الأعيان» : «طغرل» والتصحيح من «مرآة الزمان» (8/ 453) و «العبر» (5/ 125) مصدر المؤلف. و «النجوم الزاهرة» (6/ 286) .
[2] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «الأرموي» والتصحيح من «مرآة الزمان» (8/ 454) وقال عنه: «وكان أرمنيّا بل روميّا» و «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 373) و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (153) وقال عنه: «من إرمينية» و «مرآة الجنان» (4/ 75) و «النجوم الزاهرة» (6/ 286) .
[3] زيادة من «مرآة الزمان» .
[4] يعني «مختصر القدوري» وهو في فروع الحنفية، وهو للإمام أبي الحسين أحمد بن محمد بن أحمد القدوري، وهو الذي يطلق عليه لفظ «الكتاب» في المذهب، وهو متن متين معتبر، متداول بين الأئمة الأعيان. انظر «اللباب في تهذيب الأنساب» (3/ 19- 20) و «كشف الظنون» (2/ 1631- 1634) .

(7/255)


دينارا، فقال الشيخ: وصلت، وشكره، فجاء الرسول يستغفر، فقال: قد قلت له: إنها وصلت.
وحكى عن نفسه غير أنه لم يصرح. قال: كان فقيرا يدور في جبل لبنان، فوقع عليه حراميّة الفرنج، فعذّبوه وربطوه، وبات في أشدّ ما يكون.
فلما أصبحوا ناموا، وإذا حراميّة المسلمين يطلبون حراميّة الفرنج، فأيقظهم وقال: اقعدوا جاءتكم حراميّة المسلمين. فدخلوا مغارة ودخل معهم، ولم يرهم حراميّة المسلمين، فلما بعدوا قال الفرنج له: هلّا دللت علينا وتخلّصت؟ فقال [1] لهم: إني صحبتكم وأكلت خبزكم. وفي طريقنا أن الصحبة عزيزة، فما رأيت خلاص نفسي بهلاككم. فشكروه على ذلك، وسألوه أن يقبل منهم شيئا من الدّنيا، فأبى فأطلقوه.
وفيها أبو نصر عبد الرحيم بن محمد بن الحسن بن عساكر [2] . روى عن عمّيه الصّائن، والحافظ، وطائفة. وكان قليل الفضيلة. توفي في شعبان قاله في «العبر» .
وفيها أبو رشيد الغزال [3] محمد بن أبي بكر محمد بن عبد الله الأصبهاني [4] المحدّث التّاجر. سمع من خليل الرّارانيّ [5] وطبقته. وكان عالما، ثقة. توفي ببخارى في شوال.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «فقلت» والتصحيح من «مرآة الزمان» .
[2] انظر «العبر» (5/ 126) و «سير أعلام النبلاء» (63/ 367) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .
[3] في «النجوم الزاهرة» : «الغزاليّ» .
[4] انظر «العبر» (5/ 126) و «النجوم الزاهرة» (6/ 286- 287) .
[5] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الرازاني» بالزاي، والتصحيح من ترجمته في المجلد السادس من كتابنا هذا ص (528) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 269) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (245) .

(7/256)


وفيها محيي الدّين بن فضلان، قاضي القضاة، أبو عبد الله محمد ابن يحيى بن علي بن الفضل البغدادي الشافعي [1] ، مدرس المستنصريّة.
تفقه على والده العلّامة أبي القاسم، وبرع في المذهب، والأصول، والخلاف، والنظر. وولي القضاء في آخر أيام الناصر، فلما استخلف الظاهر عزله بعد شهرين من خلافته.
قال ابن شهبة في «طبقاته» : رحل إلى خراسان، وناظر علماءها، وولي تدريس النّظاميّة ببغداد، ثم ولي قضاء القضاة [2] ، ثم عزل. ودرّس بالمستنصريّة عند كمال عمارتها في رجب، سنة إحدى وثلاثين، وهو أوّل من درّس بها. وتوفي بعد أشهر في شوال- أي عن بضع وستين سنة- وكان موصوفا بحسن المناظرة، سمحا، جوادا [3] ، نبيلا، لا يكاد يدّخر شيئا.
وفيها المسلّم بن أحمد بن علي أبو الغنائم المازنيّ النّصيبي ثم الدمشقي [4] . روى عن عبد الرحمن بن أبي الحسن الدّاراني، والحافظ أبي القاسم بن عساكر، وأخيه الصائن. ودخل في المكس مدّة، ثم تركه. وروى الكثير. توفي في ربيع الأول، وآخر من روى عنه فاطمة بنت سليمان. قاله في «العبر» .
وفيها الأمير ركن الدّين منكورس [5] ، مملوك فلك الدّين أخي العادل.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 107- 108) وعنده: «محمد بن واثق بن علي ... » و «العبر» (5/ 126) و «مرآة الجنان» (4/ 75) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 114- 115) .
[2] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «ثم ولي قضاء القاهرة، ثم عزل ... » .
[3] تحرفت في «ط» إلى «جودا» .
[4] انظر «العبر» (5/ 126- 127) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 362- 363) و «تاريخ الإسلام» (64/ 72) .
[5] انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 73- 74) .

(7/257)


كان ديّنا، صالحا، عفيفا، ملازما لجامع بني أميّة، وله بقاسيون مدرسة وتربة أوقف عليها شيئا كثيرا، وداخل دمشق مدرسة كبيرة للشافعية، وقرية جرود [1] وقف عليهما. توفي بجرود، وحمل فدفن في تربته بقاسيون.
وفيها أبو الفتوح الأغماتي ثم الإسكندراني ناصر بن عبد العزيز بن ناصر [2] . روى عن السّلفي، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها الرّضيّ الرّخيّ- بتشديد الخاء المعجمة نسبة إلى الرّخ ناحية بنيسابور [3]- أبو الحجّاج يوسف بن حيدرة [4] ، شيخ الطب بالشام، وأحد من انتهت إليه معرفة الفنّ. قدم دمشق مع أبيه حيدرة الكحّال في سنة خمس وخمسين وخمسمائة، ولازم الاشتغال على المهذّب ابن النقّاش فنوّه باسمه، ونبّه على [محلّ] علمه، وصار من أطباء صلاح الدّين، وامتدت أيّامه، وصارت أطباء البلد تلامذته، حتّى إنّ من جملة أصحابه المهذّب الدّخوار، وعاش سبعا وتسعين سنة، ممتعا بالسمع والبصر. توفي يوم عاشوراء. قاله في «العبر» .
__________
[1] جرود: قرية من قرى بلدة معلولا من أعمال دمشق من جهة الشمال. انظر «معجم البلدان» (2/ 130) و «وفيات الأعيان» (6/ 354) ويقال لها في أيامنا جيرود.
[2] انظر «العبر» (5/ 127) و «تاريخ الإسلام» (64/ 74) .
[3] انظر «معجم البلدان» (3/ 38) .
[4] انظر «العبر» (5/ 127) وما بين الحاصرتين مستدرك منه وفي «تاريخ الإسلام» (64/ 76- 77) «الرّحبي» .

(7/258)


سنة اثنتين وثلاثين وستمائة
فيها ضربت ببغداد دراهم وفرّقت في البلد، وتعاملوا بها، وإنما كانوا يتعاملون بقراضة الذّهب، القيراط، والحبّة، ونحو ذلك، فاستراحوا.
قاله في «العبر» .
وفيها شرع الأشرف في بنائه خان الزّنجاري جامعا، وهو جامع التّوبة بالعقيبة [1] وكان خانا معروفا بالفجور، والخواطئ، والخمور، وسمّاه «جامع التوبة» ووقف عليه أوقافا كثيرة. وجرى في خطابته نكتة غريبة وهي، أنه كان بمدرسة الشاميّة إمام يعرف بالجمال السّبتي [2] وكان شيخا حسنا صالحا [3] وكان في صباه يلعب بملهاة تسمّى الجغانة [4] ، ثم حسنت طريقته، وصار معدودا في عداد الأخيار، فولّاه الأشرف خطيبا، فلما توفي تولى مكانه العماد الواسطي الواعظ، وكان متّهما بشرب الشراب، وكان ملك دمشق في
__________
[1] أحد أحياء مدينة دمشق القديمة إلى الشمال من مسجد بني أمية الكبير خارج السور القديم، ولا زال هذا الجامع عامرا بفضل الله عزّ وجل وتقام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة العيدين، وقد تعاقب على الخطابة والإمامة فيه عدد كبير من علماء دمشق الأفاضل، وقد نقل المؤلّف عن «وفيات الأعيان» (5/ 334- 335) و «تاريخ الإسلام» (64/ 10- 11) وانظر «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (156- 157) .
[2] وكذا سمّاه ابن خلّكان، وكان يعرفه معرفة شخصية.
[3] ولفظة «صالحا» لم ترد في «وفيات الأعيان» .
[4] في «آ» و «ط» : «الجفانة» بالفاء، وفي «وفيات الأعيان» و «المختار من تاريخ ابن الجزري» :
«الجغانة» وهو ما أثبته. وانظر التعليق عليهما فهو مفيد.

(7/259)


ذلك الوقت الملك الصالح أبو الجيش، فكتب إليه الجمال عبد الرحيم بن الزّويتينة [1] :
يا مليكا أوضح ال ... حقّ لدينا وأبانه
جامع التّوبة قد قلّ ... دني منه الأمانه
قال قل للملك الصّا ... لح أعلى الله شانه
يا عماد الدّين يا من ... حمد النّاس زمانه
كم إلى كم أنا في ض ... رّ وبؤس وإهانة
لي خطيب واسطيّ ... يعشق الشّرب [2] ديانه
والذي قد كان من قب ... ل يغنّي بالجغانه [3]
فكما كنت كذا صر ... ت فلا أبرح حانه
ردّني للنّمط الأوّ ... ل واستبق ضمانه [4]
وفيها توفي أبو صادق الحسن بن صبّاح المخزومي المصري [5] الكاتب، عن نيّف وتسعين سنة. وكان آخر من حدّث عن ابن رفاعة. توفي [في] سادس عشر رجب، وكان أديبا، ديّنا، صالحا، جليلا.
وفيها الملك الزّاهر داود ابن الملك الناصر صلاح الدّين يوسف بن أيوب [6] . كان صاحب البيرة [7] بلد من ثغور الرّوم بقرب سميساط. وكان
__________
[1] هو عبد الرحيم بن علي الرّحبي، ابن الزّويتينة. انظر «فوات الوفيات» (2/ 318- 319) .
[2] في «آ» : «الشراب» وفي «فوات الوفيات» : «الخمر» .
[3] «آ» و «ط» : «بالجفانة» وفي «المختار من تاريخ ابن الجزري» و «فوات الوفيات» : «بالجغانة» وهو ما أثبته، وفي «وفيات الأعيان» : «بجغانة» .
[4] انظر رواية البيت في «وفيات الأعيان» و «فوات الوفيات» ففيه بعض الخلاف عندهما.
[5] انظر «العبر» (5/ 128) و «تاريخ الإسلام» (64/ 81- 82) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 372- 373) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .
[6] انظر «العبر» (5/ 128) و «تاريخ الإسلام» (64/ 84) .
[7] انظر «معجم البلدان» (1/ 244) .

(7/260)


فاضلا أديبا، وشاعرا مجيدا. يحب العلماء. مقصودا للشعراء وغيرهم، وهو الثاني عشر من أولاد صلاح الدّين.
وفيها شمس الدّين صواب العادلي الخادم [1] ، مقدّم جيش الكامل، وأحد من يضرب به المثل في الشجاعة. وكان له من جملة المماليك مائة خادم فيهم جماعة أمراء. توفي بحرّان في رمضان، وكان نائبا عليها للكامل.
وفيها الشّهاب عبد السّلام بن المطهّر بن أبي سعد بن أبي عصرون التّميميّ الدّمشقيّ الشّافعي [2] . روى عن جدّه، وكان صدرا محتشما، مضى في الرسالة إلى الخليفة، وتوفي في المحرّم.
وفيها ابن باسويه [3] تقي الدّين علي بن المبارك بن الحسن الواسطي، الفقيه الشافعي، المقرئ المجود. روى عن ابن شاتيل وطبقته، وقرأ القراءات على أبي بكر الباقلّاني، وعلي بن مظفّر الخطيب. وسكن دمشق، وقرأ بها. وتوفي في شعبان عن ست وسبعين سنة.
وفيها سيدي ابن الفارض ناظم «الديوان» المشهور شرف الدّين أبو القاسم عمر بن علي بن مرشد الحموي الأصل المصري [4] .
قال في «العبر» : هو حجّة أهل الوحدة [5] ، وحامل لواء الشعراء [6] .
__________
[1] انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 86) و «مرآة الجنان» (4/ 75) و «النجوم الزاهرة» (6/ 287) .
[2] انظر «العبر» (5/ 128) و «تاريخ الإسلام» (64/ 87- 88) و «النجوم الزاهرة» (6/ 287) .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «باشوية» وتحرفت في «العبر» بطبعتيه وفي «النجوم الزاهرة» (6/ 292) إلى «ماسوية» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 394- 395) وقد قيدها المنذري فيه: «بالباء الموحدة، وبعد الألف سين مهملة مضمومة، وبعد الواو الساكنة ياء آخر الحروف مفتوحة وبعدها تاء التأنيث» وانظر «تاريخ الإسلام» (64/ 91- 92) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 622) .
[4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 454- 456) و «العبر» (5/ 129) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 129) و «تاريخ الإسلام» (64/ 93- 96) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .
[5] أقول: يعني أهل وحدة الوجود، نسأل الله العافية من هذه العقيدة. (ع) .
[6] في «العبر» بطبعتيه: «وحامل لواء الشعر» .

(7/261)


وقال الشيخ عبد الرّؤوف [1] المناوي في «طبقاته» : الملقب في جميع الآفاق بسلطان المحبّين والعشّاق، المنعوت بين أهل الخلاف والوفاق بأنه سيّد شعراء عصره على الإطلاق. له النظم الذي يستخف أهل الحلوم والنثر، الذي تغار منه النّثرة [2] بل سائر النجوم.
قدم أبوه من حماة إلى مصر، فقطنها وصار يثبت الفروض للنساء على الرجال بين يدي الحكّام، ثم ولي نيابة الحكم، فغلب عليه التّلقيب بالفارض، ثم ولد له بمصر عمر في ذي القعدة سنة ست وستين وخمسمائة، فنشأ تحت كنف أبيه في عفاف وصيانة، وعبادة وديانة، بل زهد وقناعة، وورع أسدل عليه لباسه وقناعه. فلما شبّ وترعرع اشتغل بفقه الشافعية، وأخذ الحديث عن ابن عساكر، وعنه الحافظ المنذري وغيره. ثم حبّب إليه الخلاء وسلوك طريق الصّوفية، فتزهّد وتجرّد، وصار يستأذن أباه في السياحة فيسيح في الجبل الثاني من المقطّم، ويأوي إلى بعض أوديته مرّة، وفي بعض المساجد المهجورة في خربات القرافة مرّة، ثم يعود إلى والده، فيقيم عنده مدة، ثم يشتاق إلى التجرّد ويعود إلى الجبل، وهكذا حتّى ألف الوحشة وألفه الوحش، فصار لا ينفر منه، ومع ذلك لم يفتح عليه بشيء حتّى أخبره البقّال أنه إنما يفتح عليه بمكّة. فخرج فورا في غير أشهر الحجّ ذاهبا إلى مكّة، فلم تزل الكعبة أمامه، حتى دخلها، وانقطع بواد بينه وبين مكّة عشر ليال، فصار يذهب من ذلك الوادي وصحبته أسد عظيم إلى مكّة فيصلي بها الصلوات الخمس، ويعود إلى محلّه من يومه، وأنشأ غالب نظمه حالتئذ، وكان الأسد يكلّمه ويسأله أن يركب عليه فيأبي، وأقام كذلك نحو خمسة عشر عاما، ثم رجع إلى مصر فأقام بقاعة الخطابة بالجامع الأزهر، وعكف عليه الأئمة،
__________
[1] هو محمد عبد الرؤوف المناوي، المتوفى سنة (1031) هـ. (ع) .
[2] النّثرة: كوكب في السماء كأنه لطخ سحاب كوكبين، تسميه العرب نثرة الأسد وهي من منازل القمر، وهي في علم النجوم من برج السّرطان. انظر «لسان العرب» (نثر) .

(7/262)


وقصد بالزيارة من الخاصّ والعام، حتى إن الملك الكامل كان ينزل لزيارته.
وسأله أن يعمل له قبرا عند قبره بالقبّة التي بناها على ضريح الإمام الشافعي فأبى، وكان جميلا، نبيلا، حسن الهيئة والملبس، حسن الصحبة والعشرة، رقيق الطبع، عذب المنهل والنبع، فصيح العبارة، دقيق الإشارة، سلس القياد، بديع الإصدار والإيراد، سخيّا، جوادا، توجه يوما إلى جامع عمرو، فلقيه بعض المكّارية، فقال: اركب معي على الفتوح، فمرّ به بعض الأمراء، فأعطاه مائة دينار، فدفعها للمكّاري. وكان أيام النيل يتردد إلى المسجد المعروف بالمشتهى في الرّوضة، ويحبّ مشاهدة البحر مساء، فتوجّه إليه يوما، فسمع قصّارا يقصر ويقول:
قطّع قلبي هذا المقطع ... لا هو يصفو أو يتقطّع
فصرخ وسقط مغمى عليه، فصار يفيق ويردد ذلك ويضطرب، ثم يغمى عليه، وهكذا. وكان يواصل أربعينيات فاشتهى هريسة فأحضرها، ورفع لقمة إلى فيه، فانشقّ الجدار، وخرج شاب جميل [1] فقال: أف عليك، فقال: إن أكلتها، ثم طرحها وأدّب نفسه بزيادة عشر ليال.
ورأى المصطفى صلى الله عليه وسلّم في نومه فقال: «إلى من تنتسب» ؟ فقال:
يا رسول الله! إلى بني سعد قبيلة حليمة، فقال: «بل نسبك متّصل بي» يعني نسبة محبة وتبعية.
ومن خوارقه العجيبة أنّه رأى جملا لسقاء، فكلف به وهام، وصار يأتيه كل يوم ليراه، وناهيك ب «ديوانه» الذي اعترف به [2] الموافق والمخالف، والمعادي والمحالف. سيما القصيدة التائية [3] . وقد اعتنى بشرحها جمع من
__________
[1] أقول: هذا من المبالغات التي لا دليل عليها. (ع) .
[2] لفظة «به» سقطت من «آ» .
[3] هي في «ديوانه» ص (46- 116) طبع دار صادر ببيروت، ومطلعها:
سقتني حميّا الحبّ راحة مقلتي ... وكأسي محيّا من عن الحسن جلّت

(7/263)


الأعيان، كالسّراج الهندي الحنفي، والشمس البسطامي [1] المالكي، والجلال القزويني الشّافعي، غير متعاقبين ولا مبالين بقول المنكرين الحسّاد. شعره ينعت بالاتحاد، وكذا شرحها الفرغاني، والقاشاني، والقيصري، وغيرهم.
وعلى الخمريّة وغيرها شروح عدة.
وقال بعض أهل الرسوخ: إن «الديوان» كله مشروح.
وذكر بعض الأكابر أن بعض أهل الظّاهر في عصر الحافظ ابن حجر كتب على التائية شرحا وأرسله إلى بعض عظماء صوفية الوقت ليقرضه [2] فأقام عنده مدة ثم كتب عليه عند إرساله إليه:
سارت مشرّقة وسرت مغرّبا ... شتّان بين مشرّق ومغرّب
فقيل له في ذلك، فقال: مولانا الشّارح اعتنى بإرجاع الضمائر والمتبدإ والخبر والجناس والاستعارة، وما هنالك من اللغة والبديع، ومراد الناظم وراء ذلك كلّه. وقد أثنى على «ديوانه» حتّى من كان سيء الاعتقاد، ومنهم ابن أبي حجلة الذي عزّره السّراج الهندي بسبب الوقيعة فيه، فقال:
هو من أرقّ الدواوين شعرا وأنفسها درّا، برّا وبحرا. وأسرعها للقلوب جرحا وأكثرها على الطّلول [3] نوحا، إذ هو صادر عن نفثة مصدور، وعاشق مهجور، وقلب بحرّ النّوى مكسور، والناس يلهجون بقوافيه وما أودع من القوى فيه، وكثر حتّى قلّ من لا رأى «ديوانه» أو طنّت بأذنه قصائده الطنّانة.
قال الكمال الأدفوي: وأحسنه القصيدة الفائية [4] التي أولها:
__________
[1] في «ط» : «البساطي» وهو خطأ.
[2] ويقال أيضا: «ليقرظه» وكلاهما بمعنى.
[3] في «آ» : «الطول» .
[4] وهي في «ديوانه» ص (151- 155) طبع دار صادر ببيروت.

(7/264)


قلبي يحدّثني بأنّك متلفي
[1] واللّاميّة [2] التي أولها:
هو الحبّ فاسلم بالحشا ما الهوى سهل
[3] والكافية [4] التي أولها:
ته دلالا فأنت أهل لذاكا
[5] قال: وأما التائية فهي عند أهل العلم- يعني الظّاهر- غير مرضية، مشعرة بأمور رديئة.
وكان عشاقا بعشق مطلق الجمال، حتّى أنه عشق بعض الجمال. بل زعم بعض الكبار أنه عشق برنيّة [6] بدكان عطّار.
وذكر القوصي [7] في «الوحيد» أنه كان للشيخ جوار بالبهنسا يذهب
__________
[1] وعجزه:
روحي فداك عرفت أم لم تعرف
[2] وهي في «ديوانه» ص (134- 139) .
[3] وعجزه:
فما اختاره مضنى به، وله عقل
[4] وهي في «ديوانه» ص (156- 161) .
[5] وعجزه:
وتحكّم، فالحسن قد أعطاكا
[6] جاء في «لسان العرب» (برن) : البرنيّة: شبه فخّارة ضخمة خضراء ... وقيل: إناء من الخزف.
[7] هو عبد الغفّار بن أحمد بن عبد المجيد الأقصري ثم القوصي، المعروف بابن نوح، من مشاهير متصوفة مصر. مات سنة (708 هـ) . وكتابه الذي أشار إليه المؤلف- رحمه الله تعالى- هو «الوحيد في سلوك أهل التوحيد» وهو مخطوط لم يطبع بعد. انظر «حسن المحاضرة» (1/ 424) و «كشف الظنون» (2/ 2005) و «الأعلام» للزركلي (4/ 31) .

(7/265)


إليهن فيغنّين له بالدّف والشبابة، وهو يرقص ويتواجد، ولكل قوم مشرب، ولكلّ مطلب. وليس سماع الفسّاق كسماع سلطان العشّاق [1] . ولم يزل على حاله راقيا في سماء كماله، حتى احتضر، فسأل الله أن يحضره في ذلك الهول العظيم جماعة من الأولياء، فحضره جماعة، منهم: البرهان الجعبري، فقال- فيما حكاه سبط صاحب الترجمة-: رأى الجنّة مثلت له، فبكى وتغيّر لونه، ثم قال:
إن كان منزلتي في الحبّ عندكم ... ما قد رأيت فقد ضيّعت أيّامي [2]
قال: فقلت له: يا سيدي! هذا مقام كريم. فقال: يا إبراهيم رابعة [3] وهي امرأة تقول: وعزّتك ما عبدتك رغبة في جنّتك، بل لمحبّتك، وليس هذا ما قطعت عمري في السلوك إليه، فسمعت قائلا يقول له: فما تروم فقال:
أروم وقد طال المدى منك نظرة
[4] البيت [5] .
فتهلل وجهه وقضى نحبه، فقلت: إنه أعطي مرامه. انتهى.
وقد شنّع عليه بذلك المنكرون.
__________
[1] قلت: بل كل ذلك سواء، فقد صحّ عنه- صلى الله عليه وسلّم- قوله: «ما أسكر قليله فكثيره حرام» وليس هذا الرقص والتواجد من صنيع المسلمين المتمسكين بتعاليم كتاب الله عزّ وجل وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم، ولم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا صحابته الكرام، ولا التابعون، ولا الأئمة الأربعة ولا المتقدمون من أتباعهم، وإنما ابتدعه نفر من متأخري الصوفية عن جهل وقلة فهم لأحكام وتعاليم الشرع الحنيف، نسأل الله العفو والعافية والتثبيت على النهج المستقيم بفضله وكرمه ورحمته.
[2] البيت في «ديوانه» ص (207) .
[3] يعني رابعة العدوية.
[4] وعجزه:
وكم من دماء دون مرماي طلّت
[5] وهو في «ديوانه» ص (39) .

(7/266)


فقال بعضهم: لما كشف له الغطاء، وتحقّق أنه هو غير الله، وأنه لا حلول ولا اتحاد، قال ذلك.
وقال بعضهم: قاله لما حضره ملائكة العذاب الأليم، أستغفر الله سبحانه، هذا بهتان عظيم.
والحاصل أنه اختلف في شأن صاحب الترجمة، وابن عربي، والعفيف التّلمساني، والقونوي، وابن هود، وابن سبعين، وتلميذه الشّشتري، وابن مظفّر، والصفّار من الكفر إلى القطبانية. وكثرت التصانيف من الفريقين في هذه القضية، ولا أقول كما قال بعض الأعلام سلّم تسلم والسلام، بل أذهب إلى ما ذهب إليه بعضهم أنه يجب اعتقادهم وتعظيمهم، ويحرم النظر في كتبهم على من لم يتأهل لتنزيل ما فيها من الشطحات على قوانين الشريعة المطهّرة [1] ، وقد وقع لجماعة من الكبار الرجوع عن الإنكار. انتهى كلام المناوي مختصرا.
وما أحسن قوله في التائية:
وكلّ أذى في الحبّ منك إذا بدا ... جعلت له شكري مكان شكيّتي [2]
وله ما رأيته في دواوينه، وهو معنى في غاية اللّطف والرّقّة:
خلص الهوى لك واصطفتك مودّتي ... إني أغار عليك من ملكيكا
ولو استطعت منعت لفظك غيرة ... إني أراه مقبّلا شفتيكا
وأراك تخطر في شمائلك التي ... هي فتنة فأغار منك عليكا
ورؤي في النوم فقيل له: لم لا مدحت المصطفى في «ديوانك» ؟
فقال:
أرى كلّ مدح في النّبيّ مقصّرا ... وإن بالغ المثني عليه وكثّرا
__________
[1] أقول: الشطحات لا تقبل من أي شخص كان. (ع) .
[2] البيت في «ديوانه» ص (50) .

(7/267)


إذا الله أثنى بالذي هو أهله [1] ... عليه فما مقدار ما يمدح الورى
ويقال: إنه لما نظم قوله:
وعلى تفنّن واصفيه بحسنه ... يفنى الزّمان وفيه ما لم يوصف [2]
فرح فرحا شديدا وقال: لم يمدح صلّى الله عليه وسلّم بمثله، وبعض الناس يقول:
باطن كلامه كلّه مدح فيه صلى الله عليه وسلّم، وغالب كلامه لا يصلح أن يراد به ذلك، والله أعلم.
توفي- رحمه الله تعالى- في جمادى الأولى عن ست وخمسين سنة إلا شهرا، ودفن بالمقطّم.
وفيها الشيخ شهاب الدّين السّهروردي [3] ، قدوة أهل التوحيد، وشيخ العارفين أبو حفص، وأبو عبد الله، عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد التّيمي البكري الصّوفي الشّافعي.
ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة بسهرورد، وقدم بغداد، فلحق بها هبة الله بن الشّبلي، فسمع منه، وصحب عمّه أبا النّجيب، وتفقه وتفنّن، وصنّف التصانيف، منها «عوارف المعارف» في بيان طريقة القوم، وانتهت إليه تربية المريدين، وتسليك العبّاد، ومشيخة العراق.
قال الذهبي: لم يخلّف بعده مثله.
وقال ابن شهبة في «طبقاته» : أخذ عن أبي القاسم بن فضلان، وصحب الشيخ عبد القادر، وسمع الحديث من جماعة. وله «مشيخة» في
__________
[1] إشارة منه إلى قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ 68: 4 [القلم: 4] .
[2] البيت في «ديوانه» ص (154) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 446- 448) و «العبر» (5/ 129) و «تاريخ الإسلام» (64/ 96- 99) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 65) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 103- 104) .

(7/268)


جزء لطيف. روى عنه ابن الدّبيثي، وابن نقطة، والضياء، والزّكي البرزالي، وابن النجّار، وطائفة.
وقال ابن النجار: كان شيخ وقته في علم الحقيقة، وانتهت إليه الرئاسة في تربية المريدين، ودعاء الخلق إلى الله تعالى. وبالغ في الثناء عليه.
وعمي في آخر عمره وأقعده، ومع ذلك فما أخلّ بشيء من أوراده.
وقال ابن خلّكان: كان شيخ الشيوخ ببغداد، وكان له مجلس وعظ، وعلى وعظه قبول كثير. وله نفس مبارك. حكى لي من حضر مجلسه أنه أنشد يوما على الكرسي:
لا تسقني وحدي فما عوّدتني ... إني أشحّ بها على جلّاسي
أنت الكريم ولا يليق تكرّما ... أن يصبر [1] النّدماء دون الكاس
فتواجد الناس لذلك، وقطعت شعور كثيرة، وتاب جمع كبير.
وله تآليف حسنة، منها: كتاب «عوارف المعارف» وهو أشهرها.
وله شعر منه:
تصرّمت وحشة اللّيالي ... وأقبلت دولة الوصال
وصار بالوصل لي حسودا ... من كان في هجركم رثى لي
وحقّكم بعد إذ [2] حصلتم ... بكلّ من فات لا أبالي
تقاصرت عنكم قلوب ... فيا له موردا حلالي
عليّ ما للورى حرام ... وحبّكم في الحشا حلالي
تشرّبت أعظمي هواكم ... فما لغير الهوى ومالي
فما على عادم أجاجا ... وعنده أعين الزّلال
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «أن يعبر» .
[2] في «وفيات الأعيان» : «بعد إن» .

(7/269)


وكان كثير الحجّ، وربما جاور في بعض حججه، وكان أرباب الطريق من مشايخ عصره يكتبون إليه صور فتاوى يسألونه عن شيء من أحوالهم.
سمعت بعضهم أنه كتب إليه: يا سيدي إني إن تركت العمل، أخلدت إلى البطالة، وإن عملت داخلني العجب، فأيّهما أولى؟ فكتب جوابه: اعمل واستغفر الله من العجب. وله من هذا شيء كثير.
وذكر في «عوارف المعارف» أبياتا لطيفة، منها:
أشمّ منك نسيما لست أعرفه ... أظنّ لمياء جرّت فيك أذيالا
وفيه أيضا:
إن تأمّلتكم فكلّي عيون ... أو تذكّرتكم فكلّي قلوب
توفي في مستهل المحرم ببغداد، رحمه الله تعالى. انتهى ملخصا.
وفيها الشيخ غانم بن علي بن إبراهيم بن عساكر المقدسي النابلسي [1] القدوة الزاهد، أحد عبّاد الله الأخفياء الأتقياء، والسّادة الأولياء.
ولد سنة اثنتين وستين وخمسمائة بقرية بورين [2] من عمل نابلس، وسكن القدس عام أنقذه السلطان صلاح الدّين من الفرنج [3] سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة [4] . وساح بالشام، ورأى الصّالحين، وكان مؤثرا للخمول، صاحب أحوال وكرامات.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 129- 130) و «تاريخ الإسلام» (64/ 101- 103) .
[2] قال الأستاذ الفاضل محمد محمد شراب في كتابه النافع «معجم بلدان فلسطين» ص (172) طبع دار المأمون للتراث بدمشق: بورين: بلدة تقع على مسافة عشرة أكيال إلى الجنوب من نابلس، وترتفع ما بين 600- 650 مترا عن سطح البحر، حيث تعتبر بقعتها جزءا من جبال نابلس، وذكر ما نسب إليها من العلماء، فراجع تتمة كلامه فيه فهو مفيد.
[3] جاء في هامش النسخة «ط» : في غير الأصل: «عام أنقذه الله من الفرنج» .
[4] انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (22) وتعليقي عليه، طبع دار ابن كثير.

(7/270)


قال ابنه عبد الله: انقطع تحت الصخرة في الأقباء السليمانية ست سنين [1] ، وصحب الشيخ عبد الله الأرموي بقية عمره، وعاشا جميعا مصطحبين.
وقد أفرد سيرة الشيخ غانم [في «جزء» ] [2] : أبو عبد الله محمد بن الشيخ علاء الدّين. وتوفي الشيخ غانم في غرّة شعبان، ودفن بالحضيرة [3] التي بها صاحبه ورفيقه الشيخ عبد الله الأرموي بسفح قاسيون.
وفيها محمد بن عبد الواحد بن أبي سعيد المديني الواعظ أبو عبد الله [4] ، مسند العجم.
ولد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وسمع من إسماعيل الحمّامي، وأبي الوقت [السّجزي] ، وأبي الخير الباغبان.
قال ابن النجار: واعظ مفت [5] ، شافعيّ. له معرفة بالحديث وقبول عند أهل بلده. وفيه ضعف. بلغنا أنه استشهد بأصبهان على يد التتار في أواخر رمضان. انتهى.
وقال الذهبي: وفي دخولهم [6] إليها قتلوا أمما لا تحصى.
وفيها محمد بن عماد بن محمد بن حسين الحرّاني [7] الحنبلي التاجر، نزيل الإسكندرية. روى عن ابن رفاعة، وابن البطّي، والسّلفي،
__________
[1] في «تاريخ الإسلام» للذهبي: «سنة ستين» .
[2] زيادة من «تاريخ الإسلام» .
[3] في «تاريخ الإسلام» : «بالحضرة» .
[4] انظر «العبر» (5/ 130) و «تاريخ الإسلام» (64/ 106) .
[5] في «آ» و «ط» : «مفتي» وما أثبته من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .
[6] أي في دخول التتار إلى أصبهان.
[7] انظر «العبر» (5/ 130) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 379- 381) و «تاريخ الإسلام» (64/ 107- 108) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .

(7/271)


وطائفة كثيرة باعتناء خاله حمّاد الحرّاني. وتوفي في عاشر صفر، وكان ذا دين وعلم وفقه، عاش تسعين سنة. وروى عنه خلق كثير.
وفيها شعرانة، وجيه الدّين، محمد بن أبي غالب زهير بن محمد الأصبهاني [1] الثّقة الصّالح. سمع «الصحيح» [2] من أبي الوقت [السّجزي] وعمّر دهرا، ومات شهيدا.
وفيها محمد بن غسّان بن غافل بن نجاد [3] الأمير سيف الدولة الحمصي ثم الدمشقي. روى عن الفلكيّ، وابن هلال، وطائفة. وتوفي في شعبان عن ثمانين سنة.
وفيها أبو الوفاء محمود بن إبراهيم بن سفيان بن مندة العبدي الأصبهاني [4] ، بقية آل مندة ومسند وقته. روى الكثير عن مسعود الثّقفي، والرّستمي، وأبي الخير الباغبان، وغيرهم. وعدم تحت السيف، رحمه الله.
وفيها أبو موسى الرّعيني عيسى بن سليمان بن عبد الله الرّعيني الأندلسي المالقي الرّندي الحافظ. كان حافظا متقنا أديبا نبيلا.
قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» [5] :
ثم أبو موسى الرّعيني عيسى ... خير له بضبطه النّفيسا
وفيها أبو يحيى وأبو الفضل، عيسى بن سنجر بن بهرام بن جبريل
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 130) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 379) و «تاريخ الإسلام» (64/ 105- 106) .
[2] يعني «صحيح البخاري» .
[3] انظر «العبر» (5/ 131) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 381) و «تاريخ الإسلام» (64/ 108- 109) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .
[4] انظر «العبر» (5/ 131) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 382- 383) و «تاريخ الإسلام» (64/ 109- 110) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .
[5] انظر «بديعة البيان» الورقة (24) مصورة المكتبة الأحمدية بحلب.

(7/272)


ابن خمارتكين بن طاشتكين الإربلي المعروف بالحاجري، الملقب حسام الدّين [1] .
قال ابن خلّكان: هو جندي ومن أولاد الأجناد، وله «ديوان» شعر تغلب عليه الرّقّة، وفيه معان جيدة، وهو مشتمل على الشعر، والدّوبيت، والمواليا.
ولقد أحسن في الكلّ مع أنه قلّ من يجيد في مجموع الثلاثة. وله أيضا «كان وكان» واتفقت له فيه مقاصد حسان. وكان صاحبي وأنشدني كثيرا من شعره، فمن ذلك قوله- وهو معنى جيد-:
ما زال يحلف لي بكلّ أليّة ... أن لا يزال مدى الزّمان مصاحبي
لما جفا نزل العذار بخدّه ... فتعجّبوا لسواد وجه الكاذب
وأنشدني لنفسه أيضا:
لك خال من فوق عر ... ش شقيق قد استوى
بعث الصّدغ مرسلا ... يأمر النّاس بالهوى
وأنشدني لنفسه أبياتا منها في صفة الخال:
لم يحو ذاك الخدّ خالا أسودا ... إلّا لنبت شقائق النّعمان
وله، وقال لي: ما يعجبني فيما عملت مثل هذا الدّوبيت، وهو آخر شيء عملته إلى الآن وهو:
حيّا وسقى الحمى سحاب هامي ... ما كان ألذّ عامه من عام
يا علوة ما ذكرت أيّامكم ... إلّا وتظلّمت على الأيام
وكان لي أخ يسمى ضياء الدّين عيسى، وكان بينه وبين الحاجري المذكور مودة أكيدة، فكتب إليه من الموصل في صدر كتاب، وكان الأخ بإربل:
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 501- 505) و «النجوم الزاهرة» (6/ 290- 291) .

(7/273)


الله يعلم ما أبقى سوى رمق ... منّي فراقك يا من قربه أمل
فابعث كتابك واستودعه تعزية ... فربما متّ شوقا قبل ما يصل
وكنت قد خرجت من إربل في أواخر شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة وهو معتقل بقلعتها لأمر يطول شرحه، بعد أن كان حبس بقلعة خفتيد [1] كان ثم نقل منها، وله في ذلك أشعار منها قوله:
قيد أكابده وسجن ضيّق ... يا ربّ شاب من الهموم المفرق
ومنها:
يا برق إن جئت الدّيار بإربل ... وعلا عليك من التّداني رونق
بلّغ تحيّة نازح حسراته ... أبدا بأذيال الصّبا تتعلّق
قل يا حبيب [2] لك الفداء أسيركم ... من كلّ مشتاق إليكم أشوق
والله ما سرت الصّبا نجدية ... إلّا وكدت بدمع عيني أشرق
وبلغني بعد ذلك أنه خرج من الاعتقال، واتصل بخدمة الملك المعظم مظفّر الدّين صاحب إربل، وتقدم عنده وغيّر لباسه، وتزيّا بزي الصّوفية. فلما توفي مظفّر الدّين سافر من إربل ثم عاد إليها وقد صارت في مملكة أمير المؤمنين المستنصر بالله ونائبه بها الأمير شمس الدّين أبو الفضائل باتكين، وكان وراءه من يقصده، فاتفق أنه خرج من بيته يوما قبل الظهر، فوثب عليه شخص وضربه بسكين فأخرج حشوته، فكتب في تلك الحال إلى باتكين المذكور وهو يكابد الموت:
أشكوك يا ملك البسيطة حالة ... لم تبق رعبا في عضوا ساكنا
__________
[1] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» : «خفتيد» بالدال المهملة كذا قيدها ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (3/ 505) . وفي «معجم البلدان» (2/ 380) «خفتيذ» بالذال المعجمة.
[2] في «وفيات الأعيان» : «يا جعلت» .

(7/274)


إن تستبح إبلي لقيطة [1] معشر ... ممن أؤمل غير جأشك مازنا
ومن العجائب كيف يمشي خائفا ... من بات في حرم الخلافة آمنا
ثم توفي بعد ذلك من يومه يوم الخميس ثاني شوال، وتقدير عمره خمسون سنة.
والحاجري: بفتح الحاء المهملة، وبعد الألف جيم مكسورة، وبعدها راء، نسبة إلى حاجر بليدة بالحجاز، لم يبق اليوم منها سوى الآثار، ولم يكن الحاجريّ منها، بل نسب إليها لكونه استعملها في شعره كثيرا. انتهى ملخصا.
وفيها أبو الفتوح الوثّابي محمد بن محمد بن أبي المعالي الأصبهاني [2] . يروي عن جدّه كتاب الذّكر بسماعه من ابن طبرزد، ويروي عن رجاء بن حامد المعداني، راح تحت السيف في فتنة التتار، وله ثمان وسبعون سنة.
وفيها جامع بن إسماعيل بن غانم بن صائن الدّين الأصبهاني الصّوفي، المعروف بباله [3] ، راوي «جزء» لوين عن محمد بن أبي القاسم الصّالحاني.
وفيها شمس الدّين محمود بن علي بن محمود بن قرقين [4] الدّمشقي، الجندي الأديب الشاعر. روى عن أبي سعد بن أبي عصرون، وتوفي في شوال.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن اللقيطة» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» مصدر المؤلّف.
[2] انظر «العبر» (5/ 131) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 544) ضمن ترجمة شيخه رجاء بن حامد المعداني.
[3] انظر «العبر» (5/ 131- 132) .
[4] في «آ» و «ط» : «قرقر» والتصحيح من «العبر» (5/ 132) و «تاريخ الإسلام» (64/ 114- 115) .

(7/275)


وفيها ابن شدّاد قاضي القضاة بهاء الدّين أبو العزّ يوسف بن رافع بن تميم الأسدي الحلبي الشافعي [1] .
ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وقرأ القراءات والعربية بالموصل على يحيى بن سعدون القرطبي. وسمع من حفدة العطاردي وطائفة، وبرع في الفقه والعلوم، وساد أهل زمانه، ونال رئاسة الدّين والدّنيا، وصنّف التصانيف.
قال ابن شهبة: سمع من جماعة كثيرة ببغداد وغيرها، وأعاد بالنظامية في حدود سنة سبعين، ثم انحدر إلى الموصل، ودرّس بمدرسة الكمال الشهرزوري، ثم حجّ سنة ثلاث وثمانين، وزار الشام واصتل بالسلطان صلاح الدّين وحظي عنده، وولاه قضاء العسكر وقضاء بيت المقدس، وصنّف له كتابا في فضل الجهاد. ولما توفي اتصل بولده الظاهر وولاه قضاء حلب ونظر أوقافها، وأجزل رزقه وعطاءه، وأقطعه إقطاعا جزيلا، ولم يكن له ولد ولا قرابة، فكان ما يحصل له يتوفر عنده، فبنى به مدرسة وإلى جانبها [2] ، دار حديث وبينهما [3] تربة، وقصده الطلبة للدّين والدّنيا، وعظم شأن الفقهاء في زمانه لعظم قدره وارتفاع منزلته.
قال عمر بن الحاجب: كان ثقة عارفا بأمور الدّين، اشتهر اسمه وسار ذكره، وكان ذا صلاح وعبادة، وكان في زمانه كالقاضي أبي يوسف في زمانه. دبّر أمر الملك بحلب، واجتمعت الألسن على مدحه، وطوّل ابن خلّكان ترجمته، وهو ممن أخذ عنه.
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 84- 85) و «العبر» (5/ 132) و «تاريخ الإسلام» (64/ 117- 121) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 383- 387) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 120- 122) .
[2] في «آ» و «ط» : «وإلى جنبها» وأثبت لفظ «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
[3] في «آ» و «ط» : «وبينها» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.

(7/276)


توفي في رابع صفر، ودفن بتربته بحلب، وذلك بعد أن ظهر أثر الهرم عليه. ومن تصانيفه «دلائل الأحكام» على التنبيه في مجلدين، وكتاب «الموجز الباهر» في الفقه، وكتاب «ملجأ الحكّام» [1] في الأقضية في مجلدين، و «سيرة صلاح الدّين» أجاد فيها وأفاد.
__________
[1] واسمه الكامل كما في «وفيات الأعيان» : «ملجأ الحكّام عند التباس الأحكام» .

(7/277)


سنة ثلاث وثلاثين وستمائة
في ربيعها جاءت فرقة من التتار فكسرهم عسكر إربل، فما بالوا، وساقوا إلى بلاد الموصل، فقتلوا وسبوا، فاهتمّ المستنصر بالله، وأنفق الأموال، فردّوا ودخلوا [1] الدّربند [2] .
وفيها أخذت الفرنج قرطبة واستباحوها، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون [3] .
وفيها توفي الجمال أبو حمزة أحمد بن عمر [بن الشيخ أبي عمر] [4] المقدسي الحنبلي [5] . روى عن نصر الله القزّاز، وابن شاتيل، وأبي المعالي ابن صابر. وكان يتعانى الجندية، وفيه شجاعة وإقدام. توفي في ربيع الأول.
__________
[1] لفظة «ودخلوا» سقطت من «آ» .
[2] ويسمى أيضا «باب الأبواب» . انظر «معجم البلدان» (2/ 449) .
[3] قال الذهبي: فقال لنا أبو حيّان- يعني الغرناطي النحوي أثير الدّين المفسّر المشهور- توفي ابن الرّبيع- يعني أبو سليمان ربيع بن عبد الرحمن القرطبي- بإشبيلة بعد استيلاء النصارى على شرقي قرطبة سنة ثلاث وثلاثين. انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 13- 14 و 130) والتعليق عليه.
[4] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[5] انظر «العبر» (5/ 133) و «تاريخ الإسلام» (64/ 83) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) .

(7/278)


وفيها القيلويي [1] المؤرّخ، أبو علي الحسن بن محمد بن إسماعيل.
عاش سبعين سنة، وروى عن الأبله الشاعر وغيره، فكتب الكثير. وكان أديبا أخباريا.
وفيها زهرة بنت محمد بن أحمد بن حاضر [أم الحياء، الأنباريّة] [2] .
شيخة صالحة صوفية. روت عن ابن البطّي، ويحيى بن ثابت، وتوفيت في جمادى الأولى عن تسع وسبعين سنة.
وفيها خطيب زملكا، عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصاري [3] ، وله اثنتان وسبعون سنة. روى عن أبي القاسم بن عساكر، وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها ابن الرّمّاح عفيف الدّين علي بن عبد الصّمد بن محمد المصري [4] . المقرئ النحوي. قرأ القراءات على أبي الجيوش عساكر بن علي، وسمع من السّلفي، وتصدّر للإقراء والعربية بالفاضلية وغيرها، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها ابن روزبه أبو الحسن علي بن أبي بكر [بن روزبه] [5] البغدادي القلانسي العطّار الصّوفي [6] . حدّث بالصحيح عن أبي الوقت [السّجزي] ،
__________
[1] تحرفت نسبته في «ط» إلى «القليوبي» وما جاء في «آ» هو الصواب. انظر «العبر» (5/ 133) و «تاريخ الإسلام» (64/ 129- 130) .
أقول: وفي «معجم البلدان» (4/ 423) القيلوي، نسبة إلى قيلوية، ينسب إليها أبو علي الحسن بن محمد بن إسماعيل القيلوي. (ع) .
[2] انظر «العبر» (5/ 133- 134) و «تاريخ الإسلام» (64/ 131) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[3] انظر «العبر» (5/ 134) و «تاريخ الإسلام» (64/ 136) وقد توسع في ترجمته فراجعه.
[4] انظر «العبر» (5/ 134) و «تاريخ الإسلام» (64/ 138- 139) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 549) .
[5] ما بين الحاصرتين لم يرد في «آ» .
[6] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 409- 410) و «العبر» (5/ 134) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 387- 389) و «تاريخ الإسلام» (64/ 140- 141) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) .

(7/279)


ببغداد، وحرّان، ورأس العين، وحلب. وردّ منها خوفا من الحصار الكائن بدمشق على الناصر داود، وإلّا كان عزمه المجيء إلى دمشق. توفي فجأة في ربيع الآخر وقد نيّف على التسعين.
وفيها العلّامة الحافظ ابن دحية أبو الخطّاب عمر بن حسن بن محمد الجميّل [1] بن فرح [2] بن خلف الكلبي الدّاني ثم السّبتي [3] الحافظ اللّغوي الظّاهري المذهب. روى عن أبي عبد الله بن زرقون، وابن بشكوال، وهذه الطبقة. وعني بالحديث أتمّ عناية، وجال في مدن الأندلس ومدن العدوة، وحجّ في الكهولة، فسمع بمصر من البوصيري، وبالعراق «مسند الإمام أحمد» ، وبأصبهان «معجم الطبراني» من الصيدلاني، وبنيسابور «صحيح مسلم» بعلو بعد أن كان حدّث به بالغرب بالإسناد النازل للأندلسي، وكان يقول: إنه حفظه كلّه.
قال في «العبر» : وليس هو بالقويّ، ضعّفه جماعة. وله تصانيف ودعاو [4] مدحضة، وعبارة متغيرة ومبغضة. وقد نفق على [الملك] الكامل وجعله شيخ دار الحديث بالقاهرة. انتهى.
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، متفننا في الحديث، والنحو، واللغة، وأيام العرب وأشعارها.
حصّل ما لا حصّل غيره [5] من العلم، وكان في المحدّثين مثل ابن عنين في
__________
[1] الجميّل: تصغير جمل. قاله الذهبي في «تاريخ الإسلام» (64/ 15) .
[2] تصحف في «ط» إلى «فرج» .
[3] انظر «العبر» (5/ 134- 135) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 389- 395) و «تاريخ الإسلام» (64/ 141- 146) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين الدمشقي (176/ آ) .
[4] في «آ» و «ط» : «ودعاوى» وأثبت لفظ «العبر» .
[5] أقول: في «سير أعلام النبلاء» (22/ 391) : «وحصّل ما لم يحصّله غيره» . (ع) .

(7/280)


الشعراء. يثلب علماء المسلمين ويقع في أئمة الدّين، فترك الناس كلامه وكذّبوه. ولما انكشف حاله للكامل أخذ منه دار الحديث وأهانه، ودخل دمشق، فمال إليه الوزير ابن شكر، فسأله أن يجمع بينه وبين الشيخ تاج الدّين الكندي، فاجتمعا وتناظرا، وجرى بينهما البحث، فقال له الكنديّ: أخطأت، فسفّه عليه، فقال الكنديّ: أنت تكذب في نسبك إلى دحية الكلبي، ودحية بإجماع المحدّثين ما أعقب، وقد قال فيك ابن عنين:
دحية لم يعقب فكم تنتمي [1] ... إليه بالبهتان والإفك
ما صحّ عند النّاس فيه سوى ... أنّك من كلب بلا شكّ
توفي في رابع عشر ربيع الأول، وله سبع وثمانون سنة، ودفن بالقاهرة.
وفيها الإربلي فخر الدّين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سليمان الصّوفي [2] . روى عن يحيى بن ثابت، وأبي بكر بن النّقور، وجماعة كثيرة، وتوفي بإربل في رمضان، وروايته منتشرة عالية.
وفيها أبو بكر المأموني محمد بن محمد بن أبي المفاخر سعيد بن حسين العباسي النيسابوري ثم المصري الجنائزي [3] . روى عن السّلفي وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها نصر بن عبد الرزّاق بن الشيخ عبد القادر الكيلاني [4] قاضي القضاة، عماد الدّين، أبو صالح الجيلي ثم البغدادي الحنبلي. أجاز له ابن
__________
[1] في «سير أعلام النبلاء» : «فلم تعتزي» .
[2] انظر «العبر» (5/ 135) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 395- 396) و «تاريخ الإسلام» (64/ 147- 148) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) .
[3] انظر «العبر» (5/ 135) و «النجوم الزاهرة» (6/ 296) .
[4] انظر «العبر» (5/ 136) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 136) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 189- 192) و «المنهج الأحمد» الورقة (366) .

(7/281)


البطّي، وسمع من شهدة وطبقتها، ودرّس، وأفتى، وناظر، وبرع في المذهب، وولي القضاء سنة ثلاث وعشرين، وعزل بعد أشهر، وكان لطيفا ظريفا متين الدّيانة، كثير التواضع، متحرّيا في القضاء، قوي النفس في الحقّ، عديم المحاباة والتكلف. قاله في «العبر» .
وقال ابن رجب: كان عظيم القدر، بعيد الصّيت، معظّما عند الخاصة والعامة، ملازما طريق النّسك والعبادة، مع حسن سمت، وكيس، وتواضع، ولطف، وبشر، وطيب ملاقاة [1] . وكان محبا للعلم، مكرما لأهله، ولم يزل على طريقة حسنة، وسيرة مرضية. وكان أثريّا، سنّيّا، متمسكا بالحديث، عارفا به. ولّاه الظّاهر الخليفة بن الناصر قضاء القضاة بجميع مملكته، فيقال: إنه لم يقبل إلّا بشرط أن يورّث ذوي الأرحام. فقال له: أعط كل ذي حقّ حقّه، واتق الله، ولا تتق سواه. وأرسل إليه عشرة آلاف دينار يوفي بها ديون من في سجنه من المدينين الذين لا يجدون وفاء.
ورد إليه النظر في جميع الأوقاف: وقوف العامة ووقوف المدارس [2] الشافعية والحنفية، وجامعي السلطان وابن عبد المطّلب [3] ، فكان يولي ويعزل في جميع المدارس حتّى النظامية.
ولما توفي الظاهر أقرّه ابنه المستنصر مديدة، وكان في أيام ولايته يؤذّن نوّابه في مجلس الحكم، ويصلي جماعة، ويخرج إلى الجامع راجلا. وكان يلبس القطن، متحريا في القضاء، قوي النّفس في الحقّ، ويتخلق بسائر سيرة السّلف. ولما عزله المستنصر أنشد عند عزله:
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وطيب ملتقى» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.
[2] في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «الوقوف العامة ووقوف المدارس» .
[3] في «ط» : «وابن عبد اللطيف» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «وابن المطلب» بدون لفظ «عبد» .

(7/282)


حمدت الله عزّ وجلّ لمّا ... قضى لي بالخلاص من القضاء
وللمستنصر المنصور أشكر ... وأدعو فوق معتاد الدّعاء
ولا أعلم أحدا من أصحابنا دعي بقاضي القضاة قبله، ولا استقلّ منهم بولاية قضاء القضاء في مصر غيره. وقد صنّف في الفقه كتابا سمّاه «إرشاد المبتدئين» وخرّج لنفسه أربعين حديثا. وتفقه عليه جماعة وانتفعوا به، وسمع منه الحديث خلق كثير. وروى عنه جماعة، منهم: عبد الصّمد بن أبي الجيش، وتوفي سحر يوم الأحد سادس عشر شوال عن سبعين سنة، ودفن بتربة الإمام أحمد رضي الله عنه. انتهى ملخصا
.

(7/283)


سنة أربع وثلاثين وستمائة
فيها نزل التّتار على إربل وحاصروها وأخذوها بالسيف، حتّى جافت المدينة بالقتلى، وترحّلت الملاعين بغنائم لا تحصى، فلا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
وفيها توفي الملك المحسن عين الدّين أحمد بن السلطان صلاح الدّين يوسف بن أيوب [1] . روى عن ابن صدقة الحرّاني، والبوصيري، وعني بالحديث أتمّ عناية، وكتب الكثير، وكان متواضعا، متزهدا، كثير الإفضال على المحدّثين، وفيه تشيّع قليل. توفي بحلب في المحرم. قاله في «العبر» .
وفيها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسين بن خلف البغدادي القطيعي الأزجي المؤرّخ الحنبلي [2] ، وقد سبق ذكر أبيه. أسمعه أبوه من ابن الخلّ الفقيه، وأبي بكر بن [3] الزّاغوني، ونصر بن نصر العكبري، وسلمان بن حامد الشحّام، وتفرّد في وقته بالرّواية عن هؤلاء. وأسمعه أيضا من أبي الوقت [السّجزي] «صحيح البخاري» . وهو آخر من حدّث عنه به.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 136- 137) و «تاريخ الإسلام» (64/ 162- 163) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «النجوم الزاهرة» (6/ 298) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 212- 214) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 212- 214) .
[3] لفظة «ابن» لم ترد في «آ» .

(7/284)


ثم طلب هو بنفسه وسمع من جماعة، ورحل وسمع بالموصل، ودمشق، وحرّان. ثم رجع إلى بغداد ولازم ابن الجوزي مدة، وأخذ عنه، وقرأ عليه كثيرا من تصانيفه ومروياته. وجمع تاريخا في نحو خمسة أسفار، ذيّل به [على] [1] «تاريخ ابن السمعاني» سمّاه «درّة الإكليل في تتمة التّذييل» وفيه فوائد جمّة، مع أوهام [وأغلاط] [2] .
وقد بالغ ابن النجار في الحطّ على «تاريخه» هذا، مع أنه أخذه عنه، ونقل منه في «تاريخه» أشياء كثيرة، بل نقله كله كما قال ابن رجب.
وشهد عند القضاة مدة، واستخدم في عدة خدم، وأسنّ وانقطع في منزله إلى حين وفاته. وكان يخضب بالسواد، ثم تركه قبل موته بمدة.
وقد وصفه غير واحد من الحفّاظ وغيرهم بالحافظ. وأثنى عمر بن الحاجب على «تاريخه» .
وحدّث بالكثير ببغداد والموصل، وروى عنه جماعة كثيرون، منهم:
الشيخ تقي الدّين الواسطي.
قال ابن النجار: توفي ليلة السبت لأربع خلون من ربيع الآخر ببغداد ودفن بباب حرب.
وفيها أبو الفضل وأبو محمد إسحاق بن أحمد بن محمد بن غانم العلثي [3]- بفتح العين المهملة، وسكون اللام، وثاء مثلثة، نسبة إلى علث قرية بين عكبرا وسامرا [4]- الزاهد القدوة، ابن عمّ طلحة بن المظفّر. سمع من
__________
[1] مستدركة من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] مستدركة من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 441) و «تاريخ الإسلام» (64/ 165- 166) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 205- 211) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (180) .
[4] انظر «معجم البلدان» (4/ 145- 146) .

(7/285)


أبي الفتح بن شاتيل، وقرأ على ابن كليب، وكان فقيها، حنبليا، عالما، أمّارا بالمعروف، نهاء عن المنكر، لا يخاف أحدا إلا الله، ولا تأخذه في الله لومة لائم. أنكر على الخليفة الناصر فمن دونه، وواجه الخليفة وصدعه بالحقّ.
قال النّاصح بن الحنبلي: هو اليوم شيخ العراق، والقائم بالإنكار على الفقهاء والفقراء وغيرهم فيما ترخّصوا فيه.
وقال المنذري: قيل إنه لم يكن في زمانه أكثر إنكارا للمنكر منه، وحبس على ذلك مدة.
وقال ابن رجب: وله رسائل كثيرة في الإنكار، وحدّث وسمع منه جماعة، وتوفي في شهر ربيع الأول.
وفيها موفق الدّين حمد بن أحمد [1] بن محمد بن صديق الحرّاني [2] الحنبلي. رحل إلى بغداد، وتفقّه بابن المنّي. وسمع من عبد الحق وطائفة، وتوفي بدمشق في صفر.
وفيها الخليل بن أحمد أبو طاهر الجوسقي الصّرصريّ [3] الخطيب بها- أي بصرصر، وهي بصادين مهملتين قرية على فرسخين من بغداد [4]-.
قرأ القراءات على جماعة، وسمع من ابن البطّي وطائفة، وتوفي في ربيع الأول عن ست وثمانين سنة، وقد أجاز لجماعة.
__________
[1] في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه: «أحمد بن أحمد» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 434) و «العبر» (5/ 137) ، و «تاريخ الإسلام» (64/ 168) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 201) وسوف يكرر المؤلف ترجمته بعد قليل. انظر ص (291) .
[2] لفظة «الحراني» سقطت من «آ» .
[3] انظر «العبر» (5/ 137) و «تاريخ الإسلام» (64/ 170- 171) .
[4] انظر «معجم البلدان» (3/ 401) .

(7/286)


وفيها أبو منصور سعيد بن محمد بن ياسين البغدادي [1] ، السفّار في التجارة. حجّ تسعا وأربعين حجّة، وحدّث عن ابن البطّي وغيره، وتوفي في صفر.
وفيها أبو الرّبيع الكلاعي سليمان بن موسى بن سالم البلنسي [2] ، الحافظ الكبير الثقة، صاحب التصانيف، وبقيّة أعلام الأثر بالأندلس.
ولد سنة خمس وستين وخمسمائة، وسمع ابن زرقون وطبقته.
قال [ابن] الأبّار: كان بصيرا بالحديث حافلا [3] ، عارفا بالجرح والتعديل، ذاكرا للموالد والوفيات، يتقدّم أهل زمانه في ذلك، خصوصا من تأخّر زمانه. ولا نظير لخطّه في الإتقان والضبط، مع الاستبحار في الأدب والبلاغة. كان فردا في إنشاء الرسائل، مجيدا في النظم، خطيبا مفوّها، مدركا، حسن السّرد والمساق، مع الشّارة [4] الأنيقة، وهو كان المتكلم عن الملوك في مجالسهم، والمبيّن لما يريدونه على المنبر في المحافل. ولي خطابة بلنسية، وله تصانيف في عدة فنون. استشهد بكائنة أنيشة [5] بقرب بلنسية، مقبلا غير مدبر، في ذي الحجّة.
وفيها أبو داود سليمان بن مسعود الحلبي [6] ، الشاعر اللطيف.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 137) و «تاريخ الإسلام» (64/ 172- 173) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 5) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) .
[2] انظر «العبر» (5/ 137- 138) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 134- 140) و «تاريخ الإسلام» (64/ 173- 176) .
[3] كذا في «آ» و «سير أعلام النبلاء» و «تاريخ الإسلام» : «حافلا» وفي «ط» و «العبر» بطبعتيه:
«عاقلا» .
[4] في «آ» : «الإشارة» .
[5] في «آ» و «ط» : «ايتسة» والتصحيح من «العبر» و «الروض المعطار» ص (41) وقال محققه الدكتور إحسان عبّاس: وهي على بعد (20) كيلو مترا شمال بلنسية.
[6] انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 173) .

(7/287)


من شعره:
ألا زد غراما بالحبيب وداره ... وإن لحّ [1] واش فاحتمله وداره
وإن قدح اللّوام فيك بلومهم ... زناد الهوى يوما فأورى فواره
عسى زورة تشفى بها منه خلسة ... فإنّك لا يشفيك غير ازدياره
وذي هيف فيه يقوم لعاذلي ... بعذري إذا ما لام لام عذاره
فسبحان من أجرى الطّلا من رضابه ... ومن أنبت الرّيحان من جلّناره
وقد دبّ عنها صدغه بعقارب ... وناظره من سيفه بشفاره
وفيها النّاصح بن الحنبلي أبو الفرج، عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب بن الشيخ أبي الفرج بن الحنبلي [2] السّعدي العبادي الشّيرازي الأصل الدمشقي [3] ، الفقيه الحنبلي، المعروف بابن الحنبلي.
ولد بدمشق ليلة الجمعة سابع عشر شوال، سنة أربع وخمسين وخمسمائة، وسمع بها من القاضي أبي الفضل الشّهرزوري وجماعة، ورحل إلى البلاد فأقام ببغداد مدة، وسمع بها من شهدة والسّقلاطوني، وخلائق.
وسمع بأصبهان من أبي موسى المديني، وهو آخر من سمع منه، لأنه سمع منه في مرض [4] موته. وسمع بالموصل من الشيخ أبي أحمد الحدّاد الزّاهد شيئا من تصانيفه، ودخل بلاد كثيرة [5] ، واجتمع بفضلائها وصالحيها،
__________
[1] في «ط» : «لجّ» .
[2] في «آ» : «ابن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي» وفي «ط» : «ابن الشيخ أبي الفرج بن الجزري» وما أثبته من «تاريخ الإسلام» .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 429- 430) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 6- 7) و «تاريخ الإسلام» (64/ 179- 181) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 193- 201) و «المنهج الأحمد» الورقة (367- 370) .
[4] في «آ» : «في زمن» .
[5] تحرفت في «آ» إلى «بلاد أكره» وفي «ط» إلى «بلاد أكوه» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .

(7/288)


وفاوضهم، وأخذ عنهم، وقدم مصر مرّتين. وتفقه ببغداد على ابن المنّي، وأبي البقاء العكبري، وقرأ عليه «فصيح ثعلب» من حفظه، وأخذ عن الكمال السّنجاري، واشتغل بالوعظ وبرع فيه، ووعظ من أوائل عمره، وحصل له القبول التام. وقد وعظ بكثير من البلاد التي دخلها، كمصر، وحلب، وإربل، والمدينة النبوية، وبيت المقدس. وكانت له حرمة عند الملوك والسلاطين، خصوصا ملوك الشام بني أيوب.
وحضر فتح القدس مع السلطان صلاح الدّين. قال: واجتمعت بالسلطان في القدس بعد الفتح بسنتين، وسألني عن أشياء كثيرة، منها الخضاب بالسواد، فقلت: مكروه. ومنها من أربعة من الصحابة من نسل رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقلت: أبو بكر الصّدّيق، وأبوه أبو قحافة، وعبد الرحمن ابن أبي بكر، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر. ثم أخذ السلطان يثني على والدي ويقول: ما أولد إلّا بعد أربعين. قال: وكان عارفا بسيرة والدي.
ودرّس الناصح بمدارس، منها مدرسة جدّه شرف الإسلام، [ودرّس] [1] بالمسمارية. ثم بنت له الصاحبة ربيعة خاتون مدرسة بالجبل، وهي المعروفة بالصاحبية. فدرّس بها سنة ثمان وعشرين وستمائة، وكان يوما مشهودا.
وحضرت الواقفة من وراء الستر.
وانتهت إليه رئاسة المذهب بعد الشيخ موفق الدّين، وكان يساميه في حياته.
قال الناصح: وكنت قدمت من إربل سنة وفاة الشيخ الموفق، فقال لي: سررت بقدومك، مخافة أن أموت وأنت غائب، فيقع وهن في المذهب، وخلف بين أصحابنا.
__________
[1] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «ذيل طبقات الحنابلة» .

(7/289)


وقد وقع مرة [1] بين النّاصح والشيخ الموفق اختلاف في فتوى في السماع المحدث، فأجاب فيها الشيخ الموفق بإنكاره، فكتب النّاصح بعده ما مضمونه: الغناء كالشعر، فيه مذموم وممدوح، فما قصد به ترويح النفس، وتفريج الهموم، وتفريغ القلوب، كسماع موعظة، وتحريك لتذكرة، فلا بأس به وهو حسن. وذكر أحاديث في تغني جويريات الأنصار، وفي الغناء في الأعراس، وأحاديث في الحداء. وأما الشبابة فقد سمعها جماعة ممن لا يحسن القدح فيهم من مشايخ الصوفية وأهل العلم، وامتنع من حضورها الأكثر. وكون النّبيّ صلى الله عليه وسلّم سدّ أذنيه منها مشترك الدلالة، لأنه لم ينه ابن عمر عن سماعها. وأطال في ذلك.
وردّ مقالة الموفق لما وقف عليه، فراجعه في «طبقات» [2] ابن رجب، فإنه نافع مهم، والله أعلم.
وللنّاصح تصانيف عدة، منها: كتاب «أسباب الحديث» في مجلدات عدة، وكتاب «الاستسعاد بمن لقيت من صالحي العباد في البلاد» [3] وكتاب «الأنجاد في الجهاد» .
وقال الحافظ الدّبيثي في «تاريخه» : للناصح خطب ومقامات، وكتاب «تاريخ الوعاظ» وأشياء في الوعظ. قال: وكان حلو الكلام، جيد الإيراد، شهما، مهيبا، صارما. وكان رئيس المذهب في زمانه بدمشق.
وقال أبو شامة: كان واعظا، متواضعا، متقنا، له تصانيف.
وقال المنذري: قدم- يعني النّاصح- مصر مرتين ووعظ [بها، وحدّث. وحصل له بها قبول، وحدّث بدمشق، وبغداد، وغيرهما، ووعظ] [4]
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «مرات» .
[2] يقصد «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] وقد نشر الأستاذ الدكتور إحسان عبّاس ما عثر عليه منه ضمن كتابه النافع «شذرات من كتب مفقودة» الصادر عن دار الغرب الإسلامي في بيروت.
[4] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «ذيل طبقات الحنابلة» .

(7/290)


ودرّس. وكان فاضلا. وله مصنّفات، وهو من بيت الحديث والفقه. حدّث هو وأبوه وجدّه وجدّه أبيه وجدّ جدّه. لقيته بدمشق وسمعت منه.
وقال ابن رجب: سمع منه الحافظ ابن النجار وغيره، وخرّج له الزّكي البرزالي وروى عنه.
وتوفي يوم السبت ثالث المحرم بدمشق، ودفن من يومه بتربتهم بسفح قاسيون.
وفيها موفق الدّين أبو عبد الله حمد بن أحمد [1] بن محمد بن بركة ابن أحمد بن صديق بن صرّوف الحرّاني [2] الفقيه الحنبلي.
ولد سنة ثلاث أو أربع وخمسين وخمسمائة بحرّان، وسمع بها من ابن أبي حبّة [3] وغيره، ورحل إلى بغداد، وسمع بها من ابن شاتيل وغيره، وتفقه على ابن المنّي، وأبي البقاء العكبري، وابن الجوزي ولازمه، ورجع إلى حرّان، وحدّث بها وبدمشق، وسمع منه المنذري والأبرقوهي، وابن حمدان، وقال: كان شيخا صالحا من قوم صالحين، وتوفي سادس عشر صفر، ودفن بسفح قاسيون، وتقدم ذكره في هذه السنة مختصرا [4] .
وفيها أبو العبّاس أحمد بن أكمل بن أحمد بن مسعود بن عبد الواحد
__________
[1] تحرف اسمه في «آ» و «ط» و «المنتخب» (160/ آ) إلى «أحمد بن أحمد» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي.
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 434- 435) و «تاريخ الإسلام» (64/ 168- 169) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 201) و «المنهج الأحمد» الورقة (370) .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» و «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «حية» بالياء، والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» و «تاريخ الإسلام» .
[4] انظر ص (286) .

(7/291)


ابن مطر بن أحمد بن محمد الهاشمي العبّاسي البغدادي الخطيب المعدّل الحنبلي [1] .
ولد في ربيع الأول سنة سبعين وخمسمائة، وسمع من ابن شاتيل وغيره، وتفقه في المذهب، وطعن فيه بعضهم، وحدّث هو وأبوه وجدّه وعمه أفضل [2] وسمع منه ابن السّاعي وغيره، وتوفي في ثامن ربيع الأول، ودفن عند أبيه بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها ناصح الدّين عبد القادر بن عبد القاهر [3] بن عبد المنعم بن محمد بن حمد بن سلامة [بن أبي الفهم] الحرّاني [4] الفقيه الحنبلي الزاهد، شيخ حرّان ومفتيها.
ولد في رجب سنة أربع وستين وخمسمائة بحرّان. وسمع بها من ابن طبرزد وغيره، وسمع بدمشق من ابن صدقة وغيره، وببغداد من ابن الجوزي وجماعة. وأخذ العلم بحرّان عن أبي الفتح بن عبدوس وغيره، وقرأ «الروضة» على مؤلّفها الموفق، وأقرأ وحدّث.
وقال المنذري: لقيته بحرّان، وسمعت منه.
وقال ابن حمدان: قرأت عليه «الخرقي» و «الهداية» وبعض «العمدة» وسمعت عليه أشياء كثيرة، منها: «جامع المسانيد» لابن الجوزي. وكان قليل الكلام فيما لا يعنيه، كثير الدّيانة والتحرز فيما يعنيه، شريف النّفس، مهيبا،
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 436- 437) و «تاريخ الإسلام» (64/ 161- 162) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 201) و «المنهج الأحمد» الورقة (370- 371) .
[2] انظر ترجمته في «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 239- 240) .
[3] تحرفت في «العبر» طبع الكويت إلى «عبد الطاهر» وفي «العبر» طبع بيروت إلى فتصحح.
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 437) و «العبر» (5/ 139) و «تاريخ الإسلام» (64/ 183- 184) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 202- 204) وما بين الحاصرتين زيادة منه ومن غيره.

(7/292)


معروفا بالفتوى في مذهب أحمد. وصنّف منسكا وسطا جيدا، وكتاب «المذهب المنضد في مذهب أحمد» ضاع منه في طريق مكّة. وحفظ «الروضة الفقهية» و «الهداية» وغيرهما، ولم يتزوج. وطلب للقضاء فأبى، ودرّس في آخر عمره بحضوري عنده في مدرسة بني العطّار التي عمرت لأجله، وتوفي في الحادي عشر من ربيع الأول بحرّان. انتهى كلام ابن حمدان.
وفيها شمس الدّين أبو طالب عبد الله بن إسماعيل بن علي بن الحسين البغدادي الأزجي [1] ، الواعظ الحنبلي، المعروف والده بالفخر.
غلام ابن المنّي. سمع أبو طالب من ابن كليب وغيره، وتفقه في المذهب، واشتغل بالوعظ، ووعظ ببغداد ومصر. وحدّث، وله نظم.
قال المنذري: سمعت منه شيئا في شعره.
توفي في ثاني عشري شعبان، وهو في سنّ الكهولة.
وفيها عزّ الدّين أبو محمد عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان المقدسي [2] الفقيه الحنبلي. سمع من أسعد بن سعيد وغيره، وتفقه في المذهب، ودرّس وحدّث. توفي في حادي عشر ذي القعدة.
وفيها أبو عمرو عثمان بن الحسن السّبتيّ [3] اللّغوي، أخو ابن دحية. روى عن ابن زرقون، وابن بشكوال، وغيرهما. وولي مشيخة الكاملية بعد أخيه، وتوفي بالقاهرة.
__________
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 456) و «تاريخ الإسلام» (64/ 176) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 215- 216) .
[2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 460) و «تاريخ الإسلام» (64/ 182) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 216) .
[3] انظر «العبر» (5/ 139) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 26- 27) و «تاريخ الإسلام» (64/ 187) .

(7/293)


وفيها صاحب الرّوم السلطان علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو بن قلج [1] أرسلان السلجوقي [2] . كان ملكا جليلا شهما شجاعا، وافر العقل، متسع الممالك. تزوّج بابنة الملك العادل، وامتدت أيّامه، وتوفي في سابع شوال. وكان فيه عدل وخير في الجملة. قاله في «العبر» .
وفيها أبو الحسن القطيعي محمد بن أحمد بن عمر البغدادي [3] المحدّث المؤرخ.
ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة، وسمع من ابن الزّاغوني، ونصر العكبري، وطائفة. ثم طلب بنفسه، ورحل إلى خطيب الموصل، وبدمشق من أبي المعالي بن صابر. وأخذ الوعظ عن ابن الجوزي، وهو أول شيخ ولي المستنصرية، وآخر من حدّث ب «البخاري» سماعا عن أبي الوقت [السّجزي] . ضعّفه ابن النجّار لعدم إتقانه وكثرة أوهامه. توفي في ربيع الآخر.
وفيها الملك العزيز غياث الدّين محمد بن الملك الظّاهر غازي بن صلاح الدّين [4] ، صاحب حلب وسبط الملك العادل. ولّوه السلطنة بعد أبيه وله أربع سنين من أجل والدته الصّاحبة، وهي كانت الكلّ، وكان الأتابك طغريل [5] يسوس الأمور، وكان العزيز حسن الصّورة عفيفا. توفي في هذه السنة ودفن بالقلعة، وأقيم بعده ابنه الملك الناصر يوسف وهو طفل أيضا.
__________
[1] وكتبها الذهبي في «تاريخ الإسلام» : «قليج» أيضا وهو يترجم له.
[2] انظر «العبر» (5/ 139) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 24) و «تاريخ الإسلام» (64/ 194) .
[3] انظر «العبر» (5/ 139- 140) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 8- 11) و «تاريخ الإسلام» (64/ 194- 196) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) .
[4] انظر «العبر» (5/ 140) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 359- 360) و «تاريخ الإسلام» (64/ 199) .
[5] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (160/ آ) : «طغربك» وما أثبته من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .

(7/294)


وفيها مرتضى ابن أبي الجود، حاتم بن المسلّم الحارثي الحوفي أبو الحسن [1] المقرئ. قرأ القراءات وسمع الكثير من السّلفي وجماعة، وكان عالما عاملا، كبير القدر، قانعا، متعففا، يختم في الشهر ثلاثين ختمة. توفي في شوال عن خمس وثمانين سنة. قاله في «العبر» .
وفيها أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن أحمد البغدادي المقرئ، المعروف بالأشقر [2] . قرأ القراءات على محمد بن خالد الرزّاز وغيره، وتفقه في مذهب الإمام أحمد.
قال ابن السّاعي: كان شيخا فاضلا، حسن التلاوة للقرآن، مجيد الأداء به، عالما بوجوه القراءات وطرقها وتعليلها وإعرابها، يشار إليه بمعرفة علوم القرآن، بصيرا بالنحو واللغة، وكان يؤم بالخليفة الظّاهر، وقرأ عليه الظّاهر والوزير ابن النّاقد، فلما ولي الظّاهر الخلافة أكرمه وأجلّه، وكذلك لما ولي ابن النّاقد الوزارة.
وكان يقول: قرأ عليّ القرآن أرباب الدّنيا والآخرة.
وكان لأمّ الخليفة الناصر فيه عقيدة، فمرض، فجاءته تعوده، وسمع منه ابن النجّار، وابن السّاعي، وغيرهما. وتوفي في صفر وقد قارب الثمانين.
وفيها أبو بكر الحربي هبة الله بن عمر بن كمال الحلّاج [3] . آخر من حدّث عن هبة الله بن الشّبلي، وكمال بنت السّمرقندي. توفي في جمادى الأولى.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 140) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 11- 12) و «تاريخ الإسلام» (64/ 202- 203) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحابلة» (2/ 211- 212) .
[3] انظر «العبر» (5/ 140- 141) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 12- 13) و «تاريخ الإسلام» (64/ 208- 209) .

(7/295)


وفيها ياسمين بنت سالم بن علي بن [1] البيطار أمّ عبد الله الحريميّة [2] . روت عن هبة الله بن الشّبلي القصّار، وتوفيت يوم عاشوراء.
وفيها أبو الحرم مكّي بن عمر بن نعمة بن يوسف بن عساكر بن عسكر بن شبيب بن صالح المقدسي الأصل، الفقيه الحنبلي، الزاهد، الرّؤبيّ [3] .
ولد في شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بمصر، وسمع من والده، ومن ابن برّي النحوي وخلق، وسمع بمكة من محمد بن الحسين الهراوي الحنبلي وغيره. [وتفقه في المذهب بمصر.
قال المنذري: اشتره بمعرفة الفقه، وجمع مجاميع الفقه وغيره] [4] وانتفع به جماعة، وأمّ بالمسجد المعروف به بدرب البقّالين بمصر، وسمعت منه، وكان يبني ويأكل من كسب يده.
وقال ابن رجب: هو الذي جمع سيرة الحافظ عبد الغني [5] ، وتوفي في العشرين من جمادى الآخرة بمصر، ودفن من الغد إلى جانب والده بسفح المقطّم.
وفيها أبو المظفّر يوسف بن أحمد بن الحلاوي [6] الحنبلي.
__________
[1] لفظة «ابن» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» .
[2] تصحفت نسبتها في «آ» و «ط» إلى «الخريمية» وفي «المنتخب» (160/ آ) إلى «الحزيمية» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 430) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 13) و «تاريخ الإسلام» (64/ 209) .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 450- 451) و «تاريخ الإسلام» (64/ 205) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 214- 215) .
[4] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[5] يعني المقدسي، رحمه الله تعالى.
[6] تحرفت نسبته إلى «الحلال» في «آ» و «ط» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 439) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 204) .

(7/296)


سمع من ابن شاتيل، وتفقه في المذهب، وكان فقيها، صالحا، فاضلا، مقرئا، متدينا، حسن الطريقة. توفي ببغداد في العشرين من ربيع الأول.

(7/297)


سنة خمس وثلاثين وستمائة
فيها وصلت التتار إلى دقوقا تنهب [وتسبي] وتفسد، فالتقاهم الأمير بكلك الخليفتي في سبعة آلاف، والتتار في عشرة آلاف، فانهزم المسلمون بعد أن قتلوا خلقا وكادوا ينتصرون، وقتل بكلك وجماعة أمراء أعيان.
وفيها توفي أبو محمد [1] الأنجب بن أبي السعادات البغدادي الحمّامي، عن إحدى وثمانين سنة. راو حجّة. روى عن ابن البطّي، وأبي المعالي بن اللحّاس [2] ، وطائفة، وأجاز له مسعود [3] الثقفي وجماعة.
توفي في تاسع عشر ربيع الآخر.
وفيها أبو عبد الله أحمد بن علي بن سيدك الأواني [4] الشاعر المجيد. أشعاره رائقة مطربة، منها:
سلوا من كسا جسمي نحافة خصره ... وكلّفني في الحبّ طاعة أمره
يبدّل نكر الوصل منه بعرفه ... لديّ وعرف الهجر منه بنكره
فما تعرف الأرواح إلّا بقربه ... ولا تصرف الأتراح إلّا بذكره
__________
[1] كذا في «ط» و «المنتخب» (160/ ب) و «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 470) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 14) و «العبر» (5/ 142) طبع الكويت و (3/ 222) طبع بيروت: «أبو محمد» وفي «آ» : «أبو أحمد» وفي «تاريخ الإسلام» (64/ 215) : «أبو حمد» .
[2] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «النحاس» فلتصحح.
[3] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «سعيد» فلتصحح.
[4] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.

(7/298)


ولا تنعم الأوقات إلّا بوصله ... ولا تعظم الآفات إلّا بهجره
فأقسم بالمحمر من ورد خدّه ... يمينا وبالمبيضّ من درّ ثغره
لقد كدت لولا ضوء صبح جبينه ... أتيه ضلالا في دجى ليل شعره
وفيها ابن رئيس الرّؤساء أبو محمد الحسين بن علي بن الحسين بن هبة الله ابن الوزير، رئيس الرؤساء أبي القاسم بن المسلمة البغدادي النّاسخ الصّوفي [1] .
ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وسمع من ابن البطّي، وأحمد بن المقرّب، وتوفي في رجب.
وفيها قاضي حلب زين الدّين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الشافعي، ابن الأستاذ [2] . روى عن يحيى الثقفي.
توفي في شعبان بحلب عن ثمان وخمسين سنة، وكان من سروات الرّؤساء.
وفيها ابن اللّتيّ، مسند الوقت، أبو المنجّى عبد الله بن عمر بن علي ابن عمر بن زيد الحريمي القزّاز [3] . رجل مبارك حييّ [4] .
ولد سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وسمع من أبي الوقت [السّجزي] ، وسعيد بن البنّا، وطائفة. وأجاز له مسعود الثقفي والأصبهانيون، وكان آخر من روى حديث البغوي بعلو. نشر حديثه بالشام ورجع منها في آخر سنة أربع وثلاثين، فتوفي ببغداد في رابع عشر جمادى الأولى.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 142- 143) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 20) و «تاريخ الإسلام» (64/ 219) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (263) .
[2] انظر «العبر» (5/ 143) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 155- 156) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 146) و «البداية والنهاية» (13/ 151) .
[3] انظر «العبر» (5/ 143) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 15- 17) و «تاريخ الإسلام» (64/ 221- 224) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (263) .
[4] كذا في «آ» و «ط» : «حييّ» وفي «العبر» بطبعتيه: «خيّر» .

(7/299)


وفيها أبو طالب عبد الله بن المظفّر ابن الوزير أبي القاسم علي بن طراد الزّينبي العبّاسي البغدادي [1] . روى عن ابن البطّي حضورا، وعن أبي بكر بن النّقور، ويحيى بن ثابت. توفي في رمضان.
وفيها الرّضي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الجبّار أبو محمد المقدسي الملقّن [2] . أقرأ كتاب الله احتسابا أربعين عاما، وختم عليه خلق كثير، وروى عن يحيى الثقفي وطائفة، وكان كثير العبادة والتهجد. توفي في ثاني صفر وقد شاخ.
وفيها صدر الدّين عبد الرزّاق ابن الإمام أبي أحمد عبد الوهاب بن سكينة، شيخ الشيوخ البغدادي [3] . حضر على ابن البطّي، وسمع من شهدة، وترسل عن الخليفة إلى النواحي، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها أبو بكر عبد الكريم بن عبد الله بن مسلم بن أبي الحسن بن أبي الجود الفارسي [4] الزاهد الحنبلي، ابن أخي الحسن بن مسلم الزاهد المتقدم ذكره.
ولد سنة ثلاث وستين وخمسمائة بالفارسيّة، قرية على نهر عيسى، وقرأ القرآن [5] ، وسمع الحديث من أبي الفتح البرداني، وابن بوش، وغيرهما، وتفقه في المذهب، وحدّث وسمع منه ابن النجار [6] ، وعبد الصمد بن أبي الجيش، وغيرهما، ووصفاه بالصلاح والدّيانة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 143) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 18- 19) و «تاريخ الإسلام» (64/ 225) .
[2] انظر «العبر» (5/ 144) و «تاريخ الإسلام» (64/ 227- 228) .
[3] انظر «العبر» (5/ 144) و «تاريخ الإسلام» (64/ 229) .
[4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 467) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 216) .
[5] كذا في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «وقرأ القرآن» وفي «آ» : «القراءات» .
[6] تحرفت في «ط» إلى «ابن البخاري» .

(7/300)


قال ابن النجار: كان شيخا، صالحا، متدينا، ورعا، منقطعا عن الناس في قريته، يقصده الناس لزيارته والتبرك به، وحوله جماعة من الفقراء، ويضيف من يمرّ به.
وتوفي يوم الخميس لتسع خلون من صفر، ودفن من يومه عند عمّه الحسن [1] بن مسلم بالفارسيّة.
وفيها الملك الكامل سلطان الوقت، ناصر الدّين أبو المعالي محمد ابن العادل أبي بكر محمد بن أيوب [2] .
ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة، وتملك الدّيار المصرية تحت جناح والده عشرين سنة وبعده عشرين سنة، وتملّك دمشق قبل موته بشهرين، وتملّك حرّان وآمد وتلك الدّيار، وله مواقف مشهودة، وكان صحيح الإسلام، معظّما للسّنّة وأهلها، محبا لمجالسة العلماء، فيه عدل وكرم وحياء، وله هيبة شديدة. ومن عدله المخلوط بالجبروت والظلم، شنق جماعة من أجناده على آمد في أكيال شعير غصبوه. قاله في «العبر» .
وقال ابن خلّكان: كان سلطانا عظيم القدر، جميل الذّكر، محبا للعلماء، متمسكا بالسّنّة النبوية، حسن الاعتقاد، معاشرا لأرباب الفضائل، حازما في أموره، لا يضع الشيء إلّا في موضعه، من غير إسراف ولا إقتار.
وكان يبيت [3] عنده كل ليلة جمعة جماعة من الفضلاء، ويشاركهم في
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحسين» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 300) ومن ترجمته في المجلد السادس من كتابنا هذا ص (517) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 79- 89) و «العبر» (5/ 144- 145) و «تاريخ الإسلام» (64/ 236- 240) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 201- 203) .
[3] في «وفيات الأعيان» (5/ 81) : «تبيت» .

(7/301)


مباحثاتهم [1] ويسألهم عن المواضع المشكلة من كل فنّ، وهو معهم كواحد منهم، وكان يعجبه هذان البيتان وينشدهما كثيرا وهما:
ما كنت من قبل ملك قلبي ... تصدّ عن مدنف حزين
وإنما قد طمعت لمّا ... حللت في موضع حصين
وبنى بالقاهرة دار حديث ورتب لها وقفا جيدا. وقد بنى على قبر الإمام الشافعي، رضي الله عنه، قبة عظيمة، ودفن أمّه عنده، وأجرى إليها من ماء النيل ومدده بعيد، وغرم على ذلك جملة عظيمة.
ولما مات أخوه الملك المعظم صاحب الشام، وقام ولده الملك النّاصر صلاح الدّين داود مقامه، خرج الملك الكامل من الدّيار المصرية قاصدا لأخذ [2] دمشق منه، وجاء أخوه الملك الأشرف مظفّر الدّين موسى، فاجتمعا على أخذ دمشق بعد فصول جرت يطول شرحها، وملك دمشق في أول شعبان سنة ست وعشرين وستمائة، وكان يوم الاثنين، فلما ملكها دفعها لأخيه الملك الأشرف، وأخذ عوضها [3] من بلاد الشرق، حرّان، والرّها، وسروج، والرّقّة، ورأس عين، وتوجه إليها بنفسه في تاسع شهر رمضان من السنة.
واجتزت بحرّان في شوال سنة ست وعشرين والملك العادل مقيم بها بعساكر الدّيار المصرية، وجلال الدّين خوارزم شاه يوم ذاك يحاصر خلاط، وكانت لأخيه الملك الأشرف.
ثم قال ابن خلّكان: خطب له بمكّة- شرفها الله تعالى- فلما وصل
__________
[1] كذا في «ط» و «المنتخب» (160/ ب) و «وفيات الأعيان» : «في مباحثاتهم» وفي «آ» : «في مباحثهم» .
[2] في «وفيات الأعيان» : «أخذ» .
[3] في «آ» و «ط» : «موضعها» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

(7/302)


الخطيب إلى الدعاء للملك الكامل قال: صاحب مكة وعبيدها، واليمن وزبيدها، ومصر وصعيدها، والشام وصناديدها [1] ، والجزيرة ووليدها، سلطان القبلتين، وربّ العلامتين، وخادم الحرمين الشريفين، أبو المعالي محمد الملك الكامل ناصر الدّين، خليل أمير المؤمنين.
ولقد رأيته بدمشق سنة ثلاث وثلاثين وستمائة عند رجوعه من بلاد الشرق، واستنقاذه إيّاها من يد علاء الدّين كيقباد بن سلجوق صاحب الرّوم، وهي وقعة [2] يطول شرحها، وفي خدمته بضعة عشر ملكا، منهم أخوه الملك الأشرف. ولم يزل في علو شأنه وعظم سلطانه إلى أن مرض بعد أخذه دمشق ولم يركب، وكان ينشد في مرضه كثيرا:
يا خليليّ خبّراني بصدق ... كيف طعم الكرى فإني عليل [3]
ولم يزل كذلك [4] إلى أن توفي يوم الأربعاء بعد العصر، ودفن بقلعة دمشق يوم الخميس الثاني والعشرين من رجب، وكنت بدمشق يومئذ، وحضرت الصبحة [5] يوم السبت في جامع دمشق، لأنهم أخفوا موته إلى وقت صلاة الجمعة، فلما دنت الصلاة قام بعض الدّعاة على العريش الذي بين يدي المنبر وترحم على الملك الكامل، ودعا لولده الملك العادل صاحب مصر، وكنت حاضرا في ذلك الموضع، فضجّ النّاس ضجة واحدة، وكانوا قد أحسوا بذلك، لكنهم لم يتحققوا. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
__________
[1] قوله: «والشام وصناديدها» سقط من «وفيات الأعيان» الذي بين يدي فيستدرك من هنا.
[2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «واقعة» والتصحيح من «وفيات الأعيان» جاء في «مختار الصحاح» (وقع) : الوقعة، صدمة الحرب، والواقعة القيامة.
[3] كذا في «ط» و «المنتخب» (160/ ب) و «وفيات الأعيان» : «فإني عليل» . وفي «آ» : «فإني نسيت» .
[4] لفظة «ذلك» سقطت من «آ» .
[5] في «آ» و «ط» : «الصبيحة» وما أثبته من «المنتخب» (160/ ب) و «وفيات الأعيان» .

(7/303)


وقال الذّهبي: مرض بقلعة دمشق بالسّعال والإسهال نيفا وعشرين ليلة، وكان في رجله نقرس، فمات.
وقال ابن الأهدل: وللكامل هفوة جرت منه- عفا الله عنه- وذلك أنه سلّم مرة بيت المقدس إلى الفرنج اختيارا، نعوذ بالله من سخط الله وموالاة أعداء الله.
وفيها أبو بكر محمد بن مسعود بن بهروز [1] البغدادي الطبيب.
سمّعه خاله من أبي الوقت [السّجزي] ، وتفرّد بالرواية بالسماع منه [2] وتوفي في رمضان وقد جاوز التسعين.
وفيها شرف الدّين محمد بن نصر بن عبد الرحمن بن محفوظ القرشي الدّمشقي ابن ابن [3] أخي الشيخ أبي البيان [4] . كان أديبا، شاعرا، صالحا، زاهدا، ولي مشيخة رباط أبي البيان، وروى عن ابن عساكر، وتوفي في رجب.
وفيها أبو نصر بن الشّيرازي القاضي شمس الدّين محمد بن هبة الله ابن محمد بن هبة الله بن يحيى الدمشقي الشافعي [5] .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ آ) إلى «مهزوز» والتصحيح من «العبر» (5/ 145) و «تاريخ الإسلام» (64/ 241) و «البداية والنهاية» (13/ 151) و «النجوم الزاهرة» (6/ 302) وقد ضبط فيها جميعا بكسر الباء، والصواب بضمها كما نصّ عليه الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في «توضيح المشتبه» (1/ 619) حيث قال: بهروز: بضم أوله، وسكون الهاء، تليها راء مضمومة، ثم واو ساكنة.
[2] في «العبر» بطبعتيه: «عنه» .
[3] لفظة «ابن» الثانية لم ترد في «العبر» بطبعتيه فتستدرك.
[4] انظر «العبر» (5/ 145) و «تاريخ الإسلام» (64/ 242- 243) .
[5] انظر «العبر» (5/ 145) و «تاريخ الإسلام» (64/ 243- 245) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 106- 107) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 117- 118) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 113- 114) .

(7/304)


ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة، وأجاز له أبو الوقت [السّجزي] وطائفة، وسمع من أبي يعلى بن الحبوبي [1] ، وطائفة كثيرة، وله «مشيخة» في جزء. ودرس وأفتى، وناظر ودرّس، وصار من كبار أهل دمشق في العلم، والرّواية، والرّئاسة، والجلالة. ودرّس مدة بالشامية الكبرى.
قال ابن شهبة: ولي قضاء بيت المقدس، ثم ولي تدريس الشامية البرّانية، ثم ولي قضاء دمشق في سنة إحدى وثلاثين وستمائة. وكان فقيها، فاضلا، خيّرا، ديّنا، منصفا، عليه سكينة ووقار. حسن الشكل، يصرف أكثر أوقاته في نشر العلم. مات في جمادى الآخرة.
وفيها خطيب دمشق الدّولعي- بفتح الدال المهملة وبعد الواو واللام عين مهملة، نسبة إلى الدّولعيّة قرية بالموصل- جمال الدّين محمد بن أبي الفضل بن زيد بن ياسين أبو عبد الله التّغلبي [2] الشّافعي.
ولد بالدّولعية في جمادى الآخرة سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وتفقه على عمّه ضياء الدّين الدّولعي خطيب دمشق أيضا. وسمع منه ومن جماعة، منهم: ابن صدقة الحرّاني، وولي الخطابة بعد عمّه وطالت مدته في المنصب. وولي تدريس الغزالية مدة، وكان له ناموس وسمت حسن. يفخّم كلامه.
قال أبو شامة: وكان المعظّم قد منعه من الفتوى مدة، ولم يحجّ لحرصه على المنصب، مات في جمادى الأولى ودفن بمدرسته التي أنشأها بجيرون.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحيوني» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» و «طبقات الشافعية الكبرى» .
[2] في «آ» و «ط» : و «العبر» بطبعتيه و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 111) :
«الثعلبي» وهو تصحيف، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» (64/ 245) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 24) .

(7/305)


وفيها نجم الدّين أبو المفضّل مكرم بن محمد بن حمزة بن محمد المسند القرشيّ الدّمشقي المعروف بابن أبي الصّقر [1] .
ولد في رجب سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وسمع من حمزة بن الحبوبي [2] ، وحمزة بن كروّس، وحسّان الزّيّات، و [وسعيد بن سهل] الفلكي، وعلي بن أحمد بن مقاتل، وطائفة. وتفرّد، وطال عمره، وسافر للتجارة كثيرا. وتوفي في رجب.
وفيها الملك مظفّر الدّين أبو الفتح، موسى بن العادل [3] . ولد هو وأخوه الكامل في سنة واحدة، وهي سنة ست وسبعين وخمسمائة، وماتا أيضاً في هذه السنة [4] ، وكان مولده بالقاهرة. وروى عن ابن طبرزد، وتملّك حرّان وخلاط، وتلك الدّيار مدة، ثم تملّك دمشق تسع سنين، فأحسن وعدل، وخفّف الجور.
قال الذهبي: كان فيه دين وتواضع للصالحين. وله ذنوب عسى الله أن يغفرها له. وكان حلو الشمائل، محبّبا إلى رعيته، موصوفا بالشجاعة، لم تكسر له راية قطّ. انتهى.
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان جوادا، عادلا، سخيّا، لو دفع الدّنيا إلى أقل الناس لم يستكثرها عليه. ميمون الطليعة، ما كسرت له راية قطّ. متعففا عن المحارم، ما خلا بامرأة قطّ إلّا زوجته أو محرمه.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 146) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 34- 35) و «تاريخ الإسلام» (64/ 249- 250) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (263) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحبوني» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «العبر» (5/ 146- 147) و «تاريخ الإسلام» (64/ 250- 256) .
[4] أي في سنة خمس وثلاثين وستمائة.

(7/306)


قال أبو المظفّر [1] : لما صعدت [2] إلى خلاط اجتمعت معه في منظرة، فقال: والله ما مددت عيني إلى حريم أحد قطّ، لا ذكر ولا أنثى، ولقد كنت يوما قاعدا هاهنا، فقال الخادم: على الباب عجوز تستأذن من عند بنت شاه أرمن صاحب خلاط سابقا، فأذنت لها، فناولتني ورقة تذكر أن الحاجب عليا قد قصدها وأخذ ضيعها، وقصد هلاكها، وتخاف منه أن تخرج، فكتبت على الورقة بإطلاق الضيعة، ونهي الحاجب عنها، فقالت العجوز: هي تسأل الإذن بالحضور [بين يديك] فلها سرّ تذكره للسلطان، فقلت: بسم الله، فغابت ساعة ثم جاءت ومعها امرأة ما يمكن في الدنيا أحسن من قدّها، ولا أظرف من شكلها، كأن الشمس تحت نقابها، فحذمت [3] ووقفت، فقمت لها، لكونها بنت شاه، فسفرت عن وجهها، فأضاءت منه المنظرة، فقلت: غطّي وجهك واذكري حاجتك، فقالت: مات أبي واستوليتم على البلاد، ولي ضيعة أعيش منها، أخذها الحاجب مني، وما أعيش إلّا من عمل النقش، وأنا ساكنة في دور الكراء. قال: فبكيت وأمرت لها [من الخزانة] بقماش وسكن يصلح لها، وقلت: بسم الله في حفظ الله، وودّعته [4] ، فقالت العجوز: ما جاءت إلّا لتحظى بك الليلة. قال: فأوقع الله في قلبي تغيّر الزّمان، وتملّك غيري، وتحتاج بنتي [5] أن تقعد مثل هذه القعدة، فقلت: يا عجوز! معاذ الله، والله ما هو من شيمتي، ولا خلوت بغير محارمي، خذيها وانصرفي،
__________
[1] انظر «مرآة الزمان» (8/ 470- 471) وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرف وما بين الحاصرتين في السياق زيادة منه.
[2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ آ) : «ولما صعد» والتصحيح من «مرآة الزمان» مصدر المؤلف.
[3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «فخدمت» والتصحيح من «مرآة الزمان» .
[4] في «آ» و «ط» : «ودعته» بإسقاط الواو الأولى والتصحيح من «المنتخب» (161/ آ) .
[5] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ آ) : «بنيّ» وما أثبته من «مرآة الزمان» .

(7/307)


وهي العزيزة الكريمة، ومهما كان لها من الحوائج فهذا الخادم تنفذ إليه، فقامت وهي تبكي وتقول بالأرمنية: صان الله حريمك، [قال:] فلما خرجت، قالت لي النفس: في الحلال مندوحة عن الحرام، تزوجها، فقلت للنفس:
يا خبيثة: أين الحياء والكرم والمروءة؟ والله لا فعلته أبدا.
وقدم عليه النظام بن أبي الحديد ومعه نعل النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- فقام له قائما، ونزل فأخذ النّعل ووضعه على عينيه وبكى، وأجرى على النظام النفقات، وأراد أن يأخذ منه قطعة تكون عنده، ثم رجع وقال: ربما يجيء بعدي من يفعل مثل فعلي فيتسلسل الحال ويؤدي إلى استئصاله فتركه، ومات النظام بعد مدة وأوصى له بالنّعل، فلما فتح دمشق اشترى دار قايماز النجمي وجعلها دار حديث، وترك النّعل بها، وبنى مسجد أبي الدّرداء بقلعة دمشق، والمسجد الذي عند باب النصر، وخان الزّنجاري وهو جامع العقيبة، ومسجد القصب خارج باب السلاح، وجامع جرّاح، وجامع بيت الأنبار، وجامع حرستا، وزاد وقف دار الحديث النّوريّة، والتربة التي بالكلّاسة، وكان حسن الظنّ بالفقراء. وكان له في بستانه الذي بالنّيرب أماكن مشهورة مزخرفة، مثل صفة بقراط وغيرها يخلو بها، وأباح لأهل دمشق الفرجة بها تطييبا لقلوب الرّعية.
ومن شعره يخاطب الخليفة الناصر:
العبد موسى ذو الضّراعة طوره ... بغداد آنس عندها نار الهدى [1]
عبد أعدّ لدى الإله وسيلة ... دنيا ودينا أحمدا ومحمّدا
هذا يقوم بنصره في هذه ... عند الخطوب وذاك شافعه غدا
__________
[1] رواية البيت في «تاريخ الإسلام» :
العبد موسى طوره لمّا غدا ... بغداد آنس عندها نار الهدى

(7/308)


وتوفي يوم الخميس رابع المحرم، فتسلطن بعده أخوه الصالح إسماعيل، وركب ركوب السلطنة، وترجل الناس بين يديه، وصادر جماعة من أهل دمشق، وركب التعاسيف، فجاء عسكر الكامل وحصر دمشق، وقطع المياه، وأحرق العقيبة، وقصر حجّاج، ونصبوا المجانيق، ووقّع الصلح، على أن أعطوا الصالح بعلبك وبصرى، وتسلّم الكامل دمشق.
وفيها الحكيم الفاضل سديد الدّين أبو الثناء محمود بن عمر الحانويّ [1] عرف بابن زقيقة [2] الشيباني [3] . صنّف كتاب «قانون الحكماء وفردوس النّدماء» وكتاب «الغرض المطلوب في تدبير المأكول والمشروب» وغير ذلك. وله ديوان شعر، منه فيما يتعلق بالطبّ:
توقّ الامتلاء وعدّ عنه ... وإدخال الطّعام على الطّعام
وإكثار الجماع فإنّ فيه ... لمن والاه داعية السّقام
ولا تشرب عقيب الأكل ماء ... لتسلم من مضرّات الطّعام
ولا عند الخوى والجوع حتّى ... تلهّى باليسير من الإدام
وخذ منه القليل ففيه نفع ... لدى العطش المبرّح والأوام
وهضمك فاصلحنه [4] فهو أصل ... وأسهل بالأيارج كلّ عام
وفصد العرق نكّب عنه إلّا ... لدى مرض بطيب الطبع حامي
ولا تتحركنّ عقيب أكل ... وصيّر ذاك بعد الانهضام
ولا تطل السّكون فإنّ منه ... تولّد كلّ خلط فيك خام
__________
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ ب) : «الحابولي» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» .
[2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ ب) : «ابن دقيقة» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» و «الأعلام» .
[3] انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 247 و 331) و «الأعلام» (7/ 178) الطبعة الرابعة.
[4] كذا في «آ» و «ط» : «فأصلحنه» وفي «المنتخب» (161/ ب) : «فأصلحه» .

(7/309)


وقلّل ما استطعت الماء بعد الرّ ... ياضة واجتنب شرب المدام [1]
وخلّ السّكر واهجره مليّا ... فإنّ السكر من فعل الطّغام [2]
وأحسن صون نفسك عن هواها ... تفز بالخلد في دار السّلام
وفيها شمس الدّين بن سنيّ الدولة قاضي القضاة أبو البركات يحيى ابن هبة الله بن سنيّ الدولة الحسن بن يحيى بن محمد بن علي بن صدقة الدّمشقي الشافعي [3] ، والد قاضي القضاة صدر الدّين أحمد.
ولد سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، وتفقه على ابن أبي عصرون، والقطب النيسابوري، واشتغل بالخلاف، وسمع من أحمد ابن الموازيني وطائفة، وولي قضاء الشام.
قال الذهبي: وحمدت سيرته، وكان إماما فاضلا، مهيبا، [جليلا] [4] .
حدّث بمكة، وبيت المقدس، وحمص، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم المعروف بالشواء [5] ، الملقب شهاب الدّين، الكوفي الأصل الحلبي المولد والمنشأ والوفاة [6] . كان أديبا، فاضلا، متقنا لعلم العروض والقوافي، شاعرا. يقع له في النظم المعاني البديعة، وله ديوان شعر في أربع مجلدات.
__________
[1] جاء في «مختار الصحاح» (دوم) : المدام والمدامة: الخمر.
[2] جاء في «مختار الصحاح» (طغم) : الطّغام: أوغاد النّاس.
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (166) و «تاريخ الإسلام» (64/ 257- 258) و «العبر» (5/ 147) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 547) و «البداية والنهاية» (3/ 151) .
[4] لفظة «جليلا» سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «تاريخ الإسلام» مصدر المؤلّف.
[5] تحرفت في «مرآة الجنان» إلى «الشفاء» فتصحح فيه.
[6] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 231- 236) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 28) و «تاريخ الإسلام» (64/ 258- 259) و «مرآة الجنان» (4/ 89- 90) .

(7/310)


وكان ملازما لحلقة الشيخ تاج الدّين المعروف بابن الحرّاني الحلبي النحوي اللّغوي، وأكثر ما أخذ الأدب عنه وبصحبته انتفع.
قال ابن خلّكان: كان بيني وبين الشهاب الشوّاء مودة أكيدة ومؤانسة كثيرة. وكان حسن المحاورة، مليح الإيراد مع السكون والتأني، وأول شيء أنشدني من شعره قوله:
هاتيك يا صاح ربا لعلع ... ناشدتك الله فعرّج معي
وانزل بنا بين بيوت النّقا ... فقد غدت آهلة المربع
حتى نطيل اليوم وقفا على السّ ... اكن أو عطفا على الموضع
وأنشد لنفسه أيضا:
ومهفهف عني الزّمان بخدّه ... فكساه ثوبي ليله ونهاره
لا مهّدت عذري محاسن وجهه ... إن غضّ عندي منه غضّ [1] عذاره
وله في غلام أرسل أحد صدغيه وعقد الآخر:
أرسل صدغا ولوى قاتلي ... صدغا فأعيا بهما واصفه
فخلت ذا في خدّه حيّة ... تسعى وهذا عقربا واقفه
ذا ألف ليست لوصل، وذا ... واو ولكن ليست العاطفة
وله في شخص لا يكتم السّرّ:
لي صديق غدا وإن كان لا ين ... طق إلّا بغيبة أو محال
أشبه النّاس بالصدى إن تحدّث ... هـ حديثا أعاده في الحال
وله- وهو معنى لطيف-:
هواك يا من له اختيال ... ما لي على مثله احتيال
__________
[1] في «آ» و «ط» : «إن غضّ مني غص» وما أثبته من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف.

(7/311)


قسمة أفعاله لحيني ... ثلاثة ما لها انتقال
وعدك مستقبل، وصبري ... ماض، وشوقي إليك حال
وله في غلام [قد] [1] ختن:
هنّأت من أهواه عند ختانه ... فرحا وقلت وقد عراه وجوم
يفديك من ألم ألمّ بك امرؤ ... يخشى عليك إذا ثناك نسيم
أمعذّبي كيف استطعت على الأذى ... جلدا، وأجزع ما يكون الرّيم
لو لم تكن هذي الطهارة سنّة ... قد سنّها من قبل إبراهيم
لفتكت جهدي بالمزيّن إذ غدا ... في كفّه موسى وأنت كليم
ومعظم شعره على هذا الأسلوب، وكان من المغالين في التشيع وأكثر أهل حلب ما يعرفونه إلّا بمحاسن الشوّاء، والصواب ما ذكرته. وتوفي يوم الجمعة تاسع عشر المحرم بحلب، ودفن بظاهرها، ولم أحضر الصلاة عليه لعذر عرض لي، رحمه الله، فلقد كان نعم الصاحب. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
__________
[1] مستدركة من «وفيات الأعيان» .

(7/312)