شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وأربعين
وستمائة
فيها كما قال في «العبر» [1] حكمت التتار على بلد الرّوم، والتزم [2]
صاحبها ابن علاء الدّين بأن يحمل لهم كلّ يوم ألف دينار، ومملوكا،
وجارية، وفرسا، وكلب صيد.
وفيها توفي أبو إسحاق تقي الدّين إبراهيم بن محمد بن الأزهر بن أحمد بن
محمد الصّريفيني [3]- بفتح الصاد المهملة، وكسر الراء والفاء بين
تحتيتين ساكنتين، وآخره نون، نسبة إلى صريفين قرية ببغداد، ولنا أخرى
بواسط- الحافظ الحنبلي الفقيه، نزيل دمشق.
ولد ليلة حادي عشر محرم سنة إحدى أو اثنتين وثمانين وخمسمائة بصريفين
ودخل بغداد، وسمع بها من ابن الأخضر، وابن طبرزد، وهذه الطبقة، ورحل
إلى الأقطار. وسمع بأصبهان، ونيسابور، وهراة، وبوشنج، ودينور، ونهاوند
وتستر، وطبس، والموصل، ودمشق، وبيت المقدس، وحرّان من أعلام هذه المدن.
__________
[1] (5/ 167) .
[2] في «العبر» بطبعتيه: «وألزم» .
[3] انظر «العبر» (5/ 167) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 89) و «ذيل
طبقات الحنابلة» (2/ 227- 230) .
(7/363)
وتخرج بحرّان على الرّهاوي، وتفقه ببغداد
على ابن البوازيجي [1] ، وأبي البقاء العكبري، وتأدّب بهبة الله
الدّوري.
قال عمر ابن الحاجب الحافظ: كان أحد حفّاظ الحديث وأوعية العلم، إماما،
فاضلا، صدوقا، خيّرا، نبيلا، ثقة، حجّة، واسع الرواية، ذا سمت ووقار
وعفاف، حسن السيرة، جميل الظّاهر، سخي النّفس، مع القلة، كثير الرغبة
في فعل الخيرات. سافر الكثير، وجال في الآفاق. وكتب الكثير، وقرأ
وأفاد. كثير التواضع، سليم الباطن. وكان شيخا لدار حديث منبج، تركها
واستوطن حلب، وولي بها دار الحديث التي للصاحب بن شدّاد، وكان يحدّث
بها، ويتكلم على الأحاديث وفقهها ومعانيها.
سألت البرزالي عنه فقال: حافظ ديّن ثقة.
وقال أبو شامة: كان عالما بالحديث، ديّنا، متواضعا.
توفي في خامس عشر جمادى الأولى وحضرت الصلاة عليه بجامع دمشق، ودفن
بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى.
وفيها الأعزّ بن كرم [2] أبو محمد [3] الحربي الإسكاف البزّاز [4] .
سمع من يحيى بن ثابت وغيره، وتوفي في صفر.
وفيها شمس الدّين أبو الفتوح وأبو الخطّاب عمر بن أسعد بن المنجّى بن
بركات المؤمل التّنوخي المعرّي الحرّاني المولد الدمشقي الدار والوفاة
القاضي الحنبلي بن القاضي وجيه الدّين [5] .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «التواريخي» وتصحفت في «ذيل طبقات
الحنابلة» إلى «البوازيحي» بالحاء المهملة، والتصحيح من ترجمة أبيه في
«توضيح المشتبه» (1/ 630) .
[2] في «العبر» بطبعتيه: «ابن كريم» .
[3] في «النجوم الزاهرة» : «ابن محمد» .
[4] انظر «العبر» (5/ 167- 168) و «النجوم الزاهرة» (6/ 349) .
[5] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 80- 81) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1435)
و «الإعلام بوفيات-
(7/364)
ولد بحرّان- إذ أبوه قاضيها في الدولة
النّورية- سنة سبع وخمسين وخمسمائة، ونشأ بها، وتفقّه على والده، وسمع
من عبد الوهاب بن أبي حبّة. وقدم دمشق فسمع بها من القاضي أبي سعد بن
أبي عصرون وغيره، ورحل إلى العراق، وخراسان. وسمع ببغداد. واشتغل
بالخلاف على المحبر الشافعي. وأفتى ودرّس.
وكان عارفا بالقضاء بصيرا بالشروط والحكومات والمسائل الغامضات، صدرا
نبيلا، وولي قضاء حرّان قديما، واستوطن دمشق ودرّس بها بالمسمارية.
وحدّث عنه البرزالي، وابن العديم، وغيرهما. وأجاز لابن الشيرازي.
توفي في سابع عشر ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون، كذا قال أبو شامة [1] .
وفيها أبو القاسم حمزة بن عمر بن عتيق بن أوس الغزّال الأنصاري
الإسكندراني [2] . روى عن السّلفي، وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها سلطان بن محمود البعلبكي [3] الزاهد، أحد أصحاب الشيخ عبد الله
اليونيني. كان صاحب أحوال وكرامات، وهو والد الشيخ الصالح محمود.
قال السخاوي في «طبقاته» : كان من كبار أولياء الله تعالى، تقوّت مدة
من مباح جبل لبنان. حكى العماد أحمد بن سعد أن الشيخ معالي خادم
__________
[ (-) ] الأعلام» ص (266) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 225- 226) .
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (173) .
[2] انظر «العبر» (5/ 168) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 19) وقد سمّاه
الذهبي هناك «حمزة بن أوس الغزّال» .
[3] انظر «العبر» (5/ 168) .
(7/365)
الشيخ سلطان حدّثه أنه سأل الشيخ سلطان،
فقال: يا سيدي كم مرّة رحت إلى مكّة في ليلة؟ قال: ثلاث عشرة مرة. قلت:
فالشيخ عبد الله اليونيني قال: لو أراد أن لا يصلي فريضة إلّا في مكّة
لفعل.
وقال الشيخ عبد الدائم بن أحمد بن عبد الدائم: لما أعطي الشيخ سلطان
الحال جاء إليه سايس كردي فقال: قد عزلت أنا ووليت أنت وبعد ثلاثة أيام
ادفني. قال: فمات بعد ثلاث ودفنه [1] .
وحكى الشيخ الصالح محمود بن الشيخ سلطان، أن أباه كانت تفتح له أبواب
بعلبك بالليل انتهى.
وفيها عائشة بنت محمد بن علي بن البلّ البغدادي [2] الواعظة. أجاز لها
أبو الحسن بن غبرة، والشيخ عبد القادر [3] ، وكانت صالحة تعظ النساء،
توفيت في جمادى الأولى.
وفيها أبو محمد عبد الحق بن خلف بن عبد الحق الدمشقي الحنبلي [4] روى
عن أبي الفهم بن أبي العجائز، وابن صابر وجماعة. وكان يلقب بالضياء،
وسمع بحرّان من أبي الوفاء. وحدّث، وكان مشهورا بالخير والصلاح، وعجز
في آخر عمره عن التصرف، وتفرّد بأشياء، وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها عز الدّين أبو الفتح وأبو عمرو عثمان بن أسعد الحنبلي [5] .
ولد في محرم سنة سبع وستين وخمسمائة، وسمع بمصر من
__________
[1] قلت: هذه الفقرة وما سبقها من الشطحات التي لا يقرها الشرع الحنيف
ولا العقل السليم.
[2] انظر «العبر» (5/ 168) .
[3] يعني الجيلاني، رحمه الله تعالى.
[4] انظر «العبر» (5/ 168) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) و «ذيل
طبقات الحنابلة» (2/ 227) .
[5] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 226) .
(7/366)
البوصيري، ويوسف [1] بن الطّفيل. وببغداد
من ابن سكينة وغيره. وسمع منه الحافظ ابن الحاجب، وابن الحلوانية،
وولداه: وجيه الدّين محمد، وزين الدّين المنجّى، والحسن بن الخلّال.
وكان فقيها فاضلا معدّلا. ودرّس بالمسمارية عن أخيه نيابة. وكان تاجرا
ذا مال وثروة. توفي في مستهل ذي الحجة.
وفيها أبو الوفاء عبد الملك بن عبد الحق بن عبد الوهاب بن عبد الواحد
بن الحنبلي [2] .
ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وسمع بالإسكندرية من السّلفي، وبمكة من
المبارك بن الطبّاخ. وبدمشق من أبي الحسين بن الموازيني.
وحدّث، وتوفي في جمادى الآخرة ودفن بجبل قاسيون.
وفيها أبو المكارم عبد الواحد بن عبد الرحمن بن عبد الواحد بن محمد بن
هلال الأزدي الدمشقي [3] . روى عن الحافظ ابن عساكر، والأمير أسامة،
وتوفي في رجب.
وفيها التّسارسي [4] أبو الرضا علي بن زيد بن علي الإسكندراني الخيّاط.
روى عن السّلفي، وتسارس [5] من قرى برقة. توفي في رمضان.
قاله في «العبر» .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ويعقوب» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وانظر
«التكملة لوفيات النقلة» (1/ 457) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 393) .
[2] انظر «العبر» (5/ 169) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) و «ذيل
طبقات الحنابلة» (2/ 226- 227) .
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (173) و «العبر» (5/ 169) و «النجوم
الزاهرة» (6/ 349) .
[4] في «آ» و «ط» : «البسارسي» وهو تصحيف والتصحيح من «العبر» (5/ 169)
و «سير أعلام النبلاء» (23/ 92) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) و
«النجوم الزاهرة» (6/ 349) .
[5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «بسارس» والتصحيح من «العبر» وانظر «معجم
البلدان» (2/ 29) .
(7/367)
وفيها علي بن أبي الفخار هبة الله بن أبي
منصور محمد بن هبة الله الشريف أبو تمّام الهّاشمي العدل [1] ، خطيب
جامع ابن المطلب ببغداد.
روى عن ابن البطّي، وأبي زرعة، وجماعة. وعاش تسعين سنة، وتوفي في جمادى
الآخرة.
وفيها قصير بن فيروز البوّاب أبو محمد القطيعي [2] . روى عن عبد الحق
اليوسفي، وتوفي في شهر رمضان.
وفيها كريمة بنت عبد الوهاب بن علي بن الخضر مسندة الشام أم الفضل
القرشية الزّبيريّة، وتعرف ببنت الحبقبق [3] . روت عن حسّان الزّيّات
وخلق، وأجاز لها أبو الوقت [السّجزي] ، وابن الباغبان [4] ، ومسعود
الثقفي، وخلق. وروت شيئا كثيرا. توفيت في جمادى الآخرة [5] ببستانها
بالميطور [6] .
وفيها الجواد الذي تسلطن بدمشق بعد الملك الكامل، هو مظفّر الدّين يونس
بن ممدود بن العادل [7] . كان من أمراء عمّه الكامل، وكان جوادا لكنه
لا يصلح للملك.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 169- 170) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 90- 91) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) .
[2] انظر «العبر» (5/ 170) و «النجوم الزاهرة» (6/ 350) .
[3] انظر «العبر» (5/ 170) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 92- 93) و
«النجوم الزاهرة» (6/ 349) .
[4] تصحفت إلى «الباغيات» في «آ» و «ط» والتصحيح من «سير أعلام
النبلاء» (20/ 378) وسقط ذكره من «المنتخب» لابن شقدة (167/ ب) .
[5] في «ط» : «الآخر» .
[6] انظر «معجم البلدان» (5/ 244) و «القلائد الجوهرية» (1/ 218) .
[7] انظر «العبر» (5/ 171) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 184- 185) .
(7/368)
وفيها الأمير أبو المنصور مهلهل بن الأمير
محمد الملك أبي الضياء بدران بن يوسف بن عبد الله بن رافع بن زيد بن
أبي الحسن علي بن سلامة بن طارق [بن ثعلب بن طارق] [1] بن سعيد بن عبد
الرحمن بن حسّان بن ثابت الحسّاني النابلسي [2] الأصل المصري الحنبلي
[3] . سمع من إسماعيل ابن ياسين والبوصيري [4] ، والأرتاحيّ، وابن نجا،
والحافظ عبد الغني [5]- ولازمه كثيرا- وخلق كثير، وكتب بخطّه، وقرأ
بلفظه.
قال المنذري: سمعت منه، وتوفي في سابع عشر شعبان.
وفيها الصّدر الرئيس جمال الدّين محمد بن عقيل بن كروّس [6] محتسب
دمشق. كان كيّسا، متواضعا، دفن بداره بدرب السّامري، والله أعلم.
__________
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[2] في «ط» : «البابلسي» .
[3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 627- 628) و «ذيل طبقات
الحنابلة» (2/ 227) .
[4] في «آ» و «ط» : «والأبو صيري» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة»
وانظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 414) .
[5] يعني المقدسي كما جاء مبينا في «التكملة» .
[6] انظر «مرآة الزمان» (8/ 491- 492) .
(7/369)
سنة اثنتين وأربعين
وستمائة
وفيها توفي القاضي شهاب الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن عبد
المنعم بن علي بن محمد بن فاتك بن محمد المعروف بابن أبي الدّم [1] ولد
بحماة في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، ورحل إلى بغداد،
فتفقّه بها. وسمع بالقاهرة وحدّث بها وبكثير من بلاد الشام، وولي قضاء
بلده همذان- بإسكان الميم [2]- وهو حموي ولي قضاءها [3] أيضا.
وكان إماما في مذهب الشافعي، عالما بالتاريخ، له نظم ونثر، ومن تصانيفه
«شرح مشكل الوسيط» و «أدب القاضي» وكتاب في التاريخ والفرق الإسلامية.
__________
[1] انظر «المختصر في تاريخ البشر» (3/ 173) و «سير أعلام النبلاء»
(23/ 125- 126) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 115- 118) و «طبقات
الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 124) .
[2] تنبيه: كذا قيّدها المؤلّف رحمه الله: «همذان» بإسكان الميم ونسبه
إليها وأظنه وهم في ذلك لأن «همذان» مفتوحة الميم، هذا من جهة. ومن جهة
أخرى فإن ابن قاضي شهبة قيّد نسبته «الهمداني» بإسكان الميم وبالدال
وهو الصواب، و «الهمداني» نسبة إلى قبيلة «همدان» كما ومعروف.
[3] يعني قضاء حماة.
(7/370)
وقال الذهبي: له «التاريخ الكبير المظفّري»
وتصانيفه تدلّ على فضله.
توفي في جمادى الآخرة.
وفيها التّاج بن الشّيرازي أبو المعالي أحمد بن القاضي أبي نصر محمد بن
هبة الله بن محمد الدّمشقي المعدّل [1] . روى عن جدّه، والفضل ابن
البانياسي، وجماعة. وتوفي في رمضان، وله إجازة من السّلفي.
وفيها أبو طالب حاطب بن عبد الكريم بن أبي يعلى الحارثي [2] .
روى عن [أبي] القاسم بن عساكر، وتوفي في المحرّم عن خمس وتسعين سنة.
وفيها أبو المنصور ظافر بن طاهر بن ظافر بن إسماعيل بن سحم الأزدي
الإسكندراني المالكي المطرّز [3] . روى عن السّلفي وجماعة، وتوفي في
ربيع الأول.
وفيها تاج الدّين بن حمّوية شيخ الشيوخ أبو محمد عبد الله، ويسمى أيضا
عبد السلام بن عمر بن علي بن محمد الجويني الصّوفي [4] ، شيخ
السميساطية.
ولد بدمشق سنة ست وستين، وسمع من شهدة، والحافظ أبي القاسم ابن عساكر.
ودخل المغرب قبل الستمائة، فأقام هناك ست سنين، وله مجاميع وفوائد،
وكان نزها، عفيفا، قليل الطمع، لا يلتفت إلى أحد من خلق الله تعالى
لأجل الدنيا. وصنّف التاريخ، وهو عم أولاد شيخ الشيوخ.
توفي في صفر بدمشق ودفن بمقابر الصّوفية.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 171- 172) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) و
«النجوم الزاهرة» (6/ 352) .
[2] انظر «العبر» (5/ 172) و «مرآة الجنان» (4/ 105) .
[3] انظر «العبر» (5/ 172) و «النجوم الزاهرة» (6/ 351- 352) .
[4] انظر «العبر» (5/ 172) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 96) و «الإعلام
بوفيات الأعلام» ص (267) .
(7/371)
وفيها الرّفيع الجيلي، قاضي القضاة بدمشق
أبو حامد عبد العزيز [1] .
قال الإسنوي في «طبقاته» : رفيع الدّين أبو حامد عبد العزيز بن عبد
الواحد بن إسماعيل الجيلي الشّافعي. كان فقيها، بارعا، مناظرا، عارفا
بعلم الكلام والفلسفة وعلوم الأوائل، جيد القريحة، شرح «الإشارات» لابن
سينا شرحا جيدا. وكان فقيها في مدارس دمشق. [و] كان يصحب كاتب الصالح
إسماعيل، وهو أمين الدّين بن غزال الذي كان سامريا فأسلم، فلما أعطيت
بعلبك للصالح إسماعيل وبنى أمين الدّين بن غزال بها المدرسة المعروفة
بالأمينية. وسعى الرّفيع في قضاء بعلبك، فتولاها مع المدرسة، فلما
انتقل الصّالح إلى ملك دمشق، واستوزر أمين الدّين نقل الرّفيع من بعلبك
إلى قضاء دمشق بعد موت شمس الدّين ابن الخويي [2] ، فسار القاضي
المذكور سيرة فاسدة، حمله عليها قلة دينه، وفساد عقيدته من إثبات
المحاضر الفاسدة، والدعاوى الباطلة، وإقامة شهود رتّبهم لذلك، وأكل
الرّشا وأموال الأيتام والأوقاف وغير ذلك، ومهما حصل يأخذ الشهود
بعضهم، والباقي يقسم بين القاضي والوزير. هذا، مع استعمال المسكرات،
وحضور صلاة الجمعة وهو سكران، ثم إن الله تعالى كشف الغمّة بأن أوقع
بين الوزير والقاضي، وأراد كل منهما هلاك الآخر ودماره، فبادر الأمير
وقرّر أمره مع الصالح، فأمر ورسم له بمكة [3] .
قال أبو شامة: وفي ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وستمائة. قبض
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 172) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 592- 594) و
«النجوم الزاهرة» (6/ 350- 351) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الجويني» والتصحيح من هامش «آ» ومن ترجمته
في حوادث سنة (637) من هذا المجلد.
[3] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «فرسم يمسكه» .
(7/372)
على أعوان الرّفيع الظّلمة الأرجاس، وعلى
كبيرهم [1] الموفق حسين الواسطي، المعروف بابن الروّاس، وسجنوا ثم
عذّبوا بالضرب والعصر والمصادرة، ومات ابن الرّواس في العقوبة في جمادى
الأولى، سنة اثنتين وأربعين.
قال: وفي ثاني [ذي] الحجّة أخرج الرّفيع من داره وحبس بالمقدميّة، ثم
أخرج ليلا، وذهب به فسجن بمغارة من نواحي البقاع، ثم انقطع خبره، فقيل:
خنق، وقيل: ألقي من شاهق في هوّة، ولم يذكر الذهبي في «العبر» غيره.
وقيل: مات حتف أنفه، وتولى بعده محيي الدّين بن الزّكي بمدرسة واحدة،
وفرّقت مدارسه على العلماء.
وأمّا صاحبه الوزير المسمّى بالأمين، فإنه بقي إلى سنة ثمان وأربعين
[وستمائة] ثم شنق بالدّيار المصرية، وأخذت حواصله فبلغت ثلاثة آلاف ألف
دينار. انتهى كلام الإسنوي.
وقال ابن قاضي شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان فاسد العقيدة، دهريا،
مستهزئا بأمور الشريعة، يخرج إلى الجمعة سكران، وإذا سمع بصاحب مال
جهّز من يدّعي عليه بمبلغ من المال، فإذا أنكر أخرج عليه حجّة بالمبلغ،
وعنده شهود زور، أعدّهم لذلك. وحمل القاضي الرّفيع إلى بعلبك على بغل
بغير إكاف، ثم بعث به إلى مغارة في جبل لبنان من ناحية الساحل، وأرسل
إليه شاهدا عدل ببيع أملاكه، وأوقف على رأس القلعة، فقال: دعوني حتى
أصلي ركعتين، فصلّى وأطال، فرفسه داود سيّاف النقمة فوقع، فما وصل إلى
الماء إلّا وقد تقطع. انتهى.
__________
[1] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «وغلّ كبيرهم» .
(7/373)
وفيها الملك المغيث عمر بن الصالح أيوب [1]
، لم تحفظ عنه كلمة فحش. حبسه الملك إسماعيل وضيّق عليه السّامري، فمات
غمّا وغبنا، ودفن بتربة جدّه الملك الكامل.
وفيها النّفيس أبو البركات محمد بن الحسين بن عبد الله بن رواحة
الأنصاري الحموي [2] . سمع بمكة عبد المنعم الفراوي، وبالثغر من أبي
الطّاهر بن عوف، وأبي طالب التّنوخي. توفي في آخر السنة عن ثمان وسبعين
سنة.
وفيها أبو القاسم القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الأنصاري
القرطبي [3] نزيل مالقة. كان حافظا، مصنّفا، إماما في العربية
والقراءات. قاله ابن ناصر الدين.
وفيها أبو الحسن علي [بن الأنجب] بن ما شاء الله بن الحسين بن عبد الله
بن عبد الله العلوي الحسيني البغدادي المأموني الفقيه الحنبلي المقرئ
ابن الجصّاص [4] .
ولد في أوائل سنة ست وستين وخمسمائة، وقرأ القراءات على ابن الباقلاني
الواسطي بها. وسمع الحديث من ابن شاتيل، وشهدة، وابن كليب، وغيرهم.
وتفقّه على أبي الفتح بن المنّي، وتكلّم في مسائل الخلاف، وناظر،
وحدّث.
__________
[1] انظر «النجوم الزاهرة» (6/ 351) .
[2] انظر «العبر» (5/ 173) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) .
[3] انظر «الذيل والتكملة» للمراكشي (5/ 2/ 557- 566) - وفيه مصادر
ترجمته- و «التبيان شرح بديعة البيان» (177/ آ) .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 230) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
(7/374)
وروى عنه ابن النجّار، وأجاز لسليمان بن
حمزة، والقاسم بن عساكر، وغيرهما، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعيد بن مسافر بن جميل البغدادي
الأزجي الحنبلي الأديب [1] .
ولد في سابع ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. وسمع بإفادة والده
من ابن شاتيل، وابن كليب، وغيرهما. وكان لديه فضل وأدب، وله تصانيف.
وسمع منه المحبّ المقدسي، وعلي بن عبد الدائم، وتوفي في ثالث رجب
ببغداد.
وفيها الجمال بن المخيلي أبو الفضل يوسف بن عبد المعطي بن منصور بن نجا
الغسّاني الإسكندراني المالكي [2] . روى عن السّلفي وجماعة، وكان من
أكابر بلده. توفي في جمادى الآخرة.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 230- 231) .
[2] انظر «العبر» (5/ 173) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 116) و «الإعلام
بوفيات الأعلام» ص (267) و «النجوم الزاهرة» (6/ 352) .
(7/375)
سنة ثلاث وأربعين
وستمائة
بها كان الغلاء المفرط بدمشق، بيعت الغرارة بألف وستمائة درهم، وأكلت
الجيف، وتوفي بها خلق كثير من الأعيان.
وفيها، وجزم ابن كمال باشا أنه توفي في التي قبلها، شمس الأئمة الكردري
الحنفي محمد بن عبد الغفّار بن محمد العلماوي الكردري- بفتح الكاف
والدال المهملة وسكون الراء الأولى، نسبة إلى كردر ناحية بخوارزم-.
قال ابن كمال باشا في «طبقاته» : كان أستاذ الأئمة على الإطلاق،
والموفود إليه من الآفاق. أخذ عن شيخ الإسلام برهان الدّين علي
المرغيناني صاحب «الهداية» والشيخ مجد الدّين السّمرقندي، والشيخ برهان
الدّين ناصر صاحب «المغرب» [1] ، والعلّامة بدر الدّين عمر بن عبد
الكريم الورسكي، والشيخ شرف الدّين أبي محمد عمر بن محمد بن عمر
العقيلي، والقاضي عماد الدّين أبي العلى عمر بن محمد الزّرنجري [2] ،
والإمام الزّاهد زين الدّين الغتّابي، والشيخ نور الدّين أبي محمد أحمد
بن محمود الصّابوني، والإمام فخر الدّين قاضي خان، ونسبته إلى الجدّ
المنسوب إلى الكردر من عمل
__________
[1] طبع في مكتبة أسامة بن زيد بحلب بتحقيق الأستاذين محمود الفاخوري
وعبد الحميد مختار عام 1399 هـ وصدر في مجلدين.
[2] في «آ» : «الزّرنجي» .
(7/376)
جرجانية خوارزم، برع في معرفة المذهب، ورفع
علم أصول الفقه بعد اندراسه من زمن القاضي أبي زيد الدّبوسي، وشمس
الأئمة السّرخسي، وتفقه عنه كثير من الفقهاء، ومات ببخارى يوم الجمعة
تاسع المحرّم انتهى.
وفيها سيف الدّين أبو العبّاس أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد ابن
قدامة المقدسي الصّالحي [1] ، المحدّث الحافظ ابن ابن شيخ الإسلام موفق
الدّين الحنبلي.
ولد سنة خمس وستمائة بالجبل، وسمع من جدّه الكثير، ومن أبي اليمن
الكندي، وأبي القاسم بن الحرستاني، وداود بن ملاعب، وطبقتهم.
ورحل فسمع ببغداد من الفتح بن عبد السّلام وخلق من أصحاب ابن ناصر
وغيرهم، وكتب بخطّه الكثير.
قال الذهبي: كتب العالي والنازل. وجمع وصنّف، وكان ثقة، حافظا، ذكيا،
متيقظا [2] مليح الخطّ، عارفا بهذا الشأن، عاملا بالأثر، صاحب عبادة
وإنابة، تامّ المروءة، أمّارا بالمعروف، قوّالا بالحقّ، ولو طال عمره
لساد أهل زمانه علما وعملا. ومحاسنه جمّة، وألّف مجلدا كبيرا في الردّ
على الحافظ محمد بن طاهر المقدسي بإباحته للسماع، وانتفعت كثيرا
بتعاليق الحافظ سيف الدّين. انتهى.
توفي في مستهل شعبان بسفح قاسيون، ودفن به، وله أيضا كتب أخر.
وفيها الإمام تقي الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الغني بن عبد
الواحد بن علي بن سرور المقدسي الفقيه الحنبلي [3] .
__________
[1] انظر «تذكرة الحفاظ» (4/ 1446- 1447) و «القلائد الجوهرية» (2/
435- 436) و «النجوم الزاهرة» (6/ 353) .
[2] في «آ» : «منقطعا» وما جاء في «ط» موافق لما في «تذكرة الحفّاظ»
مصدر المؤلف.
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 232- 233) و «القلائد الجوهرية» (2/
470- 471) .
(7/377)
ولد في صفر سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وسمع
بدمشق من أبي طاهر الخشوعي، وحنبل الرّصافي، وابن طبرزد، وغيرهم، ورحل
في طلب الحديث، فسمع بأصبهان من أسعد بن روح، وعفيفة الفارفانية وخلق.
وببغداد من سليمان بن الموصلي وغيره، وقرأ الحديث بنفسه كثيرا وإلى آخر
عمره، وتفقّه على الشيخ موفق الدّين، وهو جدّه لأمه، وببغداد على الفخر
إسماعيل، وبرع، وانتهت إليه مشيخة المذهب بالجبل.
قال ابن الحاجب: سألت عنه الحافظ ابن عبد الواحد فقال: حصّل ما لم
يحصّله غيره، وحدّث، وروى عنه سليمان بن حمزة القاضي وغيره، وتوفي في
ثامن عشري ربيع الآخر، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها ابن الجوهري الحافظ أبو العبّاس أحمد بن محمود بن إبراهيم ابن
نبهان الدمشقي [1] مفيد الجماعة، وله أربعون سنة. سمع من أبي المجد
القزويني وخلق، ورحل إلى بغداد سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وكتب الكثير،
واستنسخ، وكان ذكيا متقنا رئيسا ثقة. قاله الذّهبي.
وفيها القاضي الأشرف أبو العبّاس أحمد بن القاضي الفاضل عبد الرحيم بن
علي البيساني [2] ثم المصري [3] في جمادى الآخرة وله سبعون سنة. سمع من
فاطمة بنت سعد الخير، والقاسم بن عساكر، وحصل له في الكهولة غرام زائد
بطلب الحديث، فسمع الكثير، وكتب واستنسخ، وكان رئيسا، نبيلا، وافر
الجلالة، استوزره الملك العادل، فلما مات عرضت عليه فلم يقبلها. مات
بالقاهرة ودفن بتربة أبيه.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 175) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 264) و «الإعلام
بوفيات الأعلام» ص (267) و «النجوم الزاهرة» (6/ 354) .
[2] في «آ» و «ط» : «البيثاني» بالثاء والتصحيح من «العبر» و «حسن
المحاضرة» .
[3] انظر «العبر» (5/ 175) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 211) و «الإعلام
بوفيات الأعلام» ص (268) و «الوافي بالوفيات» (7/ 57- 85) و «حسن
المحاضرة» (1/ 564) .
(7/378)
وفيها معين الدّين الصّاحب الكبير أبو علي
الحسن ابن شيخ الشيوخ صدر الدّين محمد بن عمر الجويني [1] في رمضان،
وقد قارب الستين. ولي عدة مناصب، وتقدم عند صاحب مصر فأمّره على جيشه
الذين حاصروا دمشق، فأخذها وولّى وعزل، وعمل نيابة السلطنة، فبغته
الأجل بعد أربعة أشهر ووجد ما عمل.
وفيها ربيعة خاتون الصّاحبة أخت صلاح الدّين والعادل [2] وقد نيّفت على
الثمانين، ودفنت بمدرستها بالجبل، وتوفيت في شعبان.
وفيها أبو الرجاء سالم بن عبد الرزاق بن يحيى المقدسي [3] ، خطيب عقربا
[4] . روى عن أبي المعالي بن صابر وجماعة، وعاش أربعا وسبعين سنة.
وفيها الشّرف أبو محمد وأبو بكر، عبد الله بن الشيخ أبي عمر، محمد بن
أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الأصل الصّالحي الحنبلي الخطيب [5] .
ولد في أواخر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة بدمشق، وسمع بها من يحيى
الثقفي وغيره، وببغداد من أبي الفرج بن الجوزي، وابن
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 175- 176) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 100) .
[2] انظر «ذيل الروضتين» ص (177) و «المختصر في تاريخ البشر» (3/ 174)
و «العبر» (5/ 176) و «البداية والنهاية» (13/ 170) و «ترويح القلوب في
ذكر ملوك بني أيوب» للمرتضى الزّبيدي ص (78) بتحقيق الدكتور صلاح الدين
المنجد.
[3] انظر «العبر» (5/ 176) .
[4] قرية من قرى الغوطة إلى الجنوب الشرقي من دمشق تبعد عن وسط المدينة
قرابة خمس كيلو مترات.
[5] انظر «ذيل الروضتين» ص (177) و «العبر» (5/ 176) و «القلائد
الجوهرية» (1/ 478- 479) .
(7/379)
المعطوش [1] ، وابن سكينة، وطبقتهم. وبمصر
من البوصيري، والأرتاحي، وغيرهما. وتفقّه على والده وعمّه، وخطب بجامع
الجبل مدة، وكان شيخا حسنا يشار إليه بالعلم والدّين، والورع والزهد،
وحسن الطريقة وقلّة الكلام.
قال الحافظ الضياء: كان فقيها، فاضلا، ديّنا، ثقة وكتب عنه مع تقدمه.
توفي ليلة الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون.
وفيها أبو منصور عبد الله بن محمد بن أبي محمد بن الوليد البغدادي
الحريمي الحافظ المحدّث الحنبلي [2] ، أحد من عني بهذا الشأن [3] . سمع
الكثير ببغداد من خلق، منهم: ابن الأخضر، وبحرّان من الرهاوي الحافظ
وغيره، وبحلب من جماعة، وبدمشق من أبي اليمن الكندي وجماعة.
قال ابن نقطة: سمع بالشام وبلاد الجزيرة، وقرأ الكثير. قال لي أبو بكر
تميم بن البندنيجي وغيره: إن اسمه الذي تسمّى به جزيرة تصغير جزرة-
بالجيم والزاي-.
وقال الشريف أبو العبّاس الحسيني: كان حافظا، مفيدا، سمع الناس الكثير
بقراءته، وكان مشهورا بسرعة القراءة وجودتها، وجمع وحدّث.
وقال ابن رجب: له تخاريج كثيرة [4] ، وفوائد وأجزاء. ورسائل [5] إلى
السّامري صاحب «المستوعب» ينكر عليه فيها تأويله [6] لبعض الصفات.
__________
[1] تصحف في «آ» و «ط» و «القلائد الجوهرية» إلى «ابن المعطوس»
والتصحيح ترجمته في الجزء السادس صفحة (557) .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 213- 214) و «ذيل طبقات الحنابلة»
(2/ 232- 233) .
[3] يعني بالحديث النبوي وعلومه.
[4] في «آ» و «ط» : «له تاريخ كبير» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة»
.
[5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «رسالة» .
[6] في «آ» و «ط» : «تأوله» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .
(7/380)
وذكر ابن السّاعي وغيره، أن المستنصر بالله
لما بنى مدرسته المعروفة، رتّب بدار الحديث بها شيخين يشتغلان [1] بعلم
الحديث، أحدهما: أبو منصور هذا، والثاني ابن النجار الشافعي صاحب
«التاريخ» .
توفي ببغداد في ثالث جمادى الأولى ودفن خلف بشر الحافي.
وفيها أبو سليمان عبد الرحمن بن الحافظ أبي محمد عبد الغني بن عبد
الواحد بن علي بن سرور المقدسي [2] الحنبلي، الفقيه الزاهد.
ولد سنة ثلاث أو أربع وثمانين وخمسمائة في شوال، وسمع بدمشق من الخشوعي
وغيره، وبمصر من البوصيري وغيره. وببغداد من ابن الجوزي وطبقته. وتفقّه
على الشيخ الموفق حتّى برع، وكان يؤم معه في جامع بني أميّة بمحراب
الحنابلة. وأفتى ودرّس، وكان إماما، عالما، فاضلا، ورعا، حسن السمت،
دائم البشر، كريم النّفس، مشتغلا بنفسه وبإلقاء الدّروس المفيدة.
قال أبو شامة: كان من أئمة الحنابلة، ومن الصالحين، وحدّث، وروى عنه
ابن النجار.
وتوفي في تاسع عشري صفر، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها الحافظ المكثر سراج الدّين أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن بركات
بن شحانة الحرّاني الحنبلي [3] . أحد من عني بعلم الحديث. سمع بحرّان
من الرهاوي، وبدمشق من ابن الحرستاني، وابن ملاعب، وغيرهما.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «يشغلان» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] انظر «العبر» (5/ 176- 177) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 231- 232)
و «القلائد الجوهرية» (1/ 477) .
[3] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 214- 215) و «الإعلام بوفيات
الأعلام» ص (268) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 240- 241) وما بين
الحاصرتين في الترجمة زيادة منه.
(7/381)
وبحلب من الافتخار الهاشمي. وبالموصل من
مسمار بن العويس. وبمصر من أصحاب السّلفي وغيره. وببغداد من الأرموي
وغيره. وكتب بخطّه الكثير.
قال ابن نقطة: هو شاب ثقة [حسن المذاكرة] .
وقال غيره: كان ممن له الرحلة الواسعة في الطلب. سمع من الجمّ الغفير،
وسكن آخر عمره بميّافارقين، وبها مات. وصار صاحب ثروة بعد الفقر. وكانت
له بنت عمياء تحفظ كثيرا، إذا سئلت عن باب من العلم من الكتب الستة
ذكرت أكثره، وكانت في ذلك أعجوبة، لم تبلغ أوان الرواية [1] ، وتوفي
والدها في جمادى الآخرة.
وشحانة: بضم الشين المعجمة، وفتح الحاء المهملة الخفيفة، وبعد الألف
نون.
وفيها أسعد الدّين أبو القاسم عبد الرحمن بن مقرّب بن عبد الكريم
الحافظ التّجيبي الكندي الإسكندراني [2] ، المنعوت بالجلال العدل،
تلميذ ابن المفضّل. روى عن البوصيري، وابن موقا، وعني بالحديث، وكتب
وخرّج وتوفي في صفر.
وفيها عبد المحسن بن حمّود الصدر العلّامة أمين الدّين التّنوخي الحلبي
[3] ، الكاتب المنشئ. روى عن حنبل وطبقته، وله «ديوان» ترسّل
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «لم يبلغ أبو محمد- يعني المترجم- رحمه
الله أوان الرواية» .
[2] انظر «العبر» (5/ 177) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 215) و «الإعلام
بوفيات الأعلام» ص (267) و «النجوم الزاهرة» (6/ 354) .
[3] انظر «العبر» (5/ 177) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 215- 216) و
«النجوم الزاهرة» (6/ 353) .
(7/382)
و «ديوان» شعر، وكتب لجماعة من الملوك.
وصنّف «مفتاح الأفراح [1] في امتداح الرّاح» وغير ذلك من المجاميع
الأدبية.
توفي في رجب وله ثلاث وسبعون سنة.
وفيها الصّاحب الوزير، فلك الدّين عبد الرحمن بن هبة الله المسيري [2]
الوزير المصري، وزير الملك العادل. كانت الملوك تقبّل يديه إذا رأوه
ركب في الموكب مع الملك الكامل، فلما وصل إلى باب السرّ أراد أن ينزل
على العادة، فرسم له أن لا ينزل، فدخل قدّام الكامل إلى القلعة راكبا،
فلما نزلا قال للكامل: ما بقيت أخشى بعدها أي موتة أموت، فضحك الكامل.
وكان له مملوك حسن يقال له: أزبك، فائق الجمال، فعمل فيه العزّ
القليوبي دوبيت:
البدر بدا من صدغه في حلك ... والعقل غدا من حسنه في شرك
تحت الفلك الخلق كثير لكن ... ما مثلك يا أزبك فوق الفلك
وفيها تقي الدّين بن الصّلاح الحافظ، شيخ الإسلام أبو عمرو عثمان ابن
عبد الرحمن بن موسى الكردي الشّهرزوري الموصلي الشافعي [3] .
ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وسمع من عبيد الله بن السّمين، ومنصور
الفراوي، وطبقتهما. وتفقّه، وبرع في المذهب وأصوله، وفي الحديث وعلومه.
وصنّف التصانيف، مع الثقة، والدّيانة، والجلالة.
قال ابن خلّكان: كان أحد فضلاء عصره في التفسير، والحديث،
__________
[1] في «كشف الظنون» (2/ 1758) : «مفاتح الأرواح ... » .
[2] انظر «مرآة الزمان» (8/ 501) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 243- 245) و «سير أعلام النبلاء» (23/
140- 144) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) و «طبقات الشافعية
الكبرى» (8/ 326- 336) و «النجوم الزاهرة» (6/ 354) و «طبقات الشافعية»
لابن قاضي شهبة. (2/ 142- 146) .
(7/383)
والفقه، وأسماء الرجال، وما يتعلق بعلم
الحديث واللغة.
وإذا أطلق الشيخ في علماء الحديث فالمراد به هو، وإلى ذلك أشار العراقي
صاحب «الألفية» بقوله فيها [1] :
وكلّما أطلقت لفظ الشّيخ ما ... أريد إلّا ابن الصّلاح مبهما
وكانت فتاويه مسددة، وكان شيخي [2] أحد أشياخي الذين انتفعت بهم. قرأ
الفقه أولا على والده الصلاح، ثم نقله والده إلى الموصل واشتغل بها
مدة، ثم تولى الإعادة عند ابن يونس بالموصل، ثم سافر إلى خراسان وأقام
بها زمانا، وحصّل علم الحديث هناك، ثم رجع إلى الشام. وتولى المدرسة
الناصرية [3] بالقدس الشريف، المنسوبة إلى الملك الناصر صلاح الدّين
يوسف بن أيوب، وأقام بها مدة. واشتغل الناس عليه وانتفعوا به، ثم انتقل
إلى دمشق، وتولى تدريس المدرسة الرواحية التي أنشأها الزّكي ابن رواحة
الحموي. ولما بنى الأشرف دار الحديث بدمشق، فوّض تدريسها إليه، وتولى
تدريس مدرسة ستّ الشام التي قبل المارستان النّوري، وكان يقوم بوظائف
الجهات الثلاث، من غير إخلال بشيء منها. وكان من العلم والدّين على قدم
عظيم، ولم يزل أمره جاريا على السّداد، والصلاح، والاجتهاد في الاشتغال
إلى أن توفي يوم الأربعاء وقت الصبح، وصلّي عليه بعد الظهر، وهو الخامس
والعشرون من ربيع الآخر بدمشق، ودفن بمقابر الصّوفية. انتهى ملخصا.
وقال ابن قاضي شهبة: ومن تصانيفه «مشكل الوسيط» في مجلد كبير.
__________
[1] انظر «فتح المغيث شرح ألفية الحديث» (1/ 6) .
[2] يعني المترجم.
[3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (168/ ب) : «النظامية» والتصحيح من
«وفيات الأعيان» مصدر المؤلف وانظر «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 83)
.
(7/384)
وكتاب «الفتاوى» و «علوم الحديث» [1] وكتاب
«أدب المفتي والمستفتي» [2] ونكت على «المهذّب» و «فوائد الرحلة» وهي
أجزاء كثيرة. و «طبقات الشافعية» واختصره النّووي [3] واستدرك عليه،
وأهملا خلائق من المشهورين، وإنهما كانا يتّبعان التراجم الغريبة.
انتهى ملخصا أيضا.
وفيها السخاوي علم الدّين العلّامة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد
الصّمد بن عبد الأحد الهمداني، المقرئ النحوي الشافعي [4] .
ولد قبل الستين وخمسمائة، وسمع من السّلفي وجماعة، وقرأ القراءات على
الشّاطبي وغيره حتى فاق أهل زمانه في القراءات، وانتهت إليه رئاسة
الإقراء والأدب بدمشق، وقرأ عليه خلق لا يحصيهم إلا الله.
قال الذهبي: ما علمت أحدا في الإسلام حمل عنه القراءات أكثر مما حمل
عنه. وله تصانيف سائرة متقنة.
وقال ابن قاضي شهبة: ازدحم عليه الطلبة وقصدوه من البلاد وتنافسوا في
الأخذ عنه، وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا، مطّرحا للتكلف، حلو المحاضرة،
مطبوع النّادرة، حادّ القريحة، من أذكياء بني آدم، وكان وافر الحرمة،
كبير القدر، محبّبا إلى الناس، ليس له شغل إلّا العلم والإفادة.
__________
[1] نشر عدة مرات أجودها التي صدرت عن دار الفكر بدمشق بتحقيق الأستاذ
الدكتور نور الدّين عتر.
[2] نشر بتحقيق الأستاذ الدكتور محيي هلال السرحان، نفع الله تعالى به.
[3] والمختصر قيد الطبع ببيروت، وقد قام بتحقيقه الأستاذ محيي الدّين
نجيب، زاده الله تعالى توفيقا.
[4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 340- 341) و «سير أعلام النبلاء» (23/
122- 124) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 297- 298) و «الإعلام بوفيات
الأعلام» ص (267) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 631- 635) و «طبقات
الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 147- 149) و «النجوم الزاهرة» (6/ 354) ،
و «حسن المحاضرة» (1/ 412- 413) .
(7/385)
توفي في جمادى الآخرة، ودفن بقاسيون. ومن
تصانيفه «التفسير» إلى الكهف في أربع مجلدات، و «شرح الشاطبية» في
مجلدين، و «شرح الرائية» في مجلد، وكتاب «جمال القراء وتاج الإقراء» و
«شرح المفصل» للزّمخشري في أربع مجلدات، وغير ذلك.
وقال ابن خلّكان: رأيته مرارا راكبا بهيمة وهو يصعد إلى جبل الصالحية
وحوله اثنان أو ثلاثة، وكل واحد يقرأ ميعاده في غير موضع الآخر، والكلّ
في دفعة واحدة، وهو يردّ على الجميع. [ولم يزل] مواظبا على وظيفته.
ولما حضرته الوفاة أنشد لنفسه:
قالوا غدا تأتي ديار الحمى ... وينزل الرّكب بمغناهم
فكلّ من كان مطيعا لهم ... أصبح مسرورا بلقياهم
قلت: فلي ذنب فما حيلتي ... بأيّ وجه أتلقّاهم
قالوا: أليس العفو من شأنهم ... لا سيما عمّن ترجّاهم
ثم ظفرت بتاريخ مولده سنة ثمان وخمسين وخمسمائة بسخاو [1]- بفتح السين
المهملة والخاء المعجمة وبعدها ألف ثم واو- هذه النسبة إلى سخاو [1]
بليدة من أعمال مصر، وقياسه سخوي، ولكن الناس أطبقوا على النسبة
الأولى. انتهى.
وفيها أبو الحسن بن المقيّر، مسند الدّيار المصرية، علي بن أبي عبد
الله الحسين بن علي بن منصور البغدادي الحنبلي النجّار [2] .
__________
[1] كذا كتبها المؤلف «سخاو» بسين وخاء وألف وواو، والذي في «معجم
البلدان» (3/ 196) :
«سخا» بسين وخاء وألف.
[2] انظر «العبر» (5/ 178) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 119- 121) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (268) و «النجوم الزاهرة» (6/ 355) .
(7/386)
ولد سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وسمع من
شهدة، ومعمر بن الفاخر، وجماعة. وأجاز له ابن ناصر، وأبو بكر ابن
الزّاغوني، وطائفة. وكان صاحب تلاوة وذكر وأوراد. توفي في نصف ذي
القعدة بالقاهرة. قاله في «العبر» .
وفيها ضياء الدّين أبو إبراهيم محاسن بن عبد الملك بن علي بن نجا
التنوخي الحموي ثم الصّالحي [1] ، الفقيه الحنبلي.
سمع بدمشق من الخشوعي، وتفقّه على الشيخ موفق الدّين حتّى برع، وكان
عارفا بالمذاهب، قليل التعصب، زاهدا، ما نافس في منصب قطّ ولا دنيا،
ولا أكل من وقف، بل كان يتقوت من شكارة تزرع له بحوران. وما آذى مسلما
قطّ، ولا دخل حمّاما، ولا تنعّم في ملبس ولا مأكل، ولا زاد على ثوب
وعمامة في طول عمره. وكان على خير كثير، قلّ من يماثله في عبادته
واجتهاده وسلوك طريقته، رحمه الله.
قرأ عليه جماعة وحدّث.
وتوفي في ليلة الرابع من جمادى الآخرة بجبل قاسيون وبه دفن، وممن قرأ
عليه صاحب «المبهم» عبد الله بن أبي بكر الحربي كتيلة [2] ، وقال: ذكر
لي أن من يحرّك أصبعه المسبّحة في تشهده، كان ذلك عبثا يبطل صلاته [3]
.
قال: وقول من قال من أصحابنا: يشير بها مرارا، يعني عند الشهادتين فقط.
وفيها الحافظ الكبير ضياء الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد ابن
أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور السّعدي المقدسي
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 234) و «القلائد الجوهرية» (2/ 477-
478) .
[2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (169/ آ) : «كتابه» وما أثبته من «ذيل
طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.
[3] أقول: ليس عليه أي دليل على البطلان. (ع) .
(7/387)
الصّالحي الحنبلي [1] ، محدّث عصره ووحيد
دهره، شهرته تغني عن الإطناب في ذكره والإسهاب في أمره.
ولد في [2] خامس جمادى الآخرة سنة تسع وستين وخمسمائة. وسمع بدمشق من
أبي المجد البانياسي، وأحمد بن الموازيني وغيرهما. وبمصر من البوصيري،
وفاطمة بنت سعد الخير، وجماعة. وببغداد الكثير من ابن الجوزي، وابن
المعطوش [3] وابن سكينة، وابن الأخضر، وهذه الطبقة.
وبأصبهان من أبي جعفر الصيدلاني وطبقته، وبهمذان من عبد الباقي بن
عثمان. وبنيسابور من المؤيد الطّوسي وطبقته، وبهراة من أبي روح، وبمرو
من أبي المظفّر بن السمعاني، ورحل مرتين إلى أصبهان. وسمع بها ما لا
يوصف كثرة. وكتب بخطّه الكثير من الكتب الكبار وغيرها.
قال ابن رجب: يقال: إنه كتب عن أزيد من خمسمائة شيخ، وحصّل أصولا
كثيرة، وأقام بهراة، ومرو مدة، وله إجازة من السّلفي، وشهدة.
وقال ابن النجار: كتبت عنه ببغداد، ونيسابور، ودمشق، وهو حافظ، متقن،
ثبت، ثقة، صدوق، نبيل، حجّة، عالم بالحديث وأحوال الرجال.
وله مجموعات وتخريجات، وهو ورع، تقيّ، زاهد، عابد، محتاط في أكل
الحلال، مجاهد في سبيل الله، ولعمري ما رأت عيناي مثله في نزاهته،
وعفّته، وحسن سيرته وطريقته في طلب العلم.
وقال عمر بن الحاجب: شيخنا أبو عبد الله، شيخ وقته، ونسيج وحده، علما،
وحفظا، وثقة، ودينا، من العلماء الربّانيين، وهو أكبر من أن يدلّ عليه
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 179- 180) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 126- 130)
و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (268) و «الوافي بالوفيات» (4/ 65- 66) و
«ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 236- 240) و «القلائد الجوهرية» (1/ 130-
134) .
[2] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[3] في «آ» و «ط» : «المعطوس» بالسين المهملة، والتصحيح من المصادر
التي بين يدي.
(7/388)
مثلي. كان شديد التحري في الرواية، مجتهدا
في العبادة، كثير الذكر، منقطعا عن الناس، متواضعا في ذات الله، رأيت
جماعة من المحدّثين ذكروه فأطنبوا في حقّه، ومدحوه بالحفظ والزهد، سألت
البرزالي عنه فقال: ثقة جبل حافظ ديّن.
وقال الشريف أبو العبّاس الحسيني: حدّث بالكثير مدة، وخرّج تخاريج
كثيرة مفيدة، وصنّف تصانيف حسنة. وكان أحد أئمة هذا الشأن، عارفا
بالرّجال وأحوالهم، والحديث صحيحه وسقيمه، ورعا، متدينا، طارحا للتكلف.
وقال الذهبي: بنى مدرسة على باب الجامع المظفّري بسفح قاسيون، وأعانه
عليها بعض أهل الخير، ووقف عليها كتبه وأجزاءه.
وقال غيره: بناها للمحدّثين والغرباء الواردين، مع الفقر والقلة، وكان
يبني منها جانبا ويصبر إلى أن يجتمع عنده ما يبني به، ويعمل فيها
بنفسه، ولم يقبل من أحد فيها شيئا تورعا. وكان ملازما لجبل الصالحية
قبل أن يدخل البلد، أو يحدّث به، ومناقبه أكثر من أن تحصر.
وقال الذهبي أيضا- نقلا عن الحافظ المزّي- أنه كان يقول: الضياء أعلم
بالحديث والرجال من الحافظ عبد الغني، ولم يكن في وقته مثله.
وقال الذهبي أيضا: الإمام، العالم، الحافظ، الحجّة، محدّث الشام، شيخ
السّنّة، ضياء الدّين، صنّف، وصحّح، وليّن، وجرّح، وعدّل. وكان المرجوع
إليه في هذا الشأن.
وقال ابن رجب أيضا: من مصنفاته «الأحاديث المختارة» [1] خرّجها من
__________
[1] قلت: قال العلّامة الكتّاني في «الرسالة المستطرفة» ص (24) طبع دار
البشائر الإسلامية:
وهو مرتب على المسانيد على حروف المعجم، لا على الأبواب، في ستة
وثمانين جزءا، ولم يكمل، التزم فيه الصحة، وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى
تصحيحها، وقد سلّم له فيها-
(7/389)
مسموعاته. كتب منها تسعين جزءا ولم تكمل،
كتاب «فضائل الأعمال» أربعة أجزاء [1] ، كتاب «فضائل الشام» ثلاثة
أجزاء [2] ، «مناقب أصحاب الحديث» أربعة أجزاء، «صفة الجنة» ثلاثة
أجزاء، «صفة النّار» جزءان، «أفراد الصحيح» جزء و «غرائبه» تسعة أجزاء،
«ذم المسكر» جزء، «الموبقات» أجزاء كثيرة، «كلام الأموات» جزء، «شفاء
العليل» جزء، «الهجرة إلى أرض الحبشة» جزء، «قصة موسى عليه السلام»
جزء، «فضائل القراءة» جزء، «الرّواة عن البخاري» جزء، كتاب «دلائل
النبوة» ، «الإلهيات» ثلاثة أجزاء، «الحكايات المستطرفة» [3] أجزاء
كثيرة، كتاب «سبب هجرة المقادسة إلى دمشق وكرامات مشايخهم» نحو عشرة
أجزاء، وأفرد لأكابرهم من العلماء لكل واحد سيرة في أجزاء كثيرة، «الطب
والرقيات» أجزاء [4] وغير ذلك.
وممن روى عنه ابن نقطة، وابن النجار، والبرزالي، وعمر بن الحاجب، وابن
أخيه الفخر البخاري، وخلق كثير.
__________
إلّا أحاديث يسيرة جدا تعقبت عليه، وذكر ابن تيمية، والزركشي، وغيرهما،
أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الحاكم. وفي «اللآلئ» ذكر الزركشي في
تخريج الرافعي، أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الحاكم، وأنه قريب من
تصحيح الترمذي وابن حبّان. وذكر ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي»
نحوه، وزاد فإن الغلط فيه قليل، ليس هو مثل صحيح الحاكم، فإن فيه
أحاديث كثيرة يظهر أنها كذب موضوعة، فلهذا انحطت درجته عن درجة غيره.
قلت: وشرعت الرئاسة العامة لتعليم البنات في المملكة العربية السعودية
بطبعه بتحقيق الأستاذ الشيخ عبد الملك بن عبد الله بن الدّهيش، وقد صدر
المجلد الأول منه في العام الماضي. وصدر المجلد الثاني هذا العام،
والمجلد الثالث منه تحت الطبع.
[1] نشر أول مرة في مكتبة النمنكاني بالمدينة المنورة من غير تحقيق ولا
تخريج، ثم نشر نشرة متقنة جيدة في مؤسسة الرسالة ببيروت بتحقيق الأستاذ
غسّان عيسى محمد هرماس.
[2] حقّق القسم المتعلق ببيت المقدس منه صديقي الفاضل الأستاذ محمد
مطيع الحافظ، حفظه الله تعالى ونفع به، ونشرته دار الفكر بدمشق منذ عدة
سنوات.
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «الحكايات المستطرفات» .
[4] قلت: ومن مصنفاته أيضا رسالة «اتباع السنن واجتناب البدع» وهي
رسالة نافعة مفيدة في موضوعها، وقد من الله- عزّ وجلّ- عليّ بتحقيقها
بالاشتراك مع صديقي الفاضل الأستاذ محمد بدر الدّين قهوجي، ونشرتها دار
ابن كثير ضمن سلسلة «نصوص تراثية» .
(7/390)
توفي يوم الاثنين ثامن عشري جمادى الآخرة
بسفح قاسيون، ودفن به، رحمه الله تعالى.
وفيها العزّ النسّابة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن
عساكر الدمشقي الشافعي [1] .
قال الذهبي: صدر كبير محتشم، سمع من عمّ والده الحافظ [2] ، ومن أبي
الفهم بن أبي العجائز، وطائفة.
وتوفي في جمادى الأولى. انتهى.
وفيها التّاج أبو الحسن محمد بن أبي جعفر أحمد بن علي القرطبي [3] إمام
الكلّاسة وابن إمامها.
ولد بدمشق في أول سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وسمع من عبد المنعم الفراوي
بمكّة. ومن يحيى الثّقفي، والفضل البانياسي بدمشق.
وطلب، وتعب، ونسخ الكثير. وكان حافظا ذا دين ووقار.
قال ابن ناصر الدّين [4] : كان حافظا مشهورا وإماما مكثرا مذكورا.
توفي في جمادى الأولى.
وفيها ابن الخازن أبو بكر محمد بن سعيد بن الموفق النيسابوري ثم
البغدادي [5] ، أحد مشايخ الصّوفية الأكابر.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 216- 217) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) .
[2] يعني الحافظ أبي القاسم بن عساكر صاحب «تاريخ دمشق» .
[3] انظر «العبر» (5/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 217- 218) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267- 268) .
[4] في «التبيان شرح بديعة البيان» (178/ آ- ب) .
[5] انظر «العبر» (5/ 179) .
(7/391)
ولد في صفر سنة ست وخمسين وخمسمائة، وسمع
من أبي زرعة المقدسي، وأحمد بن المقرّب، وجماعة، وتوفي في السابع
والعشرين من ذي الحجّة.
وفيها ابن النجّار الحافظ الكبير محبّ الدّين أبو عبد الله محمد بن
محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن البغدادي [1] صاحب «تاريخ بغداد»
[2] .
ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وسمع من ذاكر بن كامل، وابن بوش، وابن
كليب. ورحل إلى أصبهان، وخراسان، والشام، ومصر، وكتب ما لا يوصف. وكان
ثقة متقنا، واسع الحفظ، تامّ المعرفة بالفنّ. قاله في «العبر» .
وقال ابن قاضي شهبة في «طبقات الشافعية» : كان شافعي المذهب وأول سماعه
وهو ابن عشر سنين، وطلب بنفسه وهو ابن خمس عشرة، وسمع الكثير، وقرأ
بالسبع على أبي أحمد بن سكينة، ورحل رحلة عظيمة إلى الشام، ومصر،
والحجاز، وأصبهان، وحرّان، ومرو، وهراة، ونيسابور.
واستمر في الرحلة سبعا وعشرين سنة. وكتب عمّن دبّ ودرج، وعمّن نزل
وعرج. وعني بهذا الشأن عناية بالغة، وكتب الكثير وحصّل وجمع.
قال الذهبي: كان إماما، ثقة، حجّة، مقرئا، مجوّدا، كيسا، متواضعا،
ظريفا، صالحا، خيّرا، متنسكا، أثنى عليه ابن نقطة، والدّبيثي، والضياء
المقدسي، وهم من صغار شيوخه من حيث السند.
وقال ابن الساعي: كان ثقة من محاسن الدّنيا [3] ، ووقف كتبه بالنظامية،
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 180) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 131- 134) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (268) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة
(2/ 156- 158) .
[2] الصواب في اسمه «ذيل تاريخ بغداد» وقد طبع قسم منه في الهند.
[3] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «كان شيخ وقته، وكان من محاسن
الدنيا ... » .
(7/392)
مات ببغداد في خامس شعبان ودفن بمقابر
الشهداء بباب حرب.
ومن تصانيفه كتاب «القمر المنير في المسند الكبير» و «ذكر كل صحابي وما
له من الحديث» وكتاب «كنز الأنام في السّنن والأحكام» وكتاب «جنّة
النّاظرين في معرفة التابعين» وكتاب «الكمال في معرفة الرجال» و «ذيل
على تاريخ بغداد» للخطيب في ستة عشر مجلدا، وكتاب «المستدرك على تاريخ
الخطيب» في عشر مجلدات، وكتاب في «المتفق والمفترق» على منهاج كتاب
الخطيب، وكتاب في «المؤتلف والمختلف» ذيّل به على ابن ماكولا، وكتاب
«المعجم» له اشتمل على نحو من ثلاثة آلاف شيخ، وكتاب «العقد الفائق في
عيون أخبار الدّنيا ومحاسن الخلائق» ، وكتاب «الدّرّة الثمينة في أخبار
المدينة» وكتاب «نزهة الورى في أخبار أم القرى» وكتاب «روضة الأولياء
في مسجد إيلياء» وكتاب «مناقب الشافعي» وكتاب «غرر الفوائد» [1] في ست
مجلدات، وغير ذلك. انتهى كلام ابن شهبة.
وفيها المنتجب [2] بن أبي العزّ بن رشيد أبو يوسف الهمذاني المقرئ [3]
، نزيل دمشق. قرأ القراءات على أبي الجود وغيره، وصنّف شرحا كبيرا ل
«الشاطبية» وشرحا ل «مفصّل» الزمخشري، وتصدر للإقراء.
توفي في ربيع الأول.
وفيها أبو غالب منصور بن أبي الفتح أحمد بن محمد بن محمد المراتبي
الخلّال ابن المعوّج [4] .
__________
[1] في «ط» : «الفرائد» .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «المنتخب» بالخاء
والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «العبر» (5/ 180) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 219- 220) و
«معرفة القراء الكبار» (2/ 637- 638) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص
(267) .
[4] انظر «العبر» (5/ 181) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 220) و «الإعلام
بوفيات الأعلام» ص (268) .
(7/393)
ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وسمع محمد بن
إسحاق الصّابي، وأبا طالب بن حضير، وغيرهما. وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها تاج الدّين أبو القاسم نصر بن أبي السعود بن مظفّر بن الخضر ابن
بطّة اليعقوبي [1] الضرير، الفقيه الحنبلي من أهل يعقوبا، وفي كثير من
طباق السماع ينسب إلى عكبرا، وفي بعض الطباق بسبط ابن بطّة، وهذا يدلّ
على أنه من ولد بعض بنات أبي عبد الله بن بطّة. دخل بغداد في صباه،
فقرأ على ابن زريق القزّاز، وابن شاتيل، وابن كليب، وغيرهم. وتفقه في
المذهب على ابن الجوزي وغيره، وبرع وأفتى وناظر، وأخذ عنه ابن النجار
ولم يذكره في «تاريخه» . وأجاز لعبد الصّمد بن أبي الجيش وغيره، ولأحمد
الحجّار. وتوفي ليلة الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ببغداد ودفن بباب
حرب.
وفيها عماد الدّين أبو بكر يحيى بن علي بن علي بن عنان الغنوي البغدادي
الفقيه الحنبلي الفرضي، المعروف بابن البقّال [2] .
ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة تقريبا، وطلب العلم في صباه، وسمع الكثير
من أبي الفتح بن شاتيل، وأبي الفرج بن كليب، وابن الجوزي، وغيرهم.
وتفقه في المذهب، وقرأ الفرائض والحساب، وتصرف في الأعمال السلطانية،
وكان صدوقا، حسن السيرة، وروى عنه جماعة، منهم عبد الصمد بن أبي الجيش،
وتوفي يوم الأحمد سلخ رمضان ببغداد، ودفن بمقبرة الإمام أحمد بباب حرب.
قاله ابن رجب.
وفيها الموفق يعيش بن علي بن يعيش الأسدي الحلبي [3] .
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 235- 236) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 242) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 46- 53) و «العبر» (5/ 181) و «سير أعلام
النبلاء» (23/ 144- 147) .
(7/394)
ولد سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، وسمع
بالموصل من أبي الفضل الطّوسي. وبحلب من أبي سعد بن أبي عصرون، وطائفة.
وانتهى إليه معرفة العربية ببلده، وتخرّج به خلق كثير. توفي في الخامس
والعشرين من جمادى الأولى. قاله في «العبر» .
وقال ابن خلّكان: كان فاضلا، ماهرا في النحو والتصريف، ويعرف بابن
الصائغ. رحل في صدر عمره من حلب قاصدا بغداد ليدرك أبا البركات عبد
الرحمن المعروف بابن الأنباري، فلما وصل إلى الموصل بلغه خبر وفاته،
فأقام بها مديدة، وسمع الحديث بها، ولما عزم على التصدّر للإقراء سافر
إلى دمشق واجتمع بالشيخ تاج الدّين الكندي الإمام المشهور، وسأله عن
مواضع مشكلة في العربية، ثم رجع فتصدّر، وكان حسن التفهيم، لطيف
الكلام، طويل الرّوح على المبتدئ، والمنتهي، خفيف الرّوح، لطيف
الشمائل، كثير المجون، مع سكينة ووقار. له نوادر كثيرة. انتهى ملخصا
.
(7/395)
سنة أربع وأربعين
وستمائة
فيها توفي الملك المنصور إبراهيم بن المجاهد أسد الدّين شيركوه ابن
محمد بن شيركوه [1] ، صاحب حمص وابن صاحبها، وأحد الموصوفين بالشجاعة
والإقدام. مرض بدمشق ببستان الملك الأشرف بالنّيرب، ومات في حادي عشر
صفر وحمل تابوته إلى حمص فدفن عند أبيه، وكان عازما على أخذ دمشق ففجأه
الموت، وقام بعده بحمص ولده الملك الأشرف موسى.
وفيها أبو العبّاس عز الدّين أحمد بن علي بن معقل المهلّبي الحمصي [2]
العلّامة اللّغوي، الذي نظم «الإيضاح» و «التكملة» . عاش سبعا وسبعين
سنة، وتوفي في ربيع الأول، وأخذ عن الكندي، وأبي البقاء، وبرع في لسان
العرب. وكان صدرا محترما غاليا في التشيع، ومن شعره:
أما والعيون النّجل حلفة صادق ... لقد بيّض التفريق بيض المفارق
وفيها تاج العارفين شمس الدّين الحسن بن عدي [3] بن أبي البركات ابن
صخر بن مسافر [4] ، حفيد أبي البركات أخي الشيخ عدي شيخ العدويّة
الأكراد، له تصانيف في التصوف وشعر كثير وأتباع يتغالون فيه إلى
الغاية.
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 481) و «العبر» (5/ 183) .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 222- 223) و «الإعلام بوفيات
الأعلام» ص (269) ، و «الوافي بالوفيات» (7/ 239- 240) .
[3] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «علي» فتصحح.
[4] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 223) و «العبر» (5/ 183) و «الوافي
بالوفيات» (12/ 101- 103) وقد نقل المؤلّف عن «تاريخ الإسلام» وهو غير
مطبوع إلى الآن.
(7/396)
قال الذهبي: وبينه وبين الشيخ عدي من الفرق
كما بين القدم والفرق، وبلغ من تعظيم العدوية الأكراد له ما حدّثني
الحسن بن أحمد الإربلي قال: قدم واعظ على هذا الشيخ حسن فوعظه فرقّ
قلبه وبكى، وغشي عليه، فوثب الأكراد على الواعظ فذبحوه، فلما أفاق
الشيخ رآه يخبط في دمه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: وإلا أيش هو [1] هذا
الكلب حتى يبكي سيدنا الشيخ، فسكت حفظا لحرمة نفسه.
احتال عليه بدر الدّين لؤلؤ صاحب الموصل حتى حضر إليه، فحبسه وخنقه
بوتر خوفا من الأكراد على بلاده أن يأمرهم بأمر فيخرّبون بلاد الموصل.
وختم الذهبي ترجمته بأن قال [2] :
أمرد وقحبة وقهوة ... طريق أرباب الهوى
هذي طريق الجنّة ... فأين طريق النّار
وفيها إسماعيل بن علي الكوراني [3] الزاهد. كان عابدا، قانتا، صادقا،
أمّارا بالمعروف، نهّاء عن المنكر، ذا غلظة على الملوك ونصيحة لهم. روى
عن أحمد بن محمد الطرسوسي الحلبي، وتوفي بدمشق في شعبان.
وفيها أبو المظفّر عبد المنعم بن محمد بن محمد بن أبي المضاء البعلبكي
ثم الدمشقي [4] . حدّث بحماة عن أبي القاسم بن عساكر، وتوفي في ذي
الحجّة بحماة.
__________
[1] لفظة «هو» سقطت من «آ» .
[2] لا يستقيم وزن البيتين وكتاب الذهبي غير متوفر بين أيدينا للعودة
إليه للتأكد منه.
[3] انظر «العبر» (5/ 184) و «مرآة الجنان» (4/ 112) .
[4] انظر «العبر» (5/ 184) و «النجوم الزاهرة» (7/ 357) وفيه «ضياء»
مكان «مضاء» .
(7/397)
وفيها محمد بن حسّان بن رافع بن سمير أبو
عبد الله العامري [1] المحدّث المفيد. روى عن الخشوعي وجماعة، وكتب
الكثير، وتوفي في صفر.
وفيها تقي الدّين محمد بن محمود بن عبد المنعم البغدادي المراتبي [2] ،
نزيل دمشق. الفقيه الحنبلي الإمام أبو عبد الله.
كان عالما، متبحّرا، لم يخلّف في الحنابلة مثله. صحب ببغداد أبا البقاء
العكبري وأخذ عنه، ثم قدم دمشق، فصاحب الشيخ موفق الدّين، وتفقه عليه.
وبرع وأفتى.
قال أبو شامة: كان عالما فاضلا ذا فنون، ولي به صحبة قديمة، وبعده لم
يبق في مذهب أحمد مثله بدمشق.
توفي في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 184) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 147- 148) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) .
[2] انظر «ذيل الروضتين» ص (179) و «العبر» (5/ 184) و «ذيل طبقات
الحنابلة» (2/ 242) .
(7/398)
سنة خمس وأربعين
وستمائة
في جمادى الآخرة أخذ المسلمون عسقلان، وطبريّة عنوة، وكان الفتح على يد
فخر الدّين ابن الشيخ.
وفيها توفي الكاشغري- بسكون الشين وفتح الغين المعجمتين وراء، نسبة إلى
كاشغر مدينة بالمشرق [1]- أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن يوسف الزركشي
[2] ببغداد في حادي عشر جمادى الأولى، وله تسع وثمانون سنة.
سمع من ابن البطّي، وعلي بن تاج القرّاء، وأبي بكر بن النّقور، وجماعة.
وعمّر ورحل إليه الطلبة، وكان آخر من بقي بينه وبين مالك خمسة أنفس
ثقات، ولي مشيخة المستنصرية.
وفيها أبو مدين شعيب بن يحيى بن أحمد بن الزعفراني [3] التاجر،
إسكندراني متميز. جاور بمكة، وحدّث عن السّلفي، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها أبو محمد علي بن أبي الحسن بن منصور [الحريريّ] الدمشقي الفقير
[4] .
__________
[1] انظر خبرها في «معجم البلدان» (4/ 430- 431) .
[2] انظر «العبر» (5/ 185) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 148- 150) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) .
[3] انظر «العبر» (5/ 186) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 268- 269) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) .
[4] انظر «العبر» (5/ 186) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 224- 227) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) و «البداية والنهاية» (13/ 173- 174)
.
(7/399)
ولد بقرية بسر من حوران [1] ، ونشأ بدمشق،
وتعلّم بها نسج العتابي، ثم تمفقر وعظم أمره وكثر أتباعه، وأقبل على
المطيبة والراحة والسماعات والملاح، وبالغ في ذلك، فمن يحسّن الظن به
يقول: هو كان صحيحا في نفسه صاحب حال ووصول. ومن خبر أمره رماه بالكفر
والضلال، وهو أحد من لا يقطع له بجنة ولا نار، فإنا لا نعلم بما يختم
له به، لكنه توفي في يوم شريف يوم الجمعة قبل العصر، السادس والعشرين
من رمضان وقد نيّف على التسعين. مات فجأة قاله في «العبر» .
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : هو صاحب الزاوية التي بظاهر دمشق
بالشرف الأعلى القبلي، التي يجتمع بها الناس للسماعات، يقال لها:
زاوية الحريري، وقف عليه في أول أمره دراهم فحبسه أصحاب الديوان، فبات
تلك الليلة في الحبس بلا عشاء، فلما أصبح صلّى بالمحتبسين [2] صلاة
الصبح، وجعل يذكر بهم إلى ضحوة، وأمر كلّ من جاءه شيء من المأكول من
أهله أن يشيله، فلما كان وقت الظهر أمرهم أن يمدوا الأكل سماطا، فأكل
كل من في الحبس وفضل شيء كثير، فأمرهم بشيله. وصلّى بهم الظهر، وأمرهم
أن يناموا ويستريحوا، ثم صلّى بهم العصر، وجعل يذكر بهم إلى المغرب، ثم
صلّى بهم المغرب وقدّم ما حضر، وبقي على هذا الحال، فلما كان في اليوم
الثالث أمرهم أن ينظروا في حال المحتبسين وكلّ من كان محبوسا على دون
المائة يجبون له من بينهم ويرضون غريمه ويخرجونه، فخرج جماعة، وشرع
الذين خرجوا يسعون في خلاص من بقي، وأقام ستة أشهر محبوسا، وجبوا له
وأخرجوه، فصار كلّ يوم يتجدد له أتباع إلى أن آل من أمره ما آل.
__________
[1] انظر خبرها في «معجم البلدان» (1/ 420) .
[2] في «آ» و «ط» : بالمحتسبين» وما أثبته يقتضيه سياق النص.
(7/400)
قال شرف الدّين خطيب عقربا: خرج الفلك
المسيري يقسم قرية له وأخذ معه جماعة، فلما قسموا ووصلوا إلى زرع،
قالوا: نمشي إلى عند الشيخ علي الحريري، فقال أحدهم: إن كان صالحا
يطعمنا حلوى سخنة بعسل وسمن وفستق وسكر، وقال الآخر: يطعمنا بطيخا
أخضر، وقال الآخر:
يسقينا فقّاعا عليه الثلج، فلما وصلوا تلقاهم بالرحب وأحضر شيئا كثيرا،
من جملته حلوى، كما قال ذلك الرجل، فأمر بوضعها بين يدي مشتهيها، ثم
أحضر بطيخا أخضر [1] ، وأشار إلى مشتهيه بالأكل، فلما فرغوا نظر إلى
صاحب شهوة الفقّاع، وقال: يا أخي كان عندي تحت الساعات أو باب البريد،
ثم صاح: يا فلان ادخل، فدخل فقير وعلى رأسه دست فقّاع وعليه الثلج
منحوت، وقال: بسم الله، اشرب [2] ولما مات كانت ليلة مثلجة، فقال نجم
الدّين بن إسرائيل:
بكت السماء عليه ساعة دفنه ... بمدامع كاللؤلؤ المنثور
وأظنّها فرحت بمصعد روحه ... لمّا سمت وتعلّقت بالنّور
أوليس دمع الغيث يهمي باردا ... وكذا تكون مدامع المسرور
وفيها أبو الحسن علي بن إبراهيم بن علي بن محمد بن المبارك [3] ابن
أحمد بن محمد بن بكروس بن سيف التميمي الدّينوري، الفقيه الحنبلي، وقد
سبق ذكر أبيه وجدّه.
ولد في تاسع عشري رمضان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وأسمعه والده
الكثير في صغره من ابن بوش، وابن كليب، وتفقّه وحدّث، وروى عنه
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «آخر» .
[2] قلت: وهذا أيضا ما لا يقرّه الإسلام الحنيف ولا العقل السليم.
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المبرك» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة»
(2/ 243) مصدر المؤلّف.
(7/401)
محمد بن أحمد القزّاز، وأجاز لسليمان بن
حمزة الحاكم، وتوفي ليلة سادس عشر رجب.
وفيها أبو علي الشّلوبين عمر بن محمد بن عمر الأزدي الأندلسي الإشبيلي
النحوي [1] ، أحد من انتهت إليه معرفة العربية في زمانه.
ولد سنة اثنتين وستين وخمسمائة، وسمع من أبي بكر بن محمد بن خلف، وعبد
الله بن زرقون، والكبار. وأجاز له السّلفي، وكان أسند من بقي بالمغرب.
وكان في العربية بحرا لا يجارى وحبرا لا يبارى، قياما عليها واستبحارا
فيها. تصدّر لإقراء النحو نحوا من ستين عاما، وصنّف التصانيف، وله
حكايات في التغفّل. قاله في «العبر» .
وقال ابن خلّكان: كان فيه مع هذه الفضيلة غفلة وصورة بله في الصورة
الظاهرة. توفي في أحد الرّبيعين، وقيل في صفر بإشبيلية.
والشّلوبين: بفتح الشين المعجمة واللّام، وسكون الواو، وكسر الباء
الموحدة، وسكون المثناة التحتية ونون، هي بلغة الأندلس الأبيض الأشقر.
وفيها الملك المظفّر شهاب الدّين غازي بن العادل [2] . كان فارسا
شجاعا، وشهما مهيبا، وملكا جوادا. وكان صاحب ميّافارقين، وخلاط، وحصن
منصور، وغير ذلك. حجّ من بغداد، ثم توفي في هذه السنة، وتملّك بعده
ابنه الشهيد الملك الكامل ناصر الدّين.
وفيها ابن الدّوامي عزّ الكفاة، الصاحب أبو المعالي هبة الله بن الحسن
بن هبة الله [3] . كان أبوه وكيل الخليفة الناصر، وسمع هو من تجنّي
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 451- 452) و «العبر» (5/ 186- 187) و
«سير أعلام النبلاء» (23/ 207- 208) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص
(269) .
[2] انظر «العبر» (5/ 187) .
[3] انظر «العبر» (5/ 187) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 230- 231) .
(7/402)
الوهبانية، وابن شاتيل، وكان صاحب الحجّاب
مدة، ثم تزهد وانقطع إلى أن توفي في جمادى الأولى.
وفيها شرف الدّين الأمير الكبير يعقوب بن محمد بن حسن الهدباني الإربلي
[1] . روى عن يحيى الثقفي وطائفة، وولي شدّ دواوين الشام، وكان ذا علم
وأدب. توفي في ربيع الأول بمصر.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 187- 188) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 231- 232)
و «حسن المحاضرة» (1/ 377) .
(7/403)
|