شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وأربعين وستمائة
فيها توفي أبو العبّاس أحمد بن سلامة بن أحمد بن سلمان النجّار الحرّاني الحنبلي [1] ، المحدّث الزاهد الثقة القدوة. سمع الكثير من ابن كليب، وكتب الأجزاء والطّباق، وصحب الحافظ عبد الغني المقدسي، والحافظ الرهاوي، والشيخ موفق الدّين [2] . وسمع منهم وسمع منه جماعة.
قال ابن حمدان: سمعت عليه كثيرا، وكان من دعاة أهل السّنّة وأوليائهم، مشهورا بالزّهد والورع والصلاح.
توفي وسط العام بحرّان.
وفيها إسماعيل بن سودكين أبو الطّاهر النّوري [3] ، الحنفي الصّوفي.
كان صاحب الشيخ محيي الدّين بن العربي، وله كلام وشعر.
توفي في صفر وروى عن الأرتاحي.
وفيها صفية بنت عبد الوهاب بن علي القرشية [4] ، أخت كريمة. لم
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 188) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 243) .
[2] يعني ابن قدامة المقدسي.
[3] انظر «العبر» (5/ 188) .
[4] انظر «العبر» (5/ 188- 189) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 270- 271) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) .

(7/404)


تسمع شيئا بل أجاز لها مسعود الثقفي والكبار، وتفرّدت في زمانها. توفيت في رجب بحماة.
وفيها ابن البيطار، الطبيب البارع، ضياء الدّين عبد الله بن أحمد المالقي العشّاب [1] ، صاحب كتاب «المفردات في الأدوية» انتهت إليه معرفة النبات وصفاته ومنافعه وأماكنه، وله اتصال بخدمة الكامل ثم ابنه الصالح، وكان رئيسا في الدّيار المصرية. توفي بدمشق في شعبان.
وفيها ابن رواحة عز الدّين أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله الأنصاري الحموي الشافعي [2] .
ولد بصقلية وأبواه في الأسر سنة ستين وخمسمائة، وسمّعه أبوه بالإسكندرية من السّلفي الكبير، ومن جماعة.
توفي في ثامن جمادى الآخرة وله خمس وثمانون سنة.
وفيها ابن الحاجب العلّامة أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر الكردي الأسنائي [3]- وأسنا: بفتح الهمزة [4] وسكون السين المهملة وفتح النون وبعدها ألف، بليدة صغيرة من أعمال القوصيّة بالصعيد الأعلى من مصر-.
ولد في أواخر سنة سبعين وخمسمائة بأسنا، وكان أبوه حاجبا للأمير عز الدّين موسك الصلاحي، فاشتغل هو بالقراءات على الشّاطبي وغيره.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 189) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 256- 257) .
[2] انظر «العبر» (5/ 189) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 261- 263) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 248- 250) و «العبر» (5/ 189- 190) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 648- 649) و «مرآة الجنان» (4/ 114- 115) و «النجوم الزاهرة» (6/ 360) .
[4] تنبيه: كذا ضبطها المؤلف- رحمه الله- بفتح الهمزة، وقد تبع في ذلك ابن خلّكان، وضبطها ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 189) ومحققو «معرفة القراء الكبار» بكسر الهمزة. وجاء في هامش «النجوم الزاهرة» : إسنا، بالكسر وتفتح.

(7/405)


وبرع في الأصول والعربية، وتفقه في مذهب الإمام مالك.
قال اليافعي: وبلغني أنه كان محبا للشيخ عز الدّين بن عبد السلام، وأن ابن عبد السلام حين حبس بسبب إنكاره على السلطان، دخل معه الحبس موافقة ومراعاة. ولعل انتقاله إلى مصر كان بسبب انتقال الشيخ ابن عبد السلام، وفيهما أنهما اجتمعا في الإنكار.
وقال ابن خلّكان: انتقل إلى دمشق ودرّس بها في زاوية المالكية، وأكبّ الناس على الاشتغال عليه، والتزم له الدروس، وتبحر في العلوم، وكان الأغلب عليه علم العربية. وصنّف «مختصرا» في مذهبه، و «مقدمة» وجيزة في النحو، سمّاها «الكافية» وأخرى مثلها في التصريف سمّاها «الشافية» وشرح المقدمتين. وله:
أيّ غد مع يد دد ذي حروف ... طاوعت في الرّويّ وهي عيون
هذا جواب البيتين المشهورين:
ربما عالج القوافي رجال ... في المعاني فتلتوي وتلين
طاوعتهم عين وعين وعين ... وعصتهم نون ونون ونون
وله في أسماء قداح الميسر:
هي فذّ وتوأم ورقيب ... ثم حلس ونافس ثم مسبل
والمعلّى والوغد ثم سفيح ... ومنيح هذي الثلاثة تهمل
ولكل مما عداه نصيب ... مثله أن تعد أول أول
وصنّف في أصول الفقه، وكل تصانيفه في نهاية الحسن والإفادة.
وخالف النّحاة في مواضع، وأورد عليها إشكالات وإلزامات تتعذر الإجابة عنها. وكان من أحسن خلق الله ذهنا.
ثم عاد إلى القاهرة، وأقام بها والناس ملازمون الاشتغال عليه. وجاءني

(7/406)


مرارا بسبب أداء شهادات، وسألته عن مواضع في العربية مشكلة فأجاب أبلغ إجابة بسكون كثير وتثبت تام، ومن جملة كلامه عن مسألة اعتراض الشرط على الشرط في قولهم «إن أكلت، إن شربت، فأنت طالق» لم يتعين تقدم الشرب [1] على الأكل بسبب وقوع الطلاق، حتى لو قال: ثم شربت، لا تطلق.
وسألته عن بيت المتنبي:
لقد تصبّرت حتّى لات مصطبر ... والآن أقحم حتّى لات مقتحم [2]
ولات ليست من أدوات الجرّ، فأطال الكلام فيها، وأجاب فأحسن الجواب عنها، ولولا التطويل لذكرت ما قاله.
ثم انتقل إلى الإسكندرية للإقامة بها، فلم تطل مدته هناك. توفي ضحى نهار الخميس سادس عشري شوال، ودفن خارج باب البحر بتربة الشيخ الصالح ابن أبي شامة. انتهى.
وفيها ابن الدبّاج العلّامة أبو الحسن علي بن جابر [3] النحوي المقرئ، شيخ الأندلس. أخذ القراءات عن أبي بكر بن صاف، والعربية عن أبي ذر بن أبي ركب الخشني، وساد أهل عصره في العربية.
ولد سنة ست وستين وخمسمائة، وتوفي بإشبيلية بعد أخذ الرّوم الملاعين لها في شعبان بعد جمعة، فإنه هاله نطق الناقوس وخرس الأذان، فما زال يتلهف ويتأسف ويضطرب إلى أن قضى نحبه، وقيل مات يوم أخذها.
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «لم تعين تقديم الشرب» .
[2] البيت في «ديوان المتنبي» بشرح العكبري (4/ 40) .
[3] انظر «العبر» (5/ 190) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 209- 210) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 528- 529) .

(7/407)


وفيها وزير حلب علي بن يوسف القفطي [1]- بكسر القاف وسكون الفاء نسبة إلى قفط بالطاء المهملة، بلد بصعيد مصر- عرف بالقاضي الأكرم أحد الكتّاب المبرزين في النثر والنظم. كان عارفا باللغة، والنحو، والفقه، والحديث، وعلوم القرآن، والأصول، والمنطق، والحكمة، والنجوم، والهندسة، والتاريخ. وكان صدرا، محتشما، كامل المروءة. جمع من الكتب ما لم يجمعه أحد، وكان لا يحب من الدّنيا سوى الكتب، ولم تكن له دار ولا زوجة. وصنّف كتاب «الدر الثمين في أخبار المتيمين» [2] وكتاب «إصلاح خلل صحاح الجوهري» وكتاب «الكلام على صحيح البخاري» وكتاب «نزهة الناظر ونهزة الخاطر» [3] وغير ذلك.
وفيها صاحب المغرب المعتضد، ويقال له أيضا السعيد أبو الحسن المؤمني علي بن المأمون إدريس بن المنصور يعقوب بن يوسف [4] ، ولي الأمر بعد أخيه عبد الواحد سنة أربعين، وقتل وهو على ظهر جواده وهو يحاصر حصنا بتلمسان في صفر.
وولي بعده المرتضى [5] أبو حفص فامتدت دولته عشرين عاما.
وفيها الملك العادل كمال الدّين أبو بكر بن الملك الكامل بن أيوب [6] .
__________
[1] انظر «فوات الوفيات» (3/ 117- 118) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 227) و «العبر» (5/ 191) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) ومقدمة الأستاذ الكبير محمد أبي الفضل إبراهيم لكتابه «إنباه الرّواة» ومقدّمة صديقي العزيز الأستاذ الفاضل رياض عبد الحميد مراد لكتابه «المحمدون من الشعراء وأشعارهم» مصورة دار ابن كثير.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المنتمين» والتصحيح من «فوات الوفيات» .
[3] في «فوات الوفيات» : «نهزة الخاطر ونزهة الناظر» .
[4] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 17- 18) و «العبر» (5/ 190) و «نفح الطيب» (4/ 384) .
[5] وهو أبو حفص عمر بن إبراهيم بن يوسف بن عبد المؤمن. انظر «وفيات الأعيان» (7/ 18) و «نفح الطيب» (7/ 384) .
[6] انظر «مرآة الزمان» (8/ 512) .

(7/408)


قتله أخوه الملك الصالح خنقا بقلعة دمشق، ودفن بتربة شمس الدولة ولم تطل مدة أخيه بعده بل كان بينهما عشرة أشهر، ورأى في نفسه العبر.
وفيها أفضل الدّين الخونجي [1]- بخاء معجمة مضمومة ثم واو بعدها نون ثم جيم- محمد بن ناماور- بالنون في أوله- ابن عبد الملك، قاضي القضاة، أبو عبد الله الشافعي.
ولد في جمادى الأولى سنة تسعين وخمسمائة، واشتغل في العجم، ثم قدم مصر وولي قضاءها، وطلب وحصّل، وبالغ في علوم الأوائل، حتّى تفرّد برئاسة ذلك في زمانه. وأفتى وناظر، وصنّف «الموجز» و «الجمل» و «كشف الأسرار» وغير ذلك.
قال أبو شامة: كان حكيما، منطقيا، مات في رمضان ودفن بسفح المقطّم.
ورثاه تلميذه العزّ الإربلي الضرير فقال من قصيدة أولها:
قضى أفضل الدّنيا فلم يبق فاضل ... ومات بموت الخونجيّ الفضائل
فيا أيّها الحبر الذي جاء آخرا ... فحلّ لنا ما لم تحلّ الأوائل
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : له «الموجز» في المنطق، وكتاب «أدوار الحميات» وكان تلحقه غفلة فيما يفكره من المسائل العقلية. جلس يوما عند السلطان وأدخل يده في رزّة هناك ونسي روحه في الفكرة، فقام الجماعة وبقي جالسا تمنعه أصبعه من القيام، فظنّ السلطان أن له حاجة، فقال له: أللقاضي حاجة؟ قال: نعم تفك أصبعي من الرزّة، فأحضر حدادا
__________
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (182) و «العبر» (5/ 191) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 228) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 105- 106) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 502- 503) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 158- 159) .

(7/409)


وخلص أصبعه، فقال: إني فكرت في بسط هذا الإيوان فوجدته يتوفر فيه بساط إذا بسط على ما دار في ذهني، فبسط على ما قال ففضل بساط.
انتهى.
وفيها أبو الحسن محمد بن يحيى بن ياقوت الإسكندراني المقرئ [1] . روى عن السّلفي وغيره، وتوفي في سابع عشر ربيع الآخر.
وفيها منصور بن السّند بن الدّبّاغ [2] أبو علي الإسكندراني النحّاس.
روى عن السّلفي، وتوفي في ربيع الأول.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 191) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 271) .
[2] في «آ» و «ط» : «منصور بن السيد بن الدماغ» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» (6/ 361) وانظر «العبر» (5/ 191) و «حسن المحاضرة» (1/ 377) .

(7/410)


سنة سبع وأربعين وستمائة
في ربيعها الأول نازلت الفرنج دمياط برا وبحرا، وكان بها فخر الدّين ابن الشيخ، وعسكر. فهربوا وملكها الفرنج بلا ضربة ولا طعنة، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وكان السلطان على المنصورة فغضب على أهلها [1] كيف سيبوها حتّى أنه شنق ستين نفسا من أعيان أهلها، وقامت قيامته على العسكر، بحيث إنهم تخوّفوه وهمّوا به. فقال فخر الدّين: أمهلوه، فهو على شفا، فمات ليلة نصف شعبان.
وفيها الملك الصّالح [2] نجم الدّين أيوب [3] بن الملك الكامل محمد ابن العادل، وكتم موته أيّاما، وساق مملوكه أقطايا على البريّة إلى أن عبر الفرات، وساق إلى حصن كيفا، وأخذ الملك المعظم بوران شاه ولد الصالح وقدم به دمشق، فدخلها في آخر رمضان في دست السلطنة، وجرت للمصريين مع الفرنج فصول وحروب إلى أن تمّت وقعة المنصورة في ذي القعدة، وذلك أن الفرنج حملوا ووصلوا إلى دهليز السلطان، فركب مقدّم
__________
[1] يعني على أهل دمياط.
[2] في «آ» و «ط» : «وهو الملك الصالح ... » وما أثبته يقتضيه السياق.
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (182- 183) و «العبر» (5/ 193) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 187- 193) .

(7/411)


الجيش فخر الدّين بن الشيخ وقاتل فقتل، وانهزم المسلمون، ثم كرّوا على الفرنج، ونزل النصر، وقتل من الفرنج مقتلة عظيمة ولله الحمد. ثم قدم الملك المعظم بعد أيّام، وكان مولد الملك الصالح- المترجم- سنة ثلاث وستمائة بالقاهرة وسلطنه أبوه على آمد، وحرّان وسنجار، وحصن كيفا، فأقام هناك إلى أن قدم وملك دمشق بعد الجواد، وجرت له أمور ثم ملك الدّيار المصرية، ودانت له الممالك. وكان وافر الحرمة، عظيم الهيبة، طاهر الذّيل، خليقا للملك، ظاهر الجبروت.
وفيها ابن عوف الفقيه، رشيد الدّين أبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهاب ابن العلّامة أبي الطاهر إسماعيل بن مكّي الزّهري العوفي الإسكندراني المالكي [1] . سمع من جدّه «الموطأ» وكان ذا زهد وورع. توفي في صفر عن ثمانين سنة.
وفيها عجيبة بنت الحافظ محمد بن أبي غالب الباقداري البغدادية [2] سمعت من عبد الحق، وعبد الله ابني منصور الموصلي، وهي آخر من روى بالإجازة عن مسعود، والرّستمي، وجماعة. توفيت في صفر عن ثلاث وتسعين سنة، ولها «مشيخة» في عشرة أجزاء.
وفيها ابن البرادعي صفي الدّين أبو البركات عمر بن عبد الوهاب القرشي الدمشقي [3] العدل. روى عن ابن عساكر، وأبي سعد بن أبي عصرون، وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها السّيّدي أبو جعفر محمد بن عبد الكريم بن محمد البغدادي
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 193- 194) و «حسن المحاضرة» (1/ 378) .
[2] انظر «العبر» (5/ 194) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 232- 233) .
[3] انظر «العبر» (5/ 194) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 263- 264) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) .

(7/412)


الحاجب [1] . روى عن عبد الحق، وتجنّي، وجماعة كثيرة، وطال عمره.
وفيها فخر الدّين بن شيخ الشيوخ الأمير نائب السلطنة أبو الفضل يوسف بن الشيخ صدر الدين محمد بن عمر بن علي بن محمد بن حمّويه الجويني [2] .
ولد بدمشق بعد الثمانين وخمسمائة، وسمع من منصور بن أبي الحسن الطبري وغيره، وكان رئيسا، محتشما، سيّدا، معظّما، ذا عقل ورأي، ودهاء، وشجاعة، وكرم. سجنه السلطان سنة أربعين، وقاسى شدائد، وبقي في الحبس ثلاث سنين، ثم أخرجه وأنعم عليه وقدّمه على الجيش. طعن يوم المنصورة وجاءته ضربتان في وجهه فسقط.
وفيها السّاوي يوسف بن محمود بن يعقوب المصري الصوفي [3] .
روى عن السّلفي، وعبد الله بن برّي، وتوفي في رجب عن ثمانين سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 194) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 266- 268) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) .
[2] انظر «ذيل الروضتين» ص (184) و «العبر» (5/ 194) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 100- 102) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) .
[3] انظر «العبر» (5/ 195) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 195) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) و «حسن المحاضرة» (1/ 378) .

(7/413)


سنة ثمان وأربعين وستمائة
استهلّت والفرنج على المنصورة والمسلمون بإزائهم مستظهرون لانقطاع الميرة عن الفرنج، ولوقوع المرض في خيلهم، ثم عزم ملكهم الفرنسيس على المسير في الليل إلى دمياط، ففهمها المسلمون، وكان الفرنج قد عملوا جسرا من صنوبر على النيل، فنسوا قطعة، فعبر عليه الناس وأحدقوا بهم، فاجتمع إلى الفرنسيس خمسمائة فارس من أبطاله، وحملوا على المسلمين حملة واحدة، ففرّج لهم المسلمون، فلما صاروا في وسطهم أطبقوا عليهم، فلم ينج منهم أحد، ومسّكوا الفرنسيس أسرة سيف الدّين القيمري باني المارستان في صالحية دمشق وانهزم جلّ الفرنج على حمية، فحمل عليهم المسلمون، ووضعوا فيهم السيف، وغنم الناس ما لا يحدّ ولا يوصف، وأركب الفرنسيس في حرّاقة والمراكب الإسلامية محدقة به تخفق بالكوسات والطبول، وفي البرّ الشرقي الجيش سائر تحت ألوية النصر، وفي البر الغربي العربان والعوام. وكانت ساعة عجيبة، واعتقل الفرنسيس بالمنصورة، وذلك في أول يوم من المحرّم.
قال سعد الدّين بن حمّويه: كانت الأسرى نيفا وعشرين ألفا، فيهم ملوك وكبار، وكانت القتلى سبعة آلاف، واستشهد من المسلمين نحو مائة نفس، وخلع الملك المعظّم على الكبار من الفرنج خمسين خلعة، فامتنع

(7/414)


الكلب الفرنسيس من لبس الخلعة، وقال: أنا مملكتي بقدر مملكة صاحب مصر، كيف ألبس خلعته؟.
ثم بدت من المعظّم خفّة وطيش وأمور خرج بسببها عليه مماليك أبيه وقتلوه بعد أن استردوا دمياط، وذلك أن حسام الدّين بن أبي علي أطلق الفرنسيس على أن يسلّم دمياط، وعلى بذل خمسمائة ألف دينار للمسلمين، فأركب بغلة، وساق معه الجيش إلى دمياط، فما وصلوا إلّا وأوائل المسلمين قد ركبوا أسوارها، فاصفرّ لون الفرنسيس، فقال حسام الدّين: هذه دمياط قد ملكناها، والرأي لا نطلق هذا، لأنه قد اطلع على عوراتنا. فقال عزّ الدّين أيبك: لا أرى الغدر، وأطلقه [1] .
وفيها توفي ابن الخيّر أبو إسحاق إبراهيم بن محمود بن سالم بن مهدي الأزجي المقرئ الحنبلي [2] . روى الكثير عن شهدة، وعبد الحق، وجماعة. وأجاز له ابن البطّي. وقرأ القراءات.
ولد في سلخ ذي الحجّة سنة ثلاث وستين وخمسمائة، وعني بالحديث، وكان له به معرفة، وكان أحد المشايخ المشهورين بالصلاح وعلو الإسناد. دائم البشر، مشتغلا بنفسه، ملازما لمسجده حسن الأخلاق.
قال ابن نقطة: سماعه صحيح، وهو شيخ مكثر. روى عن خلق كثير، منهم: ابن الحلوانية، وابن العديم، والدمياطي، وتوفي يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر، ودفن من الغد بمقبرة الإمام أحمد.
وكان والده شيخا صالحا ضريرا. حدّث عن ابن ناصر وغيره، وهو الذي يلقب بالخيّر. توفي في صفر سنة ثلاث وستمائة.
__________
[1] انظر الخبر برواية أخرى في «مرآة الزمان» (8/ 517- 518) و «النجوم الزاهرة» (6/ 367) .
[2] انظر «العبر» (5/ 198) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 235- 236) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) .

(7/415)


وفيها فخر القضاة بن الجبّاب أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الحسين السّعدي المصري [1] ، ناظر الأوقاف، وراوي «صحيح مسلم» عن المأموني. سمع قليلا من السّلفي، وابن برّي، وتوفي في رمضان، وله سبع وثمانون سنة.
وفيها الحافظية أرغوان العادلية [2] عتيقة الملك العادل، وسميت بالحافظية لتربيتها للملك الحافظ صاحب قلعة جعبر. وكانت امرأة صالحة مدبرة، صادرها الصالح إسماعيل، فأخذ منها أربعمائة صندوق، ووقفت دارها التي داخل باب النصر بدمشق وتعرف بدار الإبراهيمي على خدّامها، وبنت بالصالحية تحت ثورا [3] قرب عين الكرش مدرسة وتربة كانت بستانا للنّجيب غلام التّاج الكندي فاشترته منه، وبنت ذلك، ووقفت عليه أوقافا جيدة، منها بستان بصارو، وتسمى الآن بالحافظية [4] .
وفيها الملك الصالح عماد الدّين أبو الجيش إسماعيل بن العادل [5] ، الذي تملّك دمشق مدة. انضم سنة أربع وأربعين إلى ابن أخيه صاحب حلب الملك الناصر، فكان من كبراء دولته ومن جملة أمرائه بعد سلطنة دمشق، ثم قدم معه دمشق، وسار معه، فأسره الصالحية، ومرّوا على تربة [6] الصالح مولاهم، وصاحوا: يا خوند أين عينك ترى عدوّك أسيرا. ثم أخذوه في الليل وأعدموه في سلخ ذي القعدة، وكان ملكا شهما محسنا إلى خدمه وغلمانه وحاشيته، كثير التجمل.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 198) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 234- 235) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) .
[2] انظر «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 243) و «أعلام النساء» لكحالة (1/ 26) .
[3] يعني نهر ثورا.
[4] قلت: وتعرف في أيامنا بالست حفيظة.
[5] انظر «العبر» (5/ 198- 199) .
[6] تحرفت في «ط» إلى «طربة» .

(7/416)


وفيها أمين الدولة الوزير أبو الحسن الطبيب [1] . كان سامريّا ببعلبك فأسلم في الظّاهر، والله أعلم بالسرائر، ونفق على الصالح إسماعيل حتّى وزر له، وكان ظالما، نجسا، ماكرا، داهية، وهو واقف الأمينية التي ببعلبك.
أخذ من دمشق بعد حصار الخوارزمية، وسجن بقلعة مصر، فلما جاء الخبر الذي لم يتمّ بانتصار الناصر، توثب أمين الدولة في جماعة وصاحوا بشعار الناصر، فشنقوا، وهم: هو، وناصر الدّين بن يغمور [2] ، والخوارزمي.
ومن جملة ما وجد في تركة أمين الدولة، ثلاثة آلاف ألف دينار، غير ما كان مودعا له عند الناس.
وفيها الملك المعظم غياث الدّين توران شاه بن الصّالح نجم الدّين أيوب [3] . لما توفي أبوه حلف له الأمراء وقعدوا [4] وراءه كما ذكرنا، وفرح الخلق بكسر الفرنج على يده، لكنّه كان لا يصلح لصالحة، لقلّة عقله وفساده في المرد. ضربه مملوك بسيف فتلقاها بيده، ثم هرب إلى برج خشب فرموه بالنفط، فرمى بنفسه وهرب إلى النيل فأتلفوه، وبقي ملقى على الأرض ثلاثة أيام، حتّى انتفخ، ثم واروه. وكان قويّ المشاركة في العلوم، ذكيا.
قال ابن واصل: لما دخل المعظم مصر، قام إليه الشعراء، فابتدأ ابن الدجاجية تاج الدّين فقال:
كيف كان القدوم من حصن كيفا ... حين أرغمت للأعادي أنوفا
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 199) .
[2] في «آ» و «ط» : «ابن مغمور» والتصحيح من «العبر» .
[3] انظر «فوات الوفيات» (1/ 263- 265) و «العبر» (5/ 199- 200) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 193- 196) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «وتعدوا» والتصحيح من «العبر» .

(7/417)


فأجابه الملك المعظم:
الطّريق الطّريق يا ألف نحس ... تارة آمنا وطورا مخيفا
أدركته حرفة الأدب كما أدركت عبد الله بن المعتز.
قال أبو شامة: دخل في البحر إلى حلقه، فضربه البندقداري بالسيف فوقع.
وفيها ابن رواج المحدّث رشيد الدّين أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر ابن علي بن فتّوح الإسكندراني المالكي [1] .
ولد سنة أربع وخمسين وخمسمائة، وسمع الكثير من السّلفي وطائفة، ونسخ الكثير، وخرّج «الأربعين» . وكان ذا دين وفقه وتواضع. توفي في ثامن عشر ذي القعدة.
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي السعادات الدبّاس الفقيه الحنبلي البغدادي [2] ، أحد أعيان فقهاء بغداد وفضلائهم. سمع الحديث من ابن شاتيل، وابن زريق البرداني، وابن كليب وتفقه على إسماعيل بن الحسين صاحب أبي الفتح بن المنّي، وقرأ علم الخلاف والجدل والأصول على النّوقاني، وبرع في ذلك، وتقدم على أقرانه، وتكلّم وهو شاب في مجالس الأئمة فاستحسنوا كلامه. وشهد عند قاضي القضاة أبي صالح.
قال ابن السّاعي: قرأت عليه مقدمة في الأصول، وكان صدوقا، نبيلا، ورعا، متدينا، حسن الطريقة، جميل السيرة، محمود الأفعال، عابدا، كثير التلاوة للقرآن، محبا للعلم ونشره، صابرا على تعليمه، لم يزل على قانون واحد، لم تعرف له صبوة من صباه إلى آخر عمره، يزور الصالحين، ويشتغل
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 200) و «حسن المحاضرة» (1/ 378) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 245- 246) .

(7/418)


بالعلم، لطيفا. كيّسا، حسن المفاكهة. قلّ أن يغشى أحدا، مقبلا على ما هو بصدده. وروى عنه ابن النجار في «تاريخه» ووصفه بنحو ما وصفه ابن السّاعي. توفي في حادي عشري شعبان ودفن بباب حرب وقد ناهز الثمانين، ومرّ ليلة بسوق المدرسة النظامية ليصلي العشاء الآخرة بالمستنصرية إماما فخطف إنسان بقياره في الظلماء وعدا، فقال له الشيخ: على رسلك وهبتكه، قال: قبلت. وفشا خبره بذلك فلما أصبح أرسل إليه عدة بقايير، قيل أحد عشر، فلم يقبل منها إلّا واحدا تنزها.
وفيها المجد الإسفراييني المحدّث [1] ، قارئ الحديث، أبو عبد الله محمد بن محمد بن عمر الصّوفي. روى عن المؤيد الطّوسي وجماعة، وتوفي في ذي القعدة بالسميساطيّة من دمشق.
وفيها مظفّر بن الفوّي أبو منصور بن عبد الملك بن عتيق الفهري الإسكندراني المالكي الشاهد [2] . روى عن السّلفي، وعاش تسعين سنة، وتوفي في سلخ [ذي] القعدة.
وفيها أبو الحجّاج يوسف بن خليل بن قراجا بن عبد الله، محدّث الشام الدمشقي الأدمي الحنبلي [3] ، نزيل حلب.
ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة بدمشق، وتشاغل بالكسب إلى الثلاثين من عمره، ثم طلب الحديث، وتخرّج بالحافظ عبد الغني [4] واستفرغ فيه وسعه. وكتب ما لا يوصف بخطّه المليح المتقن، ورحل إلى
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 200) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 258) .
[2] انظر «العبر» (5/ 201) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 268) و «حسن المحاضرة» (1/ 378) .
[3] انظر «العبر» (5/ 201) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 151- 155) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 244- 245) .
[4] يعني المقدسي، رحمه الله تعالى.

(7/419)


الأقطار، فسمع بدمشق من الحافظ عبد الغني، وابن أبي عصرون، وابن الموازيني، وغيرهم. وببغداد من ابن كليب، وابن بوش، وهذه الطبقة.
وبأصبهان من ابن مسعود الحمّال وغيره. وبمصر من البوصيري وغيره، وكان إماما، حافظا، ثقة، نبيلا، متقنا، واسع الرّواية، جميل السيرة، متسع الرّحلة.
قال ابن ناصر الدّين [1] : كان من الأئمة الحفّاظ المكثرين الرحّالين، بل كان أوحدهم فضلا، وأوسعهم رحلة وكتابة ونقلا.
وقال ابن رجب: تفرّد في وقته بأشياء كثيرة عن الأصبهانيين، وخرّج وجمع لنفسه «معجما» عن أزيد من خمسمائة شيخ، و «ثمانيات» و «عوالي» و «فوائد» وغير ذلك. واستوطن في آخر عمره حلب، وتصدّر بجامعها، وصار حافظا والمشار إليه بعلم الحديث فيها. حدّث بالكثير من قبل الستمائة وإلى آخر عمره، وحدّث عنه البرزالي، ومات قبله باثنتي عشرة سنة. وسمع منه الحفّاظ المقدّمون، كابن الأنماطي، وابن الدّبيثي، وابن نقطة، وابن النجّار، والصّريفيني، وعمر بن الحاجب، وقال: هو أحد الرحّالين، بل واحدهم فضلا، وأوسعهم رحلة.
نقل بخطه المليح ما لا يدخل تحت الحصر، وهو طيّب الأخلاق، مرضي الطريقة، متقن، ثقة، حافظ.
وسئل عنه الحافظ الضياء فقال: حافظ مفيد صحيح الأصول. سمع وحصّل، صاحب رحلة وتطواف.
وسئل الصّريفيني عنه فقال: حافظ، ثقة، عالم بما [2] يقرأ عليه، لا يكاد يفوته اسم رجل.
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (178/ ب) .
[2] لفظة «بما» سقطت من «آ» .

(7/420)


وقال الذهبي: روى عنه خلق كثير، وآخر من روى عنه إجازة زينب بنت الكمال.
توفي سحر يوم الجمعة منتصف- وقيل عاشر- جمادى الآخرة بحلب ودفن بظاهرها، رحمه الله تعالى.

(7/421)


سنة تسع وأربعين وستمائة
فيها توفي إبراهيم بن سهل الإسرائيلي [1] الإسلامي. كان يهوديا فأسلم، وكان أديبا ماهرا، وله قصيدة مدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم، وكان يهوى صبيا يهوديا اسمه موسى، فمن قوله فيه من جملة أبيات [2] :
فما وجد أعرابيّة بان إلفها [3] ... فحنّت إلى بان الحجاز ورنده
بأعظم من وجدي بموسى وإنما ... يرى أنني أذنبت ذنبا بودّه
وله فيه [4] :
يقولون لو قبّلته لاشتفى الجوى ... أيطمع في التقبيل من يعشق البدرا؟
إلى أن قال:
إذا فئة العذّال جاءت بسحرها ... ففي وجه [5] موسى آية تبطل السّحرا
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (6/ 5- 11) و «فوات الوفيات» (1/ 20- 30) .
[2] البيتان من قصيدة طويلة انظرها في «ديوانه» بتحقيق بطرس البستاني ص (92- 94) طبع مكتبة صادر.
[3] في «ديوانه» : «أهلها» .
[4] انظر «ديوانه» ص (35) .
[5] في «ديوانه» : «ففي لحظ» .

(7/422)


ثم إنه هوي بعد إسلامه صبيا اسمه محمد، فقال [1] :
تركت هوى موسى لحبّ محمد ... ولولا هدى الرّحمن ما كنت أهتدي
وما عن قلى حبي تركت وإنما ... شريعة موسى عطّلت بمحمد
مات غريقا، رحمه الله.
وفيها ابن العلّيق أبو نصر الأعزّ بن فضائل البغدادي البابصري [2] .
روى عن شهدة، وعبد الحق، وجماعة. وكان صالحا، تاليا لكتاب الله تعالى. توفي في رجب.
وفيها البشيريّ [3]- بفتح الموحدة وكسر المعجمة وبعد الياء راء، نسبة إلى قلعة بشير بنواحي الدوران من بلاد الأكراد- أبو محمد عبد الخالق بن الأنجب بن معمر الفقيه ضياء الدّين، شيخ ماردين. روى عن أبي الفتح بن شاتيل وجماعة، وكانت له مشاركة قويّة في العلوم.
قال الذهبي: قال شيخنا الدّمياطي: مات في الثاني والعشرين من ذي الحجّة، وقد جاوز المائة.
وقال الشريف عز الدّين في «الوفيات» : كان يذكر أنه ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. قاله في «العبر» .
__________
[1] رواية البيتين في «ديوانه» ص (139) :
تسلّيت عن موسى بحبّ محمد ... هديت، ولولا الله ما كنت أهتدي
وما عن قلى قد كان ذاك، وإنما ... شريعة موسى عطّلت بمحمّد
[2] انظر «العبر» (5/ 202) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 238- 239) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) .
[3] تنبيه: كذا قيد المؤلّف- رحمه الله- نسبته «البشيري» وهو وهم منه في قراءتها، والصواب «النّشتبري» كما في «سير أعلام النبلاء» (23/ 239) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) و «العبر» (5/ 202) وقد ضبطت فيه بكسر النون المشدّدة.

(7/423)


وفيها الإمام رشيد الدّين عبد الظاهر بن نشوان الجذامي المصري [1] الضرير، شيخ الإقراء بالدّيار المصرية. كان عارفا بالنحو أيضا.
قال السيوطي في «حسن المحاضرة» : قرأ على أبي الجود، وسمع من أبي القاسم البوصيري، وبرع في العربية، وتصدّر للإقراء، وانتهت إليه رئاسة الفنّ في زمانه، وكان ذا جلالة ظاهرة، وحرمة وافرة، وخبرة تامّة بوجوه القراءات. مات في جمادى الأولى، وهو والد الكاتب البليغ محيي الدّين بن عبد الظّاهر. انتهى.
وفيها أبو نصر الزّبيدي عبد العزيز بن يحيى بن المبارك الرّبعي البغدادي [2] ولد سنة ستين وخمسمائة، وسمع من شهدة وغيرها، وتوفي سلخ جمادى الأولى.
وفيها نور الدّين أبو محمد عبد اللّطيف [بن علي] بن نفيس بن بورنداز [3] بن الحسام البغدادي الحنبلي المحدّث المعدّل.
ولد في صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وسمع من أبيه أبي الحسن، وأبي محمد جعفر بن محمد بن أموسان، وغيرهما. وعني بهذا الشأن. وقرأ الكثير على عمر بن كرم، ومن بعده. وكتب الكثير بخطّه.
قال الذهبي في «تاريخه» : هو الحافظ المفيد، كتب الكثير، وأفاد، وسمع منه الحافظ الدّمياطي، وذكره في «معجمه» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 202) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 650) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/ 391- 392) و «حسن المحاضرة» (1/ 500) .
[2] انظر «العبر» (5/ 203) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 251- 252) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) .
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 247) : «ابن نورندان» وما بين الحاصرتين مستدرك منه.

(7/424)


وشهد عند محمود الزّنجاني [1] .
ثم إنه امتحن لقراءته شيئا من أحاديث الصفات بجامع القصر، فسعى به بعض المتجهمة، وحبس مديدة، وأسقطت عدالته، ثم أفرج عنه، وأعاد عدالته ابن مقبل، ثم أسقطت، ثم أعاد عدالته قاضي القضاة أبو صالح، فباشر ديوان الوكالة إلى آخر عمره.
توفي بكرة السبت ثالث عشري ربيع الآخر ودفن بباب حرب، وكان له جمع عظيم، وشدّ تابوته بالحبال، وأكثر العوام الصّياح في الجنازة: هذه غايات الصالحين. انتهى.
قال ابن السّاعي: ولم أر ممن كان على قاعدته فعل في جنازته مثل ذلك، فإنه كان كهلا يتصرف في أعمال السلطان، ويركب الخيل، ويحلّي فرسه بالفضة على عادة أعيان المتصرفين. انتهى.
وقال ابن رجب: حصل له ذلك ببركة السّنّة، فإن الإمام أحمد قال:
بيننا وبينهم [2] الجنائز.
وفيها ابن الجمّيزي العلّامة بهاء الدّين أبو الحسن علي بن هبة الله ابن سلامة بن المسلم بن أحمد بن علي اللّخمي المصري الشافعي [3] ، مسند الدّيار المصرية وخطيبها ومدرسها.
ولد بمصر يوم الأضحى سنة تسع وخمسين وخمسمائة، وحفظ القرآن سنة تسع وستين، ورحل به أبوه فسمّعه بدمشق من ابن عساكر، وببغداد من
__________
[1] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الريحاني» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وانظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 345) .
[2] يعني أهل البدعة.
[3] انظر «العبر» (5/ 203) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 253- 254) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 583) .

(7/425)


شهدة وجماعة، وقرأ القراءات على أبي الحسن البطائحي. وقرأ كتاب «المهذب» على القاضي أبي سعد بن أبي عصرون. وقرأه أبو سعد على القاضي أبي علي الفارقي عن مؤلّفه، وسمع بالإسكندرية من السّلفي، وتفرّد في زمانه. ورحل إليه الطلبة، ودرّس وأفتى، وانتهت إليه مشيخة العلم بالدّيار المصرية. وهو آخر من قرأ القراءات في الدّنيا على البطائحي، بل وآخر من روى عنه بالسماع. وقرأ أيضا بالقراءات العشر على ابن أبي عصرون. وسمع منه الكثير، وهو آخر تلاميذه في الدّنيا. وكان رئيس العلماء في وقته، معظما عند الخاصة والعامة، وعليه مدار الفتوى ببلده. كبير القدر، وافر الحرمة.
روى عنه خلائق لا يحصون. توفي في الرابع والعشرين من ذي الحجّة.
وفيها السّديد أبو القاسم عيسى بن أبي الحرم مكّي بن حسين العامري المصري الشافعي المقرئ [1] ، إمام جامع الحاكم. قرأ القراءات على الشّاطبي وأقرأها مدة، وتوفي في شوال عن ثمانين سنة، وقرأ عليه غير واحد.
وفيها ابن المنّي أبو المظفّر سيف الدّين محمد بن أبي البدر مقبل بن فتيان بن مطر النّهرواني [2] ، المفتي الإمام. الفقيه الحنبلي، ابن أخي شيخ المذهب أبي الفتح بن المنّي.
ولد ببغداد في خامس رجب، سنة سبع، وقيل: تسع وستين وخمسمائة.
وقرأ بالروايات على ابن الباقلّاني بواسط. وروى عن جماعة، منهم:
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 203- 204) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 652) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) .
[2] انظر «العبر» (5/ 204) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 252- 253) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 248) .

(7/426)


شهدة، وعبد الحق اليوسفي. وتفقه على عمه ناصح الإسلام أبي الفتح بن المنّي. وتأدّب بالحيص بيص الشاعر وغيره. وناظر في المسائل الخلافية، وأفتى وشهد عند القضاة. وكان حسن المناظرة، متدينا، مشكور الطريقة، كثير التلاوة للقرآن الكريم.
وحدّث، وأثنى عليه ابن نقطة، وروى عنه ابن النجار، وابن السّاعي، وعمر بن الحاجب. وبالإجازة جماعة، آخرهم: زينب بنت الكمال المقدسية، وتوفي في سابع جمادى الآخرة ببغداد، ودفن بمقبرة باب حرب.
وفيها جمال الدّين بن مطروح الأمير الصّاحب أبو الحسين يحيى بن عيسى بن إبراهيم بن مطروح المصري [1] ، صاحب الشعر الرائق.
ولد بأسيوط يوم الاثنين ثامن رجب، سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة.
ونشأ هناك، وتنقلت به الأحوال والخدم والولايات، حتّى اتصل بخدمة السلطان الملك الكامل بن الملك العادل بن أيوب، وكان إذ ذاك نائبا عن أبيه بالدّيار المصرية. ولما اتسعت مملكة الكامل بالبلاد الشرقية، وصار له آمد، وحصن كيفا، وحرّان، والرّها، والرّقّة، ورأس عين، وسروج، وما انضم إلى ذلك، سيّر إليها ولده الملك الصالح نائبا عنه، وذلك في سنة تسع وعشرين وستمائة، فكان ابن مطروح في خدمته، ولم يزل ينتقل في تلك البلاد إلى أن وصل الملك الصّالح إلى مصر مالكا لها، وكان دخوله يوم الأحد السابع والعشرين من ذي القعدة، سنة سبع وثلاثين وستمائة. ثم وصل ابن مطروح إلى الدّيار المصرية في أوائل سنة تسع وثلاثين. فرتّبه السلطان ناظرا في الخزانة، ولم يزل يقرب منه ويحظى عنده، إلى أن ملك الصالح دمشق في
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 258- 266) و «العبر» (5/ 204) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 273- 274) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) و «النجوم الزاهرة» (7/ 27- 29) .

(7/427)


جمادى الأولى، سنة ثلاث وأربعين. فكان ابن مطروح في صورة وزير لها، ومضى إليها، فحسنت حاله، وارتفعت منزلته، ثم إن الصّالح توجّه إليها، فوصلها في شعبان، سنة ست وأربعين، وجهّز عسكرا إلى حمص لاستنقاذها من نواب الملك الناصر، فعزل ابن مطروح عن ولايته بدمشق، وسيّره مع العسكر، ثم بلغه أن الفرنج قد اجتمعوا في جزيرة قبرس [1] على عزم قصد الدّيار المصرية، فسيّر إلى العسكر المحاصرين حمص، وأمرهم أن يعودوا لحفظ الدّيار المصرية، فعاد العسكر وابن مطروح في الخدمة، والملك الصالح متغير عليه لأمور يفهمها منه [2] .
ولما مات الملك الصالح، وصل ابن مطروح إلى مصر، وأقام في داره إلى أن مات.
قال ابن خلّكان: كان ذا أخلاق رضية، وكان بيني وبينه مكاتبات ومودة أكيدة، وله ديوان شعر أنشدني أكثره، فمن ذلك قوله في أول قصيدة طويلة:
هي رامة فخذوا يمين الوادي ... وذروا السّيوف تقرّ في الأغماد
وحذار من لحظات أعين عينها ... فلكم صرعن بها من الآساد
من كان منكم واثقا بفؤاده ... فهناك ما أنا واثق بفؤادي
يا صاحبيّ ولي بجرعاء الحمى ... قلب أسير ما له من فادي
سلبته مني يوم بانوا مقلة ... مكحولة أجفانها بسواد
وبحيّ من أنا في هواه ميّت ... عين على العشّاق بالمرصاد
وأغنّ مسكيّ اللّمى معسوله ... لولا الرقيب بلغت منه مرادي
كيف السّبيل إلى وصال محجّب ... ما بين بيض ظبا وسمر صعاد
__________
[1] كذا كانت تعرف في السابق ب «قبرس» بالسين المهملة آخر الحروف، وتعرف في أيامنا ب «قبرص» بالصاد آخر الحروف.
[2] في «وفيات الأعيان» مصدر المؤلّف: «لأمور نقمها عليه» .

(7/428)


في بيت شعر نازل من شعره ... فالحسن منه عاكف في بادي
حرسوا مهفهف قدّه بمثقّف ... فتشابه الميّاس بالميّاد
قالت لنا ألف العذار بخدّه ... في ميم مبسمه شفاء الصّادي
ومن شعره قوله:
وعلّقته من آل يعرب لحظه ... أمضي وفتك من سيوف عريبه
أسكنته بالمنحنى من أضلعي ... شوقا لبارق شوقه وعذيبه
يا عائبا ذاك الفتور بطرفه ... خلّوه لي أنا قد رضيت بعيبه
لدن وما مرّ النّسيم بعطفه ... أرج وما نفح العبير بجيبه
ونزل في بعض أسفاره بمسجد وهو مريض فقال:
يا ربّ قد عجز الطّبيب فداوني ... بلطيف صنعك واشفني يا شافي
أنا من ضيوفك قد حسبت وإنّ من ... شيم الكرام البرّ بالأضياف
وله بيتان ضمنهما بيت المتنبي وأحسن فيهما، وهما:
إذا ما سقاني ريقه وهو باسم ... تذكّرت ما بين العذيب وبارق
ويذكرني من قدّه ومدامعي ... مجر عوالينا ومجرى السوابق
وكان بينه وبين البهاء زهير محبة قديمة من زمن الصّبا وإقامتهما بالصعيد، حتى كانا كالأخوين وليس بينهما فرق في أمور الدّنيا. ثم اتصلا بخدمة الصالح وهما على تلك الحال والمودة.
وتوفي ليلة الأربعاء مستهل شعبان، ودفن بسفح المقطّم، وأوصى أن يكتب عند رأسه دو بيت نظمه في مرضه وهو:
أصبحت بقعر حفرتي [1] مرتهنا ... لا أملك من دنياي إلّا كفنا
يا من وسعت عباده رحمته ... من بعض عبادك المسيئين [2] أنا
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «حفرة» .
[2] في «آ» و «ط» : «المسيكين» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .

(7/429)


سنة خمسين وستمائة
فيها وصلت التتار إلى ديار بكر فقتلوا وسبوا وعملوا عوائدهم.
وفيها توفي الرّشيد بن مسلمة أبو العبّاس أحمد بن مفرّج بن علي بن الدّمشقي [1] ، ناظر الأيتام.
ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وأجاز له الشيخ عبد القادر الجيلي، وهبة الله الدقّاق، وابن البطّي، والكبار. وتفرّد في وقته، وسمع من الحافظ ابن عساكر وجماعة. وتوفي في ذي القعدة.
وفيها الكمال إسحاق بن أحمد بن عثمان المعرّي [2] الشيخ المفتي الإمام الفقيه الشافعي المعرّي [3] ، أحد مشايخ الشافعية وأعيانهم.
أخذ عن الشيخ فخر الدّين بن عساكر، ثم عن ابن الصّلاح. وكان
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 205) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) و «النجوم الزاهرة» (7/ 30) .
[2] انظر «العبر» (5/ 205) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) و «النجوم الزاهرة» (7/ 30) .
[3] كذا قيّدت نسبته في «آ» و «ط» و «المنتخب» (172/ ب) . وعند تلميذه الإمام النووي في «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 18) ب: «المغربي» وقيّدت في «العبر» (5/ 205) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 248) و «مرآة الجنان» (4/ 120) ب «المعرّي» وتحرفت في «ذيل الرّوضتين إلى «المقرئ» ، وانظر ترجمته في «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 126) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 140) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 127- 128) ، وقد قيّدت نسبته فيها جميعا كما في كتابنا.

(7/430)


إماما، عالما، مقيما بالرّواحية، أعاد بها عند ابن الصلاح عشرين سنة، وقد أخذ عنه جماعة، منهم: الإمام محيي الدّين النّووي.
قال أبو شامة: كان زاهدا، متواضعا.
وقال النووي في أوائل «تهذيب الأسماء واللغات» : أول شيوخي الإمام المتفق على علمه، وزهده، وورعه، وكثرة عبادته، وعظيم [1] فضله وتميّزه [2] في ذلك على أشكاله.
وقال غيره: كان متصديا للإفادة والفتوى، تفقّه به أئمة، وكان كبير القدر في الخير والصلاح، متيقن الورع. عرضت عليه مناصب فامتنع، ثم ترك الفتوى، وقال: في البلد من يقوم مقامي. وكان يسرد الصوم، ويؤثر بثلث جامكيته [3] ويقنع باليسير، ويصل رحمه بما فضل عنه، وكان في كلّ رمضان ينسخ ختمة ويوقفها. وله أوراد كثيرة، ومحاسن جمّة. توفي في ذي القعدة عن نيّف وخمسين سنة، ودفن بتربة الصّوفية إلى جانب ابن الصّلاح.
وفيها [الصّغاني] العلّامة رضي الدّين أبو الفضائل الحسن بن محمد [بن الحسن] بن حيدر العدوي العمري الهندي اللّغوي [4] ، نزيل بغداد.
ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة بكوهور [5] ، ونشأ بغزنة، وقدم بغداد، وذهب في الرسائل غير مرّة. وسمع بمكّة من أبي الفتوح بن [محمد]
__________
[1] في «تهذيب الأسماء واللغات» : «وعظم» .
[2] في «آ» و «ط» : «وتمييزه» وما أثبته من «تهذيب الأسماء واللغات» .
[3] الجامكية: الراتب. انظر «الألفاظ الفارسية المعرّبة» لأدشير ص (45) .
[4] انظر «العبر» (5/ 205- 206) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 282- 283) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) و «النجوم الزاهرة» (7/ 26 و 30) ويقال في نسبه «الصّغاني» و «الصّاغاني» .
[5] في «آ» و «ط» : «بدوهور» والتصحيح من «العبر» وعلّق محقّقه الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد بقوله: يعني لاهور في الهند.

(7/431)


الحصري، وببغداد من سعيد بن الرزّاز. وكان إليه المنتهى في معرفة اللغة.
له مصنّفات كبار في ذلك، وله بصر في الفقه، مع الدّين، والأمانة.
توفي في شعبان، وحمل إلى مكّة فدفن بها.
وفيها الخطيب العدل عبد الله بن حسّان بن رافع [1] ، خطيب المصلّى. توفي بدمشق بقصر حجّاج، بالمسجد المعروف به، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها الخطيب كمال الدّين عبد الواحد بن خلف بن نبهان، خطيب زملكا، جدّ الشيخ كمال الدّين بن الزّملكاني [2] . كان فاضلا، خيّرا، متميزا في علوم متعددة. تولى قضاء صرخد، ودرّس ببعلبك، وناب بدمشق، ومات بها. حكى عنه ابن أخيه عبد الكافي أنه لما طال به المرض ونحن عنده إذ التوت [3] يده اليمنى إلى أن صارت كالقوس، ثم فقعت وانكسرت، وبقيت معلّقة بالجلدة، ثم يوما آخر أصاب يده اليسرى مثل ذلك، ثم رجله اليمنى، ثم رجله اليسرى كذلك، فبقيت أربعته مكسرة. وسألوا الأطباء عن ذلك فما عرفوا جنس هذا المرض.
وفيها الشيخ الصّالح علي بن محمد الفهّاد [4] . كان بحرم السلطان.
سنجرشاه، فلما قتل انقطع في بيته وبنى مسجدا ورباطا ووقف عليهما ما ملك، وبقي يؤذّن احتسابا، فلما كان في بعض الأيام، جاء إلى المسجد وفيه بئر، فأدلى السطل ليستقي ماء، فطلع مملوءا ذهبا، فقال: بسم الله مردود، فأنزله مرة ثانية فطلع مملوءا ذهبا، فقال: بسم الله غير مردود وقلبه في البئر،
__________
[1] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.
[2] سترد ترجمة حفيده في الصفحة (438) .
[3] في «ط» : «أن التوت» وهو خطأ.
[4] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.

(7/432)


وأنزله مرة ثالثة فطلع مملوءا ذهبا، فقال: يا ربّ لا تطردني عن بابك، أنا أروح إلى الشطّ أتوضأ، ليس قصدي سوى الماء لأداء فريضتك، ثم أنزله رابعة فطلع مملوءا ماء، فسجد شكرا لله تعالى [1] .
وفيها الإمام شمس الدّين محمد بن سعد بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير الأنصاري المقدسي الأصل ثم الدمشقي الكاتب الفقيه الحنبلي [2] .
ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وسمع من يحيى الثقفي، وابن صدقة الحرّاني، وغيرهما. وأجاز له السّلفي وغيره، وكان شيخا، فاضلا، وأديبا حسن النظم والنثر، من المعروفين بالفضل والأدب، والكتابة، والدّين، والصّلاح، وحسن الخطّ، وحسن الخصال، ولطف المقال. وطال عمره، ووزر للملك الصّالح إسماعيل مدة. وحدّث بدمشق وحلب، وكتب عنه ابن الحاجب، وقال: سألت الحافظ ابن عبد الواحد عنه فقال: عالم ديّن. روى عنه جماعة، منهم: ابنه يحيى بن محمد بن سعد، وسليمان بن حمزة، وتوفي في ثاني شوال بسفح قاسيون ودفن به من الغد.
وتوفي أخوه أحمد في نصف ذي القعدة من هذه السنة [3] . روى عن الخشوعي، وابن طبرزد.
وفيها الفقيه العلّامة المحدّث الصّالح الورع، محمد بن إسماعيل
__________
[1] لله رجال صدقوا مع الله حق الصدق وخلعوا من أنفسهم حبّ الدنيا الفانية، فأكرمهم الله بالقناعة، وهذا لعمري منهم- إن صحّت هذه الرواية- رحمه الله تعالى وأحسن إليه.
[2] انظر «العبر» (5/ 206) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 248- 249) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 248- 249) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 249) .

(7/433)


الحضرمي [1] ، والد الفقيه إسماعيل المشهور. كان مفتيا [2] ، مدرسا.
وصنّف، واختصر «شعب الإيمان» للبيهقي، وله عليه زيادات حسنة، وتخرّج به جماعة، منهم: ولده.
ولما مات نزل في قبره الشيخ أبو الغيث بن جميل [اليمني] ، نفع الله بهما. قاله ابن الأهدل.
وفيها سعد الدّين بن حمّويه الجويني محمد بن المؤيد بن عبد الله ابن علي الصّوفي [3] ، صاحب أحوال ورياضات. وله أصحاب ومريدون، وله كلام على طريقة الاتحاد. سكن سفح قاسيون مدة، ثم رجع إلى خراسان، وتوفي هناك. قاله في «العبر» .
وفيها الفقيه موسى بن محمد القمراوي [4] ، نسبة إلى قمراء، قرية من أعمال صرخد.
ومن شعره قصيدة وازن بها قصيدة الحصري القيرواني [5] ، التي أولها:
يا ليل الصّبّ متى غده ... أقيام السّاعة موعده
فقال القمراوي:
قد [6] ملّ مريضك عوّده ... ورثى لأسيرك حسّده
لم يبق جفاك سوى نفس ... زفرات الشوق تصعّده
__________
[1] انظر «غربال الزمان» ص (525) وما بين الحاصرتين في الترجمة زيادة منه.
[2] في «غربال الزمان» : «متفننا» .
[3] انظر «العبر» (5/ 206) و «مرآة الجنان» (4/ 121) .
[4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 332- 334) .
[5] تقدمت ترجمته في المجلد الخامس صفحة (381- 383) .
[6] في «ط» : «قل» .

(7/434)


هاروت يعنعن فنّ [1] السّح ... ر إلى عينيك ويسنده
وإذا أغمضت [2] اللّحظ فتك ... ت فكيف وأنت تجرّده
كم سهّل خدّك وجه رضا ... والحاجب منك يعقّده
ما أشرك فيك القلب فلم ... في نار الشّوق تخلّده
وفيها فخر القضاة نصر الله بن هبة الله بن بصاقة [3] الحنفي الكاتب [4] .
من شعره:
على ورد خدّيه وأسّ عذاره ... يليق بمن يهواه خلع عذاره
وأبذل جهدي في مداراة قلبه ... ولولا الهوى يقتادني لم أداره
أرى جنّة في خدّه غير أنني ... أرى جلّ ناري شبّ من جلّناره
سكرت بكأس من رحيق رضابه ... ولم أدر أنّ الموت عقبى خماره
وفيها علي بن أبي الفوارس الخيّاط المقرئ، عرف بالسير باريك [5] . كان حاذقا بالخياطة، قيل: إن الأمير الأرنباي أحضره ليلة العيد وقد عرض عليه ثوب أطلس، فطلب صاحبه ثمنا كثيرا، فقال: أنا أخيّطه ولا أقطعه، ويلبسه الأمير. فإن رضي صاحبه بما يعطى وإلّا يعاد عليه، فقال:
افعل، ففعل ذلك، وجاء صاحبه وأصرّ على الثمن الغالي، فطواه وثقله وأعاده عليه، فلما رآه صحيحا رضي بما أعطي.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «في» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[2] في «وفيات الأعيان» : «أغمدت» .
[3] تحرفت «بصاقة» في «الجواهر المضية» طبع حيدرآباد إلى «رصافة» فتصحح.
[4] انظر «الجواهر المضية» (2/ 199) و «حسن المحاضرة» (1/ 567) و «الأعلام» (8/ 31) وانظر التعليق عليه لمؤلّفه العلّامة خير الدّين الزركلي طيّب الله ثراه.
[5] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.

(7/435)


وفيها الشيخ عثمان الديرناعسي [1]- من دير ناعس من قرى البقاع- شيخ عظيم، صاحب كرامات ومكاشفات. أدرك جماعة من الأولياء، ودفن بزاوية هناك، وكان له صيت وسمعة.
وفيها ابن قميرة المؤتمن أبو القاسم يحيى بن أبي السعود نصر بن أبي القاسم بن أبي الحسن التميمي الحنظلي الأزجي [2] ، التاجر السفّار، مسند العراق.
ولد سنة خمس وستين وخمسمائة. وسمع من شهدة، وتجنّي، وعبد الحق، وجماعة. وحدّث في تجارته بمصر والشام.
توفي في السابع والعشرين من جمادى الأولى.
وفيها هبة الله بن محمد بن الحسين بن مفرّج جمال الدّين أبو البركات المقدسي ثم الإسكندراني الشافعي، ويعرف بابن الواعظ [3] . من عدول الثّغر. روى عن السّلفي قليلا، وعاش إحدى وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 295) .
[2] انظر «العبر» (5/ 206- 207) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 285) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) .
[3] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 378) .

(7/436)