شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وستين
وستمائة
في جمادى الأولى افتتح الظّاهر بيبرس يافا بالسيف وقلعتها بالأمان، ثم
هدمها، ثم حاصر الشّقيف عشرة أيام وأخذها بالأمان، ثم أغار على أعمال
طرابلس وقطع أشجارها وغوّر أنهارها. ثم نزل تحت حصن الأكراد فخضعوا له،
فترحل إلى حماة ثم إلى فامية، ثم ساق، وطلب [1] أنطاكية فأخذها في
أربعة أيام، وحصر من قتل بها فكانوا أكثر من أربعين ألفا [2] .
وفيها توفي المجد بن الحلوانيّة المحدّث الجليل أبو العبّاس أحمد ابن
المسلم بن حمّاد الأزدي الدّمشقي التّاجر [3] .
ولد سنة أربع وستمائة، وسمع من أبي القاسم ابن الحرستاني فمن بعده،
وكتب العالي والنّازل، ورحل إلى بغداد، ومصر، والإسكندرية، وخرّج
«المعجم» . وتوفي في حادي عشر ربيع الأول.
وفيها الشيخ العزّ خطيب الجبل أبو إسحاق إبراهيم بن الخطيب شرف الدّين
عبد الله بن أبي عمر الزّاهد المقدسي الحنبلي [4] .
__________
[1] في «العبر» مصدر المؤلف: «وبغت» .
[2] زاد الذهبي في «العبر» : «ثم أخذ بغراس بالأمان» وبغراس: مدينة في
لحف جبل اللّكام، بينها وبين أنطاكية أربعة فراسخ، على يمين القاصد إلى
أنطاكية من حلب. انظر «معجم البلدان» (1/ 467) .
[3] انظر «العبر» (5/ 283- 284) و «النجوم الزاهرة» (7/ 226- 227) .
[4] انظر «العبر» (5/ 284) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 277- 278) .
(7/560)
ولد سنة ست وستمائة، وسمع من العماد،
والشيخ موفق الدّين، وأبي اليمن [1] الكندي، وأبي القاسم بن الحرستاني،
وخلق. وأجاز له القاسم الصفّار وجماعة. وكان إماما في العلم والعمل،
بصيرا بالمذهب، صالحا، عابدا، زاهدا، مخلصا، صاحب أحوال وكرامات، وأمر
بالمعروف، قوّالا بالحقّ. وقد جمع المحدّث أبو الفداء بن الخبّاز سيرته
في مجلد وحدّث وسمع منه جماعة، منهم: أبو العبّاس الحيري وهو آخر
أصحابه.
توفي في تاسع عشر ربيع الأول، ودفن بسفح قاسيون، وهو والد الإمامين عزّ
الدّين الفرائضي، وعزّ الدّين محمد خطيب الجامع المظفّري، رحمهم الله
تعالى.
وفيها بولص الرّاهب الكاتب المعروف بالحبيس [2] .
أقام بمغارة بجبل حلوان بقرب القاهرة [3] فقيل: إنه وقع بكنز الحاكم
صاحب مصر، فواسى منه الفقراء والمستورين من كل ملّة، واشتهر أمره وشاع
ذكره، وقام عن المصادرين بجمل عظيمة مبلغها ستمائة ألف دينار، وذلك
خارجا عمّا كان يصرفه للفقراء. طلبه السلطان فأحضره وتلطّف به، وطلب
منه المال، فجعل يغالطه ويراوغه، فلما أعياه ضيّق عليه وعذّبه إلى أن
مات ولم يقرّ بشيء، فأخرج من القلعة ميتا، ورمي على باب القرافة، وكان
لا يأكل من هذا المال شيئا ولا يلبس، ولا ظهر منه شيء في تركته.
قال الذّهبيّ: وقد أفتى غير واحد بقتله خوفا على ضعفاء الإيمان من
المسلمين أن يضلّهم ويغويهم.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أبي النمر» والتصحيح من «ذيل طبقات
الحنابلة» .
[2] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 189- 190) و «العبر» (5/ 284) و «مرآة
الجنان» (4/ 165- 166) وقد تحرفت «الحبيس» فيه إلى «الحنش» فتصحح.
[3] انظر «معجم البلدان» (2/ 293) .
(7/561)
وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن منصور بن
محمد بن وداعة الحلبي [1] . كان خطيبا بجبلة من أعمال السّاحل، ثم اتصل
بصلاح الدّين، فصار من خواصه، فلما ملك دمشق ولّاه شدّ الدواوين، وكن
يظهر النّسك، وله حرمة وافرة، فلما تولى الظّاهر ولّاه الوزارة، وتولى
جمال الدّين أقوش [2] النّجيبيّ نيابة الشام، فحصل بينهما وحشة [باطنة]
، وكان النّجيبيّ يكرهه لتشيعه. وكان النّجيبي مغاليا في السّنّة، وعند
عزّ الدّين تشيّع. فكتب عزّ الدّين إلى الظّاهر أن الأموال تنكسر
وتحتاج الشّام إلى مشدّ تركيّ شديد المهابة، تكون أمور الولايات
وأموالها راجعة إليه لا يعارض، وقصد بذلك رفع يد النائب فجهز [3]
الظّاهر علاء الدّين كشتغدي الشّقيريّ، فلم يلبث أن وقع بينهما، لأن
الشّقيريّ كان يهينه غاية الهوان، فإذا اشتكى إلى النّائب لا يشكيه
ويقول: أنت طلبت مشدّا تركيا. فكتب الشّقيريّ إلى الظّاهر في حقّه.
فورد الجواب بمصادرته، فأخذ خطّه بجملة يقصر عنها ماله، وضربه وعصره،
وعلّقه. فكان كالباحث عن حتفه بظلفه. وكانت له دار حسنة باعها في
المصادرة، ثم طلب إلى مصر. فتوفي بها عقب وصوله، ودفن بالقرافة الصّغرى
قريبا من قبّة [4] الشّافعيّ، ولم يخلّف ولدا، ولا رزقه الله في عمره
[كلّه] ولدا [5] فإنه لم يتزوج إلّا امرأة واحدة في صباه، ثم فارقها
بعد أيام قلائل، وبنى بجبل قاسيون تربة ومسجدا وعمارة حسنة، وله وقف
على وجوه البرّ.
__________
[1] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 390- 392) وما بين الحاصرتين زيادة
منه، و «القلائد الجوهرية» (1/ 323- 324) .
[2] في «آ» و «ط» : «أقش» وما أثبته من «ذيل مرآة الزمان» و «عقد
الجمان» (1/ 331) .
[3] في «ط» : «فجهر» بالراء وهو خطأ.
[4] تحرفت في «ط» إلى «قبلة» .
[5] لفظة «ولدا» الثانية هذه لم ترد في «ذيل مرآة الزّمان» ولفظة
«كلّه» زيادة منه.
(7/562)
وفيها صاحب الرّوم السّلطان ركن الدّين [1]
كيقباد [2] بن السّلطان غياث الدّين كيخسرو بن السلطان كيقباد بن
كيخسرو بن قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن قتلمش [3] بن إسرائيل
بن سلجوق بن دقاق [4] السّلجوقي [5] كان هو وأبوه مقهورين مع التتار،
له الاسم ولهم التّصرّف، فقتلوه في هذه السنة، وله ثمان وعشرون سنة،
لأن بعضهم نمّ عليه بأنه يكاتب الظّاهر، فقتلوه خنقا وأظهروا أن فرسه
رماه. ثم أجلسوا في الملك ولده كيخسرو وله عشر سنين.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «زكي الدّين» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى قيقباد» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» (5/ 71) و «العبر» : «قتلمش»
وفي «ذيل مرآة الزمان» و «النجوم الزاهرة» : «قطلمش» .
[4] تحرفت في «النجوم الزاهرة» إلى «دقماق» فتصحح، وانظر «وفيات
الأعيان» (5/ 184) .
[5] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 403- 406) و «العبر» (5/ 285) و
«النجوم الزاهرة» (7/ 226) .
(7/563)
سنة سبع وستين
وستمائة
فيها هبّت ريح شديدة بالدّيار المصرية، غرّقت مائتي مركب، وهلك منها
خلق كثير.
وفيها أمر السلطان بإراقة الخمور وتبطيل المفسدات والخواطئ بالدّيار
المصرية، وكتب بذلك إلى جميع بلاده، وأمسك كاتبا يقال له: ابن
الكازروني، وهو سكران، فصلبه وفي عنقه جرّة الخمر، فقال الحكيم ابن
دانيال:
وقد كان حدّ السّكر من قبل صلبه ... خفيف الأذى إذ كان في شرعنا جلدا
فلما بدا المصلوب قلت لصاحبي ... ألا تب فإنّ الحدّ قد جاوز الحدّا
وفيها أخليت حرّان، ووصل منها خطيبها ابن تيميّة [1] وغيره.
وفيها توفي زين الدّين أبو الطّاهر إسماعيل بن عبد القوي بن عزّون [2]
الأنصاري المصري الشّافعي [3] . سمع الكثير من البوصيري، وابن ياسين،
وطائفة. وكان صالحا خيّرا. توفي في المحرّم.
__________
[1] يعني الإمام عبد الحليم بن عبد السلام بن تيميّة والد شيخ الإسلام
تقي الدّين، سترد ترجمته في وفيات سنة (682) ص (656) .
[2] تصحفت في «آ» إلى «عرون» بالراء المهملة.
[3] انظر «العبر» (5/ 286) و «النجوم الزاهرة» (7/ 228) و «حسن
المحاضرة» (1/ 381) .
(7/564)
وفيها الرّوذراوري- بضم الراء المهملة،
وسكون الواو والمعجمة، وفتح الراء والواو الثانية، ثم راء، نسبة إلى
روذراور [1] بلد بهمذان- مجد الدين عبد المجيد بن أبي الفرج اللّغوي
[2] نزيل دمشق.
كانت له حلقة اشتغال بالحائط الشمالي، وكان فصيحا، مفوّها، حفظة لأشعار
العرب. توفي في صفر.
وفيها علي بن وهب بن مطيع العلّامة مجد الدّين بن دقيق العيد القشيري
المالكي [3] شيخ أهل الصّعيد، ونزيل قوص. كان جامعا لفنون العلم،
موصوفا بالصّلاح والتألّه، معظّما في النّفوس. روى عن أبي المفضّل [4]
وغيره، وتوفي في المحرّم عن ستّ وثمانين سنة.
وفيها الأبيوردي- بفتح الهمزة، والواو، وسكون التحتية، وكسر الباء
الموحدة، وسكون الراء، نسبة إلى أبي ورد بليدة بخراسان [5]- الحافظ زين
الدّين أبو الفتح محمد بن محمد بن أبي بكر الصّوفي الشّافعي [6] .
سمع وهو ابن أربعين سنة من كريمة، وابن قميرة فمن بعدهما، حتّى كتب عن
أصحاب محمد بن عماد، وشرع في «المعجم» وحرص وبالغ، فما
__________
[1] انظر «آثار البلاد وأخبار العباد» ص (374) و «معجم البلدان» (3/
78) .
[2] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 418- 419) و «العبر» (5/ 286) و
«النجوم الزاهرة» (7/ 228) .
[3] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 420- 421) و «العبر» (5/ 286) و
«النجوم الزاهرة» (7/ 228) و «حسن المحاضرة» (1/ 457) .
[4] تحرفت في «آ» إلى «الفضل» وهو علي بن المفضل اللّخمي المقدسي، وقد
تقدمت ترجمته في وفيات سنة (611) ص (87) .
[5] انظر «معجم البلدان» (1/ 86- 87) .
[6] انظر «العبر» (5/ 286- 287) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (278)
وذكره ابن ناصر الدّين الدمشقي في «التبيان شرح بديعة البيان» (181/ ب)
.
(7/565)
أفاق من الطلب إلّا والمنيّة قد فجأته،
وكان ذا دين وورع، مكثرا لكنه قلّما روى.
توفي بالقاهرة بخانقاه سعيد السّعداء في جمادى الأولى، وله شعر.
وفيها التّاج مظفّر بن عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهّاب بن عبد الواحد
بن الحنبلي أبو منصور الدمشقي الحنبلي [1] مدرّس مدرسة جدّهم شرف
الإسلام، وهي المسمارية.
ولد بدمشق في سابع عشري ربيع الأول سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وسمع بها
من الخشوعي، وابن طبرزد، وحنبل، وغيرهم. وأفتى وناظر، وتفقّه. وحدّث
بمصر والشام، وروى عنه جماعة، منهم: الحافظ الدّمياطي، وتوفي في ثالث
صفر فجأة بدمشق ودفن بسفح قاسيون.
__________
[1] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 428) و «العبر» (5/ 286- 287) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (278) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 278) و
«الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 72) .
(7/566)
سنة ثمان وستين
وستمائة
فيها تسلّم الملك الظّاهر حصون الإسماعيليّة، وقرّر على زعيمهم نجم
الدّين حسن بن الشّعراني أن يحمل كلّ سنة مائة ألف وعشرين ألفا، وولّاه
على الإسماعيليّة. قاله في «العبر» [1] .
وفيها توفي زين الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الدّائم بن نعمة بن
أحمد بن محمد بن إبراهيم [2] ، مسند الشام وفقيهها ومحدّثها الحنبلي
المذهب النّاسخ.
ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وأجاز له خطيب الموصل، وابن الفراوي،
وابن شاتيل وخلق، وسمع من يحيى الثّقفي، وابن صدقة، وابن الموازيني،
وعبد الرحمن الخرقي، وغيرهم. وانفرد في الدّنيا بالرواية عنهم.
ودخل بغداد، فسمع بها من ابن كليب، وابن المعطوش [3] وأبي الفرج بن
الجوزي، وأبي الفتح بن المنّي، وابن سكينة، وغيرهم. وسمع بحرّان من
خطيبها الشيخ فخر الدّين بن تيميّة. وعني بالحديث، وتفقه بالشيخ موفق
__________
[1] (5/ 287) .
[2] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 436- 437) و «العبر» (5/ 288) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (279) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 278-
280) .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ابن المعطوس» بالسين المهملة، والتصحيح من
ترجمته في المجلد السادس صفحة (557) .
(7/567)
الدّين، وخرّج لنفسه «مشيخة» وجمع «تاريخا»
لنفسه. وكان فاضلا متنبّها.
وولي الخطابة بكفر بطنا [1] بضع عشرة سنة. وكان يكتب بسرعة خطّا حسنا،
فكتب ما لا يوصف كثرة، يكتب في اليوم الكرّاسين والثلاثة إلى التسعة.
وكتب «تاريخ دمشق» لابن عساكر مرّتين، «والمغني» للموفق مرّات. وذكر
أنه كتب بيده ألفي مجلّدة. وكان حسن الخلق والخلق، متواضعا، ديّنا.
حدّث بالكثير بضعا وخمسين سنة، وانتهى إليه علوّ الإسناد. وكانت
الرّحلة إليه من أقطار البلاد، وخرّج له ابن الظّاهري «مشيخة» وابن
الخبّاز أخرى. وسمع منه الحفّاظ المتقدمون، كالحافظ ضياء الدّين،
والزّكي البرزالي، وعمر بن الحاجب، وغيرهم. وروى عنه الأئمة الكبار،
والحفّاظ المتقدمون والمتأخرون، منهم: الشيخ محيي الدّين النّووي،
والشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وابن دقيق العيد، وابن تيميّة، وخلق،
آخرهم: ابن الخبّاز. وتوفي يوم الاثنين سابع رجب، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها ضياء الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي الأندلسي ثم
المصري ثم الدمشقي [2] الفقيه الشافعي، الإمام الحافظ المتقن المحقّق
الضّابط الزّاهد الورع، شيخ النّووي. ذكره فيما ألحقه في «طبقات ابن
الصّلاح» [3] فقال: ولم تر عيني في وقته مثله، وكان- رضي الله عنه-
بارعا في معرفة الحديث وعلومه وتحقيق ألفاظه، لا سيما «الصحيحان» ذا
عناية
__________
[1] كفر بطنا: قرية من قرى غوطة دمشق الشرقية ذات بساتين خضراء جميلة،
أنجبت عددا من العلماء منهم مؤرخ الإسلام الحافظ الذّهبي، وسكنها
معاوية بن أبي سفيان. انظر خبرها في «معجم البلدان» (4/ 468) .
[2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 122) و «طبقات الشافعية» للإسنوي
(2/ 453) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 161) .
[3] سبق أن ذكرت من قبل بأن «طبقات الشافعية» لابن الصلاح باختصار
النووي تمّ تحقيقه على يد الأستاذ محيي الدّين نجيب، وهو تحت الطبع
الآن ببيروت كما ذكر لي محقّقه.
(7/568)
بالغة، والنحو، والفقه، ومعارف الصّوفية،
حسن المذاكرة فيها. وكان عندي من كبار السّالكين في طرائق الحقائق، حسن
التعليم، صحبته نحو عشر سنين، فلم أر منه شيئا يكره. وكان من السماحة
بمحلّ عال، على قدر وجده. وأما الشّفقة على المسلمين ونصيحتهم فقلّ
نظيره فيهما.
توفي بمصر في أوائل سنة ثمان وستين وستمائة. انتهى كلام النّووي.
وفيها أبو دبّوس صاحب المغرب الواثق بالله أبو العلاء إدريس بن عبد
الله المؤمني [1] آخر ملوك بني عبد المؤمن. جمع الجيوش، وتوثّب على
مرّاكش، وقتل ابن عمّه صاحبها أبا حفص. وكان بطلا، شجاعا، مقداما،
مهيبا. خرج عليه زعيم آل مرين [2] يعقوب بن عبد الحق المريني [3] وتمّت
بينهما حروب، إلى أن قتل أبو دبّوس بظاهر مرّاكش في المصافّ، واستولى
يعقوب على المغرب.
وفيها أحمد بن القاسم بن خليفة الحكيم عرف بابن أبي أصيبعة [4] .
كان عالما بالأدب، والطبّ، والتّاريخ. له مصنفات عدة، منها: «عيون
الأنباء في طبقات الأطباء» [5] .
وفيها شيخ الأطباء وكبيرهم علي بن يوسف بن حيدرة [الرّحبي] [6] .
اشتغل بالأدب، وفاق أهل زمانه، وكان يقول لأصحابه: بعد قليل يموت عند
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 288- 289) و «دول الإسلام» (2/ 171- 172) .
[2] تصحفت في «آ» إلى «مزين» .
[3] تصحفت في «آ» إلى «المزيني» .
[4] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 437) و «البداية والنهاية» (13/ 257)
و «الأعلام» (1/ 197) .
[5] قال العلّامة الزركلي: صنّفه سنة (643) . قلت: وله عدة طبعات.
[6] انظر «البداية والنهاية» (13/ 255) و «الدارس في تاريخ المدارس»
(2/ 130) وقد تحرفت «الرّحبي» فيه إلى «الرّضي» فتصحح، و «الأعلام» (5/
34) وانظر تعليق العلّامة الزركلي عليه.
(7/569)
قران الكوكبين، ثم يقول: قولوا للناس حتّى
يعلموا مقدار علمي في حياتي وعلمي [1] بوقت موتي.
وفيها العلّامة المجيد نجم الدّين عبد الغفّار بن عبد الكريم بن عبد
الغفّار القزويني الشّافعي [2] ، أحد الأئمة الأعلام وفقهاء الإسلام.
قال اليافعيّ: سلك في «حاويه» مسلكا لم يلحقه أحد ولا قاربه.
قال ابن شهبة: هو صاحب «الحاوي الصغير» و «اللباب» و «العجاب» .
قال السّبكي: كان أحد الأئمة الأعلام، له اليد الطّولى في الفقه،
والحساب، وحسن الاختصار. وقيل: إنه كان إذا كتب في الليل يضيء له نور
يكتب عليه.
توفي في المحرّم سنة خمس وستين وستمائة. انتهى.
وجزم اليافعيّ وابن الأهدل بوفاته في هذه السنة [3] .
وفيها الكرماني الواعظ المعمّر بدر الدّين عمر بن محمد بن أبي سعد
التّاجر [4] .
ولد بنيسابور سنة سبعين وخمسمائة، وسمع في الكهولة من القاسم [ابن]
الصفّار. وروى الكثير بدمشق وبها توفي في شعبان.
وفيها محيي الدّين قاضي القضاة أبو الفضل يحيى بن قاضي القضاة محيي
الدّين أبي المعالي محمد بن قاضي القضاة زكي الدّين أبي
__________
[1] سقطت لفظة «وعلمي» هذه من «ط» .
[2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 277- 278) و «مرآة الجنان» (4/
167- 169) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 174) .
[3] يعني في سنة (668) التي ترجم المؤلف له فيها.
[4] انظر «العبر» (5/ 289) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (279) و
«النجوم الزاهرة» (7/ 230) .
(7/570)
الحسن علي بن قاضي القضاة منتجب الدّين أبي
المعالي القرشي الدمشقي الشافعي [1] .
ولد سنة ست وتسعين وخمسمائة، وروى عن حنبل، وابن طبرزد، وتفقه على
الفخر بن عساكر، وولي قضاء دمشق مرّتين فلم تطل أيّامه، وكان صدرا
معظّما معرقا في القضاء، له في [ابن] العربي عقيدة تتجاوز الوصف.
وكان شيعيّا يفضّل عليا على عثمان، مع كونه ادعى نسبا إلى عثمان.
وهو القائل:
أدين بما دان الوصيّ ولا أرى ... سواه وإن كانت أميّة محتدي
ولو شهدت صفّين خيلي لأعذرت ... وساء بني حرب هنالك مشهدي
وسار إلى خدمة هولاكو [2] فأكرمه وولّاه قضاء الشّام، وخلع عليه خلعة
سوداء مذهّبة، فلما تملّك الملك الظّاهر أبعده إلى مصر وألزمه بالمقام
بها.
وتوفي بمصر في سابع عشر رجب. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 289- 290) و «مرآة الجنان» (4/ 169- 170) و
«البداية والنهاية» (13/ 257- 258) و «النجوم الزاهرة» (7/ 230) .
[2] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
(7/571)
سنة تسع وستين
وستمائة
في شعبانها افتتح السّلطان حصن الأكراد بالسيف، ثم نازل حصن عكّا،
وأخذه بالأمان، فتذلّل له صاحب طرابلس، وبذل له ما أراد، وهادنه عشر
سنين.
وفي شوّالها جاء سيل بدمشق في بحبوحة الصّيف، وذلك بالنهار والشمس
طالعة، فغلّقت أبواب البلد، وطغا الماء وارتفع، وأخذ البيوت والأموال،
وارتفع عند باب الفرج ثمانية أذرع، حتّى طلع الماء فوق أسطحة عديدة،
وضجّ الخلق، وابتهلوا إلى الله تعالى. وكان وقتا مشهودا، أشرف الناس
فيه على التّلف، ولو ارتفع ذراعا آخر لغرق نصف دمشق.
وفيها توفي ابن البارزيّ قاضي حماة شمس الدّين إبراهيم بن المسلم بن
هبة الله الحموي الشّافعي [1] تفقه بدمشق بالفخر بن عساكر، وأعاد له،
ودرّس بالرّواحية، وولي تدريس معرّة النّعمان، ثم تحوّل إلى حماة ودرّس
بها، وأفتى، وولي قضاءها فحمدت سيرته، وكان ذا علم ودين.
وتوفي في شعبان عن تسع وثمانين سنة.
وفيها الشيخ حسن بن أبي [2] عبد الله بن صدقة الأزدي الصّقليّ
__________
[1] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 457- 458) و «العبر» (5/ 291) و
«الوافي بالوفيات» (6/ 146- 147) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 268-
269) .
[2] لفظة «أبي» سقطت من «آ» .
(7/572)
المقرئ [1] ، الرّجل الصّالح. قرأ القراءات
على السّخاوي، وسمع الكثير، وأجاز له المؤيد الطّوسي، وتوفي في ربيع
الآخر، وكان صالحا، ورعا، مخلصا، متقلّلا من الدّنيا منقطع القرين، عاش
تسعا وسبعين سنة.
وفيها ابن قرقول، صاحب كتاب «مطالع الأنوار» إبراهيم بن يوسف الحموي
[2] . كان من الفضلاء الصّلحاء. صحب علماء الأندلس، وكتابه ضاهى به
«مشارق الأنوار» للقاضي عياض. صلّى الجمعة في الجامع ثم حضرته الوفاة،
فتلا سورة الإخلاص، وكرّرها بسرعة، ثم تشهّد ثلاث مرّات وسقط على وجهه
ميّتا ساجدا، رحمه الله تعالى.
وفيها ابن سبعين الشّيخ قطب الدّين أبو محمد عبد الحقّ بن إبراهيم ابن
محمد بن نصر الإشبيلي المرسي الرّقوطي [3] الأصل الصّوفي المشهور [4] .
قال الذهبي: كان من زهّاد الفلاسفة، ومن القائلين بوحدة الوجود. له
تصانيف وأتباع يقدمهم يوم القيامة. انتهى.
وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» : درّس العربية والآداب
بالأندلس، ثم انتقل إلى سبتة وانتحل التصوف على قاعدة زهد الفلاسفة
وتصرّفهم، وعكف على مطالعة كتبه، وجدّ واجتهد، وجال في بلاد المغرب،
__________
[1] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 458) و «العبر» (5/ 291) و «معرفة
القراء الكبار» (2/ 675) و «الوافي بالوفيات» (12/ 92) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 62- 63) و «الوافي بالوفيات» (6/ 171) .
[3] نسبة إلى رقوطة، وهي حصن منيع بقرب مرسية. قاله الفاسي في «العقد
الثمين» .
[4] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 460) وقد تحرفت «الرقوطي» فيه إلى
«الزقوطي» و «رقوطة» إلى «زقوطة» بالزاي مكان الراء. «عنوان الدّراية»
ص (237) بتحقيق الأستاذ عادل نويهض، و «العبر» (5/ 291- 292) و «الوافي
بالوفيات» (18/ 60- 64) و «الإحاطة» في أخبار «غرناطة» (4/ 31- 38) و
«العقد الثمين» (5/ 326- 335) و «نفح الطيّب» (2/ 196) .
(7/573)
ثم رحل إلى المشرق، وحجّ حججا كثيرة، وشاع
ذكره، وعظم صيته، وكثرت أتباعه، على رأي أهل الوحدة المطلقة، وأملى
عليهم كلاما في العرفان على رأي الاتحادية، وصنّف في ذلك أوضاعا كثيرة
وتلقّوها عنه وبثّوها في البلاد شرقا وغربا، وقد ترجمه ابن حبيب فقال:
صوفيّ متفلسف متزّهد متعبّد متقشّف، يتكلم على طريق أصحابه، ويدخل
البيت لكن من غير أبوابه، شاع أمره، واشتهر ذكره، وله تصانيف، وأتباع،
وأقوال، تميل إليها بعض القلوب وينكرها بعض الأسماع. وقال لأبي الحسن
الشّشتري [1] عند ما لقيه- وقد سأله عن وجهته وأخبره بقصده الشيخ أبا
أحمد- إن كنت تريد الجنّة فشأنك ومن قصدت، وإن كنت تريد ربّ الجنّة
فهلمّ إلينا. وأما ما نسب إليه من آثار السّيما [2] والتصويف فكثير
جدا.
ومن نظمه:
كم ذا تموّه بالشّعبين والعلم [3] ... والأمر أوضح من نار على علم
أصبحت [4] تسأل عن نجد وساكنها ... وعن تهامة هذا فعل متّهم
وقال البسطامي: كان له سلوك عجيب على طريق أهل الوحدة، وله في علم
الحروف والأسماء اليد الطّولى، وألّف تصانيف، منها: «كتاب الحروف
الوضعية في الصّور الفلكية» و «شرح كتاب إدريس عليه السلام» الذي وضعه
في علم الحرف، وهو نفيس.
__________
[1] هو علي بن عبد الله النّميري الشّشتري، الفقيه الصوفي الصالح
العابد، المتوفى سنة (668 هـ) انظر ترجمته في «عنوان الدّراية» ص (339-
242) و «الأعلام» (4/ 305) وتعليق العلّامة الزركلي عليه.
[2] في «ط» : «السيمايا» . وقال الصّفدي في «الوافي بالوفيات» : ولقد
اجتمعت بجماعة من أصحاب أصحابه ورأيتهم ينقلون عن أولئك، أن ابن سبعين
كان يعرف السيمياء والكيمياء، وأن أهل مكة كانوا يقولون: إنه أنفق فيها
ثمانين ألف دينار.
[3] في «آ» و «ط» : «فالعلم» والتصحيح من «الإحاطة» و «نفح الطّيب» .
[4] «الإحاطة» و «نفح الطيب» : «ظللت» .
(7/574)
ومن وصاياه لتلامذته وأتباعه: عليكم
بالاستقامة على الطريقة [1] ، وقدّموا فرض الشريعة على الحقيقة، ولا
تفرّقوا بينهما، فإنهما من الأسماء المترادفة، واكفروا بالحقيقة التي
في زمانكم هذا، وقولوا: عليها وعلى أهلها اللعنة. انتهى.
وأغراض الناس متباينة بعيدة عن الاعتدال، فمنهم المرهق المكفّر، ومنهم
المقلّد.
ومما شنّع عليه به، أنه ذكر في [2] «كتاب البدّان» [3] صاحب «الإرشاد»
إمام الحرمين، إذا ذكر أبو جهل وهامان فهو ثالث الرجلين، وأنه قال في
شأن الغزّاليّ: إدراكه في العلوم أضعف من خيط العنكبوت، فإن صحّت نسبة
ذلك إليه، فهو من أعداء الشريعة المطهّرة بلا ريب.
وقد حكي عن قاضي القضاة ابن دقيق العيد أنه قال: جلست معه من ضحوة إلى
قريب الظهر وهو يسرد كلاما تعقل مفرداته ولا تفهم مركّباته، والله أعلم
بسريرة حاله.
وقد أخذ عن جماعة، منهم: الحرّاني، والبوني. مات بمكّة. انتهى كلام
المناويّ بحروفه.
وفيها أبو الحسن بن عصفور علي بن مؤمن بن محمد بن علي النّحوي الحضرميّ
الإشبيلي [4] ، حامل لواء العربية في زمانه بالأندلس.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «على الطريق» وما أثبته من «الإحاطة في أخبار
غرناطة» .
[2] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[3] كذا في «آ» و «ط» : «البدّان» وفي «الإحاطة» و «العقد الثمين» :
«البدّ» مفردا، وعلّق الأستاذ فؤاد سيد رحمه الله على «العقد الثمين»
بما يلي: المعروف أن اسمه «بدّ العارف» أو «بدء العارف» ومنه نسخة
مكتوبة سنة (679 هـ) ومحفوظة بمكتبة جار الله بإستانبول برقم (1273)
وأخرى في برلين برقم (1744) .
[4] انظر «عنوان الدّراية» ص (317- 319) و «الوافي بالوفيات» (22/ 265-
267) و «فوات
(7/575)
قال ابن الزّبير: أخذ عن الدّبّاج
والشّلوبين ولازمه مدة، ثم كانت بينهما منافرة ومقاطعة. وتصدّر
للاشتغال مدة بعدة بلاد، وجال بالأندلس، وأقبل عليه الطلبة. وكان أصبر
النّاس على المطالعة، لا يملّ من ذلك. ولم يكن عنده ما يؤخذ عنه غير
النحو، ولا تأهّل لغير ذلك.
قال الصّفديّ: ولم يكن عنده ورع، وجلس في مجلس شراب، فلم يزل يرجم
بالنّارنج إلى أن مات في رابع عشري ذي القعدة. ومولده سنة سبع وسبعين
وخمسمائة، وصنّف «الممتع في التصريف» [1] . كان أبو حيّان لا يفارقه،
«المقرّب» شرحه لم يتم، «شرح الجزولية» ، «مختصر المحتسب» ، ثلاث شروح
على «الجمل» ، «شرح الأشعار الستة» وغير ذلك.
ومن شعره:
لمّا تدنّست بالتّفريط في كبري ... وصرت مغرى بشرب الرّاح واللّعس
أيقنت [2] أنّ خضاب الشّيب أستر لي ... إنّ البياض قليل الحمل للدّنس
ورثاه القاضي ناصر الدّين بن المنيّر. قال ذلك السيوطي في كتابه «بغية
الوعاة في طبقات اللّغويين والنّحاة» .
وفيها المجد بن عساكر محمد بن إسماعيل بن عثمان بن مظفّر بن هبة الله
بن عبد الله بن الحسين الدّمشقي [3] المعدّل.
سمع من الخشوعي والقاسم [4] ، وجماعة، وتوفي في ذي القعدة.
__________
[ (-) ] الوفيات» (3/ 109- 110) و «بغية الوعاة» (2/ 210) .
[1] نشرته مكتبة دار العروبة في الكويت، ونشر في بيروت أيضا.
[2] في «الوافي بالوفيات» و «فوات الوفيات» : «رأيت» .
[3] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 463) و «العبر» (5/ 292) و «الإعلام
بوفيات الأعلام» ص (279) و «الوافي بالوفيات» (2/ 219) .
[4] هو القاسم بن علي بن عساكر الدمشقي.
(7/576)
سنة سبعين وستمائة
في رمضان حوّلت التتار من تبقّى من أهل حرّان [1] إلى المشرق وخربت
ودثرت بالكلّيّة.
وفيها توفي معين الدّين أحمد بن قاضي الدّيار المصرية علي بن العلّامة
أبي المحاسن يوسف بن عبد الله بن بندار الدّمشقي ثم المصري [2] .
ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة، وسمع من البوصيري، وابن ياسين، وطائفة،
وتوفي في رجب.
وفيها الملك الأمجد حسن بن الملك النّاصر داود بن الملك المعظّم عيسى
بن الملك العادل أيوب [3] .
كان من الفضلاء، عنده مشاركة جيدة في كثير من العلوم، وله معرفة تامّة
بالأدب. وتزهّد وصحب المشايخ، وكان لا يدّخر عنهم شيئا. وكان كثير
__________
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (185/ آ) : «من أهل خراسان»
وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «دول الإسلام» .
[2] انظر «العبر» (5/ 292- 293) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (279) و
«حسن المحاضرة» (1/ 381) .
[3] انظر «النجوم الزاهرة» (7/ 236) و «ترويح القلوب» للزّبيدي ص (60)
و «الأعلام» (2/ 190) .
(7/577)
المروءة والاحتمال. مات بدمشق ودفن بتربة
جدّه الملك المعظّم بسفح قاسيون.
وفيها الكمال سلّار بن الحسن بن عمر بن سعيد الإربلي الشّافعي [1]
الإمام العلّامة مفتي الشّام ومفيده أبو الفضائل، صاحب ابن الصّلاح شيخ
الأصحاب ومفيد الطلّاب. تفقّه على ابن الصّلاح حتّى برع في المذهب،
وتقدم وساد، واحتاج الناس إليه، وكان معيدا بالبادرائية، عيّنه لها
واقفها، فباشرها إلى أن توفي يفيد ويعيد، ويصنّف ويعلّق، ويؤلّف ويجمع،
وينشر المذهب، ولم يزدد منصبا آخر، وقد اختصر «البحر» للرّوياني في
مجلدات عدة، وانتفع به جماعة من الأصحاب، منهم الشيخ محيي الدّين
النّووي، وأثنى عليه ثناء حسنا. قال: وتفقه على جماعة، منهم: أبو بكر
الماهياني، والماهياني على ابن البرزي.
وقال الشريف عزّ الدّين: وكان عليه مدار الفتوى بالشّام في وقته، ولم
يترك في بلاد الشام مثله.
توفي في جمادى الآخرة في عشر التسعين أو نيّف عليها، ودفن بباب الصغير.
وفيها الجمال البغداديّ عبد الرحمن بن سليمان [2] بن سعد بن سليمان [2]
البغدادي [3] الأصل الحرّاني المولد، الفقيه الحنبلي، أبو محمد، نزيل
دمشق.
__________
[1] «ذيل مرآة الزمان» (2/ 479) و «العبر» (5/ 293) و «الإعلام بوفيات
الأعلام» ص (279) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 149) و «طبقات
الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 168- 169) .
[2] في «آ» و «ط» و «النجوم الزاهرة» : «سلمان» والتصحيح من «الوافي
بالوفيات» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] في «الوافي بالوفيات» : «البغيداذي» وكذلك في «تاريخ الإسلام»
للذهبي كما في حاشية «النجوم الزاهرة» .
(7/578)
ولد سنة خمس وثمانين وخمسمائة في أحد
ربيعيها، وسمع من عبد القادر الحافظ، وحنبل، وحمّاد الحرّاني، وغيرهم.
وتفقه بالشيخ الموفق، وبرع وأفتى، وانتفع به جماعة، وحدّث. وروى عنه
طائفة، منهم:
ابن الخبّاز. وكان إماما بحلقة الحنابلة بالجامع.
توفي في رابع شعبان ودفن بسفح قاسيون.
وفيها ابن يونس تاج الدّين العلّامة عبد الرحيم بن الفقيه رضي الدّين
محمد بن يونس بن منعة الموصلي الشافعي [1] ، مصنّف «التعجيز» .
كان من بيت الفقه والعلم بالموصل.
ولد بها سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، واشتغل بها، وأفاد وصنّف، ثم دخل
بغداد بعد استيلاء التتار عليها في رمضان هذه السنة، وولي قضاء الجانب
الغربي بها، وتدريس البشيرية.
قال الإسنويّ: كان فقيها، أصوليا، فاضلا.
توفي في شوال سنة إحدى وسبعين وستمائة، ودفن عند قبة الدّيلم بالمشهد
الفاطمي، وجزم ابن خلّكان وصاحب «العبر» [2] بوفاته في هذه السنة.
وفيها أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن إبراهيم بن سعد
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 255) و «العبر» (5/ 293) و «طبقات
الشافعية الكبرى» (8/ 191- 194) و «الوافي بالوفيات» (18/ 391) و
«طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 574) .
[2] قلت: ما ذكره في هذا الصدد عن ابن خلّكان صحيح فقد ذكر بأنه مات
سنة (671) وأما ما ذكره عن الذهبي في «العبر» فهو وهم منه رحمه الله،
فقد ذكر ضمن وفيات سنة (670) !.
(7/579)
المقدسي الصّحراوي [1] . روى عن الخشوعي،
ومحمد بن الخصيب، وتوفي في رمضان عن ثمانين سنة.
وفيها القاضي الرئيس عماد الدّين محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب
التّغلبي [2] الدّمشقي [3] ، والد قاضي القضاة نجم الدّين.
ولد بعد الستمائة، وسمع من الكندي وجماعة، وكان كامل السّؤدد، متين
الدّيانة، وافر الحرمة. توفي في العشرين من ذي القعدة عن تسعين سنة.
قاله في «العبر» .
وفيها الوجيه ابن سويد التكريتي محمد بن علي بن أبي طالب التّاجر [4] .
كان واسع الأموال والمتاجر، عظيم الحرمة، مبسوط اليد في الدولة
النّاصرية والظّاهرية.
توفي في ذي القعدة عن نيّف وستين سنة، ولم يرو شيئا.
وفيها الحافظ محمد بن الحافظ العلم علي الصّابوني بن محمود بن أحمد بن
علي المحمودي [5] أبو حامد، المنعوت بالجمال. كان إماما، حافظا، مفيدا.
اختلط قبل موته بسنة أو أكثر.
قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» [6] :
محمد بن العلم الصّابوني ... خبرته فائقة الفنون
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 293) .
[2] في «آ» و «ط» : «الثعلبي» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «العبر» (5/ 294) و «الوافي بالوفيات» (3/ 84) و «النجوم
الزاهرة» (7/ 237) .
[4] انظر «العبر» (5/ 294) و «الوافي بالوفيات» (4/ 186) .
[5] انظر «تذكرة الحفاظ» (4/ 1464- 1465) و «الوافي بالوفيات» (4/ 188-
189) وذكره ابن ناصر الدّين في «التبيان شرح بديعة البيان» (181/ آ- ب)
وذكر فوائد عزيزة في ترجمته.
[6] (25/ ب) من مصورة المكتبة الأحمدية بحلب.
(7/580)
وفيها أبو بكر البشتي- نسبة إلى بشت قرية
بنيسابور [1]- محمد بن المحدّث عليّ بن المظفّر بن القاسم الدمشقي
المولد المؤذن.
ولد في المحرّم سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وسمع من الخشوعي وطائفة
كثيرة. توقف بعض المحدّثين في السماع منه لأنه كان [2] جنائزيّا.
__________
[1] تنبيه: كذا قيّد نسبته المؤلف رحمه الله تعالى، والصواب «النّشبيّ»
من ولد نشبة بن الربيع، بطن من تيم الرّباب. كما قيّده الذّهبيّ في
«مشتبه النسبة» ص (348) .
[2] لفظة «كان» سقطت من «آ» .
(7/581)
|