شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وسبعين
وستمائة
في أولها ولي مملكة تونس أبو زكريا يحيى بن محمد الهنتاني بعد أبيه.
وفي سابع المحرّم قدم السّلطان الملك الظّاهر، فنزل بجوسقه الأبلق [1]
ثم مرض في نصف المحرم، وتوفي بعد ثلاثة عشر يوما فأخفي موته، وسار
نائبه بيلبك بمحفّة يوهم أن السلطان فيها مريض، إلى أن دخل بالجيش إلى
مصر، فأظهر موته، وعمل الغراء، وحلفت الأمراء لولده الملك السعيد، وكأن
عهد له في حياته.
والملك الظّاهر هو السّلطان الكبير ركن الدّين أبو الفتوح بيبرس
التّركي البندقداري ثم الصّالحي [2] ، صاحب مصر والشام.
ولد في حدود العشرين وستمائة. واشتراه الأمير علاء الدين البندقداري
الصّالحي، فقبض الملك الصّالح على البندقداري وأخذ ركن الدّين منه،
فكان من جملة مماليكه، ثم طلع ركن الدّين شجاعا فارسا، مقداما، إلى أن
__________
[1] علق الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد على «العبر» (5/ 307)
بقوله: «هو القصر الأبلق الذي عمره الظاهر في الميدان الأخضر، وقامت
مقامه التكية السليمية وما حولها، يعني في دمشق، وانظر التعليق على
«النجوم الزاهرة» (7/ 278) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 155- 156) و «العبر» (5/ 308- 309) و
«فوات الوفيات» (1/ 235- 247) وفي حاشية محققه ذكرت مصادر أخرى.
(7/610)
بهر أمره، وبعد صيته. وشهد وقعة المنصورة
بدمياط، ثم كان أميرا في الدولة المعزّية، وتنقلت به الأحوال، وصار من
أعيان البحرية. وولي السلطنة في سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين
[وستمائة] ، وكان ملكا سريّا، غازيا، مجاهدا، مؤيّدا، عظيم الهيبة،
خليقا للملك، يضرب بشجاعته المثل. له أيام بيض في الإسلام، وفتوحات
مشهورة، ومواقف مشهودة، ولولا ظلمه وجبروته في بعض الأحايين لعدّ من
الملوك العادلين. قاله في «العبر» .
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : توفي بقصره الأبلق بمرجة دمشق جوار
الميدان، وغسّلوه، وصبّروه، وعلقوه في البحيرة إلى أن فرغ من
الظّاهرية، فنقلوه إليها. وكان قد أوصى أن يدفن على الطريق، وتبنى عليه
قبة، فابتاع له ولده الملك السعيد دار العقيقي بسبعين ألف درهم، وبناها
مدرسة للشافعية والحنفية، ونقله إليها، ووقف عليها أوقافا كثيرة، وفتح
بيبرس من البلاد أربعين حصنا، كانت مع الفرنج، افتتحها بالسيف عنوة.
انتهى ملخصا.
وقال الذهبي: انتقل إلى عفو الله ومغفرته يوم الخميس بعد الظهر، الثامن
والعشرين من المحرّم بقصره بدمشق، وخلّف من الأولاد الذكور الملك
السعيد محمد، ولي السلطنة وعمره ثماني عشرة سنة، والخضر، وسلامش، وسبع
بنات، ودفن بتربة أنشأها ابنه. انتهى.
وفيها إبراهيم [بن أبي المجد] الدّسوقي الهاشمي الشّافعي القرشي [1] .
شيخ الخرقة [2] البرهامية، وصاحب المحاضرات القدسية والعلوم اللّدنية
والأسرار العرفانية. أحد الأئمة الذين أظهر الله لهم المغيّبات [3] ،
وخرق
__________
[1] انظر «الأعلام» (4/ 59) والمصادر المذكورة في حاشيته.
[2] في «آ» : «الحرفة» .
[3] أقول: لا يعلم الغيب إلّا الله تعالى، وجميع ما جاء في ترجمته بعد
هذا، فهو من الشطحات الصوفية التي لا يقرها الإسلام. (ع) .
(7/611)
لهم العادات، ذو الباع الطويل في التصرف
النافذ، واليد البيضاء في أحكام الولاية، والقدم الرّاسخ في درجات
النهاية. انتهت إليه رئاسة الكلام على خواطر الأنام، وكان يتكلم بجميع
اللّغات من عجمي، وسرياني، وغيرهما.
وذكر عنه أنه كان يعرف لغات الوحش والطّير، وأنه صام في المهد، وأنه
رأى في اللّوح المحفوظ وهو ابن سبع سنين، وأنه فكّ طلسم السبع المثاني،
وأن قدمه لم تسعه الدنيا، وأنه ينقل اسم مريده من الشقاوة إلى السعادة،
وأن الدّنيا جعلت في يده كخاتم.
وقال: توليت القطبانية، فرأيت المشرقين والمغربين، وما تحت التخوم [1]
وصافحت جبريل [2] .
ومن كلامه: لا تكليف على من غاب بقلبه في حضرة ربّه ما دام فيها، فإذا
ردّ له عقله صار مكلّفا.
وقال: عليك بالعمل بالشرع وإيّاك وشقشقة اللّسان بالكلام في الطريق دون
التخلق بأخلاق أهلها.
قاله الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» .
وفيها الكمال بن فارس أبو إسحاق إبراهيم بن الوزير نجيب الدّين أحمد بن
إسماعيل بن فارس التّميميّ الإسكندرانيّ [3] المقرئ الكاتب، آخر من قرأ
بالرّوايات على الكندي.
__________
[1] في «آ» : «النجوم» . قال في «مختار الصحاح» (تخم) : التّخم-
بالفتح- منتهى كل قرية أو أرض وجمعه تخوم.
[2] هذا كله من المبالغات التي ما كانت لأصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم لتكون للمتأخرين من أمثال المترجم، أسأل الله السدّاد والتثبيت
على النهج السليم نهج السّلف الصالح ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين.
[3] انظر «غاية النهاية» (1/ 6) و «النجوم الزاهرة» (7/ 279) .
(7/612)
ولد سنة ست وتسعين وخمسمائة، وتوفي في صفر،
وكان فيه خير وتدين، ترك بعض النّاس الأخذ عنه لتوليه نظر بيت المال.
وفيها بيليك الخزندار الظّاهري [1] ، نائب سلطنة مولاه. كان نبيلا،
عالي الهمّة، وافر العقل، محبّبا إلى النّاس، ينطوي على دين ومروءة
ومحبة للعلماء الصّلحاء والزّهّاد، ونظر في العلوم والتواريخ، رقّاه
أستاذه إلى أعلى الرّتب، واعتمد عليه في مهمّاته. قيل: إن شمس الدّين
الفارقاني الذي ولي نيابة السلطنة سقاه السّمّ باتفاق مع أمّ الملك
السعيد، فأخذه قولنج عظيم، وبقي به أيّاما، وتوفي بمصر في سابع ربيع
الأول.
وفيها الشيخ خضر بن أبي بكر المهراني- بالكسر والسكون، نسبة إلى مهران
جدّ- العدويّ [2] ، شيخ الملك الظّاهر. كان له حال وكشف ونفس مؤثرة. مع
سفه فم [3] ومزاح، تغيّر عليه السلطان بعد شدّة خضوعه له، وانقياده
لأوامره وإرادته، لأنه كان يخبره بأمور قبل وقوعها، فتقع على ما يخبره.
منها: أنه لما توجه الظّاهر إلى الرّوم، سأله قشتمر العجميّ فقال له
[4] الشيخ خضر: يظفر على الرّوم ويرجع إلى الشام فيموت بها بعد أن أموت
أنا بعشرين يوما، فكان كما قال [5] .
وكان سبب تغير السلطان عليه، أنه نقل بعض أصحاب الشيخ خضر أمورا لا
تليق به، فأحضره ليحاققوه، فأنكر، فاستشار الأمراء في أمره،
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 309) و «البداية والنهاية» (13/ 277) و «النجوم
الزاهرة» (7/ 279) .
[2] انظر «العبر» (5/ 309- 310) و «البداية والنهاية» (3/ 278) و
«النجوم الزاهرة» (7/ 279) و «غربال الزمان» ص (556) .
[3] في «العبر» : «مع سفه فيه» .
[4] لفظة «له» لم ترد في «آ» .
[5] أقول: وهذا أيضا من المبالغات التي لا يتجوز (ع) .
(7/613)
فأشاروا عليه بقتله، فقال الشيخ خضر- وهو
بعيد عنهم-: اسمع ما أقول لك، أنا أجلي قريب من أجلك، من مات قبل صاحبه
لحقه الآخر، فوجم السلطان، ورأى أن يحبسه، فحبسه في القلعة وأجرى عليه
المآكل المفتخرة، وبنى له زاوية بخطّ الجامع الظّاهري في الحسينية،
فمات سادس المحرم ودفن بزاويته في الحسينية.
وفيها أبو أحمد زكي بن الحسن البيلقاني [1]- بفتح الموحدة واللّام
والقاف، وسكون التحتية، آخره نون، نسبة إلى البيلقان مدينة بالدّربند-.
كان شافعيا، فقيها، بارعا، مناظرا، متقدما في الأصلين والكلام. أخذ عن
فخر الدّين الرّازي، وسمع من المؤيد الطّوسي، وكان صاحب ثروة وتجارة،
عمّر دهرا، وسكن اليمن، وتوفي بعدن.
وفيها البرواناه الصّاحب معين الدّين سليمان بن علي [2] . وزر أبوه
لصاحب الرّوم علاء الدّين كيقباذ، ولولده. فلما مات ولي الوزارة بعده
معين الدّين هذا سنة بضع وأربعين وستمائة، فلما غلبت التتار على الرّوم
ساس الأمور، وصانع التتار، وتمكن من الممالك بقويّ إقدامه وقوة دهائه،
إلى أن دخل المسلمون وحكموا على مملكة الرّوم، ونسب إلى البرواناه
مكاتيبهم، فقتله أبغا في المحرم.
وفيها عزّ الدّين عبد السلام بن صالح البصري، عرف بابن الكبوش [3]
الشّاعر المشهور، وشعره في غاية الرّقّة.
فمنه:
أدر ما بيننا كأس الحميّا ... بكفّ مقرطق طلق المحيّا
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 310) و «مرآة الجنان» (4/ 178) .
[2] انظر «العبر» (5/ 310) .
[3] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.
(7/614)
يحور ولا يجور على النّدامى ... كما جارت
لواحظه عليّا
[غزال لو رأى غيلان ميّ ... شمائله سلا غيلان ميّا
سقاني من مراشفه شمولا ... فأنساني حميّاه الحميّا] [1]
إلى أن قال:
إلام به تلوم ولست أصغي ... لقد أسمعت لو ناديت حيّا
وفيها مجد الدّين أبو أحمد وأبو الخير عبد الصّمد بن أحمد بن عبد
القادر بن أبي الجيش بن عبد الله البغدادي [2] المقرئ، النّحويّ،
اللّغويّ، الفقيه، الحنبلي، الخطيب، الواعظ، الزّاهد، شيخ بغداد
وخطيبها، سبط الشيخ أبي زيد الحموي.
ولد في محرم سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة ببغداد، وقرأ بالروايات على
الفخر الموصلي وغيره، وعني بالقراءات. وسمع كثيرا من كتبها. وسمع
الحديث من الدّاهري، وابن النّاقد، وغيرهما مما لا يحصى. وجمع أسماء
شيوخه بالسماع والإجازة، فكانوا فوق خمسمائة وخمسين شيخا.
قال الجعبري [3] : قرأ «كتاب سيبويه» و «الإيضاح» و «التكملة» و
«اللّمع» على الكندي، وهو غير صحيح، ولعله على العكبري [4] ، وانتهت
إليه مشيخة القراءات والحديث، وله ديوان خطب في سبع مجلدات.
__________
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[2] انظر «العبر» (5/ 311) و «دول الإسلام» (2/ 178) و «ذيل طبقات
الحنابلة» (2/ 290- 294) .
[3] هو إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل الربعي الجعبري، سترد ترجمته
في وفيات سنة (732) من المجلد الثامن إن شاء الله تعالى.
[4] قلت: وهذا التعقيب للحافظ ابن رجب الحنبلي، نقله المؤلّف رحمه الله
عن «ذيل طبقات الحنابلة» .
(7/615)
وقال الذّهبيّ: قرأ عليه الشيخ إبراهيم
الرّقّي الزّاهد، والمقصّاتي، وابن خروف، وجماعة. وكان إماما، محقّقا،
بصيرا بالقراءات وعللها وغريبها، صالحا، زاهدا، كبير القدر، بعيد
الصيت. انتهى.
وممن روى عنه الدّمياطي في «معجمه» وأحمد بن القلانسي.
وتوفي يوم الخميس سابع عشر ربيع الأول، ودفن بحضرة الإمام أحمد.
وفيها الواعظ نجم الدّين علي بن علي بن إسفنديار البغدادي [1] .
ولد سنة ست عشرة وستمائة [2] ، وقرأ [3] ، وسمع من ابن الشيخ اللّتي،
والحسين بن رئيس الرؤساء، ووعظ بدمشق، فازدحم عليه الخلق، وانتهت إليه
رئاسة الوعظ لحسن إيراده، ولطف شمائله، وبهجة محاسنه. وتوفي في رجب.
وفيها شمس الدّين أبو بكر وأبو عبد الله محمد بن الشيخ العماد إبراهيم
بن عبد الواحد بن شرف الدّين علي بن سرور المقدسي [4] ، نزيل مصر قاضي
قضاة الحنابلة [5] ، وشيخ الشيوخ.
ولد يوم السبت رابع عشر صفر سنة ثلاث وستمائة بدمشق، وحضر بها على ابن
طبرزد، وسمع من الكندي، وابن الحرستاني، وغيرهما. وتفقه [على الشيخ
موفق الدّين، ثم رحل إلى بغداد. وأقام بها مدّة. وسمع بها من
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 311) و «البداية والنهاية» (13/ 279) و «النجوم
الزّاهرة» (7/ 279) .
[2] في «العبر» : «ولد سنة ست وخمسين وستمائة» .
[3] لفظة «وقرأ» سقطت من «آ» .
[4] انظر «العبر» (5/ 311- 312) و «البداية والنهاية» (13/ 277- 278) و
«ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 294- 295) .
[5] لفظة «الحنابلة» سقطت من «آ» .
(7/616)
جماعة، وتفقّه] [1] أيضا بها، وتفنن في
علوم شتى، وتزوّج بها وولد له، ثم انتقل إلى مصر وسكنها إلى أن مات
بها، وعظم شأنه بها. وصار شيخ المذهب علما، وصلاحا، وديانة، ورئاسة،
وانتفع به الناس، وولي بها مشيخة خانقاه سعيد السعداء، وتدريس المدرسة
الصّالحية، ثم ولي قضاء القضاة مدة، ثم عزل منه، واعتقل مدة ثم أطلق،
فأقام بمنزله يدرّس بالصالحية ويفتي ويقرئ العلم، إلى أن توفي.
قال القطب اليونيني: كان من أحسن المشايخ صورة، مع الفضائل الكثيرة
التّامّة، والدّيانة المفرطة، والكرم، وسعة الصّدر، وهو أول من درّس
بالمدرسة الصّالحية للحنابلة، وأول من ولي قضاء القضاة بالدّيار
المصرية.
وكان كامل الآداب، سيّدا، صدرا من صدور الإسلام، متبحّرا في العلوم، مع
الزّهد الخارج عن الحدّ واحتقار الدّنيا، وعدم الالتفات إليها. وكان
الصّاحب بهاء الدّين- يعني ابن حنّا- يتحامل عليه ويغري الملك الظّاهر
به، لما عنده من الأهلية لكل شيء من أمور الدّنيا والآخرة، ولا يلتفت
إليه ولا يخضع له. حدّث بالكثير، وسمع منه الكبار، منهم: الدّمياطي،
والحارثي، والإسعردي، وغيرهم.
وتوفي يوم السبت ثاني عشر المحرّم، ودفن من الغد بالقرافة عند عمّه
الحافظ عبد الغني. انتهى.
وفيها الشيخ يحيى المنبجي [2] المقرئ المتصدّر بجامع دمشق. لقّن خلقا
[3] كثيرا من الناس [4] ، وكان من أصحاب أبي عبد الله الفاسي توفي في
المحرّم.
__________
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 559) :
«المنبجي» وفي «العبر» بطبعتيه: «المنيحي» .
[3] لفظة: «خلقا» سقطت من «ط» .
[4] قوله: «من الناس» سقط من «آ» .
(7/617)
وفيها شيخ الإسلام محيي الدّين أبو زكريا
يحيى بن شرف بن مرّي بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام الفقيه
الشافعي، الحافظ الزّاهد، أحد الأعلام النّواوي [1]- بحذف الألف ويجوز
إثباتها- الدمشقي [2] .
ولد في محرّم سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وقرأ القرآن ببلده، وقدم دمشق
بعد تسع عشرة سنة من عمره. قدم به والده، فسكن بالمدرسة الرّواحية.
قال هو: وبقيت نحو سنتين لم أضع جنبي إلى الأرض. وكان قوتي فيها جراية
المدرسة لا غير، وحفظت «التنبيه» في نحو أربعة أشهر ونصف.
قال: وبقيت أكثر من شهرين أو أقل، لما قرأت: «ويجب الغسل من إيلاج
الحشفة في الفرج» اعتقد أن ذلك قرقرة البطن. وكنت أستحم بالماء البارد
كلما قرقر بطني.
قال: وقرأت وحفظت ربع «المهذّب» في باقي السنة، وجعلت أشرح وأصحح على
شيخنا كمال الدّين إسحاق المغربي ولازمته، فأعجب بي وأحبّني، وجعلني
أعيد لأكثر جماعته.
فلما كانت سنة إحدى وخمسين، حججت مع والدي، وكانت وقفة الجمعة. وكان
رجبيا من أول رجب، فأقمنا بالمدينة نحوا من شهر ونصف.
__________
[1] لفظة «النواوي» لم ترد في «ط» .
[2] انظر «العبر» (5/ 312) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1470- 1474) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (282) و «طبقات الشافعية» (8/ 395- 400) و
«طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 476- 477) و «البداية والنهاية» (13/
278- 279) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 194- 200) ومقدمة
والدي حفظه الله تعالى للطبعة الثالثة من كتاب المترجم «التبيان في
آداب حملة القرآن» الصادرة عن مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع في
الكويت.
(7/618)
وذكر والده قال: لما توجهنا من نوى، أخذته
الحمّى، فلم تفارقه إلى يوم عرفة، ولم يتأوّه قطّ. قال: وذكر لي الشيخ،
أنه كان يقرأ كل يوم اثني عشر درسا على المشايخ، شرحا، وتصحيحا، درسين
في «الوسيط» ودرسا في «المهذّب» ، ودرسا في «الجمع بين الصحيحين» ودرسا
في «صحيح مسلم» ودرسا في «اللّمع» لابن جنّي، ودرسا في «إصلاح المنطق»
لابن السّكّيت. ودرسا في التصريف، ودرسا في أصول الفقه، تارة في
«اللّمع» لأبي إسحاق [1] ، وتارة في «المنتخب» لفخر الدّين. ودرسا في
أسماء الرجال، ودرسا في أصول الدّين. وكنت أعلّق جميع ما يتعلق بها، من
شرح مشكل، ووضوح عبارة، وضبط لغة. وبارك الله لي في وقتي، وخطر لي
الاشتغال في علم الطب، فاشتريت كتاب «القانون» فيه، وعزمت على الاشتغال
فيه، فأظلم على [2] قلبي، وبقيت أيّاما لا أقدر على الاشتغال بشيء،
ففكرت في أمري، من أين دخل عليّ الداخل، فألهمني الله أن سببه اشتغالي
بالطبّ، فبعت «القانون» في الحال واستنار قلبي.
وقال الذهبيّ: لزم الاشتغال ليلا ونهارا نحو عشرين سنة، حتّى فاق
الأقران، وتقدم على جميع الطلبة، وحاز قصب السبق في العلم والعمل، ثم
أخذ في التصنيف من حدود الستين وستمائة إلى أن مات. وسمع الكثير من
الرّضي بن البرهان، والزّين خالد، وشيخ الشيوخ عبد العزيز الحموي
وأقرانهم. وكان مع تبحّره في العلم وسعة معرفته بالحديث، والفقه،
واللغة، وغير ذلك مما قد سارت به الرّكبان، رأسا في الزّهد، وقدوة في
الورع، عديم المثل في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، قانعا
باليسير، راضيا عن الله والله راض عنه، مقتصدا إلى الغاية في ملبسه،
ومطعمه، وأثاثه، تعلوه
__________
[1] قوله: «لأبي إسحاق» سقط من «آ» .
[2] لفظة «على» سقطت من «آ» .
(7/619)
سكينة وهيبة، فالله يرحمه ويسكنه الجنّة
بمنّه.
ولي مشيخة دار الحديث بعد الشيخ شهاب الدّين أبي شامة، وكان لا يتناول
من معلومها شيئا، بل يتقنّع [1] بالقليل مما يبعثه إليه أبوه. انتهى.
وقال ابن العطّار [2] : كان قد صرف أوقاته كلّها في أنواع العلم والعمل
بالعلم، وكان لا يأكل في اليوم والليلة إلّا أكلة واحدة بعد العشاء
الآخرة، ولا يشرب إلّا شربة واحدة عند السّحر، ولم يتزوّج.
ومن تصانيفه «الروضة» [3] و «المنهاج» و «شرح المهذّب» وصل فيه إلى
أثناء الرّبا، سماه «المجموع» و «المنهاج في شرح مسلم» وكتاب «الأذكار»
[4] وكتاب «رياض الصالحين» [5] وكتاب «الإيضاح» في المناسك و «الإيجاز»
في المناسك. وله أربع مناسك أخر، و «الخلاصة» في الحديث [لخص فيه
الأحاديث المذكورة في «شرح المهذّب» . وكتاب «الإرشاد» في علم الحديث
[6]] [7] وكتاب «التقريب» و «التيسير» في مختصر الإرشاد، وكتاب
«التبيان في آداب حملة القرآن» وكتاب «المبهمات» وكتاب «تحرير ألفاظ
__________
[1] في «آ» : «ينتفع» .
[2] وهو تلميذه.
[3] طبعه المكتب الإسلامي بدمشق في اثني عشر مجلدا، وقام بتحقيقه والدي
الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط بالاشتراك مع زميله الأستاذ الشيخ
شعيب الأرناؤوط.
[4] طبع عدة طبعات أشهرها التي طبعت بتحقيق والدي الأستاذ الشيخ عبد
القادر الأرناؤوط في مكتبة الملاح بدمشق ثم في مكتبة الهدى في الرياض
وهي الطبعة المعتمدة لدى المشتغلين بالحديث النبوي الشريف وكتب التراث.
[5] طبع عدة مرات، أفضلها التي قام عليها الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط
حفظه الله، وصدرت عن دار المأمون للتراث بدمشق، ثم عن مؤسسة الرسالة في
بيروت.
[6] طبع في دمشق حديثا بتحقيق الدكتور نور الدّين عتر.
[7] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
(7/620)
التنبيه» [1] و «العمدة في تصحيح التنبيه»
وهما من أوائل ما صنّف، وغير ذلك من المصنفات الحسنة.
وقال ابن ناصر الدّين [2] : هو الحافظ القدوة، الإمام، شيخ الإسلام.
كان فقيه الأمّة وعلم الأئمّة.
وقال الإسنويّ: كان في لحيته شعرات بيض، وعليه سكينة ووقار في البحث مع
الفقهاء، وفي غيره، ولم يزل [3] على ذلك إلى أن سافر إلى بلده، وزار
القدس والخليل، ثم عاد إليها فمرض بها عند أبويه.
وتوفي ليلة الأربعاء رابع عشري رجب، ودفن ببلده رحمه الله ورضي عنه
وعنّا به.
__________
[1] طبع في دار القلم بدمشق بتحقيق الأستاذ الشيخ عبد الغني الدقر حفظه
الله تعالى.
[2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (82/ آ) .
[3] في «ط» : «لم يزل» .
(7/621)
سنة سبع وسبعين
وستمائة
فيها توفي الشّهاب بن الجزري أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عيسى
الأنصاري الدمشقي [1] .
وله أربع وستون سنة. روى عن ابن اللّتي، وابن المقيّر، وطبقتهما، وكتب
الكثير، ورحل إلى ابن خليل فأكثر عنه، وكان يقرأ الحديث على كرسي
الحائط الشمالي. توفي في جمادى الآخرة.
وفيها الفارقاني شمس الدّين آق سنقر الظّاهري [2] ، أستاذ دار الملك
الظّاهر. جعله الملك السعيد نائبه فلم ترض خاصّة السعيد بذلك، ووثبوا
على الفارقاني واعتقلوه، فلم يقدر السعيد على مخالفتهم، فقيل: إنهم
خنقوه في جمادى الأولى.
وكان وسيما، جسيما، شجاعا، نبيلا، له خبرة ورأي، وفيه ديانة وإيثار،
وعليه مهابة ووقار. مات في عشر الخمسين.
وفيها النّجيبيّ جمال الدّين آقوش [3] النّجمي [4] أستاذ دار الملك
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 313- 314) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (282) و
«النجوم الزاهرة» (7/ 285) .
[2] انظر «العبر» (5/ 314) و «النجوم الزاهرة» (7/ 285) .
[3] في «آ» و «ط» : «أقش» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق
التالي.
[4] انظر «العبر» (5/ 314) و «البداية والنهاية» (13/ 281) و «النجوم
الزاهرة» (7/ 285) .
(7/622)
الصّالح. ولي أيضا للملك الظّاهر
استاداريته، ثم نيابة دمشق تسعة أعوام، وعزله بعزّ الدّين أيدمر، ثم
بقي بالقاهرة مدّة بطالا، ولحقه فالج قبل موته بأربع سنين. وكان محبا
للعلماء، كثير الصّدقة، لديه فضيلة وخبرة. عاش بضعا وستين سنة. وتوفي
بربيع الآخر، وله بدمشق خانقاه، وخان، ومدرسة، ولم يخلّف ولدا.
وفيها قاضي القضاة صدر الدّين سليمان بن أبي العزّ بن وهيب الأذرعي،
نسبة إلى أذرعات ناحية بالشام، ثم الدمشقي [1] ، شيخ الحنفية قاضي
القضاة [2] أبو الفضل. أحد من انتهت إليه رئاسة المذهب في زمانه،
وبقيّة أصحاب الشيخ جمال الدّين الحصيري. درّس بمصر مدّة، ثم قدم دمشق،
فاتفق موت القاضي مجد الدّين ابن العديم، فقلّد بعده القضاء، فبقي فيه
ثلاثة أشهر.
قال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان من كبار العلماء، وله تصانيف في
مذهبه، وولي القضاء بالدّيار المصرية، والشامية، والبلاد الإسلامية،
وأذن له في الحكم حيث حلّ من البلاد انتهى.
توفي في شعبان عن ثلاث ثمانين سنة ودفن بتربته [3] بقاسيون.
وفيها كمال الدّين أبو محمد طه بن إبراهيم بن أبي بكر الإربلي الشّافعي
[4] .
__________
[1] قوله: «قاضي القضاة» لم يرد في «ط» .
[2] انظر «العبر» (5/ 315) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (282) و
«البداية والنهاية» (13/ 281- 282) و «النجوم الزاهرة» (7/ 285) .
[3] في «ط» : «بتربة» .
[4] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 153- 154) و «البداية والنهاية»
(13/ 282) و «النجوم الزاهرة» (7/ 181) و «حسن المحاضرة» (1/ 417) .
(7/623)
قال الإسنويّ: كان فقيها، أديبا. ولد
بإربل، وانتقل إلى مصر شابا، وانتفع به خلق كثير، وروى عنه جماعة،
منهم: الدّمياطي، ومات بمصر في جمادى الأولى، وقد نيّف على الثمانين.
وفيها مجد الدّين أبو محمد عبد الله بن الحسين بن علي الكردي الإربلي
الشافعي [1] ، والد شهاب الدّين بن المجد الذي تولى القضاء بدمشق. كان
المجد المذكور عارفا بالمذهب، بصيرا به، خبيرا بعلم القراءات، خيّرا،
ديّنا، متعبّدا، حسن السّمت والأخلاق. سمع وأسمع، ودرّس بالكلّاسة.
وتوفي في ذي القعدة.
وفيها ابن العديم، الصّاحب، قاضي القضاة، مجد الدّين أبو المجد، عبد
الرحمن بن الصّاحب كمال الدّين أبي القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة
العقيلي الحلبي الحنفي [2] . سمع حضورا من ثابت بن مشرّف، وسماعا من
أبي محمد بن الأستاذ، وابن البنّ، وخلق كثير. وكان صدرا، مهيبا، وافر
الحشمة، عالي الهمّة والرّتبة، عارفا بالمذهب والأدب، مبالغا في
التجمّل والترفّع، مع دين تامّ، وتعبّد وصيانة، وتواضع للصّالحين.
توفي في ربيع الآخر عن أربع وستين سنة.
وفيها ابن حنّا، الوزير الأوحد، بهاء الدّين علي بن محمد بن سليم
المصري [3] الكاتب، أحد رجال الدّهر، حزما، ورأيا، وجلالة، ونبلا،
وقياما
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 154) .
[2] انظر «العبر» (5/ 315) و «الوافي بالوفيات» (18/ 201- 203) و
«النجوم الزاهرة» (7/ 285) .
[3] انظر «العبر» (5/ 315- 316) و «الوافي بالوفيات» (22/ 30- 33) و
«فوات الوفيات» (3/ 76- 78) .
(7/624)
بأعباء الأمور، مع الدّين، والعفّة،
والصّفات الحميدة، والأموال الكثيرة.
وكان لا يقبل لأحد هدية إلّا أن يكون من الفقراء والصلحاء للتبرّك،
وكان من حسنات الزّمان، توزّر للملك الظّاهر ولولده السعيد، ورزق
أولادا، ومات وهو جدّ جدّ، وبنى مدرسة بزقاق القناديل بمصر، وابتلي
بفقد ولديه الصّدرين فخر الدّين ومحيي الدّين، فصبر وتجلّد. وكان يهشّ
للمديح.
قال فيه الفارقي:
وقائل قال لي نبّه لها عمرا ... فقلت: إن عليّا قد تنبّه لي
ما لي إذا كنت محتاجا إلى عمر ... من حاجة فلينم حتّى انتباه علي
توفي في ذي القعدة وله أربع وسبعون سنة.
وفيها الحكيم الفاضل موفق الدّين عبد الله بن عمر، المعروف بالورن [1]
، الفاضل الأديب. له مشاركة في علوم كثيرة. وكان أكثر إقامته ببعلبك،
وسافر إلى مصر فلم تطل مدته. أخذه قولنج فمات.
ومن شعره:
يذكّرني نشر الحمى بهبوبه ... زمانا عرفنا كلّ طيب بطيبه
ليال سرقناها من الدّهر خلسة ... وقد أمنت عيناي عين رقيبه
فمن لي بذاك العيش لو عاد وانقضى ... ليسكن [2] قلبي ساعة من وجيبه
ألا إنّ لي شوقا إلى ساكن الغضا ... أعيذ الغضا من حرّه ولهيبه
__________
[1] في «آ» و «ط» : «المعروف بالورل» وفي «المنتخب» لابن شقدة (189/ ب)
: «المعروف بالورك» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «الوافي بالوفيات» (17/
375) و «فوات الوفيات» (2/ 211) وانظر «النجوم الزاهرة» (7/ 282) .
[2] في «فوات الوفيات» : «وسكّن» .
(7/625)
وفيها الظّهير العلّامة مجد الدّين أبو عبد
الله محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر الإربلي الحنفي الأديب
[1] .
ولد سنة اثنتين وستمائة بإربل، وسمع من السّخاوي وطائفة بدمشق، ومن
الكاشغري وغيره ببغداد، ودرّس بالقيمازيّة مدّة، وله «ديوان» مشهور
ونظم رائق، مع الجلالة، والدّيانة التّامّة.
توفي في ربيع الآخر.
وفيها ابن إسرائيل الأديب البارع نجم الدّين محمد بن سوّار ابن إسرائيل
بن خضر بن إسرائيل الدّمشقي [2] الفقير، صاحب الحريري. روح المشاهد
وريحانة المجامع. كان فقيرا، ظريفا، نظيفا، مليح النّظم، رائق المعاني،
لولا ما شانه بالاتحاد تصريحا مرّة وتلويحا أخرى.
من نظمه، ما كتب به إلى النّجم الكحّال:
يا سيّد الحكماء هذي سنّة ... مثبوتة في الطّبّ أنت سننتها
أو كلّما كلّت سيوف جفون من ... سفكت لواحظه الدّماء سننتها
وقال في مليح ناوله تفّاحة:
لله تفّاحة وافى بها سكني ... فسكّنت لهبا في القلب يستعر
كفأرة المسك وافاني الغزال بها ... وغرّة النّجم حيّاني بها القمر
أتى بها قاتلي نحوي فهل أحد ... قبلي تمشّى إليه الغصن والثّمر
توفي في رابع عشر ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة وشهر، ودفن خارج باب
توما عند قبر الشيخ رسلان.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 316) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (282) و
«الجواهر المضية» (3/ 52) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 574- 575) .
[2] انظر «العبر» (5/ 316- 317) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (282) و
«النجوم الزاهرة» (7/ 282- 283) .
(7/626)
وفيها ناصر الدّين أبو عبد الله محمد بن
عربشاه بن أبي بكر بن أبي ناصر [1] المحدّث الهمذاني ثم الدمشقي [2] .
روى عن ابن الزّبيدي، والمسلم [3] المازني، وابن صباح، وكتب الكثير.
وكان ثقة، صحيح النّقل.
توفي في جمادى الأولى. قاله في «العبر» .
وفيها أبو المرجّى مؤمّل بن محمد بن علي البالسي ثم الدمشقي [4] . روى
عن الكندي، والخضر بن كامل، وجماعة. وتوفي في رجب.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «نصر» .
[2] انظر «العبر» (5/ 317) و «الوافي بالوفيات» (4/ 93- 94) و «النجوم
الزاهرة» (7/ 285) .
[3] كذا في «آ» و «العبر» مصدر المؤلّف: «والمسلم» وفي «ط» : «ابن
المسلم» .
[4] انظر «العبر» (5/ 317) و «النجوم الزاهرة» (7/ 285) .
(7/627)
سنة ثمان وسبعين
وستمائة
فيها توفي أبو العبّاس أحمد بن أبي الخير سلامة بن إبراهيم الدمشقي
الحدّاد الحنبلي [1] .
ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وكان أبوه إماما بحلقة الحنابلة فمات
وهذا صغير. وسمع سنة ستمائة من الكندي، وأجاز له خليل الرّارانيّ [2] ،
وابن كليب، والبوصيري، وخلق. وعمّر، وروى الكثير، وكان خيّاطا ودلّالا،
ثم قرّر بالرّباط النّاصري، وأضرّ بأخرة. وكان يحفظ القرآن العظيم.
توفي يوم عاشوراء.
وفيها أحمد بن عبد المحسن الدّمياطي الواعظ، عرف بكتاكت [3] .
كان له الشعر الحسن، فمنه:
اكشف البرقع عن شمس العقار ... واخل في ليلك مع شمس النّهار
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 319- 320) و «الوافي بالوفيات» (6/ 397- 398) و
«النجوم الزاهرة» (7/ 290) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 122- 123)
.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الدّاراني» وفي «الدارس في تاريخ المدارس»
إلى «البزالي» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» وهو الشيخ الجليل المسند
خليل بن أبي الرجاء بدر الرّاراني الأصبهاني، وقد تقدمت ترجمته في
المجلد السادس ص (528) .
[3] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.
(7/628)
وانهب العيش ودعه ينقضي ... غلطا ما بين
هتك واستتار
إن تكن شيخ خلاعات الصّبا ... فالبس الصّبوة في خلع العذار
وارض بالعار وقل قد لذّ لي ... في هوى خمّار كاسي لبس عاري
توفي بمصر، ودفن بالقرافة.
وفيها القاضي صفيّ الدّين أبو محمد إسحاق بن إبراهيم بن يحيى الشّقراوي
الحنبلي [1] .
ولد بشقرا من ضياع زرع [2] سنة خمس وستمائة، وسمع من موسى بن عبد
القادر، والشيخ موفق الدّين، وأحمد بن طاووس، وجماعة. وتفقه وحدّث،
وولي الحكم بزرع نيابة عن الشيخ شمس الدّين [3] ابن أبي عمر، وكان
فقيها، فاضلا، حسن الأخلاق.
قال الذهبي: كان رجلا، خيّرا، فقيها، حفظ النّوادر والأخبار، وولي قضاء
زرع، وأعاد بمدرسته. وتوفي يوم السبت تاسع عشر ذي الحجّة ودفن بسفح
قاسيون.
وفيها شيخ الشيوخ شرف الدّين أبو بكر عبد الله بن شيخ الشيوخ تاج
الدّين عبد الله بن عمر بن حمّوية الجويني ثم الدمشقي الصّوفي [4] .
ولد سنة ثمان وستمائة وروى عن أبي القاسم بن صصرى وجماعة، وتوفي في
شوال.
وفيها ابن الأوحد الفقيه شمس الدّين عبد الله بن محمد بن
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (8/ 397- 398) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/
297- 298) .
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «زرا» .
[3] لفظة «الدّين» سقطت من «آ» .
[4] انظر «مرآة الجنان» (4/ 190) و «غربال الزّمان» ص (556) .
(7/629)
عبد الله بن علي القرشيّ الزّبيريّ [1] .
روى عن الافتخار الهاشمي، وكتب بديوان المارستان النّوري، وتوفي في
شوال وله خمس وسبعون سنة.
وفيها الشيخ القدوة إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الحضرمي [2] ، نسبة إلى
حضرموت.
قال المناوي: قطب الدّين، الإمام الكبير، العارف الشهير، قدوة الفريقين
وعمدة الطريقين، شيخ الشّافعية ومربي الصّوفية.
كان إماما من الأئمة مذكورا، وعلما من أعلام الولاية مشهورا. وهو من
بيت مشهور بالصّلاح، مقصود لليمن والنّجاح، أعلامه للإرشاد منصوبة،
وبركات أهله كالأهلّة مرقومة مرقوبة. وكان في بدايته يؤثر الخلوة، ثم
تفقه، فبرع وفاق، وسبق الأقران والرّفاق. وله عدّة مؤلفات في عدّة
فنون، تدلّ على تمكّنه، منها «شرح المهذّب» و «مختصر مسلم» و «مختصر
بهجة المجالس» و «فتاوى» مفيدة. وكلام في التصوف، يدلّ على كمال
معرفته. انتفع به جمع من الأعيان، وولي قضاء الأقضية فأنكر المنكرات
وأقام مواسم الخيرات. ثم عزل نفسه. وكتب للسلطان في شقفة من خزف: يا
يوسف كثر شاكوك وقلّ شاكروك، فإما عدلت وإما انفصلت. فغضب، فلم يلتفت
إليه.
وله كرامات- قال المطري [3] : كادت تبلغ التواتر-.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 320) .
[2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 130- 131) و «طبقات الشافعية»
لابن قاضي شهبة (2/ 166- 167) و «العقود اللؤلؤية» (1/ 176- 177)
بعناية الأستاذ محمد بن علي الأكوع الحوالي، طبع مركز الدراسات والبحوث
اليمينة بصنعاء.
[3] هو الإمام عبد الله بن محمد بن أحمد بن خلف المطري الخزرجي
العبادي، أبو السّيادة.
له «الإعلام فيمن دخل المدينة من الأعلام» - وهو الذي نقل عنه المؤلّف
وهو جدير بالنشر-.
مات سنة (765 هـ) . انظر «الأعلام» للأستاذ الزركلي (4/ 126) .
(7/630)
منها: أن ابن معطي قيل له في النّوم: اذهب
إلى الفقيه إسماعيل الحضرمي واقرأ عليه النّحو، فلما انتبه تعجّب لكون
الحضرميّ لا يحسنه، ثم قال: لا بدّ من الامتثال، فدخل عليه وعنده جمع
يقرؤون الفقه، فبمجرد رؤياه، قال: أجزتك بكتب النّحو، فصار لا يطالع
فيه شيئا إلّا عرفه بغير شيخ.
ومنها أنه قصد بلدة زبيد، فكادت الشّمس تغرب، وهو بعيد عنها، فخاف أن
تغلق أبوابها، فأشار إلى الشّمس فوقفت [1] ، حتّى دخل المدينة.
وإليه أشار الإمام اليافعيّ بقوله:
هو الحضرمي نجل الوليّ محمد ... إمام الهدى نجل الإمام محمد
ومن جاهه أومأ إلى الشّمس أن قفي ... فلم تمش حتّى أنزلوه بمقعد
ومنها أنه زار مقبرة زبيد، فبكى كثيرا، ثم ضحك، فسئل، فقال:
كشف لي، فرأيتهم يعذّبون، فشفعت فيهم. فقالت صاحبة هذا القبر: وأنا
معهم يا فقيه، قلت: من أنت؟ قالت: فلانة المغنيّة، فضحكت وقلت:
وأنت.
ومنها أن بعض الصّلحاء رأى المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فقال له: «من
قبّل قدم الحضرميّ دخل الجنّة» [2] فبلغ الحكميّ مفتي زبيد، فقصده
ليقبّلها، فلما وقع بصره عليه، مدّ له رجليه. انتهى ملخصا.
وفيها الشيخ نجم الدّين بن الحكيم عبد الله بن محمد بن أبي الخير
الحمويّ [3] الصّوفي الفقير.
كان له زاوية بحماة ومريدون، وفيه تواضع وخدمة للفقراء، وأخلاق
__________
[1] أقول: وهذا أيضا من المبالغات في الشطحات (ع) .
[2] أقول: هذا حديث لا أصل له، وهو كذب مفترى، والأحكام الشرعية لا
تؤخذ من المنامات (ع) .
[3] انظر «العبر» (5/ 320) و «مرآة الجنان» (4/ 190) .
(7/631)
حميدة. صحب الشيخ إسماعيل الكوراني، واتفق
موته بدمشق، فدفن عنده بمقابر الصّوفية.
وفيها الشيخ عبد السّلام بن أحمد بن الشيخ القدوة غانم بن علي المقدسي
[1] الواعظ. أحد المبرّزين في الوعظ، والنّظم، والنّثر. توفي بالقاهرة
في شوال.
وفيها فاطمة ابنة الملك المحسن أحمد بن السلطان صلاح الدّين [2] .
ولدت سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وسمعت من حنبل، وابن طبرزد.
وفيها السّلطان الملك السعيد ناصر الدّين أبو المعالي محمد بن الملك
الظّاهر بيبرس [3] .
ولد في حدود سنة ثمان وخمسين وستمائة، بظاهر القاهرة. وتملّك بعد أبيه
سنة ست وسبعين في صفر، وكان شابا، مليحا، كريما، حسن الطّباع، فيه عدل،
ولين، وإحسان، ومحبة للخير. خلعوه من الأمر، فأقام بالكرك أشهرا، ومات
شبه الفجأة في نصف ذي القعدة بقلعة الكرك، ثم نقل بعد سنة ونصف إلى
تربة والده، وتملّك بعده أخوه خضر.
وفيها ابن الصّيرفيّ، المفتي المعمّر، جمال الدّين أبو زكريا يحيى بن
أبي منصور بن أبي الفتح بن رافع الحرّاني الحنبلي، ويعرف بابن الحبيشي
[4] .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 321) و «مرآة الجنان» (4/ 190) و «البداية
والنهاية» (13/ 289) .
[2] انظر «العبر» (5/ 321) و «ترويح القلوب» للزّبيدي ص (76) بتحقيق
الدكتور صلاح الدّين المنجد.
[3] انظر «العبر» (5/ 321) و «البداية والنهاية» (13/ 290) .
[4] انظر «العبر» (5/ 321- 322) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 290) .
(7/632)
سمع من عبد القادر الرّهاوي بحرّان، ومن
ابن طبرزد ببغداد، ومن الكندي بدمشق، واشتغل على أبي بكر بن غنيمة،
وأبي بكر العكبري، والشيخ الموفق [1] . وكان إماما، عالما، متفننا،
صاحب عبادة، وتهجد، وصفات حميدة. توفي في رابع صفر.
__________
[1] يعني الإمام الحافظ الفقيه موفق الدّين بن قدامة المقدسي، رحمه
الله تعالى.
(7/633)
سنة تسع وسبعين
وستمائة
في آخرها نزل السّلطان الملك الكامل سنقر الأشقر إلى الشّام غازيا،
فنزل قريبا من عكّا، فخضع له أهلها، وراسلوه في الهدنة، وجاء إلى خدمته
عيسى بن مهنّا، فصفح عنه وأكرمه.
وفيها توفي ضياء الدّين أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمود بن
رفيعا الجدري، بفتح الجيم والدال المهملة وراء، نسبة إلى جدرة حيّ من
الأزد [1]- المقرئ الفرضي الحنبلي، نزيل الموصل.
قرأ بالسبع على علي بن مفلح البغدادي نزيل الموصل، وسمع الحديث من
جماعة، وصنّف تصانيف في القراءات وغيرها، ونظم في القراءات والفرائض
قصيدة معروفة لامية، وكان شيخ القرّاء بالموصل، قرأ عليه ابن خروف
الموصلي الحنبلي وأكثر عنه، وسمع منه «الأحكام» للشيخ مجد الدّين بن
تيميّة، وأجاز لعبد الصّمد بن أبي الجيش غير مرّة، وتوفي سادس جمادى
الآخرة.
وفيها تقيّ الدّين أبو محمد عبد الساتر بن عبد الحميد بن محمد بن أبي
بكر الحنبلي [2] . سمع من موسى بن عبد القادر، وابن
__________
[1] تنبيه: كذا قيد المؤلّف- رحمه الله- نسبته «الجدري» والصواب
«الجزري» كما في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 298) مصدر المؤلّف، و «غاية
النهاية في طبقات القراء» (1/ 403) .
[2] انظر «العبر» (5/ 323- 324) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 298- 299)
.
(7/634)
الزّبيدي، والشيخ الموفق، وبه تفقه في مذهب
أحمد. ومهر في المذهب، وعني به، وبالسّنّة وجمع فيها، وناظر الخصوم
وكفّرهم، وكان صاحب حزبية وتحرّق [1] على الأشعرية، فرموه بالتجسيم.
قال الذهبي: ورأيت له مصنّفا في الصّفات، فلم أر به بأسا. قال: وكان
متأيدا للحنابلة، وفيه شراسة أخلاق، مع صلاح ودين يابس.
توفي في ثامن شعبان عن نيّف وسبعين سنة.
وفيها الفقيه [2] شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن داود بن إلياس
البعلي الحنبلي [3] .
ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وسمع من الشيخ موفق الدّين، وابن البنّ
[4] وطائفة. وخدم الشيخ الفقيه اليونيني مدة.
قال القطب ابن اليونيني: سمع من حنبل، والكندي، وابن الزّبيدي، ورحل
إلى لبلاد للسماع، وخدم والدي، وقرأ عليه القرآن، واشتغل عليه، وحفظ
«المقنع» وعرف الفرائض. وكان ذا ديانة وافرة، وصدق، وأمانة، وتحرّ في
شهاداته وأقواله. وحدّث بمسموعاته، وتوفي في حادي عشري رمضان، ودفن
بظاهر بعلبك.
وفيها ابن النّنّ- بنونات [5]- الفقيه شمس الدّين محمد بن عبد الله بن
محمد البغدادي الشافعي [6] في رجب، بالإسكندرية، وله ثمانون
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «صاحب جرأة وتحرّق» .
[2] لفظة «الفقيه» سقطت من «ط» .
[3] انظر «العبر» (5/ 324) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 299- 300) .
[4] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «ابن المنّي» فتصحح.
[5] لفظة «بنونات» ليست في «آ» وأثبتها من «ط» .
[6] انظر «العبر» (5/ 324) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (283) و
«تبصير المنتبه» (1/ 107) .
(7/635)
سنة. سمع من عبد العزيز بن منينا، وسليمان
الموصلي، وجماعة. وكان ثقة، متيقظا. قاله في «العبر» .
وفيها الجزّار الأديب، جمال الدّين أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم
المصري [1] ، الأديب الفاضل. كان جزّارا، ثم استرزق بالمدح، وشاع شعره
في البلاد، وتناقلته الرّواة. وكان كثير التّبذير، لا تكاد خلّته
تنسدّ، وكان مسرفا على نفسه، سامحه الله تعالى.
ومن شعره:
عاقبتني بالصّد من غير جرم ... ومحا هجرها بقية رسمي
وشكوت الجوى إلى ريقها العذ ... ب فجارت ظلما بمنع لظلم
أنا حكّمتها فجارت وشرع ال ... حبّ يقضي أني أحكّم خصمي
ومنها في المديح:
يا أميرا يرجّى ويخشى لبأس ... ونوال في يوم حرب وسلم
أنت موسى وقد تفرّ عن ذا الخط ... ب ففرّقه من نداك بيمّ
لي من حرفة الجزارة والآ ... داب فقر يكاد ينسيني اسمي
وله:
أكلّف نفسي كلّ يوم وليلة ... هموما على من لا أفوز بخيره
كما سوّد القصّار في الشّمس وجهه ... حريصا على تبييض أثواب غيره
وكانت بينه وبين السّرّاج الورّاق [2] مداعبة، فحصل للسرّاج رمد، فأهدى
الجزّار له تفاحا وكمّثرى، وكتب مع ذلك:
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 324) و «البداية والنهاية» (13/ 293) و «النجوم
الزاهرة» (7/ 345) و «حسن المحاضرة» (1/ 568) .
[2] سترد ترجمته في وفيات سنة (695) انظر ص (753) من هذا المجلد.
(7/636)
أكافيك عن بعض الذي قد فعلته ... لأنّ
لمولانا عليّ حقوقا
بعثت خدودا مع نهود وأعينا ... ولا غرو أن يجزي الصديق صديقا
وإن حال منك البعض عمّا عهدته ... فما حال يوما عن ولاك وثوقا
بنفسج تلك العين صار شقائقا ... ولؤلؤ ذاك الدّمع عاد عقيقا
وكم عاشق يشكو انقطاعك عند ما ... قطعت على اللّذّات منه طريقا
فلا عدمتك العاشقون فطالما ... أقمت لأوقات المسرّة سوقا
توفي في شوال وله ست وسبعون سنة أو نحوها، ودفن بالقرافة.
وفيها الشيخ يوسف الفقّاعيّ الزّاهد ابن نجاح بن موهوب [1] . كان عبدا،
صالحا، قانتا، كبير القدر، له أتباع ومريدون.
توفي في شوال، ودفن بزاويته بسفح قاسيون، وقد نيّف على الثمانين.
وفيها الفقيه المعمّر أبو بكر بن هلال بن عبّاد الحنفي عماد الدّين [2]
، معيد الشّبلية.
توفي في رجب عن مائة وأربعين سنة، وقد سمع في الكهولة من أبي القاسم بن
صصرى وغيره.
وفيها النّجيب بن العود أبو القاسم بن حسين الحلّي الرّافضي [3]
المتكلم، شيخ الشيعة وعالمهم. سكن حلب مدّة فصفع بها لكونه سبّ الصحابة
[4] ، ثم سكن جزّين إلى أن مات بها في نصف شعبان، وله نيف وتسعون سنة،
وكان قد وقع في الهرم.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 324) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (283) و
«النجوم الزاهرة» (7/ 347) .
[2] انظر «العبر» (5/ 325) .
[3] انظر «العبر» (5/ 325) و «مرآة الجنان» (4/ 191) و «النجوم
الزاهرة» (7/ 347) .
[4] لفظة «الصحابة» سقطت من «آ» .
(7/637)
سنة ثمانين وستمائة
فيها توفي الشيخ موفق الدّين الكواشي- بالفتح والتخفيف، نسبة إلى كواشة
قلعة بالموصل- المفسّر العلّامة المقرئ المحقّق الزّاهد القدوة أبو
العبّاس أحمد بن يوسف بن حسن بن رافع بن حسين الشّيبانيّ الموصليّ
الشافعي [1] .
ولد بكواشة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، واشتغل، فبرع في القراءات،
والتفسير، والعربية، والفضائل. وقدم دمشق فأخذ عن السّخاوي وغيره،
وحجّ، وزار بيت المقدس، ورجع إلى بلده وتعبّد.
قال الذهبيّ: كان منقطع القرين، عديم النّظير، زهدا، وصلاحا، وتبتّلا،
وصدقا، واجتهادا. كان يزوره السلطان فمن دونه، ولا يعبأ بهم، ولا يقوم
لهم، ويتبرّم بهم، ولا يقبل لهم شيئا. وله كشف وكرامات، وأضرّ قبل موته
بنحو من عشر سنين، وصنّف «التفسير» الكبير والصغير، وأخذ عنه القراءات
محمد بن علي بن خروف الموصلي وغيره.
وتوفي في سابع عشر جمادى الآخرة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 327- 328) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 42) و
«طبقات المفسرين» (1/ 98- 100) .
(7/638)
وفيها جيعانة [1] إبراهيم بن سعيد
الشّاغوري [2] المولّه. مات في جمادى الأولى، وكان من أبناء السّبعين
على قاعدة المولّهين من عدم التعبّد بصلاة أو صيام أو طهارة، وللعامة
فيه اعتقاد يتجاوز الوصف لما يرون من كشفه وكلامه على الخواطر. وقد
شاركه في ذلك الكّاهن، والرّاهب، والمصروع، فانتفت الولاية. قاله في
«العبر» .
وفيها أبغا ملك التّتار وابن ملكهم هولاكو [3] بن قاآن [4] بن جنكزخان
[5] . مات بنواحي همذان بين العيدين وله نحو خمسين سنة.
وفيها الحاج عزّ الدّين أزدمر الجمدار [6] الذي ولي نيابة السلطنة
بدمشق لسنقر الأشقر. كان ذا معرفة وفضيلة، وعنده مكارم كثيرة. استشهد
على حمص مقبلا غير مدبر، وله بضع وخمسون سنة.
وفيها الكمال أبو محمد عبد الرّحيم بن عبد الملك بن يوسف بن محمد بن
قدامة المقدسي الحنبلي [7] الصّالح. سمع من ابن طبرزد، والكندي، وعدة.
وتوفي في عاشر [8] جمادى الأولى.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «جيعان» والتصحيح من «المنتخب» لابن شقدة (190/ ب)
والمصادر المذكورة في التعليق التالي.
[2] انظر «العبر» (5/ 328) و «البداية والنهاية» (13/ 298) .
[3] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[4] في «آ» و «ط» : «ابن فاان» وما أثبته من «العبر» مصدر المؤلف، وفي
ترجمة أبيه المتقدمة في هذا المجلد ص (550) : «ابن قولي» وفي بعض
المصادر: «ابن تولي» وفي بعضها الآخر:
«ابن قولي قان» .
[5] انظر «العبر» (5/ 328) و «دول الإسلام» (2/ 183) و «الوافي
بالوفيات» (6/ 187) و «المنهل الصافي» (1/ 198- 200) و «السلوك» (1/ 3/
704) .
[6] انظر «العبر» (5/ 328) و «المنهل الصّافي» (2/ 348) .
[7] انظر «العبر» (5/ 328) و «الوافي بالوفيات» (18/ 334) .
[8] لفظة «عاشر» سقطت من «آ» .
(7/639)
وفيها المجد بن الخليل عبد العزيز بن
الحسين الدّاري [1] والد الصّاحب فخر الدّين. سمع من أبي الحسين بن
جبير الكتّاني، والفتح بن عبد السّلام، وطائفة. وكان رئيسا، ديّنا،
خيّرا.
توفي بدمشق في ربيع الآخر عن إحدى وثمانين سنة.
وفيها وليّ الدّين الزّاهد أبو الحسن علي بن أحمد بن بدر الجزريّ [2]
الشّافعي الفقيه، نزيل بيت لهيا. كان صاحب حال وكشف وعبادة وتبتّل.
توفي في شوال وقد قارب الستين.
وفيها أبو الحسن علي بن محمود بن حسن بن نبهان [3] ، المنجّم الأديب.
عاش خمسا وثمانين سنة، وروى عن ابن طبرزد، والكندي. تركه بعض العلماء
لأجل التّنجيم.
وفيها ابن بنت الأعزّ، قاضي القضاة، صدر الدّين عمر ابن قاضي القضاة
تاج الدّين عبد الوهاب بن خلف الشّافعي العلامي [4] المصري [5] .
ولد سنة خمس وعشرين وستمائة، وسمع من الزّكي المنذري، والرّشيد
العطّار، وولي قضاء الدّيار المصرية في جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين،
وعزل سنة تسع في رمضان، وقيل: إنه عزل نفسه، واقتصر على تدريس
الصّالحية.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 329) و «الوافي بالوفيات» (18/ 473) .
[2] في «آ» : «الجندي» وفي «ط» : «الحجندي» والتصحيح من «العبر» (5/
329) مصدر المؤلّف، و «النّجوم الزاهرة» (7/ 353) .
[3] انظر «العبر» (5/ 329) .
[4] تحرفت في «البداية والنهاية» : «الغلابي» وفي «حسن المحاضرة» إلى
«العلائي» .
[5] انظر «العبر» (5/ 329- 330) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 310-
311) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 184) و «حسن المحاضرة» (1/
415) .
(7/640)
قال الذهبيّ: كان فقيها، عارفا بالمذهب،
يسلك طريقة والده في التحرّي والصّلابة. وكان فيه دين وتعبد، ولديه
فضائل. وكان عظيم الهيبة، وافر الجلالة، عديم المزاح، بارّا بالفقهاء،
مؤثرا، متصدقا. وكان والده يحترمه ويتبرّك به. درّس بأماكن، وتوفي يوم
عاشوراء.
وفيها الأمين [1] الإربلي العدل أبو محمد القاسم بن أبي بكر ابن القاسم
بن غنيمة [2] . رحل مع أبيه، وله بضع عشرة سنة، فذكر- وهو صدوق- أنه
سمع جميع «صحيح مسلم» من المؤيّد الطّوسي، ورواه بدمشق، فسمعه منه
الكبار، وتوفي في جمادى الأولى وله خمس وثمانون سنة.
وفيها ابن سني الدولة، قاضي القضاة، نجم الدّين محمد ابن قاضي القضاة
صدر الدّين أحمد بن قاضي القضاة شمس الدّين يحيى الدمشقي الشافعي [3] .
ولد سنة ست عشرة وستمائة، واشتغل وتقدّم، وناب عن والده، ثم ولي قضاء
حلب، ثم ولي قضاء دمشق، ثم عزل بعد سنة بابن خلّكان، ثم سكن مصر مدّة
وصودر وتعب، ثم ولي قضاء حلب، ودرّس بالأمينية وغيرها.
وكان يعدّ من كبار الفقهاء العارفين بالمذهب، مع الهيبة والتّحرّي،
موصوفا بجودة النّقل، مشهورا بالصّرامة والهمّة العالية. حدّث عن أبي
القاسم بن صصرى وغيره، وتوفي في ثامن المحرّم ودفن بقاسيون.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الأمير» وهو خطأ، والتصحيح المصادر المذكورة في
التعليق التالي.
[2] انظر «العبر» (5/ 330) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (383) و
«النجوم الزّاهرة» (7/ 353) .
[3] انظر «العبر» (5/ 330) و «البداية والنهاية» (13/ 297) .
(7/641)
وفيها شمس الدّين محمد بن مكتوم البعليّ
[1] الفاضل الأديب، توفي شهيدا في وقعة حمص.
ومن شعره:
رام أن يترك الهوى فبدا له ... إذ رأى حسن وجهه قد بدا له
كلّما لمته على الحبّ يزدا ... د ضلالا فخلّه وضلاله
كيف يرجى الشّفاء يوما لصبّ ... لم يحاك السّقام إلّا خياله
ناقص صبره كثير بكاه ... لو رآه عدوّه لرثى له
دنف ظلّه مستهاما ببدر ... عمّه الوجد حين عاين خاله
أنا صب له وإن حال عنّي ... وعبيد له على كلّ حاله
فاق كلّ الورى جمالا وحسنا ... ضاعف الله حسنه وجماله
وفيها ابن المجبّر الكتبيّ شرف الدّين محمد بن أحمد بن إبراهيم القرشي
الدمشقي [2] .
ولد سنة عشر وستمائة، وسمع من أبي القاسم بن صصرى وطائفة، ورحل وأكثر
عن الأنجب الحمّامي وطبقته، وكتب الكثير بالخطّ الحسن، ولكنه لم يكن
ثقة في نقله.
توفي في ذي القعدة، ولم يكن عليه أنس [أهل] الحديث، الله يسامحه. قاله
الذّهبي.
وفيها ابن رزين قاضي القضاة شيخ الإسلام تقي الدّين أبو عبد الله محمد
بن الحسين بن رزين بن موسى العامريّ الحمويّ الشافعي [3] .
__________
[1] لم أعثر على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.
[2] انظر «العبر» (5/ 331) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «الوافي
بالوفيات» (2/ 131) .
[3] انظر «العبر» (5/ 331- 332) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (383) و
«طبقات الشافعية.
(7/642)
ولد سنة ثلاث وستمائة في شعبان بحماة،
واشتغل من الصّغر، فحفظ «التنبيه» في صغره، ثم حفظ «الوسيط» و
«المفضّل» و «المستصفى» للغزّالي، إلى غير ذلك. وبرع في الفقه،
والعربية، والأصول، وشارك في الخلاف [1] ، والمنطق، والكلام، والحديث
وفنون العلم. وأفتى وله ثمان عشرة سنة.
وقدم دمشق، فلازم ابن الصّلاح، وقرأ القراءات على السّخاوي، وسمع منهما
ومن غيرهما. وأخذ العربية عن ابن يعيش. وكان يفتي بدمشق في أيام ابن
الصّلاح، ويؤمّ بدار الحديث، ثم ولي وكالة بيت المال في أيام النّاصر،
مع تدريس الشّامية. ثم تحوّل من هولاكو [2] إلى مصر، واشتغل، ودرّس
بالظّاهرية، ثم ولي قضاء القضاة فلم يأخذ عليه رزقا تديّنا وورعا،
ودرّس بالشّافعي وامتنع من أخذ الجامكيّة، وولي عدّة جهات، وظهرت
فضائله الباهرة، وتفقه به عدّة أئمة، وانتفعوا بعلمه، وهديه، وسمته،
وورعه، [وممن تخرّج به بدر الدّين بن جماعة. وحدّث عنه الدّمياطيّ
والمصريّون، وكان يقصد بالفتاوى من النّواحي] [3] .
وممن نقل عنه الإمام النّووي، وتوفي- رحمه الله تعالى- بالقاهرة في
ثالث رجب.
وفيها الجمال بن الصّابوني الحافظ أبو حامد محمد بن علي بن محمود [4] ،
شيخ دار الحديث النّورية.
__________
الكبرى» (8/ 46- 47) و «الوافي بالوفيات» (3/ 18- 19) و «طبقات
الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 187- 189) .
[1] لفظة «الخلاف» سقطت من «ط» .
[2] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[3] ما بين الحاصرتين سقط من «ط» .
[4] انظر «العبر» (5/ 332) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (283) و «مرآة
الجنان» (4/ 193) و «النجوم الزاهرة» (7/ 353) و «الدّارس في تاريخ
المدارس» (1/ 110- 111) .
(7/643)
ولد سنة أربع وستمائة، وسمع من أبي القاسم
بن الحرستاني وخلق كثير، وكتب العالي والنّازل، وبالغ، وحصّل الأصول،
وجمع، وصنّف، واختلط قبل موته بسنة أو أكثر، وتوفي في نصف ذي القعدة.
وفيها ابن أبي الدّنيّة مسند العراق، شهاب الدّين، أبو سعد، محمد ابن
يعقوب بن أبي الفرج البغدادي [1] .
ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة [2] ، وسمع من أبي الفتح المندائي، وضياء
بن الخريف، والكبار [3] . وأجاز له ذاكر بن كامل، وابن كليب.
وولي مشيخة المستنصرية إلى أن توفي في ثامن عشر رجب.
وفيها ابن علّان القاضي الجليل شمس الدّين، أبو الغنائم، المسلم بن
محمد بن المسلم بن مكّي بن خلف القيسي الدمشقي [4] .
ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وسمع الكثير من حنبل، وابن طبرزد، وابن
مندويه، وغيرهم. وأجاز له الخشوعي وجماعة. وكان من سروات النّاس. توفي
في ذي الحجّة.
وفيها البدر يوسف بن لؤلؤ [5] ، الشّاعر المشهور.
قال الذهبيّ: كان من كبار شعراء الدولة النّاصرية، ومن الأدباء
الظّراف.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 332) و «الوافي بالوفيات» (5/ 228) وقد ذكر بأن
وفاته كانت سنة (670) .
[2] لفظة «وخمسمائة» سقطت من «آ» .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «والأبار» والتصحيح من «العبر» مصدر
المؤلّف.
[4] انظر «العبر» (5/ 332- 333) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (283) و
«النجوم الزاهرة» (7/ 353) .
[5] انظر «العبر» (5/ 333) و «فوات الوفيات» (4/ 368- 383) .
(7/644)
من شعره- وقد تكاثرت الأمطار بدمشق-:
إن ألحّ [1] الغيث شهرا هكذا ... جاء بالطّوفان والبحر المحيط
ما هم من قوم نوح يا سما ... أقلعي [عنهم] فهم من قوم لوط
وكتب إلى ابن إسرائيل [2] وكان يهوى غلاما اسمه جارح:
قلبك اليوم طائر ... عنك أم في الجوانح
كيف يرجى خلاصه ... وهو في كفّ جارح
ثم بلغه أنه تركه، فقال:
خلّصت طائر قلبك العاني ترى [3] ... من جارح يغدو به ويروح
ولقد يسرّ خلاصه إن كنت قد ... خلّصته منه وفيه روح
توفي في شعبان، وقد نيّف على سبعين سنة.
وفيها المزّيّ الفقيه، شمس الدّين أبو بكر بن عمر بن يونس الحنفي [4] .
روى «البخاري» عن ابن مندويه، والعطّار، و «مسلما» عن ابن الحرستاني،
وعاش سبعا وثمانين سنة، وتوفي في شعبان، رحمه الله تعالى.
__________
[1] في «فوات الوفيات» : «إن أقام» ولفظة «عنهم» مستدركة منه.
[2] تقدمت ترجمته في وفيات سنة (677) ، انظر ص (626) من هذا المجلد.
[3] في «آ» و «ط» : «الذي» والتصحيح من «فوات الوفيات» .
[4] انظر «العبر» (5/ 333) .
(7/645)
|