شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وثمانين وستمائة
فيها وصلت رسل أحمد بن هولاكو [1] بأنه استقرّ في المملكة إلى بغداد عوض أخيه، وأمر ببناء المساجد والجوامع وإقامة الشّرع الشّريف على ما كان في زمن الخلفاء، ووصلت رسله إلى الشام وإلى مصر [2] . وكان منهم الشيخ قطب الدّين الشّيرازي.
وفيها كان بدمشق الحريق العظيم الذي لم يسمع بمثله، أقامت النّار ثلاثة أيام ليلا ونهارا. وكان مبدؤه من الذّهبيين. وذهب للنّاس شيء كثير، ولكن لم يحترق فيه أحد من الناس. ومن جملة ما ذهب فيه [3] للشيخ شمس الدّين الكتبي، عرف بالفاشوشة خمسة عشر ألف مجلد.
وحكى السيد جمال الدّين بن السّراج البصرويّ، قال: بتنا [4] في الجامع، وإذا الهواء ألقى ورقة من الحريق، مكتوب فيها:
سلم الأمر راضيا ... جفّ بالكائن القلم
ليس في الرّزق حيلة ... إنّما الرّزق في القسم
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[2] في «آ» و «ط» : «ومصر» .
[3] لفظة «فيه» سقطت من «ط» .
[4] تصحفت في «ط» إلى «تبنا» .

(7/646)


جلّ من يرزق الضّعي ... ف وهو لحم على وضم
إنّ للخلق خالقا ... لا مردّ لما حكم
وفيها توفي [1] الأمين الأشتري الإمام أبو العبّاس أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الجبّار ابن طلحة بن عمر بن الأشتري الشّافعي الحلبي ثم الدّمشقي [2] .
ولد في شوال سنة خمس عشرة وستمائة، وسمع من أبي محمد بن علوان، والقزويني، وابن روزبه وخلق، وكان بصيرا بالمذهب، ورعا، صالحا. جمع بين العلم والعمل، والإنابة، والديانة التّامة، بحيث إن الشيخ محيي الدّين النّووي كان إذا جاءه شابّ يقرأ عليه، يرشده القراءة على المذكور، لعلمه بدينه وعفّته.
قال المزّيّ: كان ممن يظنّ به أنه لا يحسن أن يعصي الله تعالى.
وقال الذهبي: كان بارز العدالة، كبير القدر، مقبلا على شأنه، سرد الصّوم أربعين سنة. توفي فجأة بدمشق في ربيع الأول.
وفيها ابن خلّكان، قاضي القضاة، شمس الدّين أبو العبّاس، أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلّكان البرمكيّ الإربليّ الشّافعيّ [3] .
ولد بإربل سنة ثمان وستمائة، وسمع «البخاري» من ابن مكرم، وأجاز
__________
[1] لفظة «توفي» سقطت من «آ» .
[2] انظر «العبر» (5/ 334) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 454) و «البداية والنهاية» (13/ 300) .
[3] انظر «العبر» (5/ 334) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «الوافي بالوفيات» (7/ 308- 316) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 496- 497) و «البداية والنهاية» (13/ 301) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 212- 215) .

(7/647)


له المؤيّد الطّوسي وجماعة، وتفقه بالموصل على كمال الدّين بن يونس، وبالشّام على ابن شدّاد، ولقي كبار العلماء، وبرع في الفضائل والآداب، وسكن مصر مدّة، وناب في القضاء، ثم ولي قضاء الشام عشر سنين، وعزل بابن الصّايغ سنة تسع وستين، فأقام سبع سنين معزولا بمصر، ثم ردّ إلى قضاء الشام، ثم عزل ثانيا في أول سنة ثمانين، واستمر معزولا وبيده الأمينية والنّجيبية.
قال الشيخ تاج الدّين الفزاري في «تاريخه» : كان قد جمع حسن الصّورة، وفصاحة المنطق، وغزارة الفضل، وثبات الجأش، ونزاهة النّفس.
وقال الذّهبيّ: كان إماما، فاضلا، متقنا، عارفا بالمذهب، حسن الفتاوى، جيد القريحة، بصيرا بالعربية، علّامة في الأدب، والشعر، وأيّام الناس، كثير الاطلاع، حلو المذاكرة، وافر الحرمة، من سروات النّاس، كريما، جوادا، ممدّحا. وقد جمع كتابا نفيسا في وفيات الأعيان [1] . انتهى.
ولله درّ القائل:
ما زلت تلهج بالأموات تكتبها ... حتّى [2] رأيتك في الأموات مكتوبا
ومن محاسنه أنه كان لا يجسر أحد أن يذكر أحدا عنده بغيبة.
حكي أنه جاءه إنسان فحدّثه في أذنه، أن عدلين في مكان يشربان الخمر، فقام من مجلسه ودعا برجل، وقال: اذهب إلى مكان كذا، وأمر من فيه بإصلاح أمرهما وإزالة ما عندهما، ثم عاد فجلس مكانه إلى أن علم أن نقيبه قد حضر، فدعا بذلك الرجل، وقال: أنا أبعث معك النّقيب فإن كنت
__________
[1] وهو المعروف ب «وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان» وهو مطبوع عدة طبعات أفضلها الصادرة عن دار صادر ببيروت في ثمانية مجلدات بتحقيق الأستاذ الدكتور إحسان عبّاس، وهي طبعة جيدة مفهرسة.
[2] في «ط» : «فقد» .

(7/648)


صادقا ضربتهما الحدّ، وإن كنت كاذبا أشهرتك وقطعت لسانك، وجهّز النّقيب معه، فلم يجدوا غير صاحب البيت وليس عنده شيء من ذلك، فأحضر الدّرّة وهدّده، فشفع النّقيب فيه، فقبل شفاعته، ثم أحضر له مصحفا وحلّفه أن لا يعود يقذف عرض مسلم.
وله النظم الفائق، فمنه قوله [1] :
يا سادتي إنّي قنعت وحقّكم ... في حبّكم منكم بأيسر مطلب
إن لم تجودوا بالوصال تعطّفا ... وقصدتم هجري وفرط تجنّبي
لا تحرموا عيني القريحة أن ترى ... يوم الخميس جمالكم في الموكب
قسما بوجدي في الهوى وتحرّقي ... وتحيّري وتلهّفي وتلهّبي
لو قلت لي جد لي بروحك لم أقف ... فيما أمرت وإن شككت فجرّب
وحياة وجهك وهو بدر طالع ... وبياض غرّتك التي كالغيهب
وبقامة لك كالقضيب ركبت من ... أخطارها في الحبّ أصعب مركب
لو لم أكن في رتبة أرعى لها ال ... عهد القديم صيانة للمنصب
لهتكت ستري في هواك ولذّ لي ... خلع العذار ولجّ فيك مؤنّبي
لكن خشيت بأن تقول عواذلي ... قد جنّ هذا الشيخ في هذا الصّبي
وله في ملاح يسبحون [2] :
وسرب ظباء في غدير تخالهم ... بدورا بأفق الماء تبدو وتغرب
يقول خليلي والغرام مصاحبي ... أما لك عن [3] هذي الصّبابة مذهب
وفي دمك المطلول خاضوا كما ترى ... فقلت له: دعهم يخوضوا ويلعبوا
__________
[1] الأبيات في «الوافي بالوفيات» (7/ 312) و «فوات الوفيات» (1/ 112- 113) مع بعض الخلاف.
[2] الأبيات في «الوافي بالوفيات» (7/ 313) و «فوات الوفيات» (1/ 114) .
[3] في «آ» : «في» .

(7/649)


وتوفي- رحمه الله تعالى- في رجب، ودفن بالصّالحية.
قال ابن شهبة قال الإسنوي: خلّكان: قرية [من عمل إربل] كذا قال وهو وهم [1] وإنما هو اسم لبعض أجداده. انتهى.
وقال الإسنويّ في «طبقاته» : هو صاحب «التاريخ» المعروف، وهو ولد الشّهاب محمد [2] ، بيته كما ترى من أجلّ البيوت، ولكن تلعّب الدّهر بناره [3] ما بين لهيب وخبوت، وتلعّب بتذكاره، ما بين ظهور وخفوت، وقد أوضح هو حاله في «تاريخه» مفرقا. انتهى ملخصا.
وفيها البرهان بن الدّرجي أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى القرشي الدمشقي الحنفي [3] . إمام مدرسة الكشك. روى عن الكندي، وأبي الفتوح البكري، وأجاز له أبو جعفر الصّيدلاني وطائفة، وروى «المعجم الكبير» للطبراني، وتوفي في صفر.
__________
[1] ما بين الحاصرتين زيادة من «طبقات الشافعية» للإسنوي قلت: وعلّق محقّقه الدكتور عبد الله الجبّوري بقوله: أقول: وما زالت هذه القرية التي يقترن باسمها اسم المؤرخ العظيم قاضي القضاة ابن خلّكان إلى الآن، وهي كذلك قرية، وتقع في (جناران) - مرزا- رستم، التابعة إلى قضاء رانية، من محافظة السليمانية في شمال العراق. أفادنيه الأخوان الصديقان: العميد الأستاذ الفاضل عبد الرحمن التكريتي، والأستاذ صادق التكريتي قائم مقام قضاء بغداد. انتهى.
قلت: وسألت عن ذلك صديقي الأديب الدكتور خالد قوطرش الكرديّ- وهو ممن يتقن الكردية ويلم بالفارسية- فقال: يقال بأن «ابن خلكان» ينسب إلى قرية «خلكان» بفتح الخاء وسكون اللام وفتح الكاف، قرية تقع الآن في شمال العراق، وعليه فإن الصواب أن يقال «ابن خلكان» . ويقال أيضا: بأنه حين سئل عن نسبه، قال: خلّ كان، يعني اسأل عن الرجل ودعك من السؤال عن آبائه وأجداده. انتهى كلامه.
[2] هو محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان. مات سنة (610) هـ. ترجم له الإسنويّ في «طبقاته» (1/ 496) .
[3] انظر «العبر» (5/ 335) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «البداية والنهاية» (13/ 300) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 556- 557) .

(7/650)


وفيها ابن المليجي [1] مسند القرّاء بالدّيار المصرية فخر الدّين أبو الطّاهر إسماعيل بن هبة الله بن علي المقرئ المعدّل.
ولد سنة بضع وثمانين وخمسمائة [2] ، وقرأ القراءات على أبي الجود [3] ، فكان آخر من قرأ عليه وفاة، وسمع الحديث من أبي عبد الله بن البنّا وغيره، وتوفي في رمضان.
وفيها الشيخ عبد الله كتيلة بن أبي بكر الحربي الفقير [4] الصّوفي [5] ، بقية شيوخ العراق. كان صاحب أحوال وكرامات، وله أتباع وأصحاب.
تفقه، وسمع الحديث، وصحب الشيوخ، ومات في عشر الثمانين وكان حنبليّا [6] .
قال ابن رجب: ولد سنة خمس وستمائة، وسمع الحديث بدمشق من الحافظ الضّياء المقدسي، وسليمان الأسعردي، وأجاز له الشيخ موفق الدّين [7] ، وتفقه في المذهب ببغداد على القاضي أبي صالح، وبحرّان على مجد الدّين بن تيمية، وابن تميم صاحب «المختصر» ، وبدمشق على
__________
[1] تصحفت في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «المليحي» بالحاء المهملة، والتصحيح من «معرفة القراء الكبار» (2/ 663) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «غاية النهاية» (1/ 169) و «النجوم الزاهرة» (7/ 356) .
[2] لفظة «وخمسمائة» لم ترد في «آ» .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أبي النجود» والتصحيح من «معرفة القراء الكبار» (2/ 589) و «غاية النهاية» (1/ 169) .
[4] تحرفت في «آ» إلى «الفقيه» .
[5] انظر «العبر» (5/ 335) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 301- 302) .
[6] قوله: «وكان حنبليا» لم يرد في «ط» وورد مكانه لفظة «الحنبلي» عقب لفظة «الصّوفي» في صدر الترجمة.
[7] يعني ابن قدامة المقدسي.

(7/651)


الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر وغيره، وبمصر على أبي عبد الله بن حمدان، ونقل عنهم فوائد، وشرح «كتاب الخرقي» وسمّاه «المهمّ» . وله تصانيف أخر، منها مجلد في أصول الدّين، سماه «العدّة للشدّة» ومصنّف في السّماع، وحدّث، وسمع منه عبد الرزاق بن الفوطي وغيره، وكان قدوة، زاهدا، عابدا، ذا أحوال وكرامات.
وقال الذهبي: كان مع جلالته، يترنّم ويغني لنفسه في بعض الأوقات.
وكان فيه كيس وظرف وبشاشة. توفي- رحمه الله- يوم الجمعة منتصف رمضان ببغداد.
وفيها جلال الدّين أبو محمد عبد الجبّار بن عبد الخالق بن محمد بن نصر الزّاهد الفقيه الحنبلي المفسّر الأصوليّ الواعظ [1] .
ولد سنة تسع [2] عشر وستمائة ببغداد، وسمع من ابن المنيّ وغيره، واشتغل بالفقه، والأصول، والتفسير، والوعظ، والطبّ، وبرع في ذلك. وله النّظم والنّثر، والتصانيف الكثيرة، منها «تفسير القرآن» في ثمان مجلدات، ولم يزل على ذلك إلى واقعة بغداد، فأسر، واشتراه بدر الدّين صاحب الموصل، فحمله إلى الموصل فوعظ بها، ثم حدّره إلى بغداد، فاستمر بها صدرا إلى أن توفي في يوم الاثنين سابع عشري شعبان، وكان له يوم مشهود.
وفيها الشيخ زين الدّين الزّواوي الإمام أبو محمد عبد السّلام بن علي بن عمر بن سيّد النّاس المالكي القاضي المقرئ [3] ، شيخ المقرئين.
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (18/ 47) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 300- 301) و «طبقات المفسرين» للداودي (1/ 258- 259) .
[2] لفظة «تسع» لم ترد في «ط» .
[3] انظر «العبر» (5/ 335- 336) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 676- 677) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «غاية النهاية» (1/ 386- 387) .

(7/652)


ولد ببجاية سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وقرأ القراءات بالإسكندرية على ابن عيسى، وبدمشق على السّخاوي، وبرع في الفقه، وعلوم القرآن، والزّهد، والإخلاص، وولي مشيخة الإقراء بتربة أم الصّالح اثنتين وعشرين سنة، وقرأ عليه عدد كثير، وولي القضاء تسعة أعوام، ثم عزل نفسه يوم موت رفيقه القاضي شمس الدّين بن عطاء، واستمر على التدريس والإقراء إلى أن توفي في رجب.
وفيها البرهان المراغي أبو الثّناء محمود بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد العلّامة برهان الدّين الشافعي [1] الأصولي [2] .
ولد سنة خمس وستمائة، وحدّث عن أبي القاسم بن رواحة، وكان مع سعة فضائله وبراعته في العلوم، صالحا، متعبّدا، متعفّفا، عرض عليه القضاء ومشيخة الشيوخ فامتنع، ودرّس مدّة بالفلكية، وأفتى، واشتغل بالجامع مدّة طويلة. وحدّث عنه المزّيّ، والبرزاليّ، وابن العطّار، وجماعة.
وكان شيخا، طوالا، حسن الوجه، مهيبا، متصوفا، لطيف الأخلاق، كريم الشّمائل، مكمّل الأدوات. وكان عليه وعلى الشيخ تاج الدّين مدار الفتوى بدمشق. توفي في ربيع الآخر، ودفن بمقابر الصّوفية.
وفيها أبو المرهف المقداد بن أبي القاسم هبة الله بن علي بن المقداد الإمام نجيب الدّين القيسيّ الشافعي [3] .
ولد سنة ستمائة ببغداد، وسمع بها من ابن الأخضر، وأحمد بن
__________
[1] في «ط» : «الشافعي العلّامة» .
[2] انظر «العبر» (5/ 336) و «البداية والنهاية» (13/ 300) و «النجوم الزاهرة» (7/ 356) .
[3] انظر «العبر» (5/ 336- 337) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 262- 263) و «النجوم الزاهرة» (7/ 356) .

(7/653)


الدّبيثي، وبمكّة من ابن الحصري، وابن البنّا، وروى الكثير. وكان عدلا، خيّرا، تاجرا. توفي في ثامن شعبان بدمشق.
وفيها منكوتمر أخو أبغا بن هولاكو [1] المغلي [2] طاغية التتار. كان نصرانيا، جرح يوم المصافّ على حمص، وحصل له ألم، وغمّ بالكسرة، فاعتراه فيما قيل صرع متدارك كما اعترى أباه، فهلك في أوائل المحرّم في قرية [3] من جزيرة ابن عمر، وله ثلاثون سنة. وكان شجاعا جريئا مهيبا.
وفيها جمال الدّين أبو إسحاق يوسف بن جامع بن أبي البركات البغدادي القفصي [4] الضرير المقرئ النحوي الحنبلي الفرضي.
ولد سابع رجب سنة ست وستمائة بالقفص [5] من أعمال بغداد. وقرأ القرآن بالروايات على أبي عبد الله محمد بن سالم صاحب البطائحي وغيره، وسمع الحديث من عمر بن عبد العزيز بن النّاقد، وأخته تاج النّساء عجيبة.
وأجاز له ابن منينا وغيره، وبرع في العربية، والقراءات، والفرائض، وغير ذلك. وانتفع الناس به في هذه العلوم، وصنّف فيها التصانيف الحسنة.
قال إبراهيم الجعبري: هو جمّاعة لعلوم القرآن، قرأت عليه كتبا كثيرة في ذلك.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[2] في «آ» : «المضل» .
[3] في «آ» و «ط» : «بقوجه» والتصحيح من «العبر» وهامش «ط» .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «القصصي» والتصحيح من «معرفة القراء الكبار» (2/ 683) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 304) و «غاية النهاية» (2/ 394) .
[5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «بالقصص» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وانظر «معجم البلدان» (4/ 382) .

(7/654)


وقال الذهبي: كان مقرئ بغداد، عارفا باللغة، والنّحو، بصيرا بعلل القراءات، متصديا لإقرائها. دخل دمشق، ومصر، وسمع من شيوخهما. جمّ الفضائل لا يتقدمه أحد في زمانه في الإقراء. توفي يوم الجمعة تاسع عشري صفر ببغداد، ودفن بباب حرب.

(7/655)


سنة اثنتين وثمانين وستمائة
فيها توفي إسماعيل بن أبي عبد الله العسقلاني ثم الصّالحي [1] في ذي القعدة، وله ست وثمانون سنة. سمع من حنبل، وابن طبرزد، والكبار.
وكان أمّيّا لا يقرأ ولا يكتب.
وفيها أمير آل مرى أحمد بن حجّي [2] . كان يدّعي أنه من نسل البرامكة، وأنه ابن عمّ قاضي القضاة شمس الدّين بن خلّكان. وكانت سراياه تصل إلى أقصى نجد، وأهل الحجاز يؤدّون له الخفر.
وفيها شهاب الدّين أبو المحاسن وأبو أحمد عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيميّة الحرّاني [3] ، نزيل دمشق، الحنبلي ابن المجد، وأبو شيخ الإسلام تقي الدّين.
ولد سنة سبع وعشرين وستمائة بحرّان، وسمع من والده وغيره، ورحل في صغره إلى حلب، فسمع بها من ابن اللّتي، وابن رواحة، ويوسف بن خليل، ويعيش النّحوي، وغيرهم. وتفقه بوالده، وتفنّن في الفضائل.
قال الذهبي: قرأ المذهب حتّى أتقنه على والده، ودرّس، وأفتى،
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 337) و «القلائد الجوهرية» (2/ 420) .
[2] نظر «الوافي بالوفيات» (6/ 304- 305) و «المنهل الصافي» (1/ 261- 262) .
[3] انظر «العبر» (5/ 338) و «الوافي بالوفيات» (18/ 69) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 310- 311) .

(7/656)


وصنّف، وصار شيخ البلد بعد أبيه، وخطيبه، وحاكمه. وكان إماما محقّقا، كثير الفنون. له يد طولى في الفرائض، والحساب، والهيئة، ديّنا، متواضعا، حسن الأخلاق، جوادا، من حسنات العصر. تفقه عليه ولداه أبو العبّاس [1] وأبو محمد، وحدّثنا عنه على المنبر ولده، وكان قدومه إلى دمشق بأهله وأقاربه، مهاجرا سنة سبع وستين، وكان من أنجم الهدى، وإنما اختفى من نور القمر وضوء الشمس، يشير إلى أبيه وابنه.
وقال البرزالي: كان من أعيان الحنابلة، باشر بدمشق مشيخة دار الحديث السّكّرية بالقصّاعين، وبها كان يسكن، وكان له كرسيّ بالجامع يتكلم عليه أيام الجمع من حفظه، ولما توفي خلفه فيهما ولده أبو العبّاس [1] ، وله تعاليق وفوائد، ومصنّف في علوم عدّة. توفي ليلة الأحد سلخ ذي الحجّة، ودفن من الغد، يقال بسفح قاسيون.
وفيها الجمال الجزائري أبو محمد عبد الله بن يحيى الغسّاني [2] ، المحدّث، نزيل دمشق. روى عن أبي الخطّاب ابن دحية، والسّخاوي وخلق، وكتب الكثير، وصار من أعيان الطّلبة، مع العبادة والتواضع. توفي في شوال.
وفيها شيخ الإسلام وبقية الأعلام شمس الدّين أبو الفرج وأبو محمد عبد الرحمن ابن القدوة الزّاهد أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثمّ الصّالحي الحنبلي [3] .
__________
[1] يعني شيخ الإسلام.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «العتابي» والتصحيح من «العبر» (5/ 338) و «الوافي بالوفيات» (17/ 671) .
[3] انظر «العبر» (5/ 338- 339) و «الوافي بالوفيات» (18/ 240- 244) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 304- 310) .

(7/657)


ولد في أول شوال، وقيل: في المحرم، سنة سبع وتسعين وخمسمائة بدير والده بسفح قاسيون، وسمع من أبيه وعمّه الشيخ موفق الدّين، ومن ابن طبرزد، وحنبل، وأبي اليمن الكندي، وأبي القاسم بن الحرستاني، وابن ملاعب، وجماعة مستكثرة، وأجاز له الصّيدلاني، وابن الجوزي، وجماعة، وسمع من أصحاب السّلفي، وعني بالحديث، وكتب بخطّه الأجزاء والطّباق، وتفقّه على عمّه شيخ الإسلام الموفق، وشرح كتاب عمّه «المقنع» في عشر مجلدات ضخمة، وأخذ الأصول عن السّيف الآمدي، ودرّس، وأفتى، وأقرأ العلم زمانا طويلا، وانتفع به الناس، وانتهت إليه رئاسة المذهب في عصره بل رئاسة العلم في زمانه، وكان معظّما عند الخاص والعام، عظيم الهيبة لدى الملوك وغيرهم، كثير الفضائل والمحاسن، متين الدّيانة والورع، وقد جمع المحدّث إسماعيل بن الخبّاز ترجمته وأخباره في مائة وخمسين جزءا.
قال الحافظ الذهبي: ما رأيت سيرة عالم أطول منها أبدا.
وقال الذهبي أيضا في «معجم شيوخه» [1] في ترجمة الشيخ شمس الدّين: شيخ الحنابلة، بل شيخ الإسلام، وفقيه الشام وقدوة العباد وفريد وقته ومن اجتمعت الألسن على مدحه والثّناء عليه، حدّث نحوا من ستين سنة، وكتب عنه أبو الفتح بن الحاجب، وقال: سألت عنه الحافظ الضياء فقال: إمام عالم خيّر. قال الذهبي: وكان الشيخ محيي الدّين النّواوي يقول:
هو أجلّ شيوخي.
وأول ما ولي مشيخة دار الحديث سنة خمس وستين وستمائة. حدّث عنه بها في حياته [2] .
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» للذهبي (1/ 375- 376) .
[2] قوله «في حياته» سقط من «ط» .

(7/658)


وقال ابن رجب: روى عنه [الشيخ] محيي الدّين النّووي في كتاب «الرّخصة في القيام» [1] له، فقال: أنبأ الشيخ الإمام المتفق على إمامته وفضله وجلالته، القاضي أبو محمد عبد الرحمن ابن الشيخ الإمام العالم العامل الزّاهد أبي عمر المقدسي، رضي الله عنه.
وقال الذهبي: وروى عنه أيضا الشيخ زين الدّين أحمد بن عبد الدّائم وهو أكبر منه وأسند. وذكره في «تاريخه الكبير» وأطال ترجمته، وذكر فضائله، وعباداته، وأوراده، وكرمه، ونفعه العام، وأنّه حجّ ثلاث مرّات، وكان آخرها قد رأى النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- في المنام يطلبه، فحجّ ذلك العام، وحضر الفتوحات، وأنه كان رقيق القلب، سريع الدّمعة، [كريم النّفس] ، كثير الذّكر لله، والقيام بالليل، محافظا على صلاة الضّحى، ويصلي بين العشاءين ما تيسّر، ويؤثر بما يأتيه من صلات [2] الملوك وغيرهم. وكان متواضعا عند العامّة، مترفّعا عند الملوك، وكان مجلسه عامرا بالفقهاء والمحدّثين، وأهل الدّين، وأوقع الله محبته في قلوب الخلق. وكان كثير الاهتمام بأمور النّاس، لا يكاد يعلم بمريض إلّا افتقده، ولا مات أحد من أهل الجبل إلا شيّعه.
وذكر فخر الدّين البعلبكي، أنه منذ عرفه ما رآه غضب، وعرفه نحو خمسين سنة.
وقد ولي القضاء مدّة تزيد على اثنتي عشرة سنة، على كره منه، ولم يتناول عليه معلوما، ثم عزل نفسه في آخر عمره، وبقي قضاء الحنابلة شاغرا [مدّة] ، حتى ولي ولده نجم الدّين في آخر حياة الشيخ. وكان الشيخ ينزل [3] في ولايته الحكم على بهيمة إلى البلد.
__________
[1] ص (34) طبع دار الفكر بدمشق بتحقيق الأستاذ الفاضل أحمد راتب حمّوش.
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «من صلة» .
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «نزل» .

(7/659)


وقد ذكر أبو شامة في «ذيله» : ولاية الشيخ سنة أربع وستين، قال: جاء من مصر ثلاثة عهود بقضاء القضاة لثلاثة: ابن عطاء، والزّواوي، وابن أبي عمر. فلم يقبل المالكي، والحنبلي، وقبل الحنفي. ثم ورد الأمر بإلزامهما بذلك، وقيل: إن لم يقبلاها وإلّا يؤخذ ما بأيديهما من الأوقاف، ففعلا من أخذ جامكية، وقالا: نحن في كفاية، فأعفيا منها.
وبقي بعد عزل نفسه متوفّرا على العبادة والتدريس، وإشغال [1] الطلبة، والتصنيف.
وكان أوحد زمانه في تعدّد الفضائل، والتّفرّد بالمحامد، ولم يكن له نظير في خلقه ورياضته، وما هو عليه. وانتفع به خلق كثير.
وممن أخذ عنه العلم، الشيخ تقي الدّين ابن تيمية، والشيخ مجد الدّين إسماعيل بن محمد الحرّاني. وكان يقول: ما رأيت بعيني مثله.
وروى عنه خلق كثير من الأئمة والحفّاظ، منهم: الشيخ تقي الدّين بن تيمية، وأبو محمد الحارثي، وأبو الحسن بن العطّار، والمزّي، والبرزالي، وغيرهم.
وتوفي- رحمه الله- ليلة الثلاثاء، سلخ ربيع الآخر، ودفن من الغد عند والده بسفح قاسيون، وكانت جنازته مشهودة، حضرها أمم لا يحصون، ويقال: إنه لم يسمع بمثلها من دهر طويل.
قال الذهبي: رأيت وفاة الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر بخط شيخنا شيخ الإسلام ابن تيميّة، فمن ذلك:
توفي شيخنا الإمام سيّد أهل الإسلام في زمانه، وقطب فلك الأيام في
__________
[1] في «آ» : «واشتغال» وهو خطأ.

(7/660)


أوانه، وحيد الزّمان حقّا حقّا، وفريد العصر صدقا صدقا، الجامع لأنواع المحاسن والمعالي، [والمعافى] البريء عن جميع النقائص والمساوي، القارن بين خلّتي العلم والحلم، والحسب والنّسب، والعقل والفضل، والخلق والخلق، ذو الأخلاق الزّكية والأعمال المرضية، مع سلامة الصّدر والطبع، واللّطف والرّفق، وحسن النّيّة، وطيب الطّويّة، حتى إن كان المتعنّت ليطلب [1] له عيبا فيعوزه، إلى أن قال: وبكت عليه العيون بأسرها، وعمّ مصابه جميع الطوائف، وسائر الفرق، فأيّ دمع ما سجم، وأيّ أصل ما جذم، وأيّ ركن ما هدم، وأيّ فضل ما عدم؟ يا له من خطب ما أعظمه، [وأجل ما أقدره] ومصاب ما أفخمه [2] .
وبالجملة فقد كان الشيخ أوحد العصر في أنواع الفضائل، [بل] هذا حكم مسلّم من جميع الطوائف. وكان مصابه أجلّ من أن تحيط به العبارة، فرحمه الله، ورضي عنه، وأسكنه بحبوحة جنّته، ونفعنا بمحبته، إنه جواد كريم. انتهى.
وفيها العماد الموصلي أبو الحسن علي بن يعقوب بن أبي زهران المقرئ الشافعي [3] أحد من انتهت إليه رئاسة الإقراء. قرأ على ابن وثيق وغيره، وكان فصيحا مفوّها، وفقيها مناظرا. تكرر على «الوجيز» [4] للغزّالي، وتوفي في صفر وله إحدى وستون سنة.
وفيها ابن أبي عصرون محيي الدّين أبو الخطّاب عمر بن محمد بن القاضي أبي سعد عبد الله بن محمد التّميميّ الدّمشقي الشافعي [5] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «يطلب» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلّف، وهو أصح.
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «ما أقحمه وأكبر ذكره» .
[3] انظر «العبر» (5/ 339) و «مرآة الجنان» (4/ 198) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 360) .
[4] كذا في «آ» و «ط» و «مرآة الجنان» : «الوجيز» وفي «العبر» بطبعتيه: «الوجيه» .
[5] انظر «العبر» (5/ 339- 340) و «النجوم الزاهرة» (7/ 360) .

(7/661)


سمع في الخامسة من عمره من ابن طبرزد، وسمع من الكندي وغيره، وتعانى الجنديّة، ودرّس بمدرسة جدّه بدمشق، وتوفي فجأة في ذي القعدة.
وفيها المقدسي المفتي شمس الدّين محمد بن أحمد بن نعمة الشّافعي [1] ، مدرس الشامية. ولي نيابة القضاء عن ابن الصائغ، وكان بارعا في المذهب، متين الدّيانة، خيّرا، ورعا.
توفي في ثاني عشر ذي القعدة، قاله في «العبر» .
وقال الإسنويّ في «طبقات الشافعية» : أبو العبّاس، أحمد الملقّب شرف الدّين [2] كان إماما في الفقه، والأصول، والعربية، والنّظر. حادّ الذّهن، ديّنا، متنسّكا، متواضعا، حسن الأخلاق والاعتقاد، لطيف الشّمائل، طويل الرّوح على الاشتغال، يكتب الخطّ الفائق المنسوب. انتهت إليه رئاسة المذهب بعد الشيخ تاج الدّين بن الفركاح، وتخرّج به جماعة، وصنّف في الأصول تصنيفا جيدا، ودرّس بالشّامية البرّانية والغزّالية. وتولى مشيخة دار الحديث النّوريّة، وخطابة الجامع، وناب في الحكم عن ابن الجويني [3] ، وكان نظيره في العلوم.
توفي في رمضان، سنة أربع وتسعين وستمائة، وقد نيّف على السبعين.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 340) وفي «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 457- 458) و «النجوم الزاهرة» (7/ 360) .
[2] تنبيه: وهم المؤلّف رحمه الله فأورد ترجمة أخ المترجم «شرف الدّين أحمد» من كتاب «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 456- 457) وقد سبقت عينه إليها بأمر انشغل فيه، وهو من وفيات سنة (694) ثم كرر ذكر أخيه «شمس الدّين محمد» عقب ذلك كما ترى ناقلا ذلك عن الإسنوي أيضا الذي جعل ترجمة «شمس الدّين» مسبوقة بترجمة «شرف الدّين» .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الخويني» والتصحيح من «طبقات الشافعية الكبرى» .

(7/662)


وأما أخوه، فهو شمس الدّين محمد [1] تفقّه، وبرع في المذهب، وكان ممن جمع بين العلم والدّين المتين، اشترك هو والقاضي عز الدّين ابن الصائغ في الشامية البرّانية، ثم استقلّ بها عند تولية ابن الصّايغ وكالة بيت المال، وناب في الحكم عن ابن الصّائغ. وسمع، وحدّث، وتوفي ثاني عشر ذي القعدة، سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وقد جاوز الخمسين. انتهى كلام الإسنوي.
وفيها ابن الحرستاني خطيب دمشق، محيي الدّين أبو حامد محمد بن الخطيب عماد الدّين عبد الكريم بن القاضي أبي القاسم عبد الصّمد بن الحرستاني الأنصاري الشافعي الخزرجي [2] .
ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وسمع من ابن صصرى وغيره، ودرّس، وأفتى، وأشغل. وكان قويّ المشاركة في العلوم، على خطابته طلاوة وروح.
قال ابن كثير: كان صيّنا، ديّنا، فقيها، نبيها، فاضلا، شاعرا، مجيدا، بارعا، ملازما منزله، فيه عبادة وتنسّك وانقطاع. طيّب الصّوت في الخطبة، عليه روح بسبب تقواه.
توفي في جمادى الآخرة ودفن بالصّالحية. انتهى.
وفيها ابن القوّاس شرف الدّين محمد بن عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن غدير الطّائي الدمشقي [3] .
__________
[1] سبق أن نبهت إلى أن ما أورده المؤلّف من الكلام هنا عن «شمس الدّين محمد» حقه أن مكان الكلام الذي قدمه عن أخيه «شرف الدّين أحمد» . انظر التعليق رقم (2) ص (662) .
[2] انظر «العبر» (5/ 340- 341) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 256- 257) .
[3] انظر «العبر» (5/ 341) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «النجوم الزاهرة» (7/ 361) .

(7/663)


ولد سنة اثنتين وستمائة، وسمع من الكندي، وابن الحرستاني، والخضر بن كامل، وكان شيخا متميّزا، حسن الدّيانة.
توفي في ربيع الآخر.
وفيها العماد بن الشّيرازي، القاضي الرئيس، أبو الفضل، محمد ابن محمد بن هبة الله بن محمد الدمشقي [1] ، صاحب الخط المنسوب.
ولد سنة خمس وستمائة، وسمع من ابن الحرستاني، وداود بن ملاعب. وكتب على الوليّ، وانتهت إليه رئاسة التجويد، مع الحشمة والوقار.
وتوفي في ثامن عشر صفر، وكان مرضه أربعة أيام.
وفيها الحافظ ابن جعوان- بالجيم والواو، وبينهما مهملة- محمد بن محمد بن عبّاس بن أبي بكر بن جعوان بن عبد الله الأنصاري الدمشقي الشافعي [2] .
كان إماما، حافظا، متقنا، نحويا. توفي قبيل الكهولة، ولم يبلغ من التّسمّع مأموله. قاله ابن ناصر الدّين [3] .
وفيها الرّشيد العامري محمد بن أبي بكر بن محمد بن سليمان الدمشقي [4] . سمع «دلائل النّبوة» و «صحيح مسلم» من ابن الحرستاني، و «جزء» الأنصاري من الكندي، وتوفي في ذي الحجّة. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 341) و «النجوم الزاهرة» (7/ 361) .
[2] انظر «تذكرة الحفاظ» (4/ 1491- 1492) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 380) و «النجوم الزاهرة» (7/ 360) .
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (184/ آ) .
[4] انظر «العبر» (5/ 341) و «النجوم الزاهرة» (7/ 361) .

(7/664)


وفيها المحيي بن القلانسي الصّدر الأوحد أبو الفضل يحيى بن علي بن محمد بن سعد التّميميّ الدمشقي [1] .
ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وسمع من الموفّق [2] ، وابن البنّ، وطائفة. وتوفي في شوال.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 342) و «النجوم الزاهرة» (7/ 361) .
[2] في «آ» و «ط» : «وسمع من ابن الموفق» .

(7/665)


سنة ثلاث وثمانين وستمائة
في شعبان كانت الزّيادة الهائلة بدمشق باللّيل، وكان عسكر المصريين [نزّالا] [1] بالوادي، فذهب لهم ما لا يوصف، وخربت البيوت، وانطمّت الأنهار، وكسر الماء أقفال باب الفراديس، ودخل حتّى وصل إلى مدرسة المقدّمية، وكسر جسر باب الفراديس.
وفيها توفي ابن المنيّر العلّامة ناصر الدّين أحمد بن محمد بن منصور الجذامي الجروي الإسكندراني المالكي [2] ، قاضي الإسكندرية وفاضلها المشهور.
ولد سنة عشرين وستمائة، وبرع في الفقه، والأصول، والنّظر، والعربية، والبلاغة، وصنّف التصانيف، وتوفي في أول ربيع الأول.
وفيها الملك أحمد بن هولاكو [3] المغلي. ولي السّلطنة بعد أخيه أبغا. أسلم وهو صبي، ويسّر له قرين صالح، وهو الشيخ عبد الرحمن الذي قدم الشام رسولا، وسعى في الصلح. مات وله بضع وعشرون سنة. وكان قليل الشّرّ مائلا إلى الخير.
ومات أيضا عبد الرّحمن في الاعتقال بقلعة دمشق بعده.
__________
[1] مستدركة من «العبر» (5/ 242) .
[2] انظر «العبر» (5/ 342) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 363- 364) و «حسن المحاضرة» (1/ 316- 317) .
[3] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .

(7/666)


وفيها ابن البارزي قاضي حماة، وابن قاضيها، وأبو قاضيها، الإمام نجم الدّين عبد الرّحيم بن إبراهيم ابن هبة الله الجهني الشّافعي [1] .
ولد بحماة سنة ثمان وستمائة، وسمع من موسى بن عبد القادر، وكان بصيرا بالفقه والأصول والكلام، له ديانة متينة وصدق وتواضع وشعر بديع.
منه:
إذا شمت من تلقاء أرضكم برقا ... فلا أضلعي تهدا ولا أدمعي ترقا
وإن ناح فوق البان ورق حمائم ... سحيرا فنوحي في الدّجى علّم الورقا
فرقّوا لقلب في ضرام غرامه ... حريق وأجفان بأدمعها غرقى
سميريّ من سعد خذا نحو أرضهم ... يمينا ولا تستبعدا نحوها الطّرقا
وعوجا على أفق توشّح شيحه ... بطيب الشّذا المسكي [2] أكرم به أفقا
فإنّ به المغني الذي بترابه ... وذكراه يستشفى لقلبي ويسترقى
ومن دونه عرب يرون نفوس من ... يلوذ بمغناهم حلالا لهم طلقا
بأيديهم بيض بها الموت أحمر ... وسمر لدى هيجائهم تحمل الزّرقا
وقولا محبا للشآم [3] غدا لقى ... لفرقة قلب بالحجاز غدا ملقى
تعلّقكم في عنفوان شبابه ... ولم يسل عن ذاك الغرام وقد أنقى
وكان يمنّي النّفس بالقرب فاغتدى ... بلا أمل إذ لا يؤمّل أن يبقى
عليكم سلام الله أمّا ودادكم ... فباق وأمّا البعد عنكم فما أبقى [4]
توفي في تبوك في ذي القعدة، فحمل إلى المدينة المنوّرة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 343) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «فوات الوفيات» (2/ 306- 308) و «النجوم الزاهرة» (7/ 364) .
[2] في «آ» و «ط» : «المكي» والتصحيح من «فوات الوفيات» .
[3] في «فوات الوفيات» : «محبّ بالشآم» .
[4] هذا البيت لم يرد في «فوات الوفيات» .

(7/667)


وفيها علاء الدّين صاحب الديوان عطاء مالك بن الصّاحب بهاء الدّين محمد بن محمد الخراساني الجويني [1] ، أخو الوزير الكبير شمس الدّين. نال هو وأخوه من المال والحشمة والجاه العظيم ما يتجاوز الوصف في دولة أبغا. وكان أمر العراق راجعا إلى علاء الدّين، فساسه أحسن سياسة، طلب في هذه السنة فاختفى ومات في الاختفاء.
وقتل أخوه شمس الدّين.
وفيها ابن مهنّا ملك العرب، ورئيس آل فضل [2] عيسى بن مهنّا.
كان له المنزلة العالية عند السلطان. توفي في ربيع الأول.
وقام بعده ولده الأمير حسام الدّين مهنّا صاحب تدمر.
وفيها الصّدر الكبير المنشئ بهاء الدّين ابن الفخر عيسى الإربلي [3] . له الفضيلة التّامة، والنّظم الرّائق، والنّثر الفائق. صنّف مقامات حسنة، ورسالة «الطيف» .
ومن شعره:
أيّ عذر وقد تبدّى العذار ... إن ثناني تجلّد واصطبار
فأقلّا إن شئتما أو فزيدا ... ليس لي عن هوى الملاح قرار
هل مجير من الغرام وهيها ... ت أسير الغرام ليس يجار
يا بديع الجمال قد كثرت في ... ك اللّواحي وقلّت الأنصار
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 343) .
[2] في «ط» : «رئيس آل فضل، ملك العرب» وما جاء في «آ» موافق لما عند الذهبي في «العبر» مصدر المؤلّف، وهو مترجم فيه (5/ 344) وفي «دول الإسلام» (2/ 186) و «النجوم الزاهرة» (7/ 363) .
[3] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.

(7/668)


وله:
ما العيش إلّا خمسة لا سادس ... لهم وإن قصرت بها الأعمار
زمن الرّبيع وشرخ أيّام الصّبا ... والكأس والمعشوق والدّينار
وله فيه:
إنّما العيش خمسة فاغتنمها ... واستمعها بصحّة من صديق [1]
من سلاف وعسجد وشباب ... وزمان الرّبيع والمعشوق
وفيها فاطمة بنت الحافظ عماد الدّين علي بن القاسم بن مؤرّخ الشّام أبي القاسم بن عساكر [2] .
ولدت سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وسمعت من ابن طبرزد وجماعة، وأجاز لها الصّيدلاني، وتوفي في شعبان.
وفيها ابن الصّائغ- بالصّاد المهملة والغين المعجمة- قاضي القضاة عزّ الدّين أبو المفاخر محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل الأنصاري الشافعي الدمشقي [3] .
ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة، وسمع من ابن اللّتي وجماعة، ولازم القاضي كمال الدّين التّفليسي، حتّى صار من أعيان أصحابه. وكان عارفا بالمذهب، بارعا في الأصول والمناظرة. درّس بالشّامية مشاركة مع شمس الدّين المقدسي، ثم ولي وكالة بيت المال، ثم ولي قضاء الشّام، وعزل بابن خلّكان، فظهرت منه نهضة وشهامة، وقيام في الحقّ بكل ممكن. وكان عزله في أول سنة سبع وسبعين، وبقي له تدريس العذراويّة، ثم أعيد إلى
__________
[1] في «ط» : «من صدوق» وأثبت لفظ «آ» .
[2] انظر «العبر» (5/ 344) .
[3] في «آ» : «الدمشقي الشافعي» وهو مترجم في «العبر» (5/ 344) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 146- 147) .

(7/669)


منصبه في أول سنة ثمانين، ثم إنهم أتقنوا قضيته فامتحن في رجب سنة اثنتين وثمانين، وأخرجوا عليه محضرا بنحو مائة ألف دينار، وتمّت له فصول، إلى أن خلّصه الله، ثم ولّوا مكانه القاضي بهاء الدّين ابن الزّكيّ، وانقطع هو بمنزله في بستانه إلى أن توفي في تاسع ربيع الآخر، ولما حضرته الوفاة جمع أهله وتوضأ وصلّى بهم، ثم قال: هلّلوا معي، وبقي يهلّل معهم [1] إلى أن توفي مع قول: لا إله إلّا الله. ذكره البرزالي.
وفيها ابن خلّكان قاضي بعلبك بهاء الدّين أبو عبد الله محمد بن [محمد بن] إبراهيم [2] .
كان أسنّ من أخيه قاضي القضاة بخمس سنين، وسمع «الصحيح» من ابن مكرم، وأجاز له المؤيّد الطّوسي وطائفة، وكان حسن الأخلاق، رقيق القلب، سليم الصّدر، ذا دين وخير وتواضع. توفي في رجب.
وفيها الملك المنصور صاحب حماة ناصر الدّين محمد بن الملك المظفّر تقي الدّين محمود بن المنصور محمد بن [3] تقي الدّين عمر بن شاهنشاه بن أيوب [4] . تملّك بعد أبيه سنة اثنتين وأربعين وستمائة، وله عشر سنين رعاية لأمّه الصّاحبة ابنة الكامل. وكان لعّابا مصرّا على أمور، الله يسامحه. قاله في «العبر» .
وفيها ابن النّعمان القدوة الزّاهد أبو عبد الله محمد بن موسى بن النّعمان التّلمساني [5] . قدم الإسكندرية شابا، فسمع بها من محمد بن
__________
[1] في «ط» : «وبقي يهلّل بهم» .
[2] انظر «العبر» (5/ 345) و «الوافي بالوفيات» (1/ 203- 204) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما.
[3] لفظة «ابن» سقطت من «آ» .
[4] انظر «العبر» (5/ 345- 346) و «السلوك» (1/ 3/ 725) .
[5] انظر «العبر» (5/ 346) و «مرآة الجنان» (4/ 200) و «النجوم الزاهرة» (7/ 364) .

(7/670)


عماد، والصّفراوي. وكان عارفا بمذهب مالك، راسخ القدم في العبادة والنّسك، أشعريّا منحرفا على الحنابلة. توفي في رمضان، ودفن بالقرافة، وشيّعه أمم. قاله في «العبر» .
وفيها تقيّ الدّين محمد بن عبد الولي بن جبارة بن عبد الولي المقدسي الفقيه الحنبلي [1] . سمع بدمشق من أبي القاسم بن صصرى وغيره، وببغداد من أبي الحسن القطيعي وطبقته. وكان فاضلا متفنّنا [2] صالحا. وهو والد الشيخ شهاب الدّين أحمد بن جبارة.
توفي في ذي الحجّة بسفح قاسيون ودفن به.
وفيها تقيّ الدّين أبو الميامن مظفّر بن أبي بكر بن مظفّر بن علي الجوسقي ثم البغدادي [3] الحنبلي، الفقيه الأصولي النظّار، المعروف بالحاج.
ولد في مستهلّ رجب، سنة ثلاث عشرة وستمائة، وسمع من أبي الفضل محمد بن محمد بن الحسن السبّاك، وتفقه، وبرع في المذهب والخلاف والأصول، وناظر وأفتى، ودرّس بالمدرسة البشرية [4] لطائفة الحنابلة. وكان من أعيان الفقهاء وأئمة المذهب. وحدّث، وسمع منه القلانسي وغيره، وتوفي ببغداد في آخر نهار السبت، رابع عشري ربيع الأول، ودفن بحظيرة قبر الإمام أحمد، ولم يخلّف في بغداد مثله. رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 312) .
[2] كذا في «آ» : «متفنّنا» وفي «ط» : «مفنّنا» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف:
«متقنا» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 311- 312) .
[4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «البشيرية» .

(7/671)


سنة أربع وثمانين وستمائة
فيها توفي الوزيري [1] المقرئ المجوّد برهان الدّين إبراهيم بن إسحاق بن المظفّر المصري [2] .
ولد سنة تسع عشرة وستمائة، وقرأ القراءات على أصحاب الشّاطبي، وأبي الجود. وأقرأها بدمشق، وتوفي بين الحرمين في أواخر ذي الحجّة.
وفيها النّسفي العلّامة برهان الدّين محمد بن محمود بن محمد الحنفي [3] المتكلّم، صاحب التصانيف في الخلاف، وتخرّج به خلق، وبقي إلى هذا العام. وكان مولده سنة ستمائة.
وفيها ستّ العرب بنت يحيى بن قايماز أمّ الخير الدمشقية الكندية [4] . سمعت من مولاهم التّاج الكندي، وحضرت على ابن طبرزد «الغيلانيّات» . وتوفيت في المحرّم عن خمس وثمانين سنة.
وفيها الرّشيد سعيد بن علي بن سعيد البصروي [5] الحنفي مدرس
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الوزير» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي.
[2] انظر «العبر» (5/ 346) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 700) و «غاية النهاية» (1/ 9) .
[3] انظر «العبر» (5/ 346- 347) و «مرآة الجنان» (4/ 200) .
[4] انظر «العبر» (5/ 347) و «مرآة الجنان» (4/ 201) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 368) .
[5] انظر «العبر» (5/ 347) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 532- 534) .

(7/672)


الشبليّة. أحد أئمة المذهب. كان ديّنا، ورعا، نحويا، شاعرا. توفي في شعبان وقد قارب الستين.
وفيها الصّائن مقرئ بلاد الرّوم أبو عبد الله محمد البصري [1] المقرئ المجوّد الضّرير. قرأ القراءات بدمشق على المنتجب [2] ، وكان بصيرا بمذهب الشّافعي، عدلا، خيّرا، صالحا.
وفيها الزّين عبد الله بن النّاصح عبد الرّحمن بن نجم بن الحنبلي [3] . سمع بالموصل من عبد المحسن بن الخطيب، وببغداد من الدّاهري، وبدمشق من ابن البنّ، وعاش ثمانين سنة، وتوفي في شوال.
وفيها الشّمس المقدسي عبيد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي [4] .
ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة، وسمع من كريمة القرشية وغيرها، وتفقه، وبرع في المذهب، وأفتى ودرّس.
قال اليونيني في «تاريخه» : كان من الفضلاء الصّلحاء الأخيار. سمع الكثير، وكتب بخطّه، وشرع في تأليف كتاب في الحديث مرتّبا على أبواب الفقه، ولو تمّ لكان نافعا. وكان الشيخ شمس الدّين [عبد الرحمن] بن أبي عمر يحبّه كثيرا، ويفضّله على سائر أهله. وكان أهلا لذلك، فلقد كان من حسنات المقادسة، كثير الكرم، والخدمة، والتواضع، والسّعي في قضاء حوائج الإخوان والأصحاب.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 347) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 689) و «مرآة الجنان» (4/ 201) .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «المنتخب» والتصحيح من «العبر» وانظر ترجمته في ص (393) من هذا المجلد.
[3] انظر «العبر» (5/ 347) .
[4] انظر «العبر» (5/ 348) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 312- 313) .

(7/673)


توفي يوم الاثنين ثامن عشري شعبان بقرية جمّاعيل من عمل نابلس ودفن بها.
وفيها إسماعيل بن إبراهيم بن علي الفرّاء الصّالحي [1] . كان حنبليا، صالحا، زاهدا، ورعا، ذا كرامات ظاهرة، وأخلاق طاهرة، ومعاملات باطنة.
صحب الشيخ الفقيه اليونيني. وكان يقال: إنه يعرف الاسم الأعظم.
توفي بسفح قاسيون في جمادى الأولى [2] . قاله ابن رجب.
وفيها الإمام نور الدّين أبو طالب عبد الرحمن بن عمر بن أبي [3] القاسم بن علي بن عثمان البصري الضّرير الفقيه الحنبلي [4] ، نزيل بغداد.
ولد يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول، سنة أربع وعشرين وستمائة بقرية من قرى البصرة [5] ، وحفظ القرآن بالبصرة سنة إحدى وثلاثين على الشيخ حسن بن دويرة، وحفظ «الخرقي» وكفّ بصره سنة أربع وثلاثين. وسمع بالبصرة من ابن دويرة المذكورة، وقدم بغداد وحفظ بها كتاب «الهداية» لأبي الخطّاب. ولازم الاشتغال، وأفتى سنة ثمان وأربعين، وسمع من المجد ابن تيميّة وغيره. وكان بارعا في الفقه، له معرفة بالحديث والتفسير، ولما توفي شيخه ابن دويرة بالبصرة ولي التدريس بمدرسة شيخه، وخلع عليه ببغداد خلعة وألبس الطّرحة السوداء في خلافة المستعصم [6] سنة اثنتين وخمسين.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 313) .
[2] قوله: «توفي بسفح قاسيون في جمادى الأولى» سقط من «ذيل طبقات الحنابلة» الذي بين يدي فليستدرك.
[3] لفظة «أبي» سقطت من «آ» .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 313- 315) .
[5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «بناحية عبدليان من قرى البصرة» .
[6] تحرفت في «ط» إلى «المعتصم» .

(7/674)


وذكر ابن السّاعي: أنه لم يلبس الطّرحة أعمى بعد أبي طالب بن الخلّ [1] سوى الشيخ نور الدّين هذا، ثم بعد واقعة بغداد، طلب إليها ليولي تدريس الحنابلة بالمستنصرية فلم يتفق. وتقدم الشيخ جلال الدّين بن عكبر، فرتّب الشيخ نور الدّين مدرسا بالبشرية.
وله تصانيف عديدة، منها كتاب «جامع العلوم في تفسير كتاب الله الحيّ القيّوم» وكتاب «الحاوي» في الفقه في مجلدين، و «الكافي في شرح الخرقي» و «الواضح في شرح الخرقي» أيضا [2] . وغير ذلك. وتفقه عليه جماعة، منهم: صفي الدّين [بن عبد المؤمن] بن عبد الحقّ، وقال عنه:
كان شيخا من العلماء المجتهدين، والفقهاء المنفردين، وكان له فطنة عظيمة ونادرة [3] عجيبة. منها ما حكى محمد بن إبراهيم الخالدي- وكان ملازما للشيخ نور الدّين حتّى زوّجه الشيخ ابنته- قال: عقد مجلس بالمستنصرية مرة للمظالم، وحضره الأعيان، فاتفق جلوس الشيخ إلى جانب بهاء الدّين بن الفخر عيسى، كاتب ديوان الإنشاء، وتكلّم الجماعة، فبرز [4] الشيخ نور الدّين عليهم بالبحث، ورجع إلى قوله، فقال له ابن الفخر عيسى: من أين الشيخ؟ قال: من البصرة. قال: والمذهب؟ قال: حنبليّ. قال:
عجب [5] ! بصريّ، حنبلي؟ فقال الشيخ: هنا أعجب من هذا، كرديّ رافضي، فخجل ابن الفخر.
وكان كرديا رافضيا، والرفض من الأكراد معدوم أو نادر.
__________
[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «ابن الحنبلي» .
[2] لفظة «أيضا» سقطت من «آ» .
[3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «وبادرة» .
[4] في «آ» و «ط» : «فنزل» وهو خطأ والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف وما بين الحاصرتين قبل قليل مستدرك منه.
[5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «عجبا» .

(7/675)


توفي الشيخ نور الدّين ليلة السبت ليلة عيد الفطر، ودفن قرب الإمام أحمد.
ومن فوائده أنه اختار أن الماء لا ينجس إلّا بالتغيّر، وإن كان قليلا.
وأن بني هاشم يجوز لهم أخذ الزّكاة إذا منعوا حقّهم من الخمس.
وفيها أبو الحسن حازم بن محمد بن حسين بن حازم النّحوي [1] الأنصاري القرطاجنيّ [صاحب القصيدة الميمية في النّحو، المشهورة.
قال الشّمنّي] [2] في «حاشيته على المغني» : القرطاجني بفتح القاف، وراء ساكنة، وطاء مهملة، فألف، فجيم مفتوحة، فنون، فياء، نسبة من قرطاجنة الأندلس [3] قرطاجنة تونس.
كان إماما، بليغا، ريّان من الأدب. نزل تونس، وامتدح بها المنصور صاحب إفريقية أبا عبد الله محمد بن الأمير أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص، ومات سنة أربع وثمانين وستمائة. انتهى.
وفيها أبو القاسم علي بن بلبان المحدّث الرحّال علاء الدّين المقدسي النّاصري الكركي [4] مشرف الجامع وإمام مسجد الماشكيّ تحت مئذنة فيروز. ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة، وسمع من ابن اللّتي، والقطيعي، وابن القبيطي، وخلق كثير، بالشام، والعراق، ومصر، وعني بالحديث، وخرّج العوالي، وتوفي في [أول] رمضان [5] .
__________
[1] لفظة «النحوي» سقطت من «آ» .
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وهو مترجم في «نفح الطّيب» (2/ 584- 589) .
[3] انظر «الروض المعطار» ص (462) .
[4] انظر «العبر» (5/ 348) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 368) .
[5] في «ط» : «برمضان» ولفظة «أول» زيادة من «العبر» مصدر المؤلّف رحمه الله تعالى.

(7/676)


وفيها المرّاكشي علاء الدّين علي بن محمد بن علي البكري الكاتب [1] . سمع من ابن صباح، وابن الزّبيدي، وولي نظر المارستان، ونظر الدّواوين، وتوفي في جمادى الأولى عن بضع وستين سنة.
وفيها علاء الدّين علي البندقداري [2] ، الأمير الكبير، الذي كان مولى الملك الظّاهر. كان أميرا، جليلا، عاقلا. وكان أولا للأمير جمال الدّين بن يغمور، ثم صار [3] للملك الصّالح، فجعله بندقداره. توفي بالقاهرة.
وفيها الأمير شبل الدّولة الطّواشي أبو المسك كافور الصّوابي الصّالحي الصّفوي [4] . خزندار قلعة دمشق. روى عن ابن رواج [5] وجماعة، وكان محبّا للحديث، عاقلا، دينا.
توفي في رمضان، وقد نيّف على الثمانين.
وفيها ابن شدّاد الرئيس المنشئ البليغ عزّ الدّين محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري الحلبي [6] .
ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة، وهو الذي جمع «السيرة» للملك
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 348) .
[2] انظر «العبر» (5/ 348- 349) .
[3] في «ط» : «ثم جعله» .
[4] انظر «العبر» (5/ 349) و «مرآة الجنان» (4/ 201) .
[5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ابن رواح» بالحاء المهملة والتصحيح من «العبر» وهو الإمام المحدّث رشيد الدّين أبو محمد عبد الوهّاب بن رواج (واسم رواج ظافر) الأزدي القرشي.
مات سنة (648) هـ. انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 237- 238) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1411) .
[6] انظر «العبر» (5/ 349) و «مرآة الجنان» (4/ 201) .

(7/677)


الظّاهر [1] ، وجمع «تاريخا» لحلب [2] توفي في صفر.
وفيها ابن الأنماطي أبو بكر محمد ابن الحافظ البارع أبي الطّاهر إسماعيل بن عبد الله الأنصاري المصري [3] .
ولد بدمشق سنة تسع وستمائة، وسمع حضورا من الكندي، وأكثر عن [ابن] الحرستاني، وابن ملاعب، وخلق. وتوفي في ذي الحجّة بالقاهرة.
وفيها الأمير ناصر الدّين الحرّاني محمد ابن الافتخار أياز [4] والي دمشق بعد أبيه، ومشدّ الأوقاف. كان من عقلاء الرّجال وألبّائهم، مع الفضيلة والدّيانة والمروءة والكلمة النّافذة في الدولة. استعفى من الولاية فأعفي، ثم أكره على نيابة حمص فلم تطل مدته بها.
وتوفي في شعبان، ونقل إلى دمشق في آخر الكهولة.
وفيها الإخميميّ الزّاهد شرف الدّين محمد بن الحسن بن إسماعيل [5] . نزيل سفح قاسيون. كان صاحب توجّه [6] وتعبّد، وللناس فيه عقيدة عظيمة.
__________
[1] وقد قامت بطبعها جمعية المستشرقين الألمان ببيروت عام 1403 هـ بتحقيق الأستاذ أحمد حطيط.
[2] واسمه «الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة» وقد طبع الجزء الأول منه في المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق عام (1373) هـ بتحقيق المستشرق دمنيك سورديل، وطبع الجزء الثاني منه في المعهد الفرنسي أيضا عام (1375) هـ بتحقيق الدكتور سامي الدهّان. وطبع الجزء الثالث بقسميه في وزارة الثقافة والإرشاد القومي بدمشق عام (1398) هـ بتحقيق الأستاذ يحيى عبارة.
[3] انظر «العبر» (5/ 349) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «النجوم الزاهرة» (7/ 368) .
[4] انظر «العبر» (5/ 349- 350) و «مرآة الجنان» (4/ 201) .
[5] انظر «العبر» (5/ 350) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «مرآة الجنان» (4/ 201) و «النجوم الزاهرة» (7/ 368) .
[6] تحرفت في «آ» إلى «تواجد» وفي «ط» إلى «توجد» والتصحيح من «العبر» و «مرآة الجنان» .

(7/678)


توفي في جمادى الأولى. قاله في «العبر» .
وفيها ابن عامر الشيخ أبو عبد الله محمد بن عامر بن أبي بكر الصّالحي المقرئ [1] . صاحب الميعاد المعروف. روى عن ابن ملاعب وجماعة، وكان صالحا، متواضعا، خيّرا، حسن الوعظ، حلو العبارة. توفي في جمادى الآخرة وقد قارب الثمانين.
وفيها الرّومي الشيخ [2] الزّاهد، شرف الدّين محمد ابن الشيخ الكبير عثمان بن علي [3] . صاحب الزّاوية التي بسفح قاسيون. كان عجبا في الكرم، والتواضع، ومحبّة السّماع. توفي في جمادى الأولى، وقد نيّف على التسعين. قاله في «العبر» .
وفيها الرّضيّ رضي الدّين الشّاطبي محمد بن علي بن يوسف الأنصاري [4] .
ولد ببلنسية، سنة إحدى وستمائة. وكان إمام عصره في اللّغة، وحدّث عن المقيّر وغيره، وقرأ لورش على محمد بن أحمد بن مسعود الشّاطبي صاحب ابن هذيل، وتصدّر بالقاهرة، وأخذ عنه النّاس، وروى عنه أبو حيّان وغيره، وتوفي في الثامن والعشرين من جمادى الأولى بالقاهرة.
وفيها المجير [5] بن تميم محمد بن يعقوب بن علي الجندي
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 350) و «البداية والنهاية» (13/ 306) .
[2] لفظة «الشيخ» سقطت من «ط» .
[3] انظر «العبر» (5/ 350) و «البداية والنهاية» (13/ 307) و «النجوم الزاهرة» (7/ 368) .
[4] انظر «العبر» (5/ 351) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 678) و «النجوم الزاهرة» (7/ 368) و «حسن المحاضرة» (1/ 533- 534) وقد تحرفت «ابن يوسف» فيه إلى «ابن يونس» فلتصحح.
[5] كذا في «آ» و «العبر» مصدر المؤلف: «المجير» وفي «ط» و «البداية والنهاية» و «الأعلام» :
«مجير الدّين» .

(7/679)


الحموي الدمشقي [1] الأمير، سبط ابن تميم. استوطن حماة، وكان من العقلاء الفضلاء الكرماء. وشعره في غاية الجودة.
فمنه قوله:
أطالع كلّ ديوان أراه ... ولم أزجر عن التّضمين طيري
أضمّن كلّ بيت نصف بيت ... فشعري نصفه من شعر غيري
وقال:
عاينت ورد الرّوض يلطم خدّه ... ويقول وهو على البنفسج محنق
لا تقربوه وإن تضوّع نشره ... ما بينكم فهو العدوّ الأزرق
وقال في توديع مليح:
مولاي قد كثرت ليالي هجرنا ... حتّى عجزت- سلمت لي- عن عدّها
أودع فمي قبل التّودّع [2] قبلة ... وأنا الكفيل إذا رجعت بردّها
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 351) و «البداية والنهاية» (13/ 307) و «الأعلام» (7/ 145) .
[2] في «آ» : «قبل التفرق» .

(7/680)


سنة خمس وثمانين وستمائة
فيها أخذت الكرك من الملك المسعود خضر بن الملك الظّاهر، ونزل منها وسار إلى مصر.
وفيها توفي [1] بدر الدّين أبو العبّاس أحمد بن شيبان بن تغلب بن حيدرة الشّيباني الصّالحي العطّار ثم الخيّاط [2] . راوي «مسند الإمام أحمد» .
أكثر عن حنبل، وابن طبرزد، وجماعة. وأجاز له أبو جعفر الصّيدلاني وخلق. وكان مطبوعا متواضعا.
توفي في الثامن والعشرين من صفر عن تسع وثمانين سنة.
وفيها [الرّاشديّ] المقرئ الأستاذ القدوة أبو علي الحسن بن عبد الله بن بختيار المغربي البربريّ [3] ، الرّجل الصّالح. تصدّر للإقراء والإفادة، وأخذ عنه مثل الشيخ التّونسي، والشيخ شهاب الدّين بن جبارة، ولم يقرأ على غير الكمال الضرير، وتوفي في صفر بالقاهرة.
وفيها الصّفيّ أبو الصّفا خليل بن أبي بكر بن محمد بن صدّيق
__________
[1] لفظة «توفي» لم ترد في «ط» .
[2] انظر «العبر» (5/ 351- 352) و «البداية والنهاية» (131/ 308) و «النجوم الزاهرة» (7/ 370) .
[3] انظر «العبر» (5/ 352) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 701- 702) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «غاية النهاية» (1/ 218) وما بين الحاصرتين زيادة منها جميعا.

(7/681)


المراغي [1] . الفقيه الحنبلي المقرئ سمع من ابن الحرستاني، وابن ملاعب، وطائفة. وتفقه على الموفق [2] . وقرأ القراءات على ابن باسويه [3] .
وقرأ أصول الفقه على السّيف الآمدي [ولازمه، وأقام بدمشق مدّة. ثم توجّه إلى الدّيار المصرية، فأقام بها إلى أن مات] [4] . وناب في القضاء بالقاهرة، فحمدت سيرته [5] وطرائقه، وشكرت خلائقه.
قال الذهبيّ: كان مجموع الفضائل، كثير المناقب، متين الدّيانة، صحيح الأخذ، بصيرا بالمذهب، عالما بالخلاف والطبّ. قرأ عليه بالرّوايات بدر الدّين بن الجوهري، وأبو بكر بن الجعبري، وجماعة من المصريين.
وسمع منه ابن الظّاهري، وابنه والحافظ المزّي، وأبو حيّان، والحافظ عبد الكريم بن منير، وخلق سواهم.
توفي يوم السبت سابع عشر [6] ذي القعدة بالقاهرة، ودفن بمقابر باب النّصر.
وفيها الشيخ موفق الدّين أبو الحسن علي بن الحسين [7] بن يوسف بن الصيّاد [8] ، المقرئ الفقيه، الحنبلي المعدّل. حدّث عن ابن
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 352) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 682- 683) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 316- 317) .
[2] يعني الإمام الحافظ موفق الدّين بن قدامة المقدسي رحمه الله.
[3] تحرفت في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «ابن ماسويه» والتصحيح من «معرفة القراء الكبار» (2/ 622) و «غاية النهاية» (1/ 562) ومن ترجمته في ص (261) من هذا المجلد.
[4] ما بين الحاصرتين سقط من «ط» .
[5] لفظة «سيرته» سقطت من «آ» .
[6] في «آ» : «سابع عشري» .
[7] في «آ» : «ابن الحسن» .
[8] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 317- 318) .

(7/682)


اللّتي [1] ، وروى عن حنبل، وابن طبرزد، والكندي، وهذه الطبقة [2] ، وروى عنه جماعة، وتوفي ببغداد في رجب.
وفيها أبو الفضل محمد بن محمد بن علي الزيّات البابصري البغدادي [3] الحنبلي الواعظ أحد شيوخ بغداد المسندين. حدّث عن ابن صرما، والفتح بن عبد السّلام، وغيرهما. وسمع منه خلق كثير، منهم:
الفرضي. وقال: كان عالما، زاهدا، عارفا، ثقة، عدلا، مسندا، من بيت الحديث والزّهد. وعظ في شبابه ثم ترك ذلك، وتوفي في آخر السنة.
وفيها القاضي جمال الدّين أبو إسحاق إسماعيل بن جمعة بن عبد الرزاق [4] ، قاضي سامرّا. كان فاضلا، أديبا، له نظم حسن. سمع من الشيخ جمال الدّين عبد الرحمن بن طلحة بن غانم العلثي «فضائل القدس» لابن الجوزي بسماعه منه، وأجاز لغير واحد، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها شاميّة أمة الحقّ بنت الحافظ أبي علي الحسن بن محمد البكري [5] . روت عن جدّ أبيها، وجدّها، وحنبل، وابن طبرزد، وتفرّدت بعدة أجزاء، وتوفيت بشيزر عند أقاربها في أواخر رمضان، عن سبع وثمانين سنة.
وفيها السّراج بن فارس أبو بكر عبد الله بن أحمد بن إسماعيل التّميميّ الإسكندراني [6] ، أخو المقرئ كمال الدّين. سمع من التّاج
__________
[1] تحرفت في «آ» إلى «ابن الكتي» .
[2] تحرفت في «ط» إلى «الطيفة» .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 318) .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 318) .
[5] انظر «العبر» (5/ 352) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «النجوم الزاهرة» (7/ 370) .
[6] انظر «العبر» (5/ 353) و «حسن المحاضرة» (1/ 383) .

(7/683)


الكندي، وابن الحرستاني، وتوفي بالإسكندرية في ربيع الأول.
وفيها الشيخ القدوة الزّاهد تاج الدّين عبد الدائم [بن زين الدّين أحمد بن عبد الدائم] [1] المقدسي الحنبلي. روى عن الشيخ الموفق [2] وجماعة، وتوفي في رمضان، وقد نيّف على السبعين.
وفيها عفيف الدّين عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن فارس البغدادي بن الزجّاج [3] . أحد مشايخ العراق. فقيه حنبليّ زاهد سنّيّ أثريّ، عارف بمذهب أحمد.
ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة. وسمع من عبد السلام [بن يوسف] العبرتي، والفتح بن عبد السلام، وطائفة. وتوفي في المحرّم بذات الحجّ [4] بعد قضاء الحج، قاله في «العبر» .
وفيها الشيخ عبد الواحد بن علي القرشي الهكّاري الفارقي الحنبلي [5] . سمع من مسمار بن العويس [6] بالموصل، ومن موسى بن الشيخ عبد القادر، وطائفة بدمشق. وكان عبدا، صالحا.
توفي في رمضان بالقاهرة، وله أربع وتسعون سنة.
__________
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «ط» ولفظة «الحنبلي» سقطت من «آ» وهو مترجم في «العبر» (5/ 353) .
[2] يعني ابن قدامة المقدسي.
[3] انظر «العبر» (5/ 353) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 315- 316) وما بين الحاصرتين مستدرك منه، و «النجوم الزاهرة» (7/ 370) .
[4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «بذات عرق» .
[5] انظر «العبر» (5/ 353- 354) .
[6] هو مسمار بن عمر بن محمد بن عيسى بن العويس النّيّار، المقرئ الصالح المسند. مات سنة (619) هـ. انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 154) .

(7/684)


وفيها المعين بن تولوا [1] الشّاعر المشهور، عثمان بن سعيد الفهري المصري.
توفي في ربيع الأول بالقاهرة وله ثمانون سنة.
وفيها الشّريشي- نسبة إلى شريش ككريم، مدينة بشذونة. قاله السيوطي [2]- العلّامة جمال الدّين أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن سحمان البكري الوائلي الأندلسي [3] ، الفقيه المالكي، الأصولي المفسّر.
ولد سنة إحدى وستمائة، وسمع بالثّغر من محمد بن عماد، وببغداد من الحسن القطيعي وخلق، وبدمشق من مكرم. وكان بارعا في مذهب مالك، محقّقا للعربية، عارفا بالكلام والنظر، قيّما بكتاب الله وتفسيره، جيد المشاركة في العلوم، ذا زهد وتعبّد وجلالة، شرح «مقامات الحريري» شرحا ممتعا، وتوفي في الرابع والعشرين من رجب.
وفيها القاضي ناصر الدّين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد بن علي قاضي القضاة البيضاوي [4]- بفتح الباء نسبة [5] إلى البيضاء من بلاد فارس [6]- الشافعي [7] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «تولو» والصواب ما أثبته وانظر التعليق على ص (455) وفيات سنة (654) من هذا المجلد، وهو مترجم في «العبر» (5/ 354) و «فوات الوفيات» (2/ 440- 441) و «حسن المحاضرة» (1/ 568) .
[2] انظر «لب اللباب في تحرير الأنساب» ص (152) .
[3] انظر «العبر» (5/ 354) و «الدّيباج المذهب» (2/ 319- 320) و «درّة الحجال» (2/ 244- 245) .
[4] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 157- 158) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 283- 284) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 220- 222) و «تذكرة النبيه» (1/ 104) و «البداية والنهاية» (13/ 309) .
[5] لفظة «نسبة» سقطت من «ط» .
[6] انظر «معجم البلدان» (1/ 529) ففيه سبب تسميتها بهذا الاسم.
[7] لفظة «الشافعي» سقطت من «آ» .

(7/685)


قال ابن شهبة في «طبقاته» : صاحب المصنفات، وعالم أذربيجان، وشيخ تلك الناحية. ولي قضاء شيراز.
قال السبكي: كان إماما، مبرّزا، نظّارا، خيّرا، صالحا، متعبّدا. وقال ابن حبيب: تكلّم كلّ من الأئمة بالثناء على مصنفاته، ولو لم يكن له غير «المنهاج» الوجيز لفظه المحرّر، لكفاه. ولي أمر القضاء بشيراز، وقابل الأحكام الشرعية بالاحترام والاحتراز.
توفي بمدينة تبريز.
قال السّبكي والإسنوي: سنة إحدى وتسعين وستمائة، وقال ابن كثير في «تاريخه» والكتبي، وابن حبيب: توفي سنة خمس وثمانين، وأهمله الذهبي في «العبر» . انتهى كلام ابن شهبة.
وقال ابن كثير في «طبقاته» : ومن تصانيفه «الطوالع» . قال السّبكيّ:
وهو أجلّ «مختصر» في علم الكلام. و «المنهاج» مختصر من الحاصل، و «المصباح» و «مختصر الكشّاف» و «الغاية القصوى في رواية الفتوى» ، وغير ذلك، رحمه الله تعالى.
وفيها ابن الخيمي شهاب الدّين محمد بن عبد المنعم بن محمد الأنصاري اليمني ثم المصري [1] ، الصوفي. الشّاعر المحسن، حامل لواء النّظم في وقته. سمع «جامع الترمذي» من علي بن البناء، وأجاز له عبد الوهاب بن سكينة، وتوفي في رجب عن اثنتين وثمانين سنة وأكثر. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 354- 355) و «فوات الوفيات» (3/ 413- 424) و «النجوم الزاهرة» (7/ 369- 370) و «حسن المحاضرة» (1/ 569) .

(7/686)


ومن شعره:
كلفت ببدر في مبادي الدّجى بدا ... فعاد لنا ضوء الصّباح كما بدا
وحجّب عنّا حسنه نور حسنه ... فمن ذلك الحسن الضّلالة والهدى
فيا حبّذا نار لقلبي تصطلي ... ويا دمع عيني حبّذا أنت موردا
ويا سقمي في الحبّ أهلا ومرحبا ... ويا صحة السّلوان شأنك والعدا
فلست أرى عن ملة الحبّ مائلا ... وكيف ونور العامريّة قد بدا
وفيها الدّينوري خطيب كفربطنا الشيخ جمال الدّين أبو البركات محمد ابن القدوة العابد الشيخ عمر بن عبد الملك الصّوفي الشّافعي [1] .
ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة بالدّينور، وقدم مع أبيه وله عشر سنين، فسكن بسفح قاسيون، وسمع الكثير، ونسخ الأجزاء، واشتغل وحصّل، وحدّث عن ابن الزّبيدي، والنّاصح بن الحنبلي، وطائفة. وكان ديّنا، فاضلا، عالما. وتوفي في رجب.
وفيها ابن الدّبّاب [2] الواعظ جمال الدّين أبو الفضل محمد بن أبي الفرج محمد بن علي البابصري الحنبلي [3] .
ولد سنة ثلاث وستمائة، وسمع من أحمد بن صرما، وثابت بن مشرّف. وحدّث بالكثير، وتوفي في آخر العام ببغداد.
وفيها ابن المهتار الكاتب المجوّد المحدّث الورع مجد الدّين
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 355) و «النجوم الزاهرة» (7/ 370- 371) .
[2] علق ناشر «ط» من الكتاب الأستاذ حسام الدّين القدسي رحمه الله تعالى على هذه اللفظة بالتالي: «يقول الذّهبيّ في «تاريخ الإسلام» : سمّي جدّه بذلك لكونه كان يمشي على تؤدة وسكون» . انتهى.
[3] انظر «العبر» (5/ 355) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 318) .

(7/687)


يوسف بن محمد بن عبد الله المصري ثم الدمشقي الشافعي [1] ، قارئ دار الحديث الأشرفية.
ولد في حدود سنة عشر، وسمع من ابن الزّبيدي، وابن صبّاح، وطبقتهما. وروى الكثير، وتوفي في تاسع ذي القعدة.
وفيها ابن الزّكي قاضي القضاة بهاء الدّين أبو الفضل يوسف بن قاضي القضاة محيي الدّين يحيى بن قاضي القضاة محيي الدّين أبي المعالي محمد بن قاضي القضاة زكي الدّين علي بن قاضي القضاة منتجب [2] الدّين محمد بن يحيى القرشي الدّمشقي الشّافعي [3] .
ولد سنة أربعين وستمائة، وبرع في العلم بذكائه المفرط، وقدرته على المناظرة، وحلّ المعضلات. وسمع بمصر من جماعة، وتفقه بأبيه وعيره، وأخذ العلوم العقلية عن القاضي كمال الدّين التّفليسي، وولي القضاء بعد ابن الصّايغ سنة اثنتين وثمانين، إلى أن توفي، وهو آخر من ولي القضاء من هذا البيت، وقد جمع له أجلّ مدارس دمشق وهي العزيزية، والتّقوية، والفلكية، والعادلية، والمجاهدية، والكلّاسة.
قال الذهبي: كان جليلا، نبيلا، ذكيا، سريّا، كامل الرئاسة، وافر العلم، بارعا في الأصول، بصيرا بالفقه، فصيحا، مفوّها، حلّالا للمشكلات، غوّاصا على المعاني، سريع الحفظ، قوي المناظرة، قيل: إنه كان يحفظ الورقتين والثلاثة للدرس من نظرة واحدة، ويورد الدّرس في غاية
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 356) و «البداية والنهاية» (13/ 308) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 46) .
[2] تصحفت في «آ» إلى «منتخب» .
[3] انظر «العبر» (5/ 356) و «البداية والنهاية» (13/ 308) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 267- 268) .

(7/688)


الجزالة. وكان يورد في اليوم عدة دروس، وكان أديبا، أخباريا، كثير المحفوظ، علّامة، كريم النّفس، كثير المحاسن، مليح الفتاوى، وهو ذكيّ بيت الزّكي.
توفي في حادي عشر ذي الحجّة، وله خمس وأربعون سنة، ودفن بتربتهم جوار ابن عربي، قدّس سرّه
.

(7/689)