شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وتسعين وستمائة
فيها نازل السّلطان الملك الأشرف قلعة الرّوم وهي مجاورة لقلعة البيرة وأهلها نصارى من تحت طاعة التتار، فنصب عليها المجانيق، وجدّ في حصارها، وفتحت بعد خمسة وعشرين يوما في رجب.
وما أحسن ما قال الشّهاب محمود في كتاب «الفتح» : فسطا خميس الإسلام يوم السبت على أهل الأحد، فبارك الله للأمّة في سبتها وخميسها.
وفيها توفي الزّكي المعرّيّ إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن المغربي البعلي [1] الفقيه الحنبلي [2] ، الزّاهد العابد أبو إسحاق.
حضر على الشيخ الموفق، وسمع من البهاء عبد الرحمن وغيره، وتفقه، وحفظ «المقنع» وكان صالحا، عابدا، زاهدا، ورعا. اجتمعت الألسن على مدحه والثناء عليه.
ذكره ابن اليونيني.
وقال الذهبي: كان من أعبد البشر.
توفي ليلة السبت سابع شوال ببعلبك، وله إحدى وثمانون سنة.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «البعلي» وفي «العبر» بطبعتيه: «البعلبكي» .
[2] انظر «العبر» (5/ 371) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 329) .

(7/729)


وفيها ابن دبوقا المقرئ المحقّق أبو الفضل جعفر بن القاسم بن جعفر بن حبيش الرّبعي [1] الضّرير. قرأ القراءات على السّخاوي وأقرأها، وله معرفة متوسطة وشعر جيد. توفي في رجب. قاله في «العبر» .
وفيها سعد الدّين الفارقي الأديب البارع المنشئ أبو الفضل، سعد الله بن مروان الكاتب [2] .
قال الذهبي: هو أخو شيخنا زين، سمع من ابن رواحة، وكريمة، وطائفة. وكان بديع الكتابة معنى وخطا.
توفي في رمضان بدمشق وهو في عشر الستين.
وفيها السّيف عبد الرحمن بن محفوظ بن هلال الرّسعني [3] ، أحد الشهود تحت السّاعات.
كان عدلا، صالحا، ناسكا. روى عن الفخر ابن تيميّة وغيره، وأجاز له عبد العزيز بن منينا وجماعة، وتوفي في المحرّم عن بضع وثمانين سنة.
وفيها ابن صصرى العدل علاء الدّين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن أبي الفتح التّغلبي الدمشقي الضرير [4] . آخر من روى «صحيح البخاري» عن عبد الجليل بن مندويه، والعطّار. توفي في شعبان.
وفيها الخبّازي الإمام العلّامة جلال الدّين أبو محمد عمر بن محمد بن عمر الخجندي الحنفي [5] .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 372) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (289) .
[2] انظر «العبر» (5/ 372) و «النجوم الزاهرة» (8/ 36) .
[3] انظر «العبر» (5/ 372) و «النجوم الزاهرة» (8/ 36) .
[4] انظر «العبر» (5/ 372- 373) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (289) .
[5] انظر «البداية والنهاية» (13/ 331) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 504- 505) و «الأعلام» (5/ 63) .

(7/730)


كان فقيها، بارعا، زاهدا، ناسكا، عارفا بالمذهب. صنّف في الفقه والأصلين، وأفتى، ودرّس، ثم جاور بمكة سنة، ثم رجع إلى دمشق فدرّس بالخاتونية التي على الشّرف القبلي إلى أن توفي في آخر ذي الحجّة عن اثنتين وستين سنة، ودفن بالصّوفية [1] ، رحمه الله تعالى.
وفيها وكيل بيت المال، خطيب دمشق، زين الدّين أبو حفص عمر بن مكّي بن عبد الصّمد الشّافعي الأصولي المتكلم [2] . توفي في ربيع الأول.
وفيها العماد الصّائغ محمد بن عبد الرحمن بن ملهم القرشي الدمشقي [3] . روى عن ابن البنّ حضورا، وعن ابن الزّبيدي، وتوفي في شعبان عن بضع وسبعين سنة.
وفيها الصّاحب فتح الدّين محمد بن المولى محيي الدّين عبد الله بن عبد الظّاهر المصري الكاتب [4] الموقع. روى عن ابن الجمّيزي، وتوفي بدمشق في رمضان.
وفيها ابن أبي عصرون نور الدّين محمود بن القاضي نجم الدّين عبد الرحمن بن أبي سعد بن أبي عصرون التّميمي [5] . روى عن المؤيد الطّوسي بالإجازة، وتوفي في رمضان.
__________
[1] يعني بمقبرة الصوفية.
[2] انظر «العبر» (5/ 373) و «البداية والنهاية» (13/ 331) .
[3] انظر «العبر» (5/ 373) .
[4] انظر «العبر» (5/ 373) و «البداية والنهاية» (13/ 331) .
[5] انظر «العبر» (5/ 373) .

(7/731)


وفيها النّجم أبو بكر بن أبي العزّ [1] مشرف الكاتب الأديب، ويعرف بابن الحردان [2] .
كان لغويا، أخباريا، فصيحا، متقعّرا. له شعر جيد. توفي في صفر قاله في «العبر» .
__________
[1] في «آ» «العزيز» .
[2] انظر «العبر» (5/ 373) .

(7/732)


سنة اثنتين وتسعين وستمائة
فيها سلّم صاحب سيس قلعة بهنسا للسلطان صفوا عفوا، وضربت البشائر في رجب.
وفيها توفي تقي الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي الصالحي [1] الفقيه الحنبلي الزّاهد، شيخ الإسلام، بركة الشّام، قطب الوقت.
ولد سنة اثنتين وستمائة، وسمع بدمشق من ابن الحرستاني، وابن البنّا، والشيخ موفق الدّين، وابن أبي لقمة، وخلق. ورحل في طلب الحديث والعلم. فسمع ببغداد من الفتح بن عبد السّلام، وابن الجواليقي، وغيرهما. وبحلب من عبد الرحمن بن علوان. وبحرّان من أحمد بن سلامة. وبالموصل من أبي العزّ القسطلي.
وعني بالحديث، وقرأ بنفسه. وله إجازات من جماعات من الأصبهانيين والبغداديين. وتفقه في المذهب، وأفتى، ودرّس بالمدرسة الصّاحبة [2] بقاسيون نحوا من عشرين سنة، وبمدرسة الشيخ أبي عمر. وولي
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 375) و «الوافي بالوفيات» (6/ 66- 67) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 329- 331) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 357) و (2/ 82- 83) . ولفظة «الصالحي» لم ترد في «ط» .
[2] ويقال لها أيضا «المدرسة الصاحبية» انظر فهارس «الدارس في تاريخ المدارس» .

(7/733)


في آخر عمره مشيخة دار الحديث الظّاهرية. وكان من خير خلق الله تعالى علما، وعملا.
قال الذهبيّ: قرأت بخطّ العلّامة كمال الدّين ابن الزّملكاني في حقّه:
كان كبير القدر، له وقع في القلوب، وجلالة، ملازما للتعبّد ليلا ونهارا. قائما بما يعجز عنه غيره، مبالغا في إنكار المنكر، بايع نفسه فيه، لا يبالي على من أنكر. يعود المرضى، ويشيّع الجنائز، ويعظم الشّعائر والحرمات. وعنده علم جيد وفقه حسن. وكان داعية إلى عقيدة أهل السّنّة والسّلف الصّالح. مثابرا على السّعي في هداية من يرى فيه زيغا عنها.
وقال البرزالي: تفرّد بعلو الإسناد وكثرة الروايات والعبادة، ولم يخلّف [1] مثله.
توفي آخر نهار الجمعة في جمادى الآخرة، ودفن بتربة الشيخ موفق الدّين.
وفيها الفاضلي جمال الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن داود بن ظافر العسقلاني ثم الدمشقي المقرئ [2] صاحب السّخاوي. ولي مشيخة الإقراء بتربة أمّ الصّالح مدّة. وسمع من ابن الزّبيدي وجماعة، وكتب الكثير. وتوفي في مستهل جمادى الأولى.
وفيها الأرموي الشيخ الزّاهد إبراهيم ابن الشيخ القدوة عبد الله [3] .
روى عن الشيخ الموفّق وغيره، وتوفي في المحرّم، وحضر جنازته الملوك والأمراء والقضاة. وحمل على الرؤوس. وكان صالحا، خيّرا، متقنا، قانتا لله تعالى.
__________
[1] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «ولم يخلق مثله» .
[2] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 703- 704) .
[3] انظر «العبر» (5/ 375) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (289) .

(7/734)


وفيها أبو العبّاس أحمد بن علي بن يوسف الحنفي [1] المعدّل.
سبط عبد الحقّ بن خلف، ووالد قاضي الحصن. روى عن موسى بن عبد القادر والشيخ الموفق، وتوفي في صفر بنواحي البقاع.
وفيها ابن النّصيبي، الرئيس كمال الدّين أحمد بن محمد بن عبد القاهر الحلبي [2] . آخر من حدّث عن الافتخار الهاشمي، وثابت بن مشرف، وأبي محمد بن الأستاذ. توفي بحلب في المحرّم.
وفيها تقيّ الدّين أحمد بن أبي الطّاهر بن أبي الفضل المقدسي الصّالحي [3] شيخ صالح. روى عن الموفق، والقزويني، وتوفي في رجب.
وفيها صفية بنت الواسطي أخت الشيخ إبراهيم المذكور، أول هذه السنة، روت عن الموفّق، وابن راجح، وتوفيت في ذي الحجّة عن نيف وثمانين سنة.
وفيها محيي الدّين عبد الله بن عبد الظّاهر بن نشوان المصري الأديب [4] كاتب الإنشاء وأحد البلغاء المذكورين. توفي بمصر.
وفيها المكين الأسمر عبد الله بن منصور الإسكندراني [5] . شيخ القراء بالإسكندرية. أخذ القراءات عن أبي القاسم بن الصّفراوي، وأقرأ الناس مدّة.
وفيها التّقيّ عبيد بن محمد الإسعردي الحافظ [6] نزيل القاهرة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 374) .
[2] انظر «العبر» (5/ 374) و «النجوم الزاهرة» (8/ 40) .
[3] انظر «العبر» (5/ 374) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (289) .
[4] انظر «العبر» (5/ 376) .
[5] انظر «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/ 460) .
[6] انظر «العبر» (5/ 376) و «النجوم الزاهرة» (8/ 40) .

(7/735)


سمع الكثير من أصحاب السّلفي، وخرّج لغير واحد، وتوفي في هذا العام، وكان ثقة.
وفيها السّيف عليّ بن الرّضى عبد الرحمن بن عبد الجبّار المقدسي الحنبلي [1] ، نقيب الشيخ شمس الدّين. سمع من ابن البنّ، والقزويني، وحضر موسى، والموفّق، وتوفي في شوال.
وفيها ابن الأعمى، صاحب «المقامة» البحرية كمال الدّين علي بن محمد بن المبارك [2] الأديب الشاعر. روى عن ابن اللّتي وغيره، وتوفي في المحرم عن سنّ عالية.
ومن شعره في حمّام ضيّق ليس فيه ماء بارد:
إن حمّامنا الذي نحن فيه ... قد أناخ العذاب فيه وخيّم
مظلم الأرض والسّما والنّواحي ... كلّ عيب من عيبه يتعلّم
حرج بابه كطاقة سجن ... شهد الله من يجز [3] فيه يندم
وبه مالك غدا خازن النّا ... ر بلى مالك أرقّ وأرحم
كلّما قلت قد أطلت عذابي ... قال لي أخسأ فيه ولا تتكلّم
قلت لما رأيته يتلظّى ... ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم
وفيها ابن فرقين الأمير ناصر الدّين علي بن محمود بن فرقين [4] .
أجاز له الكندي، وسمع من القزويني وغيره، وتوفي في شعبان.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 376) و «النجوم الزاهرة» (8/ 40) .
[2] انظر «العبر» (5/ 376- 377) و «البداية والنهاية» (13/ 333) و «فوات الوفيات» (3/ 87- 92) .
[3] في «آ» و «ط» : «من يخر» وما أثبته من «فوات الوفيات» .
[4] انظر «العبر» (5/ 377) وفيه «قرقين» في الموضعين.

(7/736)


وفيها ابن الأستاذ عز الدّين أبو الفتح عمر بن محمد بن الشيخ أبي محمد عبد الرّحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الحلبي [1] ، مدرّس المدرسة الظّاهرية التي بظاهر دمشق. روى «سنن ابن ماجة» عن عبد اللّطيف، وتوفي في ربيع الأول.
وفيها أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ترجم [2] المصري. آخر من روى «جامع الترمذي» عن علي بن البنّاء.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 377) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 345) .
[2] انظر «العبر» (5/ 377) و «النجوم الزاهرة» (8/ 40) .

(7/737)


سنة ثلاث وتسعين وستمائة
فيها قتل الملك الأشرف صلاح الدّين خليل بن الملك المنصور سيف الدّين [1] ولي السلطنة بعد والده في ذي القعدة، سنة تسع وثمانين، وفتك به الأمير بيدرا [2] ، وذلك أنه جهّز العسكر مع وزيره إلى القاهرة، وتخلّى بنفسه ليخلو مع خاصيته بسبب الصّيد، وترك نائبه الأمير بيدرا [2] تحت الصّناجق، فلما كان وقت العصر وهو جالس بمفرده، قدم الأمير بيدرا [2] وصحبته جماعة من الأمراء، فقتلوا السلطان وحلفوا لبيدرا [3] وسلطنوه. ولقّب بالملك القاهر، وتوجهوا إلى مصر، فلقيهم الخاصكية ومقدّمهم الأمير زين الدّين كتبغا، فحملوا عليهم، فانهزم الأمير بيدرا [2] ، فأدركوه وقتلوه ومسكوا باقي الأمراء فقتلوهم، وأقاموا الملك النّاصر وحلفوا له، واستقرّ الشّجاعي وزيرا.
ومسك ابن السّلعوس [4] واستأصلوا أمواله، ومسكوا أقاربه وذويه، وكان قد أحضرهم من الشّام، فحلّت عليهم النّقمة، إلّا رجل واحد لم يحضر من الشام، وكتب إليه شعرا:
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 377- 378) و «البداية والنهاية» (13/ 334- 335) .
[2] في «آ» و «ط» : «بندار» والتصحيح من «العبر» و «البداية والنهاية» .
[3] في «آ» : «لبندرا» وفي «ط» : «البندرا» والتصحيح من «العبر» و «البداية والنهاية» .
[4] سترد ترجمته بعد قليل. انظر ص (741) .

(7/738)


تنبّه يا وزير الأرض واعلم ... بأنّك قد وطئت على الأفاعي
وكن بالله معتصما فإنّي ... أخاف عليك من نهش الشّجاعي
فكان كما قال. فإنه مات من نهشة الشّجاعي، عاقبه إلى أن مات، ولم يجد لنهشه درياقا، ثم إن الشّجاعيّ عزم على قتل كتبغا، فركب عليه وحصره في القلعة. فقتله بعض مماليك السلطان، ورموا به إلى كتبغا، فسكنت الفتنة، وفرح الناس بموته وطافوا به في البلد، وتزايدت أفراح النّاس لما كان تعمّد من المظالم.
وفيها شمس الدّين أبو العبّاس أحمد بن الخليل بن سعادة المعروف بابن الخويي [1] نسبة إلى خوي- بضم الخاء المعجمة، وفتح الواو، بعدها ياء تحتية، وهي مدينة من أذربيجان، أعني إقليم تبريز-.
دخل خراسان. وقرأ الأصول على القطب المصري تلميذ الفخر الرّازي. وقرأ علم الجدل على علاء الدّين الطّوسي. وسمع بخراسان والشّام. وكان شافعيا، عالما، نظّارا، خبيرا بعلم الكلام والحكمة والطّبّ، كثير الصّلاة والصّيام. صنّف في الأصول، والنّحو، والعروض. وتولى قضاء الشّام، ومات بها سنة سبع وثلاثين وستمائة، ودفن بقاسيون [2] .
وأما ولده شهاب الدّين أحمد [3] قاضي البلاد الشّامية وابن قاضيها، فولد سنة ست وعشرين وستمائة ومات ولده وهو ابن إحدى عشرة سنة، فأقام
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 379) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (290) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 500- 501) .
[2] قوله: «ودفن بقاسيون» لم يرد في «ط» .
[3] في «ط» و «المنتخب» لابن شقدة: «أحمد» وما جاء في «آ» موافق لما جاء في «العبر» (5/ 379) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 501) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 247) .

(7/739)


بالعادلية، ولزم الاشتغال حتّى برع، وسمع الحديث، وحدّث، وصنّف كتبا، منها: «شرح الفصول» لابن معطي، ودرّس بالمدرسة الدّماغية، ثم ولي قضاء القدس، ثم انتقل إلى القاهرة في وقعة هولاكو [1] ، فتولى بها قضاء القاهرة والوجه البحري، ثم ولي قضاء الشام بعد القاضي شهاب الدّين بن الزّكي، فاجتمع الفضلاء إليه.
وكان عالما بعلوم كثيرة، وصنّف كتابا ضمّنه عشرين علما. وكان له اعتقاد سليم على طريقة السّلف، حسن الأخلاق والهيئة، كبير الوجه، أسمر، فصيح العبارة، مستدير اللّحية، قليل الشّيب، حسن الأخلاق.
توفي ببستان من بساتين دمشق يوم الخميس، الخامس والعشرين من شهر رمضان، سنة ثلاث وتسعين وستمائة. قاله الإسنوي.
وفيها ابن [2] مزير، المحدّث المفيد، تقيّ الدّين إدريس بن محمد التّنوخي الحموي [3] . روى عن ابن رواحة، وصفية بنت الحبقبق، وطبقتهما.
وعني بالحديث، وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها إسحاق بن إبراهيم بن سلطان البعلبكي الكتّاني المقرئ [4] .
روى عن البهاء عبد الرحمن، وتوفي بدمشق في ذي القعدة.
وفيها بكتوت العلائي الأمير الكبير بدر الدّين المنصوري [5] . توفي بمصر في جمادى الآخرة.
وفيها الملك الحافظ غياث الدّين محمد بن شاهنشاه بن صاحب
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[2] تحرفت في «ط» إلى: «ابن مزيد» .
[3] انظر «العبر» (5/ 378) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (290) و «تذكرة النبيه» (1/ 170) .
[4] انظر «العبر» (5/ 378) .
[5] انظر «العبر» (5/ 378) .

(7/740)


بعلبك الأمجد بهرام شاه بن فرّوخ شاه [1] . روى «صحيح البخاري» عن ابن الزّبيدي، ونسخ الكثير بخطّه، وتوفي في شعبان.
وفيها الدّمياطي شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز بن أبي عبد الله المقرئ [2] . أخذ القراءات عن السّخاوي، وتصدّر، واحتيج إلى علوّ روايته. وقرأ عليه جماعة، وتوفي في صفر، وله نيّف وسبعون سنة.
وفيها ابن السّلعوس الوزير الكامل مدبّر الممالك شمس الدّين محمد بن عثمان التّنوخي الدمشقي [3] . التّاجر الكاتب. ولي حسبة دمشق فأحسن السّيرة، واستصغرها النّاس عليه، فلم ينشب أن ولي الوزارة، ودخل دمشق في دست عظيم لم يعهد مثله. وكان قبل ذلك يكثر الصّيام والذّكر، فلما تولّى الوزارة تكبّر على النّاس، لا سيما الأمراء، وآذى الذي أوصله إلى السلطان. ومات في تاسع صفر بعد أن أنتن جسده من شدّة الضّرب، وقلع منه اللّحم الميت، نسأل الله العافية.
وفيها ابن التّنبّي [4] فخر الدّين محمد بن محمد بن عقيل الدمشقي الكاتب، صاحب الخطّ المنسوب. روى عن الشيخ الموفق وغيره، وتوفي في جمادى الأولى.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 379) .
[2] انظر «العبر» (5/ 379) .
[3] انظر «العبر» (5/ 380) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (290) و «تذكرة النبيه» (1/ 173) .
و «النجوم الزاهرة» (8/ 53- 54) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (99/ آ) إلى «ابن التّيني» والتصحيح من «العبر» (5/ 380) و «تبصير المنتبه» (1/ 211) .

(7/741)


سنة أربع وتسعين وستمائة
فيها توفي خطيب الخطباء، شرف الدّين أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد المقدسي الشافعي [1] خطيب دمشق، ومفتيها، وشيخ الشافعية بها.
ولد سنة اثنتين وعشرين وستمائة. وأجاز له أبو علي بن الجواليقي وطائفة، وسمع من السّخاوي، وابن الصّلاح، وتفقه على ابن عبد السّلام وغيره، وبرع في الفقه والأصول والعربية [وناب في الحكم مدّة، ودرّس بالشّاميّة والغزالية. وكتب الخطّ المنسوب الفائق. وألّف كتابا في الأصول] [2] .
وكان كيّسا [3] ، متواضعا، متنسّكا، ثاقب الذّهن، مفرط الذّكاء، طويل النّفس في المناظرة، أديبا، من محاسن الزّمان.
ومن شعره:
احجج إلى الزّهر واسع به ... وارم جمار الهمّ مستنفرا
من لم يطف بالزّهر في وقته ... من قبل أن يحلق قد قصّرا
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 380- 381) و «البداية والنهاية» (13/ 341) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 204- 205) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 318- 319) .
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «ط» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «كتيسا» .

(7/742)


وله لغز في ناعورة:
وما أنثى وليست ذات فحل ... وتحمل دائما من غير بعل
وتلقي كلّ آونة جنينا ... فيجري في الفلاة بغير رجل
وتبكي حين تلقيه عليه ... بصوت حزينة ثكلت بطفل
توفي- رحمه الله تعالى- في رمضان.
وفيها الفاروثي- بالفاء والراء والمثلثة، نسبة إلى فاروث قرية على دجلة- الإمام عزّ الدّين أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم بن عمر الواسطي الشافعي المقرئ الصّوفي [1] . شيخ العراق.
ولد بواسط في ذي القعدة، سنة أربع عشرة وستمائة. وقرأ القراءات على أصحاب ابن الباقلّاني. وسمع من عمر بن كرم وطبقته، وكان إماما، عالما، متفنّنا، متضلعا من العلوم والآداب، رحّالا، حريصا على العلم ونشره، حسن التّربية للمريدين. لبس الخرقة من السّهروردي، وجاور مدّة.
قال الذهبي: ثم قدم علينا في سنة إحدى وتسعين، فأقرأ القراءات، وروى الكثير، وولي الخطابة بعد ابن المرحّل. [ثمّ] عزل بعد سنة، فسافر مع الحجّاج، ودخل العراق، ومات بواسط في أول ذي الحجّة، وقد نيّف على الثمانين.
وفيها محبّ الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد، شيخ الحرم، الطّبري المكّي [2] .
ولد بمكّة في جمادى الآخرة، سنة خمس عشرة وستمائة. وسمع من
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 381- 382) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (290) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 691- 693) .
[2] انظر «العبر» (5/ 382) و «العقد الثمين» (3/ 61- 72) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 179) و «النجوم الزاهرة» (8/ 74) .

(7/743)


جماعة، وأفتى، ودرّس [1] ، وتفقّه، وصنّف كتابا كبيرا إلى الغاية في الأحكام في ست مجلدات، وتعب عليه مدّة. ورحل إلى اليمن وأسمعه للسلطان صاحب اليمن، وروى عنه الدّمياطي، وابن العطّار، وابن الخبّاز، والبرزالي، وجماعة.
قال الذهبي: الفقيه الزّاهد المحدّث. كان شيخ الشّافعية، ومحدّث الحجاز.
وقال غيره: له تصانيف كثيرة في غاية الحسن، منها في التفسير كتبا.
وشرح «التنبيه» وله كتاب «الرّياض النّضرة في فضائل العشرة» وكتاب «ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى» [2] وكتاب «السّمط الثّمين في مناقب أمهات المؤمنين» وكتاب «القرى في ساكن أمّ القرى» وغير ذلك.
توفي في جمادى الآخرة على الصحيح.
وحكى البرزالي: أن ولده توفي بعده في ذي القعدة. واسم ولده محمد ولقبه جمال الدّين [3] . وكان قاضيا بمكّة المشرّفة.
وفيها الجمال المحقّق أبو العبّاس [4] أحمد بن عبد الله الدمشقي [5] . كان فقيها، ذكيا، مناظرا، بصيرا بالطبّ، درّس وأعاد. وكان فيه لعب ومزاح.
توفي في رمضان عن نحو ستين سنة. روى عن ابن طلحة.
وفيها التّاج إسماعيل بن إبراهيم بن قريش المخزومي المصري
__________
[1] لفظ «درس» لم ترد في «آ» .
[2] وهو من خيرة الكتب في بابه، والنيّة متجهة إلى تحقيقه وتخريج أحاديثه إن شاء الله تعالى.
[3] انظر «العقد الثمين» (1/ 294- 296) .
[4] «أبو العبّاس» سقطت من «آ» وكذلك «الدمشقي» .
[5] انظر «العبر» (5/ 382) و «البداية والنهاية» (13/ 342) .

(7/744)


المحدّث [1] . كان عالما جليلا. سمع من جعفر الهمداني، وابن المقيّر وهذه الطبقة، ومات فجأة في رجب.
وفيها أبو القاسم عبد الصّمد بن الخطيب عماد الدّين عبد الكريم بن القاضي جمال الدّين بن الحرستاني الشافعي.
كان صالحا، زاهدا، صاحب كشف وفيه تواضع ووله يسير. روى عن زين الأمناء، وابن الزّبيدي، وتوفي في ربيع الآخر وله خمس وسبعون سنة.
وفيها ابن سحنون خطيب النّيرب، مجد الدّين، شيخ الأطباء. أبو محمد عبد الوهاب بن أحمد بن سحنون الحنفي [2] . روى عن خطيب مردا يسيرا، وله شعر وفضائل، وتوفي في ذي القعدة. قاله في «العبر» .
وفيها اللّمتونيّ أبو الحسن علي بن عثمان بن يحيى الصّنهاجي الشوّاء ثم أمين السّجن [3] . سمع ابن غسّان، الزّبيدي، وطائفة. وتوفي في ذي القعدة، وقد نيّف على السبعين.
وفيها ابن البزوري [4] أبو بكر محفوظ بن معتوق البغدادي [5] التّاجر. روى عن ابن القبّيطيّ [6] ، ووقف كتبه على تربته بسفح قاسيون.
وكان نبيلا، سريّا. جمع «تاريخا» ذيّل به على «المنتظم» . وتوفي في صفر عن ثلاث وستين سنة، وهو أبو الواعظ نجم الدّين.
وفيها ابن الحامض أبو الخطّاب محفوظ بن عمر بن أبي بكر بن
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 382) و «طبقات الشافعية» (2/ 71- 73) .
[2] انظر «العبر» (5/ 383) و «البداية والنهاية) (13/ 341- 342) .
[3] انظر «العبر» (5/ 383) .
[4] تحرفت «البزوري» في «العبر» طبع بيروت إلى الزوري فلتصحح.
[5] انظر «العبر» (5/ 383- 384) .
[6] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «القسطي» والتصحيح من «العبر» .

(7/745)


خليفة البغدادي التّاجر [1] . روى عن ابن عبد السّلام الدّاهري وجماعة، وتوفي بمصر يوم الأضحى.
وفيها ابن العديم الصّاحب جمال الدّين أبو غانم محمد بن الصّاحب كمال الدّين عمر بن أحمد العقيلي الحلبي الفرضي [2] الكاتب.
سمع من ابن رواحة وطائفة، وببغداد ودمشق، وانتهت إليه رئاسة الخطّ المنسوب، وتوفي بحماة في أول أيام التشريق، وله ستون سنة.
وفيها قاضي نابلس جمال الدّين محمد بن القاضي نجم الدّين محمد بن القاضي شمس الدّين سالم بن صاعد القرشي المقدسي الشّافعي [3] . روى عن أبي علي الأوقي [4] وتوفي في ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة.
وفيها صاحب اليمن الملك المظفّر يوسف ابن الملك المنصور عمر بن رسول [5] . بقي في السّلطنة نيفا وأربعين سنة، وكان مستظهرا في الولاية، له مشاركة في العلوم، يحب العلماء، ويعتقد الصّالحين، محبّبا إلى الرعايا. صحبه في حجّته ستمائة فارس. ومن ظرفه أنه كتب إليه رجل: إنما المؤمنون إخوة وأخوك بالباب يطلب نصيبه من بيت المال. فأرسل إليه بدرهم وقال في جوابه: إخواني المؤمنون كثير في الدنيا، لو قسمت بيت المال بينهم ما حصل لكل واحد منهم درهم.
وكتب إليه إنسان أنا كاتب أحسن الخطّ الظّريف والكشط اللّطيف.
فقال: حسن كشطك يدلّ على كثرة غلطك.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 384) .
[2] انظر «العبر» (5/ 384) .
[3] انظر «العبر» (5/ 384) .
[4] في «آ» : «الأوني» .
[5] انظر «العبر» (5/ 384- 385) و «البداية والنهاية» (13/ 341) .

(7/746)


واشتكى إليه ناظره على عدن أن عبد الله بن أبي بكر الخطيب أراق خمورهم فأجابه، هذا لا يفعله إلّا صالح أو مجنون، وكلاهما ما لنا معه كلام.
توفي سامحه الله تعالى في رجب.
وفيها الجوهري الصّدر نجم الدّين أبو بكر بن محمد بن عبّاس التّميمي الحنفي [1] صاحب المدرسة الجوهرية الحنفية بدمشق.
توفي في شوال ودفن بمدرسته عن سنّ عالية.
وفيها أبو بكر بن إلياس بن محمد بن سعيد الرّسعني الحنبلي [2] .
روى عن الفخر بن تيميّة، والقزويني، وتوفي بالقاهرة، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو الرّجال بن مرّي المنيني [3] الرّجل الصّالح القدوة، بركة الوقت. كان صاحب حال وكشف، وله عظمة في النّفوس. وكان له عشرة أولاد ذكور، فكنّي بأبي الرّجال. وكان تلميذ الشيخ جندل العجمي، رحمهما الله، توفي يوم عاشوراء بمنين عن نيّف وثمانين سنة، ودفن هناك.
وفيها أبو الفهم بن أحمد بن أبي الفهم السّلمي الدمشقي [4] . رجل مستور. روى عن الشيخ الموفّق وغيره، وتوفي في أحمد الرّبيعين، وله ثلاث وثمانون سنة. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 385) و «البداية والنهاية» (13/ 341) وفيه: «محمد بن عيّاش» .
[2] انظر «العبر» (5/ 385) .
[3] انظر «العبر» (5/ 385) والمنيني: نسبة إلى بلدة منين قرب دمشق، وقد سقطت هذه الترجمة بتمامها من «العبر» المطبوع في بيروت.
[4] انظر «العبر» (5/ 385) و «النجوم الزاهرة» (8/ 77) .

(7/747)


سنة خمس وتسعين وستمائة
استهلت وأهل الدّيار المصرية في قحط شديد ووباء مفرط، حتّى أكلوا الجيف، وأخرج في اليوم الواحد ألف وخمسمائة جنازة، وكانوا يحفرون الحفائر الكبار ويدفنون فيها الجماعة الكثيرة [1] .
وفيها، كما قال الذهبي، قدم علينا شيخ الشيوخ صدر الدّين إبراهيم بن الشيخ سعد الدّين بن حمّوية الجويني [2] طالب حديث. فسمع الكثير، وروى لنا عن أصحاب المؤيد الطّوسي، وأخبر أن ملك التتار غازان بن أرغون [3] أسلم على يده بواسطة نائبه نوروز، وكان يوما مشهودا.
وفيها توفي نجم الدّين أبو عبد الله أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان [4] بن شبيب بن حمدان [بن شبيب بن حمدان] بن محمود [5] بن غياث بن سابق ابن وثّاب النّميري الحرّاني الحنبلي [الفقيه] الأصولي القاضي [6] نزيل القاهرة وصاحب التصانيف.
__________
[1] انظر الخبر برواية أخرى عند ابن حبيب في «تذكرة النبيه» (1/ 184) .
[2] هو إبراهيم بن محمد بن سعد الدّين بن حمّويه الجويني، شيخ خراسان. مات سنة (722) انظر ترجمته ومصادرها في «الوافي بالوفيات» (6/ 141- 142) .
[3] انظر «النجوم الزاهرة» (8/ 212) .
[4] في «آ» و «ط» : «ابن حمد» والتصحيح مصادر الترجمة.
[5] جملة «ابن شبيب» سقطت من «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 331- 332) و «تذكرة النبيه» (1/ 186) و «المنهل الصّافي» (1/ 291- 291) .
[6] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (16) و «

(7/748)


ولد سنة ثلاث وستمائة بحرّان، وسمع الكثير بها من الحافظ عبد القادر الرّهاوي، وهو آخر من روى عنه. ومن الخطيب أبي عبد الله بن تيميّة وغيره. وسمع بحلب من الحافظ ابن خليل وغيره، وبدمشق من ابن عساكر، وابن صباح. وبالقدس من الأوقي [1] وغيره. وقرأ بنفسه وقرأ [2] على الشيوخ.
وجالس ابن عمّه الشيخ مجد الدّين بن تيميّة وبحث معه كثيرا. وبرع في الفقه. وانتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه وغوامضه. وكان عارفا بالأصلين والخلاف والأدب. وصنّف تصانيف كثيرة، منها: «الرعاية الصّغرى» و «الرعاية الكبرى» في الفقه. وكتاب «الوافي» و «مقدمة في أصول الدّين» وكتاب «صفة المفتي والمستفتي» وغير ذلك. وولي نيابة القضاء بالقاهرة.
وتفقّه به وتخرّج عليه جماعة كثيرة، وحدّث بالكثير، وعمّر وأسنّ وأضرّ.
وروى عنه الدّمياطي، والحارثي، والمزّي، والبرزالي، وغيرهم.
وتوفي بالقاهرة يوم الخميس سادس صفر عن اثنتين وتسعين سنة.
وتوفي أخوه تقي الدّين شبيب [3] الأديب البارع الشّاعر المفلق الطّبيب الكحّال. في ربيع الآخر من هذه السنة أيضا، وهو في عشر الثمانين. سمع ابن روزبه وطائفة، وقد عارض «بانت سعاد» بقصيدة عظيمة منها:
مجد كبا الوهم عن إدراك غايته ... وردّ عقل البرايا وهو معقول
__________
[1] هو الشيخ الصالح الزاهد أبو علي الحسن بن أحمد بن يوسف الأوقي ويقال في نسبته «الأوهي» أيضا. انظر ترجمته وتعليقي عليها في ص (238) من هذا المجلد.
[2] سقطت من «ط» .
[3] هو شبيب بن حمدان بن شبيب ... بن وثّاب النّميري الحرّاني. انظر «الوافي بالوفيات» (16/ 107- 111) و «فوات الوفيات» (2/ 98- 100) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 332) و «حسن المحاضرة» (1/ 543) و «الأعلام» للزركلي (3/ 156) وقد دوّن وفاته سنة (675) وهو خطأ فليصحح.

(7/749)


طوبى لطيبة بل طوبى لكل فتى ... له بطيب ثراها الجعد تقبيل
وله أيضا:
وافى يعلّلني واللّيل قد ذهبا ... فخلت من راحة في راحة ذهبا
ظبي إذا قهقه الإبريق وابتسمت ... له المدام بكى الرّاووق وانتحبا
مقرطق لم يقم بالكأس عرس هنا ... إلّا وراح بنور الرّاح مختضبا
بجلو على ابن غمام بكر معصرة ... فقم لتشهد أن العود قد خطبا
ما هزّ من قدّه العسّال في رهج ... إلّا غدا قلب جيش الهمّ مضطربا
وفيها الشيخ أبو العبّاس الدّاري أحمد بن عبد الباري الصّعيدي ثم الإسكندراني [1] المؤدب الرّجل الصّالح. قرأ القراءات على أبي القاسم بن عيسى وأكثر عنه، وعن الصّفراوي.
وتوفي في أوائل السنة، عن ثلاث وثمانين سنة [وألّف] [2] .
وفيها أبو الفضائل المنقذي أحمد بن عبد الرّحمن بن محمد الحسيني الدمشقي [3] خادم مصحف مشهد علي بن الحسين. روى عن ابن غسّان، وابن صبّاح وجماعة، وله حضور على ذرع بن فارس، وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها الشّريف عزّ الدّين الحسيني نقيب الأشراف أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحلبي ثم المصري [4] . الحافظ المؤرّخ.
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (17) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 693) و «المنهل الصّافي» (1/ 329) .
[2] لفظة «وألّف» لم ترد في «آ» و «العبر» مصدر المؤلف وانفردت بها «ط» وحدها ولم أقف على إشارة إلى أنه خلّف مصنفات في المصادر التي بين يدي.
[3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (17- 18) .
[4] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (18) و «حسن المحاضرة» (1/ 357) .

(7/750)


روى عن فخر القضاة أحمد بن الحباب. وأكثر عن أصحاب البوصيري، وعني بالحديث وبالغ. وتوفي في سادس المحرم.
وفيها قاضي الحنابلة الإمام شرف الدّين حسن بن الشّرف عبد الله بن الشيخ أبي عمر بن قدامة المقدسي [1] .
ولد في شوال، سنة ثمان وثلاثين وستمائة. وسمع من المرسي، وابن مسلمة وغيرهم. وقرأ بنفسه على الكفرطابي. وتفقه وبرع في المذهب الحنبلي. وولي القضاء بعد نجم الدّين أحمد بن الشيخ وإلى أن مات.
قال البرزالي: كان قاضيا بالشام، على مذهب الإمام أحمد، ومدرسا بدار الحديث الأشرفية بسفح قاسيون، وبمدرسة جدّه. وكان مليح الشكل، حسن المحاضرة، كثير المحفوظ.
وقال الذهبي: كان من أئمة المذهب.
توفي ليلة الخميس ثاني عشري شوال، ودفن بمقبرة جدّه بسفح قاسيون، وهو والد الشيخ شرف الدّين أبي العبّاس أحمد، المعروف بابن قاضي الجبل.
وفيها بنت الواسطي الزّاهدة العابدة أم محمد زينب بنت علي بن أحمد بن فضل الصّالحية [2] . قال الذهبي: روت لنا عن الشيخ الموفق، وتوفيت في المحرّم وقد قاربت التسعين.
وفيها ابن قوام العدل الصّالح كمال الدّين أبو محمد عبد الله بن محمد بن نصر بن قوام بن وهب الرّصافي ثم الدمشقي [3] . قال الذهبي:
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (19) و «تذكرة النبيه» (1/ 189) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 334) .
[2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (19) و «مرآة الجنان» (4/ 228) .
[3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (20) .

(7/751)


حدثنا عن القزويني، وابن الزّبيدي، ومات فجأة في ذي القعدة، وله ثمانون سنة.
وفيها ابن رزين الإمام صدر الدّين عبد البرّ بن قاضي القضاة تقي الدّين محمد [1] .
قال الذهبي: كان إماما، شافعيا، فاضلا. درّس بالقيمرية بدمشق، ومات بها في رجب.
وفيها ابن بنت الأعزّ قاضي الدّيار المصرية، تقيّ الدّين عبد الرحمن بن قاضي القضاة تاج الدّين العلامي [2] الشافعي [3] .
قال الذهبي: توفي في جمادى الأولى كهلا، وولي بعده ابن دقيق العيد شيخنا.
وفيها ابن الفاضل الشيخ سعد الدّين عبد الرحمن بن علي بن القاضي الأشرف أحمد بن القاضي الفاضل [4] . سمع من عبد الصّمد الغضاري، وجعفر الهمداني فأكثر، وتوفي في رجب وقد قارب السبعين.
وفيها ابن الدّميري- نسبة إلى دميرة قرية بمصر- محيي الدّين عبد الرحيم بن عبد المنعم المصري [5] أخذ من الحافظ علي ابن المفضّل، وأبي طالب بن حديد [6] ، وأكثر عن الفخر الفارسي، وكان إماما فاضلا دينا.
__________
[1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (20- 21) و «الوافي بالوفيات» (18/ 31) و «مرآة الجنان» (4/ 228) .
[2] في «آ» و «ط» : «العلائي» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (21) و «الوافي بالوفيات» (18- 179- 182) و «البداية والنهاية» (13/ 346) .
[4] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (21) و «الوافي بالوفيات» (18/ 198) .
[5] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 385) .
[6] في «ط» : «ابن جويدة» .

(7/752)


توفي في المحرّم وله تسعون سنة.
وفيها العلّامة سحنون أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عمران الأوسي الدّكّالي- بفتح الدال المهملة وتشديد الكاف نسبة إلى دكالة بلد بالمغرب- المالكي المقرئ النّحوي [1] . قرأ القراءات على الصّفراوي.
وسمع منه ومن علي بن مختار [العامري] . وكان إماما، علّامة، ورعا فاضلا.
توفي في رابع شوال.
وفيها الجلال عبد المنعم بن أبي بكر بن أحمد الأنصاري المصري الشافعي [2] قاضي القدس، كان شيخا عالما ديّنا وقورا.
قال الذهبي: حدثنا عن ابن المقيّر. وتوفي بالقدس في ربيع الآخر.
وفيها سراج الدّين عمر بن محمد الورّاق المصري [3] . أديب الدّيار المصرية.
كان مكثرا، حسن التّصرّف.
فمن شعره قوله:
سألتهم وقد حثّوا المطايا ... قفوا نفسا فساروا حيث شاءوا
وما عطفوا عليّ وهم غصون ... ولا التفتوا إليّ وهم ظباء
وفيها الشّرف البوصيري صاحب البردة محمد بن سعيد [4] بن حمّاد الدلّاصي المولد، المغربي الأصل، البوصيري المنشأ.
__________
[1] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 694) و «الوافي بالوفيات» (18/ 157) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[2] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 385) .
[3] انظر «فوات الوفيات» (3/ 140- 146) و «النجوم الزاهرة» (8/ 83- 84) و «الأعلام» (5/ 63) .
[4] انظر «الوافي بالوفيات» (3/ 105- 113) و «حسن المحاضرة» (1/ 570) .

(7/753)


ولد بناحية دلاص في يوم الثلاثاء أول شوال سنة ثمان وستمائة. وبرع في النّظم.
قال فيه الحافظ ابن سيّد النّاس: هو أحسن من الجزّار والورّاق. قاله السيوطي في «حسن المحاضرة» .
[وأقول: والأمر كما قال ابن سيّد النّاس ومن سبر شعره علم مزيّته.
وما أحسن قوله في افتتاح «ديوانه» :
كتب المشيب بأبيض في أسود ... بقضاء ما بيني وبين الخرّد
والله أعلم] [1] .
وفيها إمام مسجد البياطرة الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن سلطان التّميميّ الحنفيّ الشّاهد.
قال الذهبي: حدثنا عن ابن صباح، وتوفي في ربيع الأول، وله ثلاث وثمانون سنة.
وفيها ابن [أبي] عصرون تاج الدّين محمد بن عبد السلام بن المطهّر بن عبد الله بن أبي سعد بن أبي عصرون التّميمي الشّافعي [2] ، مدرس الشّامية الصّغرى.
ولد بحلب في أول سنة عشر وستمائة. وأجاز له المؤيد الطّوسي وطبقته. وسمع من أبيه وابن روزبه وجماعة. وروى الكثير. وكان خيّرا، متواضعا، حسن الإيراد للدرس. توفي في ربيع الأول.
__________
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[2] انظر «الوافي بالوفيات» (3/ 256- 257) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 303- 304) .

(7/754)


وفيها الشيخ شرف الدّين الأرزوني الزّاهد محمد بن عبد الملك بن عمر اليونيني [1] .
كان صالحا عابدا مقصودا بالزيارة والتبرّك. توفي في بيت لهيا [2] .
وفيها ابن النحّاس الصّاحب العلّامة محيي الدّين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن إبراهيم الأسدي الحلبي الحنفي [3] .
روى عن الكاشغري، وابن الخازن. وكان من أساطين المذهب، وتولى الوزارة بالشّام في الدولة المنصورية، ولم يزل معظّما في جميع الدول، مشهورا بالأمانة، وتوفي بالمزّة في آخر السنة، وله إحدى وثمانون سنة وشهران.
وفيها الموفق أبو عبد الله محمد بن [أبي] العلاء بن علي بن مبارك الأنصاري النّصيبي الشّافعي المقرئ [4] . شيخ القرّاء والصّوفية ببعلبك. وقرأ القراءات على ابن الحاجب، والسّديد عيسى، وأقرأها مدّة. وله نظم رائق مات [5] في ذي الحجّة وقد قارب الثمانين.
قال الذهبي: عرضت عليه ختمة للسبعة [6] .
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (4/ 45) .
[2] في «ط» : «ببيت لهيا» .
[3] انظر «الجواهر المضية» (2/ 144- 145) طبعة حيدرآباد.
[4] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 710- 711) و «غاية النهاية» (2/ 244- 245) و «لحظ الألحاظ» لابن فهد الملحق ب «ذيل تذكرة الحفاظ» ص (92) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما.
[5] في «ط» : «توفي» .
[6] وقال في «معرفة القراء الكبار» : «قرأت عليه للسبعة في نحو من خمسين يوما في سنة ثلاث وتسعين- يعني وستمائة- ورحل إليه قبلي علم الدين طلحة مقرئ حلب، فجمع عليه.
وأخذ عنه القراءات جماعة من أهل بعلبك وتخرّجوا به» .

(7/755)


وفيها شرف الدّين التّاذفي- بالمثناة الفوقية والمعجمة والفاء، نسبة إلى تاذف [1] قرية قرب حلب- محمود بن محمد بن أحمد المقرئ [2] . كان عبدا صالحا قانتا لله تعالى، خائفا منه، تاليا لكتابه. روى عن ابن رواحة، وابن خليل، ومات بسفح قاسيون في رجب، وقد نيّف على السبعين.
وفيها ابن المنجّى العلّامة زين الدّين أبو البركات المنجّى بن عثمان بن أسعد بن المنجّى التّنوخي الدمشقي الحنبلي [3] . أحد من انتهت إليه رئاسة المذهب أصولا وفروعا، مع التبحّر في العربية، والنظر، والبحث، وكثرة الصّيام والصّلاة والوقار والجلالة.
ولد في عاشر ذي القعدة، سنة إحدى وثلاثين وستمائة. وسمع من السّخاوي، وابن مسلمة، والقرطبي وجماعة. وتفقه على أصحاب جدّه وأصحاب الشيخ موفق الدّين. وقرأ الأصول على التّفليسي. والنّحو على ابن مالك. وبرع في ذلك كلّه. ودرّس وأفتى، وناظر وصنّف.
ومن تصانيفه: «شرح المقنع» في أربع مجلدات. و «تفسير» كبير للقرآن العظيم. وغير ذلك.
وسمع منه ابن العطّار، والمزّي، والبرزالي، وغيرهم. وتوفي يوم الخميس رابع شعبان.
وتوفيت زوجته أمّ محمد ستّ البهاء بنت الصّدر الخجندي [4] ليلة الجمعة خامس الشهر وصلي عليهما معا عقب صلاة الجمعة بجامع دمشق، ودفنا بتربة بيت المنجّى بسفح قاسيون.
__________
[1] انظر «معجم البلدان» (2/ 6) .
[2] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 719- 720) و «غاية النهاية» (2/ 102) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 332- 333) .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 333) .

(7/756)


وفيها الوجيه النّفّري- بكسر النون وفتح الفاء المشددة وراء، نسبة إلى النّفّر بلد على النّرس [1]- موسى بن محمد. المحدّث [2] أحد من عني بمصر بالحديث [3] . وقدم دمشق سنة نيف وسبعين، فأكثر عن أصحاب ابن طبرزد، وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها أبو الفتوح نصر الله بن محمد بن عباس بن حامد الصالحي السّكاكيني [4] . صالح خيّر فاضل، حسن المجالسة.
قال الذهبي: حدثنا عن أبي القاسم بن صصرى وعلي بن زيد التّسارسي [5] ، وطائفة. وتوفي في سلخ شوال وله تسع وسبعون سنة.
وفيها رضي الدّين القسنطيني- بضم القاف وفتح السين المهملة وسكون النون، نسبة إلى قسنطينية، قلعة بحدود إفريقية- العلّامة أبو بكر بن عمر بن علي ابن سالم الشّافعي النّحوي [6] . أخذ العربية عن ابن معطي، وابن الحاجب. وسمع من أبي علي الأوقي، وابن المقيّر. وتصدّر للإشغال مدّة. وأضرّ بأخرة. وتوفي في رابع عشر ذي الحجّة وله ثمان وثمانون سنة.
وفيها الكفرابي أبو الغنئام ابن محاسن بن أحمد بن مكارم الحرّاني [7] المعمار. روى عن قاضي حرّان أبي بكر، والقزويني، وابن روزبه. وتوفي في ذي الحجّة وله إحدى وثمانون سنة.
__________
[1] انظر «معجم البلدان» (5/ 295) .
[2] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 385) .
[3] في «آ» : «في الحديث» .
[4] انظر «معجم الشيوخ» للذهبي (2/ 352- 353) .
[5] تحرفت في «معجم الشيوخ» إلى «النّشارسي» فلتصحح وانظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 92) .
[6] انظر «معجم الشيوخ» للذهبي (2/ 411- 412) .
[7] لفظة «الحرّاني» سقطت من «ط» وهو مترجم في «معجم الشيوخ» (2/ 425) .

(7/757)