شذرات الذهب في أخبار من ذهب
[المجلد
الثامن]
سنة إحدى وسبعمائة
فيها قتل بمصر [1] على الزّندقة الذّكي المتفنّن [2] فتح الدّين أحمد
بن [محمد] البقصي [3] . ضربت رقبته بين القصرين، وجعل يتشاهد ولم يقبل
المالكي توبته. وكان قد قامت عليه بيّنة بالتنقيص للقرآن المجيد
والرّسول- صلى الله عليه وسلم- وتحليل المحرّمات والاستهانة بالعقائد.
وكان ذكيا.
ومن شعره:
لحا [4] الله الحشيش وآكليها ... لقد خبثت كما طاب السّلاف
كما تصبي [5] كذا تضني وتشقي ... لآكلها [6] وغايتها انحراف
__________
[1] لفظة «بمصر» سقطت من «ط» .
[2] في «ط» : «المتقن» .
[3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (205/ آ) : «الثقفي» وما أثبته
من «ذيول العبر» ص (15) بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد رشاد عبد المطلب
رحمه الله تعالى، طبع وزارة الإعلام في الكويت، و «فوات الوفيات» (1/
152) و «الوافي بالوفيات» (8/ 158) و «الدّرر الكامنة» (1/ 308) وما
بين الحاصرتين زيادة منه، و «تبصير المنتبه» (1/ 229) و «توضيح
المشتبه» (1/ 579) .
وقيّد الصفديّ نسبته في «الوافي بالوفيات» فقال: البققي: بالباء
الموحدة وقافين، على وزن الثّقفي.
واقتصر ابن شاكر الكتبي في «فوات الوفيات» على القول: البققي: بباء
واحدة وقافين.
[4] في «آ» و «ط» : «محا» والتصحيح من «المنتخب» لابن شقدة و «فوات
الوفيات» و «الوافي بالوفيات» .
[5] في «فوات الوفيات» و «الوافي بالوفيات» : «كما يصبي» .
[6] في «فوات الوفيات» و «الوافي بالوفيات» : «كما يشفي» مكان «لآكلها»
.
(8/5)
وأصغر دائها والدّاء جمّ ... بغاء أو جنون
أو نشاف
وفيها توفي صاحب مكّة عزّ الدّين أبو نمي محمد بن صاحب مكّة أبي سعد
حسن بن علي بن قتادة الحسني [1] ، من أبناء السبعين.
قال الذهبي: كان أسمر، ضخما، شجاعا، سائسا، مهيبا. ولي أربعين سنة. قال
لي الدّباهي: لولا أنه زيديّ لصلح للخلافة لحسن صفاته. انتهى.
وفيها خديجة بنت الرّضي عبد الرحمن بن محمد [2] ، عن أربع وثمانين سنة.
روت عن القزويني، والبهاء، وجماعة.
وفيها علاء الدّين علي بن عبد الغني بن الفخر بن تيميّة الشّاهد
الحنبلي [3] .
قال الذهبي: حدّثنا عن الموفّق عبد اللّطيف، وابن روزبه، ومات بمصر عن
اثنتين وثمانين سنة.
وفيها أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العبّاس أحمد بن أبي علي
[الحسن] بن أبي بكر [الحسن بن علي القبّي بن] المسترشد بالله العبّاسي
[4] .
توفي ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى، وصلّي عليه العصر بسوق الخيل
[5] تحت القلعة، وحضر جنازته الدولة والأعيان كلّهم مشاة، ودفن بقرب
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (16) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (294) و
«البداية والنهاية» (14/ 21) و «الدّرر الكامنة» (3/ 422) و «العقد
الثمين» (1/ 456) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (16) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (293) و
«أعلام النساء» (1/ 334- 335) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (16- 17) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (293)
و «الدّرر الكامنة» (3/ 63) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (17) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (293) و
«دول الإسلام» (2/ 206) و «تاريخ الخلفاء» ص (478- 483) وما بين
الحاصرتين زيادة منه.
[5] قال الأستاذ صلاح الخيمي في تعليقه على كتاب «رسائل دمشقية» ص (81)
طبع دار ابن كثير:
زال هذا السوق، ولا يزال هناك محلّة تعرف باسم سوق الخيل، ولكن لا يباع
فيها الخيل، وهي بالقرب من ساحة الشهداء.
(8/6)
السيدة نفيسة، وهو أوّل من دفن منهم هناك.
واستمر مدفنهم إلى الآن. قاله السيوطي.
وقال الذهبي كانت خلافته أربعين عاما، وعهد بالخلافة إلى ابنه المستكفي
سليمان.
وقال ابن الأهدل: كانت خلافتهم بمصر تحكّما لا حكما، وترسّما لا رسما.
وفيها مسند الشّام تقي الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن مؤمن الصّوري
الصّالحي الحنبلي [1] .
روى عن الشيخ الموفّق حضورا، وعن ابن أبي لقمة، والقزويني، والبهاء،
وابن صصرى. وخرّجوا له «مشيخة» .
توفي في جمادى الآخرة عن أربع وثمانين سنة.
وفيها الشيخ وجيه الدّين محمد بن عثمان بن أسعد بن المنجّى أبو المعالي
التّنوخي الحنبلي [2] أخو الشيخ زين الدّين بن المنجّى.
ولد سنة ثلاثين وستمائة. وسمع من جعفر الهمداني، والسّخاوي، وخلق.
وكان شيخا، عالما، فاضلا، كثير المعروف والصّدقات والبرّ والتواضع
للفقراء، موسّعا عليهم، موسّعا عليه في الدنيا، له هيبة وسطوة وجلالة.
بنى بدمشق دار قرآن معروفة به قريبة من مدرسة الخاتونية الحنفية
الجوانية، ودرّس في أول عمره بالمسمارية والصّدرية، ثم تركهما لولده،
فمات في حياته.
وولي نظر الجامع فأحسن فيه السيرة، وحدّث وروى عنه جماعة، وتوفي في
شعبان.
وفي شعبان أيضا من هذه السنة توفي ببعلبك الفقيه الحنبلي المقرئ
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (17) و «الدّرر الكامنة» (1/ 168) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (17) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 347) و
«الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 117- 118) .
(8/7)
المحدّث أمين الدّين أبو عبد الله محمد بن
عبد الولي بن أبي محمد بن خولان البعلي التّاجر [1] . وكان مولده سنة
أربع وأربعين وستمائة. وسمع من الشيخ عبد الرحمن بن أبي عمر، وابن عبد
الدائم، وجماعة. وقرأ ونظر في علوم الحديث.
قال الذهبي: سمعت منه ببعلبك، والمدينة، وتبوك. وكان من خيار النّاس
وعلمائهم مقرئا [2] ، ففيها، محدّثا، متقنا، صالحا، عدلا، ملازما
للتحصيل.
وفيها شيخ بعلبك الحافظ شرف الدّين أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد
اليونيني الحنبلي [3] .
ولد ببعلبك في حادي عشر رجب، سنة إحدى وعشرين وستمائة.
قال الذهبي: حدثنا عن البهاء [4] حضورا، وعن ابن صباح، وابن الزّبيدي،
وعدّة، ودرّس وأفتى.
وقال البرزالي: كان شيخا، جليلا، حسن الوجه، بهي المنظر، له سمت حسن
وعليه سكينة ولديه فضل كثير. فصيح العبارة، حسن الكلام، له قبول من
النّاس، وهو كثير التّودد إليهم. قاض للحقوق.
وقال ابن رجب: سمع منه خلق من الحفّاظ والأئمة، وأكثر عنه البرزالي
والذهبي.
وتوفي ليلة [5] الخميس حادي عشر رمضان ببعلبك. وكان موته شهادة، فإنه
دخل إليه يوم الجمعة خامس رمضان وهو في خزانة الكتب بمسجد الحنابلة شخص
فضربه بعصا على رأسه مرّات، وجرحه في رأسه بسكين، فاتّقى بيده، فجرحه
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 227- 228) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 347)
.
[2] لفظة «مقرئا» لم ترد في «ط» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (18) و «معجم الشيوخ» (2/ 40- 41) و «ذيل
طبقات الحنابلة» (2/ 345- 347) .
[4] في «معجم الشيوخ» : «وسمع من البهاء» .
[5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «يوم» .
(8/8)
فيها، فأمسك الضّارب وضرب [ضربا عظيما] [1]
وحبس فأظهر الاختلال، وحمل الشيخ إلى داره، فأقبل على أصحابه يحدّثهم
وينشدهم على عادته، وأتمّ صيام يومه. ثم حصل له بعد ذلك حمّى، واشتد
مرضه، حتّى توفي ليلة الخميس المذكور.
وفيها مسند الوقت أبو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد
الأبرقوهي [2]- بفتح الهمزة والموحدة وسكون الراء وضم القاف وبالهاء،
نسبة إلى أبرقوه بلدة بأصبهان- حدّث عن الفتح بن عبد السّلام، وابن
صرما، وابن أبي لقمة، والفخر بن تيميّة، وتفرّد بأشياء. وكان مقرئا،
صالحا، متواضعا، فاضلا.
توفي بمكة في عشري ذي الحجّة.
وفيها مجد الدّين يوسف بن القباقبي [3] ، الفاضل الأديب.
من شعره في الثّلج:
طمت الثّلوج على الوهاد مع الرّبى ... فالكون يعجب منه وهو مفضّض
فانهض لنجمع شمل أنس مقبل ... بلذاذة فاليوم يوم أبيض
__________
[1] تكملة من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (18) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (294) و
«البداية والنهاية» (14/ 21) و «الدّرر الكامنة» (1/ 102) و «العقد
الثمين» (3/ 15) .
[3] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.
(8/9)
سنة اثنتين وسبعمائة
فيها وسّط اليعفوريّ والقبّاريّ، وقطعت يمين التّاج النّاسخ لدخولهم في
تزوير.
وفيها طرق قازان [1] التّتريّ الشام، فالتقاه يزك [2] الإسلام، وفيهم
الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، التقوا على مرج الصّفّر [3] ، فقتل من
التتار خلق عظيم، وأسر منهم جماعة، ولكن استشهد من المسلمين جماعة،
منهم:
الفقيه إبراهيم بن عبيدان [4] .
والأمير صلاح الدّين ولد الكامل [5] .
والأمير علاء الدّين الجاكي [6] .
والأمير حسام الدّين [أوليا] بن قرمان [7] .
والأمير الكافري [8] .
__________
[1] في «ط» : «غازان» وكلاهما صواب فقد رسمت بالوجهين.
[2] اليزك: مقدّمة الجيش، وقيل غير ذلك. انظر «الألفاظ الفارسية
المعربة» لأدي شيرص (160) .
[3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (205/ ب) : «مرج الصّفة» وهو
خطأ، والتصحيح من «تاريخ الطبري» (3/ 404) و «البداية والنهاية» (14/
25) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (20) .
[5] انظر «البداية والنهاية» (14/ 26) و «دول الإسلام» (2/ 210) .
[6] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الحاكي» بالحاء المهملة، والتصحيح من
«النجوم الزاهرة» (8/ 206) و «دول الإسلام» (2/ 210) وقد ترجم له بأوسع
مما هنا فراجعه.
[7] في «آ» و «ط» : «ابن قزمان» بالزاي ثاني الحروف، والتصحيح من «دول
الإسلام» و «النجوم الزّاهرة» و «الدّرر الكامنة» (1/ 499) طبعة حيدر
أباد وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[8] تحرّفت في «آ» إلى «الكافوري» وانظر «دول الإسلام» (2/ 210) .
(8/10)
وفيها توفي المسند بدر الدّين الحسن بن علي
بن الخلّال الدّمشقي [1] ، عن ثلاث وسبعين سنة. حدّث عن مكرم، وابن
اللّتي، وابن الشّيرازي، وابن المقيّر، وجعفر، وكريمة، وخلق. وتفرّد
بأشياء، وتوفي في ربيع الأول.
وفيها الإمام فخر الدّين أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن
نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النّابلسي [2]
الفقيه الحنبلي.
ولد سنة ثلاثين وستمائة بنابلس، وسمع من ابن الجمّيزي، وابن رواح بمصر.
ومن سبط السّلفي بالإسكندرية، ومن خطيب مردا، [و] محيي الدّين بن
الجوزي لمّا قدم الشّام رسولا.
قال: البرزالي: كان شيخا، صالحا، عالما، كثير التواضع، محسنا إلى
النّاس. أقام يفتي بنابلس مدة أربعين سنة.
وقال الذهبي: كان عارفا بالمذهب، ثقة، صالحا، ورعا، سمعت منه بنابلس.
توفي ليلة الأحد مستهل المحرّم بنابلس.
وفيها متولي حماة الملك العادل زين الدّين كتبغا المغلي المنصوري [3] ،
ونقل فدفن بتربته في سفح قاسيون يوم الجمعة، يوم الأضحى. وكان في آخر
الكهولة أسمر، قصيرا، دقيق الصّوت، شجاعا، قصير العنق، ينطوي على دين
وسلامة باطن، وتواضع. وتسلطن بمصر عامين، وخلع في صفر سنة ست وتسعين،
فالتجأ إلى صرخد، ثم أعطي حماة فمات بها.
وفيها شيخ الإسلام تقي الدّين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع
ابن أبي الطّاعة القشيري المنفلوطي الشّافعي المالكي [4] المصري، ابن
دقيق العيد [5] .
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 211- 212) .
[2] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 31- 32) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 348) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (22) .
[4] لفظة «المالكي» سقطت من «آ» .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (21- 22) و «معجم الشيوخ» (2/ 249- 250) و
«الوافي بالوفيات»
(8/11)
ولد في شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة،
وتفقّه على والده بقوص.
وكان والده مالكيّ المذهب، ثم تفقّه على الشيخ عزّ الدّين بن عبد
السلام، فحقّق المذهبين، وأفتى فيهما، وسمع الحديث من جماعة، وولي قضاء
الدّيار المصرية، ودرّس بالشافعي ودار الحديث الكاملية وغيرهما. وصنّف
التصانيف المشهورة، منها «الإلمام» في الحديث [1] ، وشرحه وسمّاه
«الإمام» . وله «الاقتراح» في أصول الدّين وعلوم الحديث، و «شرح مختصر
ابن الحاجب» في فقه المالكية ولم يكمله. [وشرح «عمدة الأحكام» للحافظ
عبد الغني] [2] ، وله غير ذلك.
وكان يقول: ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلا إلّا أعددت له جوابا بين يدي
الله تعالى.
ويحكى أن ابن عبد السّلام كان [3] يقول: ديار مصر تفتخر برجلين في
طرفيها، ابن منير بالإسكندرية، وابن دقيق العيد بقوص.
وقال الذهبي في «معجمه» . قاضي القضاة بالدّيار المصرية، وشيخها،
وعالمها، الإمام العلّامة، الحافظ القدوة الورع، شيخ العصر. كان علّامة
في المذهبين، عارفا بالحديث وفنونه، سارت بمصنّفاته الرّكبان. وولي
القضاء ثمان سنين.
وبسط السبكي ترجمته في «الطبقات الكبرى» قال: ولم ندرك أحدا من مشايخنا
يختلف في أن ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث على رأس السّبعمائة.
وقال ابن كثير في «طبقاته» [4] : أحد علماء وقته، بل أجلّهم وأكثرهم،
علما، ودينا، وورعا، وتقشفا، ومداومة على العلم في ليله ونهاره، مع كبر
السّن
__________
(4/ 193- 209) و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (9/ 207- 249) و
«طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 227- 233) .
[1] وقد عني به وعلق عليه صديقنا الأستاذ محمد سعيد مولوي وطبع بدمشق
منذ سنوات طويلة.
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وقد سمّى شرحه ب «إحكام الأحكام» وقد
طبع في المطبعة المنيرية بالقاهرة سنة (1372) هـ.
[3] لفظة «كان» سقطت من «آ» .
[4] يعني في «طبقات الشافعية» وهو من كتبه التي لم تطبع بعد فيما أعلم.
(8/12)
والشّغل بالحكم. وله التصانيف المشهورة
والعلوم المذكورة. برع في علوم كثيرة لا سيما في علم الحديث، فاق فيه
على أقرانه وبرز على أهل زمانه. رحلت إليه الطلبة من الآفاق، ووقع على
علمه وورعه وزهده الاتفاق.
وقال الإسنوي: له خطب بليغة مشهورة، أنشأها لمّا كان خطيبا بقوص، وله
شعر بليغ، فمنه:
تمنّيت أنّ الشّيب عاجل لمّتي ... وقرّب منّي في صباي مزاره
لآخذ من عصر الشّباب نشاطه ... وآخذ من عصر المشيب وقاره
وله:
قالوا فلان عالم فاضل ... فأكرموه مثل ما يرتضي
فقلت لمّا لم يكن ذا تقى ... تعارض المانع والمقتضي
وله:
وأطيب شيء إذا ذقته ... رضاب الحبيب على ما يقال
وله:
أتعبت نفسك بين ذلّة كادح ... طلب الحياة وبين حرص مؤمّل
وأضعت نفسك لا خلاعة ماجن ... حصّلت فيه ولا وقار مبجّل
وتركت حظّ النّفس في الدّنيا وفي ال ... أخرى ورحت عن الجميع بمعزل
توفي- رحمه الله تعالى- في صفر بالقاهرة، ودفن بالقرافة.
وفيها المعمّر عبد الحميد بن أحمد بن خولان البنّا [1] .
أجاز له ابن أبي لقمة، وابن البنّ. وسمع أبا القاسم بن صصرى، والنّاصح،
وابن الزّبيدي.
توفي بزملكا عن بضع وثمانين سنة.
وفيها المقرئ شمس الدّين محمد بن قايماز الطحّان الدمشقي [2] .
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 348- 349) .
[2] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (294) و «الدّرر الكامنة» (4/
134) .
(8/13)
تلا بالسبع على السّخاوي، وسمع من ابن صباح
وغيره. وكان خيّرا متواضعا.
توفي عن ثلاث وثمانين سنة.
وفيها مسند المغرب الإمام الأديب أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون
الطّائي القرطبي [1] .
قال الذهبي: أجاز لنا مرويّاته، وسمع «الموطأ» و «كامل» المبرّد من أبي
القاسم أحمد بن بقي في سنة عشرين، وعمّر دهرا طويلا.
توفي بتونس في ذي القعدة عن مائة عام.
وفيها نجم الدّين أبو إبراهيم موسى بن إبراهيم بن يحيى بن علوان بن
محمد الأزديّ السّقراوي ثم الصّالحي، الفقيه الحنبليّ، المحدّث
النّحويّ المعدل [2] .
ولد في رمضان سنة أربع وعشرين وستمائة. وسمع من أبيه والحافظين إسماعيل
بن مظفّر، والضّياء المقدسي. ومن خطيب مردا، ويوسف سبط ابن الجوزي.
وقرأ الكثير على ابن عبد الدائم، ومن بعده، كابن أبي عمر وطبقته، وعني
بالحديث. وكتب بخطّه ما لا يوصف.
قال الذهبي: كان فقيها، إماما، مفتيا، كثير المحفوظ والنّوادر.
وقال غيره: كان حسن المجالسة، مفيد المذاكرة. حدّث، وروى عنه الذهبي
وغيره، وتوفي يوم الاثنين مستهل جمادى الآخرة، ودفن من الغد بسفح
قاسيون.
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 341- 342) .
[2] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 344- 345) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 348-
349) .
(8/14)
سنة ثلاث وسبعمائة
فيها أغارت العساكر المنصورة على ملطية، ونازلوا تلّ حمدون من بلاد
سيس.
وفيها توفي القدوة الزّاهد العلّامة بركة الوقت، أبو إسحاق إبراهيم بن
أحمد بن محمد بن معالي بن محمد بن عبد الكريم الرّقّي- بفتح الراء
وتشديد القاف، نسبة إلى الرّقّة بلد على الفرات- الحنبلي [1] .
ولد سنة سبع وأربعين وستمائة بالرّقّة. وقرأ ببغداد بالرّوايات العشر
على يوسف بن جامع القفصي، وسمع بها الحديث من الشيخ عبد الصّمد بن أبي
الحسين، وصحبه.
قال الذهبي: وعني بتفسير القرآن، وبالفقه على مذهب الإمام أحمد، وتقدّم
في علم الطّبّ، وشارك في علوم الإسلام. وبرع في التذكير، وله المواعظ
المحرّكة إلى الله- عز وجل- والنّظم العذب، والعناية بالآثار النّبوية،
والتصانيف النّافعة، وحسن التربية، مع الزّهد والقناعة باليسير في
المطعم والملبس. وكان إماما، زاهدا، عارفا قدوة، سيّد أهل زمانه. وله
التصانيف الكثيرة. وكان ربما خضر السّماع وتواجد.
وقال ابن رجب: سمع منه البرزالي، والذهبي، وغيرهما. وكان يسكن بأهله في
أسفل المئذنة الشّرقية بالجامع الأموي في المكان المعروف بالطّواشية،
وهناك
__________
[1] لفظة «الحنبلي» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «ذيول العبر» ص (23)
وانظر «معجم الشيوخ» (1/ 127) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 349- 350) .
(8/15)
توفي ليلة الجمعة خامس عشر المحرّم، وصلّي
عليه عقيب الجمعة بالجامع، وحمل إلى سفح قاسيون فدفن بتربة الشيخ أبي
عمر.
وفيها ابن الخبّاز [1] نجم الدّين أبو الفداء إسماعيل بن إبراهيم بن
سالم، ينتهي نسبه إلى عبادة بن الصّامت الأنصاري العبادي [2] الصّالحي
الحنبلي، الحافظ [3] المحدّث المكثر [4] المؤدّب.
ولد سنة تسع وعشرين وستمائة، وسمع من الحافظ ضياء الدّين، وعبد الحق بن
خلف، وعبد الله بن الشيخ أبي عمر، وغيرهم، وجدّ واجتهد من سنة أربع
وخمسين وإلى أن مات. وسمع وكتب ما لا يوصف كثرة، وخرّج لنفسه «مشيخة»
في مائة جزء عن أكثر من ألفي شيخ، فإنه كتب العالي والنّازل، وعمّن دبّ
ودرج، وخرّج سيرة لابن أبي عمر في مائة وخمسين جزءا.
وكان حسن الأخلاق، متواضعا، غير متقن فيما يجمعه. وسمع منه خلق من
الحفّاظ وغيرهم، منهم المزّي، والذهبي، وولده مسند وقته أبو عبد الله
محمد، وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر صفر بدمشق، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها المعمّرة أم أحمد ستّ الأهل بنت علوان بن سعيد البعلبكية [5]
بدمشق في المحرّم.
قال الذهبي: مكثرة عن البهاء عبد الرحمن، صالحة، خيّرة، عاشت خمسا
وثمانين سنة.
وفيها زين الدّين أبو محمد عبد الله بن مروان بن عبد الله بن فئر [6]
بن
__________
[1] عبارة «ابن الخبّاز» سقطت من «آ» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (24- 25) و «معجم الشيوخ» (1/ 171) و «ذيل
طبقات الحنابلة» (2/ 350- 351) و «المنهل الصّافي» (2/ 382- 383) .
[3] لفظة «الحافظ» سقطت من «آ» .
[4] لفظة «المكثر» سقطت من «ط» .
[5] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 283- 284) .
[6] كذا في «المنتخب» لابن شقدة (206/ آ) : «ابن فئر» ورسمت في «آ» و
«ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 280) و «معجم الشيوخ» (1/
342) «ابن فير» على قاعدة من يستبدل الهمزة
(8/16)
الحسن الفارقي الشّافعي [1] ، خطيب دمشق،
وشيخ دار الحديث، ومدرّس الشامية البرّانية.
ولد في محرم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وسمع الحديث من جماعة، واشتغل
وأفتى في مذهب الشافعي [2] ، ودرّس، وولي مشيخة دار الحديث بعد
النّووي، وهو الذي عمرها بعد خرابها في فتنة قازان [3] .
قال الذهبي في «معجمه» : كان عارفا بالمذهب، وبجملة حسنة في الحديث، ذا
اقتصاد في ملبسه وتصوّن في نفسه، وسطوة على الطلبة، وفيه تعبّد وحسن
معتقد.
وقال ابن كثير: سمع الحديث الكثير، واشتغل [4] ودرّس، وأفتى مدّة
طويلة. توفي في صفر ودفن بالصالحية في تربة أهله بتربة الشيخ أبي عمر.
وفيها خطيب بعلبك ضياء الدّين عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن علي بن عقيل
السّلمي الشافعي [5] . سمع القزويني، وابن اللّتي، وهو آخر من روى «شرح
السّنّة» [6] وخطب ستين سنة، وتوفي في صفر، عن تسع [7] وثمانين سنة.
وفيها الشيخ أبو الفتح نصر بن أبي الضّوء الزّبدانيّ الفاميّ [8] ، أحد
رواة «الصحيح» [9] عن ابن الزّبيدي.
__________
بالياء، وزيادة في التأكيد قام ابن شقدة بإثبات الياء وفوقها الهمزة.
وكتبت في «البداية والنهاية» (14/ 30) : «ابن فهر» وهو تحريف، وتحرفت
في «الدّرر الكامنة» (2/ 304) إلى «ابن فيروز» فلتصحح.
[1] لفظة «الشافعي» سقطت من «آ» .
[2] عبارة «في مذهب الشافعي» لم ترد في «ط» .
[3] في «ط» : «غازان» وكلاهما صواب.
[4] في «آ» : «وأشغل» .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (24) و «الوافي بالوفيات» (18/ 183) .
[6] لصاحبه الإمام البغوي، وقد قام بطبعه المكتب الإسلامي بدمشق بتحقيق
الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله تعالى.
[7] لفظة «تسع» سقطت من «آ» .
[8] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 354) .
[9] يعني «صحيح البخاري» .
(8/17)
قال الذهبي: كتبنا عنه، وقد جاوز الثمانين.
وفيها صاحب الشّرق القآن محمود غازان بن القآن أرغون بن أبغا بن هولاكو
المغلي، في شوال بقرب همذان، ولم يتكهل. ونقل إلى تربته بتبريز.
سمّ بمنديل [1] يمسح به بعد الجماع، وتملّك أخوه خربندا، وكان بسنجار
وسمّوه محمدا، ولقّبوه غياث الدّين.
وفيها عمر بن كثير [2] خطيب القرية [3] من عمل بصرى، وهو والد الشيخ
عماد الدّين بن كثير.
وفيها الصّاحب عبد الله بن الصّاحب عزّ الدّين محمد بن أحمد بن خالد بن
القيسراني الحلبي [4] .
كتب في الإنشاء مدّة [5] بعد الوزارة إلى أن مات.
ومن شعره:
بوجه معذّبي آثار حسن ... فقل ما شئت فيه ولا تحاشي
ونسخة حسنه قرئت وصحّت ... وها خطّ الكمال على الحواشي
وأصله من قيساريّة الشام، وتوفي بالقاهرة، ودفن بتربته جوار السيدة
نفيسة، قدّس سرّها.
__________
[1] في «ط» : «في منديل» .
[2] ترجم له ترجمة مطولة ولده الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية»
(14/ 31- 33) فلتراجع.
[3] القرية: قال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» : «وهي قرية من
أعمال بصرى» .
[4] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 331- 332) و «الدرر الكامنة» (2/ 284) .
[5] لفظة «مدة» سقطت من «آ» .
(8/18)
سنة أربع وسبعمائة
فيها أخذ الشيخ تقي الدّين بن تيميّة الحجّارين وذهب إلى التي [1] في
مسجد النّارنج جوار المصلّى فقطعها، وكان يزورها النّاس وينذرون لها
النذور، ولهم فيها اعتقاد، فمحا ذلك، وبنى مسجد النّارنج.
وفيها ضربت رقبة الكمال الأحدب، وسببه أنه جاء إلى القاضي جمال الدّين
المالكي يستفتيه- وهو [2] لا يعلم أنّه القاضي-: ما تقول في إنسان
تخاصم هو وإنسان، فقال له الخصم تكذب ولو كنت رسول الله [3] فقال له
القاضي: من قال هذا؟ قال: أنا، قال: فأشهد عليه القاضي من كان حاضرا
وحبسه وأحضره من الغد إلى دار العدل وحكم بقتله [4] .
وفيها توفي محدّث بغداد ومفيدها، أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن
أبي البدر القلانسي البغدادي الحنبلي [5] .
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (206/ آ) . وقال ابن
المبرد في «ثمار المقاصد في ذكر المساجد» ص (165) في معرض كلامه على
المشاهد بدمشق: ومشهد النّارنج: به حجر مشقّق وله حكاية مع علي بن أبي
طالب رضي الله عنه، ويبدو أن المقصود من كلام المؤلّف رحمه الله إنما
هو هذا الحجر الذي كان لا يزال قائما في حينه، والله أعلم.
[2] لفظة «هو» سقطت من «آ» .
[3] نعوذ بالله من هذا الكفر ونسأله جلّ جلاله أن يثبتنا على النهج
السليم نهج الكتاب والسّنّة.
[4] قلت: لكن الحكم فيه لم ينفّذ، وتنقل بعد ذلك بين الشام ومصر ينشر
مذهبه الضّال إلى أن مات بقرية القابون قرب دمشق سنة (724) وقد ترجم له
المؤلّف هناك انظر ص (116- 117) من هذا المجلد. وانظر «الأعلام»
للزركلي (6/ 200) والمصادر المذكورة في حاشيته.
[5] لفظة «الحنبلي» سقطت من «آ» وهو مترجم في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/
353) .
(8/19)
ولد في جمادى الآخرة سنة أربعين وستمائة،
وعني بالحديث، وسمع الكثير، وتفقّه في مذهب الإمام أحمد [1] . وكتب
الكثير بالخطّ الجيد المتقن، وخرّج لغير واحد من الشيوخ، وحدّث
بالقليل، وسمع منه جماعة، وأجاز لجماعة، منهم: الحافظ الذهبي. وتوفي في
رجب ببغداد، ودفن بباب حرب.
وفيها ركن الدّين أحمد بن عبد المنعم بن أبي الغنائم القزويني
الطّاووسي [2] المعمّر، كبير الصّوفية بدمشق. روى بالإجازة العامّة عن
أبي جعفر الصّيدلاني وطائفة، وبالسّماع عن ابن الخازن والسّخاوي، وتوفي
في جمادى الأولى عن مائة سنة وسنتين وأربعة أشهر.
وفيها صاحب المدينة المنوّرة عزّ الدّين جمّاز [3] بن شيحة العلوي
الحسيني، وقد شاخ وأضرّ، وتملّك بعده ابنه منصور، وفيهم تشيّع ظاهر.
قاله الذهبي.
وفيها أبو الحسن علي بن مسعود بن نفيس بن عبد الله الموصلي ثم الحلبي
الحنبلي [4] الصّوفي المحدّث الحافظ، نزيل دمشق.
ولد سنة أربع وثلاثين وستمائة، وسمع بحلب من ابن رواحة، وإبراهيم بن
خليل. وبمصر من الكمال الضّرير، والرّشيد العطّار، وغيرهما. وبدمشق من
ابن عبد الدائم، وجماعة. وقرأ كتبا مطوّلة مرارا، وعني بالحديث عناية
تامّة. وكان يجوع ويشتري الأجزاء ويتعفف [ويقنع] [5] بكسرة فيسوء خلقه،
مع التّقوى والصّلاح. وسمع منه الذّهبي وجماعة، وتوفي في صفر
بالمارستان الصّغير بدمشق، وحمل إلى سفح قاسيون فدفن قبال زاوية ابن
قوام.
__________
[1] عبارة «في مذهب الإمام أحمد» سقطت من «ط» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (27) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «حمّاد» والتصحيح من «ذيول العبر» ص (27)
وانظر التعليق عليه.
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 351- 352) .
[5] سقطت من «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (106/ ب) واستدركتها من
«ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلّف.
(8/20)
وفيها شيخ الإسكندرية تاج الدّين علي بن
أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرّافي [1]- بالغين المعجمة المفتوحة،
وتشديد الراء، وفاء، نسبة إلى الغرّاف نهر تحت واسط على قرى كثيرة-.
قال ابن حجر في «الدّرر الكامنة» : ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة، وسمع
من محمد بن عماد، وظافر بن نجم، وعلي بن جبارة، وطائفة. وببغداد من أبي
الحسن القطيعي وغيره. وحدّث فأكثر، وحمل عنه المغاربة والرحّالة،
وحدّثوا عنه في حياته. وكان عارفا بالمذهب.
وقال أبو العلاء الفرضي: كان عالما، فاضلا، محدّثا، مكثرا، مسندا،
مفيدا، عابدا.
وأثنى عليه البرزالي، والذهبي، وغيرهما. وكان يرتزق بالوراقة، فإذا
حصّل قوته لا يتجاوز. مات في الإسكندرية في ذي الحجّة.
وفيها الضّياء عيسى بن أبي محمد بن عبد الرزّاق المغاري [2] ، شيخ
المغارة. روى عن ابن الزّبيدي، وابن صباح، والإربلي، وتوفي في ربيع
الأول عن ثمانين سنة.
وفيها الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن يعقوب الإربلي ثم الدمشقي
أبو الفضل [3] ، كبير الذّهبيين. كان مكثرا. سمع المسلم المازني، وابن
الزّبيدي، وأبا نصر بن عساكر، وغيرهم. وتفرّد بأشياء.
قال الذّهبي: خرّجت له «مشيخة» ومات في رمضان. سقط من السلّم فمات
لوقته عن ثمانين سنة.
وفيها الأمير الكبير الأديب شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (28- 29) و «معجم الشيوخ» (2/ 12- 13) و
«الدّرر الكامنة» (3/ 17) و «حسن المحاضرة» (1/ 387) .
[2] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 88- 89) و «الدّرر الكامنة» (3/ 289) .
[3] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 310- 311) و «الوافي بالوفيات» (5/ 265) .
(8/21)
ابن أبي سعد بن علي بن المنصور بن محمد بن
الحسين الشّيباني الآمدي ثم المصري الحنبلي [1] .
ولد بمصر ثالث عشر المحرم، سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وسمع بمصر من ابن
الجمّيزي [2] ، وابن المقيّر. وبدمشق من جماعة، وبماردين من آخرين،
ونشأ بماردين.
وكان والده الصّاحب شرف الدّين من العلماء الفضلاء. جمع «تاريخا»
لمدينة آمد، وله نظم ونثر. وسمع الحديث ورواه، وكان محدّثا، فاضلا،
متقنا.
توفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة.
وكان وزيرا للملك السعيد الأرتقي صاحب ماردين، وصار ابنه شمس الدّين
هذا مع ابن الملك المظفّر بن السعيد نائبا للمملكة ومدبّرا لدولته إلى
أن ذهب رسولا إلى الملك المنصور قلاوون صاحب مصر، فحبسه ست سنين، حتّى
ولي ابنه الملك الأشرف فأخرجه وأنعم عليه، وولّاه نيابة دار العدل،
فباشرها، وكان عالما، فاضلا، أديبا، متفننا، ذا معرفة بالحديث،
والتاريخ، والسّير، والنّحو، واللّغة، وافر العقل، مليح العبارة، حسن
الخطّ والنّظم والنثر، جميل الهيئة، له خبرة تامّة بسير الملوك
المتقدمين ودولهم، لا تملّ مجالسته.
وذكر الذهبي أنه نسب إلى نقص في دينه، فالله تعالى أعلم.
قال ابن رجب: وسمع منه جماعة، منهم: الشيخ تقي الدّين بن تيميّة،
والمزّي، والبرزالي، والذّهبي، وتوفي بمصر، سقط من فرس فكسرت أعضاؤه،
وبقي أياما، ثم مات في جمادى الآخرة، رحمه الله تعالى.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 352- 353) .
[2] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «الجهيري» والتصحيح من «ذيل طبقات
الحنابلة» مصدر المؤلف.
(8/22)
سنة خمس وسبعمائة
فيها توفي خطيب دمشق الإمام الكبير شرف الدّين أحمد بن إبراهيم بن سباع
الفزاري الشّافعي [1] ، أخو الشيخ تاج الدّين.
ولد بدمشق في رمضان سنة ثلاثين وستمائة، وتلا بالسّبع، وأحكم العربية،
وقرأ الحديث، وسمع كثيرا من السّخاوي وغيره. وكان فصيحا، عديم اللّحن،
طيب الصّوت. وأقرأ العربية زمانا، مع الكيس، والتواضع والتصوّن [2] ،
وولي خطابة جامع جرّاح، ثم خطابة جامع دمشق.
وتوفي في شوّال عن خمس وسبعين سنة وشهر، ودفن بباب الصغير عند أخيه.
وفيها المعمّرة [3] زينب بنت سليمان بن رحمة الإسعردي [4] .
سمعت من الزّبيدي، والشّمس أحمد بن عبد الواحد البخاري، وعلي بن حجّاج،
وجماعة. وتفردّت بأشياء، وماتت في ذي القعدة عن بضع وثمانين سنة.
وفيها حافظ الوقت العلّامة شرف الدّين عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن
بن شرف بن الخضر بن موسى الدّمياطي الشافعي [5] .
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 270- 272) .
[2] كذا في «آ» و «المنتخب» لابن شقدة (206/ ب) : «والتصون» وفي «ط» :
«والتصوف» .
[3] لفظة «المعمّرة» سقطت من «آ» .
[4] انظر «الوافي بالوفيات» (15/ 67) .
[5] انظر «معجم الشيوخ» للذهبي (1/ 424- 425) ولم يرد اسمه في فهرسه
فليستدرك، و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 552- 554) و «طبقات
الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 286- 288) .
(8/23)
ولد بدمياط في أواخر سنة ثلاث عشرة
وستمائة، وتفقه بها، وقرأ بالسّبع على الكمال الضرير، وسمع الكثير،
ورحل، ولازم الحافظ عبد العظيم المنذري سنين، وتخرّج به، ورحل إليه
الطلّاب، وحدّث قديما، وسمع منه الشيخ محمد بن محمد الأبيوردي، وكتب
عنه في «معجم شيوخه» ومات قبله بتسع وثلاثين سنة.
روى عنه من تلاميذه الحفّاظ المزّي، والبرزالي، وابن سيد الناس،
والسبكي، وغيرهم، فعلى هذا الدّمياطي شيخ هؤلاء وشيخ شيخهم.
قال المزّي: ما رأيت أحفظ منه.
وقال البرزالي: كان آخر من بقي من الحفّاظ وأهل الحديث أصحاب الرّواية
العالية والدّراية الوافرة.
وقال الذهبي في «معجمه» : العلّامة الحافظ الحجّة، أحد الأئمة الأعلام
وبقيّة نقّاد الحديث.
رحل، وسمع الكثير، و «معجمه» نحو ألف ومائتين وخمسين شيخا، وله تصانيف
في الحديث والعوالي، والفقه، واللغة، وغير ذلك. ومحاسنه جمّة. انتهى.
وقد أثنى عليه غير واحد، وله مصنّفات نفيسة، منها: «السيرة النبوية» في
مجلد، وكتاب في «الصلاة الوسطى» وكتاب «الخيل» وكتاب «التّسلي
والاغتباط بثواب [1] من تقدّم من الأفراط» وغير ذلك.
توفي فجأة في نصف ذي القعدة بالقاهرة، ودفن بمقابر باب النّصر، رحمه
الله تعالى.
وفيها قاضي حلب وخطيبها العلّامة شمس الدّين محمد بن محمد بن بهرام
الدمشقي الشافعي أبو عبد الله الكوراني [2] .
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «بقوات» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (31- 32) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة
(2/ 306- 307) .
(8/24)
ولد سنة خمس وعشرين وستمائة، وأخذ عن ابن
عبد السّلام، وأخذ القراءات عن الكمال الضّرير فيما قيل، وناب في الحكم
بدمشق، ثم ولي قضاء حلب، وله «مختصر» في الخلاف، مأخوذ من «حلية
الشّاشي» [1] وغيرها.
قال الذهبي: كان مشكورا، ديّنا، يدري المذهب، صالحا، ورعا.
وقال السبكي في «الطبقات الكبرى» : كان من علماء حلب، وكان يدري
القراءات، توفي بحلب في جمادى الأولى.
وفيها المعمّر أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن شهاب المؤدّب المصري
[2] . حدّث عن ابن باقا.
قال الذهبي: حدثنا عنه أبو الحسن السّبكي، وتوفي بمصر.
وفيها الإمام المعمّر شرف الدّين يحيى بن أحمد بن عبد العزيز بن
الصّوّاف الجذامي المالكي [3] ، كبير الشّهود. سمع منه قاضي القضاة
السّبكي وجماعة، وروى عن ابن عماد، والصّفراوي، وتلا عليه بالسّبع،
وأول سماعه كان في سنة خمس عشرة وستمائة، وأصمّ وأضرّ مدة، وتوفي
بالإسكندرية عن ست وتسعين سنة.
وفيها صاحب المغرب أبو يعقوب يوسف بن السّلطان يعقوب بن عبد الحقّ
المريني [4] .
__________
[1] هو «حلية العلماء في مذاهب الفقهاء» . انظر «كشف الظنون» (1/ 690)
.
[2] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 227) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (32) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (33) .
(8/25)
|