شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى عشرة وسبعمائة
فيها توفي عماد الدّين أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن مسعود الواسطيّ الحزامي [1] الزّاهد القدوة العارف.
ولد في حادي أو ثاني عشري [2] ذي الحجّة سنة سبع وخمسين وستمائة بشرقي واسط. وكان أبوه شيخ الطّائفة الأحمدية. ونشأ الشيخ عماد الدّين بينهم وألهمه الله تعالى من صغره طلب الحقّ ومحبته، والنّفور عن البدع وأهلها، فاجتمع بالفقهاء بواسط، كالشيخ عز الدّين الفاروثي وغيره، وقرأ شيئا من الفقه على مذهب الشافعي، ثم دخل بغداد، وصحب بها طوائف من الفقهاء، وحجّ واجتمع بجماعة منهم. وأقام بالقاهرة مدة ببعض جوانبها، وخالط طوائف الفقراء، ولم يسكن قلبه إلى شيء من الطرائق المحدثة، واجتمع بالإسكندرية بالطّائفة الشّاذلية، فوجد عندهم ما يطلبه من لوائح المعرفة والمحبة والسّلوك، فأخذ ذلك عنهم، وانتفع بهم واقتفى طريقتهم وهديهم، ثم قدم دمشق فرأى الشيخ تقي الدّين بن تيميّة وصاحبه [3] فدلّه على مطالعة السيرة النبوية، فأقبل على سيرة ابن إسحاق تلخيص ابن هشام، فلخصها واختصرها، وأقبل على مطالعة كتب الحديث والسّنّة والآثار.
وتخلّى من جميع طرائقه وأذواقه وسلوكه، واقتفى أثر الرّسول- صلّى الله عليه وسلّم- وهديه وطرائقه المأثورة عنه في كتب السّنن والآثار. واعتنى بأمر السّنّة أصولا وفروعا
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (61) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «الدّرر الكامنة» (1/ 91) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 358- 360) .
[2] في «ط» : «ثاني عشر» .
[3] يعني الإمام ابن قيم الجوزية عليه رحمة الله.

(8/45)


وشرع [1] في الردّ على طوائف المبتدعة الذين خالطهم وعرفهم من الاتحادية وغيرهم، وبيّن عوراتهم، وكشف أستارهم، وانتقل إلى مذهب الإمام أحمد.
واختصر «الكافي» في مجلد سمّاه «البلغة» وألّف تآليف كثيرة في الطريقة [2] النبوية والسّلوك الأثري المحمدي، وهي من أنفع كتب الصّوفية للمريدين، وانتفع به خلق كثير من متصوفة أهل الحديث ومتعبديهم. قاله ابن رجب.
وقال الشيخ تقي الدّين بن تيمية: هو جنيد وقته.
وقال البرزالي في «معجمه» : صالح عارف صاحب نسك وعبادة وانقطاع وعزوف عن الدّنيا، وله كلام متين في التصوف الصحيح، وهو [3] داعية إلى طريق الله تعالى وقلمه أبسط من عبارته، واختصر «السيرة النبوية» وكان يتقوت من النسخ ولا يكتب إلّا مقدار ما يدفع به الضرورة. وكان محبا لأهل الحديث، معظّما لهم، وأوقاته كلّها معمورة.
وقال الذهبي: كان سيّدا، عارفا، كبير الشأن، منقطعا إلى الله تعالى، ينسخ بالأجرة ويتقوت، ولا يكاد يقبل من أحد شيئا إلّا في النادر. صنّف أجزاء عديدة في السلوك والسّير إلى الله تعالى، وفي الردّ على الاتحادية والمبتدعة. وكان داعية إلى السّنّة، ومذهبه مذهب السّلف في الصّفات، يمرّها كما جاءت. وقد انتفع به جماعة صحبوه، ولا أعلم خلّف بدمشق في طريقته مثله.
توفي آخر نهار السبت سادس عشري [4] ربيع الآخر بالمارستان الصغير بدمشق وصلّي عليه من الغد بالجامع، ودفن بسفح قاسيون قبالة زاوية السّيوفي.
وفيها الأمير الكبير سيف الدّين اسندمر [5] الكرجي [6] .
__________
[1] في «ط» : «وتبوع» وفي «آ» : «وتبرع» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.
[2] كذا في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «في الطريقة» وفي «آ» : «في الطرائق» .
[3] في «ط» : «وكان» .
[4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «في سادس عشر» .
[5] في «آ» و «ط» : «استذمر» وهو خطأ والتصحيح من مصادر الترجمة.
[6] انظر «ذيول العبر» ص (64) .

(8/46)


قال الذهبي: توفي في سجن الكرك في آخر الكهولة. ولي البرّ [1] بدمشق، ثم نيابة طرابلس، ثم حلب. وكان بطلا، شجاعا، سايسا، داهية، جبّارا، ظلوما، مهيبا. سمع بقراءتي «صحيح البخاري» . انتهى.
وفيها إسماعيل بن نصر الله بن تاج الأمناء أحمد بن عساكر [2] .
قال الذهبي: حدثنا عن ابن اللّتي، ومكرم، وابن الشّيرازي، وطبقتهم.
وشيوخه نحو التسعين. وكان مكثرا، وفيه خفة وطيش، ولكنه فيه دين.
توفي بدمشق في صفر عن اثنتين وثمانين سنة.
وفيها- وقيل في التي قبلها كما جزم به ابن قاضي شهبة- عز الدّين الحسن بن الحارث بن الحسن بن خليفة المعروف بابن مسكين [3] ، وهو من أولاد الحارث بن مسكين [4] أحد المالكية المعاصرين للشافعي.
قال ابن كثير في «طبقاته» : كان من أعيان الشافعية بالدّيار المصرية، وكان عيّن لقضاء الشافعية بدمشق فامتنع لمفارقة الوطن.
وقال الإسنويّ: درّس بالشافعي، وكان من أعيان الشافعية الصّلحاء، كتب ابن الرّفعة تحت خطّه: جوابي كجواب سيدي وشيخي.
توفي في جمادى الأولى.
وفيها رشيد الدّين رشيد بن كامل الرّقّي الشافعي [5] .
درّس وأفتى، وبرع في الأدب، وكان وكيل بلاد حلب، وحدّث عن ابن مسلمة وابن علّان، وكان علّامة، شيخ الأدباء.
توفي عن ست وثمانين سنة.
__________
[1] في «آ» : «ولي البريد» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (59) و «الدّرر الكامنة» (1/ 382- 383) .
[3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 276- 277) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 464) و «حسن المحاضرة» (1/ 422) .
[4] تقدمت ترجمته في المجلد الثالث صفحة (230) فلتراجع.
[5] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 110) .

(8/47)


وفيها- أو في التي قبلها وجزم به ابن شهبة- الشيخ عزّ الدّين عبد العزيز بن عبد الجليل النّمراوي المصري الشافعي [1] .
ولد بنمرا من أعمال الغربية، واشتغل وتصدى للاشتغال [2] ، ودرّس في التفسير بالقبة المنصورية.
قال ابن كثير في «طبقاته» : أحد الفضلاء المناظرين من الشافعية، أفتى ودرّس، وناظر بين يدي العلّامة ابن دقيق العيد، والعلّامة صدر الدّين بن الوكيل، فاستجاد ابن دقيق العيد بحثه ورجّحه في ذلك البحث على ابن الوكيل، فارتفع قدره من يومئذ. وصحب النائب سلّار فازداد وجاهة في الدنيا بذلك.
توفي في ذي القعدة ودفن بالقرافة.
وفيها، بل في التي قبلها جزم به غير واحد، بدر الدّين أبو البركات عبد اللّطيف بن قاضي القضاة تقي الدّين محمد بن الحسين بن رزين العامري الحموي الأصل المصري الشافعي [3] العلّامة.
مولده سنة تسع وأربعين وستمائة، وسمع بمصر والشام من جماعة، وأعاد عند والده وهو ابن عشرين سنة، وناب عنه في القضاء، وأفتى وولي قضاء العسكر في حياة والده، وخطب بجامع الأزهر، ودرّس بالظّاهرية والسّيفية والأشرفية.
قال ابن كثير: كان من صدور الفقهاء وأعيان الرؤساء، وأحد المذكورين في الفضلاء. وكان له اعتناء جيد بالحديث ويلقي الدروس منه ومن التفسير والفقه وأصوله، وله اعناء بالسماع والرّواية.
وقال السبكي في «الطبقات» : كان يجتمع عنده بالظاهرية من الفضلاء ما لا يجتمع عند غيره وتحصل بينهم الفضائل الجمّة، بحيث كان طالب التحقيقات
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 508- 509) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 281- 282) و «حسن المحاضرة» (1/ 422) .
[2] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف «للإشغال» .
[3] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 409) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 285- 286) .

(8/48)


يحضر درسه لأجل من يحضر، فممن كان يحضر الوالد، وقطب الدين السّنباطي، وتاج الدّين طوير اللّيل [1] وجماعة.
توفي بالقاهرة في جمادى الآخرة.
وفيها شعبان بن أبي بكر بن عمر الإربلي [2] .
قال الذهبي: الشيخ الزّاهد الصّالح البركة، خرّج له رفيقه ابن الظّاهري عن محمد بن النّعالي، وعبد الغني بن بنين، والكمال الضرير، وطبقتهم. وكان خيّرا، متواضعا، وافر الحرمة.
توفي في رجب عن سبع وثمانين سنة، وكانت جنازته مشهودة.
وفيها القاضي المنشئ جمال الدّين محمد بن مكرّم بن علي الأنصاري [الرّويفعي] [3] ، يروي عن مرتضى، وابن المقيّر، ويوسف المحيلي، وابن الطّفيل. وحدّث بمصر ودمشق، واختصر «تاريخ ابن عساكر» [4] وله نظم ونثر، وفيه شائبة تشيّع، وتوفي بمصر في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة.
__________
[1] هو تاج الدّين محمد بن علي الباريناري المصري، سترد ترجمته في وفيات سنة (717) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (62) و «الدّرر الكامنة» (2/ 189- 190) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (62) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «معجم الشيوخ» (2/ 288) و «فوات الوفيات» (4/ 39- 40) و «حسن المحاضرة» (1/ 388 و 534) وقد اشتهر بابن منظور.
[4] وهو الذي قامت بطبعه دار الفكر بدمشق في تسعة وعشرين جزءا، وقام بتحقيق أجزائه عدد كبير من الأساتذة والباحثين، منهم أصدقاؤنا الأفاضل: رياض عبد الحميد مراد، ومحمد مطيع الحافظ، وإبراهيم صالح، ونزار أباظة.
قلت: واختصر أيضا كتاب «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني وسمّاه «مختار الأغاني» وقد طبعه المكتب الإسلامي بدمشق قبل سنوات طويلة، وقد تولى تحقيقه الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وشاركه العمل فيه الأستاذ محمد محمد شراب وغيره ممن كان يعمل في المكتب الإسلامي، وصدر في اثني عشر مجلدا، وطبع بعد ذلك في مصر أيضا.
وهو صاحب المعجم العظيم «لسان العرب» أحد أهم المعجمات العربية، جزاه الله عن المسلمين خير الجزاء.

(8/49)


وفيها الأديب الخليع الحكيم شمس الدّين محمد بن دانيال [1] مؤلّف كتاب «طيف الخيال» .
كانت له نكت غريبة، وطباع عجيبة.
صحبه ولد القسيس الملكي، وكان جميل الصّورة، فخاف والده عليه منه، فكتب إليه ابن دانيال:
قلت للقسيس يوما ... والورى تفهم قصدي
ما الذي أنكرت من نج ... لك إذ أخلصت ودّي
خفت أن يسلم عندي ... هو ما يسلم عندي
ومن شعره:
ما عاينت عيناي في عطلتي ... أيشم [2] من حظّي ومن بختي
قد بعت عبدي وحماري وقد ... أصبحت لا فوقي ولا تحتي
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي نصر الدّباهي البغدادي [3] الحنبلي الزاهد.
ولد سنة ست أو سبع وثلاثين وستمائة ببغداد، وصحب الشيخ يحيى الصّرصري، وكان خال والدته، والشيخ عبد الله كتيلة مدّة، وسافر معه، وجاور بمكّة عشر سنين. ودخل الرّوم، والجزيرة، ومصر، والشام، ثم استوطن دمشق وبها توفي.
قال ابن الزملكاني عنه: شيخ صالح وعارف زاهد، كثير الرّغبة في العلم وأهله، والحرص على الخير، والاجتهاد في العبادة. تخلّى عن الدّنيا، وخرج عنها، ولازم العبادة والعمل الدائم، واستغرق أوقاته في الخير.
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (3/ 51- 57) و «فوات الوفيات» (3/ 330- 339) و «النجوم الزاهرة» (9/ 215) .
[2] في «الوافي بالوفيات» : «أقلّ» وفي «فوات الوفيات» : «أدبر» ومعنى: أيشم، أشأم، قال الجوهري:
والعامة تقول: ما أيشمه.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (60- 61) و «معجم الشيوخ» (2/ 168- 169) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 361- 364) .

(8/50)


وقال ابن رجب: سمع منه البرزالي، والذهبي، ابتلي بضيق النّفس سبعة أشهر، ثم بالاستسقاء، وانتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الخميس رابع عشري شهر ربيع الآخر ودفن بقاسيون قبل الشيخ عماد الدّين الواسطي بيومين.
وفيها شرف الدّين محمد بن شريف بن يوسف ابن الوحيد الزّرعي [1] .
قال الذهبي: شيخ التجويد، وصاحب الكتابة الباهرة والإنشاء الجيد. كان شجاعا، مقداما، متكلما، منشئا. وهو متّهم في دينه يرمى بعظائم.
توفي في شعبان وقد شاخ. انتهى.
وفيها عماد الدّين أبو المعالي محمد بن علي بن محمد بن علي بن البالسي [2] الدمشقي [3] .
قال في «العبر» : العدل المرتضى المسند. سمع من إسحاق الشّاغوري، وكريمة، وجماعة حضورا، ومن السّخاوي، وابن قميرة، وابن شقير، وخلق.
خرّجت له «معجما» كبيرا، ووقف أجزاءه. وكان محمودا في الشهادات، حسن الدّيانة.
توفي في جمادى الأولى عن أربع وسبعين سنة.
وفيها الصّاحب فخر الدّين عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن الخليلي التّميمي الدّاري المصري [4] .
روى عن المرسي، وولي وزارة الصحبة في آخر الدولة المنصورية، ثم للعادل والمنصور حسام الدّين، ثم عزل ثم ولّي للناصر ثم عزل، ومات معزولا.
وكان خبيرا بالأمور، شهما، مقداما، فيه كرم وسؤدد.
مات ليلة الفطر عن إحدى وسبعين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (62) و «الدّرر الكامنة» (3/ 453) .
[2] في «آ» و «ط» : «النابلسي» وهو خطأ والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (61) و «معجم الشيوخ» (2/ 245) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «الدرر الكامنة» (4/ 83) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (58- 59) و «معجم الشيوخ» (2/ 76- 77) و «الدّرر الكامنة» (3/ 170) .

(8/51)


وفيها أبو حفص عمر بن عبد النّصير بن محمد بن هاشم بن عزّ العرب القُرَشي السّهمي القوصي ثم [1] الإسكندراني، المعروف بالزّاهد [2] .
قال الذهبي: حدثنا بدمشق عن ابن المقيّر، وابن الجمّيزي، وحجّ مرات.
وقال ابن حجر: أجاز لبعض شيوخنا، وله شعر، فمنه:
قف بالحمى ودع الرّسائل ... وعن الأحبة قف وسائل
واجعل خضوعك والتذلّل ... في طلابهم وسائل
والدّمع من فرط البكا ... ء عليهم جار وسائل
واسأل مراحمهم فهنّ ... لكل محروم وسائل
وتوفي في منتصف المحرّم بالثغر عن ست وتسعين سنة.
وفيها أم محمد فاطمة بنت الشيخ إبراهيم بن محمود بن جوهر البطائحي البعلي [3] والدة الشيخ إبراهيم بن القرشية [4] وإخوته. روت «الصحيح» عن ابن الزّبيدي مرّات، وسمعت «صحيح مسلم» من ابن الحصيري شيخ الحنفية، وسمعت من ابن رواحة، وكانت ديّنة، متعبّدة، صالحة، مسندة.
توفيت في صفر عن ست وثمانين سنة.
وفيها قاضي حماة العلّامة عزّ الدّين عبد العزيز بن محيي الدّين محمد بن نجم الدّين أحمد بن هبة الله بن العديم الحنفي [5] .
قال الذهبي: حدثنا عن ابن خليل، وهدية، وغيرهما. وكان له اعتناء ب «الكشّاف» وب «مفتاح» السّكّاكي [6] علّامة.
توفي بحماة في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة، ودفن بتربته.
__________
[1] لفظة «ثم» لم ترد في «آ» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (59) و «معجم الشيوخ» (2/ 76- 77) و «الدّرر الكامنة» (3/ 174) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (60) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «الدّرر الكامنة» (3/ 220) .
[4] سترد ترجمته في وفيات سن (740) ص (219) .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (60) و «الدّرر الكامنة» (2/ 382) و «الجواهر المضية» (2/ 438) .
[6] تقدمت ترجمته في ص (215) من المجلد السابع وتمّ هناك التعريف بكتابه.

(8/52)


وفيها قاضي الحنابلة سعد الدّين أبو محمد وأبو عبد الرحمن، مسعود بن أحمد بن مسعود [1] المحدّث الحافظ، قاضي قضاة الحنابلة الحارثي [2] .
ولد سنة اثنتين أو ثلاث وخمسين وستمائة، وسمع بمصر من الرّضي بن البرهان، والنّجيب الحرّاني، وابن علّاق، وجماعة من أصحاب البوصيري.
وبالإسكندرية من عثمان بن عوف، وابن الفرات. وبدمشق من أحمد بن أبي الخير، وأبي زكريا بن الصّيرفي وخلق من هذه الطبقة. وعني بالحديث، وكتب بخطّه الكثير، وتفقّه على ابن أبي عمر وغيره، وبرع، وأفتى، وصنّف، وخرّج لنفسه أمالي، وتكلّم فيها على الحديث ورجاله، وعلى التراجم، فأحسن وشفى.
وحجّ غير مرّة. ودرّس بعدة أماكن. وولي القضاء سنتين ونصفا. وكان سنّيّا، أثريّا، متمسّكا بالحديث.
قال الذهبي في «معجمه» : كان فقيها، مناظرا، مفتيا، عالما بالحديث وفنونه، حسن الكلام، عليه وعلى الأسماء، ذا حظ من عربية وأصول، وأقرأ المذهب، ودرّس، ورأس الحنابلة. روى عنه إسماعيل بن الخبّاز، وهو أسند منه، وأبو الحجّاج المزّي، وأبو محمد البرزالي.
وذكره الذهبي أيضا في «طبقات الحفاظ» وقال: كان عارفا بمذهبه، ثقة، متقنا، صينا.
وقال ابن رجب: حدثنا بالكثير، وروى عنه جماعة من شيوخنا وغيرهم، وتوفي سحر يوم الأربعاء [رابع] عشري ذي الحجّة بالقاهرة، ودفن من يومه بالقرافة.
والحارثي: نسبة إلى الحارثية، قرية ببغداد غربيها [3] ، كان أبوه منها.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (64) و «معجم الشيوخ» (2/ 339) و «المعجم المختص» ص (281) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 362) و «تتمة المختصر في أخبار البشر» (2/ 372) .
[2] لفظة «الحارثي» سقطت من «آ» .
[3] انظر حاشية الصفحة (51) من «بلدان الخلافة الشرقية» .

(8/53)


سنة اثنتي عشرة وسبعمائة
فيها مات شيخ بعلبك الإمام الفقيه الزّاهد القدوة بركة الوقت أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن حاتم الحنبلي [1] .
حدّث عن سليمان الإسعردي، وأبي سليمان الحافظ، والشيخ الفقيه [2] وبالإجازة، عن ابن روزبه، ونصر بن عبد الرزّاق. وكان من العلماء الأبرار، قليل المثل، خيّرا، منوّرا، أمّارا بالمعروف.
توفي في صفر عن نيّف وثمانين سنة.
وفيها الصّدر الأديب المقرئ شهاب الدّين أحمد بن سليمان بن مروان بن البعلبكي الدمشقي [3] ، من تجار الخوّاصين، ومن عدول القيمة. عرض «الشاطبية» على السّخاوي، وسمع منه أجزاء، وله نظم جيّد، منه:
هم الأحبة إن جاروا وإن عدلوا ... ومنتهى أربي صدّوا وإن وصلوا
ما لي اعتراض عليهم في تصرّفهم ... جادوا عليّ بوصل أو هم بخلوا
أحبابنا كيف حلّلتم قطيعة من ... أمسى وليس له في غيركم أمل
لا يحمل الضّيم إلّا في محبّتكم ... ولا يقاس به في غيره رجل
والحبّ يبدي اعتذارا من جنايته ... بغير وجه ويعلو وجهه الخجل
وكل ساع سعى فينا يقول لنا ... لا ناقة لي في هذا ولا جمل
توفي في ربيع الآخر عن خمس وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (68) و «معجم الشيوخ» (1/ 124- 125) و «الدّرر الكامنة» (1/ 8) .
[2] في «الدّرر الكامنة» : «واشتغل على الفقيه اليونيني» فلعله هو.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (68) و «معجم الشيوخ» (1/ 47- 48) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 732- 733) و «الدّرر الكامنة» (1/ 139) .

(8/54)


وفيها تاج الدّين أحمد بن العماد بن الشّيرازي [1] . ولي الوكالة، والحسبة، ونظر الدواوين، ونظر الجامع. وتنقل في المناصب ثم مات بطالا.
حدّث عن ابن عبد الدائم، وتوفي بالمزّة في رجب عن ثمان وخمسين سنة.
وفيها الفقيه الحنبلي المعمّر عماد الدّين أحمد بن القاضي شمس الدّين محمد بن العماد إبراهيم المقدسي الحنبلي [2] . سمع ببغداد من الكاشغري، وابن الخازن، وبمصر من ابن رواج وطائفة، وتفرّد بأجزاء، وتوفي بمصر في جمادى الآخرة، عن خمس وسبعين سنة.
وفيها زين الدّين أبو محمد الحسن بن عبد الكريم بن عبد السلام الغماري المصري المالكي [3] سبط الفقيه زيادة. سمع من أبي القاسم بن عيسى المقرئ، ومحمد بن عمر القرطبي [4] المقرئ، وتفرّد عنهما. وتلا بالسّبع على أصحاب أبي الجود [5] . وكان خيّرا، فاضلا، كيسا، يؤدّب في منزله.
توفي بمصر في شوال عن خمس وتسعين سنة.
وفيها نجم الدّين داود الكردي [6] الشّافعي درّس بصلاحية القدس ثلاثين سنة، وكان علّامة، وتوفي بالقدس.
وفيها شرف الدّين أبو البركات عبد الأحد بن أبي القاسم بن عبد الغني ابن خطيب حرّان فخر الدّين بن تيميّة الحرّاني [7] الحنبلي التاجر.
روى عن ابن اللّتي حضورا، وعن ابن رواحة، وابن شقير، وجماعة، وكان صالحا، عدلا، تقيا.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (68- 69) .
[2] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 241) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (72) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 734) و «الدّرر الكامنة» (1/ 217) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الفوطي» والتصحيح من «ذيول العبر» و «معرفة القراء الكبار» .
[5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أبي النجود» والتصحيح من «ذيول العبر» و «معرفة القراء الكبار» .
[6] انظر «ذيول العبر» ص (72) و «الأنس الجليل» (1/ 393) .
[7] انظر «ذيول العبر» ص (70) و «الدرر الكامنة» (2/ 314) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 468) وفيه «عبد الواحد بن أبي القاسم» .

(8/55)


توفي بدمشق في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة.
وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن هارون التّغلبي الدمشقي [1] قارئ المواعيد للعامّة. سمع من ابن صباح حضورا، ومن ابن الزّبيدي، والمازني [2] وابن اللّتي، والنّاصح، ومكرم، وعدة. وتفرّد بالعوالي، واشتهر.
وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا، مسندا، عالما.
توفي بمصر في ربيع الآخر وله ست وثمانون سنة.
وفيها نور الدّين علي بن نصر الله بن عمر القرشي المصري بن الصوّاف [3] الشّافعي، الذي روى عن ابن باقا أكثر «سنن النسائي» سماعا، وتفرّد واشتهر، وسمع من جعفر الهمذاني، والعلم بن الصّابوني. وله إجازة أبي الوفاء محمود بن مندة من أصبهان.
وتوفي في رجب وقد قارب التسعين.
وفيها الملك المظفّر شهاب الدّين غازي ابن النّاصر داود بن المعظّم بن العادل [4] .
قال الذهبي: حدثنا عن الصّدر البكري، وخطيب مردا. وكان عاقلا، ديّنا، عاش نيّفا وسبعين سنة.
وفيها سلطان دست [5] القفجاق طقططيه [6] المغلي الجنكزخاني، وله
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (69) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «الدّرر الكامنة» (3/ 121) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المازري» والتصحيح من «ذيول العبر» و «الدّرر الكامنة» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (71) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299- 300) و «الدّرر الكامنة» (3/ 136) و «حسن المحاضرة» (1/ 389) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (71) و «الدّرر الكامنة» (3/ 215) و «النجوم الزاهرة» (9/ 224) .
[5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «دشت» والتصحيح من «ذيول العبر» مصدر المؤلف.
[6] انظر «ذيول العبر» ص (72- 73) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (300) و «الدّرر الكامنة» (2/ 226) .

(8/56)


نحو من أربعين سنة. وكانت دولته ثلاثا وعشرين سنة، وكان على دين قومه، يحب السّحرة، وفيه عدل في الجملة، وميل إلى الإسلام. وعسكره خلق عظيم بالمرّة.
وتملّك بعده القآن الكبير أزبك خان. وهو شاب بديع الجمال حسن الإسلام موصوف بالشجاعة، وامتدت أيامه. قاله في «العبر» .
وفيها صاحب ماردين نجم الدّين غازي بن المظفّر قرا أرسلان بن السّعيد غازي بن أرتق بن غازي بن تمرتاش بن الملك غازي بن أرتق التركماني الأرتقي [1] .
توفي في ربيع الآخر ودفن بتربة آبائه، عن بضع وستين سنة.
وتملّك بعده ولده العادل فمات بعد أيام. فيقال: سمّهما قرا سنقر. ثم تملّك ابنه الآخر الملك الصّالح.
وفيها المعمّرة أم محمد هدية بنت علي بن عسكر الهرّاس [2] ولها ست وثمانون سنة. تروي عن ابن الزّبيدي حضورا، وعن ابن اللّتي، والهمذاني، وغيرهم. وكانت فقيرة، صالحة، قنوعة، متعبدة، سمراء، قابلة.
توفيت بالقدس في جمادى الأولى. قاله الذّهبي.
وفيها ست الأجناس موفّقيّة [3] بنت عبد الوهاب بن عتيق بن وردان المصرية [4] . روت عن الحسن بن دينار، والعلم بن الصّابوني، وغيرهما.
وتفرّدت وعمّرت اثنتين وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (69) و «النجوم الزاهرة» (9/ 224) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (70) و «معجم الشيوخ» (2/ 362- 363) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «الدّرر الكامنة» (4/ 403) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «موفية» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4] انظر «ذيول العبر» ص (71- 72) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (300) و «الدّرر الكامنة» (4/ 384) .

(8/57)


وفيها الأديب محمد بن موسى القدسي [1] ، عرف بكاتب أمير سلاح.
كتب في لوح صبي مليح اسمه سالم:
وأهيف تهفو نحو بانة قدّه ... قلوب تبثّ الشجو فهي حمائم
عجبت له إذ دام توريد خدّه ... وما الورد في حال على الغصن دائم
وأعجب من ذا أن حيّة شعره ... تجول على أعطافه وهو سالم
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (5/ 93- 98) و «فوات الوفيات» (4/ 42- 45) و «الدّرر الكامنة» (4/ 269) والأبيات في «الوافي» و «الفوات» بالرواية ذاتها.

(8/58)


سنة ثلاث عشرة وسبعمائة
فيها توفي أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي القاسم الدّشتي- بفتح المهملة وسكون المعجمة وفوقية، نسبة إلى دشتى محلّة بأصبهان- الكردي المؤدّب الحنبلي [1] .
قال الذهبي حدثنا عن ابن رواحة، وابن يعيش، وابن قميرة، والضّياء، وصفيّة القرشية، وعدة. وله مشيخة بانتقاء البرزالي، وتفرّد بأشياء عالية.
وتوفي في جمادى الآخرة بدمشق عن ثمانين سنة غير أشهر.
وفيها المسند المعمّر ركن الدّين بيبرس التركي العديمي [2] .
قال الذهبي: حدّثنا عن الكاشغري، وهبة الله بن الدّوامي، وجماعة. وكان مسندا.
توفي بحلب في ذي القعدة، عن نحو التسعين أو أكثر.
وفيها شيخ القرّاء تقي الدّين أبو بكر ثابت بن محمد بن المشيّع الجزري المقصّاتي [3] .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (75- 76) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (300) و «الدّرر الكامنة» (1/ 292) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 468) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (76) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (300) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (74- 75) و «معجم الشيوخ» (2/ 413- 414) و «غاية النهاية» (1/ 183) وفيها جميعا «أبو بكر بن عمر بن مشيّع الجزري المعصّاتي» وانظر التعليق على «ذيول العبر» .

(8/59)


أمّ مدّة بالرّباط النّاصري بسفح قاسيون، وتلا على الشيخ عبد الصّمد وغيره. وروى عن الكواشي «تفسيره» وكان ديّنا، صالحا، بصيرا بالسّبع.
وتوفي بدمشق في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة.
وفيها فخر الدّين أبو عمرو عثمان بن محمد بن عثمان التّوزري [1]- بفتح المثناة الفوقية والزاي، بينهما واو ساكنة، وآخره راء، نسبة إلى توزر [2] مدينة بإفريقية- الحافظ المالكي المجاور. سمع السّبط، وابن الجمّيزي، وعدة. وقرأ ما لا يوصف كثرة، ثم جاور للعبادة مدة، وكان قد تلا بالسّبع.
وتوفي بمكّة المشرّفة في ربيع الآخر عن ثلاث وثمانين سنة.
وفيها الخطيب القاضي عماد الدّين علي ابن الفخر عبد العزيز بن قاضي القضاة عماد الدّين عبد الرحمن بن عبد العلي ابن السّكّري المصري الشّافعي [3] ، خطيب جامع الحاكم، ومدرّس مشهد الحسين، وقد ذهب في الرسالة إلى ملك التتار، وحدّث بدمشق عن جدّه لأمّه ابن الجمّيزي، وتوفي عن أربع وسبعين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (74) و «العقد الثمين» (6/ 41- 47) و «غاية النهاية» (1/ 510) .
[2] انظر «الروض المعطار» ص (144- 145) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (74) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 170- 171) و «الدّرر الكامنة» (3/ 62) .

(8/60)


سنة أربع عشرة وسبعمائة
فيها جرت وقعة بقرب مكّة بين الأخوين حميضة، وأبي الغيث، فقتل أبو الغيث واستولى حميضة على مكّة.
وفيها توفي العدل المسند زين الدّين إبراهيم بن عبد الرحمن بن تاج الدّين أحمد بن القاضي أبي نصر بن الشّيرازي الشّافعي [1] .
قال الذهبي: حدثنا عن السّخاوي، وكريمة، والنسّابة، والتّاج بن حمّوية، وطائفة. وانتخب عليه العلائي.
مولده [في أول يوم من سنة أربع وثلاثين وستمائة] .
وتوفي في جمادى الآخرة وله ثمانون سنة.
وفيها رشيد الدين إسماعيل بن عثمان بن المعلّم القرشي الدمشقي الحنفي [2] ، شيخ الحنفية. سمع من ابن الزّبيدي «الثلاثيات» [3] ، وسمع من السّخاوي، والنسّابة، وجماعة. وتفرّد وتلا بالسّبع على السّخاوي، وأفتى ودرّس، ثم انجفل إلى القاهرة سنة سبعمائة، وتغيّر قبل موته بقليل وانهزم، وتوفي بمصر في رجب عن إحدى وتسعين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (77) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «الدّرر الكامنة» (1/ 36) و «المنهل الصّافي» (1/ 80) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (77- 78) و «الجواهر المضية» (1/ 418- 422) .
[3] يعني «ثلاثيات البخاري» كما جاء مبينا في «الجواهر المضية» .

(8/61)


ومات قبله ابنه المفتي تقي الدّين [1] بقليل.
وفيها نقيب الأشراف أمين الدّين جعفر ابن شيخ الشّيعة محيي الدّين محمد بن عدنان الحسيني [2] .
توفي في حياة أبيه، فولي النقابة بعده ولده شرف الدّين عدنان وخلع عليه بطرحة، وهو شاب طريّ. قاله في «العبر» .
وفيها الشيخ سليمان التركماني المولّه [3] .
قال الذهبي: كان يجلس بسقاية باب البريد وحوله الكلاب، ثم يطرق العلبيين، وعليه عباءة نجسة ووسخ بيّن، وهو ساكن، قليل الحديث، له كشف وحال من نوع إخبارات الكهنة، وللناس فيه اعتقاد زائد. وكان شيخنا إبراهيم الرّقّي مع جلالته يخضع له ويجلس عنده. قارب سبعين سنة، وكان يأكل في رمضان ولا صلاة ولا دين. ورأيت من يحكي أنه يعقل ولكنه يتجانن. انتهى.
وفيها محتشم العراق القدوة شهاب الدّين عبد المحمود بن عبد الرحمن بن أبي جعفر محمد بن الشيخ شهاب الدّين السّهرورديّ [4] ، وخلّف نعمة جزيلة، وكان عالما واعظا. حدّث عن جدّه أبي جعفر.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطّاب الباجي- بالباء الموحدة والجيم نسبة إلى باجة مدينة بالأندلس- المصري [5] الشافعي [6] الإمام المشهور.
__________
[1] هو يوسف بن إسماعيل بن عثمان القرشي، تقي الدّين. تزهّد، وأفتى، ودرس بالبلخيّة جوار جامع دمشق. انظر «ذيول العبر» ص (78) و «الدرر الكامنة» (4/ 450) و «الجواهر المضية» (3/ 621- 622) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (78) و «الدّرر الكامنة» (1/ 537) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (79) و «البداية والنهاية» (14/ 72) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (78) و «الدّرر الكامنة» (2/ 413) .
[5] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 286- 287) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 290- 293) و «حسن المحاضرة» (1/ 544) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[6] لفظة «الشافعي» لم ترد في «آ» وأثبتها من «ط» .

(8/62)


ولد سنة إحدى وثلاثين وستمائة، سنة مولد النّووي، وتفقه بالشام على ابن عبد السّلام، ثم ولي قضاء الكرك قديما في دولة الملك الظّاهر، ثم دخل القاهرة واستوطنها، وناب في الحكم، ثم ترك ذلك، ولزمته الطلبة للاشتغال عليه.
وممن أخذ عنه الشيخ تقي الدّين السّبكي، أخذ عنه الأصلين وتخرّج به في المناظرة، وله مصنّفات في فنون [ليست على قدر علمه] .
قال ابن شهبة: كان أعلم أهل الأرض بمذهب الأشعري، وكان هو بالقاهرة والصّفي الهندي بالشام القائمين بنصرة مذهب الأشعري، وكان ابن دقيق العيد كثير التعظيم له.
وقال التّقي السّبكي: كان ابن دقيق العيد لا يخاطب أحدا إلّا بقوله: يا إنسان غير اثنين الباجي، وابن الرّفعة، يقول للباجي: يا إمام، ولابن الرّفعة يا فقيه.
وقال الإسنوي: له في المحافل مباحث مشهورة، وفي المشاهد مقامات مأثورة. كان إماما في الأصلين، والمنطق، فاضلا فيما عداها. وكان أنظر أهل زمانه ومن أذكاهم قريحة، لا يكاد ينقطع في المباحث، فصيح العبارة. وكان يبحث مع الكبير والصغير إلّا أنه قليل المطالعة جدا، ولا يكاد أحد يراه ناظرا في كتاب.
وصنف مختصرات في علوم متعددة، واشتهرت وحفظت في حياته، وعقب موته، ثم انطفت كأن لم تكن.
توفي في ذي القعدة ودفن بالقرافة بقرب المكان المعروف بورش.
وفيها العالمة الفقيهة الزّاهدة القانتة، سيدة نساء زمانها، الواعظة أمّ زينب فاطمة بنت عبّاس البغدادية [1] الشّيخة بمصر، عن نيّف وثمانين سنة، وشيّعها خلائق، وانتفع بها خلق من النساء وتابوا. وكانت وافرة العقل والعلم [2] ، قانعة
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (80) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (301) و «الدرر الكامنة» (3/ 226) و «حسن المحاضرة» (1/ 390) .
[2] كذا في «ط» و «المنتخب» لابن شقدة: «وافرة العقل والعلم» وفي «آ» و «ذيول العبر» مصدر المؤلف، و «حسن المحاضرة» : «وافرة العلم» .

(8/63)


باليسير، حريصة على النفع والتّذكير، ذات إخلاص وخشية وأمر بالمعروف، انصلح بها نساء دمشق، ثم نساء مصر. وكان لها قبول زائد ووقع في النّفوس، رحمها الله، زرتها مرة. قاله في «العبر» .
وفيها العدل جمال الدّين ابن عطيّة بن إسماعيل بن عبد الوهاب بن محمد بن عطيّة اللّخمي [1] المتفرّد بكرامات الأولياء عن مظفّر الفوّي.
مات وهو من أبناء الثمانين.
وفيها الصّالح المعمّر، بقية السّلف، محمد [بن محمود بن الحسين بن الحسن، المعروف ب] «حياك الله» الموصلي [2] بزاويته في سويقة كوم الرّيش [3] بمصر، ودفن بالقرافة. وكان من الأخيار يقصد للزيارة والتبرك، سئل عن مولده فقال: قدمت مصر في أول دولة المعزّ أيبك التّركماني [4] وعمري خمس وثمانون سنة، فيكون لي مائة وستون سنة. وكان كثير الذّكر والتّلاوة، وعنده محاضرة، وعلى ذهنه أشياء.
ومن شعره:
إذا الحبّ لم يشغلك عن كلّ شاغل ... فما ظفرت كفّاك منه بطائل
وما الحبّ إلا خمرة تسكر الفتى ... فيصبح نشوانا لطيف الشّمائل
لقيني من أهواه يوما فقال لي ... بمن أنت مشغوف فقلت بسائلي
ولو أن في السّلوان ما عنكم غنى ... لخلّصت قلبي واستراحت عواذلي
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (81) و «مرآة الجنان» (4/ 254) و «الدّرر الكامنة» (2/ 456) .
[2] انظر «النجوم الزاهرة» (9/ 227) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[3] في «النجوم الزاهرة» : «سويقة الرّيش» وانظر الصفحة (201) من الجزء التاسع منه التعليق رقم (1) .
[4] انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للعلّامة الزركلي (2/ 33) .

(8/64)


سنة خمس عشرة وسبعمائة
فيها كما قال في «العبر» [1] : قتل أحمد الرّويس الأقباعي بدمشق لاستحلاله المحارم وتعرضه للنّبوّة، وكان له كشف وإخبار عن المغيّبات، فضلّ به الجهلة. وكان يقول: أتاني النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- وحدّثني. وكان يأكل الحشيشة ويترك الصلاة، وعليه قباء.
وفيها توفي السيّد ركن الدّين حسن بن شرف شاه الحسيني الأستراباذي [2] صاحب التصانيف. كان علّامة، متكلما، نحويا، مبالغا في التواضع، يقوم لكلّ أحد، حتّى للسّقّاء. وكانت جامكيّته [3] في الشهر ألفا وثمانية [4] دراهم، وتوفي بالموصل في المحرّم وقد شاخ.
وفيها الشّيخة الصّالحة، ستّ الوزراء ابنة [تاج الدّين] أبي الفضل يحيى بن محمد بن حمزة التّغلبي الدمشقي [5] .
مولدها سنة تسع وثلاثين وستمائة. وأجاز لها ابن البخاري والضّياء،
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (82) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (83) و «مرآة الجنان» (4/ 255) و «الدّرر الكامنة» (2/ 16) .
[3] قال الشيخ محمد أحمد رهمان رحمه الله تعالى في «معجم الألفاظ التاريخية» ص (51) :
الجامكية: لفظ مشتق من جامه بمعنى اللّباس، أي نفقات أو تعويض اللّباس الحكومي، وقد ترد بمعنى الأجر أو الراتب أو المنحة، والجمع: جامكيات، جوامك، جماكي.
[4] في «مرآة الجنان» : «ألف وستمائة» .
[5] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 129- 130) وقد تحرفت «التّغلبي» فيه إلى «الثّعلبي» فلتصحح.
قلت: ووالدها مترجم في «معجم الشيوخ» (2/ 375- 376) .

(8/65)


وعز الدّين بن عساكر، وعتيق السّلماني، وخطيب عقربا، وجماعة. وهي من بيت الحديث.
وفيها مسند الشّام قاضي القضاة تقي الدّين أبو الفضل سليمان بن حمزة ابن أحمد بن عمر بن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي [1] .
ولد في منتصف رجب، سنة ثمان وعشرين وستمائة. وحضر على ابن الزّبيدي «صحيح البخاري» وعلى الفخر الإربلي، وابن المقيّر، وجماعة. وسمع من ابن اللّتي، وجعفر الهمداني، وكريمة القرشية، والحافظ ضياء الدّين، وابن قميرة [2] وخلق. وأكثر عن الحافظ الضّياء، حتى قال: سمعت منه نحو ألف جزء.
وكتب كثيرا من الكتب الكبار والأجزاء، وأجاز له خلق من البغداديين، كالسّهروردي، والقطيعي، ومن المصريين كابن عماد [3] ، وعيسى بن عبد العزيز، وابن باقا.
ولازم الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وأخذ عنه الفقه والفرائض وغير ذلك.
قال البرزالي: شيوخه بالسّماع نحو مائة شيخ، وبالإجازة أكثر من سبعمائة، وخرّجت له المشيخات، والعوالي، والمصافحات [4] والموافقات. ولم يزل يقرأ عليه إلى قبل وفاته بيوم.
قال: وكان شيخا، جليلا، فقيها، كبيرا، بهي المنظر، وضيء الشّيبة، حسن الشّكل، مواظبا على حضور الجماعات، و [على] قيام اللّيل والتلاوة
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (85) و «معجم الشيوخ» (1/ 268- 269) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 364- 366) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «ابن قمرية» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «ابن عمّار» وهو ابن العماد الإمام الحافظ وجيه الدّين أبو المطفّر منصور بن سليمان الهمداني الإسكندراني. وقد مضت ترجمته في وفيات سنة (673) من المجلد السابع.
[4] تحرفت في «ط» إلى «المصالحات» .

(8/66)


والصيام، وأوراد وعبادة. وكان عارفا بالفقه، خصوصا كتاب «المقنع» قرأه وأقرأه مرّات. وكان قوي النّفس، لين الجانب، حسن الخلق، متودّدا إلى الناس، حريصا على قضاء الحوائج، وعلى النّفع المتعدي. وحدّث بثلاثيات البخاري سنة ست وخمسين وستمائة، وحدّث بجميع «الصحيح» سنة ستين. وولي القضاء سنة خمس وتسعين.
وقال الذهبي: كان إماما، محدّثا، أفتى نيفا وخمسين سنة، وبرع في المذهب وتخرّج به الفقهاء، وروى الكثير، وتفرّد في زمانه. وكان يقول لم أصلّ الفريضة قطّ منفردا إلّا مرتين، وكأني لم أصلهما. وسمع منه [1] الأبيوردي، وذكره في «معجمه» مع أنه توفي قبله بدهر، وابن الخبّاز وتوفي قبله بمدّة. وسمع منه أئمة وحفّاظ. وروى عنه خلق كثير.
وتوفي ليلة الاثنين حادي عشري ذي القعدة بمنزله بالدّير فجأة، وكان قد حكم يوم الأحد [2] بالمدينة، وطلع إلى الجبل آخر النهار، فعرض له تغيّر يسير، وتوضأ للمغرب، ومات عقيب المغرب، ودفن من الغد بتربة جدّه الشيخ أبي عمر.
وفيها الشّيخ الزّاهد محيي الدّين علي بن محتسب دمشق فخر الدّين محمود بن سيما السّلمي [3] . روى عن أبيه حضورا، وعن ابن عبد الدائم. وأجاز له ابن دحية، والإربلي، وجماعة. وكان خيّرا، ديّنا، منقطعا عن النّاس.
توفي بدمشق في بستانه [4] في صفر، عن أربع وثمانين سنة.
وفيها محبّ الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن وهب بن مطيع القاضي الإمام الشّافعي بن الإمام تقي الدّين بن دقيق العيد [5] .
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «من» .
[2] في «ط» : «يوم الاثنين» وهو خطأ بين.
[3] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 54) و «الدّرر الكامنة» (3/ 126) .
[4] عند الذهبي في «معجم الشيوخ» : «ببستانه بقرية البلاط» وانظر «غوطة دمشق» للعلّامة كرد علي ص (164) .
[5] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 234) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 293) .

(8/67)


ولد بقوص في صفر، سنة سبع وخمسين وستمائة. وأخذ عن والده، وسمع الحديث، وحدّث، وناب في الحكم عن والده.
قال الإسنوي: كان فاضلا، ذكيا، علّق على «التعجيز» شرحا جيدا لم يكمله. وانقطع في القرافة مدّة.
وتوفي في شهر رمضان بمصر ودفن عند أبيه.
وفيها العلّامة شيخ الشيوخ صفي الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن محمد الأرموي ثم الهندي الشافعي [1] المتكلم على مذهب الأشعري.
مولده بالهند في ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وستمائة، وتفقه على جدّه لأمه الذي توفي سنة ست وستمائة، وسار من دلّي [2] سنة سبع وستين إلى اليمن، وحجّ وجاور ثلاثة أشهر، وجالس ابن سبعين. ثم قدم مصر فأقام بها أربع سنين، ثم سافر إلى بلاد الرّوم فأقام بها إحدى عشرة سنة بقونية وغيرها. وأخذ عن صاحب «التحصيل» ثم قدم دمشق سنة خمس وثمانين. وسمع من ابن البخاري وولي بها مشيخة الشيوخ، ودرّس بها بالظّاهرية الجوانية والأتابكية والرّواحية والدّولعية.
وانتصب للافتاء والإقراء في الأصول والمعقول والتصنيف والنظر. وأخذ عنه ابن المرحّل، وابن الوكيل، والفخر المصري، والكبار.
وكان ذا دين وتعبد وإيثار وخير وحسن اعتقاد. وكان يحفظ ربع القرآن.
قال السّبكي: كان من أعلم الناس بمذهب الشيخ أبي الحسن [3] وأدراهم بأسراره، متضلعا بالأصلين.
وقال الاسنوي: كان فقيها، أصوليا، متكلّما، أديبا، متعبّدا.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (83- 84) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 162- 164) و «البداية والنهاية» (14/ 74) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 534) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 296- 298) .
[2] قال الأستاذ محمد رشاد عبد المطلب رحمه الله في تعليقه على «ذيول العبر» ما نصه: هي لغة في دهلي أو دلهي عاصمة الهند الآن.
[3] يعني الأشعري رحمه الله.

(8/68)


توفي بدمشق في صفر عن إحدى وسبعين سنة، ودفن بمقابر الصّوفية.
ومن تصانيفه في علم الكلام «الزّبدة» و «الفائق» وفي أصول الفقه «النهاية» و «الرسالة السيفية» . وكل مصنفاته حسنة جامعة، لا سيما «النهاية» . انتهى.
وفيها العلّامة المفتي شمس الدّين بن العونسي محمد بن أبي القاسم بن جميل المالكي [1] . ولي قضاء الإسكندرية مدّة، وكان علّامة، متفنّنا.
توفي بمصر وله ست وسبعون سنة.
وفيها تاج الدّين أبو المكارم محمد بن كمال الدّين أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن النّصيبي [2] .
قال الذهبي: مكثر عن يوسف بن خليل، وكان مدرّس العصرونية، ووكيل بيت المال. وولي مرّة نظر الأوقاف وكتابة الإنشاء، وتوفي بحلب عن أربع وسبعين سنة.
وفيها ناصر الدّين محمد بن يوسف بن محمد بن المهتار نقيب الحاكم [3] . سمع المرجّى بن شقيرة، ومكّي بن علّان، وأبا عمرو بن الصّلاح، وعدّة، وله «مشيخة» وأجاز له ظافر بن شحم، وابن المقيّر، وتفرّد بأشياء، وتوفي في ذي الحجّة عن تسع وسبعين سنة.
وفيها عزّ الدّين أبو الفتح موسى بن علي بن أبي طالب العلوي الموسوي الدمشقي [4] الحنفي. روى عن الإربلي حضورا، وعن مكرم، والسّخاوي، وابن الصّلاح، وجماعة. وتفرّد، ورحل إليه.
وتوفي في ذي الحجّة بمصر عن سبع وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (84) و «الدّرر الكامنة» (4/ 149) و «حسن المحاضرة» (1/ 458) وقد تحرفت «جميل» فيه إلى «حميد» فلتصحح.
[2] انظر «ذيول العبر» ص (85) و «الدّرر الكامنة» (3/ 355) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (86) و «الدّرر الكامنة» (4/ 313) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (86) و «الجواهر المضية» (3/ 521) .

(8/69)