شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وعشرين وسبعمائة
فيها توفي بهاء الدّين إبراهيم بن المفتي شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن نوح المقدسي الدمشقي [1] .
قال الذهبي: حدّثنا عن ابن مسلمة، وابن علّان، والمرسي، وله أوقاف على البرّ، وفيه خير وتصوّن، وكان يكره فعائل أخيه ناصر الدين المشنوق، وكان عدلا، مسندا.
توفي بدمشق في جمادى الآخرة عن اثنتين وثمانين سنة.
وفيها نور الدّين إبراهيم بن هبة الله بن علي بن الصّنيعة [2] الحميري الإسنائي ويقال الإسنوي- نسبة إلى بلد بصعيد مصر الأعلى- الشّافعي [3] .
قال الإسنوي في «طبقاته» : كان إماما، عالما، ماهرا في فنون كثيرة، ملازما للاشتغال، والإشغال، والتّصنيف، دينا، خيّرا. أخذ في بلده عن البهاء القفطي، وهاجر إلى القاهرة في صباه، فلازم الشّمس الأصبهاني شارح «المحصول» والبهاء بن النحّاس الحلبي النّحوي، وغيرهما من شيوخ العصر، وصنّف تصانيف حسنة بليغة في علوم كثيرة، وتولى أعمالا كثيرة بالدّيار المصرية، آخرها الأعمال القوصية، ثم صرف عنها في أواخر سنة عشرين وسبعمائة لقيام بعض كتّاب أهل الدولة عليه لكونه لم يجبه إلى ما لا يجوز تعاطيه [4] فاستوطن القاهرة، وشرع في
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (119) و «الدّرر الكامنة» (1/ 60) .
[2] في «آ» و «ط» : «ابن الضيعة» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي.
[3] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 400) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 160- 161) و «الدّرر الكامنة» (1/ 74) و «حسن المحاضرة» (1/ 423) .
[4] انظر بيان ذلك فيما علّقه الأستاذ الدكتور عبد الله الجبّوري على «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 161) .

(8/99)


الاشتغال والتصنيف على عادته، واجتمعت عليه الفضلاء، فعاجلته المنيّة.
وتوفي في أوائل السنة وقد قارب السبعين. انتهى.
وفيها خطيب الفيّوم الرئيس الأكمل المحتشم مجد الدّين أحمد بن القاضي معين الدّين أبي بكر الهمداني المالكي [1] . كان يضرب به المثل في السؤدد والمكارم، عزّى به الناس أخاه شرف الدّين المالكي.
وفيها تاج الدّين أحمد بن المجير محمد بن [الشيخ كمال الدين] [2] علي بن شجاع القرشي العبّاسي [3] . روى عن جدّه الكمال الضّرير، وابن رواج، والسّبط، وحدّث بالكرك لمّا ولي نظرها. وكان رئيسا، محتشما.
توفي بمصر في جمادى الأولى وله تسع وسبعون سنة.
وفيها الشيخ مجد الدّين إسماعيل بن الحسين بن أبي السّائب [4] الأنصاري [5] الكاتب المعدّل. روى عن مكّي بن علّان، والرّشيد العراقي، وجماعة. وطلب بنفسه، وأخذ النّحو عن ابن مالك، وكتب الطّباق والإجازات، وتوفي ببستانه بقرية جوبر [6] .
وفيها صاحب اليمن الملك المؤيد هزبر الدّين داود بن الملك المظفّر يوسف بن عمر التّركماني [7] .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (117) و «النجوم الزاهرة» (9/ 117) .
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «ذيول العبر» مصدر المؤلف.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (118) و «الدّرر الكامنة» (1/ 282) .
[4] في «آ» و «ط» : «التائب» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[5] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 173- 174) و «المعجم المختص» ص (74) و «الدّرر الكامنة» (1/ 366) .
[6] جوير: قرية من قرى غوطة دمشق الشرقية وقد اتصلت بدمشق في أيامنا كغيرها من القرى المحيطة بدمشق من الغوطتين. انظر خبرها في «معجم البلدان» (2/ 176- 177) .
[7] انظر «ذيول العبر» ص (120) و «النجوم الزاهرة» (9/ 253) و «غربال الزّمان» ص (590) .

(8/100)


كانت دولته بضعا وعشرين سنة، وكان عالما، فاضلا، سائسا، شجاعا، جوادا، له كتب عظيمة نحو مائة ألف مجلد. وكان يحفظ «التنبيه» وغير ذلك، وتوفي بتعز في ذي الحجّة.
وفيها العارف الكبير نجم الدّين عبد الله بن محمد بن محمد الأصبهاني الشّافعي [1] ، تلميذ الشيخ أبي العبّاس المرسي. جاور بمكة مدة، وانتقد عليه الشيخ علي الواسطي أنه مع ذلك لم يزر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- وتوفي بمكّة في جمادى الآخرة عن ثمان وسبعين سنة.
وفيها العدل المسند علاء الدّين علي بن يحيى بن علي الشّاطبي الدمشقي الشّروطي [2] . روى شيئا كثيرا، وسمع ابن المسلمة، وابن علّان، والمجد الإسفراييني، وعدة. وتفرّد.
وتوفي في رمضان عن خمس وثمانين سنة.
وفيها الشيخ شمس الدّين محمد بن عثمان بن مشرف بن رزين الأنصاري الدمشقي الكناني ثم الخشّاب المعمار [3] .
روى عن التّقي بن العزّ وغيره، وبالإجازة عن ابن اللّتي، وابن المقيّر، وابن الصّفراوي.
وتوفي بدمشق في ذي الحجّة عن اثنتين وتسعين سنة.
وفيها تقي الدّين محمد بن عبد الحميد بن محمد الهمداني ثم المهلّبي [4] . حمل عن إسماعيل بن عزّون، والنّجيب، وطبقتهما. وحصّل، وتعب، ثم انقطع ولزم المنزل مدة. وكان صوفيا، محدّثا، رحّالا، ساء خلقه آخرا، وتوفي بمصر.
__________
[1] انظر «العقد الثمين» (5/ 271- 277) و «الدّرر الكامنة» (2/ 302) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (119) و «معجم الشيوخ» (2/ 63- 64) و «الدّرر الكامنة» (3/ 212) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (120) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (120- 121) و «الدّرر الكامنة» (3/ 493) .

(8/101)


وفيها شيخ الشّيعة وفاضلهم محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم الهمذاني ثم الدمشقي السّكاكيني [1] . كان لا يغلو ولا يسبّ معيّنا، ولديه فضائل. روى عن ابن مسلمة، والعراقي، ومكّي بن علّان، وتلا بالسّبع، وله نظم كثير. وأخذ عن أبي صالح الرّافضي الحلبي، وأخذه معه صاحب المدينة منصور فأقام بها سنوات، وكان يتشيّع به سنّة، ويتسنّن به رافضة، وفيه اعتزال.
توفي بدمشق في صفر عن ست وثمانين سنة.
وفيها سعد الدّين يحيى بن محمد بن سعد المقدسي [2] . روى عن ابن اللّتي حضورا، وعن جعفر، والمرسي، وطائفة. وأجاز له ابن روزبه، والقطيعي، وعدّة. وتفرّد، واشتهر اسمه وبعد صيته، مع الدّين والسّكينة، والمروءة، والتواضع.
قال الذهبي: وتفرّد بإجازة ابن صباح فيما أرى، وهو والد المحدّث شمس الدّين.
توفي بالصالحية في ذي الحجّة عن تسعين سنة وتسعة أشهر.
وفيها عالم المغرب الحافظ العلّامة أبو عبد الله [محمد بن عمر بن محمد] بن رشيد الفهري [3] في المحرّم بفاس، عن أربع وستين سنة. قاله في «العبر» .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (117) و «الدّرر الكامنة» (3/ 410) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (121) و «الدّرر الكامنة» (4/ 426) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (121) و «الدّرر الكامنة» (4/ 111) و «الوافي بالوفيات» (4/ 284- 286) وما بين الحاصرتين زيادة منه ومن «الدّرر الكامنة» .

(8/102)


سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة
فيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطّبري المكّي الشافعي [1] ، شيخ الإسلام وإمام المقام. كان صاحب حديث وفقه وإخلاص وتألّه. روى عن شعيب الزّعفراني، وابن الجمّيزي، وعبد الرحمن بن أبي حرمي، والمرسي، وعدة. وأجاز له السّخاوي وغيره، وخرّج لنفسه التساعيّات، وتفرّد بأشياء.
وتوفي بمكّة في ربيع الأول وله ست وثمانون سنة.
وفيها الزّاهد الكبير، قال في «العبر» [2] : جلال الدّين إبراهيم بن شيخنا زين الدّين محمد بن أحمد العقيلي الدمشقي بن القلانسي الكاتب. روى عن ابن عبد الدائم والكرماني، ودخل مصر منجفلا، وانقطع في مسجد فتغالوا فيه، ونوّهوا بذكره، وعظّموه، وبنوا له زاوية، واشتهر، وحصّل لأخيه عزّ الدّين الحسبة ونظر الخزانة.
وتوفي المترجم بالقدس في ذي القعدة عن ثمان وستين سنة.
وفيها المعمّرة الرّحلة أم محمد زينب بنت أحمد بن عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسي [3] في ذي الحجّة، عن أربع وتسعين سنة. سمعت ابن اللّتي، والهمذاني، وتفردّت بأجزاء ك «الثقفيات» ، ومسندي عبد [بن حميد] والدّارمي، وارتحلت إليها الطلبة. وحدّثت بمصر، والمدينة النّبوية، وماتت ببيت المقدس.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (124) و «العقد الثمين» (3/ 240- 247) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (125) و «الدّرر الكامنة» (1/ 125) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (126) و «النجوم الزاهرة» (9/ 258) .

(8/103)


وفيها زين الدّين عبد الرّحمن بن أبي صالح رواحة بن علي بن الحسين بن مظفّر بن نصر بن رواحة الأنصاريّ الحموي [1] الشّافعي [2] . سمع من جدّه لأمّه أبي القاسم بن رواحة، وصفية القرشية، وتفرّد، ورحل إليه، وله إجازات من ابن روزبه، والسّهروردي، وعدة.
وتوفي بأسيوط في ذي الحجّة عن أربع وتسعين سنة، وكان رئيسا، معمّرا، كاتبا.
وفيها نصير الدّين عبد الله بن الوجيه محمد بن علي بن سويد التّغلبيّ التكريتي ثم الدمشقي [3] ، الصّدر الكبير، صاحب الأموال، من أبناء السّبعين.
سمع الرّضي، والبرهان، والنّجيب، وابن عبد الدائم.
وفيها تقي الدّين عتيق بن عبد الرحمن بن أبي الفتح العمري [4] . كان محدّثا، زاهدا، له رحلة وفضائل. وروى عن النّجيب، وابن علّاق، ومرض بالفالج مدة، ثم توفي بمصر في ذي القعدة.
وفيها المعمّر الصّالح أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن علي النّجديّ [5] . كان ذا خشية، وعبادة، وتلاوة، وقناعة. سمع من المرسي، وخطيب مردا، وأجاز له ابن القبّيطي، وكريمة، وخلق. وروى الكثير، ومات بالسّفح في صفر عن بضع وثمانين سنة.
وفيها قطب الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الصّمد بن عبد القادر السّنباطي المصري الشافعي [6] .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الجميزي» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[2] انظر «ذيول العبر» ص (126) و «دول الإسلام» (2/ 230) و «الوافي بالوفيات» (18/ 145- 146) و «حسن المحاضرة» (1/ 392) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (125) و «البداية والنهاية» (14/ 104) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (123) و «الدّرر الكامنة» (2/ 434) و «المعجم المختص» ص (153) .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (124) و «الدّرر الكامنة» (3/ 324) .
[6] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 164- 165) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 72- 73)

(8/104)


ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة، وتفقّه بابن رزين وغيره، وسمع من الدّمياطي وغيره، وتقدم في العلم، ودرّس بالمدرسة الحساميّة ثم الفاضلية، وولي وكالة بيت المال، وناب في الحكم، وصنّف «تصحيح التعجيز» و «أحكام المبعّض» و «استدراكات على تصحيح التّنبيه» للنووي، واختصر قطعة من «الروضة» .
قال السبكي: كان فقيها، كبيرا، تخرّجت به المصريون.
وقال الإسنوي: كان إماما، حافظا للمذهب، عارفا بالأصول، دينا، خيّرا، سريع الدّمعة، متواضعا، حسن التعليم، متلطّفا بالطّلبة.
توفي بالقاهرة في ذي الحجّة، ودفن بالقرافة.
وسنباط: بلدة من أعمال المحلّة.
وفيها السيد المعمّر الإمام محيي الدّين محمد بن عدنان بن حسن الحسيني الدمشقي [1] .
قال الذهبي: ولي نظر الحلق والسبع [2] مدة، وكان عابدا، كثير التلاوة جدا، تخضع له الشيعة، وهو والد النّقيبين زين الدّين حسين، وأمين الدّين جعفر، وجدّ النّقيب ابن عدنان، وابن عمّه.
عاش ثلاثا وتسعين سنة، وكانت له معرفة وفضيلة، وفيه انجماع وانقباض عن النّاس.
وفيها، أو في التي قبلها، الأديب شمس الدّين محمد بن علي المازني [3] . كان يعرف الأنغام، ويعمل الشّعر ويلحنه ويغنّي به.
__________
و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 379- 381) و «حسن المحاضرة» (1/ 423) و «النجوم الزاهرة» (9/ 257) .
[1] انظر «ذيول العبر» ص (122- 123) و «الدّرر الكامنة» (4/ 47) .
[2] يعني حلقات القراءة وسبع القرآن في المسجد الأموي بدمشق.
[3] انظر «فوات الوفيات» (4/ 5- 6) و «النجوم الزاهرة» (9/ 252) .

(8/105)


فمن ذلك قوله:
لا تحسبوا أنني عن حبّكم سالي ... وحياتكم لم يزل حالي بكم حالي
أرخصتم في هواكم مدنفا صلفا ... وهو العزيز الذي عهدي به غالي
سكنتم في فؤادي وهو منزلكم ... لا عشت يوما أراه منكم خالي
يا هاجرين بلا ذنب ولا سبب ... قطّعتم بسيوف الهجر أوصالي
إن كان يوسف أوصى بالجمال لكم ... فإنّ والده بالحزن أوصى لي
وفيها الإمام أقضى القضاة شمس الدّين محمد بن شرف الدّين أبي البركات محمد بن الشيخ أبي العزّ الأذرعي الحنفي [1] . كان فاضلا، فقيها، بصيرا بالأحكام، حكم بدمشق نحو عشرين سنة، وخطب بجامع الأفرم مدة، ودرّس بالظّاهرية، والقليجية، والمعظمية، وأفتى.
وفيها العلّامة القدوة أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن حريث القرشي البلنسي ثم السبتي المالكي [2] . روى «الموطأ» عن ابن أبي الرّبيع، عن ابن بقي، وكان صاحب فنون، وولي خطابة سبتة ثلاثين عاما، وتفقهوا عليه. ثم حجّ وبقي بمكة سبع سنين، ومات بها في جمادى الآخرة عن إحدى وثمانين سنة.
وفيها مجد الدّين محمد بن محمد بن علي بن الصّيرفي سبط ابن الحبوبي [3] . روى عن أبي اليسر، ومحمد بن النشي [4] وشهد وحضر المدارس، وقال الشعر، وعمل لنفسه مجلدا ضخما. وكان محدّثا [5] متواضعا ساكنا.
توفي في رمضان بدمشق عن إحدى وستين سنة.
__________
[1] انظر «الجواهر المضية» (3/ 338- 339) و «البداية والنهاية» (14/ 103) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 547) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (123) و «الوافي بالوفيات» (1/ 232) و «العقد الثمين» (2/ 328) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (123- 124) و «الدّرر الكامنة» (4/ 198) و «معجم الشيوخ» (2/ 276) .
[4] في «الدّرر الكامنة» : «النشبي» .
[5] لفظة «محدّثا» لم ترد في «ط» و «ذيول العبر» مصدر المؤلف.

(8/106)


سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة
فيها توفي الشيخ أبو العبّاس أحمد بن علي بن مسعود الكلبي البدوي ثم الصّالحي الفامي، ويعرف بابن سعفور، ويلقب بعمّي [1] . سمع من المرسي حضورا، ومن محمد بن عبد الهادي، وخطيب مردا، وطائفة. وأجاز له السّبط، وكان خيّرا، كيسا، متعفّفا، منقطعا.
توفي بقاسيون في ربيع الآخر عن إحدى وثمانين سنة.
وفيها قاضي القضاة نجم الدّين أبو العبّاس أحمد بن الرئيس الكبير عماد الدّين محمد بن المعدّل أمين الدّين سالم بن الحافظ بهاء الدّين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التّغلبي الرّبعي الدمشقي الشافعي [2] . سمع الحديث من جماعة، وقرأ للسبع، وجوّد الخطّ على ابن المهتار، وأتقن الأقلام السّبعة، ودرّس بالأمينية وغيرها، واستمر على القضاء إلى أن مات. وكان حسن الأخلاق، كثير التودد، كريم المجالسة، مليح المحاضرة، حسن الملتقى.
متواضعا جدا، له مشاركة في فنون شتّى، وعنده حظ من الأدب والنّظم.
ومن نظمه:
ومهفهف بالوصل جاد تكرّما ... فأعاد ليل الهجر صبحا أبلجا
ما زلت ألثم ما حواه ثغره ... حتّى أعدت الورد فيه بنفسجا
توفي ببستانه بالسّهم وحمل الصّوفية نعشه إلى الجامع المظفّري، وصلّى
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (128) و «معجم الشيوخ» (1/ 77- 78) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (128- 129) و «معجم الشيوخ» (1/ 89- 90) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 326- 328) و «فوات الوفيات» (1/ 125) .

(8/107)


عليه الشيخ برهان الدّين الفزاري، ودفن بتربته بالقرب من الرّكنية.
وفيها الفاضل الأديب العدل شهاب الدّين محمد بن محمد [بن محمود بن مكّي] [1] عرف بابن دمرداش. كان جنديا، فلما كبر وشاخ ترك ذلك وصار شاهدا بمركز الرّواحية.
وله شعر كثير لطيف، فمنه قوله:
أقول لمسواك الحبيب لك الهنا ... بلثم فم ما ناله ثغر عاشق
فقال وفي أحشائه حرق الجوى ... مقالة صبّ للدّيار مفارق
تذكّرت أوطاني فقلبي كما ترى ... أعلّله بين العذيب وبارق
وله:
يا قمّري إن جئت وادي الأراك ... وقبّلت أغصانه الخضر فاك
فأرسل إلى عبدك من بعضها ... فإنني والله ما لي سواك
وله دو بيت، قيل: إن الشيخ صدر الدّين بن الوكيل قال: وددت أنه يأخذ جميع ما قلته [2] ويعطينيه، وهو:
الصبّ بك المنعوب والمعتوب ... والقلب بك المسلوب والملسوب
يا من طلبت لحاظه سفك دمي ... مهلا ضعف الطّالب والمطلوب
وفيها الرئيس شهاب الدّين أحمد بن محمد بن القطينة [3] ، التاجر المشهور. كان فقيرا معدما ففتح الله تعالى عليه بحيث بلغت زكاته ثمانين ألفا، وكان فيه برّ وخير، وبنى مدرسة بذرع.
وتوفي بدمشق ودفن بتربته على طريق القابون.
وفيها مؤرّخ الآفاق العالم المتكلم كمال الدّين عبد الرزّاق بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي المعالي محمد بن محمود بن أحمد بن محمد بن
__________
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة: «أحمد بن محمد» وهو خطأ والتصحيح من «الدّرر الكامنة» (4/ 238) و «النجوم الزاهرة» (9/ 259) وما بين الحاصرتين زيادة منهما.
[2] في «ط» : «جميع شيء قلته» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (129) و «البداية والنهاية» (14/ 107) .

(8/108)


أبي المعالي الفضل بن العبّاس بن عبد الله بن معن بن زائدة الشّيباني المروزي الأصل البغدادي [1] الأخباري، الكاتب المؤرّخ الحنبلي، ابن الصّابوني، ويعرف بابن الفوطي- محركا، نسبة إلى بيع الفوط- وكان الفوطي المنسوب إليه جدّه لأمّه.
ولد في سابع عشر محرم سنة اثنتين وأربعين وستمائة بدار الخلافة من بغداد، وسمع بها من الصّاحب محيي الدّين بن الجوزي، ثم أسر في واقعة بغداد، وخلّصه النّصير الطّوسي الفيلسوف وزير الملاحدة، فلازمه وأخذ عنه علوم الأوائل، وبرع في الفلسفة وغيرها وأمره [2] بكتابة الزّيج وغيره من علم النجوم، واشتغل على غيره في اللّغة والأدب، حتّى برع ومهر في التاريخ، والشعر، وأيام الناس. وأقام بمراغة مدة، وولي بها كتب الرّصد بضع عشرة سنة، وظفر بها بكتب نفيسة، وحصّل من التواريخ ما لا مزيد عليه، وسمع بها من المبارك بن المستعصم بالله سنة ست وستين، ثم عاد إلى بغداد، وبقي بها إلى أن مات.
وسمع ببغداد الكثير، وعني بالحديث [3] ، وعدّ من الحفّاظ، حتّى ذكره الذهبي في طبقاتهم، وقال: له النّظم، والنّثر، والباع الأطول في ترصيع تراجم النّاس. وله ذكاء مفرط وخطّ منسوب رشيق، وفضائل كثيرة. وسمع منه الكثير، وعني بهذا الشأن، وجمع وأفاد، فلعل الحديث أن يكفّر عنه به، وكتب من التواريخ ما لا يوصف، وعمل تاريخا كبيرا لم يبيضه، ثم عمل آخر دوّنه في خمسين مجلدا، سمّاه «مجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم الألقاب» [4] وله كتاب «درر الأصداف في غرر الأوصاف» وهو كبير جدا، ذكر أنه جمعه من ألف مصنّف، وكتاب «المؤتلف والمختلف» رتّبه مجدولا، وكتاب «التاريخ» على
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (170- 171) و «البداية والنهاية» (14/ 106) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 374- 376) و «الأعلام» (3/ 349- 350) .
[2] في «ط» : «وأمدّه» وهو خطأ.
[3] في «ط» : «وعني بالكثير» وهو خطأ.
[4] وقد طبع ملخصه في وزارة الثقافة بدمشق بتحقيق العالم الفاضل الدكتور مصطفى جواد رحمه الله، عام (1383) هـ.

(8/109)


الحوادث، وكتاب «حوادث المائة السابعة» [1] وإلى أن مات، وكتاب [2] «نظم الدّرر النّاصعة في شعر المائة السابعة» في عدة مجلدات.
وذكر الذهبي أيضا في «المعجم المختص» أنّه خرّج «معجما» لشيوخه، فبلغوا خمسمائة شيخ بالسّماع والإجازة.
قال: وذيّل على تاريخ شيخه ابن السّاعي نحوا من ثمانين مجلدا. وله «تلقيح الأفهام في تنقيح الأوهام» وله أشياء كثيرة في الأنساب وغيرها. وقد تكلّم في عقيدته وفي عدالته.
قال: وهو في الجملة أخباريّ علّامة، ما هو بدون أبي الفرج الأصبهاني.
وكان ظريفا، متواضعا، حسن الأخلاق، الله يسامحه.
توفي في ثالث المحرم ببغداد ودفن بالشّونيزية.
وفيها مسند الشّام بهاء الدّين القاسم بن مظفّر بن النّجم محمود بن تاج الأمناء ابن عساكر [3] . حضر في سنة تسع وعشرين وستمائة على مشهور النيرباني، وحضر ابن عساكر، وكريمة، وعبد الرحيم بن عساكر، وابن المقيّر. وسمع من ابن اللّتي وجماعة، وأجاز له مشايخ البلاد، وبلغ «معجمه» سبع مجلدات، وألحق الصّغار بالكبار، ووقف أماكن على المحدّثين. وكان طبيبا، مؤرّخا، وخرّج له البرزالي مشيخة، وابن طغرلبك «معجما» كبيرا جمع فيه شيوخه، فبلغوا أكثر من خمسمائة وسبعين شيخا.
وتوفي بدمشق في شعبان عن أربع وتسعين سنة.
وفيها خطيب صفد وعالمها بها نجم الدّين حسن بن محمد الصّفدي [4] .
__________
[1] وهو «الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة» الذي تم طبع جزء منه منسوب إليه.
وذكره الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي. وانظر «الأعلام» وكلام العلّامة الزركلي عليه فقد شكّك في نسبته إليه.
[2] في «ط» : «وكتب» .
[3] انظر «ذيول المعبر» ص (130- 131) و «معجم الشيوخ» (2/ 117- 119) و «البداية والنهاية» (14/ 108) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (131) و «الوافي بالوفيات» (12/ 256- 263) .

(8/110)


تقدّم في الأدب والمعقول، وله تآليف.
وتوفي في رمضان وهو من أبناء الثمانين.
وفيها شرف الدّين أبو عبد الله محمد بن سعد الله بن عبد الأحد بن سعد الله بن عبد القاهر بن عبد الأحد بن عمر بن نجيح الحرّاني ثم الدمشقي [1] الفقيه الحنبلي الإمام.
سمع من الفخر بن البخاري وغيره، وطلب الحديث، وقرأ بنفسه، وتفقه وأفتى، وصحب الشيخ تقي الدّين بن تيميّة ولازمه، وكان صحيح الذّهن، جيد المشاركة في العلوم، من خيار الناس وعقلائهم وعلمائهم.
توفي في ذي الحجّة بوادي بني سالم في رجوعه من الحجّ، وحمل إلى المدينة النبوية فدفن بالبقيع، وكان كهلا.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمود الجيلي [2] ، نزيل بغداد، المدرّس للحنابلة بالبشيرية. كان إماما، فقيها، عالما، فاضلا، له مصنّف في الفقه لم يتمه، سمّاه «الكفاية» ذكر فيه أن الإمام أحمد نصّ على أن من وصّى بقضاء الصّلاة المفروضة عنه نفّذت وصيته.
توفي ببغداد في يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى.
وفيها الأمير الصّاحب الوزير نجم الدّين محمد بن عثمان بن الصّفي البصروي الحنفي [3] .
ولي الحسبة ثم الخزانة، ثم الوزارة، ثم الإمرة، ودرّس أولا بمدرسة بصرى، وكان فاضلا، مقدّم خيول عربية، فتقدم في ذلك، وتوفي ببصرى كهلا.
وفيها مسند الوقت شمس الدّين أبو نصر محمد بن محمد بن محمد بن مميل بن الشّيرازي الدّمشقي [4] . سمع من جدّه القاضي أبي نصر، والسخاوي،
__________
[1] انظر «البداية والنهاية» (14/ 110- 111) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 376) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 376- 377) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (131) و «البداية والنهاية» (14/ 108- 109) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (131- 132) و «معجم الشيوخ» (2/ 279- 280) و «الوافي بالوفيات»

(8/111)


وجماعة. وبمصر من العلم بن الصّابوني، وابن قميرة. وأجاز له أبو عبد الله بن الزّبيدي، والحسين ابن السيّد، وقاضي حلب بن شدّاد، وخلق. وله «مشيخة» وعوال. وروى الكثير، وكان ساكنا، وقورا، منقبضا له، كفاية، وكبر سنّه وأكثر ولم يختلط.
وتوفي بالمزّة ليلة عرفة، عن أربع وتسعين سنة وشهرين.
وفيها صفي الدّين محمود بن محمد بن حامد الأرموي ثم القرافي الصّوفي [1] .
كان محدّثا، لغويا، إماما. سمع الكثير، وكتب، وتعب، واشتهر، وحدّث عن النّجيب، والكمال، وكان شافعيا، حفظ «التنبيه» مع دين وتصوّن ومعرفة.
توفي بدمشق بالمارستان في جمادى الآخرة وله ست وسبعون سنة.
وفيها صاحب «الأجرومية» أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصّنهاجي [2] النّحوي المشهور بابن آجروم- بفتح الهمزة الممدودة وضم الجيم والراء [3] المشدّدة ومعناه بلغة البربر الفقير- الصّوفي، صاحب «المقدمة» المشهورة بالجرومية.
قال ابن مكتوم [4] في «تذكرته» : نحويّ مقرئ، له معلومات من فرائض، وحساب، وأدب بارع، وله مصنّفات وأراجيز.
وقال غيره: المشهور بالبركة والصّلاح، ويشهد لذلك عموم النّفع بمقدمته.
ولد بفاس سنة اثنتين وسبعين وستمائة، وتوفي بها في صفر.
__________
(1/ 201- 202) و «البداية والنهاية» (14/ 109) .
[1] انظر «ذيول العبر» ص (130) و «البداية والنهاية» (14/ 108) .
[2] انظر «بغية الوعاة» (1/ 238- 239) و «الأعلام» (7/ 33) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «والدال» .
[4] هو أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم القيسي، سترد ترجمته ضمن وفيات سنة (749) إن شاء الله تعالى.

(8/112)


سنة أربع وعشرين وسبعمائة
فيها كان الغلاء المفرط بالشّام، وبلغت الغرارة [1] أزيد من مائتي درهم أياما، ثم جلب القمح من مصر بإلزام سلطاني [2] لأمرائه، فنزل إلى مائة وعشرين درهما، ثم بقي أشهرا، ونزل السّعر بعد شدّة، وأسقط مكس الأقوات بالشام بكتاب سلطاني. وكان على الغرارة ثلاثة دراهم ونصف. قاله في «العبر» .
وفيها توفي القاضي المعمّر العدل شمس الدّين أحمد بن علي بن الزّبير الجيلي ثم الدمشقي الشافعي [3] .
سمع من ابن الصّلاح من «سنن البهيقي» .
وتوفي بدمشق في ربيع الآخر عن تسع وثمانين سنة.
وفيها وزير الشّرق علي شاه بن أبي بكر التّبريزي [4] .
كان سنّيّا، معظّما لصاحب مصر، محبّا له.
توفي بأرّجان في جمادى الآخرة وقد شاخ.
وفيها الصّاحب الكبير كريم الدّين عبد الكريم بن هبة الله بن العلم
__________
[1] جاء في «المعجم الوسيط» (2/ 672) : الغرارة: وعاء من الخيش ونحوه يوضع فيه القمح ونحوه.
[2] في «ذيول العبر» مصدر المؤلف: «بإلزام السلطان» وهو أصح.
[3] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 77) و «الدّرر الكامنة» (1/ 209) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 470- 471) وقد تحرفت «الزبير» فيه إلى «الزير» فلتصحح.
[4] انظر «البداية والنهاية» (14/ 116) .

(8/113)


هبة الله بن السّديد المصري [1] وكيل السلطان. أسلم كهلا في أيام الجاشنكير، وكان كاتبه، وتمكّن من السلطان غاية التمكن، بحيث صار الكلّ إليه، وبيده العقد والحلّ، وبلغ من الرّتبة ما لا مزيد عليه، وجمع أموالا عظيمة عاد أكثرها إلى السلطان، وكان حسن الخلق، عاقلا، خيّرا، سمحا، داهية، وقورا، مرض نوبة فزيّنت مصر لعافيته، وكان يعظّم الدّيّنين، وله برّ وإيثار، عمر البيارات، وأصلح الطّرق، وعمر جامع القبيبات [2] وجامع القابون، وأوقف عليهما الأوقاف، ثم انحرف عليه السلطان ونكبه، فنفي إلى الشّويكة [3] ثم إلى القدس، ثم إلى أسوان، فأصبح مشنوقا بعمامته، ولما أحس بالقتل صلّى ركعتين، وقال: هاتوا [ما عندكم] [4] ، عشنا سعداء، ومتنا شهداء، أعطاني السلطان الدّنيا والآخرة، وشنق وقد قارب السّبعين.
وفيها الحافظ الزّاهد علاء الدّين علي بن إبراهيم بن دواد بن سلمان بن سليمان أبو الحسن بن العطّار الشافعي [5] ، ويلقب بمختصر النّووي. سمع من ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وغيرهما.
ولد يوم عيد الفطر سنة أربع وخمسين وستمائة، وتفقّه على الشيخ محيي الدّين النّووي، وأخذ العربية عن جمال الدّين بن مالك، وولي مشيخة دار الحديث النّورية وغيرها، ومرض بالفالج أزيد من عشرين سنة، وكان يحمل في محفّة، وكتب الكثير وحمله، ودرّس، وأفتى، وصنّف أشياء مفيدة.
قال الذهبي: خرّجت له «معجما» في مجلد انتفعت به، وأحسن إليّ باستجازته لي كبار المشيخة، وله فضائل وتألّه وأتباع.
__________
[1] انظر «البداية والنهاية» (14/ 116- 117) و «فوات الوفيات» (2/ 377- 383) .
[2] وهو المعروف الآن بجامع الدّقّاق بحي الميدان جنوب دمشق، وقد شرع ببنائه سنة (718) ذكر ذلك ابن كثير في «البداية والنهاية» (14/ 86) وانظر «ثمار المقاصد» لابن المبرد ص (144) .
[3] الشّويكة: قرية بنواحي القدس. انظر «معجم البلدان» (3/ 374) .
[4] زيادة من «منادمة الأطلال» للشيخ عبد القادر بدران صفحة (387) (ع) .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (136) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 355- 356) و «البداية والنهاية» (14/ 117) و «التبيان شرح بديعة البيان» (185/ ب) و «المعجم المختص»

(8/114)


وقال ابن كثير: له مصنفات مفيدة وتخاريج ومجاميع.
وقال غيره: هو أشهر أصحاب النّووي وأخصّهم به، لزمه طويلا، وخدمه وانتفع به، وله معه حكايات، واطّلع على أحواله، وكتب مصنّفاته، وبيّض كثيرا منها، وعدّه في الحفاظ العلّامة ابن ناصر الدّين [1] وأثنى عليه.
توفي بدمشق في ذي الحجّة عن سبعين سنة.
وفيها الإمام الزّاهد نور الدّين علي بن يعقوب بن جبريل بن عبد المحسن أبو الحسن البكري المصري الشافعي [2] .
ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وسمع «مسند الشافعي» من وزيرة بنت المنجّى، واشتغل، وأفتى، ودرّس، وكان يذكر نسبه إلى أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، ولما دخل ابن تيمية إلى مصر قام عليه وأنكر ما يقوله وآذاه. قاله ابن شهبة.
وقال السّبكي في «الطبقات الكبرى» : صنّف كتابا في البيان، وكان من الأذكياء.
سمعت الوالد يقول: إن ابن الرّفعة أوصى بأن يكمل [3] شرحه على «الوسيط» .
وكان رجلا، جيدا، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، وقد واجه مرّة الملك النّاصر [محمد بن قلاوون] [4] بكلام غليظ فأمر السلطان بقطع لسانه، حتّى شفع فيه.
وقال الإسنويّ: تحيا بمجالسته النّفوس، ويتلقى بالأيدي فيحمل على
__________
ص (156- 157) .
[1] يعني في «التبيان شرح بديعة البيان» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (133- 134) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 370- 371) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 288- 289) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 360- 363) .
[3] كذا في «طبقات الشافعية الكبرى» : «يكمل» وفي «آ» و «ط» : «يعمل» .
[4] زيادة من «طبقات الشافعية الكبرى» .

(8/115)


الرؤوس، تقمّص بأنواع الورع والتّقى، وتمسّك بأسباب الرّقيّ [1] فارتقى.
كان عالما، صالحا، نظّارا، ذكيا، متصوفا، أوصى إليه ابن الرّفعة بأن يكمل ما بقي من شرحه على «الوسيط» [2] لما علم من أهليته لذلك دون غيره، فلم يتفق ذلك، لما كان يغلب عليه من التخلّي، والانقطاع، والإقامة، والأعمال الخيرية.
تنقّل بأعمال مصر لأن الملك النّاصر منعه من الإقامة بالقاهرة ومصر، إلى أن توفي في شهر ربيع الآخر ودفن بالقرافة.
وفيها الشيخ ركن الدّين عمر بن محمد بن يحيى القرشي العتبي الشّاهد بن جابي الأحباس [3] .
تفرّد عن السّبط ب «جزء شيبان» وب «الدعاء» للمحاملي، و «مشيخته» .
وتوفي بالثّغر في صفر عن خمس وثمانين سنة.
وفيها قاضي حلب زين الدّين عبد الله بن قاضي الخليل محمد بن عبد القادر الأنصاري [4] . ولي حلب نيّفا وعشرين سنة، وقبلها ولي بعلبك، وناب بدمشق. وولي حمص. وكان مسمتا، مليح الشكل، فاضلا، وتوفي عن سبعين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن الإمام جمال الدّين عبد الرحيم بن عمر الباجربقي الشّافعي [5] .
قال الذهبي: الضّالّ الذي حكم القاضي المالكي بضرب عنقه مرّة [6] بعد
__________
[1] في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «بأسباب التقى» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي.
[2] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «وهو من صلاة الجماعة إلى البيع» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (133) و «الدّرر الكامنة» (3/ 191) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (135) و «الدّرر الكامنة» (2/ 295) .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (134) و «البداية والنهاية» (14/ 115) و «الوافي بالوفيات» (3/ 249) .
[6] تحرفت في «ط» إلى «مدة» .

(8/116)


أخرى لثبوت أمور فظيعة وكلمات شنيعة، فتغيب عن دمشق، وأقام بمصر بالجامع الأزهر، وتردّد إليه جماعة. وكان الشيخ صدر الدّين يتردّد إليه ويبهت في وجهه ويجلس بين يديه، وكان يري الناس بوارق شيطانية، وكان له قوة تأثير، وشهد عليه أيضا بما أبيح دمه به، منهم: الشيخ مجد الدّين التّونسي، فسافر إلى العراق، ثم سعى أخوه بحماة حتّى حكم الحنبلي بعصمة دمه، فغضب المالكي وجدّد الحكم بقتله، وكان أولا فقيها بالمدارس، ثم حصل له كشف شيطانيّ فضلّ به جماعة، وكان يتنقّص بالأنبياء، ويتفوّه بعظائم، ثم قدم القابون [1] مختفيا، وسكن بها إلى أن مات في ربيع عن ستين سنة.
وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن عثمان بن يوسف بن محمد بن الحدّاد الآمدي ثم المصري [2] ، الخطيب الحنبلي.
قال ابن رجب: الإمام، الصّدر، [الرئيس] الفقيه، خطيب دمشق وحلب.
سمع الحديث، وتفقّه بالدّيار المصرية، وحفظ «المحرر» وشرحه على ابن حمدان، ولازمه مدة من السنين، حتّى قرأه عليه، وبرع في الفقه، وكان ابن حمدان يشكره ويثني عليه كثيرا، واشتغل بالكتابة، واتصل بالأمير قراسنقر [3] المنصوري بحلب، فولّاه [4] نظر الأوقاف وخطابة جامعها، وصرف عنه جلال الدّين القزويني، ثم صرف بالقزويني. وولي ابن الحدّاد حينئذ نظر المارستان، ثم ولي حسبة دمشق ونظر الجامع، واستمر في نظره إلى حين وفاته، وعيّن لقضاء الحنابلة في وقت.
وتوفي ليلة الأربعاء سابع جمادى [الأولى] بدمشق ودفن بمقبرة باب الصّغير.
__________
[1] قرية كبيرة إلى الشرق من دمشق تعدّ أراضيها من أخصب أراضي الغوطة الشرقية وقد زحف العمران عليها في عصرنا فأتى على الكثير الكثير من أراضيها. انظر خبرها في «معجم البلدان» (4/ 290) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 376- 377) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[3] في «آ» و «ط» : «سنقر» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[4] في «ط» : «وولّاه» .

(8/117)


وفيها الشيخ شرف الدّين أبو عبد الله محمد بن المنجّى بن عثمان بن أسعد بن المنجّى التّنوخي الدمشقي الحنبلي [1] .
ولد سنة خمس وسبعين وستمائة، وأسمعه والده الكثير من المسلم بن علّان، وابن أبي عمر، وطبقتهما. وسمع «المسند» [2] والكتب الكبار، وتفقّه، وأفتى، ودرّس بالمسمارية. وكان من خواص أصحاب الشيخ تقي الدّين بن تيميّة وملازميه حضرا وسفرا. وكان مشهورا بالدّيانة والتّقوى، ذا خصال جميلة وعلم وشجاعة. روى عنه الذهبي في «معجمه» [3] وقال: كان إماما، فقيها، حسن الفهم، صالحا، متواضعا.
توفي إلى رضوان الله في رابع شوال ودفن بسفح قاسيون.
وفيها أمير العرب محمد بن عيسى بن مهنّا [4] .
كان عاقلا، نبيلا، فيه خير، وهو أخو مهنّا.
توفي بسلميّة في أحد الرّبيعين، عن نيّف وسبعين سنة، ودفن عند أبيه.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (135) و «معجم الشيوخ» (2/ 289- 290) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 377) .
[2] يعني «مسند الإمام أحمد بن حنبل» .
[3] لم أعثر على ترجمته في «المعجم المختص» للذهبي المطبوع وهذا النقل مأخوذ عنه.
[4] انظر «ذيول العبر» ص (134- 135) و «الدّرر الكامنة» (4/ 131) و «النجوم الزاهرة» (9/ 261) .

(8/118)


سنة خمس وعشرين وسبعمائة
في جمادى الأولى كان غرق بغداد المهول، وبقيت كالسفينة، وساوى الماء الأسوار، وغرق أمم لا تحصى، وعظمت الاستغاثة بالله تعالى، ودام خمس ليال، وقيل: تهدّم بالجانب الغربي نحو خمسة آلاف بيت.
قال الذهبي [1] : ومن الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه، فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ووقف بإذن الله تعالى، وبقيت البواري عليها غبار حول القبر، صحّ هذا عندنا.
وفيها توفي شيخ الظّاهرية عفيف الدّين إسحاق بن يحيى الآمدي الحنفي [2] . روى كثيرا عن ابن خليل، وعن عيسى الخيّاط، وعدّة، وطلب الحديث، وحصّل أصولا بمروياته.
قال الذهبي: خرّج له ابن المهندس «معجما» قرأته.
توفي بدمشق في رمضان عن ثلاث وثمانين سنة، رحمه الله تعالى.
وفيها الأديب الأمشاطي أحمد بن عثمان [3] قيّم الشّام في نظم الزّجل.
كان فردا في وقته، وكان كاتبا في دار البطيخ.
ومن نظمه:
وفتّاك اللّواحظ بعد هجر ... وفى كرما وأنعم بالمزار
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (136- 137) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (141) و «الجواهر المضية» (1/ 374- 375) .
[3] انظر «البداية والنهاية» (14/ 120) .

(8/119)


وظلّ نهاره يرمي بقلبي ... سهاما من جفون كالشّفار
وعند اللّيل قلت لمقلتيه ... وحكم النّوم في الأجفان سار
تبارك من توفّاكم بليل ... ويعلم ما جرحتم بالنّهار
وفيها كبير الدولة الأمير الكبير ركن الدّين بيبرس المنصوري الخطائي الدّويدار [1] صاحب «التاريخ الكبير» ورأس الميسرة، ونائب مصر قبل أرغون.
توفي في رمضان بمصر عن ثمانين سنة.
قال ابن حجر في «الدّرر الكامنة» : هو صاحب «التاريخ المشهور» في خمسة وعشرين مجلدا.
وقال الذهبي: كان عاقلا، وافر الهيبة، كبير المنزلة.
وقال غيره: كان كثير الأدب، حنفي المذهب، عاقلا، قد أجيز بالإفتاء والتدريس، وله برّ [2] ومعروف، كثير الصّدقة سرّا، ويلازم الصّلاة في الجماعة، وغالب نهاره في سماع الحديث والبحث في العلوم، وليله في القرآن والتهجد، مع طلاقة الوجه ودوام البشر، رحمه الله.
وفيها الفقيه المعمّر شهاب الدّين أحمد بن العفيف محمد بن عمر الصّقلي ثم الدمشقي الحنفي [3] .
إمام مسجد الرأس، وهو آخر من حدّث عن ابن الصّلاح.
توفي في صفر وله ثمان وثمانون سنة وثلاثة أشهر.
وفيها جمال الدّين أحمد بن علي اليمني المعروف بالعامري [4] ، وهو ابن أخت إسماعيل الحضرمي، شارح «المهذّب» .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (141- 142) و «الدّرر الكامنة» (1/ 509) و «النجوم الزاهرة» (9/ 263) .
[2] في «ط» : «وله يد» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (139) و «معجم الشيوخ» (1/ 97- 98) .
[4] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 576) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 324- 325) .

(8/120)


قال الإسنوي: كان شافعيا، عالما، جليلا، شرح «الوسيط» في نحو ثمانية أجزاء، وشرح أيضا «التنبيه» شرحا لطيفا، وتولى قضاء المهجم [1] ومات بها.
وفيها صدر الدّين سليمان بن هلال بن شبل بن فلاح بن خطيب، القاضي العالم الزّاهد الورع أبو الرّبيع الهاشمي الجعفري، المعروف بخطيب داريّا [2] .
ولد سنة اثنتين وأربعين وستمائة، وسمع الحديث، وتفقّه على الشيخين تاج الدّين الفزاري، ومحيي الدّين النّووي. وولي خطابة داريّا، وأعاد بالناصرية، وناب في الحكم مدة سنين، واستسقى الناس به سنة تسع عشرة فسقوا، وكان يذكر نسبه إلى جعفر الطّيّار بينهما ثلاثة عشر أبا، ثم إنه ولي خطابة جامع التّوبة، وترك نيابة الحكم.
قال الذهبي: كان يتزهّد في ثوبه وعمامته الصغيرة، ومأكله، وفيه تواضع وترك للرئاسة والتصنّع، وفراغ عن الرّعونات، وسماحة ومروءة، ورفق. وكان لا يدخل حمّاما [3] . حدّث عن ابن أبي اليسر، والمقداد، وكان عارفا بالفقه، وله حكايات في مشيه إلى شاهد يؤدي عنه [4] ، وإلى فقير، وربما نزل في طريق داريّا عن حمارته وحمل عليها حزم حطب لمسكينة، رحمه الله.
توفي في ذي القعدة ودفن بباب الصّغير عند شيخه تاج الدّين.
وفيها الشيخ المعمّر عبد الرحمن بن عبد الولي الصّحراوي سبط اليلداني [5] .
سمع من جدّه كثيرا، ومن الرّشيد العراقي، وابن خطيب القرافة، وشيخ
__________
[1] المهجم: من أهم مدن الجزء الشمالي من تهامة بوادي سردد. انظر «صفة جزيرة العرب» ص (97) والتعليق عليه، و «طبقات فقهاء اليمن» ص (324) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (142) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 40- 41) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 343- 344) .
[3] يعني كان لا يغتسل بحمّام من حمّامات السوق.
[4] في «ذيول العبر» : «إلى شاهد يؤدي عنده» .
[5] انظر «ذيول العبر» ص (139- 140) .

(8/121)


الشيوخ الحموي وأجاز له الضّياء، والسّخاوي، وسمع منه نائب السّلطنة «الآثار» للطحاوي، ووصله ورتّب له مرتّبا، ثم أضرّ وعجز.
وتوفي بدمشق في ربيع الأول عن خمس وثمانين سنة.
وفيها أول الملوك العثمانية خلّد الله دولتهم، وهو السلطان عثمان بن طغربك بن سليمان شاه بن عثمان [1] .
تولى صاحب الترجمة سنة تسع وتسعين وستمائة، فأقام ستا وعشرين سنة.
نقل القطبي أن أصله من التّركمان الرّحالة النزّالة من طائفة التتار، ويتصل نسبه إلى يافث بن نوح عليه السلام. انتهى.
ونقل صاحب «درر الأثمان [2] في أصل منبع آل عثمان» أن عثمان جدّهم الأعلى من عرب الحجاز، وأنه هاجر من الغلاء لبلاد قرمان واتصل بأتباع سلطانها في سنة خمسين وستمائة، وتزوّج من قونيا، فولد له سليمان فاشتهر أمره بعد عثمان، ثم تسلطن، وهو الذي فتح بورصة في حدود ثلاثين وسبعمائة، ثم تسلطن بعد سليمان ولده عثمان حواي الأصغر، ويقال هو الذي افتتح برسبا [3] ، وأنه أول ملوك بني عثمان، فإنه استقلّ بالملك. وأما أبواه فكانا تابعين للملوك السّلجوقية.
ونقل بعض المؤرخين أن أصل ملوك بني عثمان من المدينة المنورة، فالله أعلم.
ولما ظهر جنكزخان أخرب بلاد بلخ، فخرج سليمان شاه بخمسين ألف بيت إلى أرض الرّوم، فغرق في الفرات، فدخل ولده طغربك الرّوم فأكرمه السلطان علاء الدّين السّلجوقي سلطان الرّوم، فلما مات طغربك خلّف أولادا أمجادا، أشدّهم بأسا وأعلاهم همّة عثمان صاحب الترجمة، فنشأ مولعا بالقتال والجهاد في الكفّار، فلما أعجب السلطان علاء الدّين السّلجوقي ذلك منه، أرسل إليه الرّاية
__________
[1] انظر «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (39- 41) و «التوفيقات الإلهامية» ص (363) وقد جزم فيه بوفاته سنة (726) هـ.
[2] في «آ» : «درر الإيمان» .
[3] في «آ» : «برسا» .

(8/122)


السّلطانية والطّبل والزّمر، فلما ضربت النّوبة بين يديه، قام على قدميه تعظيما لذلك، فصار قانونا مستمرا لآل عثمان إلى الآن، يقومون عند ضرب النّوبة، ثم بعد ذلك تمكّن من السّلطنة، واستقلّ بالأمر، وافتتح من الكفّار عدة قلاع وحصون، رحمه الله تعالى. قاله الشيخ مرعي في «نزهة الناظرين» [1] .
وفيها الإمام المحدّث نور الدّين علي بن جابر الهاشمي اليمني [2] الشافعي، شيخ الحديث.
حدّث عن زكي البيلقاني، وعرض عليه «الوجيز» للغزّالي، وله مشاركات وشهرة.
وتوفي بالمنصورية عن بضع وسبعين سنة.
وفيها علاء الدّين علي بن النّصير محمد بن غالب بن محمد الأنصاري الشافعي [3] .
روى عن الكمال الضّرير «الشّاطبية» وعن ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وطلب، وكتب، وتفقّه، وشارك في العلم، وتميّز في كتابة الحكم والشروط.
وتوفي بدمشق عن ثمانين سنة.
وفيها شيخ القرّاء تقي الدّين محمد بن أحمد بن عبد الخالق [4] ، العلّامة المعروف بابن الصّايغ، الشافعي، شيخ القرّاء بالدّيار المصرية. قرأ «الشاطبية» على الكمال الضّرير، والكمال على مصنّفه ابن فارس، واشتهر، وأخذ عنه خلق، ورحل إليه، وكان ذا دين، وخير، وفضيلة، ومشاركة قوية.
__________
[1] واسمه الكامل «نزهة الناظرين في تاريخ من تولّى مصر بعد فتح الصحابة من الأمراء والسلاطين إلى آل عثمان» وهو مخطوط لم يطبع بعد فيما أعلم ولا أعلم مكان وجوده. ومؤلفه هو العلّامة الشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي المقدسي المتوفى سنة (1033) هـ. انظر «كشف الظنون» (2/ 1948) و «الأعلام» (7/ 203) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (140) و «غربال الزمان» ص (593) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (138- 139) .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (139) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 147- 148) و «غاية النهاية» (2/ 65- 67) و «حسن المحاضرة» (1/ 508) .

(8/123)


قال الإسنوي: رحل إليه الطلبة من أقطار الأرض لأخذ علم القراءة عليه لانفراده بها رواية ودراية، وأعاد بالطّيبرسية، والشّريفية، وغيرهما.
وتوفي بمصر في صفر عن أربع وتسعين سنة.
وفيها العلّامة الورع نور الدّين محمد بن إبراهيم بن الأميوطي [1] الشافعي [2] .
حكم بالكرك نحوا من ثلاثين سنة، وتفقه به الطلبة، وحدّث عن قطب الدّين القسطلّاني وغيره، وهو والد شرف الدّين قاضي بلبيس، وتوفي بالكرك.
وفيها شهاب الدّين محمود بن سليمان بن فهد الحلبي ثم الدمشقي أبو الثناء [3] ، كاتب السرّ الحنبلي.
قال الذهبي: علّامة الأدب، وعلم البلاغيين، وكاتب السّرّ بدمشق. حدّث عن ابن البرهان، ويحيى بن الحنبلي، وابن مالك، وخدم بالإنشاء نحوا من خمسين سنة، وكان يكتب التقاليد على البدية.
وقال ابن رجب في «طبقاته» : تعلّم الخطّ المنسوب، ونسخ بالأجرة بخطّه الأنيق كثيرا، واشتغل بالفقه على الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وأخذ العربية عن الشيخ جمال الدّين بن مالك، وتأدّب بالمجد بن الظهير وغيره، وفتح له في النّظم والنثر، ثم ترقت حاله، واحتيج إليه، وطلب إلى الدّيار المصرية، واشتهر اسمه، وبعد صيته، وصار المشار إليه في هذا الشأن في الدّيار المصرية والشامية، وكان يكتب التقاليد [4] الكبار بلا مسودة، وله تصانيف في الإنشاء وغيره، ودوّن الفضلاء نظمه ونثره، ويقال: لم يكن بعد القاضي الفاضل مثله، وله من الخصائص ما ليس للفاضل من كثرة القصائد المطولة الحسنة الأنيقة، وبقي في
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الأسيوطي» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[2] انظر «ذيول العبر» ص (141) و «الوافي بالوفيات» (2/ 144) و «مرآة الجنان» (4/ 274) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (140) و «معجم الشيوخ» (2/ 329- 330) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 378) و «فوات الوفيات» (4/ 82- 96) و «النجوم الزاهرة» (9/ 264) وفي بعض هذه المصادر «محمود بن سلمان» .
[4] تحرفت في «ط» إلى «القاليد» .

(8/124)


ديوان الإنشاء نحوا من خمسين سنة بدمشق ومصر، وولي كتابة السرّ بدمشق نحوا من ثماني سنين قبل موته، وحدّث، وروى عنه الذهبي في «معجمه» وقال: كان ديّنا، خيّرا، متعبدا، مؤثرا للانقطاع والسّكون، حسن المجاورة، كثير الفضائل.
وتوفي بدمشق ليلة السبت ثاني عشري شعبان ودفن بتربته التي أنشأها بالقرب من اليعمورية، وولي بعده ابنه شمس الدّين.
ومن شعره- أي الشهاب محمود-:
يا من أضاف إلى الجمال جميلا ... لا كنت إن طاوعت فيك عذولا
عوّضتني من نار هجرك جنّة ... فسكنت ظلا من رضاك ظليلا
ومننت حين منحتني سقما به ... أشبهت خصرك رقّة ونحولا
وسلكت بي في الحبّ أحسن مسلك ... لم يبق لي نحو السلوّ سبيلا
ولربّ ليل مثل وجهك بدره ... ودجاه مثل مديد شعرك طولا
أرسلت لي فيه الخيال فكان لي ... دون الأنيس مؤانسا وخليلا
إن لم أجد للوجد فيك بمهجتي ... لا نال قلبي من وصالك سولا
وله في حرّاث:
عشقت حرّاثا مليحا غدا ... في يده المسّاس ما أجمله
كأنّه الزّهرة قدّامه ال ... ثور يراعي مطلع السّنبله
وفيها سراج الدّين يونس بن عبد المجيد بن علي الأرمنتي [1]- نسبة إلى أرمنت من صعيد مصر الأعلى-.
ولد بها في المحرم سنة أربع وأربعين وستمائة، واشتغل بقوص على الشيخ مجد الدّين القشيري، وأجازه بالفتوى، ثم ورد مصر، فاشتغل على علمائها، وسمع من الرّشيد العطّار وغيره، وصار في الفقه من كبار الأئمة، مع فضله في النحو والأصول، وغير ذلك وتصدّر لإفادة الطلبة، وصنّف كتابا سمّاه «المسائل
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 164- 166) و «النجوم الزاهرة» (9/ 267) و «حسن المحاضرة» (1/ 424) .

(8/125)


المهمة في اختلاف الأئمة» وكتاب «الجمع والفرق» وولاه ابن بنت الأعزّ قضاء إخميم [1] ثم صار يتنقل في أقاليم الدّيار المصرية، مشكور السيرة، محمود الحال، إلى أن تولى القوصية، فأقام بها سنين قليلة فلسعه ثعبان في المشهد بظاهر قوص، فمات به في ربيع الآخر.
وذكر قبل موته بقليل أنه لم يبق أحد في الدّيار المصرية أقدم منه في الفتوى وكان أديبا شاعرا، حسن المحاضرة، وجد بعضهم مكتوبا بخطّه على ظهر كتاب له:
الحال منّي يا فتى ... يغني عن الخبر المفيد
فبغير سكّين ذبح ... ت فؤاد حرّ في الصّعيد
فكان كذلك، لم يخرج من قوص كما سبق.
وله البيتان المعروفان في الكفاءة:
شرط الكفاءة حرّرت في ستة ... ينبيك عنها بيت شعر مفرد
نسب ودين صنعة حريّة ... فقد العيوب وفي اليسار تردّد
قاله الإسنوي.
__________
[1] إخميم: بلد في صعيد مصر. انظر «معجم البلدان» (1/ 123- 124) .

(8/126)