شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وثلاثين
وسبعمائة
وفيها وصل إلى حلب نهر السّاجور بعد غرامة كثيرة وحفر طويل، وفرحوا به.
وفيها توفي مسند حلب وخاتمة أصحاب ابن خليل عزّ الدين إبراهيم ابن صالح
بن العجمي [1] .
سمع بدمشق من خطيب مردا.
وتوفي في حلب بعد أيام خلت من رجب، وهو في سنّ التسعين.
وفيها أقضى القضاة جمال الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن محمد بن
نصر الله بن المظفّر بن أسعد بن حمزة بن أسد بن علي بن محمد بن
القلانسي [2] الشافعي، الصدر الكبير، الرئيس الإمام العالم.
ولد سنة تسع وستين وستمائة، وحفظ «التنبيه» ثم «المحرّر» للرافعي،
واشتغل على الشيخ تاج الدّين الفزاري. وقرأ النّحو على شرف الدّين
الفزاري، والأدب على الرّشيد الفارقي. وولي قضاء العسكر ووكالة بيت
المال، وتدريس الأمينية والظّاهرية والعصرونية.
قال ابن كثير: تقدم بطلب العلم والرئاسة، وباشر جهات كبار، ودرّس في
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 137) و «ذيول العبر» ص (167- 168) و
«الدّرر الكامنة» (1/ 27- 28) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (168- 169) و «البداية والنهاية» (14/ 156) و
«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 329- 331) و «الدّرر الكامنة» (1/
300- 301) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 197) .
(8/166)
أماكن، وتفرّد في وقته بالرئاسة في البيت
والمناصب الدينية والدنيوية. وكان فيه تواضع، وحسن سمت، وتودّد وإحسان،
وبرّ بأهل العلم والصّلحاء. وهو ممن أذن لي في الإفتاء. وكتب إنشاء ذلك
وأنا حاضر على البديهة، فأجاد وأفاد، وأحسن التّعبير، وعظم في عيني.
وسمع الحديث من جماعة، وخرّج له فخر الدّين البعلبكي «مشيخة» سمعناها
عليه.
توفي في ذي القعدة ودفن بتربتهم بالسّفح.
وفيها نائب السّلطنة أرغون الدويدار [1] ، الذي باشر النّيابة مدة ثم
أخر.
وكان مليح الخطّ، نسخ «صحيح البخاري» وقرأ في مذهب أبي حنيفة، وحصّل
كتبا نفيسة.
ومات بحلب في ربيع الأول كهلا.
وفي حدودها جمال الدّين عبد الحميد بن عبد الرحمن بن عبد الحميد
الجيلوني الشّيرازي [2] الشافعي، صاحب «البحر الصغير» و «العجالة» .
قال الإسنوي: كان فقيها، كبيرا، ذا حظ من كثير من العلوم، ورعا، زاهدا،
بحث «الحاوي الصغير» بقزوين على ابن المصنّف في أربعين يوما، ثم عاد
إلى بلده، وصنّف كتابه المسمى ب «البحر» وهو مختصر أوضح من «الحاوي»
متضمن لزيادات.
توفي بجبل من نواحي شيراز سنة نيّف وثلاثين وسبعمائة. انتهى.
وفيها ضياء الدّين أبو الحسن علي بن سليم بن ربيعة [3] ، العالم القاضي
الشافعي، الأنصاري الأذرعي.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» (1/ 167) و «النجوم الزاهرة» (9/ 288) و «الدّرر
الكامنة» (1/ 351) .
[2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 45) و «طبقات الشافعية» للإسنوي
(1/ 291) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 345- 346) .
[3] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 27) و «الدّرر الكامنة» (3/ 53) و «طبقات
الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 359- 360) .
(8/167)
أخذ عن الشيخ محيي الدّين النّووي.
قال الذهبي: أخذ عن الشيخ تاج الدّين وغيره، وتنقّل لقضاء النّواحي
نحوا من ستين سنة. وكان منطبعا بسّاما عاقلا.
وقال ابن كثير: تنقّل في ولايات الأقضية بمدائن كثيرة مدة ستين سنة،
وحكم بطرابلس، ونابلس، وحمص، وعجلون، وزرع، وغيرها. وحكم بدمشق نيابة
عن القونوي نحوا من شهر. وكان عنده فضيلة، وله نظم كثير. نظم «التنبيه»
في ستة عشر ألف بيت وتصحيحه في ألف وثلاثمائة بيت وله غير ذلك.
توفي بالرّملة في ربيع الأول.
وفيها قاضي الحنابلة عزّ الدين محمد بن قاضي القضاة سليمان بن حمزة بن
أحمد بن عمر بن أبي عمر المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي [1] .
ولد في عشري ربيع الآخر، سنة خمس وستّين وستمائة. وسمع وناب عن والده
في الحكم. وروى عن الشيخ، وعن أبي بكر الهروي، وبالإجازة عن ابن عبد
الدائم.
قال الذهبي: كان متوسطا في العلم والحكم، متواضعا.
وقال غيره: ولي القضاء مستقلا بعد موت ابن المسلم، وكان ذا فضل، وعقل،
وحسن خلق، وتودّد، وتهجّد، وقضاء حوائج للناس، وتلاوة، وحجّ ثلاث مرات.
وتوفي تاسع صفر ودفن بتربة جدّه الشيخ أبي عمر.
فيها السلطان أبو سعيد عثمان بن السلطان يعقوب بن عبد الحقّ المريني
[2] .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (166- 167) و «معجم الشيوخ» (2/ 194) و
«النجوم الزاهرة» (9/ 286) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 415- 416) و
«الدّرر الكامنة» (3/ 448) و «المقصد الأرشد» (2/ 416- 417) و «الدارس
في تاريخ المدارس» 1/ 53) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (168) و «النجوم الزاهرة» (9/ 29) و «الدّرر
الكامنة» (2/ 452) .
(8/168)
كانت دولته اثنتين وعشرين سنة.
توفي بالمغرب في ذي القعدة وقد قارب التسعين.
وتملّك بعده ابنه السلطان الإمام الفقيه أبو الحسن.
وفيها تاج الدّين عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللّخمي الإسكندري
الفاكهي [1] العلامة النحوي.
قال في «الدرر» : ابن الفاكهاني. سمع على ابن طرخان، والمكين الأسمر،
وتفقه لمالك، وأخذ عن ابن المنيّر وغيره، ومهر في العربية والفنون،
وصنّف «شرح العمدة» وغيرها.
ومن تصانيفه «الإشارة» في النحو، و «المورد في المولد» وغيرهما.
وحجّ من طريق دمشق سنة ثلاثين وسبعمائة، ورجع فمات في بلده سنة إحدى
وثلاثين.
وقال الشّمنّي: له شرح مقدمة في النحو. وسمع من التّقي بن دقيق العيد،
والبدر بن جماعة، وأجاز لعبد الوهاب الهروي. انتهى.
وفيها فاطمة بنت الشيخ الحافظ علم الدّين البرزالي [2] بدمشق. حفظت
القرآن، وسمعت الحديث من جماعة، وكتبت ربعة شريفة. و «صحيح البخاري»
وعدة أجزاء، و «أحكام» مجد الدّين بن تيمية.
وفيها كماليّة بنت أحمد بن عبد القادر بن رافع الدّمّراوي [3] وتسمّى
ستّ الناس.
روت بالإجازة عن عبد الله بن برطلة الأندلسي، ومحمد بن الجرّاح،
والشّرف المرسي.
وماتت في الثّغر في شعبان.
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (183) و «الدّرر الكامنة» (3/ 178- 179) .
[2] انظر «تتمة المختصر في أخبار البشر» (2/ 419) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (168) و «الدّرر الكامنة» (3/ 269) .
(8/169)
وفيها نجم الدّين هاشم بن عبد الله البعلي
الشّافعي [1] .
قرأ الأصول، والفقه.
ومن نظمه:
ولقد سمعت بسكّر من وصلكم [2] ... فعساكم أن تجعلوه مكرّرا
وأظنّه حلوا لذيذا طعمه ... إذ كنت أسمع بالوصال ولا أرى
وفيها العدل بدر الدّين يوسف بن عمر الختني [3] .
سمع من ابن رواج حضورا، وصالح المدلجي، والبكري، والرّشيد، والمرسي،
وابن اللّمط الذي سمع من أبي جعفر الصّيدلاني، وتفرّد بأشياء.
وتوفي بمصر في صفر عن أربع وثمانين سنة.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 399- 400) .
[2] في «الدّرر الكامنة» : «من فضلكم» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (167) و «النجوم الزاهرة» (9/ 287) و «الدّرر
الكامنة» (4/ 466) .
(8/170)
سنة اثنتين وثلاثين
وسبعمائة
فيها جاء بحمص سيل فغرق خلق منهم في حمّام النائب بظاهرها نحو المائتين
من نساء وأولاد.
وفيها توفي العلّامة رضي الدّين المنطيقي إبراهيم بن سليمان الرّومي
[1] الحنفي مدرّس القيمازية. حجّ سبع مرّات. كان مفتيا، له علم وفضل،
وتلامذة.
وتوفي بدمشق عن ست وثمانين سنة.
وفيها برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل،
الشيخ العلّامة المقرئ الشّافعي الرّبعي الجعبري [2] شيخ بلد الخليل.
ولد بجعبر في حدود سنة أربعين وستمائة، وتلا بالسّبع على أبي الحسن
الوجوهي، وبالعشر على المنتخب التّكريتي، وسمع ببغداد من جماعة وحفظ
«التعجيز» وعرضه على مصنّفه وأخذ عنه الفقه.
ثم قدم دمشق، وسمع من جماعة، وخرّج له البرزالي «مشيخة» .
ثم دخل إلى بلد الخليل عليه السلام، وأقام به مدة طويلة نحو أربعين
سنة، ورحل الناس إليه.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (172) و «الجواهر المضية» (1/ 39) و «الدّرر
الكامنة» (1/ 27) .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (60- 61) و «معجم الشيوخ» (1/ 147- 148) و
«ذيول العبر» ص (174- 175) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 398- 399) و
«الدّرر الكامنة» (1/ 50- 51) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 385-
386) و «غربال الزّمان» ص (598- 599) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي
شهبة (2/ 318- 320) .
(8/171)
وروى عنه السّبكي، والذهبي، وخلائق.
وصنف التصانيف الكثيرة، منها «شرح الشاطبية» و «شرح الرائية» واختصر
«مختصر ابن الحاجب» و «مقدمته» في النحو، وحسبك قدرة على الاختصار من
مختصر ابن الحاجب والحاجبية. وكمّل «شرح التعجيز» فإن مصنّفه لم يكمله
كما تقدم.
قال بعضهم: وتصانيفه تقرب المائة.
وذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال: العلّامة ذو الفنون، مقرئ
الشام، له التصانيف المتقنة في القراءات، والحديث، والأصول، والعربية،
والتاريخ، وغير ذلك. وله مصنّف مؤلّف في علوم الحديث [1] .
توفي في بلد الخليل في شهر رمضان، وله اثنتان وتسعون سنة.
وفيها عماد الدّين إبراهيم بن يحيى بن الكيّال الدّمشقي الحنفي [2] .
قرأ على ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وأيوب الحمّامي، وعدة.
وكان محدّثا، إماما، عالما، فصيحا، خدم في المواريث، وحصّل، ثم تاب
وحجّ، وأمّ بالرّبوة وغيرها.
وتوفي في ربيع الآخرة عن سبع وثمانين سنة.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن الفخر البعلبكي السّكاكيني [3] .
روى عن خطيب مردا، وابن عبد الدائم. وروى كثيرا وكان مقرئا صالحا تقيا.
توفي بدمشق في صفر عن أربع وثمانين سنة.
وفيها صاحب حماة الملك المؤيد عماد الدّين إسماعيل بن الأفضل
__________
[1] قلت: واسم مصنّفه المذكور «رسوم التحديث» ولدي مصورة نسخته الخطية
وفي النيّة تحقيقه إن شاء الله تعالى.
[2] انظر «المعجم المختص» ص (68) و «معجم الشيوخ» (1/ 161) و «ذيول
العبر» ص (172) و «الدّرر الكامنة» (1/ 76- 77) .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (171) .
(8/172)
علي بن محمود بن عمر بن شاهنشاه ابن أيوب
بن شاذي [1] ، العالم العلّامة المفنّن الشّافعي السّلطان.
مولده في جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين وستمائة، كما ذكره هو في
«تاريخه» .
قال ابن قاضي شهبة: اشتغل في العلوم، وتفنّن فيها، وصنّف التصانيف
المشهورة، منها «التاريخ» في ثلاث مجلدات، و «العروض والأطوال والكلام
على البلدان» في مجلد، وله نظم «الحاوي الصغير» وكتاب «الكناش» مجلدات
كثيرة.
ولي مملكة حماة في سنة عشرين إلى أن توفي، وكان الملك الناصر يكرمه
ويحترمه ويعظّمه.
وله شعر حسن.
وكان جوادا، ممدّحا، امتدحه غير واحد.
وقال ابن كثير: وله مصنفات عديدة، وكان يحب العلماء ويقصدونه لفنون
كثيرة، وكان من فضلاء بني أيوب الأعيان منهم.
وذكر له الإسنوي في «طبقاته» ترجمة عظيمة، وقال: كان جامعا لأشتات
العلوم، أعجوبة من أعاجيب الدّنيا، ماهرا في الفقه، والتفسير،
والأصلين، والنّحو، وعلم الميقات، والفلسفة، والمنطق، والطبّ، والعروض،
والتاريخ، وغير ذلك من العلوم. شاعرا، ماهرا، كريما إلى الغاية. صنّف
في كل علم تصنيفا أو تصانيف.
توفي في المحرّم فجأة عن ستين سنة إلّا ثلاثة أشهر وأياما.
وفيها سراج الدّين أبو عبد الله الحسين بن يوسف بن محمد بن أبي السّري
الدّجيلي- بضم المهملة، وفتح الجيم، وسكون التحتية، نسبة إلى
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (170- 171) و «النجوم الزاهرة» (9/ 292- 294)
و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 403- 407) و «طبقات الشافعية» للإسنوي
(1/ 455) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 336- 338) و «الدّرر
الكامنة» (1/ 371) .
(8/173)
دجيل نهر كبير بنواحي بغداد على قرى كثيرة-
ثم البغدادي [1] الفقيه الحنبلي المقرئ الفرضي النّحوي الأديب.
ولد سنة أربع وستين وستمائة، وحفظ القرآن في صباه، ويقال: إنه تلقّن
سورة البقرة في مجلسين والحواميم في سبعة أيام، وسمع الحديث ببغداد من
إسماعيل بن الطبّال، ومفيد الدّين الحربي الضّرير، وابن الدّواليني،
وغيرهم، وبدمشق من المزّي. الحافظ وغيره، وله إجازة من الكمال البزّار
وجماعة من القدماء، وحفظ كتبا في العلوم، منها: «المقنع» في الفقه، و
«الشاطبية» و «الألفيتان» و «مقامات الحريري» و «عروض» ابن الحاجب، و
«الدريدية» و «مقدمة في الحساب» وقرأ الأصلين، وعني بالعربية، واللّغة،
وعلوم الأدب.
وتفقه على الزّريراتي. وكان في مبدأ أمره يسلك طريق الزّهد والتقشف
البليغ والعبادة الكثيرة، ثم فتحت عليه الدّنيا. وكان له مع ذلك أوراد
ونوافل، وصنّف كتاب «الوجيز في الفقه» وعرضه على شيخه الزّريراتي.
وصنّف كتاب «نزهة الناظر» وكتاب «تنبيه الغافلين» وغير ذلك.
وتوفي ليلة السبت سادس ربيع الأول، ودفن بالشهيد [2] قرية من أعمال
دجيل.
وفيها وجيهيّة [3] بنت علي بن يحيى ابن علي بن سلطان الأنصارية
البوصيرية. وتدعى زين الدّور [4] . روت عن أحمد بن النحّاس، وبالإجازة
عن يوسف الشّاوي، والأمير يعقوب الهدباني.
وتوفيت بالإسكندرية في رجب.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 417- 418) و «المقصد الأرشد» (1/
349- 350) .
[2] كذا في «آ» و «ط» : «بالشهيد» وفي «طبقات الحنابلة» : «بالشهيل»
ولم أقف على ذكر لها في المصادر والمراجع التي بين يدي.
[3] في «آ» و «ط» : «وجيهة» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[4] انظر «ذيول العبر» ص (174) و «الدّرر الكامنة» (4/ 406) .
(8/174)
وفيها كبير الطبّ أمين الدّين سليمان بن
داود [1] في عشر التسعين.
وكان فاضلا طبيبا درس بالدخوارية.
وفيها قاضي الحنابلة شرف الدّين عبد الله بن حسن بن عبد الله بن عبد
الغني بن عبد الواحد المقدسي الصّالحي الحنبلي [2] .
قرأ على ابن عبد الهادي، واليلداني، وخطيب مردا، وإبراهيم بن خليل،
وغيرهم، وروى عنهم. وأجاز له جماعة، وطلب بنفسه، وتفقه، وأفتى، وناب في
الحكم عن أخيه، ثم عن ابن مسلم مدة، ولازمهما [3] . ثم ولي القضاء في
آخر عمره مستقلا فوق سنة، ودرّس بالصّاحبية. وولي مشيخة الحديث
بالصّادرية والعالمية.
وكان فقيها، عالما، صالحا، خيرا، منفردا بنفسه، ذا فضيلة جيدة، حسن
القراءة، حميد السيرة في القضاء وحدّث. وسمع منه الذّهبي وخلق.
وتوفي فجأة وهو يتوضأ للمغرب آخر نهار الأربعاء، مستهل جمادى الأولى،
ودفن بتربة الشيخ أبي عمر. وكان قد حكم ذلك اليوم بالمدينة وتوجه آخر
النهار إلى السّفح.
وفيها أبو محمد وأبو الفرج، عبد الرحمن بن أبي محمد بن محمد بن سلطان
بن محمد بن علي القرامزي [4] العابد الحنبلي.
ولد سنة أربع وأربعين وستمائة تقريبا، وقرأ بالروايات، وسمع ابن عبد
الدائم، وإسماعيل بن أبي اليسر وجماعة. وتفقه في المذهب، ثم تزهّد
وأقبل
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (174) و «الدّرر الكامنة» (2/ 151) و «الدارس
في تاريخ المدارس» (2/ 132) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (172- 173) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 418-
419) و «الدّرر الكامنة» (2/ 255- 256) و «المقصد الأرشد» (2/ 33- 34)
.
[3] تحرفت في «ط» إلى «ولا مهما» .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (170) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 416) و
«الدّرر الكامنة» (2/ 346) و «المقصد الأرشد» (2/ 109- 110) و «الدارس
في تاريخ المدارس» (2/ 85) .
(8/175)
على العبادة، والطّاعة، وملازمة الجامع،
وكثرة الصّلوات. واشتهر بذلك، وصار له قبول وعظمة عند الأكابر.
وقد غمزه الذهبي بأنه نال بذلك سعادة دنيوية، وتمتّع بالدنيا وشهواتها
التي لا تناسب الزّاهدين.
قال: وسمعت منه «اقتضاء العلم» [1] للخطيب. وكان قويّ النّفس، لا يقوم
لأحد، وله محبّون، ومن حسناته أنه كان من اللّاعنين للاتحادية. انتهى.
توفي مستهل المحرّم ببستانه بأرض جوبر، ودفن بمقبرة باب الصّغير.
وفيها عزّ الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي
عمر بن قدامة المقدسي [2] الحنبلي الفرضي الزّاهد القدوة.
ولد في تاسع عشر جمادى الأولى سنة ست وخمسين وستمائة، وسمع من ابن عبد
الدائم وغيره، وحجّ صحبة الشّيخ شمس الدّين بن أبي عمر. وكمّل عليه
قراءة «المقنع» بالمدينة النّبوية. وحجّ بعد ذلك مرات.
وسمع منه الذهبي، وذكره في «معجمه» [3] فقال: كان فقيها، عالما،
متواضعا، صالحا، على طريقة سلفه. وكان عارفا بمذهب أحمد، له فهم ومعرفة
تامّة بالفرائض، وفيه تودّد وانطباع وعدم تكلّف.
أخذ عنه الفرائض جماعة وانتفعوا به.
وتوفي في ثامن شهر رجب ودفن بتربة الشيخ أبي عمر.
وفيها فخر الدّين أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن
__________
[1] وهو مطبوع منذ سنوات في المكتب الإسلامي بدمشق بتخريج الأستاذ
المحدّث الشيخ محمد ناصر الدّين الألباني.
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 419) و «الدّرر الكامنة» (2/ 321) و
«المقصد الأرشد» (2/ 79- 80) .
[3] لم أجد ترجمته لا في «معجم الشيوخ» الذي بين يدي، ولا في «المعجم
المختص» .
(8/176)
يوسف بن محمد بن نصر البعلي ثم الدمشقي [1]
الحنبلي الفقيه المحدّث.
ولد يوم الخميس رابع عشري ربيع آخر سنة خمس وثمانين وستمائة، وسمع من
ابن البخاري في الخامسة، ومن الشيخ تقي الدّين الواسطي، وعمر بن
القوّاص، وعني بالحديث، وارتحل فيه مرات. وكتب العالي والنّازل، وخرّج
لغير واحد من الشيوخ، وأفاد. وتفقّه وأفتى في آخر عمره، وولي مشيخة
الصّدرية والإعادة بالمسمارية.
وسمع منه الذهبي وجماعة، وكان فقيها محدّثا، كثير الاشتغال بالعلم،
عفيفا، ديّنا.
حجّ مرات، وأقام بمكة أشهرا.
وكان مواظبا على قراءة جزئين من القرآن العظيم في الصلاة كل ليلة، وله
مؤلفات كثيرة، منها كتاب «الثمر الرّائق المجتنى من الحدائق» وانتفع
بمجالسه الناس.
وتوفي يوم الخميس تاسع عشري ذي القعدة ودفن بمقبرة الصوفية ولم يعقب
رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن مسعود بن أحمد بن مسعود بن
زيد الحارثي ثم المصري [2] الفقيه الحنبلي المناظر الأصولي.
ولد سنة إحدى وسبعين وستمائة. وسمع بقراءة والده الكثير بالدّيار
المصرية من العزّ الحرّاني، وابن خطيب المزّة، وغازي الحلاوي، وشامية
بنت البكري، وغيرهم. وبدمشق من ابن البخاري، وابن المجاور، وجماعة،
وبالإسكندرية من العراقي.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (175- 176) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 419-
420) و «الدّرر الكامنة» (2/ 342- 343) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (176) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 420- 421) و
«الدّرر الكامنة» (2/ 347) و «المقصد الأرشد» (2/ 111) .
(8/177)
وقدم دمشق بنفسه مرّة ثانية فسمع من عمر بن
القوّاس وغيره، وعني بالسماع والطلب، وتفقّه بالمذهب حتّى برع. وأفتى
وناظر، وأخذ الأصول عن ابن دقيق العيد، والعربية عن ابن النّحّاس، وناب
عن والده وغيره في الحكم، ودرّس بالمنصورية، وجامع طولون، وغيرهما.
وتصدّر للإشغال. وكان شيخ المذهب بالديار المصرية، وله مشاركة في
التفسير، والحديث، مع الدّيانة والورع والجلالة، معدّ من العلماء
العاملين، وحدّث، وسمع منه جماعة.
وتوفي يوم الجمعة سادس عشري ذي الحجّة بالمدرسة الصّالحية بالقاهرة،
ودفن إلى جانب والده بالقرافة.
وفيها العلّامة شهاب الدّين عبد الرحمن بن محمد بن عسكر [1] المالكي
البغدادي.
مدرّس المستنصرية، وله ثمان وثمانون سنة.
وفيها الإمام تاج الدّين أبو القاسم عبد الغفّار بن محمد بن عبد الكافي
السّعدي الشّافعي [2] .
سمع ابن أبي عصرون، والنّجيب، وعدّة، وخرّج «التساعيات» و «أربعين
مسلسلات» وطلب وكتب الكثير، وتميّز وأتقن، وولي مشيخة الصّاحبة، وأفتى،
ونسخ نحوا من خمسمائة مجلد، وخرّج لشيوخ.
ومات بمصر في ربيع الأول عن اثنتين وثمانين سنة.
وفيها محيي الدّين أبو محمد عبد القادر بن محمد بن إبراهيم المقريزي
البعلي [3] الحنبلي المحدّث الفقيه.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 344) و «الأعلام» (3/ 329) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (171) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 85- 87)
و «الدّرر الكامنة» (2/ 386- 387) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 85)
.
[3] انظر «المعجم المختص» ص (149) و «ذيول العبر» ص (172) و «ذيل طبقات
الحنابلة» (2/ 416) و «الدّرر الكامنة» (2/ 391- 392) و «المقصد
الأرشد» (2/ 191- 192) .
(8/178)
ولد في حدود سنة سبع وسبعين وستمائة، وسمع
بدمشق من عمر بن القوّاس وطائفة، وبمصر من سبط زيادة، وغيره وعني
بالحديث، وقرأ وكتب بخطّه كثيرا، وخرّج وتفقه.
قال الذهبي: له مشاركة في علوم الإسلام، ومشيخة الحديث بالبهائية، وغير
ذلك. علّقت عنه فوائد، وسمع منه جماعة.
وتوفي ليلة الاثنين ثامن عشر ربيع الأول، ودفن بمقبرة الصّوفية بالقرب
من قبر الشيخ تقي الدّين [ابن تيمية] [1] رحمهما الله تعالى.
وفيها العدل نور الدّين علي بن التاج إسماعيل بن قريش المخزومي [2] .
سمع الزكي المنذري، والرّشيد، وشيخ شيوخ حماة، وابن عبد السّلام.
وحضر عبد المحسن بن مرتفع في الرابعة.
وكان صالحا، مكثرا.
توفي بمصر في رجب عن ثمانين سنة.
وفيها الشيخ بدر الدّين محمد بن أسعد التّستري [3]- بمثناتين فوقيتين
بينهما سين مهملة نسبة إلى تستر مدينة بقرب شيراز- الشافعي.
أخذ عنه الإسنوي، وقال: كان فقيها، إمام زمانه في الأصلين والمنطق
[والحكمة، محقّقا، مدقّقا، وكان أعجوبة في معرفة مصنّفات متعددة
بخصوصها] مطّلعا على أسرارها، ووضع على كثير منها تعاليق متضمنة لنكت
غريبة، وإن كانت عبارته [4] قلقة ركيكة، منها: «شرح ابن الحاجب» و «شرح
البيضاوي» و «المطالع» و «الطوالع» و «الغاية القصوى» .
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (173- 174) و «الدّرر الكامنة» (3/ 23- 24) .
[3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 319- 321) وما بين الحاصرتين
مستدرك منه و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 374- 375) و «الدّرر
الكامنة» (3/ 383- 384) .
[4] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «عباراتها» .
(8/179)
وشرح أيضا «كتاب ابن سينا» .
أقام بقزوين يدرّس نحو عشر سنين، وقدم الدّيار المصرية في أوائل سنة
سبع وعشرين وسبعمائة فأقام بها أشهرا قلائل ثم رجع إلى العراق.
وكان يصيف بهمذان، ويشتي ببغداد لحرارتها.
وتوفي بهمذان في نيّف وثلاثين وسبعمائة.
قال: وكان مداوما على لعب الشطرنج، رافضيا، كثير التّرك للصلاة، ولهذا
لم تكن عليه أنوار أهل العلم، ولا حسن هيئتهم مع ثروة زائدة، وحسن
شكالة. انتهى.
وفيها قاضي القضاة علم الدّين محمد بن قاضي القضاة شمس الدّين أبي بكر
بن عيسى بن بدران بن رحمة السّعديّ الإخنائي المصري الشافعي [1] .
ولد في رجب سنة أربع وستين وستمائة بالقاهرة، وسمع الكثير، وأخذ عن
الدّمياطي وغيره، وولي قضاء الإسكندرية ثم الشام بعد وفاة القونوي.
قال الذهبي في «معجمه» : من نبلاء العلماء، وقضاة السّداد، وقد شرع في
تفسير القرآن، وجملة من «صحيح البخاري» وكان أحد الأذكياء. وكان يبالغ
في الاحتجاب عن الحاجات، فتتعطل أمور كثيرة، ودائرة علمه ضيقة لكنه
وقور قليل الشرّ.
وقال في «العبر» : كان ديّنا، عادلا. حدّث بالكثير.
وقال ابن كثير: كان عفيفا، نزها، ذكيا، شاذّ العبارة، محبّا للفضائل،
معظما لأهلها، كثير الاستماع للحديث في العادلية الكبرى، خيّرا، ديّنا.
توفي بدمشق في ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون بتربة العادل كتبغا.
__________
[1] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 320- 321) و «المعجم المختص» ص (270) و
«ذيول العبر» ص (175) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 309) و «الوافي
بالوفيات» (2/ 269) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 373) و
«الدّرر الكامنة» (3/ 407) .
(8/180)
وفيها ناظر الجيش الصّدر قطب الدّين موسى
بن أحمد بن شيخ السّلامية [1] .
كان من رجال الدّهر، وله فضل وخبرة.
وتوفي بدمشق في ذي الحجّة، ودفن بتربة مليحة أنشأها. قاله في «العبر» .
وفيها زاهد الإسكندرية الشيخ ياقوت الحبشي الشّاذلي [2] صاحب أبي
العبّاس المرسي.
كان من مشاهير الزّهّاد، وكان يقول: أنا أعلم الخلق بلا إله إلا الله.
توفي بالإسكندرية عن ثمانين سنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (176) و «النجوم الزاهرة» (9/ 298) و «الدّرر
الكامنة» (4/ 372) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 250) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (172) و «النجوم الزاهرة» (9/ 295) و «الدّرر
الكامنة» (4/ 408) و «حسن المحاضرة» (1/ 525) .
(8/181)
سنة ثلاث وثلاثين
وسبعمائة
فيها توفي الفاضل أبو إسحاق إبراهيم بن شمس الدّين الفاشوشة الكتبي [1]
.
اشتغل بالعربية والأدب.
ومن شعره في المشمش:
قد أتى سيّد الفواكه في ثو ... ب نضار والشّهد منه يفور
يشبه العاشق المتيّم حالا ... أصفر اللّون قلبه مكسور
وفيها الرئيس المعمّر تاج الدّين أحمد بن المحدّث إدريس بن محمد بن
مزيز [2] الحموي [3] .
ذكر لوزارة بلده، وسمع من صفية حضورا، وبدمشق من ابن علّان، واليلداني،
ومحمد بن عبد الهادي، وعدة. وأجاز له إبراهيم بن الخير، وابن العلّيق.
وكان صدرا، رئيسا، محتشما.
توفي بحماة في رمضان عن تسعين سنة وشهرين.
وفيها الشيخ شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن إسماعيل بن
__________
[1] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «مزين» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 36- 37) و «ذيول العبر» ص (179) و «الدّرر
الكامنة» (1/ 102) .
(8/182)
طاهر بن نصر بن جهبل الشافعي الحلبي الأصل
الدمشقي، المعروف بابن جهبل [1] .
ولد سنة سبعين وستمائة، وسمع من جماعة واشتغل بالعلم، ولزم الشيخ صدر
الدّين بن المرحّل، وأخذ عن الشيخ شرف الدّين المقدسي وغيره، ودرّس
بصلاحية القدس الشريف مدة ثم تركها، وتحوّل إلى دمشق، فباشر مشيخة دار
الحديث الظّاهرية، ثم ولي تدريس البادرائية بعد وفاة الشيخ برهان
الدّين، وترك المشيخة المذكورة، واستمرّ في تدريس البادرائية إلى أن
مات.
قال ابن كثير: ولم يأخذ معلوما من واحدة منهما. قال: وكان من أعيان
الفقهاء وفضلائهم.
وقال السبكي: درّس، وأفتى، وأشغل مدّة بالعلم بالقدس ودمشق. وحدّث وسمع
منه الحافظ علم الدّين البرزالي. قال: ووقفت له على تصنيف في نفي الجهة
ردّا على ابن تيميّة لا بأس به، وسرده بمجموعة في «الطبقات الكبرى» في
نحو كرّاسين.
توفي بدمشق في جمادى الآخرة ودفن بمقابر الصّوفية.
وفيها الأمير الكبير بكتمر السّاقي [2] بدرب الحجاز بعيون القصب، ثم
حمل فدفن بالتّربة التي أنشأها بالقرافة.
كان له عند السلطان مكانة عظيمة لا يفترقان، إما أن يكون عند السلطان
أو السلطان عنده.
وكان فيه خير وسياسة وقضاء لحوائج الناس.
وكان في اصطبله مائة سطل لمائة سائس كل سائس على ستة رؤوس من الخيل
العتاق، وبيع من خيله بما لا يحصى وقومت زردخاناه على الأمير قوصون
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (178- 179) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 34)
و «الدّرر الكامنة» (1/ 329) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/
334- 335) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (176- 177) و «النجوم الزاهرة» (9/ 300)
والدّرر الكامنة» (1/ 486- 487) .
(8/183)
بستمائة ألف دينار، وأخذ السلطان ثلاثة
صناديق جوهر ليس لها قيمة، وأبيع له من كل نوع بما لا يحصى [1] .
وفيها أسماء بنت محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب بن صصرى [2] أخت
القاضي نجم الدّين. سمعت من مكّي بن علّان، وتفرّدت وحجّت مرارا.
وتوفيت بدمشق في ذي الحجّة عن خمس وتسعين سنة، وكانت مسندة ذات صدقات
وفضل، رحمها الله تعالى.
وفيها الإمام القدوة الولي الشيخ علي ابن الحسن الواسطي الشافعي [3] .
كان من أعبد البشر، حجّ واعتمر أزيد من ألف مرّة، وتلا أزيد من أربعة
آلاف ختمة، وطاف مرّات في اللّيل سبعين أسبوعا [4] .
ومات ببدر محرما، رحمه الله تعالى. قاله في «العبر» .
وفيها الإمام المحدّث العدل شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن غنائم بن
المهندس الصالحي الحنفي [5] سمع من ابن أبي عمر، وابن شيبان فمن
بعدهما، وكتب الكثير، ورحل، وخرّج وتعب، ونسخ «تهذيب الكمال» [6]
مرتين. مع الدّين والتواضع، ومعرفة الشّروط.
وتوفي في شوال عن ثمان وستين سنة.
وفيها قاضي القضاة شيخ الإسلام بدر الدّين محمد بن إبراهيم بن سعد الله
بن جماعة بن حازم بن صخر بن عبد الله الكناني الحموي الشافعي [7] .
__________
[1] في «ط» : «بما لا يحصر» .
[2] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 187- 188) و «ذيول العبر» ص (180) و
«الدّرر الكامنة» (1/ 360- 361) .
[3] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 24- 25) و «ذيول العبر» (179- 180) و «مرآة
الجنان» (4/ 290) و (الدّرر الكامنة» (3/ 37) .
[4] أقول: في هذه الأوصاف مبالغات كثيرة. (ع) .
[5] انظر «المعجم المختص» ص (210- 211) و «معجم الشيوخ» (2/ 135- 136)
و «ذيول العبر» ص (179) و «الوافي بالوفيات» (2/ 21) و «الدّرر
الكامنة» 3/ 291- 292) .
[6] وهو للحافظ للمزّي.
[7] انظر «المعجم المختص» ص (209- 210) و «معجم الشيوخ» (2/ 130- 131)
و «ذيول العبر»
(8/184)
ولد في ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين وستمائة
بحماة، وسمع الكثير، واشتغل، وأفتى، ودرّس. وأخذ أكثر علومه بالقاهرة
عن القاضي تقي الدّين بن رزين. وقرأ النحو على الشيخ جمال الدّين بن
مالك.
وولي قضاء القدس سنة سبع وثمانين، ثم نقل إلى قضاء الدّيار المصرية سنة
تسعين، وجمع له بين القضاء ومشيخة الشيوخ. ثم نقل إلى دمشق وجمع له بين
القضاء والخطابة ومشيخة الشيوخ. ثم أعيد إلى قضاء الدّيار المصرية بعد
وفاة ابن دقيق العيد. ولما عاد الملك الناصر من الكرك عزله مدة سنة ثم
أعيد، وعمي في أثناء سنة سبع وعشرين فصرف عن القضاء، واستمرّ معه تدريس
الزاوية بمصر، وانقطع بمنزله بمصر قريبا من ست سنين يسمع عليه، ويتبرك
به إلى أن توفي.
قال الذهبي في «معجم شيوخه» : قاضي القضاة، شيخ الإسلام، الخطيب
المفسّر، له تعاليق في الفقه، والحديث، والأصول، والتواريخ، وغير ذلك،
وله مشاركة حسنة في علوم الإسلام، مع دين، وتعبّد، وتصوّن، وأوصاف
حميدة، وأحكام محمودة، وله النّظم، والنّثر، والخطب، والتلامذة،
والجلالة الوافرة، والعقل التّام الرّضي، فالله تعالى يحسن له العاقبة،
وهو أشعريّ فاضل.
وقال السّبكي في «الطبقات الكبرى» : حاكم الإقليمين مصرا وشاما، وناظم
عقد الفخار الذي لا يسامى، متحلّ بالعفاف إلّا عن مقدار الكفاف، محدّث،
فقيه، ذو عقل لا تقوم أساطين الحكماء بما جمع فيه.
ومن نظمه قوله:
لمّا تمكّن في فؤادي حبّه ... عاتبت قلبي في هواه ولمته
فرثى له طرفي وقال أنا الذي ... قد كنت في شرك الرّدى أوقعته
عاينت حسنا باهرا فاقتادني ... قسرا إليه عند ما أبصرته
__________
ص (178) و «النجوم الزاهرة» (9/ 298) و «الوافي بالوفيات» (2/ 18- 20)
و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 139- 146) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي
شهبة (2/ 369- 371) و «الدّرر الكامنة» (3/ 280- 283) .
(8/185)
توفي في جمادى الأولى، ودفن قريبا من
الإمام الشافعي، رضي الله عنهما، وله أربع وتسعون سنة.
وفيها تقي الدّين أبو الثناء محمود بن علي بن محمود بن مقبل بن سليمان
بن داود الدّقوقي ثم البغدادي [1] الحنبلي المحدّث الحافظ.
ولد بكرة نهار الاثنين سادس عشري جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وستمائة.
وسمع الكثير بإفادة والده من عبد الصّمد بن أبي الجيش، وعلي بن وضاح،
وابن السّاعي، وعبد الله بن بلدجي، وعبد الجبار بن عكبر، وغيرهم، وأجاز
له جماعة كثيرة من أهل العراق والشام، ثم طلب بنفسه، وقرأ ما لا يوصف
كثرة.
وكان يجتمع عنده في قراءة الحديث آلاف. وانتهى إليه علم الحديث والوعظ
ببغداد، ولم يكن بها في وقته أحسن قراءة للحديث منه ولا معرفة بلغاته
وضبطه، وله اليد الطّولى في النّظم والثّر وإنشاء الخطب.
وكان لطيفا، حلو النّادرة، مليح الفكاهة، ذا حرمة، وجلالة، وهيبة،
ومنزلة، عند الأكابر.
وجمع عدة «أربعينيات» في معان مختلفة. وله كتاب «مطالع الأنوار في
الأخبار والآثار الخالية عن السند والتكرار» وكتاب «الكواكب الدّرّية
في المناقب العلوية» وتخرّج به جماعة في علم الحديث، وانتفعوا به، وسمع
منه خلق، وحدّث عنه طائفة.
وتوفي يوم الاثنين بعد العصر عشرين المحرم ببغداد رحمه الله.
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (277- 278) و «ذيول العبر» ص (177- 178) و
«ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 421- 423) و «الدّرر الكامنة» (4/ 330) و
«المقصد الأرشد» (2/ 549) .
(8/186)
سنة أربع وثلاثين
وسبعمائة
فيها جاء بطيبة سيل عظيم أخذ الجمال وعشرين فرسا، وخرّب أماكن.
وفيها توفي قاضي القضاة جمال الدّين سليمان بن عمر بن سالم بن عمرو بن
عثمان الزّرعي الشافعي [1] .
قال السّبكي: سمع من عبد الدائم، والجمال بن الصّيرفي وغيرهما، وولي
قضاء زرع مدة، ثم تنقلت به الأحوال، وهو قوي النّفس، لا يطلب رزقا.
عفيفا في أحكامه، ثم ولي هو قضاء القضاة بالدّيار المصرية عن ابن
جماعة، ثم ولي قضاء الشام بعد ابن صصرى، ثم عزل بعد عام، وبقي شيخ
الشيوخ ومدرّس الأتابكية.
وتوفي بالقاهرة في صفر عن تسع وثمانين سنة.
وقال الذهبي: كان مليح الشكل، وافر الحرمة، قليل العلم لكنه حكام.
وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمود بن عبيدان البعلي [2]
الفقيه الزّاهد.
قال ابن رجب: ولد سنة خمس وسبعين وستمائة، وسمع الحديث، وتفقه على
الشيخ تقي الدّين وغيره، وبرع وأفتى، وكان إماما عارفا بالفقه وغوامضه،
والأصول، والحديث، والعربية، والتّصوف، زاهدا، عابدا، ورعا، متألها،
ربّانيا.
صحب الشيخ عماد الدّين الواسطي، وتخرّج به في السّلوك، وتذكر له أحوال
وكرامات.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (181) و «معجم الشيوخ» (1/ 271- 272) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (310) و «النجوم الزاهرة» (9/ 304) و
«طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 39- 40) .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (140- 141) و «الدّرر الكامنة» (2/ 347) و
«ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 419) .
(8/187)
ويقال: إنه كان يطّلع على ليلة القدر كلّ
سنة، وقد نالته محنة مرّة بسبب حال حصل له.
وصنف كتابا في الأحكام على أبواب المقنع سمّاه «المطلع» وشرح قطعة من
أول «المقنع» ، وجمع «زوائد المحرر على المقنع» وله كلام في التصوف،
وحدّث بشيء من مصنفاته.
وتوفي في منتصف صفر ببعلبك ودفن بباب سطحا.
وفيها نجم الدّين أبو عمر عبد الرحمن بن حسين بن يحيى بن عمر اللّخمي
المصري القبابي [1]- وقباب قرية من قرى الصّعيد- الحنبلي، الفقيه
الزاهد العابد القدوة.
قال ابن رجب: كان رجلا صالحا، زاهدا، عابدا، قدوة، عارفا، فقيها، ذا
فضل ومعرفة، وله اشتغال بالمذهب أقام بحماة في زاوية يزار بها، وكان
معظّما عند الخاص والعام، وأئمة وقته يثنون عليه، كالشيخ تقي الدين بن
تيميّة وغيره، وكان أمّارا بالمعروف نهّاء عن المنكر، من العلماء
الربّانيين وبقايا السّلف الصّالحين. وله كلام حسن يؤثر عنه.
توفي في آخر نهار الاثنين رابع عشر رجب بحماة، وكانت جنازته مشهودة
ودفن شمالي البلد.
وتوفي ولده الإمام سراج الدّين عمر [2] بالقدس.
وكان جامعا بين العلم والعمل، واشتغل وانتفع بابن تيمية، ولم أر على
طريقته في الصّلاح مثله، رحمه الله تعالى. انتهى كلام ابن رجب.
وفيها عماد الدّين أبو حفص عمر بن عبد الرحيم بن يحيى بن إبراهيم بن
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (182) و «معجم الشيوخ» (1/ 359) و «الإعلام
بوفيات الأعلام» و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 425) و «الدّرر الكامنة»
(2/ 327) و «المقصد الأرشد» (2/ 87) .
[2] انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 168) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 425) و
«المقصد الأرشد» (2/ 302- 303) .
(8/188)
علي بن جعفر بن عبيد الله بن الحسن القرشي
الزهري النّابلسي [1] الخطيب الشّافعي الإمام قاضي نابلس. تفقّه بدمشق
وأذن له بالفتوى، وانتقل إلى نابلس، وولي خطابة القدس مدة طويلة وقضاء
نابلس معها، ثم ولي قضاء القدس في آخر عمره.
قال ابن كثير: له اشتغال وفضيلة. وشرح «مسلما» في مجلدات. وكان سريع
الحفظ، سريع الكتابة.
مات في المحرم ودفن بتربة ماملا.
وفيها- كما قال في «العبر» - الشيخ الضّال محمد بن عبد الرحمن السّيوفي
[2] ، صاحب ابن سبعين. هلك به جماعة. انتهى.
وفيها فتح الدّين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن [أحمد بن] [3] عبد
الله بن محمد بن يحيى ابن سيّد النّاس الشافعي الإمام الحافظ اليعمري
الأندلسيّ الإشبيليّ المصري، المعروف بابن سيّد الناس [4] .
قال ابن قاضي شهبة: ولد في ذي القعدة، وقيل في ذي الحجّة سنة إحدى
وسبعين وستمائة بالقاهرة، وسمع الكثير من الجمّ الغفير، وتفقه على مذهب
الشافعي. وأخذ علم الحديث عن والده، وابن دقيق العيد، ولازمه سنين
كثيرة، وتخرّج عليه، وقرأ عليه أصول الفقه، وقرأ النّحو على ابن
النحّاس، وولي دار الحديث بجامع الصالح، وخطب بجامع الخندق، وصنّف كتبا
نفيسة: منها السيرة الكبرى سماها «عيون الأثر» في مجلدين، واختصره في
كراريس وسماه
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 363) و «البداية
والنهاية» (14/ 167) و «الدّرر الكامنة» (3/ 169- 170) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (182) .
[3] ما بين القوسين سقط من «ط» .
[4] انظر «ذيول العبر» ص (182) و «المعجم المختص» ص (260- 261) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (380) و «النجوم الزاهرة» (9/ 303) و «فوات
الوفيات» (2/ 169) و «الوافي بالوفيات» (1/ 289) و «طبقات الشافعية
الكبرى» (9/ 268- 272) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 510- 511) و
«الدّرر الكامنة» (4/ 208) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 390-
392) .
(8/189)
«نور العيون» [1] وشرح قطعة من «كتاب
الترمذي» إلى كتاب الصلاة في مجلدين، وصنّف في منع بيع أمهات الأولاد
مجلدا ضخما يدلّ على علم كثير.
وذكره الذهبي في «معجمه المختص» : وقال أحد أئمة هذا الشأن، كتب بخطه
المليح كثيرا، وخرّج، وصنّف، وصحّح وعلّل، وفرّع وأصّل، وقال الشعر
البديع وكان حلو النادرة، حسن المحاضرة [2] ، جالسته وسمعت قراءته
وأجاز لي مروياته، عليه مآخذ في دينه وهديه، فالله يصلحه وإيانا.
وقال ابن كثير: اشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث،
والفقه، والنحو، وعلم السير، والتاريخ، وغير ذلك، وقد جمع سيرة حسنة في
مجلدين، وقد حرّر وحبّر وأجاد وأفاد، ولم يسلم من بعض الانتقاد، وله
الشعر والنثر الفائق، وحسن التّصنيف، والتّرصيف، والتعبير، وجودة
البديهة، وحسن الطويّة، والعقيدة السّلفية، والاقتداء للأحاديث
النبوية.
وتذكر عنه شؤون أخر الله يتولاه فيها، ولم يكن بمصر في مجموعه مثله في
حفظ الأسانيد، والمتون، والعلل، والفقه، والملح والأشعار، والحكايات.
وقال صاحب «البدر السافر» : وخالط أهل السّفه وشرّاب المدام، فوقع في
الملام، ورشق بسهام الكلام، والناس معادن والقرين يكرم ويهين باعتبار
المقارن.
قال: ولم يخلّف بعده في القاهرة ومصر من يقوم بفنونه مقامه، ولا من
يبلغ في ذلك مرامه، أعقبه الله السلامة، في دار الإقامة.
وقال ابن ناصر الدّين [3] : كان إماما، حافظا، عجيبا، مصنّفا، بارعا،
شاعرا، أديبا. دخل عليه واحد من الإخوان يوم السبت حادي عشر شعبان،
فقام لدخوله ثم سقط من قامته، فلقف ثلاث لقفات، ومات من ساعته، ودفن
بالقرافة عند ابن أبي جمرة، رحمهما الله تعالى.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «نور العين» والصواب ما أثبته.
[2] في «المعجم المختص» : «كيس المحاضرة» .
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (186/ ب) .
(8/190)
سنة خمس وثلاثين
وسبعمائة
فيها وقع بحماة حريق كبير ذهبت به الأموال، واحترق مائتان وخمسون
دكانا. قاله في «العبر» .
وفيها توفي بدمشق رئيس المؤذنين وأطيبهم صوتا برهان الدّين إبراهيم بن
محمد الخلاطي الواني الشافعي [1] .
حدّث عن الرّضي بن البرهان، وابن عبد الدائم وجماعة، ومات في صفر عن
أكثر من تسعين سنة.
وفيها نصير الدّين أحمد بن عبد السلام بن تميم بن أبي نصر بن عبد
الباقي بن عكبر البغدادي [2] المعمّر الحنبلي.
سمع الكثير من عبد الصّمد بن أبي الجيش، وابن وضّاح، وهذه الطبقة.
وحدّث وسمع منه خلق، وتفقه، وأعاد بالمدرسة البشيرية للحنابلة، وأضرّ
في آخر عمره، وانقطع في بيته.
وكان يذكر أنه من أولاد عكبر الذي تاب هو وأصحابه من قطع الطرق [3]
لرؤيته عصفورا ينقل رطبا من نخلة إلى أخرى حائل، فصعد فنظر حيّة عمياء
والعصفور يأتيها برزقها، فتاب هو وأصحابه. ذكره ابن الجوزي في «صفة
الصّفوة» [4] .
توفي صاحب الترجمة في جمادى الأولى ببغداد عن خمس وتسعين سنة.
__________
[1] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (310) و «ذيول العبر» ص (185) و
«الدّرر الكامنة» (1/ 56) .
[2] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 171) .
[3] في «ط» : «الطريق» .
[4] وذكر ابن الجوزي قصته في «كتاب التوابين» ص (222- 223) بأطول مما
هنا فلتراجع.
(8/191)
وفيها الواعظ شمس الدّين حسين بن راشد بن
مبارك بن الأثير [1] . سمع الحافظ عبد العظيم، وعبد المحسن بن عبد
العزيز المخزومي، والنّجيب. وكان حسن المذاكرة والعلم.
توفي بمصر عن أربع وثمانين سنة.
وفيها المعمّرة زينب بنت الخطيب يحيى بن الشيخ عز الدين بن عبد السلام
السّلمية [2] .
روت عن اليلداني، وإبراهيم بن خليل، وابن خطيب القرافة، وغيرهم.
ولها إجازة من السّبط. وروت الكثير وتفرّدت.
وتوفيت في ذي القعدة عن سبع وثمانين سنة.
وفيها مسند الوقت بدر الدّين عبد الله بن حسين بن أبي التائب الأنصاري
الدمشقي الشاهد [3] . حدّث عن ابن علّان، والعراقي، والبلخي، وعثمان بن
خطيب القرافة، وجماعة، وسماعه صحيح، لكنه لين تفرّد بأشياء.
وتوفي في صفر عن قريب من تسعين سنة.
وفيها أقضى القضاة زين الدّين أبو محمد عبد الكافي بن علي بن تمّام بن
يوسف بن تمّام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم
الأنصاري الخزرجي السّبكي المصري، والد الشيخ تقي الدين السّبكي
الشافعي [4] .
سمع من جماعة، وقرأ الفروع على الظّهير، والسّديد، والأصول على
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (186) و «النجوم الزاهرة» (9/ 307) و «الدّرر
الكامنة» (2/ 50) .
[2] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (311) و «معجم الشيوخ» (1/ 257-
258) و «ذيول العبر» ص (187) و «الدّرر الكامنة» (2/ 122) و «الوافي
بالوفيات» (15/ 68) .
[3] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 321- 322) و «ذيول العبر» ص (185- 186) و
«الوافي بالوفيات» (17/ 47) و «الدّرر الكامنة» (2/ 256) .
[4] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 89- 94) و «طبقات الشافعية»
لابن قاضي شهبة (2/ 348) .
(8/192)
القرافي. وتنقل في أعمال الدّيار المصرية،
وحدّث بالقاهرة والمحلّة، وخرّج له ولده تقي الدّين مشيخة، حدّث بها.
قال حفيده القاضي تاج الدّين: كان من أعيان نواب القاضي تقي الدّين بن
دقيق العيد، وكان رجلا صالحا كثير الذكاء، وله نظم كثير، غالبه زهد
ومدح في النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم-.
وتوفي في رجب.
وفيها الحافظ الكبير الإمام قطب الدّين عبد الكريم بن عبد النّور بن
منير الحلبي [1] .
تلا بالسبع على إسماعيل المليحي. وسمع من ابن العماد، وإبراهيم
المنقري، والعزّ، والفخر علي، وبنت مكّي، وابن الفرات الإسكندراني.
وصنّف وخرّج وأفاد، مع الصّيانة، والدّيانة، والأمانة، والتواضع
والعلم، ولزوم الاشتغال والتآليف.
حج مرّات.
قال الذهبي: حدّثنا بمنى، وعمل «تاريخا» كبيرا لمصر، بيّض بعضه، وشرح
«السيرة» لعبد الغني في مجلدين، وعمل «أربعين تساعيات» و «أربعين
متباينات» و «أربعين بلدانيات» ، وعمل معظم «شرح البخاري» في عدة
مجلدات، وكان حنفي المذهب، يدرّس بالجامع الحاكمي.
وتوفي بمصر في رجب عن إحدى وسبعين سنة.
وفيها العدل الأديب الفاضل أحمد بن عبد الكريم ابن عبد الصّمد أنو
شروان التبريزي الحنفي، عرف المكوشت [2] ، كان يشهد قبالة المسمارية،
وعنده معرفة بالشروط، وكتابة حسنة، وله شعر كثير.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (186- 187) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1502) و
«معجم الشيوخ» (1/ 412) و «النجوم الزاهرة» (9/ 306) و «الجواهر
المضية» (2/ 454- 455) و «الدّرر الكامنة» (2/ 398) .
[2] في «آ» و «ط» : «عرف مكرشت» والتصحيح من «الطبقات السّنية» (1/
385- 386) وانظر «الدّرر الكامنة» (1/ 177- 178) وفيه المعروف ب «ابن
المكوشة» .
(8/193)
ومن قوله:
أترى تمثّل طيفك الأحلام ... أم زورة الطّيف الملمّ حرام
يا باخلا بالطّيف في سنة الكرى ... ما وجه بخلك والملاح كرام
لو كنت تدري كيف بات متيّم ... عبثت به في حبّك الأسقام
لرحمت كلّ متيّم من أجله ... وعلمت أهل العشق كيف ينام
إن دام هجرك والتّجنّي والقلا ... فعلى الحياة تحيّة وسلام
نار الغرام شديدة لكنّها ... برد على أهل الهوى وسلام
وفيها مفيد الجماعة أمين الدّين محمد بن إبراهيم [1] [الخلاطي الواني]
المذكور في أول هذه السنة.
روى المترجم عن الشّرف بن عساكر، وابن الحسن اللمتوني، وابن مؤمن،
وعدة، وارتحل مرّات، وحجّ وجاور. وكتب وخرّج، وأفاد، ومات بعد والده
بشهر.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمود بن قاسم بن
البرزالي البغدادي [2] الفقيه الحنبلي الأصولي الأديب النّحوي.
قرأ الفقه على الشيخ تقي الدّين الزريراتي، وكان إماما، متقنا، بارعا
في الفقه، والأصلين، والعربية، والأدب، والتفسير، وغير ذلك، وله نظم
حسن وخطّ مليح.
درّس بالمستنصرية بعد شيخه الزّريراتي.
وكان من فضلاء أهل بغداد. وكذلك كان والده أبو الفضل إماما عالما مفتيا
صالحا.
توفي أبو عبد الله ببغداد في هذه السنة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (185) و «الوافي بالوفيات» (2/ 21) و «الدّرر
الكامنة» (3/ 293) و «ذيول تذكرة الحفاظ» ص (15) وما بين الحاصرتين
زيادة من ترجمة أبيه المتقدمة في أول هذه السنة.
[2] انظر «الوافي بالوفيات» (1/ 237) .
(8/194)
وفيها مجوّد دمشق بهاء الدّين محمود ابن
خطيب بعلبك محيي الدّين محمد بن عبد الرحيم السّلمي [1] . كتب «صحيح
البخاري» وكان دينا صينا مليح الشكل متواضعا، عمّر سبعا وأربعين سنة.
قاله في «العبر» .
وفيها ملك العرب حسام الدّين مهنّا بن الملك عيسى بن مهنّا الطائي [2]
بقرب سلمية في ذي القعدة، عن نيف وثمانين سنة، وأقاموا عليه المآتم
ولبسوا السواد، وكان فيه خير وتعبّد. قاله في «العبر» أيضا.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (186) و «البداية والنهاية» (14/ 171) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (187) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (311) و
«الدّرر الكامنة» (4/ 368) .
(8/195)
|