شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وأربعين
وسبعمائة
فيها توفي الملك الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاوون [1] . ولي السلطنة
سنة ثلاث وأربعين كما تقدم، وكان حسن الشكل. تزوج بنت أحمد بن بكتمر
التي من بنت تنكز [وبنت طقز تمر نائب الشام] ، وكان يميل إلى السّود،
مع العفة وكراهة الظلم والمثابرة على المصالح. وكان أرغون العلائي زوج
أمّه مدبّر دولته ونائب مصر آق سنقر السلّاري.
ومات الصالح في ربيع الآخر، وله نحو عشرين سنة، ومدة سلطنته ثلاث سنين
وثلاثة أشهر. وهو الذي عمّر البستان بالقلعة، وكانت أيامه طيبة، والناس
في دعة وسكون خصوصا بعد قتل أخيه أحمد، واستقر عوض الصالح شقيقه الكامل
شعبان.
وفيها أبو بكر بن محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام [2] بن
علي بن منصور بن قوام، الشيخ العالم الصالح القدوة، نجم الدين البالسيّ
[3] الأصل، الدمشقي الشافعي، المعروف بابن قوام.
ولد في ذي القعدة سنة تسعين وستمائة. وسمع وتفقه وكان شيخ زاوية والده،
ودرّس في آخر عمره بالرّباط الناصري، وحدّث وسمع منه الحسيني وآخرون.
__________
[1] ترجمة (الملك الصالح) في «ذيول العبر» (248) و «النجوم الزاهرة»
(10/ 78) و «البداية والنهاية» 14/ 16) و «الدرر الكامنة» (1/ 380)
والأخير هو مصدر المؤلف وعنه الاستدراكات.
[2] ترجمة (ابن قوام) في «ذيول العبر» (252) و «الدّرر الكامنة» (460)
و «الدارس» (1/ 120) .
[3] البالسي: نسبة إلى بالس وهي بلدة بالشام بين حلب والرّقّة، «معجم
البلدان» (1/ 328) .
(8/255)
قال ابن كثير: كان رجلا حسنا جميل
المعاشرة، فيه أخلاق وآداب حسنة، وعنده فقه ومذاكرة ومحبة للعلم.
مات في رجب، ودفن بزاويتهم إلى جانب والده.
وفيها فخر الدّين أحمد بن الحسن بن يوسف، الإمام العلّامة الجاربردي
الشافعي [1] ، نزيل تبريز أحد شيوخ العلم [2] المشهورين بتلك البلاد
والتصدي لشغل الطلبة. أخذ عن القاضي ناصر الدّين البيضاوي، وشرح
«منهاجه» و «الحاوي الصغير» ولم يكمله، وشرح «تصريف ابن الحاجب» . وله
على «الكشّاف» [3] حواشي مفيدة.
قال السّبكي: كان إماما فاضلا ديّنا خيّرا وقورا مواظبا على الاشتغال
بالعلم، وإفادة الطلبة [وجدّه يوسف أحد شيوخ العلم المشهورين بتلك
البلاد والتصدّي لشغل الطلبة] [4] . وله تصانيف معروفة [5] ، وعنه أخذ
الشيخ نور الدّين الأردبيلي وغيره.
توفي صاحب الترجمة بتبريز في شهر رمضان.
وفيها تاج الدّين [6] علي بن عبد الله بن أبي الحسن الأردبيلي [7]
التّبريزي الشافعي [8] ، المتضلّع بغالب الفنون من المعقولات والفقه
والنحو والحساب والفرائض.
__________
[1] ترجمة (الجاربردي) في «مرآة الجنان» (4/ 307) ، و «طبقات الشافعية
الكبرى» للسبكي (9/ 8- 17) و «طبقات الإسنوي» (1/ 394) و «الدرر
الكامنة» (1/ 132) ، و «بغية الوعاة» (1/ 303) و «البدر الطالع» (1/
303) ، و «معجم المؤلفين» (1/ 198) .
[2] في «آ» : «أحد شيوخ العالم» .
[3] في «آ» : «وله على الكشف» .
[4] سقط ما بين القوسين من «آ» .
[5] في «ص» : «محرفة» .
[6] ليست لفظتا «تاج الدين» من «آ» .
[7] نسبته إلى أردبيل وهي من أشهر مدن أذربيجان بينها وبين تبريز سبعة
أيام.
[8] ترجمة (الأردبيلي) في «طبقات السبكي» (10/ 137) و «طبقات الإسنوي»
(1/ 321- 322)
(8/256)
ولد سنة سبع وستين وستمائة، وأخذ عن قطب
الدّين الشيرازي، وعلاء الدين النّعماني الخوارزمي وغيرهما، ودخل بغداد
سنة ست عشرة. وحجّ ثم دخل مصر سنة اثنتين وعشرين.
قال الذهبي: هو عالم كبير شهير، كثير التلامذة، حسن الصيانة، من مشايخ
الصوفية.
وقال السّبكي: كان ماهرا في علوم شتّى وعني بالحديث بأخرة وصنّف في
التفسير والحديث والأصول والحساب، ولازم شغل الطلبة بأصناف العلوم.
وقال الإسنوي: واظب العلم فرادى وجماعة، وجانب الملك، فلم يسترح قبل
قيامته ساعة، كان عالما في علوم كثيرة من أعرف الناس ب «الحاوي الصغير»
.
وقال غيره: قرأ «الحاوي» كلّه سبع مرات في شهر واحد، وكان يرويه عن علي
بن عثمان العفيفي عن مصنّفه، وتخرّج به جماعة، منهم برهان الدّين
الرّشيدي، وناظر الجيش، وابن النّقيب.
وتوفي بالقاهرة يوم الأحد تاسع عشري شهر رمضان، ودفن بتربته التي
أنشأها قريبا من الخانقاة الدويدارية.
وفيها مجد الدّين أبو الحسن عيسى بن إبراهيم بن محمد الماردي [1]- بكسر
الراء نسبة إلى ماردة جدّ- النحويّ الشاعر.
قال في «الدّرر» : تفقه على أحمد بن مندل ومهر واختصر «المعالم»
للرازي.
ومات في المحرم وهو في عشر السبعين.
وفيها أسد الدين رميثة- بمثلثة مصغر- أبو عرادة [2] بن أبي نميّ-
بالنون مصغر- محمد بن أبي سعيد حسن بن علي بن قتادة الحسني [3] .
__________
و «الدرر الكامنة» (3/ 143) و «حسن المحاضرة» (1/ 315) و «بغية الوعاة»
(2/ 171) .
[1] ترجمته في «الدرر الكامنة» (3/ 200- 201) .
[2] في «آ» : «عرارة» .
[3] ترجمته في «ذيول العبر» (226) و «الدرر الكامنة» (3/ 422- 423) .
(8/257)
ولي إمرة مكة مع أخيه، ثم استقل سنة خمس
عشرة، ثم قبض عليه في ذي الحجة سنة ثمان عشرة، فأجرى الناصر عليه في
الشهر ألفا، ثم هرب بعد أربعة أشهر، فأمسكه شيخ عرب آل حديث بعقبة
إيلة، فسجن إلى أن أفرج عنه في محرم سنة عشرين، وردّ إلى مكة فلما كان
في سنة إحدى وثلاثين تحارب هو وأخوه عطية، ثم اصطلحا، وكثر ضرر الناس
منهما، ثم بلغ الناصر أنه أظهر مذهب الزيدية، فأنكر عليه، وأرسل إليه
عسكرا. فلم يزل أمير الحاج يستميله حتى عاد، ثم أمنه السلطان فرجع إلى
مكة، ولبس الخلعة، ثم حج الناصر سنة اثنتين وثلاثين، فتلقاه رميثة إلى
ينبع، فأكرمه الناصر، واستقرّ رميثة وأخوه إلى أن انفرد رميثة سنة ثمان
وثلاثين، ثم نزل عن الإمرة لولديه ثقبة وعجلان إلى أن مات.
وفيها الملك الأشرف كجك بن محمد بن قلاوون الصّالحي.
ولي السلطنة وعمره خمس سنين تقريبا، وذلك في أواخر سنة اثنتين وأربعين،
واستمر مدة يسيرة وقوصون مدبر المملكة إلى أن حضر الناصر أحمد من الكرك
فخلع وأدخل الدور إلى أن مات في هذه السنة في أيام أخيه الكامل شعبان،
وله من العمر نحو الاثنتي عشرة سنة.
وفيها ضياء الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن المناوي الشافعي
القاضي [1] .
ولد بمنية القائد [2] سنة خمس وخمسين وستمائة، وسمع من جماعة، وأخذ
الفقه عن ابن الرّفعة وطبقته، وقرأ النحو على البهاء بن النّحّاس،
والأصول على الأصفهاني.
والقرافي، وأفتى وحدث، ودرّس بقبّة الشافعي وغيرها. وولي وكالة بيت
المال، ونيابة الحكم بالقاهرة.
قال الإسنوي: ووضع على «التنبيه» شرحا مطوّلا. وكان ديّنا مهيبا، سليم
الصدر، كثير الصمت والتعميم [3] ، لا يحابي أحدا منقطعا عن الناس.
__________
[1] ترجمة المناوي «في «طبقات الإسنوي» (2/ 466) و «الدرر الكامنة» (3/
285- 286) .
[2] منية القائد منسوبة إلى القائد فضل وهي في أول الصعيد قبلي الفسطاط
وبينها وبين مدينة مصر يومان. «معجم البلدان» (5/ 219) .
[3] في «آ» : «التصميم» .
(8/258)
وتوفي في رمضان ودفن بالقرافة.
وفيها بدر الدين محمد بن محيي الدين يحيى [1] بن فضل الله [2] كاتب
السر.
ولد سنة عشر وسبعمائة وتعانى صناعة أبيه، وكان في خدمته بدمشق ومصر،
وهو شقيق شهاب الدّين، وأرسله أخوه علاء الدّين إلى دمشق، فباشر كتابة
السرّ بها عوضا عن أخيه شهاب الدين، وذلك في رجب سنة ثلاث وأربعين،
وكان أحبّ إخوته إلى أبيه وأخيه شهاب الدّين، وكان عاقلا فاضلا ساكنا
كثير الصمت، حسن السيرة، أحبّه الناس، وتوفي في رجب، والله أعلم.
__________
[1] في «ط» و «آ» : «محمد بن محيي الدين بن يحيى» وهو خطأ.
[2] انظر «ذيول العبر» (252- 253) و «النجوم الزاهرة» (10- 143) و
«الدرر الكامنة» 4/ 282) .
(8/259)
سنة سبع وأربعين
وسبعمائة
فيها خلع ثم قتل الملك الكامل شعبان بن محمد بن قلاوون [1] .
قال في «الدرر» : ولي السلطنة سن ستّ وأربعين في ربيع الآخر، بعد أخيه
الصالح، فاتفق أنه لما [2] ركب من باب النصر إلى الإيوان، لعب به
الفرس، فنزل عنه، ومشى خطوات حتّى دخل إيوان دار العدل، فتطيّر الناس،
وقالوا لا يقيم إلا قليلا، فكان كذلك، ثم باشر السلطنة بمهابة فخافه
الأمراء والأجناد، لكنه أقبل على اللهو والنساء، وصار يبالغ في تحصيل
الأموال، ويبذرها عليهم، وولع بلعب الحمام، وسهل في النزول عن
الإقطاعات فثار عليه يلبغا بدمشق، وأشاع خلعه معتمدا على أن الناصر كان
أوصاه، وأوصى غيره أنه من تسلطن من أولاده ولم يسلك الطريقة المرضية،
فجروا برجله، وملكوا غيره، فلما بلغ الكامل جهز إليه عسكرا فاتفق
الأمراء والأجناد وأصحاب العقد والحل في جمادى الأولى من هذه السنة،
فخلع ثم خنق في يوم الأربعاء ثالث الشهر المذكور وقرروا أخاه المظفّر
حاجي.
وفيها سيف الدّين أبو بكر ابن عبد الله الحريري [3] الشافعي [4] .
قال في «الدرر» : سمع من الحجّار، وقرأ بالروايات، ومهر في النحو، وولي
تدريس الظاهرية البرانية، ومشيخة النحو بالناصرية.
وذكره الذهبي في «المختص» وقال فيه: الإمام المحصّل، ذو الفضائل.
__________
[1] انظر «الدرر الكامنة» (2/ 190) و «حسن المحاضرة» (2/ 118- 119) .
[2] ليست اللفظة في «ط» .
[3] ترجمه في «وفيات ابن رافع» (1/ 233) و «الدرر الكامنة» (1/ 445) و
«الدارس» (1/ 46) و «بغية الوعاة» (1/ 469) .
[4] ليست اللفظة في «آ» .
(8/260)
سمع وكتب وتعب واشتغل وأفاد سمع مني وتلا
بالسّبع وأعرض عن أشياء من فضلات العلم.
توفي في ربيع الأول ودفن بالصوفية.
وفيها تقي الدّين أبو محمد عبد الكريم بن قاضي القضاة محيي الدين يحيى
[1] بن الزكي [2] .
ولد سنة أربع وستين وستمائة. وسمع من الفخر، وحدث، وكان من أعيان
الدمشقيين، وبقية أهل بيته وكان أول ما درس سنة ست وثمانين بالمجاهدية،
وولي مشيخة الشيوخ، سنة ثلاث وسبعمائة، لما تركها الشيخ صفيّ الدين
الهندي، وكان رئيسا محتشما توفي في شوّال.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الحق بن عيسى الخضري [3]
القاضي الشافعي [4] . خرج من مصر صحبة القاضي علاء الدين القونوي، وقد
تضلّع من العلوم، وولي قضاء بعلبك مدة، ثم نقل إلى قضاء صفد، ثم تركه،
وولي قضاء حمص.
قال ابن رافع: وحمدت [5] سيرته، وكان فاضلا وأشغل الناس ببعلبك وصفد
وحمص.
وقال العثماني: قاضي صفد في «طبقات الفقهاء» : شيخي وأستاذي وأجلّ من
لقيت في عيني، أحد مشايخ المسلمين والفقهاء المحقّقين والحفّاظ
المتقنين، والأذكياء البارعين، والفضلاء الجامعين، والحكام الموفّقين،
والمدّرسين الماهرين.
قال: ولما ولي صفد أحياها ونشر العلم بها، ودرّس بها التدريس البديع،
الذي لم يسمع مثله، وكان طريقه جدا، لا يعرف الهزل، ولا يذكر أحد عنده
[6] بسوء.
__________
[1] في «آ» : «محيي الدّين بن يحيي» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «ذيول العبر» (256- 257) ، و «الدرر الكامنة» (2/ 404) و
«الدارس» (2/ 158) .
[3] في «آ» : «الحصري» وهو تحريف.
[4] ترجمته في «وفيات ابن رافع» : (2/ 31- 32) و «الدرر الكامنة» (3/
492) .
[5] في «آ» : «حمدت» من غير الواو.
[6] في «آ» «ولا يذكر عنده أحد» .
(8/261)
توفي بحمص في شعبان.
وفيها شمس الدّين أبو بكر محمد بن محمد بن نمير بن السّراج [1] .
قال ابن حجر: قرأ على نور الدين الكفتي، وعلي المكين الأسمر وغيرهما.
وغني بالقراءات، وكتب الخطّ المنسوب، وحدّث عن شامية بنت البكري
وغيرها، وتصدّر للإقراء، وانتفع الناس به، وكان سليم الباطن، يعرف
النحو ويقرئه.
مات في شعبان وله سبع وسبعون سنة.
وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عبد السلام بن
تيميّة [2] أخو الشيخ تقي الدّين.
ولد سنة ثلاث وستين وستمائة بحرّان، وحضر على أحمد بن عبد الدائم، وسمع
من ابن أبي اليسر والقاسم الإربلي، والقطب بن أبي عصرون، في آخرين.
وجمع له منهم البرزالي ستة وثمانين شيخا.
وكان يتعانى التجارة، وهو خيّر ديّن، حبس نفسه مع أخيه بالإسكندرية
ودمشق محبة له وإيثارا لخدمته، ولم يزل عنده ملازما معه للتلاوة
والعبادة إلى أن مات الشيخ، وخرج هو، وكان مشهورا بالديانة والأمانة
وحسن السيرة، وله فضيلة ومعرفة. مات في ذي القعدة. قاله ابن حجر.
وفيها أبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص
الهنتاتي [3]- بالكسر والسكون وفوقيتين بينهما ألف نسبة إلى هنتاتة
قبيلة من البربر بالمغرب.
ملك تونس نحو ثلاثين سنة.
توفي في رجب واستقر بعده ابنه أبو حفص عمر.
__________
[1] ترجمته في «وفيات ابن رافع» (1/ 236) و «غاية النهاية» (2/ 256) و
«الدرر الكامنة» (4/ 232- 233) ، و «حسن المحاضرة» (1/ 508) و «بغية
الوعاة» (1/ 235) .
[2] ترجمته في «ذيول العبر» (259) و «الدرر الكامنة» (2/ 329) .
[3] انظر «النجوم الزاهرة» (10/ 177) .
(8/262)
سنة ثمان وأربعين
وسبعمائة
قتل في ثالث عشر شعبانها الملك المظفر سيف الدّين حاجي بن محمد بن
قلاوون [1] .
ولد وأبوه في الحجاز سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وولي السلطنة في
العام الذي قبل هذا، كما تقدم، واتّفق رخص الأسعار في أول ولايته، ففرح
الناس به، لكن انعكس مزاجهم عليه بلعبه وإقباله على اللهو والشغف
بالنساء، حتّى وصلت قيمة عصبة حظيّته التي على رأسها مائة ألف دينار،
وصار يحضر الأوباش بين يديه، يلعبون بالصراع وغيره، وكان مرة يلعب
بالحمام فدخل عليه بعض الأمراء، ولامه وذبح منها طيرين، فطار عقله،
وقال لخواصه: إذا دخل علي [2] فبضّعوه بالسيف، فسمعها بعض من يميل
إليه، فحذّره، فجمع الأمراء وركب فبلغ ذلك المظفّر، فخرج فيمن بقي معه،
فلما تراءى الجمعان ضربه بعض الخدم بطبر من خلفه، فوقع وكتّفوه ودخلوا
به إلى تربة هناك، فقتلوه ثم قرّروا أخاه الناصر حسن مكانه في رابع عشر
شعبان. قاله ابن حجر.
وفيها كمال الدّين أبو الفضل جعفر بن ثعلب [3] بن جعفر بن الإمام
العلّامة الأدفوي [4]- بضم الفاء نسبة إلى أدفو [5] بلد بصعيد مصر-
الشافعي.
ولد في شعبان سنة خمس وثمانين وقيل خمس وسبعين وستمائة، وسمع الحديث
بقوص والقاهرة، وأخذ المذهب والعلوم عن علماء ذلك العصر، منهم ابن دقيق
العيد.
__________
[1] ترجمته في «ذيول العبر» (267) ، و «الدرر الكامنة» (2/ 3- 5) .
[2] في «ط» : «إلى» .
[3] في «آ» و «ط» : «تغلب» وهو خطأ. انظر مصادره وانظر تعليق الزركلي
في «الأعلام» (2/ 122) .
[4] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (10/ 237) و «طبقات الإسنوي» (1/ 170)
و «الدرر الكامنة» (2/ 172) و «حسن المحاضرة» (1/ 320) و «البدر
الطالع» (1/ 182) .
[5] قال ياقوت: إنها تقع بين أسوان وقوص. «معجم البلدان» (1/ 126) .
(8/263)
قال أبو الفضل العراقي: كان من فضلاء أهل
العلم، صنّف تاريخا للصعيد [1] ، ومصنّفا في حل السّماع سمّاه «كشف
القناع» وغير ذلك.
وقال الصلاح الصفدي: صنّف «الإمتاع في أحكام السماع» و «الطالع السعيد
في تاريخ الصّعيد» و «البدر السّافر في تحفة المسافر» في التاريخ
انتهى.
توفي في صفر بمصر ودفن بمقابر الصّوفية.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن أيوب بن منصور ابن وزير المقدسي
الشافعي [2] .
ولد سنة ست وستين وستمائة تقريبا، وقرأ على التّاج الفزاري، وولده
برهان الدّين، وبرع في الفقه واللغة والعربية، وسمع الحديث الكثير
بدمشق والقدس، ودرّس بالأسدية، وبحلقة صاحب حمص، وسمع منه الذهبي.
وذكره في «المعجم المختص» : فقال: الإمام الفقيه المتقن المحدّث بقيّة
السّلف.
قرأ بنفسه، ونسخ أجزاء، وكتب الكثير من الفقه والعلم بخطه المتقن،
وأعاد بالبادرائية، ثم تحوّل إلى القدس ودرّس بالصلاحية [ثم] تغيّر
وجفّ دماغه في سنة اثنتين وأربعين. وكان إذا سمع عليه في حال تغيّره
يحضر ذهنه.
وكان يستحضر العلم جيدا.
توفي بالقدس في شهر رمضان.
وفيها الإمام الحافظ شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن
قايماز التركماني الذهبي [3] .
قال التاج السّبكي في «طبقاته الكبرى» : شيخنا وأستاذنا محدّث العصر،
__________
[1] اسمه «الطالع السعيد في نجباء الصعيد» وقد طبع بمصر بتحقيق الأستاذ
سعد محمد حسن.
[2] ترجمته في «معجم الشيوخ» (2/ 21) و «المعجم المختص» ص (163) و
«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 40- 41) و «الدرر الكامنة» (3/
99) .
[3] ترجمة (الذهبي) في «ذيول العبر» (268) و «ذيل تذكرة الحفاظ» (34-
38) و «الوافي بالوفيات»
(8/264)
اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ وبينهم
عموم وخصوص: المزّي، والبرزالي، والذّهبي، والشيخ الوالد، لا خامس لهم
في عصرهم، فأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له، وكنز هو الملجأ
إذا نزلت المعضلة أمام الوجود حفظا، وذهب العصر معنى ولفظا، وشيخ الجرح
والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل، كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد
فنظرها، ثم أخذ يخبر عنها أخبار من حضرها، وكان محطّ رحال تغبّيت
ومنتهى رغبات من تغبّيت. تعمل المطيّ إلى جواره، وتضرب البزل المهاري
أكبادها فلا تبرح أو تبيد نحو داره، وهو الذي خرّجنا في هذه الصناعة،
وأدخلنا في عداد الجماعة، جزاه الله عنّا أفضل الجزاء، وجعل حظّه من
عرصات الجنان موفر الأجزاء، وسعده بدرا طالعا في سماء العلوم، يذعن له
الكبير والصغير من الكتب، والعالي والنازل من الأجزاء.
كان مولده في سنة ثلاث وسبعين وستمائة.
وأجاز له أبو زكريا بن الصّيرفي، والقطب بن عصرون، والقاسم الإربلي
وغيرهم.
وطلب الحديث، وله ثمان عشرة سنة، فسمع بدمشق من عمر بن القواس، وأحمد
بن هبة الله بن عساكر، ويوسف بن أحمد الغسولي، وغيرهم.
وببعلبك من عبد الخالق بن علوان، وزينب بنت عمر بن كندي، وغيرهما.
وبمصر من الأبرقوهي، وعيسى بن عبد المنعم بن شهاب، وشيخ الإسلام بن
دقيق العيد، والحافظين أبي محمد الدمياطي، وأبي العبّاس بن الظّاهري،
وغيرهم.
ولما دخل على شيخ الإسلام ابن دقيق العيد وكان المذكور شديد التّحري في
الأسماع، قال له: من أين جئت؟ قال: من الشام. قال: بم تعرف؟ قال:
بالذهبي. قال: من أبو طاهر الذهبي؟ قال له: المخلّص. فقال: أحسنت،
وقال:
__________
(2/ 163) ، و «فوات الوفيات» (3/ 315) و «طبقات الشافعية الكبرى» . (9/
100- 123) . و «طبقات الإسنوي» (1/ 558- 559) و «الدرر الكامنة» (3/
336- 338) و «الدارس» و (1/ 78) و «القلائد الجوهرية» ص (328- 329) و
«الدليل الشافي» (2/ 591) .
(8/265)
من أبو محمد الهلالي: قال سفيان بن عيينة.
قال: أحسنت، اقرأ، ومكّنه من القراءة حينئذ إذ رآه عارفا بالأسماء.
وسمع بالإسكندرية من أبي الحسن علي بن أحمد العراقي، وأبي الحسين يحيى
بن أحمد بن الصوّاف، وغيرهما.
وبمكة من التّوزري وغيره.
وبحلب من سنقر الزّيني وغيره.
وبنابلس من العماد بن بدران.
وفي شيوخه كثرة فلا نطيل بتعدادهم.
وسمع منه الجمّ الكثير، وما زال يخدم هذا الفنّ حتّى رسخت فيه قدمه
وتعب الليل والنهار، وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الأمثال، وسار
اسمه مسير لقبه الشمس إلّا أنه لا يتقلّص إذا نزل المطر، ولا يدبر إذا
أقبلت الليال.
وأقام بدمشق يرحل إليه من سائر البلاد، وتناديه السّؤالات من كل ناد،
وهو بين أكنافها كنف لأهليها وشرف تفتخر وتزهو به الدّنيا وما فيها،
طورا تراها ضاحكة عن تبسّم أزهارها، وقهقهة غدرانها، وتارة تلبس ثوب
الوقار والافتخار بما اشتملت عليه من إمامها المعدود من سكانها.
توفي رحمه الله تعالى ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة بالمدرسة المنسوبة
لأم الصّالح في قاعة سكنه، ورآه الوالد قبل المغرب، وهو في السياق، ثم
سأله أدخل وقت المغرب، فقال له الوالد: ألم تصلّ العصر؟ فقال: نعم ولكن
لم أصلّ المغرب إلى الآن. وسأل الوالد رحمه الله عن الجمع بين المغرب
والعشاء تقديما فأفتاه بذلك ففعله، ومات بعد العشاء قبل نصف الليل،
ودفن بباب الصغير.
حضرت الصلاة عليه ودفنه، وكان قد أضرّ قبل موته بمدة يسيرة.
أنشدنا شيخنا الذّهبي من لفظه لنفسه:
تولّى شبابي كأن لم يكن ... وأقبل شيب علينا تولّى
ومن عاين المنحنى والنّقى ... فما بعد هذين إلا المصلّى
(8/266)
انتهى ما قاله السّبكي ملخصا.
وقال ابن تغري بردي في «المنهل الصافي» بعد ترجمة حسنة: وله أوراد
هائلة، وتصانيف كثيرة مفيدة: منها «تاريخ الإسلام الكبير» في أحد
وعشرين مجلدا، ومختصره «سير النبلاء» [1] في عدة مجلدات كثيرة، ومختصر
«العبر في خبر من غبر» ومختصر آخر سمّاه «الدول [2] الإسلامية» ،
ومختصره الصغير المسمى ب «الإشارة» [3] ، ومختصره أيضا وسمّاه «الإعلام
بوفيات الأعلام» [4] واختصر «تهذيب الكمال» للمزي، وسمّاه «تذهيب
التهذيب» واختصر منه أيضا [5] مجلدا سمّاه «الكاشف» . وله «ميزان
الاعتدال في نقد الرجال» و «المغني في الضعفاء» مختصره ومختصر آخر،
قبله، و «النبلاء في شيوخ السّنّة» مجلدا، و «المقتنى في سرّ الكنى» و
«طبقات الحفّاظ» مجلدين، و «طبقات مشاهير القرّاء» مجلد، و «التاريخ
الممتع» في ستة أسفار، و «التجريد في أسماء الصحابة» و «مشتبه النّسبة»
واختصر «أطراف المزّي» واختصر «تاريخ بغداد للخطيب» واختصر «تاريخ ابن
السمعاني» واختصر «وفيات المنذري» و «الشريف النّسابة» ، واختصر «سنن
البيهقي» على النصف من حجمها مع المحافظة على المتون، واختصر «تاريخ
دمشق في عشر مجلدات» واختصر «تاريخ نيسابور للحاكم» واختصر «المحلّى»
لابن حزم، واختصر «الفاروق» لشيخ الإسلام الأنصاري، وهذّبه، واختصر
كتاب «جواز السماع» لجعفر الأدفوي، واختصر «الزّهد» للبيهقي، و «القدر»
له، و «البعث» له، واختصر «الردّ على الرافضة» لابن تيميّة مجلد،
واختصر «العلم [6] لابن عبد البر» واختصر «سلاح المؤمن» في الأدعية،
وصنّف «الروع والأدجال في بقاء الدجال»
__________
[1] وقد طبع هذا الكتاب في مؤسسة الرسالة ببيروت بتحقيق عدد كبير من
الأساتذة، وقد أشرف على تحقيقه وخرّج أحاديثه الأستاذ الشيخ شعيب
الأرناؤوط حفظه الله تعالى.
[2] في «آ» : «بالدول» .
[3] طبع هذا الكتاب بتحقيق صديقنا الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح، ونشرته
حديثا دار ابن الأثير ببيروت.
[4] طبع هذا الكتاب بتحقيق الصديقين الفاضلين رياض عبد الحميد مراد
وعبد الجبّار زكّار.
[5] كذا في «آ» : «واختصر منه أيضا» . وفي «ط» : «واختصر أيضا منه» .
[6] في «آ» «المعلم» وهو المعروف ب «جامع بيان العلم وفضله» .
(8/267)
وكتاب «كسروثن رتن الهندي» وكتاب «الزيادة
المضطربة» وكتاب «سيرة الحلّاج» وكتاب «الكبائر» [1] وكتاب «تحريم
أدبار النساء» كبيرة وصغيرة، وكتاب «العرش» وكتاب «أحاديث الصفات» وجزء
«في فضل آية الكرسي» وجزء في «الشفاعة» وجزءان في «صفة النار» ، و
«مسألة السماع» جزء، و «مسألة الغيب» ، وكتاب «رؤية الباري» وكتاب
«الموت» وما بعده، و «طرق أحاديث النزول» ، وكتاب «اللّباس» ، وكتاب
«الزلازل» و «مسألة دوام النار» وكتاب «التمسك بالسنن» وكتاب «التلويح
بمن سبق ولحق» وكتاب «مختصر في القراءات» وكتاب «هالة البدر في أهل
بدر» وكتاب «تقويم البلدان» وكتاب «ترجمة السّلف» و «دعاء المكروب»
وجزء «صلاة التّسبيح» و «فضل الحج وأفعاله» و «كتاب معجم شيوخه الكبير»
و «المعجم الأوسط» و «المعجم الصغير» و «المعجم المختص» .
وله عدة تصانيف أخر [2] أضربت عنها لكثرتها.
وقال الصفدي: ذكره الزّملكاني بترجمة حسنة، وقال أنشدني من لفظه لنفسه
وهو تخيل جيد إلى الغاية:
إذا قرأ الحديث عليّ شخص ... وأخلى موضعا لوفاة مثلي [3]
فما جازى بإحسان لأنّي ... أريد حياته ويريد قتلي
ثم قال وأنشدني أيضا:
العلم قال الله قال رسوله ... إن صحّ والإجماع فاجهد فيه
وحذار من نصب الخلاف جهالة ... بين الرسول وبين رأي فقيه
انتهى.
__________
[1] نشرته دار ابن كثير بتحقيق الأستاذ الفاضل محيي مستو وأعيد طبعه
عدة مرات.
[2] ليست اللفظة في «آ» .
ومن مصنفاته أيضا «الأمصار ذوات الآثار» وقد قمت بتحقيقه ونشرته دار
ابن كثير منذ سنوات.
[3] في «آ» .
إذا قرأ علي الحديث شخص ... وأخلى موضعا لوفاة نسلي
والشطر الأول مختلّ الوزن، وقافية «ط» أفضل.
(8/268)
وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد
بن عبد الله ابن أبي الفرج بن أبي الحسن بن سرايا بن الوليد الحرّاني
[1] نزيل مصر الفقيه الحنبلي القاضي، ويعرف بابن الحبّال.
ولد بعد السبعين وستمائة تقريبا، وسمع من العزّ الحرّاني، وابن خطيب
المزة، والشيخ نجم الدين بن حمدان، وغيرهم، وتفقه وبرع وأفتى وأعاد
بعدة مدارس، وناب في الحكم بظاهر القاهرة.
وصنّف تصانيف عديدة منها «شرح الخرقي» ، وهو مختصر جدا، وكتاب «الفنون»
. وحدّث وروى عنه جماعة منهم ابن رافع، وكان حسن المحاضرة ليّن الجانب
لطيف الذات ذا ذهن ثاقب.
توفي في تاسع عشر ربيع الآخر.
وفيها عزّ الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر
محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي [2] الخطيب، الصالح القدوة ابن
الشيخ العزّ.
ولد في رجب سنة ثلاث وستين وستمائة، وسمع من ابن عبد الدائم والكرماني
وغيرهما، وتفقّه قديما بعمّ أبيه الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، ودرّس
بمدرسة جدّه الشيخ أبي عمر، وخطب بالجامع المظفّري دهرا، وكان من
الصالحين الأخيار المتفق عليهم. وعمّر وحدّث بالكثير، وخرّجوا له
«مشيخة» في أربعة أجزاء.
ذكره الذهبي في «معجم شيوخه» فقال: كان فقيها عالما خيّرا متواضعا على
طريقة سلفه.
توفي يوم الاثنين عشري رمضان، ودفن بتربة جدّه الشيخ أبي عمر.
__________
[1] ترجمته في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 442- 443) .
[2] ترجمته في «ذيول العبر» (266) و «معجم الشيوخ» (2/ 131) و «ذيل
طبقات الحنابلة» (2/ 441- 442) و «الدارس» (2/ 97) و «القلائد
الجوهرية» (1/ 81) .
(8/269)
وفيها جمال الدّين أبو عبد الله محمد بن
أحمد البصّال [1]- بالباء الموحدة- اليمني الشافعي. تفقه على الفقيه
عبد الرحمن بن شعبان، وصحب الشيخ عمر الصفار، ووضع شرحا على «التنبيه»
وسئل أن يلي قضاء عدن، فامتنع وأخذ عنه الشيخ عبد الله اليافعي، ولبس
منه خرقة التصوف.
قال الإسنوي [2] : وكان صاحب كشف وكرامات ومشاهدات.
وفيها قوام الدّين أبو محمد مسعود بن برهان الدّين محمد بن شرف الدين
الكرماني الحنفي الصوفي [3] .
قال في «الدرر» : ولد سنة أربع وستين وستمائة، واشتغل في تلك البلاد،
ومهر في الفقه والأصول والعربية، وكان نظّارا بحّاثا.
وقدم دمشق فظهرت فضائله، ثم قدم القاهرة، وأشغل الناس بالعلم، وله
النظم الرائق، والعبارة الفصيحة.
أخذ عنه البرزالي، وابن رافع، ومات في منتصف شوال.
__________
[1] ترجمته في «طبقات الإسنوي» (2/ 579) و «الدرر الكامنة» (3/ 377) .
[2] في «طبقات الإسنوي» : «كان صاحب كشف ومشاهدات مات بعدن سنة خمس
وأربعين وسبعمائة» .
[3] ترجمته في «وفيات ابن رافع» : (1/ 248) و «النجوم الزاهرة» (10/
183) و «الدرر الكامنة» (4/ 351) و «بغية الوعاة» (2/ 286) .
(8/270)
سنة تسع وأربعين
وسبعمائة
فيها كان الطّاعون العام الذي لم يسمع بمثله، عمّ سائر الدنيا، حتّى
قيل:
إنه مات نصف الناس حتى الطّيور، والوحوش، والكلاب، وعمل فيه ابن الوردي
مقامة عظيمة، ومات فيه كما يأتي قريبا.
وفيها مات برهان الدّين إبراهيم بن لاجين بن عبد الله الرشيدي المصري
الشافعي النحوي [1] العلّامة.
مولده سنة ثلاث وسبعين وستمائة وتفقّه على العلم العراقي، وقرأ
القراءات على التقي بن الصائغ، وأخذ النحو عن الشيخين بهاء الدّين بن
النحّاس، وأبي حيّان، والأصول عن الشيخ تاج الدّين البارنباري. والمنطق
عن السيف البغدادي، وسمع وحدّث ودرّس وأفتى، وأشغل [2] بالعلم، وولي
تدريس التفسير بالقبة المنصورية بعد موت الشيخ أبي حيّان، وتصدّر مدة،
وعيّن لقضاء المدينة المشرفة، فلم يفعل، وممن أخذ عنه القاضي محبّ
الدّين ناظر الجيش والشيخان زين الدّين العراقي وسراج الدين بن
الملقّن.
قال الصفدي: أقرأ الناس في «أصول ابن الحاجب» و «تصريفه» وفي «التسهيل»
وكان يعرف الطب والحساب وغير ذلك.
توفي بالقاهرة شهيدا بالطّاعون في شوال أو في ذي القعدة.
وفيها برهان الدّين إبراهيم بن عبد الله بن علي بن يحيى بن خلف الحكري
المقرئ النحوي [3] .
__________
[1] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (10/ 234) و «الوافي» (6/ 164) ، و
«طبقات السبكي» (9/ 399) ، و «طبقات الإسنوي» (1/ 602) و «غاية
النهاية» (1/ 38) ، و «بغية الوعاة» (1/ 434) .
[2] في «ط» : «واشتغل» .
[3] ترجمته في «طبقات الإسنوي» (1/ 459) و «الدرر الكامنة» (1/ 29- 30)
و «بغية الوعاة» (1/ 451) .
(8/271)
أخذ عن ابن النحّاس وتلا على التقي الصائغ
وابن الكفتي، ولازم درس أبي حيّان، وأخذ عنه الناس، وكان حسن التعليم،
وسمع الحديث من الدّمياطي والأبرقوهي.
مولده سنة نيف وسبعين وستمائة. ومات في الطاعون العام في ذي القعدة.
وفيها علاء الدّين أحمد بن عبد المؤمن الشافعي [1] .
قال ابن قاضي شهبة: الشيخ الإمام السبكي ثم النووي- نسبة إلى نوى من
أعمال القليوبية- وكان خطيبا بها تفقّه على الشيخ عز الدين النسائي
وغيره، وكتب شرحا على «التنبيه» في أربع مجلدات، وصنّف كتابا آخر، فيه
ترجيحات مخالفة لما رجّحه الرافعي والنووي.
قال الزين العراقي: كان رجلا صالحا صاحب أحوال ومكاشفات، شاهدت ذلك منه
غير مرة، وكان سليم الصدر، ناصحا للخلق، قانعا باليسير، باذلا للفضل بل
لقوت يومه مع حاجته إليه.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن قيس الإمام العلّامة
الشافعي المعروف بابن الأنصاري وابن الظهير [2] ، فقيه الديار المصرية
وعالمها.
ولد في حدود الستين وستمائة، وأخذ عن الضياء جعفر وخلق، وبرع في
المذهب، وسمع من جماعة ودرّس وأفتى أشغل بالعلم، وشاع اسمه، وبعد صيته،
وحدث بالقاهرة والإسكندرية.
قال السبكي: لم يكن بقي من الشافعية أكبر منه.
وقال الإسنوي: كان إماما في الفقه والأصلين، ومات وهو شيخ الشافعية
بالديار المصرية، وكان فصيحا إلّا أنه لا يعرف النحو، فكان يلحن كثيرا.
وقال الزين العراقي في «ذيله» : فقيه القاهرة، كان مدار الفتيا
بالقاهرة عليه وعلى الشيخ شمس الدّين بن عدلان.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 11- 12) .
[2] ترجمته في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 11- 12) و «طبقات
الإسنوي» (1/ 176) و «الدرر الكامنة» (1/ 296) .
(8/272)
توفي شهيدا بالطاعون يوم الأضحى أو يوم
عرفة.
وفيها تاج الدّين أبو محمد أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم بن
محمد القيسي الحنفي النحوي [1] .
قال في «الدّرر» : ولد في آخر ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وستمائة،
وأخذ النحو عن البهاء بن النحّاس، ولازم أبا حيّان دهرا طويلا، وأخذ عن
السّروجي وغيره، وتقدّم في الفقه والنحو واللغة ودرّس، وناب في الحكم،
وكان سمع من الدّمياطي اتفاقا قبل أن يطلب، ثم أقبل على سماع الحديث،
ونسخ الأجزاء، والرواية عنه عزيزة، وقد سمع منه ابن رافع. وذكره في
«معجمه» . وله تصانيف حسان منها «الجمع بين العباب والمحكم» في اللغة،
و «شرح الهداية» في الفقه، و «الجمع المنتقاة في أخبار اللغويين
والنحاة» ، عشر مجلدات وكأنه مات عنها مسودة فتفرقت شذر مذر.
قال السيوطي: وهذا الأمر هو أعظم باعث لي على اختصار «طبقاتي الكبرى»
في هذا المختصر يعني «طبقات النحاة» [2] .
ومن تصانيفه «شرح مختصر ابن الحاجب» وشرح شافيته، وشرح «الفصيح» ، و
«الدّر اللقيط من البحر المحيط» مجلدات، و «التذكرة» ثلاث مجلدات،
سمّاها «قيد الأوابد» .
توفي في الطاعون في رمضان.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن فضل الله بن مجلّي
القرشي العمري [3] الشافعي القاضي الكبير الإمام الأديب البارع.
__________
[1] ترجمته في «الوافي بالوفيات» (7/ 74- 76) و «الجواهر المضية» (192)
و «الدرر الكامنة» (1/ 186- 188) و «حسن المحاضرة» (1/ 268) و «بغية
الوعاة» (1/ 326- 329) و «الطبقات السنية» (1/ 381- 383) .
[2] المعروف ب «بغية الوعاة» .
[3] ترجمته في «المعجم المختص» «ذيول العبر» (275) و «النجوم» (10/
334) و «الوافي» (7/ 252) و «فوات الوفيات» (1/ 157) و «وفيات ابن
رافع» (1/ 282- 283) و «البداية والنهاية» (14/ 229) و «الدرر الكامنة»
(1/ 331) و «حسن المحاضرة» (1/ 571) .
(8/273)
ولد بدمشق في شوال سنة سبعمائة، وسمع
بالقاهرة ودمشق من جماعة، وتخرّج في الأدب بوالده وبالشّهاب محمود،
وأخذ الأصول عن الأصفهاني، والنحو عن أبي حيّان، والفقه عن البرهان
الفزاري، وابن الزّملكاني وغيرهما، وباشر كتابة السرّ بمصر نيابة عن
والده، ثم إنه فاجأ السلطان بكلام غليظ، فإنه كان قويّ النفس، وأخلاقه
شرسة، فأبعده السلطان، وصادره وسجنه بالقلعة، ثم ولي كتابة السرّ
بدمشق، وعزل ورسم عليه أربعة أشهر، وطلب إلى مصر، فشفع فيه أخوه علاء
الدّين، فعاد إلى دمشق واستمر بطّالا إلى أن مات، ورتّبت له مرتّبات
كثيرة، وصنف كتاب «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» في سبعة وعشرين
مجلدا، وهو كتاب جليل ما صنّف مثله، وفواضل السمر في فضائل عمر، أربع
مجلدات، والتعريف بالمصطلح، وله ديوان في المدائح النبوية وغير ذلك.
ذكره الذهبي في «المعجم المختص» .
وقال ابن كثير: كان يشبّه بالقاضي الفاضل في زمانه، حسن المذاكرة، سريع
الاستحضار، جيد الحفظ، فصيح اللسان، جميل الأخلاق، يحب العلماء
والفقراء. توفي شهيدا بالطاعون يوم عرفة.
وفيها بدر الدّين الحسن بن قاسم بن عبد الله بن علي المرادي المصري [1]
المولد النحوي اللغوي الفقيه المالكي البارع المعروف بابن أم قاسم، وهي
جدته أم أبيه واسمها زهراء. وكانت أول ما جاءت من المغرب عرفت بالشيخة.
فكانت شهرته تابعة لها.
ذكر ذلك العفيف المطري في «ذيل طبقات القراء» . قال: وأخذ النحو
والعربية عن أبي عبد الله [2] الطنجي، والسرّاج الدّمنهوري، وأبي زكريا
الغماري، وأبي حيّان، والفقه عن الشرف المقيلي المالكي، والأصول عن
الشيخ
__________
[1] ترجمته في «الدرر الكامنة» (2/ 32- 33) و «حسن المحاضرة» (1/ 536)
و «بغية الوعاة» (1/ 517) .
[2] في «آ» : «عبيد الله» وانظر «الدرر الكامنة» (2/ 32) .
(8/274)
شمس الدين بن اللبان، وأتقن العربية
والقراءات على المجد إسماعيل التستري، وصنف وتفنن، وأجاد. وله شرح
«التسهيل» وشرح «المفصّل» وشرح «الألفية» و «الجنى الدّاني في حروف
المعاني» وغير ذلك، وكان تقيا صالحا مات يوم عيد الفطر.
وفيها الإمام علاء الدّين طيبرس الجندي [1] النحوي.
قال الصّفدي: هو الشيخ الإمام العالم الفقيه النحوي. أقدم من بلاده إلى
البيرة، فاشتراه بعض الأمراء بها، وعلّمه الخط والقرآن، وتقدم عنده
وأعتقه، فقدم دمشق، وتفقّه بها، واشتغل بالنحو واللغة والعروض والأدب
والأصلين حتى فاق أقرانه، وكان حسن المذاكرة، لطيف المعاشرة، كثير
التلاوة، والصلاة بالليل.
صنّف «الطرفة» جمع فيها بين الألفية والحاجبية، وزاد عليها وهي تسعمائة
بيت، وشرحها، وكان ابن عبد الهادي يثني عليها وعلى شرحها.
ولد تقريبا سنة ثمانين وستمائة، ومات بالطاعون العام.
ومن شعره:
قد بتّ في قصر حجاج فذكّرني ... بضنك عيشة من في النار يشتعل
بقّ يطير وبقّ في الحصير سعى ... كأنّه ظلل من فوقه ظلل
وفيها زين الدين عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس بن الوردي
[2] المعرّي [3] الحلبي الشافعي. كان إماما بارعا في اللغة والفقه
والنحو والأدب مفننا في العلم، ونظمه في الذروة العليا والطبقة القصوى،
وله فضائل مشهورة. قرأ على الشرف البارزي وغيره.
وصنف «البهجة» في نظم «الحاوي الصغير» ، و «شرح ألفية ابن مالك» ، و
«ضوء
__________
[1] ترجمته في «الدرر الكامنة» (2/ 228- 229) .
[2] ترجمة (ابن الوردي» في «النجوم الزاهرة» (10/ 240) و «فوات
الوفيات» (3/ 157- 160) و «طبقات السبكي» (10/ 373) ، و «الدرر
الكامنة» (3/ 195- 197) .
[3] في «آ» : «المصري» وانظر مصادره.
(8/275)
الدرة» على «ألفية ابن معطي» ، و «اللباب
في علم [1] الإعراب» ، و «تذكرة الغريب» في النحو نظما، و «منطق الطير»
في التصوف، وغير ذلك، وله مقامات في الطاعون العام. واتفق أنّه مات
بأخرة في سابع ذي الحجة بحلب، والرواية عنه عزيزة.
قال ابن شهبة: له مقدمة في النحو اختصر فيها الملحة سماها «التحفة»
وشرحها، وله تاريخ حسن مفيد، وأرجوزة في تعبير المنامات، وديوان شعر
لطيف، ومقامات مستظرفة. وناب في الحكم بحلب في شبيبته عن الشيخ شمس
الدّين بن النّقيب، ثم عزل نفسه، وحلف لا يلي القضاء، لمنام رآه وكان
ملازما للاشغال والاشتغال والتصنيف.
شاع ذكره واشتهر بالفضل اسمه.
وقال الصفدي: بعد ترجمة طويلة حسنة شعره أسحر من عيون الغيد، وأبهى من
الوجنات ذوات التوريد.
وقال السبكي: شعره أحلى من السّكّر المكرّر، وأغلى قيمة من الجوهر.
وقال السويطي: ومن نظمه [2] :
لا تقصد القاضي إذا أدبرت ... دنياك واقصد من جواد كريم
كيف ترجّي الرزق من عند من ... يفتي بأنّ الفلس مال عظيم
وله [2] :
سبحان من سخّر لي حاسدي ... يحدث لي في غيبتي ذكرا
لا أكره الغيبة من حاسد ... يفيدني الشّهرة والأجرا
وقال وقد مر به غلام جميل له قرط:
مرّ بنا [3] مقرطق ... ووجهه يحكي القمر
هذا أبو لؤلؤة ... منه خذوا ثأر عمر
__________
[1] ليست اللفظة في «آ» .
[2] التبيان في «فوات الوفيات» .
[3] ليست اللفظة في المطبوع.
(8/276)
وفيها زين الدين أبو حفص عمر بن سعد الله
بن عبد الأحد الحرّاني ثم الدمشقي الفقيه الفرضي القاضي الحنبلي [1] ،
أخو شرف الدين محمد.
ولد سنة خمس وثمانين وستمائة، وسمع من يوسف بن الغسولي وغيره بالقاهرة
وغيرها، ودخل بغداد وأقام بها ثلاثة أيام، وتفقه وبرع في الفقه
والفرائض، ولازم الشيخ تقي الدّين، وغيره، وولي نيابة الحكم عن ابن
منجّى.
وكان ديّنا خيّرا، حسن الأخلاق، متواضعا، بشوش الوجه، متثبتا، سديد
الأقضية، والأحكام.
حدث ابن شيخ السّلامية عنه أنه قال: لم أقض قضية إلا وأعددت لها الجواب
بين يدي الله.
وذكره الذهبي في «المختص» فقال: عالم ذكيّ خيّر وقور متواضع بصير
بالفقه والعربية. سمع الكثير، وتخرج بابن تيميّة وغيره. توفي شهيدا
بالطاعون.
وفيها صفي الدين أبو عبد الله الحسين بن بدران بن داود البابصري [2]
البغدادي الخطيب الفقيه الحنبلي المحدّث النحوي الأديب.
ولد آخر نهار عرفة سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وسمع الحديث متأخرا، وعني
بالحديث، وتفقه وبرع في العربية والأدب، ونظم الشعر الحسن، وصنّف في
علوم الحديث، وغيرها واختصر «الإكمال» لابن ماكولا.
قال ابن رجب [3] : وقرأت عليه بعضه وسمعت بقراءته «صحيح البخاري» على
الشيخ جمال الدّين مسافر بن إبراهيم الخالدي، وحضرت مجالسه كثيرا.
__________
[1] ترجمته في «المعجم المختص» (181) و «ذيول العبر» (4/ 151) و
«النجوم الزاهرة» (10/ 240) ، و «وفيات ابن رافع» (2/ 86) و «ذيل طبقات
الحنابلة» (2/ 443) و «الدرر الكامنة» (3/ 166- 167) .
[2] ترجمته في «وفيات ابن رافع» (1/ 276) ، و «ذيل تذكرة الحنابلة» (2/
443) و «الدرر الكامنة» (2/ 53) .
[3] في ذيل ابن رجب: «واختصر الإكمال لابن ماكولا وعلقه في حياته وقرأ
عليه بعضه وسمعت ... » .
(8/277)
وتوفي يوم الجمعة سابع عشري رمضان ببغداد
مطعونا، ودفن بمقبرة باب حرب.
وفيها أبو الخير سعيد ابن عبد الله الدّهلي [1] الحريري الحنبلي [2]
الحافظ المؤرخ، مولى الصّدر صلاح الدّين عبد الرحمن بن عمر الحريري.
سمع ببغداد من الدّقوقي وخلق، وبدمشق من زينب بنت الكمال وأمم،
وبالقاهرة والإسكندرية وبلدان شتّى، وعني بالحديث وأكثر من السماع
والشيوخ، وجمع تراجم كثيرة لأعيان أهل بغداد، وخرّج الكثير وكتب بخطّه
الرديء كثيرا.
قال الذهبي: له رحلة [إلى مصر] [3] ، وعمل جيد، وهمة في التاريخ، ويكثر
المشايخ والأجزاء، وهو ذكي، صحيح الذهن، عارف بالرجال، حافظ. انتهى.
وفيها سراج الدّين أبو حفص عمر بن علي بن موسى بن الخليل البغدادي
الأزجي البزار الفقيه الحنبلي [4] . المحدّث.
ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة تقريبا، وسمع من إسماعيل بن الطّبّال،
وابن الدواليبي وجماعة، وعني بالحديث، وقرأ الكثير، ورحل إلى دمشق،
فسمع بها صحيح البخاري على الحجّار بالحنبلية، وأخذ عن الشيخ تقي
الدّين ابن تيميّة، وحج مرارا، ثم أقام بدمشق، وكان حسن القراءة ذا
عبادة وتهجّد.
وصنّف كثيرا في الحديث وعلومه، ثم توجّه إلى الحجّ في هذه السنة فتوفي
بمنزلة حاجر، قبل الوصول إلى الميقات، ومعه نحو خمسين نفسا بالطاعون،
وذلك صبيحة يوم الثلاثاء حادي عشري ذي القعدة، ودفن بتلك المنزلة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الذهلي» وانظر مصادره.
[2] ترجمته في «المعجم المختص» (104) و «ذيول العبر» (277) و «وفيات
ابن رافع» (2/ 111- 112) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 445) و «الدرر
الكامنة» (2/ 134- 135) .
[3] بعدها في «المعجم المختص» : «وعمل جيد وتميّز في التاريخ وتكثير
المشائخ والأجزاء ومعرفة الرجال» .
[4] ترجمته في «المعجم المختص» (183) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 444-
445) و «الدرر الكامنة» (3/ 180) .
(8/278)
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عبد
المؤمن بن اللبّان المصري الشافعي الإمام [1] العلّامة. ولد سنة خمس
وثمانين وستمائة. وسمع الحديث بدمشق والقاهرة من جماعة وتفقّه بابن
الرّفعة وغيره، وصحب في التصوّف الشيخ ياقوت العرشي المقيم
بالإسكندرية، ودرّس بقبة الشافعي وغيرها. وله مؤلفات منها «ترتيب الأم»
للشافعي، ولم يبيّضه، واختصر «الروضة» ولم يشتهر لغلاقة لفظه، وجمع
كتابا في علوم الحديث، وكتابا في النحو، وله تفسير لم يكمّله، وله كتاب
«متشابه القرآن والحديث» تكلّم فيه على طريقة الصّوفية.
قال الإسنوي: كان عارفا بالفقه والأصلين والعربية، أديبا شاعرا ذكيا
فصيحا، ذا همة وصرامة وانقباض عن الناس.
وقال الحافظ زين الدين العراقي: أحد العلماء الجامعين بين العلم
والعمل، امتحن بأن شهد عليه بأمور وقعت في كلامه، وأحضر إلى مجلس
الجلال القزويني، وادّعى عليه بذلك فاستتيب ومنع من الكلام على الناس
وتعصّب عليه بعض الحنابلة، وتخرج به جماعة من الفضلاء. توفي شهيدا
بالطاعون في شوال.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن عدلان بن محمود
بن لاحق [2] بن داود، المعروف بابن عدلان الكناني المصري [3] شيخ
الشافعية.
ولد في صفر سنة ثلاث وستين وستمائة، وسمع من جماعة، وتفقه على ابن
السّكّري وغيره، وقرأ الأصول على القرافي وغيره، والنحو على ابن
النحّاس، وبرع في العلوم، وحدّث، وأفتى، وناظر، ودرّس بعدة أماكن،
وأفاد وتخرّج به جهات، وشرح «مختصر المزني» شرحا مطولا لم يكمله.
__________
[1] ترجمته في «الوافي» (2/ 168) و «طبقات الأسنوي» (2/ 370) و «مرآة
الجنان» (4/ 333) و «الدرر الكامنة» (3/ 330- 331) و «حسن المحاضرة»
(1/ 428) .
[2] في «آ» : «لاجين» .
[3] ترجمته في «طبقات الإسنوي» (2/ 237) و «الوافي» (2/ 168) و «الدرر
الكامنة» (3/ 333- 334) و «حسن المحاضرة» (1/ 428) .
(8/279)
قال الإسنوي: كان فقيها، إماما يضرب به
المثل في الفقه، عارفا بالأصلين والنحو والقراءات، ذكيا، نظّارا،
فصيحا، يعبّر عن الأمور الدقيقة بعبارة وجيزة، مع السّرعة والاسترسال،
ديّنا سليم الصّدر، كثير المروءة.
وقال غيره: كان مدار الفتيا بالقاهرة عليه وعلى الشيخ شهاب الدّين بن
الأنصاري، وولي قضاء العسكر في أيام الناصر أحمد.
وتوفي في ذي القعدة.
وفيها عماد الدّين محمد بن إسحاق بن محمد بن المرتضى البلبيسي المصري
الشافعي [1] . أخذ الفقه عن ابن الرّفعة وغيره، وسمع من الدّمياطي
وغيره، وولي قضاء الإسكندرية، ثم امتحن وعزل، وكان صبورا على الاشتغال،
ويحثّ على الاشتغال ب «الحاوي» .
قال الإسنوي: كان من حفّاظ مذهب الشافعي، كثير التولّع بالألغاز
الفروعية، محبا للفقراء، شديد الاعتقاد فيهم.
وقال الزّين العراقي: انتفع به خلق كثير من أهل مصر والقاهرة.
توفي شهيدا في شعبان بالطّاعون.
وفيها تقي الدّين محمد المعروف بابن الببائي ابن قاضي ببا الشافعي [2]
.
تفقه على العماد البلبيسي وابن اللبان وغيرهما من فقهاء مصر.
ذكره الزين العراقي في «وفياته» فقال: برع في الفقه، حتّى كان أذكر
فقهاء المصريين، له مع فقه النّفس والدّين المتين والورع.
وكان يكتسب بالمتجر، يسافر إلى الإسكندرية مرّتين أو مرّة، ويشغل بجامع
عمرو بغير معلوم.
وكان يستحضر «الرافعي» و «الروضة» ويحلّ «الحاوي الصغير» حلّا حسنا.
__________
[1] ترجمته في «طبقات السبكي» (9/ 128) ، و «طبقات الإسنوي» (1/ 295) ،
و «الدرر الكامنة» (3/ 382) ، و «حسن المحاضرة» (1/ 428) .
[2] ترجمته في «الدرر الكامنة» (4/ 318) .
(8/280)
وصحب الشيخ أبا عبد الله بن الحاج وغيره من
أهل الخير، وتوفي شهيدا بالطّاعون.
وفيها شمس الدّين أبو الثّناء محمود بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن
أبي بكر ابن علي الشّافعي [1] العلّامة الأصبهاني.
ولد في شعبان سنة أربع وسبعين وستمائة، واشتغل ببلاده، ومهر، وتميّز،
وتقدم في الفنون، فبهرت فضائله، وسمع كلامه التّقي ابن تيميّة فبالغ في
تعظيمه، ولازم الجامع الأموي ليلا، ونهارا مكبّا على التلاوة، وشغل
الطلبة، ودرّس بعد ابن الزّملكاني بالرّواحية، ثم قدم القاهرة، وبنى له
قوصون الخانقاه بالقرافة، ورتّبه شيخا لها.
قال الإسنوي: كان بارعا في العقليات، صحيح الاعتقاد، محبّا لأهل
الصّلاح، طارحا للتكلف. وكان يمتنع كثيرا من الأكل لئلا يحتاج إلى
الشرب فيحتاج إلى دخول الخلاء فيضيع عليه الزّمان.
صنف «تفسيرا كبيرا» وشرح «كافية ابن الحاجب» وشرح «مختصره الأصلي» وشرح
«منهاج البيضاوي» و «طوالعه» وشرح «بديعية ابن السّاعاتي» وشرح
«الساوية» في العروض، وغير ذلك.
مات في ذي القعدة بالطّاعون، ودفن بالقرافة.
وفيها محبّ الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن لب بن
الصّايغ الأموي المرّي [2] .
قال في «تاريخ غرناطة» : أقرأ النحو بالقاهرة إلى أن صار يقال له أبو
عبد الله النّحوي، وكان قرأ على أبي الحسن بن أبي العيش وغيره، ولازم
أبا حيّان وانتفع بجاهه.
وكان سهلا، دمث الأخلاق، محبا للطب، وتعانى الضّرب بالعود فنبغ فيه.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 172- 174) و «طبقات الشافعية»
لابن قاضي شهبة (3/ 94) .
[2] انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 484) .
(8/281)
وقال في «الدّرر» : كان ماهرا في العربية
واللغة، قيّما في العروض، ينظم نظما وسطا.
توفي في رمضان بالطّاعون.
وفيها يوسف بن عمر بن عوسجة العبّاسي النّحوي المقرئ [1] .
ذكره الذهبي في «طبقات القراء» وأصحاب التّقي الصائغ.
وقال في «الدّرر» : وكان شيخ العربية. انتهى.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 467) .
(8/282)
سنة خمسين وسبعمائة
في ربيعها الأول قتل أرغون شاه الناصري [1] .
كان أبو سعيد أرسله إلى الناصر فحظي وتأمّر، وزوّجه بنت آق بغا عبد
الواحد، ثم ولي الاستادارية في زمن المظفّر حاجي، ثم ولي نيابة صفد،
ورجع إلى مصر، ثم ولي نيابة حلب، ثم دمشق، وتمكّن وبالغ في تحصيل
المماليك والخيول، وعظم قدره، ونفذت كلمته في سائر الممالك الشامية
والمصرية، ولم يزل على ذلك إلى أن برز أمر بإمساكه فأمسك وذبح، وكان
خفيفا، قوي النّفس، شرس الأخلاق. قاله في «الدّرر» .
وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الأنصاري الإشبيلي، ويعرف
بالشّرقي [2] .
قال ابن الزّبير: كان إماما في حفظ اللّغات وعلمها، لم يكن في وقته
بالمغرب من يضاهيه أو يقاربه في ذلك، متقدما في علم العروض، مقصودا في
الناس، مشكور الحال في علمه ودينه. انتهى.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن سعد بن محمد العسكري الأندرشي الصّوفي [3] .
قال الصّفدي: شيخ العربية بدمشق في زمانه، أخذ عن أبي حيّان،
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 350) .
[2] انظر «بغية الوعاة» (1/ 416) .
[3] انظر «بغية الوعاة» (1/ 309) .
(8/283)
وأبي جعفر بن الزّيّات، وكان منجمعا عن
الناس، حضر يوما عند الشيخ تقي الدّين ابن السّبكي بعد إمساك تنكز بخمس
سنين، فذكر إمساكه، فقال: وتنكز أمسك؟ فقيل له: نعم، وجاء بعده ثلاثة
نواب أو أربعة، فقال: ما علمت بشيء من هذا.
وكان بارعا في النحو، مشاركا في الفضائل، تلا على الصائغ، وشرح
«التسهيل» واختصر «تهذيب الكمال» وشرع في تفسير كبير.
مولده بعد التسعين وستمائة، ومات بعلّة الإسهال في ذي القعدة.
وفيها جمال الدّين أبو العبّاس أحمد بن علي بن محمد البابصري البغدادي
[1] الحنبلي الفقيه الفرضي الأديب.
ولد سنة سبع وسبعمائة تقريبا [2] ، وسمع الحديث على صفي الدّين بن عبد
الحق، وعلي بن عبد الصّمد، وغيرهما.
وتفقه على الشيخ صفي الدّين ولازمه وعلى غيره، وبرع في الفرائض
والحساب، وقرأ الأصول، والعربية، والعروض، والأدب، ونظم الشعر الحسن،
وكتب بخطّه الحسن كثيرا، واشتهر بالاشتغال والفتيا ومعرفة المذهب،
وأثنى عليه فضلاء الطوائف.
وكان صالحا، ديّنا، متواضعا، حسن الأخلاق، طارحا للتكلف.
قال ابن رجب: حضرت دروسه وأشغاله غير مرّة، وسمعت بقراءته الحديث.
وتوفي في طاعون سنة خمسين ببغداد بعد رجوعه من الحجّ.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن موسى بن خفاجا الصّفدي الشافعي [3] ، شيخ
صفد مع ابن الرّسّام.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 445- 446) .
[2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «تقديرا» .
[3] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 322) .
(8/284)
أخذ عن ابن الزملكاني وغيره.
قال العثماني في «طبقاته» : كان ماهرا في الفرائض والوصايا، نقّالا
للفروع الكثيرة، انقطع بقرية بقرب صفد يفتي ويصنّف ويتعبّد، ويعمل بيده
في الزراعة لقوته وقوت أهله، ولا يقبل وظيفة ولا شيئا، وله مصنّفات
كثيرة نافعة، منها «شرح التّنبيه» في عشر مجلدات، ومختصر في الفقه
سمّاه «العمدة» وشرح «الأربعين» للنووي في مجلد ضخم، وغير ذلك، لكن لم
يشتهر شيء منها. توفي بصفد.
وفيها نجم الدّين أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم بن علي أبو
القاسم وأبو محمد الأصفوني- بفتح الهمزة وبالفاء- الشافعي [1] .
ولد بأصفون- بلدة في صعيد مصر- في سنة سبع وسبعين وستمائة، وتفقه على
البهاء القفطي، وقرأ القراءات، وسكن قوص، وانتفع به كثيرون، وحجّ مرات
من بحر عيذاب، آخرها سنة ثلاث وثلاثين. وأقام بمكّة إلى أن توفي.
قال الإسنوي: برع في الفقه وغيره، وكان صالحا، سليم الصّدر، يتبرّك به
من يراه من أهل السّنّة والبدعة، اختصر «الرّوضة» وصنّف في الجبر
والمقابلة.
توفي بمنى ثاني [أيام] عيد الأضحى، ودفن بباب المعلاة.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن الشيخ زين الدّين المنجّى بن عثمان
بن أسعد بن المنجّى التّنوخي الحنبلي [2] قاضي القضاة.
ولد في شعبان سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وسمع الكثير عن ابن البخاري
وخلق، وولي القضاء من سنة اثنتين وثلاثين، وحدّث بالكثير.
وقال ابن رجب: قرأت عليه «جزءا» فيه الأحاديث التي رواها مسلم في
«صحيحه» عن الإمام أحمد بسماعه «الصحيح» من أبي عبد الله محمد بن عبد
السلام بن أبي عصرون بإجازته من المؤيد.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 350) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/
174) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 35) و «العقد الثمين» (5/
415) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 447) و «الجوهر المنضد» ص (88- 89)
.
(8/285)
توفي في شعبان بدمشق ودفن بسفح قاسيون.
وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محارب الصّريحي النّحوي المالقي بن
أبي الجيش [1] .
قال في «تاريخ غرناطة» : كان من صدور المقرئين. قائما على العربية،
إماما في الفرائض والحساب، مشاركا في الفقه والأصول، وكثير من
العقليات. أقرأ بمالقة، وشرع في تقييد على «التسهيل» في غاية الاستيفاء
فلم يكمله.
ومات في ربيع الآخر بعد أن تصدّق بمال جمّ، ووقف كتبه.
__________
[1] انظر «الإحاطة» في «تاريخ غرناطة» (2/ 78- 79) و «الدّرر الكامنة»
(4/ 248) و «بغية الوعاة» (1/ 235) . وقد تحرفت فيهما نسبته فلتصحح.
(8/286)
|