شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وخمسين وسبعمائة
فيها توفي العلّامة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد ابن حريز الزّرعي ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي، بل المجتهد المطلق، المفسّر النّحويّ الأصولي، المتكلم، الشهير بابن قيم الجوزية [1] .
قال ابن رجب: شيخنا. ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة، وسمع من الشّهاب النّابلسي وغيره، وتفقه في المذهب، وبرع، وأفتى، ولازم الشيخ تقي الدّين [2] وأخذ عنه، وتفنّن في علوم الإسلام. وكان عارفا بالتفسير، لا يجارى فيه، وبأصول الدّين. وإليه فيه المنتهى، وبالحديث ومعانيه وفقهه ودقائق الاستنباط منه، لا يلحق في ذلك. وبالفقه وأصوله، والعربية، وله فيها اليد الطّولى، وبعلم الكلام، وغير ذلك. وعالما بعلم السّلوك وكلام أهل التّصوف وإشاراتهم [ودقائقهم له في كل فن من هذه الفنون اليد الطولي.
قال الذهبي: في «المختص» : عني بالحديث] [3] ومتونه وبعض رجاله.
وقد حبس مدة لإنكار شدّ الرّحال [4] إلى قبر الخليل.
وتصدّر للإشغال ونشر العلم.
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (269) و «الوافي بالوفيات» (2/ 270- 272) و «ذيول العبر» ص (282) و «البداية والنهاية» (14/ 234- 235) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 447- 452) و «الرد الوافر» ص (68- 69) و «النجوم الزاهرة» (10/ 299) و «الدليل الشافي» (2/ 583) و «الدّرر الكامنة» (3/ 400) و «المقصد الأرشد» (2/ 384- 385) و «بغية الوعاة» (1/ 62) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 90) و «البدر الطالع» (2/ 143- 146) .
[2] يعني ابن تيميّة.
[3] ما بين القوسين سقط من «ط» .
[4] في «آ» و «ط» : «شدّ الرحيل» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .

(8/287)


وقال ابن رجب: وكان- رحمه الله- ذا عبادة وتهجّد وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتألّه، ولهج بالذّكر، وشغف بالمحبّة والإنابة والافتقار إلى الله تعالى والانكسار له، والإطراح بين يديه على عتبة عبوديته. لم أشاهد مثله في ذلك، ولا رأيت أوسع منه علما، ولا أعرف بمعاني القرآن والحديث والسّنّة وحقائق الإيمان منه، وليس هو بالمعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله.
وقد امتحن وأوذي مرّات، وحبس مع الشيخ تقي الدّين في المرّة الأخيرة بالقلعة منفردا عنه، ولم يفرج عنه إلّا بعد موت الشيخ.
وكان في مدة حبسه مشتغلا بتلاوة القرآن وبالتدبّر والتفكّر، ففتح عليه من ذلك خير كثير، وحصل له جانب عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة، وتسلّط بسبب ذلك على الكلام في علوم أهل المعارف والخوض في غوامضهم، وتصانيفه ممتلئة بذلك.
وحجّ مرّات كثيرة، وجاور بمكّة، وكان أهل مكّة يذكرون عنه من شدّة العبادة، وكثرة الطّواف أمرا يتعجّب منه، ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة، وسمعت عليه «قصيدته النّونية» الطويلة في السّنّة [1] ، وأشياء من تصانيفه، وغيرها.
وأخذ عنه العلم خلق كثير، من حياة شيخه وإلى أن مات، وانتفعوا به. وكان الفضلاء يعظّمونه ويسلّمون له، كابن عبد الهادي وغيره.
وقال القاضي برهان الدّين الزّرعي عنه: ما تحت أديم السّماء أوسع علما منه.
ودرّس بالصّدرية، وأمّ بالجوزية مدّة طويلة.
وكتب بخطّه ما لا يوصف كثرة.
__________
[1] أقول: وتسمى «الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية» وسيذكرها المؤلف باسمها هذا بعد قليل، وقد قام بطبعها المكتب الإسلامي بدمشق سنة (1382) هـ مع شرحها للشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى الشرقي المتوفى سنة (1329) هـ، وهي تمثل عقيدة السّلف الصالح، وقد حذّر الشارح فيها من أهل وحدة الوجود، ومن الجهميين والمعطلين، وأثنى فيها على علماء أهل السّنّة والجماعة الذين ثبتوا على العقيدة الصحيحة (ع) .

(8/288)


وصنّف تصانيف كثيرة جدا في أنواع العلوم.
وكان شديد المحبّة للعلم، وكتابته، ومطالعته، وتصنيفه، واقتناء كتبه.
واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره.
فمن تصانيفه كتاب «تهذيب سنن أبي داود، وإيضاح مشكلاته، والكلام على ما فيه من الأحاديث المعلولة» مجلد [1] ، كتاب «سفر الهجرتين وباب السعادتين» مجلد ضخم، كتاب «مراحل السائرين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين» مجلدان، وهو شرح «منازل السائرين» لشيخ الإسلام الأنصاري، كتاب جليل القدر، كتاب «عقد محكم الاحقاء بين الكلم الطيّب والعمل الصّالح المرفوع إلى ربّ السماء» مجلد ضخم. كتاب «شرح أسماء الكتاب العزيز» مجلد، كتاب «زاد المسافرين إلى منازل السعداء في هدي خاتم الأنبياء» مجلد، كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد» أربع مجلدات وهو كتاب عظيم جدا [2] ، كتاب «جلاء [3] الأفهام في ذكر الصّلاة والسلام على خير الأنام وبيان أحاديثها وعللها» مجلد [4] ، كتاب «بيان الدّليل على استغناء المسابقة عن التحليل» مجلد، كتاب «نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول» مجلد، كتاب «أعلام الموقعين عن ربّ العالمين» ثلاث مجلدات، كتاب «بدائع الفوائد» مجلدان،
__________
[1] وقد طبع قبل سنوات في مصر بتحقيق العالمين الجليلين أحمد محمد شاكر ومحمد حامد الفقي رحمهما الله تعالى.
[2] وهو من خيرة كتبه وقد طبع عدة مرات في مصر ولبنان والشام أفضلها التي قام بتحقيقها والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط وزميله الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وصدرت عن مؤسسة الرسالة ببيروت في خمس مجلدات وقد أعيد طبعها مصورة أكثر من عشرين مرة.
وقام الأستاذ محمد أديب الجادر بإعداد فهارس تفصيلية لهذه الطبعة طبعت في مجلد مستقل ألحق بالمجلدات الخمس.
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «حلّ» .
[4] وقد طبع عدة مرات في مصر والشام ولبنان والكويت أفضلها التي صدرت بتحقيق والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط وزميله الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، عن مكتبة دار العروبة بالكويت، ثم بتحقيق الأستاذ محيي الدّين مستو عن دار ابن كثير بدمشق ودار التراث بالمدينة المنورة.

(8/289)


«الشافية الكافية في الانتصار للفرقة النّاجية» ، وهي القصيدة النّونية في السّنّة مجلد [1] ، كتاب «الصّواعق المرسلة على الجهمية والمعطّلة» مجلدان، كتاب «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» وهو كتاب صفة الجنّة مجلد [2] ، وكتاب «نزهة المشتاقين وروضة المحبين» مجلد [3] ، كتاب «الدّاء والدّواء» مجلد [4] ، كتاب «تحفة المودود في أحكام المولود» مجلد لطيف [5] ، كتاب «مفتاح دار السعادة» مجلد ضخم، كتاب «اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو الفرقة الجهمية» مجلد، كتاب «مصايد الشيطان» مجلد، كتاب «الطّرق الحكمية» مجلد، «رفع اليدين في الصلاة» مجلد، «نكاح المحرم» مجلد، «تفضيل مكّة على المدينة» مجلد، «فضل العلم» مجلد، كتاب «عدة الصّابرين» مجلد، كتاب «الكبائر» مجلد، حكم تارك الصّلاة مجلد، «نور المؤمن وحياته» مجلد، «حكم إغمام هلال رمضان» مجلد، «التحرير فيما يحلّ ويحرم من لباس الحرير» مجلد، «إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان» مجلد، «إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان» مجلد، «جوابات عابدي الصّلبان وأن ما هم عليه دين الشيطان» مجلد، «بطلان الكيمياء من أربعين وجها» مجلد، «الرّوح» مجلد، «الفرق بين الخلة والمحبة ومناظرة الخليل لقومه» مجلد، «الكلم [6] الطيب والعمل الصالح» مجلد لطيف، «الفتح
__________
[1] سبق التعريف بها قبل قليل من قبل والدي حفظه الله. انظر التعليق رقم (1) ص (288) .
[2] وقد قام بتحقيقه حديثا الأستاذ الشيخ علي الشربجي بالاشتراك مع الأستاذ قاسم النوري، وهو قيد الطبع في مؤسسة الرسالة ببيروت كما ذكر لي.
وقام بتحقيقه أيضا الأستاذ يوسف علي البديوي، وراجعه الأستاذ محيي الدّين مستو، ونشرته حديثا دار ابن كثير، ودار التراث بالمدينة المنورة.
[3] المعروف بأن اسم الكتاب هو «روضة المحبين ونزهة المشتاقين» وهو مطبوع في مصر قديما، ثم طبع في الشام بتحقيق الأستاذ أحمد عبيد رحمه الله.
[4] طبع عدة مرات في مصر ولبنان والشام، وأحسنها التي صدرت حديثا عن دار ابن كثير بتحقيق الأستاذ يوسف علي البديوي.
[5] طبع عدة مرات في مصر والشام ولبنان، وأفضلها التي قام بتحقيقها والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وصدرت عن مكتبة دار البيان بدمشق عام 1391 هـ. وقد أعاد والدي حفظه الله تحقيق الكتاب منذ فترة قريبة وتقوم بطبعه الآن مكتبة عالم الكتب بالرياض في السعودية.
[6] في «ط» : «الكلام» ولعله أراد كتابه «الوابل الصيب من الكلم الطيب» الذي قام بتحقيقه والدي

(8/290)


القدسي والتحفة المكية» ، كتاب «أمثال القرآن» ، «شرح الأسماء الحسنى» ، «أيمان القرآن» ، «المسائل الطرابلسية» مجلدان، «الصراط المستقيم في أحكام أهل الجحيم» مجلدان، كتاب «الطاعون» مجلد لطيف. وغير ذلك.
توفي- رحمه الله- وقت العشاء الآخرة ثالث عشر رجب، وصلّي عليه من الغد بالجامع الأموي عقيب الظهر، ثم بجامع جرّاح، ودفن بمقبرة الباب الصّغير.
وكان قد رأى قبل موته بمدة الشيخ تقي الدّين [1]- رحمه الله- في النوم وسأله عن منزلته، فأشار إلى علوها فوق بعض الأكابر، ثم قال له: وأنت كدت تلحق بنا، ولكن أنت الآن في طبقة ابن خزيمة، رحمه الله.
وفيها فخر الدّين أبو الفضائل وأبو المعالي محمد بن علي بن إبراهيم بن عبد الكريم، الإمام العلّامة، فقيه الشام وشيخها ومفتيها، ابن الكاتب، المصري الأصل، الدمشقي الشافعي، المعروف بالفخر المصري [2] .
ولد بالقاهرة سنة اثنتين، وقيل: إحدى وتسعين وستمائة، وأخرج إلى دمشق وهو صغير، وسمع الحديث بها وبغيرها، وتفقّه على الفزاري، وابن الوكيل، وابن الزّملكاني، وتخرّج به في فنون العلم، وأذن له في الإفتاء في سنة خمس عشرة، وأخذ الأصول عن الصّفي الهندي، والنحو عن مجد الدّين التّونسي، وأبي حيّان، وغيرهما. والمنطق عن الرّضي المنطيقي، والعلاء القونوي. وحفظ كتبا كثيرة، وحفظ «مختصر ابن الحاجب» في تسعة عشر يوما. وكان يحفظ في «المنتقى» كل يوم خمسمائة سطر. وناب في القضاء عن القزويني والقونوي، ثم ترك ذلك، وتفرّغ للعلم، وتصدّر للاشتغال والفتوى، وصار هو الإمام المشار إليه والمعوّل في
__________
الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، ونشرته مكتبة دار البيان بدمشق عام 1391 هـ.
[1] يعني ابن تيميّة.
[2] انظر «المعجم المختص» ص (246) «الوافي بالوفيات» (4/ 226) و «ذيول العبر» ص (284) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 188- 189) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 468) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 81- 84) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 138- 139) و «النجوم الزاهرة» (10/ 250) و «الدليل الشافي» (2/ 661- 662) و «الدّرر الكامنة» (4/ 51) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 245- 250) .

(8/291)


الفتوى عليه. وحجّ مرارا، وجاور في بعضها، وتعانى التجارة، وحصّل منها نعما طائلة، وحصلت له نكبة في آخر أيام تنكز، وصودر، وأخرجت عنه العادلية الصّغرى، والرّواحية. ثم بعد موت تنكز استعادهما.
ذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال: تفقّه وبرع، وطلب الحديث بنفسه، ومحاسنه جمّة. وكان من أذكياء زمانه.
وقال الصلاح الكتبي: أعجوبة الزّمان. كان ابن الزّملكاني معجبا به وبذهنه الوقّاد، يشير إليه في المحافل، وينوّه بذكره، ويثني عليه.
توفي في ذي القعدة، ودفن بمقابر باب الصغير قبلي قبّة القلندرية.
وفيها، بل في التي قبلها، يحيى بن محمد بن أحمد بن سعيد الحارثي الكوفي النّحوي [1] .
قال في «الدّرر» : ولد في شعبان سنة ثمان وسبعمائة، واشتغل بالكوفة، وبغداد، وصنّف «مفتاح الألباب» في النّحو، وقدم دمشق ومات بالكوفة.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 425- 426) و «بغية الوعاة» (2/ 341) .

(8/292)


سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة
فيها توفي أبو العتيق أبو بكر بن أحمد بن دمسين اليمني [1] .
قال الخزرجي في «تاريخ اليمن» : كان فقيها، نبيها، عالما، عارفا بالفقه وأصوله، والنحو واللغة، والحديث والتفسير. ورعا، زاهدا، صالحا، عابدا، متواضعا، حسن السيرة، قانعا باليسير، كثير الصّيام والقيام، وجيها عند الخاص والعام، يحبّ الخلوة والانفراد.
تفقه، وجمع، وانتشر ذكره، وله كرامات، مات بزبيد.
وفيها عماد الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الهادي [ابن عبد الحميد بن عبد الهادي] [2] بن يوسف بن محمد بن قدامة الصّالحي الحنبلي المقرئ [3] ، ولد الحافظ شمس الدّين المتقدم ذكره.
سمع من الفخر بن البخاري، والشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وغيرهما.
وسمع منه ابن رافع، والحسيني. وجمع، وتوفي في رابع صفر.
وفيها أبو الحسن علي بن أبي سعيد [عثمان] بن يعقوب المرّيني [4] صاحب مراكش وفاس.
__________
[1] ترجمته في كتاب «طراز أعلام الزمن في طبقات أعيان اليمن» للخزرجي صاحب «العقود اللؤلؤية» وهو مخطوط لم يطبع بعد فيما أعلم.
[2] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» .
[3] انظر «الوافي بالوفيات» (7/ 159) و «ذيول العبر» ص (285) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 141) و «الدّرر الكامنة» (1/ 208) و «القلائد الجوهرية» (2/ 419) .
[4] ترجمته في «الدّرر الكامنة» (3/ 85) و «النجوم الزاهرة» (10/ 251) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما، وقد نثر المقري أخباره في «نفح الطيب» انظر فهرسه.

(8/293)


وفيها سراج الدّين أبو حفص عمر بن محمد بن علي بن فتّوح الدّمنهوري [1] .
قال الحافظ أبو الفضل العراقي: برع في النحو، والقراءات، والحديث، والفقه. وكان جامعا للعلوم.
أخذ العربية عن الشّرف الشّاذلي، والقراءات عن التّقي الصّايغ، والأصول عن العلاء القونوي. والمعاني عن الجلال القزويني. والفقه عن النّور البكري.
وسمع من الحجّار، والشّريف الموسوي.
ودرّس وأفتى، وحدّث عنه أبو اليمن الطّبري.
وقال الفارسي: توفي يوم الثلاثاء ثالث عشري ربيع الأول ومولده بعد ثمانين وستمائة.
وفيها بهاء الدّين أبو المعالي وأبو عبد الله محمد بن علي بن سعيد بن سالم الأنصاري الدمشقي الشافعي، المعروف بابن إمام المشهد [2] محتسب دمشق.
ولد في ذي الحجّة سنة ست وتسعين وستمائة، وسمع بدمشق، ومصر، وغيرهما. وكتب الطّباق بخطّه الحسن، وتلا بالسبع على الكفري وجماعة.
وتفقّه على المشايخ برهان الدّين الفزاري، وابن الزّملكاني، وابن قاضي شهبة، وغيرهم.
وأخذ النحو عن التونسي والقحفازي، وبرع في الحديث، والقراءات، والعربية، والفقه وأصوله.
وأفتى، وناظر، ودرّس بعدة مدارس، وخطب بجامع التّوبة. وولي الحسبة ثلاث مرّات.
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (185- 189) و «الدّرر الكامنة» (3/ 365) .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (245) و «النجوم الزاهرة» (10/ 290) و «الوافي بالوفيات» (4/ 222- 223) و «ذيول العبر» ص (285) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 153) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 84- 86) و «الدّرر الكامنة» (4/ 183- 184) .

(8/294)


ذكره الذهبي في «المختص» ، وقال ابن رافع: جمع مجلدات على «التمييز» للبارزي، وكتابا في «أحاديث الأحكام» في أربع مجلدات وناولني إيّاه.
وتوفي في شهر رمضان، ودفن بمقبرة باب الصغير.
وفيها تاج الدّين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن يوسف بن حامد المرّاكشي المصري الشافعي [1] .
ولد سنة إحدى، وقيل: ثلاث وسبعمائة، واشتغل بالقاهرة على العلاء القونوي وغيره من مشايخ العصر، وأخذ النحو عن أبي حيّان. وتفنّن في العلوم.
وسمع بالقاهرة ودمشق من جماعة، وأعاد بقبّة الشافعي. وكان ضيّق الخلق، لا يحابي أحدا ولا يتحاشاه، فآذاه لذلك القاضي جلال الدّين القزويني أول دخوله القاهرة فلم يرجع، فشاور عليه السلطان، فرسم بإخراجه من القاهرة إلى الشّام مرسما عليه، فأقام بها.
ودرّس بالمسرورية مدّة يسيرة، ثم أعرض عنها تزهّدا.
قال الإسنويّ: حصّل علوما عديدة، أكثرها بالسّماع، لأنه كان ضعيف النّظر مقاربا للعمى.
وكان ذكيا غير أنه كان عجولا محتقرا للناس، كثير الوقيعة فيهم.
ولما قدم دمشق أقبل على الاشتغال والإشغال، وسماع الحديث، والتّلاوة، والنّظر في العلوم إلى الموت.
وقال السّبكي: كان فقيها، نحويا، مفتيا، مواظبا على طلب العلم جميع نهاره وغالب ليله، يستفرغ فيه قواه ويدع من أجله طعامه وشرابه.
وكان ضريرا، ولا نراه يفتر عن الطلب إلّا إذا لم يجد من يطالع له.
توفي فجاءة في جمادى الآخرة.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 147- 153) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 468) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 62) و «النجوم الزاهرة» (10/ 253) و «الدّرر الكامنة» (3/ 300) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 457) .

(8/295)


سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة
فيها على ما قاله في «ذيل الدّول» [1] قبض السلطان على الوزير علم الدّين بن زنبور، وصودر بعد الضّرب والعذاب، فكان المأخوذ منه من النّقد ما ينيف على ألفي ألف دينار، ومن أواني الذّهب والفضّة نحو ستين قنطارا، ومن اللؤلؤ نحو إردبّين، ومن الحياصات الذهب ستة آلاف، ومن القماش المفصّل نحو ألفين وستمائة قطعة، وخمسة وعشرين معصرة سكّر، ومائتي بستان، وألف وأربعمائة ساقية. ومن الخيل والبغال ألف. ومن الجواري سبعمائة، ومن العبيد مائة، ومن الطّواشية سبعين [2] ، إلى غير ذلك.
وفي صفر كان الحريق العظيم بباب جيرون.
وفيها توفي أمير المؤمنين أبو العبّاس الحاكم بأمر الله أحمد بن المستكفي العبّاسي [3] .
كان أبوه لما مات بقوص عهد إليه بالخلافة، فقدم الملك النّاصر عليه إبراهيم ابن عمّه لما كان في نفسه من المستكفي، وكانت سيرة إبراهيم قبيحة، وكان القاضي عزّ الدّين بن جماعة قد جهد كل الجهد في صرف السلطان عنه فلم
__________
[1] ذكره الحافظ السخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» في الورقة (61) من المنسوخ منه، ويقوم بتحقيقه صديقي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة، وقد فرغ من تحقيق المجلد الأول منه وهو تحت الطبع الآن في بيروت، وانظر «البداية والنهاية» (14/ 246) و «الدّرر الكامنة» (3/ 240- 241) .
[2] في «الذيل التام على دول الإسلام» : «ستين» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (289) و «المنهل الصافي» (1/ 291) و «الدليل الشافي» (1/ 48) و «النجوم الزاهرة» (10/ 290) و «الدّرر الكامنة» (1/ 137) و «تاريخ الخلفاء» ص (490- 500) .

(8/296)


يفعل، فلما حضرته الوفاة أوصى الأمراء بردّ الأمر إلى ولي عهد المستكفي ولده أحمد، فلما تسلطن المنصور عقد مجلسا وقال: من يستحق الخلافة؟ فاتفقوا على أحمد هذا، فخلع إبراهيم، وبايع أحمد، وبايعه القضاة، ولقّب الحاكم بأمر الله لقب جدّه.
قال ابن فضل الله في «المسالك» : هو إمام عصرنا، وغمام مصرنا، قام على غيظ العدى وغرق بفيض النّدى، صارت له الأمور إلى مصائرها، وسيقت إليه مصائرها، فأحيا رسوم الخلافة، ورسم بما لم يستطع أحد خلافه، وسلك مناهج آبائه. وقد طمست، وأحياها بمناهج أبنائه وقد درست، وجمع شمل بني أبيه وقد طال بهم الشّتات، وأطال عذرهم وقد اختلفت السيآت، ورفع اسمه على ذرى المنابر وقد غبر مدة لا تطلع إلّا في أفاقه تلك النّجوم ولا تسحّ إلّا من سحبه تلك الغيوم والسّجوم، طلب بعد موت السّلطان وأنفذ حكم وصيته في تمام مبايعته والتزام متابعته.
وكان أبوه قد أحكم له بالعقد المتقدم عقدها وحفظ له عند ذوي الأمانة عهدها.
وذكر الشيخ زين الدّين العراقي: أن الحاكم هذا سمع الحديث على بعض المتأخرين، وأنه حدث.
مات في الطّاعون في نصف السنة بمصر ودفن بها.
وفيها أبو علي حسين بن يوسف بن يحيى ابن أحمد الحسيني السّبتي [1] نزيل تلمسان.
قال في «تاريخ غرناطة» : كان [شريفا] ظريفا، شاعرا، أديبا، لوذعيّا، مهذّبا، له معرفة بالعربية، ومشاركة في الأصول والفروع، حجّ، ودخل غرناطة، وولي القضاء ببلاد مختلفة، ثم قضاء الجماعة بتلمسان.
__________
[1] انظر «بغية الوعاة» (1/ 544) ولفظة «شريفا» مستدركة منه وهو المصدر الذي نقل المؤلف الترجمة عنه و «درّة الحجال» (1/ 244) .

(8/297)


ولد سنة ثلاث وستين وستمائة، ومات يوم الاثنين سابع عشر شوال.
وفيها عضد الدّين عبد الرحمن بن أحمد ابن عبد الغفّار قاضي قضاة المشرق، وشيخ العلماء والشافعية بتلك البلاد الإيجي- بكسر الهمزة وإسكان التحتية ثم جيم- الشّيرازي [1] ، شارح «مختصر ابن الحاجب» وله المواقف.
قال الإسنوي: كان إماما في علوم متعددة، محقّقا، مدقّقا، ذا تصانيف مشهورة، منها «شرح مختصر ابن الحاجب» و «المواقف والجواهر» وغيرها في علم الكلام. و «الفوائد الغياثية» في المعاني والبيان. وكان صاحب ثروة وجود وإكرام للوافدين عليه.
تولى قضاء القضاة بمملكة أبي سعيد فحمدت سيرته.
وقال السبكي: كان إماما في المعقولات، عارفا بالأصلين، والمعاني، والبيان، والنحو، مشاركا في الفقه، له في علم الكلام كتاب «المواقف» وغيره.
وفي أصول الفقه «شرح المختصر» وفي المعاني والبيان «الفوائد الغياثية» .
وكانت له سعادة مفرطة، ومال جزيل، وإنعام على طلبة العلم، وكلمة نافذة.
مولده سنة ثمان وسبعمائة، وأنجب تلامذة، اشتهروا في الآفاق، مثل الشّمس الكرماني، والضّياء العفيفي، والسّعد التّفتازاني، وغيرهم.
وقال التّفتازانيّ في الثناء عليه: لم يبق لنا سوى اقتفاء آثاره، والكشف عن خبيئات أسراره، بل الاجتناء من بحار ثماره، والاستضاءة بأنواره.
توفي مسجونا بقلعة بقرب إيج [2] غضب عليه صاحب كرمان فحبسه بها واستمر محبوسا إلى أن مات.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 46- 78) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 238) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 33) و «النجوم الزاهرة» (10/ 288) و «الدّرر الكامنة» (2/ 429- 430) و «بغية الوعاة» (2/ 75- 76) و «البدر الطالع» (1/ 326- 327) .
[2] إيج: بلدة كثيرة البساتين والخيرات في أقصى بلاد فارس. انظر «معجم البلدان» (1/ 287) .

(8/298)


وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن بليش العبدري الغرناطي النحوي [1] .
قال في «تاريخ غرناطة» : كان فاضلا، منقبضا، متضلعا بالعربية، عاكفا عمره على تحقيق اللّغة. له في العربية باع مديد [2] ، مشاركا في الطبّ أثرى من التكسب بالكتب.
وسكن سبتة مدّة، ورجع وأقرّ بغرناطة. وكان قرأ على ابن الزّبير، ومات في رجب.
وفيها شهاب الدّين يحيى بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن محمد القيسراني [3] أحد الموقّعين.
ولد سنة سبعمائة، وورد مع أبيه من حلب فباشر أبوه توقيع الدّست، وباشر هو كتابة الإنشاء، وكان حسن الخلق جدا، تامّ الخلق، متواضعا، متودّدا، صبورا على الأذى، كثير التّجمّل في ملبوسه وهيئته، حتّى كان ابن فضل الله يقول:
المولى شهاب الدّين جمّل الديوان. وكان يكتب قلم الرّقاع، قويا إلى الغاية، ثم باشر توقيع الدّست بعد أبيه سنة ست وثلاثين، ثم ولي كتابة السّرّ في نيابة تنكز، ثم أمسك وصودر، فلزم بيته مدة، ثم نقل إلى القاهرة، فكتب بها الإنشاء سنة [4] ، ما رأيت منه سوءا قطّ.
وكان يتودد للصّالحين، ويكثر الصّوم والعبادة، ويصبر على الأذى، ولا يعامل صديقه وعدوه إلّا بالخير وطلاقة الوجه.
مات بعلّة الاستسقاء بعد أن طال مرضه به في ثاني عشري رجب بدمشق، وصلّي عليه بالجامع الأموي بعد العصر.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 215- 216) و «بغية الوعاة» (2/ 233) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «باع شديد» والتصحيح من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (290) و «النجوم الزاهرة» (10/ 290) و «الدّرر الكامنة» (4/ 414) .
[4] لفظة «سنة» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» .

(8/299)


سنة أربع وخمسين وسبعمائة
فيها كما قال ابن كثير [1] : كان في ترابلس [2] بنت تسمى نفيسة، زوّجت بثلاثة أزواج ولا يقدرون عليها [يظنون أنها رتقاء] [3] فلما بلغت خمس عشرة سنة، غار ثدياها، ثم جعل يخرج من محل الفرج شيء قليلا قليلا [4] إلى أن برز منه ذكر قدر أصبع وأنثيان، وكتب ذلك في محاضر.
وفيها توفي أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد الخولاني، يعرف بابن الفخّار وبالإلبيري [5] النحوي.
قال في «تاريخ غرناطة» أستاذ الجماعة، وعلم الصّناعة، وسيبويه العصر، وآخر [6] الطبقة من أهل هذا الفنّ.
كان فاضلا، تقيا، منقبضا [7] ، عاكفا على العلم، ملازما للتدريس، إمام الأئمة من غير مدافع، مبرّزا، منتشر الذكر، بعيد الصّيت، عظيم الشّهرة، متبحّر العلم [8] ، يتفجّر بالعربية تفجّر البحر، ويسترسل استرسال القطر، قد خالطت
__________
[1] انظر «البداية والنهاية» (14/ 248) .
[2] في «البداية والنهاية» «طرابلس» وهي المدينة المعروفة في شمال لبنان.
[3] ما بين القوسين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[4] لفظة «قليلا» الثانية سقطت من «ط» .
[5] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 57) و «بغية الوعاة» (2/ 174- 175) .
[6] في «آ» و «ط» : «وأحد» وما أثبته من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف.
[7] في «بغية الوعاة» : «متعبدا» .
[8] في «بغية الوعاة» : «مستبحر الحفظ» .

(8/300)


لحمه ودمه، ولا يشكل عليه منها مشكل، ولا يعوزه توجيه، ولا تشذّ عنه حجّة.
جدّد بالأندلس ما كان قد درس من العربية من لدن وفاة أبي عليّ الشّلوبين.
وكانت له مشاركة في غير العربية، من قراءة [1] ، وفقه، وعروض، وتفسير.
وقلّ في الأندلس من لم يأخذ عنه من الطلبة. وكان مفرط الطّول، نحيفا، سريع الخطو، قليل الالتفات والتعريج [2] ، جامعا بين الحرص والقناعة.
قرأ على أبي إسحاق الغافقي، ولازمه، وانتفع به وبغيره.
مات بغرناطة ليلة الاثنين ثاني عشر رجب.
وفيها صدر الدّين محمد ابن علي بن أبي الفتح بن أسعد بن المنجّى الحنبلي [3] .
حضر على زينب بنت مكّي [4] ، وسمع من الشّرف بن عساكر، وعمر بن القوّاس، وجماعة. وسمع منه الذهبي، والحسيني، وابن رجب. وحجّ مرارا.
وتوفي ليلة الاثنين ثاني عشر المحرم ودفن بسفح قاسيون.
وفيها جمال الدّين أبو الحجّاج يوسف بن عبد الله بن العفيف محمد بن يوسف ابن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور المقدسي ثم الدمشقي [5] الحنبلي الشيخ، الإمام، العالم، العامل، العابد، الحبر.
ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة، وسمع «سنن ابن ماجة» من الحافظ ابن بدران النّابلسي، وسمع من التّقي سليمان وأبي بكر بن عبد الدائم، وعيسى
__________
[1] في «ط» : «من قراءات» .
[2] في «آ» و «ط» : «والتغريج» والتصحيح من «بغية الوعاة» .
[3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 158) و «الدّرر الكامنة» (4/ 58) و «المقصد الأرشد» (2/ 479) .
[4] في «آ» : «بنت مملي» وفي «ط» : «بنت محلي» والتصحيح من «الدّرر الكامنة» و «المقصد الأرشد» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 149) و «الدّرر الكامنة» (4/ 463- 463) و «المقصد الأرشد» (3/ 141- 142) و «الجوهر المنضد» ص (180) .

(8/301)


المطعم، ووزيرة بنت المنجّى، وغيرهم. وسمع منه ابن كثير، والحسيني، وابن رجب.
وكان من العلماء العبّاد الورعين، كثير التلاوة وقيام الليل، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ومحبّة الحديث والسّنّة.
توفي في العشر الأوسط من جمادى الآخرة ودفن بقاسيون
.

(8/302)


سنة خمس وخمسين وسبعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الرّحمن بن عبد الله الدمشقي القاضي الشافعي المعروف بالظّاهري [1] .
مولده في شوال سنة ثمان وسبعين وستمائة. وسمع من جماعة، وتفقّه على الشيخ برهان الدّين الفزاري. وسمع منه البرزالي، والذهبي، وولده القاضي تقي الدّين. ودرّس بالأمجدية وغيرها. وأفتى، وولي قضاء الركب سنين كثيرة.
وحجّ بضعا وثلاثين مرّة، وزار القدس أكثر من ستين مرة، وتوفي في شعبان ودفن بقاسيون.
وفيها نجم الدّين أحمد بن قاضي القضاة عزّ الدّين محمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن أبي عمر المقدسي الصّالحي الحنبلي [2] الخطيب بالجامع المظفّري.
سمع من جدّه التّقي سليمان وغيره، وكان من فرسان الناس، وقلّ من كان مثله في سمته.
توفي في رجب عن بضع وأربعين سنة.
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (27- 28) و «الوافي بالوفيات» (7/ 139) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 171- 172) و «ذيول العبر» (299) و «النجوم الزاهرة» (10/ 298) و «الدليل الشافي» (1/ 52) و «الدّرر الكامنة» (1/ 167) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (298) و «الدّرر الكامنة» (1/ 267) و «المقصد الأرشد» (1/ 179) .

(8/303)


وفيها القاضي جمال الدّين أبو الطيّب الحسين بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمّام بن يوسف بن موسى بن تمّام الأنصاري الخزرجي السّبكي المصري ثم الدمشقي الشافعي [1] .
ولد في رجب سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وأحضره أبوه التّقي السّبكي على جماعة من المشايخ، وسمع «البخاري» على الحجّار لمّا ورد مصر، وتفقه على والده وعلى الزّنكلوني وغيره، وأخذ النّحو عن أبي حيّان، والأصول عن الأصفهاني، وقدم دمشق مع والده سنة تسع وثلاثين، ثم طلب الحديث بنفسه، فقرأ على المزّي، والذهبي، وغيرهما. ثم رجع إلى مصر، ثم عاد إلى الشام.
وأفتى، وناظر، وناب عن والده في القضاء سنة خمس وأربعين، ودرّس بالشّامية البرّانية والعذراويّة، وغيرهما.
قال ابن كثير: كان يحكم جيدا، نظيف العرض في ذلك، وأفتى وتصدّر، وكان لديه فضيلة.
وقال أخوه في «الطبقات الكبرى» : كان من أذكياء العالم، وكان عجبا في استحضار «التسهيل» ودرّس بالأجر على «الحاوي الصغير» وكان عجبا في استحضاره، ومن شعره ملغزا ولعله في ريباس:
يا أيّها البحر علما والغمام ندى ... ومن به أضحت الأيّام مفتخره
أشكو إليك حبيبا قد كلفت به ... مورّد الخدّ سبحان الّذي فطره
خمساه قد أصبحا في زيّ عارضه ... وفيه بأس شديد قلّ من قهره
لا ريب فيه وفيه الرّيب أجمعه ... وفيه يبس ولين القامة النّضره
وفيه كلّ الورى لمّا تصحّفه ... في ضيعة ببلاد الشّام مشتهره
توفي في شهر رمضان قبل والده بسبعة أشهر، ودفن بتربتهم بقاسيون.
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (88) و «ذيول العبر» ص (296- 297) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 411- 425) و «البداية والنهاية» (14/ 251) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 173- 174) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 25- 27) و «الدّرر الكامنة» (2/ 61- 63) .

(8/304)


وفيها زين الدّين أبو الحسن علي بن الحسين بن القاسم بن منصور بن علي الموصلي الشافعي، المعروف بابن شيخ العوينة [1] .
كان جده الأعلى علي من الصّالحين، واحتفر عينا في مكان لم يعهد بالماء، فقيل له شيخ العوينة.
ولد زين الدّين في رجب سنة إحدى وثمانين وستمائة، وقرأ القراءات على الشيخ عبد الله الواسطي الضّرير، وأخذ الشّاطبية عن الشيخ شمس الدّين بن الورّاق، وشرح «الحاوي» و «المختصر» ورحل إلى بغداد. وقرأ على جماعة من شيوخها. وسمع الحديث. وقدم دمشق وسمع بها من جماعة، ثم رجع إلى الموصل وصار من علمائها. وله تصانيف منها «شرح المفتاح» للسكّاكي، و «شرح مختصر ابن الحاجب» و «البديع لابن السّاعاتي» وغير ذلك.
قال ابن حبيب: إمام، بحر علمه محيط، وظل دوحه بسيط، وألسنة معارفه ناطقة، وأفنان فنونه باسقة. كان بارعا في الفقه وأصوله، خبيرا بأبواب كلام العرب وفصوله، نظم كتاب «الحاوي» وشنّف سمع الناقل والرّاوي، وبينه وبين الشيخ صلاح الدّين الصّفدي مكاتبات.
قال ابن حجر: وشعره أكثر انسجاما وأقل تكلفا من شعر الصّفدي.
توفي بالموصل في شهر رمضان.
وفيها سراج الدّين عمر بن عبد الرحمن بن الحسين بن يحيى بن عبد المحسن بن القبابي الحنبلي [2] .
سمع من عيسى المطعم وغيره، وكان مشهورا بالصّلاح، كريم النّفس، كبير
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 136) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 177- 178) و «تذكرة النّبيه» (3/ 185) و «الدليل الشافي» (1/ 454) و «النجوم الزاهرة» (10/ 297) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 43- 44) و «الدّرر الكامنة» (3/ 43- 45) و «بغية الوعاة» (2/ 161) و «البدر الطالع» (1/ 442) .
[2] انظر «النجوم الزاهرة» (10/ 297) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 178- 179) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 425) و «الدّرر الكامنة» (3/ 168) و «المقصد الأرشد» (2/ 302- 303) .

(8/305)


القدر، جامعا بين العلم والعمل. اشتغل وانتفع بابن تيميّة، ولم ير على طريقه في الصّلاح مثله، وخرّج له الحسيني مشيخة، وحدّث بها ومات ببيت المقدس.
وفيها ناصر الدّين خطيب الشّام محمد بن أحمد [بن أحمد] [1] بن نعمة بن أحمد بن جعفر النابلسي ثم الدمشقي الحنبلي [2] .
ولد سنة ثمانين وستمائة، وسمع على الفخر بن البخاري مشيخته، ومن «جامع الترمذي» . وكان أحد العدول بدمشق.
توفي مستهل ربيع الآخر.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن معالي بن إبراهيم بن زيد الأنصاري الخزرجي الدمشقي الحنبلي، المعروف بابن المهيني [3] .
سمع من ابن البخاري، ومن التّقي سليمان، وحدّث، وكان بشوش الوجه، حسن الشكل، كثير التّودد للناس، وفيه تساهل للدنيا، وصحب الشيخ تقي الدّين ابن تيمية.
وتوفي في رابع شوال بدمشق ودفن بالباب الصغير. قاله العليمي.
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 167- 168) و «الدّرر الكامنة» (3/ 309) .
[3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 166) و «الدّرر الكامنة» (3/ 409) و «المقصد الأرشد» (2/ 383- 384) .

(8/306)