شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وستين وسبعمائة
فيها توفي أورخان بن عثمان السلطان العظيم ثاني ملوك بني عثمان [1] .
ولي سنة ست وعشرين وسبعمائة [2] بعد وفاة والده السلطان عثمان حق أول ملوك بني عثمان، وكانت ولاية صاحب الترجمة في أيام السلطان حسن صاحب مصر.
قال القطيعي [3] : كان أورخان شديدا على الكفّار ففاق والده في الجهاد، وفتح البلاد فافتتح قلاعا كثيرة وحصونا منيعة، وفتح بروسة [4] وجعلها مقر سلطنته، ثم ولي بعده ولده [5] مراد.
وفيها بشر بن إبراهيم بن محمود بن بشر البعلي الحنبلي [6] الشيخ الصالح المقرئ الفقيه.
ولد في ذي القعدة سنة إحدى وثمانين وستمائة، وسمع من التّاج عبد الخالق، وابن مشرف، والشيخ شرف الدّين اليونيني، وغيرهما. وكان خيّرا،
__________
[1] انظر «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (41- 44) .
[2] في «ط» : «وستمائة» وهو خطأ.
[3] في «ط» : «القطبي» .
[4] في «آ» و «ط» : «برسا» والتصحيح من «القاموس الإسلامي» (1/ 308) وتعرف في أيامنا ب «بورصة» وهي في الشمال الغربي لتركيا المعاصرة.
[5] في «آ» : «ابنه» .
[6] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 228- 229) و «الدّرر الكامنة» (1/ 479) و «المقصد الأرشد» (1/ 286) .

(8/326)


حسن السّمت، صحب الفقراء، وروى عنه ابن رجب حديث الربيع بنت النّضر وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه» [1] . وجاور بمكّة.
وتوفي بمعان مرجعه من الحجّ ليلة الجمعة رابع عشر ذي الحجّة ودفن هناك، وأرّخ الحافظ ابن حجر وفاته في المحرّم ولعله الأقرب.
وفيها جمال الدّين الدارقوي الحنبلي [2] المقرئ للسبع، إمام الضيائية بدمشق.
توفي في جمادى الأولى. قاله العليمي.
وفيها صلاح الدّين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي [3] الشافعي الإمام المحقّق، بقية الحفّاظ.
ولد بدمشق في ربيع الأول سنة أربع وتسعين وستمائة، وسمع الكثير، ورحل، وبلغ عدد شيوخه بالسماع سبعمائة، وأخذ علم الحديث عن المزّي وغيره، وأخذ الفقه عن الشيخين البرهان الفزاري ولازمه، وخرّج له «مشيخة» والكمال الزّملكاني وتخرّج به، وعلّق عنه كثيرا. وأجيز بالفتوى، وجدّ واجتهد، حتى فاق أهل عصره في الحفظ والإتقان، ودرّس بدمشق بالأسدية وغيرها، ثم انتقل إلى القدس مدرّسا بالصّلاحية، وحجّ مرارا، وجاور، وأقام بالقدس مدة طويلة يدرّس ويفتي ويحدّث ويصنّف، إلى آخر عمره.
ذكره الذهبي في «معجمه» وأثنى عليه، وكذلك الحسيني في «معجمه»
__________
[1] رواه أحمد في «المسند» والبيهقي وأبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وهو حديث صحيح.
[2] ترجم له العليمي في «المنهج الأحمد» الورقة (455) من المخطوط.
[3] انظر «المعجم المختص» ص (92- 93) و «ذيول العبر» ص (335) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 35- 38) و «النجوم الزاهرة» (10/ 337) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 239) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 226- 227) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 121- 125) و «الدّرر الكامنة» (2/ 90) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 59) و «البدر الطالع» (1/ 245) .

(8/327)


و «ذيله» فقال: كان إماما في الفقه، والنحو، والأصول، مفنّنا في علم الحديث ومعرفة الرجال، علّامة في معرفة المتون والأسانيد، بقية الحفّاظ، ومصنّفاته تنبئ عن إمامته في كل فنّ.
درس وأفتى وناظر، ولم يخلّف بعده مثله.
وقال السّبكي: كان حافظا، ثبتا، ثقة، عارفا بأسماء الرجال والعلل والمتون، فقيها، متكلما، أديبا، شاعرا، ناظما، متفننا، أشعريا، صحيح العقيدة، سنّيّا، لم يخلّف بعده في الحديث مثله، لم يكن في عصره من يدانيه فيه.
ومن تصانيفه «القواعد المشهورة» و «الوشي المعلم فيمن روى عن أبيه عن جدّه عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم» . و «عقيلة المطالب في ذكر أشراف الصّفات والمناقب» و «جمع الأحاديث الواردة في زيارة قبر النّبي صلّى الله عليه وسلّم» و «منحة الرائض بعلوم آيات الفرائض» وكتابا في المدلّسين، وكتابا سماه «تلقيح الفهوم في صيغ العموم» وغير ذلك من التصانيف المتقنة المحررة [1] .
توفي بالقدس في المحرّم ودفن بمقبرة باب الرّحمة إلى جانب سور المسجد.
وفيها أبو الرّبيع سليمان [بن داود بن سليمان بن] محمد بن عبد الحقّ [2] الحنفي البليغ، الناظم الناثر، ولي ولايات جليلة.
ومن شعره:
من يكن أعمى أصمّ [3] ... يدخل الحان جهارا
__________
[1] قلت: ومن مصنفاته الأخرى المطبوعة: «جزء في تفسير الباقيات الصالحات وفضلها» وقد صدر ضمن سلسلة نصوص تراثية عن دار ابن كثير بتحقيق الأستاذين د. علي أبو زيد، وحسن إسماعيل مروة، ومراجعة والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى.
ورسالة «النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح» وقد نشرتها دار الإمام مسلم ببيروت بتحقيق الأستاذ محمود سعيد ممدوح، وهي رسالة نافعة.
[2] انظر «الوافي بالوفيات» (15/ 381- 388) و «الدليل الشافي» (1/ 317- 318) و «الدّرر الكامنة» (2/ 149- 151) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[3] في «آ» و «ط» : «أصمّ أعمى» وما أثبته من «الدّرر الكامنة» مصدر المؤلّف.

(8/328)


يسمع الألحان تتلو ... وترى النّاس سكارى
وفيها تقي الدّين أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن نصر بن فهد المقدسي الصّالحي البزوري العطّار الحنبلي، المعروف بابن قيّم الضيائية [1] .
ولد في أواخر سنة تسع وستين وستمائة، وأخذ عن الفخر بن البخاري، وسمع من الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وابن الزّين، وابن الكمال.
وسمع منه الذهبي، وابن رافع، والحسيني، وابن رجب.
وأجاز للشيخ شهاب الدّين بن حجّي، وللشيخ شرف الدّين بن مفلح. وكان مكثرا، مسندا، فقيها، وكان له حانوت بالصّالحية يبيع فيه العطر.
توفي بالصالحية ليلة الثلاثاء خامس عشري المحرم ودفن بالرّوضة عن إحدى وتسعين سنة.
وفيها جمال الدّين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري [2] الحنبلي النّحوي العلّامة.
قال في «الدرر» : ولد في ذي القعدة سنة ثمان وسبعمائة، ولزم الشّهاب عبد اللطيف بن المرحّل، وتلا على ابن السّراج، وسمع على أبي حيّان «ديوان زهير بن أبي سلمى» ولم يلازمه ولا قرأ عليه، وحضر درس التّاج التّبريزي، وقرأ على التّاج الفاكهاني «شرح الإشارة» له إلّا الورقة الأخيرة، وتفقه للشافعي ثم تحنبل، فحفظ «مختصر الخرقي» في دون أربعة أشهر، وذلك قبل موته بخمس سنين، وأتقن العربية، ففاق الأقران، بل الشيوخ. وحدّث عن ابن جماعة بالشاطبية، وتخرّج به جماعة من أهل مصر وغيرهم، وتصدّر لنفع الطالبين، وانفرد
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (335- 336) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 229) و «الدّرر الكامنة» (2/ 283) و «القلائد الجوهرية» (2/ 283) .
[2] انظر «ذيول العبر» ص (336) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 234- 235) و «الدّرر الكامنة» (2/ 308- 310) و «بغية الوعاة» (2/ 68- 70) و «حسن المحاضرة» (1/ 536) ومقدمة الأستاذ الدكتور مازن المبارك لرسالة «المباحث المرضية المتعلقة بمن الشرطية» ص (7- 22) الصادرة بتحقيقه عن دار ابن كثير.

(8/329)


بالفوائد الغريبة والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، والتحقيق البالغ، والاطلاع المفرط، والاقتدار على التّصرّف في الكلام، والملكة التي كان يتمكن من التعبير بها عن مقصوده بما يريد، مع التواضع، والبرّ، والشفقة، ودماثة الخلق، ورقة القلب.
قال ابن خلدون: وما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام، أنحى من سيبويه، وكان كثير المخالفة لأبي حيّان، شديد الانحراف عنه، صنّف «مغني اللّبيب عن كتب الأعاريب» [1] اشتهر في حياته وأقبل الناس عليه، وقد كتب عليه حاشية وشرحا لشواهده، و «التوضيح على الألفية» مجلدا و «رفع الخصاصة عن قراء الخلاصة» أربع مجلدات، و «عمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب» مجلدان، و «التحصيل والتفصيل لكتاب التكميل والتّذييل» عدة مجلدات، و «شرح التسهيل» مسودة، و «شرح الشواهد الكبرى والصّغرى» و «الجامع الكبير» و «الجامع الصغير» و «شرح اللّمحة» لأبي حيّان، و «شرح بانت سعاد» و «شرح البردة» و «التذكرة» خمس مجلدات، و «المسائل السّفرية» في النحو [2] ، وغير ذلك، وله عدة حواش على «الألفية» و «التسهيل» .
ومن شعره:
ومن يصطبر للعلم يظفر بنيله ... ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل
ومن لم يذلّ النفس في طلب العلى ... يسيرا يعش دهرا طويلا أخا ذلّ
وله:
سوء الحساب أن يؤاخذ الفتى ... بكلّ شيء في الحياة قد أتى
__________
[1] وقد طبع عدة مرات في مصر والشام ولبنان وإيران، ومن أشهر طبعاته الطبعة التي صدرت في مصر بتحقيق العلّامة الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد. والطبعة التي صدرت عن دار الفكر ببيروت بتحقيق الأستاذين الدكتور مازن المبارك وعلي حمد الله، ومراجعة أستاذنا العلّامة سعيد الأفغاني العميد الأسبق لكلية الآداب بجامعة دمشق حفظه الله وأطال عمره ونفع به.
[2] نشرت ضمن مجموعة من رسائله في مكتبة سعد الدّين بدمشق بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة.

(8/330)


توفي ليلة الجمعة خامس ذي القعدة، ودفن بعد صلاة العصر بمقبرة الصّوفية بمصر.
وفيها أبو القاسم محمد بن أحمد بن محمد الشريف الحسيني [1] الفقيه الجليل النّبيه، رئيس العلوم اللّسانية بالأندلس، وقاضي الجماعة بها.
قال المقرئ المغربي المتأخر في كتابه «تعريف ابن الخطيب في ذكر مشايخ لسان الدّين بن الخطيب» : كان هذا الشريف آية الله الباهرة في العربية والبيان والأدب.
قال محمد بن علي بن الصبّاغ العقيلي: كان آية زمانه وأزمة البيان طوع بنانه، له «شرح المقصورة القرطاجنية» ، أغرب ما تتحلى به الآذان، وأبدع ما ينشرح له الجنان إلى العقل الذي لا يدرك، والفضل الذي حمد منه المسلك، جرت بينه وبين الوالد نادرة، وذلك أن الوالد دخل عليه يوما لأداء شهادة، فوجد بين يديه جماعة من الغزاة يؤدون شهادة أيضا، فسمع القاضي منهم وقال: هل ثمّ من يعرفكم؟ فقالوا: نعم يعرفنا سيدي علي الصباغ، فقال القاضي: أتعرفهم يا أبا الحسن؟ فقال: نعم يا سيدي معرفة محمد بن يزيد، فما أنكر عليه شيئا، بل قال لهم: عرف الفقيه أبو الحسن ما عنده، فانظروا من يعرف معه رسم حالكم، فانصرفوا راضين، ولم يرتهن والدي في شيء من حالهم، ولا كشف القاضي لهم ستر القضية.
قال محمد بن الصباغ: أما قول والدي معرفة محمد بن يزيد فإشارة إلى قول الشاعر:
أسائل عن ثمالة كلّ حيّ ... فكلّهم يقول وما ثماله؟
فقلت محمّد بن يزيد منهم ... فقالوا الآن زدت بهم جهاله
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 352- 353) و «قضاة الأندلس» ص (171- 176) و «الدّيباج المذهب» ص (290) مصورة دار الكتب العلمية ببيروت و «الأعلام» (5/ 327) ونسبته في بعض المصادر «الحسني» .

(8/331)


قال: ففطن القاضي- رحمه الله تعالى- لجودة ذكائه إلى أنه يرتهن في شيء من معرفتهم ممتنعا من إظهار ذلك بلفظه الصريح، فكنّى واكتفى بذكاء القاضي الصحيح، رحمه الله تعالى.
ومن شعر الشّريف:
وأحور زان خدّيه عذار ... سبى الألباب منظره العجاب
أقول لهم وقد عابوا غرامي ... به إذ لاح للدّمع انسكاب
أبعد كتاب عارضه يرجّى ... خلاص لي وقد سبق الكتاب
توفي في هذه السنة.
وقال في «الإحاطة» : مولده سنة سبع وتسعين وستمائة، وتوفي سنة ستين وسبعمائة، والأول أصحّ.
وفي حدودها قاضي القضاة أبو عبد الله جدّ المقري المتأخر، صاحب «نفح الطّيب» قال في «الإحاطة» : محمد بن محمد بن أحمد ابن أبي بكر [بن عبد الله] [1] بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي المقّري [2] قاضي الجماعة بفاس.
ولد بتلمسان، وكان أول من اتخذها من سلفة قرارا جدّه الخامس عبد الرحمن صاحب الشيخ أبي مدين، الذي دعا له ولذريته بما ظهر فيهم قبوله وتبين.
وقال حفيده المقّري في كتابه «التعريف بابن الخطيب» : وقد ألّف علم الدنيا ابن مرزوق تأليفا استوفى فيه التعريف بمولاي الجدّ سمّاه «النّور البدري في التعريف بالفقيه المقري» وهذا بناء منه على مذهبه أنه بفتح الميم وسكون القاف كما صرح بذلك في «شرح الألفية» عند قوله:
ووضعوا لبعض الأجناس علم
__________
[1] ما بين الرقمين لم يرد في «الإحاطة» الذي بين يدي.
[2] انظر «الإحاطة في تاريخ غرناطة» (2/ 191- 226) و «شجرة النّور الزكية» ص (232) .

(8/332)


وضبطه غيره وهم الأكثرون بفتح الميم وتشديد القاف، وعلى ذلك عوّل أكثر المتأخرين وهما لغتان في البلدة التي نسب إليها وهي قرية من قرى زاب إفريقية.
وقال مولاي الجدّ: مولدي بتلمسان أيام أبي حمّ موسى بن عثمان، وقد وقفت على تاريخ ذلك، ولكني رأيت الصفح عنه لأن أبا الحسن بن مؤمن سأل أبا طاهر السّلفي عن سنه، فقال: أقبل على شأنك فإني سألت أبا الفتح بن رويان عن سنه، فقال لي: اقبل على شأنك فإني سألت علي بن محمد اللّبّان عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك فإني سألت أبا القاسم حمزة بن يوسف السّهمي عن سنّه، فقال لي: أقبل على شأنك فإني سألت أبا بكر محمد بن عدي المنقري عن سنه، فقال لي أقبل على شأنك، فإني سألت أبا إسماعيل الترمذي عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت بعض أصحاب الشافعي عن سنه، فقال لي:
أقبل على شأنك، فإني سألت الشافعي عن سنّه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت مالك بن أنس عن سنّه، فقال: أقبل على شأنك ليس من المروءة للرجل أن يخبر بسنه، انتهى.
وأنشد لبعضهم في المعنى:
احفظ لسانك لا تبح بثلاثة ... سنّ ومال ما استطعت ومذهب
فعلى الثّلاثة تبتلى بثلاثة ... بمكفّر وبحاسد ومكذّب
وقال في «الإحاطة» في ترجمة الفقيه المقري هذا: هذا الرجل مشار إليه بالعدوة الغربية، اجتهادا، وأدبا، وحفظا، وعناية، واضطلاعا، ونقلا، ونزاهة، سليم الصّدر، قريب الغور، صادق القول، مسلوب التصنع، كثير الهشة، مفرط الخفّة، ظاهر السذاجة، ذاهب أقصى مذاهب التخلق، محافظ على العمل، مثابر على الانقطاع، حريص على العبادة، قديم النّعمة متصل الخيرية، مكب على النظر والدرس، معلوم الصّيانة والعدالة، منصف في المذاكرة، حاسر الذراع عند المباحثة، رحب الصّدر في وطيس المناقشة، غير ضنين بالفائدة، كثير الالتفات، متقلب الحدقة، جهير بالحجّة، بعيد عن المراء والمباهتة، قائل بفضل أولي الفضل من الطلبة يقوم أتمّ القيام على العربية، والفقه، والتفسير، ويحفظ

(8/333)


الحديث، ويتهجر بحفظ التاريخ والأخبار والآداب، ويشارك مشاركة فاضلة في الأصلين والمنطق والجدل، ويكتب ويشعر مصيبا، غرض الإصابة، ويتكلم في طريقة الصّوفية كلام أرباب المقال، ويعتني بالتدوين فيها شرّق وحجّ ولقي جلة ثم عاد إلى بلده فأقرأ به وانقطع إلى خدمة العلم.
وقال المقّري في هذه الترجمة: سأل ابن فرحون ابن حكم هل تجد في التنزيل ست فاءات مرتبة ترتيبها في هذا البيت:
رأى فحبّ فرام الوصل فامتنعت ... فسام صبرا فأعيا نيله فقضى
ففكر ثم قال: نعم فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ من رَبِّكَ 68: 19 [القلم: 19] إلى آخرها، ثم قال لابن فرحون: هل عندك غيره، فقال: نعم فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ الله 91: 13 [الشّمس: 13] إلى آخر السورة، وأكثر ما وجدت الفاء تنتهي في كلامهم إلى هذا العدد.
وقال المقرّي صاحب الترجمة: رأيت بجامع الفسطاط من مصر فقيرا عليه قميص إلى جانبه دفاسة قائمة وبين يديه قلنسوة، فذكر لي هنالك أنهما محشوتان بالبرادة، وأن زنة الدفاسة أربعمائة رطل مصرية، وهي ثلاثمائة وخمسون مغربية، وزنة القلنسوة مائتا رطل مصرية، فعمدت إلى الدفاسة فأخذتها من طرفها أنا ورجل آخر وأملناها بالجهد فلم نصل بها إلى الأرض، وعمدت إلى القلنسوة فأخذتها من أصبع كان في رأسها فلم أطق حملها فتركتها، وكان يوم جمعة، فلما قضيت الصّلاة مررنا في جملة من أصحابنا بالفقير فوجدناه لابسا تلك الدفاسة في عنقه واضعا تلك القلنسوة على رأسه فقام إلينا وإلى غيرنا ومشى بهما كما يمشي أحدنا بثيابه، فجعلنا نتعجب ويشهد بعضنا بعضا على ما رأى، ولم يكن بالعظيم الخلقة.
وقال: لما حللت ببيت المقدس وعرف به مكاني من الطلب، سألني بعض الطلبة بحضرة قاضيها فقال: إنكم معشر المالكية تبيحون للشامي يمرّ بالمدينة أن يتعدى ميقاتها إلى الجحفة، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد أن عيّن المواقيت لأهل

(8/334)


الآفاق: «هنّ لهنّ ولمن مرّ عليهنّ من غير أهلهنّ» [1] وهذا قد مرّ على ذي الحليفة وليس من أهله، فيكون له، فقلت له: إن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من غير أهلهنّ» أي من غير أهل المواقيت، وهذا سلب كلي وإنه غير صادق على هذا الفرد ضرورة صدق نقيضه وهو الإيجاب الجزئي عليه، لأنه من بعض أهل المواقيت قطعا، فلما لم يتناوله النّص رجعنا إلى القياس. ولا شك أنه لا يلزم أحد أن يحرم قبل ميقاته وهو يمرّ عليه، فوقعت من نفوس أهل البلد بسبب ذلك. انتهى.
قلت: الحديث صحيح، خرّجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، بلفظ: «هنّ لهم، ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ» وفي أكثر طرقه: «هنّ لهنّ» والأول أصحّ.
وفيها القاضي صدر الدّين محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي ثم المصري الحنبلي [2] الشيخ الإمام. سمع من العماد بن الشيخ شمس الدّين ابن العماد، والتّقي ابن تمّام، وغيرهما. وكان حسن الشكالة، مع تواضع وحسن كتابة، ولما كان والده قاضي الحنابلة بالدّيار المصرية رأى من الجاه والسعادة ما لم يره غيره من أولاد القضاة، ويقال: إنه كان في إصطبله ما يزيد على خمسين رأسا، وبسببه عزل والده من القضاء.
توفي المترجم ليلة النّصف من ذي القعدة، والله أعلم.
__________
[1] رواه البخاري رقم (1524) في الحج: باب مهل أهل مكة للحج والعمرة، ومسلم رقم (1181) (12) في الحج: باب مواقيت الحج والعمرة، وأبو داود رقم (1738) في مناسك الحج:
باب في المواقيت، وانظر تتمة تخريجه في «جامع الأصول» (3/ 16) .
[2] انظر «المقصد الأرشد» (2/ 363) .

(8/335)


سنة اثنتين وستين وسبعمائة
استهلت والفناء بالدّيار المصرية فاش، وحصل للسلطان مرض ثم عوفي، ثم لما كان يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى وثب يلبغا الخاسكي وركب معه جماعة من الأمراء، وباتوا تحت القلعة، ثم هجموا على السلطان النّاصر وقبضوا عليه، ثم أحضروا صلاح الدّين محمد بن المظفّر حاجي بن الناصر محمد وأجلسوه على الكرسي وحلفوا له، ولقّبوه الملك المنصور، وعذبوا الناصر حتّى هلك بعد أيام، ودفنوه في مصطبة في داره، وكانت مدة سلطنته الأولى ثلاث سنين وتسعة أشهر، والثانية ست سنين وسبعة أشهر وأيام، ومات ولم يكمل ثلاثين سنة، وخلّف عشرة ذكور وست إناث، وصار المتكلّم في المملكة يلبغا.
وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن موسى الزّرعي الشيخ الصّالح المعمّر الحنبلي [1] أحد الآمرين بالمعروف والنّاهين عن المنكر.
كان فيه إقدام على الملوك وإبطال مظالم كثيرة، وصحب الشيخ تقي الدّين [2] دهرا وانتفع به، وكان له وجاهة عند الخاص والعام، ولديه تقشف وزهد.
توفي بمدينة حبراص في المحرّم.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (345) و «النجوم الزاهرة» (11/ 12) و «البداية والنهاية» (14/ 274) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 59) بتحقيق الدكتور صالح مهدي عباس، طبع مؤسسة الرسالة، و «الدّرر الكامنة» (1/ 324) و «لحظ الألحاظ» ص (130) و «المقصد الأرشد» (1/ 198) .
[2] يعني ابن تيمية رحمه الله تعالى.

(8/336)


وفيها الحافظ علاء الدّين مغلطاي بن قليج بن عبد الله الحكري الحنفي [1] صاحب التصانيف.
قال الصّفدي: سمع من التّاج أحمد بن علي بن دقيق العيد أخي الشيخ تقي الدّين، ومن الواني، والحسيني، وغيرهما. وأكثر جدا من القراءة والسماع، وكتب الطّباق، وكان قد لازم الجلال القزويني، فلما مات ابن سيّد الناس تكلّم له مع السلطان، فولّاه تدريس الحديث بالظّاهرية، فقام الناس بسبب ذلك وقعدوا، وبالغوا في ذمّه وهجوه، فلما كان في سنة خمس وأربعين وقف له العلائيّ لما رحل إلى القاهرة على كتاب جمعه في العشق تعرّض فيه لذكر الصّدّيقة عائشة رضي الله تعالى عنها، فأنكر عليه ذلك، ورفع أمره إلى الموفق الحنبلي، فاعتقله بعد أن عزّره فانتصر له ابن البابا وخلّصه، وكان يحفظ «الفصيح» لثعلب.
ومن تصانيفه «شرح البخاري» و «ذيل المؤتلف والمختلف» و «الزهر الباسم» في السيرة النبوية.
قال الشهاب ابن رجب: تصانيفه نحو المائة أو أزيد، وله مآخذ على أهل اللغة، وعلى كثير من المحدّثين. قال: وأنشدني لنفسه في «الواضح المبين» شعرا يدلّ على استهتاره وضعفه في الدّين.
وقال زين الدّين بن رجب: كان عارفا بالأنساب معرفة جيدة، وأما غيرها من متعلقات الحديث فله بها خبرة متوسطة، وتصانيفه كثيرة جدا.
توفي في رابع عشر شعبان.
__________
[1] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 9) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 70) و «الدّرر الكامنة» (4/ 352- 354) و «حسن المحاضرة» (1/ 359) و «ذيل طبقات الحفّاظ» ص (365) و «لحظ الألحاظ» ص (133) و «البدر الطالع» (2/ 312- 313) ومقدمة صديقنا الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح لكتاب المترجم «تاج التراجم» وهي مفيدة نافعة.

(8/337)


سنة ثلاث وستين وسبعمائة
فيها توفي المعتضد بالله أبو الفتح أبو بكر بن المستكفي سليمان بن الحاكم أحمد العبّاسي [1] .
بويع بالخلافة بعد موت أخيه في سنة ثلاث وخمسين بعهد منه، وكان خيّرا، متواضعا، محبّا لأهل العلم.
توفي في يوم الخميس ثاني عشري جمادى الأولى بمصر.
وبويع بعده ولده محمد بعهد منه، ولقّب المتوكل.
وفيها الشيخ شمس الدّين محمد بن أحمد بن علي بن عمر الإسنوي [2] الشافعي الإمام، ابن عمّ الشيخ جمال الدّين.
قال ابن قاضي شهبة: كان أحد العلماء العاملين، اختصر «الشفاء» للقاضي عياض، وشرح «مختصر مسلم» [3] و «الألفية» لابن مالك، واشتغل قديما ببلده وغيرها، ثم أقام ببلده، ثم صار يجاور بمكّة سنة وبالمدينة سنة. قال له الشيخ عبد الله اليافعي: أنت قطبّ الوقت في العلم والعمل.
توفي بمكّة بعد الحجّ.
وفيها شمس الدّين أبو أمامة محمد بن علي بن عبد الواحد بن يحيى بن
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (350) و «النجوم الزاهرة» (11/ 14) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 97- 98) و «الدّرر الكامنة» (1/ 443) و «تاريخ الخلفاء» ص (500) .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 107- 108) و «العقد الثمين» (1/ 307- 308) ولقبه فيهما «نجم الدين» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 155- 156) و «الدّرر الكامنة» (3/ 342) و «بغية الوعاة» (1/ 35) و «در الحجال» (2/ 243) .
[3] الذي اختصره الحافظ المنذري. انظر «كشف الظنون» (1/ 558) .

(8/338)


عبد الرحيم المغربي الأصل المصري، المعروف بابن النقّاش الشافعي [1] .
مولده في رجب سنة عشرين وسبعمائة، وحفظ «الحاوي الصغير» ويقال: إنه أول من حفظه بالديار المصرية، واشتغل على الشيخ شهاب الدّين الأنصاري، والتّقي السبكي، وأبي حيّان، وغيرهم. وقرأ القراءات على البرهان الرّشيدي، ودرّس وأفتى، وتكلّم على النّاس، وكان من الفقهاء المبرّزين والفصحاء المشهورين، وله نظم ونثر حسن، وحصل له بمصر رئاسة عظيمة وشاع ذكره في الناس، ودرّس بعدة مدارس، وبعد صيته، وخرّج أحاديث الرافعي وسمّاه «كاشف الغمّة عن شافعية الأمة» وسمّاه أيضا «أمنية الألمعي في أحاديث الرافعي» وورد الشام في أيام السّبكي، وجلس بالجامع، ووعظ بجنان ثابت ولسان فصيح، من غير تكلّف، فعكف الناس عليه.
ومن مصنفاته: «شرح العمدة» في نحو ثمان مجلدات، و «شرح ألفية ابن مالك» وكتاب «النظائر والفروق» و «شرح التسهيل» وله كتاب في التفسير مطول جدا، التزم فيه أن لا ينقل فيه حرفا من كتاب من تفسير من تقدّمه، وهذا عجب عجيب، وسماه «اللّاحق السابق» وكان يقول الناس اليوم رافعية لا شافعية، ونووية لا نبوية.
توفي في شهر ربيع الأول.
قاله ابن قاضي شهبة.
وفيها أبو عبد الله شمس الدّين محمد بن عيسى بن حسين بن كثير كرّ [2] ، الشيخ المسند الحنبلي البغدادي [3] شيخ الزاوية جوار مسجد الحسين بالقاهرة.
روى عن غازي الحلاوي من «المسند» مواضع، وتوفي بالقاهرة.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (349) و «النجوم الزاهرة» (11/ 13) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 248- 249) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 90- 91) و «الدّرر الكامنة» (4/ 71) و «البداية والنهاية» (14/ 292) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 176- 178) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» : إلى: «ابن كثير» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] انظر «الوافي بالوفيات» (4/ 305) و «الدّرر الكامنة» (4/ 245) و «المقصد الأرشد» (2/ 482) .

(8/339)


وفيها أقضى القضاة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرّج المقدسي ثم الصّالحي الرّاميني الحنبلي [1] الشيخ الإمام العلّامة، وحيد دهره، وفريد عصره، شيخ الإسلام، وأحد الأئمة الأعلام. سمع من عيسى المطعّم، وغيره، وتفقه وبرع، ودرّس وأفتى، وناظر وحدّث، وأفاد، وناب في الحكم عن قاضي القضاة جمال الدّين المرداوي، وتزوج ابنته، وله منها سبعة أولاد ذكور وإناث. وكان آية وغاية في نقل مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه. قال عنه أبو البقاء السّبكي: ما رأت عيناي أحدا أفقه منه، وكان ذا حظّ من زهد، وتعفف، وصيانة، وورع، ودين متين، وشكرت سيرته وأحكامه.
وذكره الذهبي في «المعجم «فقال: شاب عالم، له عمل ونظر في رجال السنن، ناظر وسمع، وكتب وتقدم، ولم ير في زمانه في المذاهب الأربعة من له محفوظات أكثر منه، فمن محفوظاته «المنتقى في الأحكام» .
وقال ابن القيم لقاضي القضاة موفق الدّين الحجّاوي سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة: ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح، وحسبك بهذه الشهادة من مثل هذا.
وحضر عند الشيخ تقي الدّين [2] ونقل عنه كثيرا. وكان يقول له: ما أنت ابن مفلح بل أنت مفلح. وكان أخبر الناس بمسائله واختياراته، حتّى إن ابن القيّم كان يراجعه في ذلك، وله مشايخ كثيرون، منهم: ابن مسلم، والبرهان الزّرعي، والحجّار، و [ابن] الفويرة، والقحفاوي [3] ، والمزّي، والذهبي، ونقل عنهما كثيرا. وكانا يعظمانه، وكذلك الشيخ تقي الدّين السّبكي يثني عليه كثيرا.
قال ابن كثير: وجمع مصنّفات منها على «المقنع» نحو ثلاثين مجلدا، وعلى
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (352) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 252) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 99- 100) و «الدّرر الكامنة» (4/ 261) و «المقصد الأرشد» (2/ 517) و «الجوهر المنضد» ص (112- 114) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 43) و «القلائد الجوهرية» (1/ 161) .
[2] يعني ابن تيمية رحمه الله.
[3] في «آ» و «ط» : «والبخاري» والتصحيح من «المقصد الأرشد» .

(8/340)


«المنتقى» مجلدين. وكتاب «الفروع» أربع مجلدات قد اشتهر في الآفاق، وهو من أجلّ الكتب وأنفعها وأجمعها للفوائد لكنه لم يبيضه كلّه ولم يقرأ عليه، وله كتاب جليل في أصول الفقه حذا فيه حذو ابن الحاجب في مختصره وله «الآداب الشرعية الكبرى» مجلدان و «الوسطى» مجلد و «الصّغرى» مجلد لطيف. ونقل في كتابه «الفروع» في باب ذكر أصناف الزكاة أبياتا رويت عن يحيى بن خالد بن برمك في ذمّ السؤال وهي:
ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله ... عوضا ولو نال الغنى بسؤال
وإذا بليت ببذل وجهك سائلا ... فابذله للمتكرّم المفضال
وإذا السّؤال مع النّوال وزنته ... رجح السّؤال وخفّ كلّ نوال
توفي ليلة الخميس ثاني رجب بسكنه بالصّالحية ودفن بالرّوضة بالقرب من الشيخ موفق الدّين [1] ولم يدفن بها حاكم قبله، وله بضع وخمسون سنة.
__________
[1] يعني ابن قدامة المقدسي رحمه الله.

(8/341)


سنة أربع وستين وسبعمائة
فيها اشتدّ الوباء والطّاعون بالبلاد الشّامية والمصرية [1] .
وفيها خلع يلبغا وغيره من الأمراء السلطان صلاح الدّين المنصور محمدا محتجين باختلال عقله، خلعوه بحضرة الخليفة والقضاة، ثم سجن بقلعة الجبل وبايعوا شعبان بن الأمجد حسين بن الناصر محمد ولقّب بالأشرف شعبان.
وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد [بن عبد الرحمن] [2] بن عبد الرحيم البعلبكي ثم الدمشقي الشافعي، المعروف بابن النّقيب [3] .
سمع بدمشق من ابن الشّحنة، والفزاري، وابن العطّار، وغيرهم. وبالقاهرة من جماعة وأخذ القراءات عن الشّهاب الكفري، والنحو عن أبي حيّان، والمجد التّونسي، والأصول عن الأصفهاني، وولي عدة مدارس وإفتاء دار العدل، وناب في الحكم عن ابن المجد.
قال ابن كثير: كان بارعا في القراءات والنحو والتصريف، وله يد في الفقه وغيره.
توفي في شهر رمضان ودفن بمقبرة الصّوفية.
__________
[1] في «ط» : «والعربية» وهو خطأ. وقد ذكر هذا الخبر الحافظ السخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» الورقة (112) من المنسوخ.
[2] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[3] انظر «ذيول العبر» ص (363- 364) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 18) و «الوفيات» (2/ 266) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 130- 131) و «طبقات الشافعية» (3/ 102- 103) و «الدّرر الكامنة» (1/ 115) .

(8/342)


وفيها شهاب الدّين أبو عبد الله أحمد بن محمد الشّيرجي الزّاهد الحنبلي [1] المعيد بالمستنصرية ببغداد، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها صلاح الدّين أبو الصّفا خليل بن أيبك بن عبد الله الصّفدي الشافعي [2] .
مولده بصفد في سنة ست أو سبع وتسعين وستمائة، وسمع الكثير، وقرأ الحديث، وكتب بعض الطّباق، وأخذ عن القاضي بدر الدّين بن جماعة، وأبي الفتح بن سيّد النّاس، والتّقي السّبكي، والحافظين أبي الحجّاج المزّي، وأبي عبد الله الذهبي، وغيرهم. وقرأ طرفا من الفقه، وأخذ النحو عن أبي حيّان، والأدب عن ابن نباتة، والشّهاب محمود ولازمه، ومهر في فنّ الأدب، وكتب الخطّ المليح، وقال النّظم الرائق، وألّف المؤلّفات الفائقة، وباشر كتابة الإنشاء بمصر ودمشق، ثم ولي كتابة السرّ بحلب، ثم وكالة بيت المال بالشام، وتصدى للإفادة بالجامع الأموي، وحدّث بدمشق وحلب وغيرهما.
ذكره شيخه الذهبي في «المعجم المختص» فقال: الإمام العالم الأديب البليغ الأكمل، طلب العلم، وشارك في الفضائل، وساد في علم الرسائل، وقرأ الحديث، وكتب المنسوب، وجمع وصنّف، والله يمده بتوفيقه. سمع مني وسمعت منه، وله تآليف وكتب وبلاغة. انتهى.
وذكر له السبكي في «الطبقات الكبرى» ترجمة مبسوطة مشتملة على فوائد ووقفت على ترجمة كتبها لنفسه نحو كرّاسين ذكر فيها أحواله ومشايخه وأسماء مصنّفاته وهي نحو الخمسين مصنّفا، منها ما أكمله، ومنها ما لم يكمله. قال:
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 265) و «المقصد الأرشد» (1/ 181) .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (91- 92) و «النجوم الزاهرة» (11/ 19- 21) و «الدليل الشافي» (1/ 290- 291) و «ذيول العبر» ص (364) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 5- 32) و «الوفيات لابن رافع» (2/ 268- 270) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 134- 136) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 119- 121) و «الدّرر الكامنة» (2/ 87) .

(8/343)


وكتبت بيدي ما يقارب خمسمائة مجلد. قال: ولعل الذي كتبت في ديوان الإنشاء ضعفا ذلك وذكر جملة من شعره.
توفي بدمشق في شوال ودفن بالصّوفية. قاله ابن قاضي شهبة.
وفيها بهاء الدّين عبد الوهاب بن عبد الولي بن عبد السلام المراغي المصري الإخميمي ثم الدمشقي الشافعي [1] الزّاهد القدوة.
مولده في حدود سنة سبعمائة. اشتغل بالعلم وأشغل به، وحفظ «الحاوي الصغير» وسمع الحديث.
قال ابن رافع: وجمع كتابا في أصول الفقه والدّين.
وقال ابن كثير: كان له يد في أصول الدّين والفقه، وصنّف في الكلام كتابا مشتملا على أشياء مقبولة وغير مقبولة.
وقال السبكي: أخذ بالقاهرة عن الشيخ تقي الدّين السّبكي، ولازم الشيخ علاء الدّين القونوي، ثم خرج إلى الشام واستوطنها.
وكان إماما، بارعا في علم الكلام والأصول، ذا قريحة صحيحة وذهن صحيح وذكاء مفرط، وعنده دين كثير وتأله وعبادة ومراقبة، وصبر على خشونة العيش، وكان بيني وبينه صداقة وصحبة ومحبة ومراسلات كثيرة في مباحث جرت بيننا أصولا وكلاما وفقها، وصنّف في علم الكلام كتابا سمّاه «المنقذ من الزّلل في العلم والعمل» وأحضره إليّ لأقف عليه، فوجدته قد سلك طريقا انفرد بها وفي كتابه مويضعات يسيرة لم أرتضها.
توفي في ذي القعدة مطعونا، ودفن بتربته داخل البلد.
ومراغة: بفتح الميم وكسرها قرية من الصّعيد، إليها ينسب المترجم [2] .
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (365- 366) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 123- 124) و «البداية والنهاية» (14/ 304) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 276- 277) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 140- 141) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 138- 139) و «الدّرر الكامنة» (2/ 425) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 203) .
[2] انظر «الروض المعطار» ص (535) وقد ذكر فيه بأنها على ضفة النيل.

(8/344)


ومراغة أيضا بلدة من بلاد أذربيجان [1] خرج منها جماعة من الأئمة والمحدّثين، وهي بفتح الميم ليس إلا.
وفيها زين الدّين أبو حفص عمر بن عيسى بن عمر الباريني الشافعي [2] ، أحد مشايخ العلم بحلب.
ولد ببارين قرية من حماة [3] سنة إحدى وسبعمائة، وأخذ عن الشيخ شرف الدّين البارزي، وسمع من الحجّار وغيره، وسكن حلب.
وكان إماما، عالما، فاضلا، فقيها، فرضيا، نحويا، أديبا، شاعرا، بارعا، ورعا، زاهدا، أمّارا بالمعروف، نهاء عن المنكر. درّس بعدة مدارس، وأخذ عنه الشيخ شمس الدّين بن الرّكن، وشمس الدّين الببائي، وشرف الدّين الدّاديخي، وغيرهم. وألّف في الفرائض والعربية، وكتب المنسوب.
توفي بحلب في شوال ودفن خارج باب المقام، وقال فيه ابن حبيب:
حلب تغيّر حالها لمّا اختفى ... من فضل زين الدّين عنها ما ظهر
ومدارس الفقها بها قد أقفرت ... من بعد عامرها أبي حفص عمر
وفيها زين الدّين أبو حفص عمر بن محمد بن عمر بن محمود بن أبي بكر الحرّاني الأصل ثم الدمشقي الحنبلي [4] الشيخ الصّالح.
سمع من ابن القواس، والشرف بن عساكر، وعيسى المطعّم، وغيرهم.
وسمع «صحيح البخاري» على اليونيني، وحدّث وسمع منه الحسيني، وشهاب الدّين بن رجب، وذكراه في «معجميهما» .
__________
[1] انظر «معجم البلدان» (1/ 128) .
[2] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 17) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 274) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 133) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 147- 148) و «الدّرر الكامنة» (3/ 183- 184) و «بغية الوعاة» (2/ 222) .
[3] قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 320- 321) : بارين، مدينة حسنة بين حلب وحماة من جهة الغرب.
[4] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 272) و «الدّرر الكامنة» (3/ 190) و «المقصد الأرشد» (2/ 307) .

(8/345)


توفي في هذه السنة بدمشق ودفن بمقبرة السّالف ظاهر دمشق.
وفيها عماد الدّين محمد بن الحسن بن علي بن عمر القرشي الأموي الإسنائي المصري الشافعي [1] .
ولد بأسنا في حدود سنة خمس وتسعين وسبعمائة، واشتغل بها على والده في الفقه والفرائض والحساب، إلى أن مهر في ذلك، ثم ارتحل إلى القاهرة، وأخذ عن مشايخها، وأخذ بحماة عن القاضي شرف الدّين البارزي. وسمع من جماعة.
ذكره أخوه في «طبقاته» فقال: كان فقيها، إماما في علم الأصلين والخلاف والجدل وعلم التصوف، نظّارا، بحّاثا، فصيحا، حسن التّعبير عن الأشياء الدقيقة بالألفاظ الرّشيقة، ديّنا، خيّرا، كثير البرّ والصّدقة، رقيق القلب، طارحا للتكلف، مؤثرا للتقشف، برع في العلوم ولم يبق له في الأصلين والخلاف والجدل نظير، ولا من يقاربه في ذلك من أشياخه وغيرهم. صنّف مختصرا في علم الجدل سمّاه «المعتبر في علم النّظر» ثم وضع عليه شرحا جيدا. وصنّف في التصوف كتابا سمّاه «حياة القلوب» وتصنيفا في الردّ على النصارى. وناب في الحكم في القاهرة، وأضيف إليه نظر الأوقاف بها، وأوصى أن يعاد إلى من بعده قدر ما تناوله من المعلوم [2] .
توفي في شهر رجب ودفن بتربة أخيه بمقبرة الصّوفية.
وفيها صلاح الدّين محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن ابن شاكر بن هارون بن شاكر الكتبي الدّاراني ثم الدمشقي [3] المؤرّخ. سمع من ابن
__________
[1] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 17) و «ذيول العبر» ص (368) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 121- 122) و «الدّرر الكامنة» (3/ 421) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 182- 184) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 161- 163) .
[2] يعني من الراتب.
[3] انظر «ذيول العبر» ص (369) و «الوفيات» لابن رافع (3/ 263- 264) و «ذيل العبر» لابن العراقي ص (128) و «البداية والنهاية» (14/ 303) .

(8/346)


الشّحنة والمزّي، وغيرهما. وكان فقيرا جدا، ثم تعانى التجارة في الكتب فرزق منها مالا طائلا.
توفي في رمضان. قاله في «الدّرر» .
وفيها جمال الدّين أبو الثناء محمود بن محمد بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن تمّام بن حسين بن يوسف الدمشقي [1] الشافعي الخطيب.
ولد سنة سبع وسبعمائة، وسمع من جماعة، وحفظ «التعجيز» لابن يونس، وتفقّه على عمّه القاضي جمال الدّين، وتصدّر بالجامع الأموي، وأفتى ودرّس بالظّاهرية البرّانية، وناب في الحكم عن عمّه يوما واحدا، ثم ولي خطابة دمشق سنة تسع وأربعين، وأعرض عن الجهات التي في يده، واستمرّ في الخطابة إلى حين وفاته، مواظبا على الاشتغال [2] والإفتاء والعبادة. وكان معظّما، جاء إليه السلطان ويلبغا فلم يعبأ بهما، وسلّم عليهما وهو بالمحراب.
ذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال: شارك في الفضائل، وعني بالرّجال، ودرّس، وأشغل، وتقدم مع الدّين والتّصوف.
وقال السبكي في «الطبقات» : بعد ترجمة حسنة: قلّ أن رأيت نظيره.
توفي في شهر رمضان ودفن بسفح قاسيون.
__________
[1] انظر «ذيول العبر» ص (367- 368) و «المعجم المختص» ص (279) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 265- 266) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 385- 386) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 392- 393) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 129) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 184) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 346- 347) و «القلائد الجوهرية» (2/ 442- 443) .
[2] في «ط» : «الاشغال» وما جاء في «آ» موافق لما جاء في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف.

(8/347)


سنة خمس وستين وسبعمائة
توفي فيها أبو جعفر أحمد بن عبد الحقّ بن محمد بن عبد الحقّ المالكي المالقي الجدلي النحوي، يعرف بابن عبد الحق [1] .
قال في «تاريخ غرناطة» : من صدور أهل العلم، متضلع من صناعة العربية، حائز قصب السّبق فيها، عارف بالفروع والأحكام، مشارك في الأصول والأدب والطبّ، قائم على القراآت [2] تصدّر للإقراء ببلده، وقضى ببلّش وغيرها، فحسنت سيرته. قرأ على أبي عبد الله بن بكر، ولازمه، وتلا على أبي محمد بن أيوب، وروى عن أبي عبد الله الطّنجانيّ [3] وغيره.
مولده ثامن شوال سنة ثمان وتسعين وستمائة، ومات يوم الجمعة سابع عشري رجب.
وفيها شهاب الدّين أبو عبد الله أحمد بن محمد بن سليمان الشّيرجيّ [4] البغدادي الحنبلي [5] ، الشيخ الصّالح العالم.
سمع من الشيخ عفيف الدّين الدّواليبي «مسند الإمام أحمد» ومن علي بن
__________
[1] انظر «الإحاطة في تاريخ غرناطة» (1/ 180- 182) .
[2] في «الإحاطة» : «القراءات» .
[3] في «ط» : «الطلجاني» وهو خطأ.
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «السّرجي» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[5] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 265) و «المقصد الأرشد» (1/ 181) .

(8/348)


حصين، وقرأ بالروايات، واشتغل بالفقه، وأعاد بالمستنصرية. وكان فيه ديانة وزهد وخير، وله شعر مدح به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
توفي ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها شمس الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي التّتريّ [1] لأن التتار أسروه.
وقال الحسيني: لأن الفرنج أسروه سنة قازان.
سمع من سليمان بن حمزة، وتفقه في مذهب الإمام أحمد، وله مشايخ كثيرة. وحدّث، وسمع منه الحسيني، والمقرئ ابن رجب وذكراه في «معجميهما» وكان فاضلا، متعبدا، حسن الأخلاق والملتقى.
توفي بالصّالحية يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة ودفن عند جدّه الشيخ أبي عمر.
وفيها القاضي جمال الدّين أبو حفص عمر بن إدريس الأنباري ثم البغدادي الحنبلي [2] الشهيد الإمام الفاضل. قرأ على البابصري وغيره، وتفقه حتّى مهر في المذهب ونصره، وأقام السّنّة، وقمع البدعة ببغداد، وأزال المنكرات. وكان إماما في التّرسل والنّظم، وله نظم في مسائل الفرائض، وارتفع حتّى لم يكن في المذهب أجمل منه في زمانه، فغضب عليه جماعة من الرافضة، فظفروا به، فعاقبوه مدة، فصبر إلى أن توفي [3] شهيدا، وتأسف عليه أهل بغداد،
__________
[1] انظر «البداية والنهاية» (14/ 307) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 162) و «لحظ الألحاظ» ص (145) و «الدّرر الكامنة» (2/ 336) و «القلائد الجوهرية» (2/ 308) و «المقصد الأرشد» (2/ 99) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 446) و «الدّرر الكامنة» (3/ 154) و «المقصد الأرشد» (2/ 294- 296) .
[3] في «ط» : «إلى أن مات» .

(8/349)


ودفن بمقبرة الإمام أحمد بالمدرسة التي عمرها بها [1] ثم إن أعداءه أهلكهم الله تعالى وانتقم منهم جميعا سريعا، وفرح أهل بغداد بهلاكهم.
وفيها القاضي جمال الدّين عبد الصّمد بن خليل الخضري الحنبلي [2] محدّث بغداد، المدرّس بالبشيرية. كان يحدّث ويملي التفسير الرّسعني من حفظه، ويحضره الخلق، منهم المدرّسون والأكابر، وله ديوان شعر حسن، وخطب ووعظ، وقد مدح الشيخ تقي الدين الزّريراتي ورثاه، ورثى الشيخ تقي الدّين بن تيمية أيضا.
توفي ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها نور الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام البالسي الأصل الدمشقي الأصيل الفقيه الشافعي [3] .
ولد في رمضان سنة سبع عشرة وسبعمائة، وسمع من جماعة، وتفقّه ودرّس وحدّث.
قال ابن كثير: كان من العلماء الفضلاء، ودرّس بالناصرية البرّانية مدة سنين بعد أبيه وبغيرها.
وتوفي في ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون بزاويتهم.
وفيها القاضي تقي الدّين أبو اليمن محمد بن أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر العمري المكي الشافعي الحرازيّ [4] .
__________
[1] لفظة «بها» سقطت من «ط» .
[2] انظر «البداية والنهاية» (14/ 308) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 293) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 169) و «الدّرر الكامنة» (2/ 367) و «لحظ الألحاظ» ص (145) .
[3] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 311) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 285- 286) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 159) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 150- 151) و «الدّرر الكامنة» (3/ 409) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحوازي» وتصحفت في «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 176) إلى

(8/350)


ولد بمكّة سنة ست وسبعمائة، وسمع بها كثيرا، وتفقه على والده، ورحل إلى القاضي شرف الدّين البارزي، وأجازه بالفتوى والتدريس. وكان من الفضلاء، وصار إليه أمر الفتيا والتدريس بمكة، ثم ولي القضاء في سنة ستين، ثم أضيف إليه الخطابة، فباشرها نحو سنتين، ثم عزل عن ذلك كلّه في سنة ثلاث وستين بأبي الفضل النويري فلزم بيته حتّى مات لا يخرج منه إلّا لحج أو صلاة غالبا.
وكان في قضائه عفيفا نزها وإنما عزل بسبب حكم نقم عليه أنه أخطأ فيه.
توفي بمكة في جمادى الأولى.
وفيها القاضي تاج الدّين أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن إبراهيم ابن عبد الرحمن السّلمي المصري المناوي الشافعي [1] .
سمع من جماعة، وتفقه على عمّه ضياء الدّين المناوي وطبقته، ودرّس، وأفتى، وحدّث، وناب في الحكم عن القاضي عزّ الدّين ابن جماعة. وكان إليه الأمر في غيبته وحضوره، وولي قضاء العسكر، ودرّس بالمشهد الحسيني وجامع الأزهر، وخطب بالجامع الحاكمي.
ذكره الإسنوي في «طبقاته» وقال: كان محمود الخصال مشكور السيرة.
وقال غيره: كان مهابا، صارما، لكنه قليل البضاعة في العلوم، مع صرامته في القضاء والعمل بالحقّ والنّصرة للعدل، والدّربة بالأحكام، والاعتناء بالمستحقين من أهل العلم وغيرهم. وكان القاضي عزّ الدّين قد ألقى إليه مقاليد الأمور كلّها حتّى الأقاليم.
توفي في ربيع الآخر، ودفن بتربته بظاهر باب تربة الشّافعي.
__________
«الحزازي» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» (11/ 85) و «العقد الثمين» (1/ 367) و «الدّرر الكامنة» (3/ 348) .
[1] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 85) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 127) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 467) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 283) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 157) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 159) و «الدّرر الكامنة» (3/ 380- 381) .

(8/351)


وفيها السّيّد شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن عبد الله الحسيني الواسطي، نزيل الشّامية الجوانية الشّافعي المؤرّخ [1] .
ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، واشتغل وفضل، ودرّس بالصّارمية، وأعاد بالشّامية البرّانية، وكتب الكثير نسخا وتصنيفا بخطّه الحسن.
فمن تصنيفه «مختصر الحلية» لأبي نعيم في مجلدات، سمّاه «مجمع الأحباب» و «تفسير» كبير، و «شرح مختصر ابن الحاجب» في ثلاث مجلدات، وكتاب في أصول الدّين مجلد. وكتاب في الردّ على الإسنوي في تناقضه.
وكان منجمعا عن الناس وعن الفقهاء خصوصا.
توفي في ربيع الأول ودفن عند مسجد القدم.
وفيها العارف بالله المحقّق محمد بن محمد بن محمد المعروف بسيدي محمد وفا والد بني وفا المشهورين الإسكندري الأصل [2] المالكيّ المذهب الشّاذليّ طريقة.
ولد بثغر الإسكندرية سنة اثنتين وسبعمائة، ونشأ بها، وسلك طريقة الشيخ أبي الحسن الشّاذلي، وتخرّج على يد الأستاذ ابن باخل، ثم رحل إلى إخميم، وتزوج بها، واشتهر هناك، وصار له سمعة ومريدون وأتباع كثيرة، ثم قدم مصر وسكن الرّوضة على شاطئ النّيل، وحصل له قبول من أعيان الدولة وغيرهم، وكان له فضيلة ومشاركة حسنة ونظم ونثر ومعرفة بالأدب، وكثر أصحابه، وصاروا يبالغون في تعظيمه، وكان لوعظه تأثير في القلوب، ثم سكن القاهرة، ولم يزل أمره يشتهر وذكره ينتشر مع جميل الطريقة وحسن السيرة إلى أن توفي يوم الثلاثاء
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 328) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 160- 161) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 328) .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 158) و «الدليل الشافي» (2/ 693- 694) و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 142) .

(8/352)


حادي عشر ربيع الآخر ودفن بالقرافة وقبره مشهور يزار. قاله في «المنهل الصّافي» .
وفيها محبّ الدّين محمد بن علي بن مسعود الطّرابلسي، المعروف بابن الملّاح النّحوي [1] .
قال في «الدّرر» : كان عارفا بالعربية، وافر الدّيانة، جيد النّظم والكتابة، مات بطرابلس.
وفيها فتح الدّين أبو الحرم محمد بن محمد بن محمد بن أبي الحرم بن أبي الفتح القلانسي الحنبلي المسند [2] .
ولد في ثالث عشر ذي الحجّة سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وسمع الكثير من ابن حمدان، والأبرقوهي، وغيرهما. وحدّث فسمع منه المقرئ ابن رجب، وذكره في «مشيخته» وقال: فيه صبر وتودد على التحدّث، سمعت عليه بالقاهرة أجزاء، منها «السّباعيات» و «الثمانيات» .
توفي بالقاهرة في جمادى الأولى.
وفيها تقي الدّين [اليونيني] محمد بن الشيخ الإمام المؤرّخ قطب الدّين موسى بن محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن عيسى بن أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه [3] ، هكذا نقل هذا النسب والده المؤرخ قطب الدّين الحنبلي.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 90) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 176) و «لحظ الألحاظ» ص (147) و «بغية الوعاة» (1/ 192) .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (256) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 284) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 160- 161) و «الدّرر الكامنة» (4/ 235) و «لحظ الألحاظ» ص (147) و «المقصد الأرشد» (2/ 522- 523) و «الجوهر المنضد» ص (138) .
[3] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 269) و «المقصد الأرشد» (2/ 521- 522) .

(8/353)


سمع من أولاد عمه محمد [1] وأمة العزيز، وفاطمة، وزينب أولاد الشيخ شرف الدّين اليونيني.
وكان رضيّ النّفس، قليل الكلام، حسن الخلق، كثير الأدب، يحمل حاجته بنفسه.
توفي يوم الأحد ثالث ذي الحجّة.
__________
[1] لفظة «محمد» سقطت من «ط» .

(8/354)