شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وستين وسبعمائة
فيها حصل بمكّة والشّام غلاء شديد.
وفيها توفي قطب الدّين أبو عبد الله محمد وقيل محمود بن محمد الرّازي القطب المعروف بالتّحتانيّ [1] تمييزا له عن قطب آخر. كان ساكنا معه بأعلى المدرسة الظّاهرية.
كان شافعيا، إماما، ماهرا في علوم المعقول، أحد أئمتها، اشتغل في بلاده بها فأتقنها، وشارك في العلوم الشّرعية، وأخذ عن العضد وغيره بدمشق، وشرح «الحاوي» و «المطالع» و «الإشارات» وكتب على «الكشّاف» حاشية، وشرح الشمسية في المنطق.
قال السيوطي: قال شيخنا الكافيجي: السّيّد، والقطب التّحتانيّ، لم يذوقا علم العربية بل كانا حكيمين.
وقال السّبكي في «الطبقات الكبرى» : إمام مبرّز في المعقولات، اشتهر اسمه وبعد صيته، ورد إلى دمشق سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وبحثنا معه فوجدناه إماما في المنطق والحكمة، عارفا بالتفسير والمعاني والبيان، مشاركا في النحو، يتوقد ذكاء.
__________
[1] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 87) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 299- 300) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 322) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 183- 184) و «الدّرر الكامنة» (4/ 339) و «بغية الوعاة» (2/ 281) و «القلائد الجوهرية» (1/ 239) .

(8/355)


وقال ابن كثير: كان أحد المتكلمين العالمين بالمنطق وعلم الأوائل، وله مال وثروة.
توفي في ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون.
وفيها الشيخ نور الدّين محمد بن محمود الإمام الفقيه الحنبلي [المحدّث المعيد] المقرئ البغدادي [1] .
سمع وخرّج، وقرأ وأقرأ، وتميّز. وولي الحديث بمسجد يانس بعد القاضي جمال الدّين عبد الصمد المذكور قريبا.
توفي ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه.
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (458) من مصورة مكتبتي الخاصة، وما بين الحاصرتين زيادة منه.

(8/356)


سنة سبع وستين وسبعمائة
في يوم الأربعاء ثاني عشر محرمها، وصل فرنج أهل قبرس [1] إلى الإسكندرية في سبعين قطعة، فعاثوا ونهبوا، وأفسدوا وقتلوا، وأسروا ورجعوا إلى بلادهم، فعندها شرعت الدولة في عمل مراكب وعمارة بقصد قبرس [1] .
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن العلّامة شمس الدّين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية الحنبلي [2] .
سمع من ابن الشّحنة وغيره، واشتغل في أنواع العلوم، وأفتى ودرّس وناظر.
ذكره الذهبي في «معجمه المختص» فقال: تفقّه بأبيه، وشارك في العربية، وسمع وقرأ، وتنبّه، وأسمعه أبوه بالحجاز، وطلب بنفسه، ودرّس بالصّدرية والتدمرية، وله تصدير بجامع الأموي، وشرح «ألفية ابن مالك» وسمّاه: «إرشاد السّالك إلى حلّ ألفية ابن مالك» وكان له أجوبة مسكتة. انتهى.
توفي ببستانه بالمزّة يوم الجمعة مستهل صفر وصلّي عليه بجامعها، ثم بجامع جراح، ودفن عند والده بباب الصّغير وبلغ من العمر ثمانيا وأربعين سنة، وترك مالا كثيرا.
وفيها ستّ العرب بنت محمد بن الفخر علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري [3] الشّيخة الصّالحة الحنبلية المسندة المكثرة.
__________
[1] المعروفة الآن ب «قبرص» .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (66- 67) و «البداية والنهاية» (14/ 314) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 303) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 195) و «الدّرر الكامنة» (1/ 58) .
[3] انظر «المقصد الأرشد» (1/ 433- 435) .

(8/357)


حضرت على جدّها كثيرا، وعلى عبد الرحمن بن الزّين وغيرهما، وحدّثت، وانتشر عنها حديث كثير، وسمع منها الحافظان العراقي والهيثمي، والمقرئ ابن رجب وذكرها في «معجمه» .
قال ابن رافع [1] : طال عمرها، وانتفع بها.
توفيت بدمشق ليلة الأربعاء مستهل جمادى الأولى ودفنت بسفح قاسيون، وتقدم ذكر ولدها شمس الدّين محمد.
وفيها قاضي القضاة عزّ الدّين أبو عمر عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الأصل الدمشقي المولد المصري الشافعي [2] .
ولد بدمشق في المحرّم سنة أربع وتسعين وستمائة، ونشأ في طلب العلم، وسمع الكثير، وشيوخه سماعا وإجازة يزيدون على ألف وثلاثمائة. قاله ابن قاضي شهبة.
وتفقه على والده والوجيزي وغيرهما، وأخذ الأصلين عن الباجي، والنحو عن أبي حيّان، وولي قضاء الدّيار المصرية مدة طويلة، وجعل النّاصر إليه تعيين قضاة الشام.
وحدّث، وأفتى، وصنّف، وكان كثير الحجّ والمجاورة. وكان مع نائبه القاضي تاج الدّين المناوي كالمحجور عليه، له الاسم والمناويّ هو القائم بأعباء المنصب. فلما مات عجز القاضي عزّ الدّين عن القيام به فاستعفى، وكان يعاب بالإمساك ولم يحفظ عنه في دينه ما يشينه.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن قانع» والنقل عند ابن رافع في «الوفيات» .
[2] انظر «المعجم المختص» (147- 148) و «النجوم الزاهرة» (11/ 89) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 79- 81) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 388- 390) و «العقد الثمين» (5/ 457- 460) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 305- 307) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 200) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 135) و «الدّرر الكامنة» (2/ 378- 382) .

(8/358)


ذكره الذهبي في «المعجم المختص» وقد مات قبله بنحو عشرين سنة، وقال فيه: الإمام، المفتي، الفقيه، المدرّس، المحدّث. قدم علينا بوالده طالب حديث في سنة خمس وعشرين، فقرأ الكثير، وسمع وكتب الطّباق، وعني بهذا الشأن.
وكان خيّرا، صالحا، حسن الأخلاق، كثير الفضائل، سمعت منه وسمع منّي. انتهى.
وكان يقول: أشتهي أن أموت بأحد الحرمين معزولا عن القضاء فنال ما تمنى، فإنه استعفى من القضاء في السنة التي قبلها، وحجّ فمات في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بعقبة باب المعلاة [1] إلى جانب قبر الفضيل بن عياض، بينه وبين أبي القاسم القشيري.
وفيها الملك المجاهد صاحب اليمن علي ابن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول [2] .
ولي السلطنة بعد أبيه في ذي الحجّة سنة إحدى وعشرين، وثار عليه ابن عمّه الظّاهر بن المنصور فغلبه، وقبض عليه، ثم استقرّت بلاد اليمن بيد الظّاهر، وجعل تعزّ بيد المجاهد، ثم حاصره، فخرّبت من الحصار، ثم كاتب المجاهد الناصر صاحب مصر، فأرسل له عسكرا إلى أن آل أمره بعد قصص طويلة إلى أن استولى المجاهد على البلاد اليمنية جميعا.
وحجّ في سنة اثنتين وأربعين وكسا الكعبة، وفرّق هناك مالا كثيرا، ولما رجع وجد [3] ولده غلب على المملكة ولقّب المؤيد، فحاربه إلى أن قبض عليه، وقتله.
ثم حجّ في سنة إحدى وخمسين، فقدم بخيله على محمل المصريين، فاختلفوا
__________
[1] في «آ» و «ط» : «المعلى» والصواب ما أثبته، وقد سبق التنبيه على هذا التحريف من قبل في جزء متقدم.
[2] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 91) و «الدّرر الكامنة» (3/ 49) و «معجم الأنساب والأسرات الحاكمة» لزامباور ص (184- 185) وترجم له الحافظ السّخاوي ترجمة موسعة في «الذيل التام على دول الإسلام» الورقة (126) من المنسوخ.
[3] في «آ» و «ط» : «وجده» .

(8/359)


ووقع بينهم الحرب، فأسر المجاهد، وحمل إلى القاهرة، فأكرمه السلطان الناصر وحلّ قيده، وقرّر عليه مالا يحمله، وخلع عليه، وجهّزه إلى بلاده، واستمر إلى هذه السنة، فمات.
وتسلطن بعده ولده الأفضل عبّاس.
وفيها شمس الدّين محمد بن يوسف بن عبد القادر بن يوسف بن سعد الله بن مسعود الخليلي الحنبلي العدل [1] . سمع من سليمان بن حمزة، وعيسى المطعّم، وغيرهما. وحدّث، فسمع منه الحسيني وقال: خرّجت له «مشيخة» و «جزءا» من عواليه، وتفقه، وشهد على الحكّام، مع الصّيانة والرئاسة والتعفّف، وقد أجاز للشّهاب ابن حجّي.
توفي يوم الأربعاء ثامن عشري شوال ودفن بسفح قاسيون.
وفيها مجد الدّين أبو الفضل محمد بن محمد بن عيسى بن محمود بن عبد الضّيف بن أبي عبد الله الأنصاري البعلبكي الشافعي [2] ، قاضي بعلبك، وابن قاضيها.
ولد سنة إحدى وسبعمائة في رجب، واجتهد في الطلب، ودأب. وكان من الأئمة الحفّاظ والعلماء الراسخين. قاله العلّامة ابن ناصر الدّين [3] .
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 297) و «المقصد الأرشد» (2/ 542) و «القلائد الجوهرية» (2/ 401) .
[2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 319- 320) و «الدّرر الكامنة» (4/ 206- 207) و «النجوم الزاهرة» (11/ 98) و «لحظ الألحاظ» ص (151) .
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (190/ ب- 191/ آ) .

(8/360)


سنة ثمان وستين وسبعمائة
فيها كانت زلزلة هائلة بصفد.
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عثمان بن أبي بكر بن بصيص أبو العبّاس الزّبيدي [1] .
قال الخزرجي: كان وحيد دهره في النحو واللغة والعروض، متفنّنا لوذعيّا، حسن السيرة، سهل الأخلاق، مبارك التّدريس.
أخذ النحو عن جماعة، وأخذ عنه أهل عصره، وإليه انتهت الرئاسة في النحو، هرعت إليه الناس [2] من أقطار اليمن.
وشرح مقدمة ابن بابشاذ شرحا جيدا لم يتم، وله منظومة في القوافي والعروض، وغير ذلك، وكان بحرا لا ساحل له.
مات يوم الأحد حادي عشري شعبان.
وفيها آقبغا الأحمدي الجلب [3] .
قال في «الدّرر» : لا لا الملك الأشرف شعبان. كان من خواص يلبغا، ثم كان ممن اتفق على قتله [4] ، واستقرّ بعده أميرا كبيرا، ثم وقع بينه وبين استدمر فآل أمره إلى أن مات في سجن الإسكندرية في ذي القعدة.
__________
[1] انظر «العقود اللؤلؤية» (1/ 111) و «بغية الوعاة» (1/ 335) و «معجم المؤلفين» (1/ 310) .
[2] في «ط» : «رحل الناس إليه» .
[3] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 391- 392) .
[4] في «الدّرر الكامنة» : «ممن اتفق مع قتلته» .

(8/361)


وفيها عفيف الدّين أبو محمد عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان بن فلاح شيخ الحجاز اليافعي اليمني ثم المكيّ الشافعي [1] .
ولد قبل السبعمائة بقليل، وكان من صغره تاركا لما يشتغل به الأطفال من اللّعب، فلما رأى والده آثار الفلاح عليه ظاهرة بعث به إلى عدن، فاشتغل بالعلم، وأخذ عن العلّامة أبي عبد الله البصّال وغيره، وعاد إلى بلاده، وحببت إليه الخلوة والانقطاع والسياحة في الجبال، وصحب الشيخ علي الطواشي، وهو الذي سلّكه الطريق، ثم لازم العلم، وحفظ «الحاوي الصغير» و «الجمل» للزّجاجي، ثم جاور بمكّة، وتزوج بها.
ذكره الإسنوي في «طبقاته» وختم به كتابه، وذكر له ترجمة طويلة، وقال:
كان إماما، يسترشد بعلومه ويقتدى، وعلما يستضاء بأنواره ويهتدى.
صنّف تصانيف [2] كثيرة في أنواع العلوم، إلا أن غالبها صغير الحجم، معقود لمسائل مفردة، وكثير من تصانيفه نظم، فإنه كان يقول الشعر الحسن الكثير بغير كلفة.
ومن تصانيفه: قصيدة مشتملة على قريب من عشرين علما إلّا أن بعضها متداخل، كالتصريف مع النحو، والقوافي مع العروض، ونحو ذلك.
وكان يصرف أوقاته في وجوه البرّ وأغلبها في العلم، كثير الإيثار والصّدقة، مع الاحتياج، متواضعا مع الفقر، مترفعا عن أبناء الدّنيا، معرضا عمّا في أيديهم.
وكان نحيفا، ربعة من الرجال، مربّيا للطلبة والمريدين، ولهم به جمال وعزّة، فنعق بهم غراب التفريق، وشتّت شمل سالكي الطريق، فتنكرت [3] طباعه، وبدت أوجاعه، فشكا من رأسه ألما، و [من] جسمه سقما، وأقام أياما قلائل.
__________
[1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 313- 314) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 579- 583) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 225) و «الدّرر الكامنة» (2/ 247- 249) و «العقد الثمين» (5/ 104- 115) و «لحظ الألحاظ» ص (152) .
[2] في «آ» و «ط» : «تصانيفا» .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «سكرت» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 582) مصدر المؤلف.

(8/362)


وتوفي وهو إذ ذاك فضيل مكّة وفاضلها، وعالم الأبطح وعاملها، يرتفع ببركة دعائه عنها الويل، وينصبّ الوبل، وتنفتح [1] أبواب السماء، فيحضر [2] منها العالي ويسيل السّافل. انتهى.
وقال ابن رافع: [اشتهر ذكره وبعد صيته] [3] وصنّف كتبا، منها: «مرهم العلل المعضلة» في أصول الدّين، و «الإرشاد والتّطريز» في التّصوف، وكتاب «نشر المحاسن» وكتاب «نشر الرّوض العطر في حياة سيدنا أبي العبّاس الخضر» وغير ذلك.
وكان يتعصب للأشعري، وله كلام في ذمّ ابن تيميّة، ولذلك غمزه بعض من يتعصب لابن تيميّة من الحنابلة وغيرهم.
ومن شعره:
وقائلة ما لي أراك مجانبا ... أمورا وفيها للتّجارة مربح
فقلت لها ما لي بربحك حاجة ... فنحن أناس بالسّلامة نفرح
توفي بمكّة في جمادى الآخرة، ودفن بمقبرة باب المعلاة جوار الفضيل بن عياض.
واليافعي: نسبة إلى يافع، بالياء والفاء والعين المهملة، قبيلة من قبائل اليمن من حمير.
وفيها نجم الدّين عبد الجليل بن سالم بن عبد الرحمن الرّويسوني الحنبلي [4] الإمام الجليل القدوة.
اشتغل بالعلم، وحفظ «المحرّر» في الفقه، وأعاد بالقبة البيبرسية. وكان حسن الأخلاق، متواضعا، من أعيان الحنابلة بمصر.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وتفتح» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي.
[2] في «آ» و «ط» : «فيحص» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي.
[3] ما بين القوسين لم يرد في «الوفيات» لابن رافع الذي بين يدي.
[4] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 313) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 224) و «المقصد الأرشد» (2/ 137) و «لحظ الألحاظ» ص (152) .

(8/363)


توفي بالقاهرة يوم الخميس تاسع عشري ربيع الأول.
ورويسون: من أعمال نابلس.
وفيها عبد الوهاب بن أحمد بن وهبان الدمشقي الحنفي [1] .
قال في «الدّرر» : ولد قبل الثلاثين وسبعمائة، ومهر في الفقه والعربية والقراءات [والأدب] . ودرّس، وولي قضاء حماة. وكان مشكور السيرة، ماهرا في الفقه والعربية [2] ونظم قصيدة رائية من الطويل ألف بيت، ضمّنها غرائب المسائل في الفقه، وشرحها، وهي نظم [جيد] متمكن.
مات في ذي الحجّة.
وفيها محيي الدّين محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة [3] الشّاعر المشهور المتقدم.
تعانى الأدب، ونظم وسطا، وكتب النسخ وقلم الحاشية والغبار، وتكسّب من ذلك بدمشق، وقدم القاهرة بعد السبعين، ومات بها بالقرب من ذلك. كذا قال في الدرر، وجزم مختصر ضوء السخاوي [4] أنه توفي في هذه السنة.
وفيها يلبغا بن عبد الله الخاصكي النّاصري [5] الأمير الكبير الشهير، أول ما أمّره النّاصر حسن مقدم ألف بعد موت تنكز، ثم كان يلبغا رأس من قام على أستاذه الناصر حسن، حتّى قتل، وتسلطن المنصور محمد بن حاجي، فاستقرّ
__________
[1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 232) و «تاج التراجم» ص (138) بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح نفع الله تعالى به، و «الدّرر الكامنة» (2/ 423- 424) و «لحظ الألحاظ» ص (152) و «بغية الوعاة» (2/ 123) .
[2] في «الدّرر الكامنة» : «في الفقه والأدب» وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه.
[3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 311- 312) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 219) و «الدّرر الكامنة» (4/ 216- 223) .
[4] هو عمر بن أحمد بن علي الشماع الحلبي، المتوفى سنة (936) هـ، وسترد ترجمته في الجزء العاشر من الكتاب إن شاء الله تعالى، ومختصره هو «القبس الحاوي لغرر ضوء السخاوي» .
[5] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 216) و «الدّرر الكامنة» (4/ 438- 440) .

(8/364)


أتابكه، ثم خلعه في شعبان سنة أربع وستين، وتسلطن الأشرف شعبان، فتناهت إلى يلبغا الرئاسة ولقّب نظام الملك، وصار إليه الأمر والنّهي، وهو السّلطان في الباطن والأشرف بالاسم، وارتقى إلى أن صار العدد الكثير من مماليكه نواب البلاد، ومقدّمي ألوف، واستكثر من المماليك الجلبان، وبالغ في الإحسان إليهم والإكرام حتّى صاروا يلبسون الطّرر الذهبية العريضة، فإذا وقعت الشمس عليهم تكاد من شدّة لمعانها تخطف البصر، وبلغت عدة مماليكه ثلاثة آلاف، وكان يسكن الكبش بالقرب من قناطر السّباع، وكان موكبه أعظم المواكب، وأمنت في زمنه الطّرقات من العربان والتّركمان لقطعه أخبارهم [1] وآثارهم، وكان في زمنه وقعة الإسكندرية، وأخذ الفرنج لها في أوائل سنة سبع وستين، فقام أتمّ قيام، ونزعها من أيديهم، وصادر جميع النّصارى والرّهبان، واستنقذ من جميع الديار ما بها من الأموال فحصل [2] على شيء كثير جدا، حتّى يقال: اجتمع عنده اثنا عشر ألف صليب، منها صليب ذهب زنته عشرة أرطال مصرية. وكانت له صدقات كثيرة على طلبة العلم ومعروف كثير في بلاد الحجاز، وهو الذي حطّ المكس عن الحجّاج بمكّة، وعوّض أمراءها بلدا بمصر، وكان يتعصب للحنفية، حتى كان يعطي لمن يتمذهب لأبي حنيفة العطاء الجزيل، ورتّب لهم الجامكيات الزائدة، فتحول جمع من الشافعية لأجل الدنيا حنفية، وحاول في آخر عمره أن يجلس الحنفيّ فوق الشافعي فعاجله القتل، وذلك أن مماليكه منهم اقبغا المتقدم ذكره في أول هذه السنة، اجتمعوا على قتله ففرّ، ثم جاء طائعا في عنقه منديل، فأمر السلطان بحبسه، ثم أذن في قتله، وذلك في ربيع الآخر. قاله في «الدّرر» .
__________
[1] في «ط» : «أجنادهم» وهو خطأ.
[2] في «ط» : «تحصل» وهو خطأ.

(8/365)


سنة تسع وستين وسبعمائة
في ثاني عشري محرّمها طرق الفرنج طرابلس في مائة وثلاثين مركبا، فقتلوا وأسروا، وأفسدوا ونهبوا، ورجعوا.
وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن لؤلؤ المصري الشافعي [1] .
ولد سنة اثنتين وسبعمائة، واشتغل بالعلم وله عشرون سنة، فأخذ الفقه عن التّقي السّبكي، والقطب السّنباطي، وغيرهما. وأخذ النحو عن أبي حيّان، وبرع واشتغل بالعلم، وانتفع به الناس، وتخرّج به فضلاء، وحدّث، وصنّف تصانيف نافعة، منها «مختصر الكفاية» في ست مجلدات، و «نكت المنهاج» في ثلاث مجلدات. وهي كثيرة الفائدة، وكتاب على «المهذّب» في مجلدين، و «تهذيب التّنبيه» مختصر نفيس.
ذكره صاحبه الإسنوي فقال: كان عالما بالفقه، والقراءات، والتفسير، والأصول، والنحو، يستحضر من الأحاديث شيئا كثيرا، أديبا، شاعرا، ذكيا، فصيحا، صالحا [2] ، ورعا، متواضعا، طارحا للتكلّف، متصوفا. كثير البرّ والمروءة، حسن الصوت بالقراءة، كثير الحجّ والمجاورة بمكّة والمدينة. وافر العقل، مواظبا على الاشتغال والإشغال والتصنيف، لا أعلم في أهل العلم بعده
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 514- 515) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 260- 262) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 106- 108) و «الدّرر الكامنة» (1/ 239) و «النجوم الزاهرة» (11/ 101) و «حسن المحاضرة» (1/ 434) .
[2] لفظة «صالحا» سقطت من «طبقات الشافعية» للإسنوي المطبوع الذي بين يدي فلتستدرك.

(8/366)


من اشتمل على صفاته، ولا على أكثرها. ولم يكتب على فتوى تورعا، ولم يل تدريسا. وكان كثير الانبساط، حلو النّادرة، فيه دعابة زائدة.
توفي في شهر رمضان بمصر، ودفن بتربة الشيخ جمال الدّين الإسنوي خارج باب النّصر.
وفيها عز الدّين أبو يعلى حمزة بن موسى بن أحمد بن الحسين بن بدران [1] الإمام العلّامة الحنبلي المعروف بابن شيخ السّلامية.
سمع من الحجّار، وتفقه على جماعة، ودرّس بالحنبلية وبمدرسة السلطان حسن بالقاهرة، وأفتى وصنّف تصانيف عدة، منها على «إجماع» ابن حزم استدراكات جيدة، وشرح على «أحكام» المجد بن تيميّة، وجمع على «المنتقى في الأحكام» عدة مجلدات، وله كتاب نقض الإجماع، واختار بيع الوقف للمصلحة موافقة لابن قاضي الجبل وغيره، وصنّف فيه مصنّفا سمّاه «رفع الماقلة في منع المناقلة» . وكان له اطلاع جيد ونقل مفيد على مذاهب العلماء المعتبرين، واعتناء بنصوص أحمد وفتاوى الشيخ تقي الدّين بن تيميّة. وله فيه اعتقاد صحيح وقبول لما يقوله وينصره ويوالي عليه ويعادي فيه، ووقف درسا وكتبا بتربته بالصّالحية، وعيّن لذلك الشيخ زين الدّين بن رجب.
توفي بالصّالحية ليلة الأحد حادي عشري ذي الحجّة، ودفن عند والده وجدّه عند جامع الأفرم.
وفيها بهاء الدّين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل الشافعي [2] .
__________
[1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 337- 338) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 267- 268) و «الدّرر الكامنة» (2/ 77) و «الدليل الشافي» (1/ 279) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 75- 76 و 260) و «القلائد الجوهرية» (2/ 325 و 422) و «المقصد الأرشد» (1/ 362- 364) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 239- 240) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 326- 328) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 245- 248) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة

(8/367)


قال ابن شهبة: رئيس العلماء، وصدر الشافعية بالدّيار المصرية، العقيلي الطّالبي البالسي الحلبي ثم المصري.
ولد سنة أربع وتسعين وستمائة [وقيل: سنة سبعمائة] [1] وسمع الحديث، وأخذ الفقه عن الزّين بن الكتّاني [2] وغيره، وقرأ النحو على أبي حيّان، ولازمه في ذلك اثنتي عشرة سنة، حتى قال أبو حيّان: ما تحت أديم السماء أنحى من ابن عقيل. وأخذ الأصول والفقه عن العلاء القونوي ولازمه، وقرأ القراءات على التّقي الصّايغ، واشتهر اسمه وعلا ذكره، وناب في الحكم عن القاضي جلال الدّين، ثم عن العزّ بن جماعة، ودرّس بزاوية الشافعي بمصر في آخر عمره، وولي التفسير بالجامع الطّولوني، وختم به القرآن تفسيرا في مدة ثلاث وعشرين سنة، ثم شرع بعد ذلك من أول القرآن، فمات في أثناء ذلك، وشرح «الألفية» شرحا متوسطا حسنا لكنه اختصر في النصف الثاني جدا. وشرح «التسهيل» شرحا متوسطا سمّاه ب «المساعد» ، وشرع في تفسير مطوّل وصل فيه إلى أثناء [سورة] النساء، وله آخر لم يكمله سماه ب «التعليق الوجيز على كتاب العزيز» .
وقال ابن رافع [3] : كان قويّ النّفس، تخضع له الدولة، ولا يتردد إلى أحد، وعنده حشمة بالغة وتنطع زائد في الملبس والمأكل. وكان لا يبقي على شيء.
ومات وعليه دين، وقد ولي القضاء نحو ثمانين يوما، وفرّق على الطلبة والفقهاء في ولايته مع قصرها نحو ستين ألف درهم، يكون أكثر من ثلاثة آلاف دينار.
وذكره الإسنوي في «طبقاته» ولم ينصفه، وفي كلامه تحامل عليه، وكان فيه لثغة.
__________
(3/ 29- 132) و «الدّرر الكامنة» (2/ 266- 269) و «النجوم الزاهرة» (11/ 100- 101) و «حسن المحاضرة» (1/ 537) و «بغية الوعاة» (2/ 47- 48) و «درة الحجال» (3/ 65- 66) .
[1] ما بين الحاصرتين مستدرك من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف.
[2] تحرفت في متن «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة إلى «الكتناني» وجاء الصواب في حاشية التحقيق منه في أسفل الصفحة. وهو مترجم في «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 358) .
[3] لم أر هذا النقل عند ابن رافع في «الوفيات» الذي بين يدي وإنما نقلها المؤلّف رحمه الله عن «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة بتصرف وهي عند ابن شهبة معزوة لابن رافع.

(8/368)


وروى عنه سبطه جلال الدّين، والجمال بن ظهيرة، والولي العراقي.
ومات بالقاهرة ليلة الأربعاء ثالث عشري ربيع الأول ودفن بالقرب من الإمام الشافعي.
ومن شعره:
قسما بما أوليتم من فضلكم ... للعبد عند قوارع الأيّام [1]
وفيها قاضي القضاة موفق الدّين أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن عبد الباقي الحجّاوي [2] الحنبلي، الإمام العلّامة قاضي القضاة بالدّيار المصرية.
سمع الحديث بالقاهرة من ابن الصوّاف وطبقته، وحدّث، فسمع منه الحافظان الزّين العراقي والهيثمي، وتفقه وأفتى، ودرّس، وباشر القضاء من سنة ثمان وثلاثين إلى أن توفي.
ذكره الذهبي في «معجمه المختص» فقال: عالم ذكيّ خيّر، صاحب مروءة وديانة وأوصاف حميدة. [وله يد طولى في المذهب] [3] وقدم علينا، وهو طالب حديث سنة سبع عشرة، فسمع من ابن عبد الدائم، وعيسى المطعّم، وعني بالرواية، وهو ممن أحبه [في] الله، وحمدت سيرته في القضاء، وانتشر في أيامه مذهب أحمد بالديار المصرية وكثر فقهاء الحنابلة بها. انتهى.
وأثنى عليه الأئمة، منهم أبو زرعة ابن العراقي، وابن حبيب.
__________
[1] وأتبعه السيوطي في «بغية الوعاة» ببيت آخر هو:
ما غاض ماء وداده وثنائه ... بل ضاعفته سحائب الإنعام
[2] انظر «المعجم المختص» ص (127- 128) و «الوافي بالوفيات» (17/ 596- 597) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 239- 241) و «الدّرر الكامنة» (2/ 297- 298) و «النجوم الزاهرة» (11/ 99) و «المقصد الأرشد» (2/ 58- 60) و «الجوهر المنضد» ص (74- 75) وقد تصحفت «الحجّاوي» فيه إلى «الحجازي» فلتصحح.
[3] ما بين القوسين لم يرد في «المعجم المختص» .

(8/369)


توفي نهار الخميس سابع عشري المحرم بالقاهرة، ودفن بتربته التي أنشأها خارج باب النصر.
وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي بكر بن أيوب بن سعد أخو شمس الدّين بن قيّم الجوزية الحنبلي [1] .
كان إماما قدوة. سمع من ابن عبد الدائم وعيسى المطعّم، والحجّار. وحدّث.
وذكره ابن رجب في «مشيخته» وقال: سمعت عليه كتاب «التوكّل» لابن أبي الدنيا بسماعه على الشّهاب العابد [2] ، وتفرّد بالرواية عنه.
توفي ليلة الأحد ثامن عشري ذي الحجّة وصلّي عليه من الغد بجامع دمشق، ودفن بالباب الصغير.
وفيها القاضي صدر الدّين أبو عبد الله محمد ابن أبي بكر بن عيّاش بن عسكر، المعروف بابن الخابوري [3] الشافعي، شيخ [4] طرابلس وخطيبها ومفتيها.
أخذ عن البرهان الفزاري، والزّين بن الزّملكاني، ودخل مصر، أخذ عن علمائها. وسمع وحدّث وأشغل [5] وأفاد، وولي القضاء بصفد مدة، وكانت تأتيه الفتاوى من البلاد البعيدة. جاء رجل بفتوى إلى الشيخ فخر الدّين المصري، فقال له: من أين أنت؟ قال: من صفد، فقال: عندكم مثل ابن الخابوري وتسألنا هو أعلم منا؟ ورد الفتوى. ثم نقل إلى قضاء طرابلس، ثم عزل واستمرّ على الخطابة.
__________
[1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 339) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 269- 270) و «الدّرر الكامنة» (2/ 326) و «المقصد الأرشد» (2/ 83- 84) و «الجوهر المنضد» ص (57) .
[2] في «ط» : «العابر» وهو خطأ.
[3] انظر «البداية والنهاية» (14/ 107) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 322) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 238- 239) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 148- 150) و «الدّرر الكامنة» (3/ 406- 407) .
[4] لفظة «شيخ» سقطت من «آ» .
[5] في «ط» : «واشتغل» وهو خطأ وما جاء في «آ» موافق لما عند ابن شهبة مصدر المؤلف.

(8/370)


قال ابن كثير: كان فقيها، جيدا، مستحضرا للمذهب، له اعتناء جيد، وقد أذن لجماعة بالإفتاء.
توفي بالمحرّم وقد جاوز السبعين، ووالده كان قاضي بعلبك.
قال ابن كثير: كان أكبر أصحاب الشيخ تاج الدّين الفزاري.
توفي بدمشق في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة عن سبعين سنة.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن محمد بن يوسف بن قدامة الشيخ المسند المعمّر الأصيل الحنبلي [1] .
ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة، وحضر على ابن البخاري، وتفرّد عنه برواية «جزء ابن نجيب» وسمع منه الحافظان الزّين العراقي والنّور الهيثمي، والشيخ شهاب الدّين بن حجي.
توفي يوم الثلاثاء ثاني ذي الحجّة بالصّالحية ودفن بقاسيون.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عبد اللطيف الحرّاني ثم المصري [2] الحنبلي، الإمام القدوة.
سمع «صحيح البخاري» على الحجّار، وسمع أيضا على حسن الكردي وغيره، وحدّث، فسمع منه أبو زرعة العراقي توفي في رمضان بالقاهرة.
وفيها قاضي القضاة جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن محمد بن التّقي عبد الله بن محمد بن محمود الشيخ الإمام العلّامة الصّالح الخاشع، شيخ الإسلام المرداوي الحنبلي [3] .
__________
[1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 337) و «ذيل العبر» (1/ 267) و «الدّرر الكامنة» (3/ 482- 483) و «الجوهر المنضد» ص (120- 122) و «القلائد الجوهرية» (2/ 426- 427) .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 264) و «الدّرر الكامنة» (4/ 298) و «المقصد الأرشد» (2/ 543) .
[3] انظر «المعجم المختص» ص (301- 302) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 325) و «تذكرة النبيه»

(8/371)


ولد سنة سبعمائة تقريبا، وسمع «صحيح البخاري» من ابن عبد الدائم، وابن الشّحنة، ووزيرة، وسمع من غيرهم، وأخذ النحو عن القحفازي. وولي قضاء الحنابلة بالشام سبع عشرة سنة بعد موت ابن المنجّى بعد تمنّع زائد وشروط شرطها عليهم، واستمر إلى أن عزل في سنة سبع وستين بشرف الدّين بن قاضي الجبل، وذلك لخيرة عند الله تعالى. وكان يدعو أن لا يتوفاه الله قاضيا.
ذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال: الإمام المفتي الصّالح أبو الفضل، شاب خيّر، إمام في المذهب، وله اعتناء بالإسناد.
وقال الشهاب بن حجي: كان عفيفا نزها، ورعا، صالحا، ناسكا، خاشعا، ذا سمت حسن [1] ووقار، يركب الحمارة [2] ، ويفصل الحكومات بسكون، عارفا بالمذهب، لم يكن فيهم مثله، وشرح «المقنع» وجمع كتابا في الفقه سمّاه «الانتصار» ومصنّفا سمّاه «الواضح الجلي في نقض حكم ابن قاضي الجبل الحنبلي» وذلك أنه اختار جواز بيع الوقف لمصلحة وحكم به.
وقال ابن حبيب في «تاريخه» : عالم علمه زاهر وبرهان ورعه ظاهر، وإمام تتّبع طرائقه وتغتنم ساعاته ودقائقه. كان لين الجانب، متلطفا بالطالب، رضيّ الأخلاق، شديد الخوف والإشفاق، عفيف اللّسان، كثير التواضع والإحسان، لا يسلك في ملبسه سبيل أبناء الزّمان، ولا يركب حتّى إلى دار الإمارة غير الأتان.
توفي يوم الثلاثاء ثامن ربيع الأول بالصالحية، ودفن بتربة الموفق بسفح قاسيون.
__________
(3/ 318) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 244- 245) و «الدّرر الكامنة» (4/ 470) و «النجوم الزاهرة» (11/ 100) و «المقصد الأرشد» (3/ 145- 147) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 42- 43) و «الجوهر المنضد» ص (176- 179) و «القلائد الجوهرية» (2/ 364- 366) .
[1] لفظة «حسن» لم ترد في «المقصد الأرشد» .
[2] في «المقصد الأرشد» : «يركب الحمار» .

(8/372)


سنة سبعين وسبعمائة
في رجبها هلك صاحب قبرس [1] الذي هجم على بلاد [2] الإسكندرية وتولى ولده فأرسل بهدية [3] إلى السلطان [3] ، وطلب الهدنة فوقع الصّلح ولله الحمد.
وفيها توفي صاحب تونس إبراهيم بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم [4] واستقرّ بعده ابنه أبو البقاء خالد.
وفيها قاضي القضاة بدر الدّين الحسن بن محمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن أبي عمر الحنبلي الشيخ الإمام المقدسي الأصل ثم الدمشقي [5] .
سمع من جدّه، وعيسى المطعم، وغيرهما. وحدّث، ودرّس بدار الحديث الأشرفية بسفح قاسيون، ودرس بالجوزية أيضا.
وكان بيده نصف تدريسها، وناب في الحكم عن ابن قاضي الجبل.
وتوفي ليلة الخميس خامس ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون.
__________
[1] المعروفة الآن ب «قبرص» .
[2] لفظة «بلاد» سقطت من «ط» .
[3] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[4] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 107) .
[5] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 341- 342) و «ذيل العبر» (1/ 279) و «الدّرر الكامنة» (2/ 35- 36) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 53- 54) و «القلائد الجوهرية» (1/ 99) .

(8/373)


وفيها رضي الدّين أبو مدين شعيب بن محمد بن جعفر بن محمد التّونسي النّحوي [1] .
قال في «الدّرر» : كان أحد أذكياء العالم. ولد في شعبان سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وأخذ عن ابن عبد السلام وغيره، وكان علّامة في الفقه، والنحو، والفرائض، والحساب، والمنطق، جيد القريحة، وافر الفضل، أتقن علوما عدة، حتّى الكتابة والتّزميك، وقدم القاهرة سنة سبع وخمسين ثم توطن حماة ومات بها.
وفيها القاضي شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن خلف بن كامل بن عطاء الله الغزي ثم الدمشقي الشافعي [2] .
مولده سنة ست عشرة وسبعمائة بغزّة، وأخذ بالقدس عن الشيخ تقي الدّين القلقشندي، وقدم دمشق، واشتغل بها، ثم رحل إلى القاضي شرف الدّين البارزي، فتفقه عليه. وأذن له بالفتيا، ثم عاد إلى دمشق، وجدّ واجتهد، وسمع الحديث، ودرّس، وأعاد، وناب للقاضي تاج الدّين السّبكي، وترك له تدريس الناصرية الجوانية، وألّف كتاب «ميدان الفرسان» جمع فيه أبحاث الرّافعي، وابن الرّفعة، والسبكي، وهو كتاب نفيس في خمس مجلدات.
توفي في شهر رجب ودفن بتربة السبكيين.
وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن سمحان الوائلي البكري العلّامة الشافعي الأصيل، إمام أهل اللغة في عصره المعروف بابن الشّريشي [3] أخذ عن والده، وقرأ النحو
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 192) و «بغية الوعاة» (2/ 4) .
[2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 155- 156) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 345- 346) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 283) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 165- 166) و «الدّرر الكامنة» (3/ 432) و «النجوم الزاهرة» (11/ 105) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 463) .
[3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 344- 345) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 282- 283) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 178- 179) و «النجوم الزاهرة» (11/ 105) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 163) و «بغية الوعاة» (1/ 44) .

(8/374)


على أبي العبّاس الغسّاني، وبرع في الفقه، واللغة، والغريب، ونظم الشعر.
وكان يستحضر «الفائق» للزمخشري و «الصحاح» و «الجمهرة» و «النهاية» و «غريب أبي عبيد» و «المنتهى في اللغة» للبرمكي وهو أكثر من ثلاثين مجلدا. وقد عقد له مجلس بحضرة أعيان علماء دمشق وامتحن في هذه الكتب في شعبان سنة ثلاث وستين، ونزل له والده عن درس الإقبالية، وكان قليل الاختلاط بالناس منجمعا على طلب العلم، وكان أخوه شرف الدّين يقول: أخي بدر الدّين أزهد مني.
قال ابن حبيب في «تاريخه» : توفي في ربيع الآخر عن ست وأربعين سنة ودفن عند والده.
وفيها أقضى القضاة صلاح الدّين أبو البركات محمد بن محمد بن المنجّى بن عثمان بن أسعد التّنوخي المعرّي الحنبلي [1] .
سمع الحجّار وطبقته، وحفظ «المحرّر» ودرّس بالمسمارية والصّدرية، وناب في الحكم لعمّه قاضي القضاة علاء الدّين، ثم ناب للقاضي شرف الدّين بن قاضي الجبل. وكان من أولاد الرؤساء، ذا دين وصيانة. حدّث ودرّس، وحجّ غير مرة، وكان كريم النّفس، حسن الخلق والشكل، ذا حشمة ورئاسة، على قاعدة أسلافه.
توفي ليلة الخميس رابع شهر ربيع الآخر، وصلّي عليه من الغد بجامع دمشق، ودفن بتربتهم بالصّالحية وقد جاوز الخمسين.
__________
[1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 343- 344) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 279- 280) و «الدّرر الكامنة» (4/ 239- 240) و «المقصد الأرشد» (2/ 523- 524) و «الجوهر المنضد» ص (156) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 120) و «القلائد الجوهرية» (2/ 500) .

(8/375)