شذرات الذهب في أخبار من ذهب
بسم الله الرحمن الرحيم
سنة إحدى وثمانمائة وهي أول القرن التاسع
من الهجرة
قال ابن حجر [1] : دخلت وسلطان مصر والشام والحجاز الملك الظّاهر أبو
سعيد برقوق، وسلطان الرّوم أبو يزيد بن عثمان، وسلطان اليمن من نواحي
تهامة الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل بن المجاهد، وسلطان اليمن من
نواحي الجبال الإمام الزّيدي الحسني علي بن صلاح، [2] وسلطان المغرب
الأدنى أبو فارس عبد العزيز الحفصيّ [2] ، وسلطان المغرب الأوسط [3]
أبو سعيد عثمان [3] المرّيني، وسلطان المغرب الأقصى ابن الأحمر، وصاحب
البلاد الشرقية تيمور كوركان، المعروف باللّنك، وصاحب بغداد أحمد بن
أويس، وأمير مكّة حسن بن عجلان بن رميثة الحسني، وبالمدينة ثابت بن
نفير، والخليفة العبّاسي، أبو عبد الله محمد المتوكل على الله بن
المعتضد بالله أبي بكر، ويدعى أمير المؤمنين، ونازعه في هذا الاسم
الإمام الزّيدي وبعض ملوك المغرب، وصاحب اليمن، لكن خطيبها يدعو في
خطبته للمستعصم العبّاسي أحد الخلفاء ببغداد.
وكان نائب دمشق يومئذ تنم الحسني، وبحلب أرغون شاه، وبطرابلس آقبغا
الجمالي، وبحماة القلمطاوي [4] ، وبصفد شهاب الدّين بن الشيخ علي،
وبغزّة طيفور. انتهى.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (4/ 1- 2) .
[2] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[3] ما بين الرقمين من «إنباء الغمر» الذي بين يدي.
[4] تحرفت في «ط» إلى «الغلمطاوي» .
(9/11)
وقال الحافظ السّخاوي [1] : قد أفردت تراجم
أهله في ست مجلدات.
وفيها غزا اللّنك بلاد الهند، واستولى على دلّي [2] ، وسبى منها خلقا
كثيرا، ولما رجع إلى سمرقند بيع السّبي [3] الهندي [3] برخص عظيم
لكثرته.
وفيها توفي العلّامة برهان الدّين أبو محمد إبراهيم بن موسى بن أيوب
الأبناسي [4]- بفتح الهمزة، وسكون الموحدة بعدها نون، وفي آخره سين،
نسبة إلى أبناس قرية صغيرة بالوجه البحري-.
ولد على ما نقل من خطّه بأبناس سنة خمس وعشرين وسبعمائة تقريبا [5] .
وقدم القاهرة وله بضع وعشرون سنة، وسمع بها وبدمشق من جماعة. وخرّج له
الحافظ ولي الدّين بن العراقي «مشيخة» وتخرّج في فقه الشافعية على
الشيخين جمال الدّين الإسنائي، وولي الدّين المنفلوطي، وغيرهما. وتخرّج
في الحديث بمغلطاي.
قال المؤرخ ناصر الدّين بن الفرات: كان شيخ الدّيار المصرية، مربيا
للطلبة، وله مصنفات في الحديث، والفقه، والأصول، والعربية، وحجّ وجاور
مرات.
وقال الحافظ ابن حجر: مهر في الفقه، والأصول، والعربية، وشغل فيها،
وبنى زاوية بالمقس ظاهر القاهرة، وأقام بها يحسن إلى الطلبة ويجمعهم
على التفقه ويرتب لهم ما يأكلون [6] ، ويسعى لهم في الرزق، خصوصا
الواردين من النّواحي، فصار أكثر الطلبة بالقاهرة تلامذته، وتخرّج به
خلق كثير، وكان حسن التعليم، لين الجانب، متواضعا، بشوشا، متعبدا،
متقشفا، مطّرح التكلّف، وقد عيّن للقضاء فتوارى، وذكر أنه فتح المصحف
فخرج: قال رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي
إِلَيْهِ 12: 33
__________
[1] قلت: قاله في الورقة (48/ 1) من كتابه «الذيل التام على دول
الإسلام» ويقصد بذلك كتابه «الضوء اللامع» .
[2] وتعرف الآن: ب- «دلهي» وهي عاصمة دولة الهند الآن كما كانت في
السابق.
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» و «إنباء الغمر» (4/ 144- 147) و «طبقات
الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 1- 4) وقد ذكره المؤلف فيمن مات سنة (802
هـ) . انظر ص (27) .
[5] وجاء في «الضوء اللامع» ما نصه: «وقال مرة حين سئل عنه: لا أدري
يعني تحقيقا» .
[6] كذا في «آ» و «إنباء الغمر» وفي «ط» : «ما يأكلونه» .
(9/12)
[يوسف: 33] ولم يزل مستمرا على طريقته
وإفادته ونفعه إلى أن حجّ، فمات راجعا في المحرّم بعيون القصب بالقرب
من عقبة إيلة ودفن هناك.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن إبراهيم بن عبد العزيز بن علي الموصلي الأصل
الدّمشقي ابن الخبّاز [1] ، نزيل الصّالحية.
قال في «إنباء الغمر» : سمع من أبي بكر بن الرّضي، وزينب بنت الكمال،
وغيرهما، وحدّث. سمع منه صاحبنا الحافظ غرس الدّين وأظنه استجازه لي،
ومات في شهر ربيع الأول عن بضع وثمانين سنة. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن محمد العبّادي الحنفي [2] .
تفقّه على السّراج الهندي، وفضل، ودرّس، وشغل، ثم صاهر القليجي، وناب
في الحكم، ووقّع على القضاة [3] . ودرّس بمدرسة النّاصر حسن، وكان يجمع
الطلبة ويحسن إليهم، وحصلت له محنة مع السّالمي، وأخرى مع الملك
الظّاهر. وتوفي في ثامن أو تاسع عشر ربيع الآخر.
وفيها أحمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن مروان الشّيباني البعلبكي
ثم الصّالحي [4] ، أحد رواة «الصحيح» عن الحجّار. وسمع أيضا من [5]
غيره، وله إجازة من أبي بكر بن محمد بن عنتر السّلمي وغيره، وحدّث،
ومات في ذي الحجّة.
وفيها القاضي برهان الدّين أحمد بن عبد الله السّيواسي [6] الحنفي،
قاضي سيواس.
__________
[1] «إنباء الغمر» (4/ 36) و «الضوء اللامع» (1/ 195) وما بين
الحاصرتين زيادة منه.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 39) و «الدّرر الكامنة» (1/ 112) ولم
يذكر فيه سنة وفاته، و «الطبقات السنية» (1/ 288) و «الدليل الشافي»
(1/ 36) و «الضوء اللامع» (1/ 262) .
[3] في «ط» : «القضاء» .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 309) .
[5] في «ط» : «منه» .
[6] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 40) و «الدّرر الكامنة» (1/ 344) وفيه
وفاته أواخر سنة (800) و «الضوء اللامع» (1/ 370) و «الطبقات السّنية»
(1/ 374) .
(9/13)
قدم حلب، واشتغل بها، ودخل القاهرة، ورجع
إلى سيواس فصاهر صاحبها، ثم عمل عليه حتّى قتله، وصار حاكما بها، وقد
قتل في المعركة لما نازله التتار الذين كانوا بأذربيجان، وكان جوادا
فاضلا. وله نظم.
وفيها القاضي عماد الدّين أبو عيسى أحمد بن عيسى بن موسى بن جميل
المعيريّ [1]- بكسر الميم، وسكون العين المهملة، وفتح التحتية، وآخره
راء، نسبة إلى معير بطن من بني أسد [2]- الكركي العامري الأزرقي
الشّافعي.
ولد في شعبان سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وحفظ «المنهاج» واشتغل بالفقه
وغيره، وسمع الحديث من التبّاني [3] وغيره، وسمع بالقاهرة من أبي نعيم
بن الحافظ تقي الدّين عبيد الإسعردي وغيره، وحدّث ببلده قديما سنة ثمان
وثمانين، ولما قدم القاهرة قاضيا خرّج له الحافظ أبو زرعة «مشيخة»
سمعها عليه الحافظ ابن حجر، وكان أبوه قاضي الكرك، فلما مات استقرّ
مكانه وقدم القاهرة سنة اثنتين وسبعين، ثم قدمها سنة اثنتين وثمانين.
وكان كبير القدر في بلده، محبّبا إلى أهلها بحيث لا يصدرون إلّا عن
رأيه، فاتفق أن الظّاهر لما سجن في الكرك قام هو وأخوه علاء الدّين علي
في خدمته، فحفظ لهما ذلك، فلما تمكّن أحضرهما إلى القاهرة وولّى عماد
الدّين قضاء الشافعية، وعلاء الدّين كتابة السرّ، وذلك في رجب سنة
اثنتين وتسعين [4] ، فباشر بحرمة ونزاهة، واستكثر من النوّاب وشدّد في
ردّ رسائل الكبار، وتصلب في الأحكام فتمالؤوا عليه، فعزل في أواخر سنة
أربع وتسعين، واستمرت عليه وظائف كثيرة، ثم شغرت خطابة الأقصى وتدريس
الصّلاحية سنة تسع وتسعين، فقررهما عليه السّلطان، وباشرهما بالقدس،
وانجمع عن الناس، وأقبل على العبادة
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 41) و «الضوء اللّامع» (2/ 60) .
[2] وفي «الضوء اللامع» «المقيري» : بضم الميم، ثم قاف مفتوحة، وآخره
راء مصغر نسبة للمقيري قرية من أعمال الكرك» .
[3] في «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «البياني» .
[4] كذا في «آ» و «الضوء اللامع» : «اثنتين وتسعين» وفي «ط» و «إنباء
الغمر» : «اثنتين وسبعين» .
(9/14)
والتّلاوة إلى أن مرض، فنزل عن خطابة القدس
لولده شرف الدّين عيسى، ثم مات في سابع عشري [1] ربيع الأول.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن السلّار الصّالحي [2]
ابن أخي الشيخ ناصر الدّين إبراهيم.
ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وأحضر على أبي العبّاس بن الشّحنة،
وأجاز له أيوب بن نعمة الكحّال، والشّرف بن الحافظ، وعبد الله بن أبي
التّائب، وآخرون. وحدّث، فسمع منه الحافظ غرس الدّين، وأجاز لي [3] ،
وتوفي في أواخر ذي الحجّة.
وفيها تاج الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن البلبيسي
الشافعي الخطيب [4] .
ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، واشتغل، وتفقه، ولم يحصل له من سماع
الحديث ما يناسب سنّه، لكنه لما جاور بمكة سمع من الكمال بن حبيب عدّة
كتب، حدّث عنه بها ك- «معجم ابن قانع» و «أسباب النزول» و «جزء ابن
ماجة» . وولي أمانة الحكم بالقاهرة، ودرّس بالجامع الخطيري، وخطب به،
وناب في الحكم ببولاق، ومات في ربيع الأول.
وفيها ناصر الدّين أحمد بن جمال الدّين محمد بن شمس الدّين محمد بن
رشيد الدّين محمد بن عوض الإسكندراني الزّبيري [5]- نسبة إلى الزّبير
بن العوّام- المالكي.
قال ابن حجر: مهر [6] وفاق الأقران في العربية، وولي قضاء بلده، ثم قدم
القاهرة، وظهرت فضائله، وولي قضاء المالكية بها فباشره بعفّة ونزاهة،
وناب عنه البدر الدّماميني، وقال فيه من أبيات:
__________
[1] وفي رواية: «سابع عشر» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 44) و «الضوء اللامع» (2/ 105) .
[3] تحرفت هذه اللفظة في «آ» و «ط» إلى «والمعازفي» والتصحيح من مصدري
الترجمة.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 44- 45) و «الضوء اللامع» (2/ 123) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 46) و «الضوء اللامع» (2/ 192) .
[6] تحرفت في «ط» إلى «بهر» .
(9/15)
وأجاد فكرك في بحار علومه ... سبحا لأنّك
من بني العوّام
وكان عاقلا، متودّدا، موسّعا عليه في المال، سليم الصّدر، طاهر الذيل،
قليل الكلام، لم يؤذ أحدا بقول ولا فعل، وعاشر النّاس بجميل فأحبوه،
شرح «التسهيل» و «مختصر ابن الحاجب» ، وتوفي في أول شهر رمضان.
وفيها الملك الظّاهر برقوق بن آنص [1] بن عبد الله الجركسي العثماني
[2] .
ذكر الخواجا عثمان الذي أحضره من بلاد الجركس أنه اشتراه منه يلبغا
الكبير، واسمه حينئذ الطنبغا، فسمّاه برقوقا لنتوء في عينيه، فكان في
خدمة يلبغا من جملة المماليك الكتابية، ثم كان فيمن نفي إلى الكرك بعد
قتل يلبغا، ثم اتصل بخدمة منجك نائب الشام، ثم حضر معه إلى مصر، ثم
اتصل بخدمة الأشرف شعبان، فلما قتل الأشرف ترقى برقوق إلى أن أعطي إمرة
أربعين، وكان هو وجماعة من إخوته في خدمة إينبك [3] ثم [4] ، لما قام
طلقتمر [5] على اينبك، وقبض عليه ركب بركة، وبرقوق ومن تابعهما على
المذكور، وأقاما طشتمر العلائي مدبرا لمملكة أتابكا واستمروا [6] في
خدمته إلى أن قام عليه مماليكه في أواخر سنة تسع وسبعين، فآل الأمر إلى
استقلال بركة وبرقوق في تدبير المملكة بعد القبض على طشتمر، فلم تطل
الأيام حتّى اختلفا وتباينت أغراضهما، وقد سكن برقوق في الاصطبل
السلطاني، وأول شيء صنعه أن قبض على ثلاثة من أكابر الأمراء كانوا من
أتباع بركة، فبلغه ذلك، فركب على برقوق، ودام الحرب بينهما أياما، إلى
أن قبض على بركة وسجنه بالإسكندرية، وانفرد برقوق بتدبير المملكة إلى
أن دخل شهر رمضان سنة أربع وثمانين، تم له أمر الاستقلال [7] بالملك
فجلس على تخت
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن أنس» وما أثبته من مصادر الترجمة.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 50) و «الضوء اللامع» (3/ 10- 11) و
«الدليل الشافي» (1/ 187) .
[3] كذا في «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» : «إينبك» وفي «الضوء اللامع» :
«أيبك» .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «شم» بالشين.
[5] في «آ» و «ط» : «طلعتمر» بالعين والتصحيح من مصدري الترجمة.
[6] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «واشتهروا» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[7] في «ط» : «الأمر استقلالا» .
(9/16)
الملك ولقّب الملك الظاهر، وبايعه الخليفة
وهو المتوكل محمد بن المعتضد، والقضاة، والأمراء، ومن تبعهم، وخلعوا
الصّالح حاجي بن الأشرف، وأدخل به إلى دور أهله بالقلعة، واستمرّ في
الملك إلى وفاته، وجرت عليه أتعاب، وكان شهما شجاعا، ذكيا، خبيرا
بالأمور، عارفا بالفروسية، خصوصا اللعب بالرّمح، يحب الفقراء ويتواضع
لهم، ويتصدق كثيرا ولا سيما إذا مرض، وأبطل في ولايته كثيرا من المكوس،
وضخم ملكه حتّى خطب له على منابر توريز [1] ، وضربت الدنانير والدراهم
فيها باسمه، وعلى منابر ماردين والموصل وسنجار وغير ذلك، وكان جهوري
الصوت، كبير اللّحية، واسع العينين، محبّا لجمع المال، طمّاعا، جدا.
ومن آثاره المدرسة القائمة بين القصرين بالقاهرة، لم يتقدم بناء مثلها،
وعمل جسر الشريعة وانتفع به المسافرون كثيرا. وفي ذلك يقول شمس الدّين
محمد المزيّن:
بنى سلطاننا للنّاس جسرا ... بأمر والوجوه له مطيعة
مجازا في الحقيقة للبرايا ... وأمرا بالسّلوك على الشّريعه
وبالجملة فإنه كان أعظم ملوك الجراكسة بلا مدافعة، بل المتعصب يقول:
إنه أعظم ملوك الترك قاطبة.
وتوفي على فراشه ليلة نصف شوال بالقاهرة عن نحو ستين سنة، وترك من
الذهب العين ألفي ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار، ومن الأثاث وغيره
ما قيمته ألف ألف دينار [2] وأربعمائة ألف دينار [2] . قاله المقريزي.
وعهد بالسلطنة إلى ابنه فرج ولده يومئذ عشر سنين.
وفيها الشيخ الصّالح عبد الله بن سعد بن عبد الكافي المصري ثم المكّي
__________
[1] انظر «تقويم البلدان» ص (400) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
(9/17)
المعروف بالحرفوش [1] ، صاحب كتاب
«الحريفيش» في الوعظ.
كان رجلا عالما زاهدا صوفيا واعظا، مشهورا بالخير، وللناس فيه اعتقاد
زائد، ويخبر بأشياء فتقع كما يقول. وجاور بمكة أكثر من ثلاثين سنة،
ومات في أول هذه السنة.
وفيها ستّ القضاة بنت عبد الوهاب بن عمر بن كثير [2] ابنة أخي الحافظ
عماد الدّين.
حدّثت بالإجازة عن القاسم بن عساكر وغيره من الشيوخ الشام، وعن علي
الواني وغيره من شيوخ مصر، وخرّج لها صلاح الدّين «أربعين حديثا» عن
شيوخها.
وتوفيت في جمادى الآخرة وقد جاوزت الثمانين.
وفيها صفية بنت القاضي عماد الدّين إسماعيل بن محمد بن العزّ الصّالحية
[3] .
ولي أبوها القضاء، وحدّثت هي بالإجازة عن الحجّار، وأيوب الكحّال،
وغيرهما، وسمعت من عبد القادر الأيوبي، وماتت في المحرّم.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن شهاب الدّين أحمد بن صالح بن أحمد بن
خطّاب الزّهري الشافعي [4] .
ولد في جمادى الآخرة سنة تسع وستين، وحفظ «التمييز» وأذن له أبوه في
الإفتاء، ودرّس بالقليجية وغيرها، وناب في الحكم، وكان عالي الهمّة.
توفي في المحرّم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 63) و «الضوء اللامع» (5/ 20) و
«العقد الثمين» (5/ 171) و «إتحاف الورى» ص (417) .
[2] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 60) و «الضوء اللامع» (12/ 57) و
«أعلام النساء» (2/ 164) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 64- 62) و «أعلام النساء» (2/ 331-
332) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 62) و «الضوء اللامع» (5/ 7) .
(9/18)
وفيها جمال الدّين عبد الله بن أبي عبد
الله السّكوني [1]- بفتح السين المهملة وضم الكاف وفي آخره نون، نسبة
إلى سكون بطن من كندة- المالكي، أحد المدرسين في مذهبه.
كان بارعا في العلم، مع الدّين والخير، ودرّس بالأشرفية.
وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن الموفق إسماعيل بن أحمد الصّالحي المعروف
بابن الذّهبي الحنبلي [2] ناظر المدرسة الصّلاحية بالصّالحية.
حدّث عن ابن أبي النائب، ومحمد بن أيوب بن حازم، وزينب بنت الكمال،
وأجاز له الحجّار، وأجاز هو للشهاب بن حجر. وقال: بلغني أنه تغيّر
بآخرة، ولم يحدّث في حال تغيره.
وتوفي في جمادى الأولى وقد جاوز السبعين.
وفيها صدر الدّين عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن داود الكفري
الشافعي [3] .
عنى بالفقه، وناب في الحكم في دمشق، ومات بها في المحرم عن أربعين سنة،
وكانت له همّة في طلب الرئاسة. قاله ابن حجر.
وفيها عبد الرحمن بن موسى بن راشد بن طرخان الملكاوي [4] ابن أخي الشيخ
شهاب الدّين الشافعي.
اشتغل بالفقه، وحفظ «المنهاج» ونظر في الفرائض، واعترته في آخر أمره
غفلة، وكان مع ذلك حافظا لأمره، وتوفي في المحرم ولم يكمل الخمسين.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 63) و «الضوء اللامع» (5/ 20) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 64) و «الضوء اللامع» (4/ 45) و
«المقصد الأرشد» (2/ 82) و «الجوهر المنضد» ص (53) و «القلائد الجوهرة»
ص (425) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 65) و «الضوء اللامع» (4/ 89) وفيه:
«الكفيري» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 66) .
(9/19)
وفيها علي بن أحمد بن الأمير بيبرس [1]
الحاجب المعروف بأمير علي بن الحاجب المقرئ.
تلا بالسبع، وكان حسن الأداء، مشهورا بالمهارة في العلاج، يقال: عالج
بمائة وعشرة أرطال.
مات في ربيع الآخر وقد شاخ. قاله ابن حجر.
وفيها علي بن أيبك بن عبد الله الدمشقي الشاعر [2] .
اشتهر بالنّظم، وكان له إلمام بالتاريخ، وعلّق «تاريخا» لحوادث زمانه.
ومن شعره:
كأنّ الرّاح لمّا راح يسعى ... بها في الرّاح ميّاس القوام
سنا المرّيخ في كفّ الثّريّا ... يحيّينا به بدر التّمام
ومنه:
مليح قام يجذب غصن بان ... فمال الغصن منعطفا عليه
وميل الغصن نحو أخيه طبع ... وشبه الشّيء منجذب إليه
وأجاز ابن حجر العسقلاني.
وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول عن اثنتين وسبعين سنة.
وفيها عمر بن سراج الدّين عبد اللطيف بن أحمد المصري الفيّومي الشافعي
[3] ، نزيل حلب.
تفقه بالقاهرة على السّراج البلقيني وغيره، ثم رحل إلى حلب، فولي بها
قضاء العسكر، ثم عزل، وكان فقيها بارعا في الفرائض، مشاركا في بقية
العلوم.
وله نظم ونثر [4] ، وخمّس البردة.
__________
[1] ترجمته في «أنباء الغمر» (4/ 67) و «الوضوء اللامع» (5/ 165) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 67) و «الضوء اللامع» (5/ 194) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 74) و «الضوء اللامع» (4/ 324) .
وفيه: «عبد اللطيف ابن أحمد» .
[4] في «ط» : «وله نثر ونظم» .
(9/20)
ومن شعره:
دع منطقا فيه الفلاسفة الألى ... ضلّت عقولهم ببحر مغرق
واجنح إلى نحو البلاغة واعتبر ... إنّ البلاء موكّل بالمنطق
ومنه فيما يحيض من الحيوان الناطق وغيره:
المرأة والخفّاش ثمّ الأرنب ... والضّبع الرّابع ثمّ المرآب
وفي كتاب «الحيوان» يذكر للجاحظ: أنكر عنه ما لا ينكر.
قتل في أواخر المحرم في خان غباغب خارج دمشق وهو قاصد الديار المصرية.
وفيها قنبر بن عبد الله العجمي الشّرواني الأزهري الشافعي [1] .
اشتغل في بلده، وقدم الديار المصرية فأقام بالجامع الأزهر، وكان معرضا
عن الدنيا، قانعا باليسير، يلبس صيفا وشتاء قميصا ولبادا، وعلى رأسه
كوفية لبد لا غير، وكان لا يتردد إلى أحد، ولا يسأل من أحد شيئا، وإذا
فتح عليه بشيء ما أنفقه على من حضر، وكان يحبّ السّماع والرقص، ويتنزه
في أماكن النّزهة على هيئته، ومهر في الفنون العقلية، وتصدّر بالجامع
الأزهر، واشتغل، وكان حسن التقرير، جيد التعليم.
قال ابن حجر: اجتمعت به مرارا، وسمعت درسه، وكان يذكر بالتّشيّع، وشوهد
مرارا يمسح على رجليه من غير خف.
وتوفي في شعبان.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن أبي العزّ بن أحمد بن أبي العزّ بن
صالح بن وهب الأذرعي الأصل الدمشقي الحنفي، المعروف بابن النشو [2] .
ولد سنة إحدى وعشرين، وأسمع من الحجّار، وإسحاق الآمدي،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 76) و «الضوء اللامع» (6/ 225) .
[2] ترجمته في «إنباء القمر» (4/ 80) .
(9/21)
وعبد القادر بن الملوك، وغيرهم، وحدّث،
وكان أحد العدول بدمشق، وتوفي في صفر.
وفيها شرف الدّين أبو بكر محمد بن عمر العجلوني [1] نزيل حلب، المعروف
بابن خطيب سرمين.
أصله من عجلون، ثم سكن أبوه عزاز، وولي خطابة سرمين، وقرأ المترجم بحلب
على الباريني، وسمع من ابن العجمي وغيره، ووعظ على الكرسي بحلب، وحجّ
وجاور بمكّة مرارا، وسمع منه في مجاورته في هذه السنة ابن حجر، وكتب هو
عن أبي عبد الله بن جابر الأعمى المغربي قصيدته البديعية [2] وحدّث بها
عنه، وسمعها منه ابن حجر.
وتوفي بمكة في سادس عشر صفر.
وفيها بدر الدّين محمد بن أحمد بن موسى الدمشقي الرّشادي [3] الفقيه
الشافعي.
اشتغل كثيرا ونسخ بخطّه الكثير، ودرّس، بالعصرونية، وكان منجّما قليل
الشرّ.
أفتى ودرّس.
وتوفي في ربيع الأول وقد جاوز الأربعين.
وفيها الملك المنصور محمد بن الملك المظفّر حاجي بن النّاصر محمد بن
قلاوون الصّالحي [4] .
ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وولي السلطنة بعد عمّه النّاصر حسن في
جمادى الأولى سنة اثنتين وستين، ودبّر دولته يلبغا، وسافر معه إلى
الشام، وكان عمره إذ ذاك نحو خمس عشرة سنة، فترعرع بعد أن رجع من
السفر، وكثر أمره ونهيه، فخشي يلبغا منه، فأشاع أنه مجنون، وخلعه من
السلطنة في شعبان سنة
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 80) و «الضوء اللامع» (7/ 33) و
«العقد الثمين» (1/ 363) .
[2] في «ط» : «البديعة» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 82) و «الضوء اللامع» (7/ 114) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 83) و «الضوء اللامع» (7/ 216) و
«الدليل الشافي» (2/ 611) .
(9/22)
أربع وستين، فكانت مدة سلطنته ثلاث سنين
وشهرين وخمسة أيام، واعتقل بالحوش في المكان الذي به ذرّيّة الملك
الناصر إلى أن مات في تاسع محرم هذه السنة، وخلّف عشرة أولاد، وقرّر
لهم الملك الظّاهر مرتبا.
وفيها نسيم الدّين أبو عبد الله محمد بن سعيد بن مسعود بن محمد بن علي
النّيسابوري ثم الكازروني [1] الفقيه الشافعي.
نشأ بكازرون، وكان يذكر أنه من ذرّيّة أبي علي الدّقّاق، وأنه ولد سنة
خمس وثلاثين وسبعمائة، وأن المزّي أجاز له، واشتغل بكازرون على أبيه،
وبرع في العربية، وشارك في الفقه وغيره مشاركة حسنة، مع عبادة ونسك
وخلق رضيّ.
وحجّ وأقام بمكّة مدة طويلة، ثم حجّ سنة اثنتين وثمانين، وجاور بمكة
أيضا نحو ست عشرة سنة، وكان حسن التعليم، غاية في الورع، وانتفع به أهل
مكّة وغيرهم.
قال السيوطي: وروى لنا عنه جماعة من شيوخنا المكّيّين.
وتوفي ببلده في هذه السنة.
وفيها أمين الدّين محمد بن علي بن عطاء الدمشقي [2] .
كان فاضلا، بارعا [3] في التصوف والعقليات، درّس بالأسدية. وكان يسجل
على القضاة وإليه النّظر على وقف جدّه الصّاحب شهاب الدّين بن تقي
الدّين مات في ذي الحجّة.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن علي بن ضرغام بن
عبد الكافي البكري بن سكر [4]- بضم المهملة وتشديد الكاف- الحنفي
المصري، نزيل مكة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 84) و «الضوء اللامع» (10/ 21) و
«بغية الوعاة» (1/ 113) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 86) و «الضوء اللامع» (8/ 196) .
[3] في «ط» : «فارعا» وهو خطأ.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 86) و «الضوء اللامع» (8/ 196) و
«غاية النهاية» (2/ 207) و «العقد الثمين» (2/ 201) .
(9/23)
ولد سنة ثمان عشرة وسبعمائة، وطلب الحديث
والقراءات، وسمع ما لا يحصى ممن لا يحصى، وجمع شيئا كثيرا، بحيث كان لا
يذكر له «جزء» حديثي إلّا ويخرّج سنده من ثبته عاليا أو نازلا. وذكر أن
سبب كثرة مروياته وشيوخه أنه كان إذا قدم الركب مكّة طاف على الناس في
رحالهم ومنازلهم يسأل من له رواية أو حظ من علم، فيأخذ عنه مهما
استطاع، وكتب بخطّه ما لا يحصى من كتب الحديث، والفقه، والأصول،
والنحو، وغيرها. وخطّه رديء، وفهمه بطيء، وأوهامه كثيرة.
قال ابن حجر: سمعت منه بمكة وقد أقرأ القراءات بها وتغير بأخرة تغيّرا
يسيرا. وكان ضابطا للوفيات، محبا للمذاكرة.
مات في صفر. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن يعقوب الشّافعي النّابلسي الأصل، نزيل
حلب [1] .
ولد سنة بضع وخمسين وسبعمائة، وكان فقيها مشاركا في العربية والميقات،
وحفظ أكثر «المنهاج» و «التمييز» للمازري، وأكثر «الحاوي» و «العمدة» و
«الشّاطبية» و «التسهيل» و «مختصر ابن الحاجب» و «منهاج البيضاوي»
وغيرها.
وكان يكرّر عليها.
قال البرهان المحدّث بحلب: كان سريع الإدراك، محافظا على الطّهارة،
سليم اللّسان، صحيح العقيدة، لا أعلم بحلب أحدا من الفقهاء على طريقته.
مات في تاسع عشر ربيع الآخر.
وفيها بدر الدّين محمد بن جمال الدّين محمد بن أحمد بن طوق الطّواويسي
[2] الكاتب.
سمع بعناية زوج أخته الحافظ شمس الدّين الحسيني من أصحاب الفخر
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 88) و «الضوء اللامع» (8/ 225) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 89) و «الضوء اللامع» (9/ 5) .
(9/24)
وغيرهم، وحدّث عن زينب بنت الخبّاز وغيرها،
وأجاز له جماعة، وباشر ديوان الإنشاء مع الشّهرة بالأمانة.
وتوفي في آخر ذي الحجّة وقد قارب التسعين.
وفيها بدر الدّين محمود بن عبد الله الكلستاني [1] نسبة إلى الكلستان،
لأنه كان في مبدأ أمره يقرأ كتاب سعدي [2] العجمي، المعروف بالكلستاني
السّرائي نسبة إلى مدينة من مدن الدّشت الحنفي كاتب السرّ بالدّيار
المصرية.
اشتغل ببلاده ثم ببغداد، وقدم دمشق خاملا، ثم قدم مصر، فحصل له نوع يسر
وظهور لقربه عند الجوباني، فلما ولي نيابة الشام قدم معه، وولي تدريس
الظّاهرية، ثم ولي مشيخة الأسدية بعد الياسوفي، وأعطى تصدير الجامع
الأموي، ثم رجع إلى مصر فأعطاه الظّاهر وظائف كانت لجمال الدّين محمود
القشيري، فلما رضي عن جمال الدّين استعاده بعضها، منها تدريس
الشيخونية، ثم لما سار السلطان إلى حلب احتاج إلى من يقرأ له كتابا
بالتّركي، ورد عليه من اللّنك فلم يجد من يقرؤه، فاستدعى به، وكان قد
صحبهم في الطريق، فقرأه، وكتب الجواب فأجاد، فأمره السلطان أن يكون
صحبته إلى أن ولّاه كتابة السرّ فباشرها [3] بحشمة ورئاسة، وكان يحكي
عن نفسه أنه أصبح ذلك اليوم لا يملك الدرهم الفرد، فما أمسى ذلك اليوم
إلّا وعنده من الخيل والبغال والجمال والمال والمماليك والملبوس
والآلات ما لا يوصف كثرة، وكان حسن الخطّ جدا مشاركا في النّظم والنثر
والفنون، مع طيش وخفّة.
وتوفي في خامس جمادى الأولى وخلّف أموالا جمّة يقال إنها وجدت بعده
مدفونة في كراسي المستراح. قاله ابن حجر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 92) و «الضوء اللامع» (10/ 136) و
«الدليل الشافي» (2/ 726) .
[2] في «ط» : «سعد» .
[3] في «ط» : «وباشرها» .
(9/25)
سنة اثنتين
وثمانمائة
في آخر شوال وقع بالحرم المكّي حريق عظيم أتى على نحو ثلثه واحترق من
العمد الرخام مائة وثلاثون عمودا صارت كلسا والذي احترق من باب العمرة
إلى باب حزورة.
وفيها توفي إبراهيم بن عبد الرحمن بن سليمان السرائي الشافعي [1] .
قدم القاهرة، وولي مشيخة الرّباط بالبيرسية، وكان يعرف بإبراهيم شيخ،
واعتنى بالحديث كثيرا، ولازم الشيخ زين الدّين العراقي، وحصّل النّسخ
الحسنة، واعتنى بضبطها وتحسينها، وكان يحفظ «الحاوي» ويدرّس غالبه، مع
الخير والدّين، ومن لطائف قوله: كان أول خروج تمرلنك في سنة (عذاب)
يشير [إلى] [2] أن أول [3] ظهوره سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وكان يحسن
عمل صنائع عديدة، مع الدّين والصّيانة.
وتوفي في ربيع الأول.
وفيها إبراهيم بن محمد بن عثمان بن إسحاق الدّجوي- بضم الدال المهملة
وسكون الجيم وبالواو، نسبة إلى دجوة قرية على شط النّيل الشرقي على بحر
رشيد- ثم المصري [4] النّحوي.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 143) و «الضوء اللامع» (1/ 58) .
[2] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف.
[3] لفظة «أول» سقطت من «ط» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 144) و «الضوء اللامع» (1/ 153) و
«بغية الوعاة» (1/ 427) وفيه وفاته سنة (830 هـ) .
(9/26)
قال ابن حجر: أخذ عن الشّهاب بن المرحّل،
والجمال بن هشام، وغيرهما. ومهر في العربية، وأشغل الناس فيها. وكان
جلّ ما عنده حلّ «الألفية» .
وفيه دعابة.
مات في ربيع الأول وقد بلغ الثمانين.
وفيها برهان الدّين أبو محمد إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي [1]
الشافعي، نزيل القاهرة.
ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وسمع من الوادي آشي، وأبي الفتح
الميدومي، ومغلطاي، وبه تخرّج، وغيرهم، واشتغل في الفقه، والحديث،
والأصول، والعربية، وتفقه بالإسنوي، والمنفلوطي، وغيرهما. ودرّس بعدة
أماكن، واتخذ بظاهر القاهرة مدرسة فأقام بها يحسن إلى الطلبة ويجمعهم
على الفقه، ورتّب لهم ما يأكلون، وسعى لهم في الأرزاق، حتّى صار كبار
الطلبة بالقاهرة من تلامذته، وممن أخذ عنه الفقه ابن حجر العسقلاني.
وكان متقشفا، عابدا، طارحا للتكلف، وعين للقضاء فتوارى، وتفاءل بالمصحف
خرج له قال رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي
إِلَيْهِ 12: 33 [يوسف: 33] ، ولم يزل على طريقته الحسنة إلى أن حجّ،
فتوفي راجعا في المحرّم، ودفن بعيون القصب، ورثاه الزّين العراقي
بأبيات دالية.
وفيها القاضي برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن قاضي القضاة نصر الله
ناصر الدّين أبي الفتح بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر
الله بن أحمد العسقلاني الأصل ثم المصري الكناني [2] الحنبلي. الإمام
العالم.
ولد في رجب سنة ثمان وستين وسبعمائة، وأخذ العلم عن أبيه وغيره، ونشأ
على طريقة حسنة، وناب عن والده، ثم استقلّ بالقضاء في الديار المصرية
بعد
__________
[1] تنبيه: سبق أن ترجم له المؤلف في سنة (801 هـ) ص (12) من هذا
المجلد فلتراجع.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 184) و «الضوء اللامع» (1/ 179) و
«المقصد الأرشد» (1/ 239) و «الدليل الشافي» (1/ 30) .
(9/27)
وفاة والده في شعبان سنة خمس وتسعين، وسلك
مسلك والده في العقل والمهابة والحرمة، وكان الظّاهر برقوق يعظّمه.
قال ابن حجر: كان خيّرا، صيّنا، وضيء الوجه، ولم يزل على ولايته إلى أن
توفي يوم السبت تاسع ربيع الأول، ودفن عند والده بتربة القاضي موفق
الدّين، وهو والد قاضي القضاة عزّ الدّين الكناني.
وفيها جلال الدّين أحمد بن نظام الدّين إسحاق بن مجد الدّين بن عاصم
سعد الدّين محمد الأصبهاني [1] الحنفي، المعروف بالشيخ أصلم [2] .
ولد في حدود الستين وسبعمائة، ونشأ بالقاهرة، وتفقه بوالده وغيره، وولي
مشيخة سرياقوس، وسار فيها سيرة جيدة إلى الغاية، وكان جميلا، فصيحا،
مهابا، بهيا، وله فضل وإفضال ومكارم، وكان له خصوصية عند الملك الظّاهر
برقوق أولا، ثم تنكّر له وعزله عن مشيخة سرياقوس، ثم أعيد إليها بعد
موته إلى أن مات.
قال العيني: كان ينسب إلى معرفة علم الحرف وليس بصحيح، وكان يجمع من
أموال الخانقاه ويطعم الناس من غير استحقاق، وكان يجمع في مجلسه ناسا
أراذل وأصحاب ملاهي. انتهى.
وتوفي بالخانقاه المذكورة خامس عشري ربيع الآخر.
وفيها أبو الخير أحمد بن خليل بن كيكلدي العلائي المقدسي [3] .
قال ابن حجر: سمع بإفادة أبيه من الكبار، كالحجّار وغيره من المسندين،
والمزّي، وغيره من الحفّاظ بدمشق، ورحل به إلى القاهرة، فأسمعه من أبي
حيّان، ومن عدّة من أصحاب النّجيب، وسكن بيت المقدس إلى أن صار من
__________
[1] في «آ» و «ط» : «أحمد بن نظام الدّين إسحاق بن مجد الدّين محمد بن
سعد الدّين عاصم» وما أثبته من «إنباء الغمر» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 148) و «الضوء اللامع» (1/ 226) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 149) و «الضوء اللامع» (1/ 296) .
(9/28)
أعيانه، وكانت الرحلة في سماع الحديث
بالقدس إليه، فحدّث بالكثير، وظهر له في أواخر عمره سماع ابن ماجة على
الحجّار رحلت إليه من القاهرة بسببها في هذه السنة، فبلغني وفاته وأنا
بالرّملة فعرّجت عن القدس إلى الشام، وكان موته في ربيع الأول وله ست
وسبعون سنة، وقد أجاز لي غير مرّة. انتهى.
وفيها أحمد بن عبد الخالق بن محمد بن خلف الله المجاصي [1]- بفتح الميم
والجيم مخففا إحدى قرى العرب-. وكان شاعرا ماهرا، طاف البلاد، وتكسّب
بالشعر، وله مدائح وأهاجي كثيرة.
مات بالقاهرة في ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين.
وفيها جمال الدّين أحمد بن علي بن محمد بن علي بن يوسف الدمشقي الحنفي،
المعروف بابن عبد الحقّ، ويعرف قديما بابن قاضي الحصن [2] ، وعبد الحق
هو جدّه لأمّه [3] ، وهو ابن خلف الحنبلي.
سمع الكثير بإفادة جدّه لأمّه من محمد بن أبي النائب، وعائشة بنت
المسلم الحرّانية، والمزّي، وخلق كثير من أصحاب ابن عبد الدائم.
قال ابن حجر: سمعت عليه كثيرا أو كان قد تفرّد بكثير من الروايات، وكان
عسرا في التحديث.
مات في ثاني ذي الحجّة وقد جاوز السبعين.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة المقدسي
الحنبلي [4] .
قال ابن حجر: سمع من العزّ محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر،
وغيره، ولي منه إجازة، وتوفي في المحرم وله إحدى وستون سنة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 152) و «الضوء اللامع» (1/ 324) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 152) و «الضوء اللامع» (2/ 33) و
«الطبقات السنية» (1/ 405) .
[3] في «الضوء اللامع» : «جدّ جدّه لأمّه» وهو خطأ.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 153) و «الضوء اللامع» (2/ 74) و
«السحب الوابلة» ص (90) .
(9/29)
وفيها أبو طاهر أحمد بن محمد الأخوي
الخجندي الحنفي [1] ، نزيل المدينة، الإمام العلّامة.
حدّث بجزء عن عزّ الدين بن جماعة، وأشغل الناس بالمدينة أربعين سنة،
وانتفع به لدينه وعلمه، وتوفي وقد جاوز الثمانين.
وفيها القاضي مجد الدّين إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن موسى
قاضي القضاة الكنانيّ البلبيسيّ [2] الحنفي، قاضي مصر.
ولد ليلة السابع من شعبان سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وسمع من عبد الرحمن
بن عبد الهادي، وعبد الرحمن ابن الحافظ المزّي، وصدر الدّين الميدومي،
وخلائق، وتفقه فبرع في الفقه، والأصلين، والفرائض، والحساب، والأدب
وشارك في عدة علوم، كالحديث، والنحو، والقراءات [3] ، وباشر في مبدأ
أمره توقيع الحكم مدة طويلة، ثم ولي نيابة الحكم بالقاهرة مرارا ثم
استقلّ بقضاء قضاء الحنفية بها، وكان إماما، بارعا، متفننا [4] ، فكه
المحاضرة، بهج الزّي، له يد في النّظم والنثر، وله ديوان شعر في مجلد
منه:
إن كنت يوما كاتبا لرقعة ... تبغي بها نجح وصول الطّلب
إياك أن تغرب في ألفاظها ... فتكتسي حرفة أهل الأدب.
ومنه:
لا تحسبنّ الشّعر فضلا بارعا ... ما الشّعر إلّا محنة وخبال
فالهجو قذف والرّثاء نياحة ... والعتب ضغن والمديح سؤال
قال المقريزي: وشعره كثير وأدبه غزير، وفضله جمّ غير يسير، ولقد صحبته
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 154) و «الضوء اللامع» (2/ 194) و
«الطبقات السّنية» (2/ 89) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 158) و «الضوء اللامع» (2/ 286) و
«الطبقات السّنية» (2/ 175- 176) و «حسن المحاضرة» (1/ 472) .
[3] في «آ» : «والقرآن» .
[4] في «آ» : «مفننا» .
(9/30)
مدة أعوام وأخذت عنه فوائد، وكان لي به أنس
وللناس بوجوده جمال إلّا أنه امتحن بالقضاء في دنياه كما امتحن به ابن
ميلق في دينه، وكان في ولايتهما كما قال الآخر:
تولّاها وليس له عدوّ ... وفارقها، وليس له صديق [1]
انتهى.
وتوفي في أول ربيع الأول.
وفيها بركة بنت سليمان بن جعفر الأسنائي [2] ، زوج القاضي تقي الدّين
الأسنائي.
سمعت على عبد الرحمن بن عبد الهادي، وحدّثت وماتت في سلخ المحرم.
وفيها خديجة بنت العماد أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر الخليلية [3] ثم
الصّالحية [4] . قاله ابن حجر.
روت عن عبد الله بن قيم الضيائية وماتت في أواخر السنة ولي منها إجازة.
وفيها سليمان بن أحمد بن عبد العزيز الهلالي المغربي ثمّ المدني
المعروف بالسقا [5] .
قال ابن حجر: سمع من محمد بن علي الجزري، وفاطمة بنت العزّ إبراهيم،
وابن الخبّاز، وغيرهم. وحدّث. سمعت منه بالمدينة الشريفة، وكان باشر
أوقاف الصّدقات بالمدينة وسيرته مشكورة، ثم أضرّ بأخرة.
ومات في أواخر هذه السنة وقد ناهز الثمانين. انتهى.
__________
[1] في «ط» : «صدوق» .
[2] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 161) و «الضوء اللامع» (12/ 13) و
«أعلام النساء» (1/ 128) .
[3] في «آ» و «ط» : «الحينية» وما أثبته من «إنباء الغمر» و «الضوء
اللامع» وفي «أعلام النساء» :
«الحلبية» وهو خطأ فليصحح.
[4] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 162) و «الضوء اللامع» (12/ 27) و
«أعلام النساء» (1/ 324) .
[5] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 163) و «الضوء اللامع» (3/ 260) و
«التحفة اللطيفة» (2/ 175) .
(9/31)
وفيها سراج الدّين عبد اللطيف بن أحمد
الفوي الشافعي [1] نزيل حلب.
ولد سنة أربعين وسبعمائة تقريبا، وقدم القاهرة، واشتغل بالفقه على
الإسنوي وغيره، وأخذ الفرائض عن صلاح الدّين العلائي فمهر فيها، ثم دخل
حلب، فولي قضاء العسكر، ثم عزل، ثم ولي تدريس الظّاهرية، ثم نوزع في
نصفها، وكان يقرئ في محراب الجامع الكبير، ويذكر الميعاد بعد صلاة
الصبح في محراب الحنابلة، وكان ماهرا في علم الفرائض، مشاركا في غيرها،
وله نظم ونثر ومجاميع. طارح الشيخ زاده لما قدم عليهم بنظم ونثر
فأجابه، ولم يزل مقيما بحلب إلى أن خرج منها طالبا القاهرة، فلما وصل
خان غباغب أصبح مقتولا وذهب دمه هدرا.
وفيها عبد اللطيف بن أبي بكر بن أحمد بن عمر الشّرجي [2]- بفتح المعجمة
وسكون الراء، بعدها جيم- نزيل زبيد.
كان عارفا بالعربية، مشاركا في الفقه، ونظم «مقدمة ابن بابشاذ» في ألف
بيت وشرح ملحة الأعراب، وله تصنيف في النجوم.
قال ابن حجر: كان حنفي المذهب اجتمعت به بزبيد، وسمع علي شيئا من
الحديث، وكان السلطان الأشرف يشتغل عليه، وأنجب ولده أحمد. انتهى.
وفيها عبد المنعم بن عبد الله المصري الحنفي [3] .
اشتغل بالقاهرة، ثم قدم حلب فقطنها، وعمل المواعيد، وكان يحفظ ما يلقيه
في الميعاد دائما من مرّة أو مرتين، شهد له بذلك البرهان المحدّث. قال:
وكان يجلس مع الشهود، ثم دخل إلى بغداد، فأقام بها، ثم عاد إلى حلب
فمات بها في ثالث صفر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 165) و «الضوء اللامع» (4/ 324) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 167) و «الضوء اللامع» (4/ 325) و
«بغية الوعاة» (2/ 107) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 168) و «الضوء اللامع» (5/ 88) .
(9/32)
وفيها علاء الدّين علي بن محمود بن أبي بكر
بن إسحاق بن أبي بكر بن سعد الدّين بن جماعة الكناني الحموي بن
القبّاني [1] .
اشتغل بحماة، ثم [2] قدم دمشق في حدود الثمانين وسبعمائة، وولي إعادة
البادرائية، ثم تدريسها عوضا عن شرف الدّين الشّريشي، وكان ربما أمّ
وخطب بالجامع الأموي، وكان يفتي، ويدرّس، ويحسن المعاشرة، وكان طويلا،
بعيد ما بين المنكبين، حجّ مرارا، وجاور، وتوفي في ذي القعدة، وقد شارك
علاء الدّين بن مغلي [3] قاضي حماة في اسمه واسم أبيه وجدّه ونسبه
حمويا، وليس هو ابن مغلي فليعلم.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن أبي الفتح بن إدريس الدمشقي بن
السّراج [4] ، أخو المحدّث عماد الدّين.
سمع من الحجّار «الصحيح» ، ومن محمد بن حازم، والمزّي، والبرزالي،
والجزري، وغيرهم.
وتوفي في رجب وقد قارب الثمانين.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن محمد المصري [5] ، ويعرف بابن شيخ
السنين الحنفي [6] .
برع في المذهب، ودرّس، وأفتى، وناب في الحكم، وأحسن في إيراد مواعيده
بجامع الحاكم، وكتب الخطّ الحسن، وخرّج «الأربعين النووية» وجمع مجاميع
مفيدة.
وتوفي في سلخ صفر في الأربعين وتأسف النّاس عليه.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 171) و «الضوء اللامع» (6/ 34) .
[2] لفظة «ثم» سقطت من «ط» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «ابن مقلي» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 172) و «الضوء اللامع» (6/ 293) .
[5] تحرفت في «ط» إلى «المعرّي» .
[6] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 174) و «العقد الثمين» (2/ 6) .
(9/33)
وفيها أبو السّعود محمد بن حسين بن علي بن
أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي المكّي الشافعي [1] .
ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، واشتغل بالفقه والفرائض، ومهر فيها،
وناب في الحكم عن صهرة القاضي شهاب الدّين، وهو والد أبي البركات،
وتوفي في صفر.
وفيها محمد بن عبد الله بن نشابة الحرضي- بفتح المهملتين ومعجمة- ثم
العريشي [2]- بعين مهملة، وراء وشين معجمة، نسبة إلى قرية يقال لها
عريش من عمل حرض، وحرض آخر بلاد اليمن من جهة الحجاز بينها وبين جلا
مفازة-.
كان محمد المذكور فقيها شافعيا، ذكره ابن الأهدل في «ذيل تاريخ
الحميدي» .
وقال خلفه ولده عبد الرحمن: وكان مولده سنة أربع وسبعين، وتفقه بأبيه،
وبأحمد مفتي مور، وذكر أنه اجتمع به بعد الثلاثين وثمانمائة بأبيات
حسين وهو مفتي بلده ومدرّسها، وينوب في الحكم. انتهى ملخصا.
وفيها بدر الدّين محمد بن عسّال الدمشقي الشافعي [3] .
ولد قبل الخمسين وسبعمائة، وتفقه بالسّراج البلقيني، وأجازه بالإفتاء،
وشهد عند الحكّام، وولي قضاء بعلبك عن البرهان بن جماعة، ثم ولي قضاء
حمص، وتوفي في ربيع الأول.
وفيها شمس الدّين محمد بن جمال الدّين عمر بن إبراهيم بن العجمي الحلبي
الشافعي [4] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 174) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 175) و «الضوء اللامع» (8/ 115) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 176) و «الضوء اللامع» (8/ 139)
وفيهما: «عبيدان» وجاء في حاشية «إبناء الغمر» ما نصه: وقع في با
«عسال» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 177) و «الضوء اللامع» (8/ 234) .
(9/34)
ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، واشتغل في
شبيبته، وحفظ «الحاوي» ، ونزل في المدارس، وجلس مع الشهود، ثم ولي بعض
المدارس بعد والده، ونازعه الأذرعي ثم الفوي، ثم استقرّ ذلك بيده، وكان
سمع المسلسل بالأولية من الشيخ تقي الدّين السّبكي، ومن محمد بن يحيى
بن سعد، وحدّث به عنهما، وله إجازة حصّلها له أبوه فيها المزّي وتلك
الطبقة، ولكنه لم يحدّث بشيء منها، وكان سليم الفطرة، نظيف اللّسان
خيّرا، لا يغتاب أحدا، رحمه الله.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن علي بن عبد الرزاق الغماري ثم المصري
المالكي [1] .
قال ابن حجر: أخذ العربية عن أبي حيّان وغيره، وسمع الكثير من مشايخ
مكّة، كاليافعي، والفقيه خليل، وسمع بالإسكندرية من النّويري، وابن
طرخان.
وحدّث بالكثير، وكان عارفا باللغة والعربية، كثير المحفوظ للشعر لا
سيما الشواهد، قوي المشاركة في فنون الأدب. تخرّج به الفضلاء. وقد
حدّثنا [2] بالبردة [2] بسماعة من أبي حيّان عن ناظمها، وأجاز لي غير
مرّة.
وقال السيوطي في «طبقات النحاة» تفرّد على رأس الثمانمائة خمسة علماء
بخمسة علوم: البلقيني بالفقه، والعراقي بالحديث، والغماري هذا بالنحو،
والشّيرازي صاحب «القاموس» باللغة، ولا استحضر الخامس. انتهى.
وتوفي في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة.
وفيها نجم الدّين محمد بن محمد بن عبد الدائم الباهلي [3]- نسبة إلى
باهة بالموحدة. التحتية قرية من قرى مصر من الوجه القبلي- المصري
الحنبلي.
قال ابن حجر: اشتغل كثيرا، وسمع من شيوخنا ونحوهم، وعني بالتحصيل،
ودرّس وأفتى، وكان له نظر في كلام ابن عربي فيما قيل. انتهى.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 179) و «الضوء اللامع» (9/ 149) و
«بغية الوعاة» (1/ 230) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 181) و «الضوء اللامع» (9/ 224) و
«السحب الوابلة» ص (445) .
(9/35)
وقال ابن حجي: كان أفضل الحنابلة بالدّيار
المصرية وأحقّهم بولاية القضاء.
توفي في شعبان عن ستين سنة.
وفيها محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الغلفي [1]- بضم المعجمة وسكون
اللام ثم فاء- ابن شيخ المعظمية.
قال ابن حجر: سمع الحجّار، وحضر على إسحاق الآمدي، وأجاز له أيوب
الكحّال وغيره، وأجاز لي غير مرّة.
وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها محمد بن محمد الجريدي القيرواني [2] .
تفقه ثم تزهد، وانقطع، وظهرت له كرامات، وكان يقضي حوائج الناس، وكان
ورعه مشهورا، وحجّ سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة فجاور بمكة إلى أن مات.
وفيها مقبل بن عبد الله الرّومي الشّافعي [3] عتيق الناصر حسن.
طلب العلم، واشتغل في الفقه وتعمق في مقالة الصّوفية الاتحادية، وكتب
الخطّ المنسوب إلى الغاية، وأتقن الحساب وغيره، ومات في أوائل السنة
وقد جاوز الستين. قاله ابن حجر.
وفيها ملكة بنت الشريف عبد الله بن العزّ إبراهيم بن عبد الله بن أبي
عمر المقدسي الصّالحي [4] .
قال ابن حجر: أحضرت على الحجّار، وعلى محمد بن الفخر البخاري، وعلى أبي
بكر بن الرّضي، وزينب بنت الكمال، وغيرهم. وأجاز لها ابن
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 182) و «الضوء اللامع» (9/ 240) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 182) وفيه «الجريدي» وانظر التعليق
عليه، و «الضوء اللامع» (10/ 41) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 183) و «الضوء اللامع» (10/ 168) .
[4] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 184) و «الضوء اللامع» (12/ 127) و
«أعلام النساء» (5/ 103) .
(9/36)
الشّيرازي، وابن عساكر، وابن سعد، وإسحاق
الآمدي، وغيرهم. وحدّثت بالكثير، وأجازت لي وتوفيت في تاسع عشر جمادي
الأولى وقد جاوزت الثمانين.
وفيها عزّ الدّين يوسف بن الحسن بن الحسن [1] بن محمود السّرائي ثم
التّبريزي الحلاوي الحنفي ظنا، ويعرف بالحلوائي أيضا [2] .
قال في «تاريخ حلب» : قال ولده بدر الدّين لما قدم علينا: ولد- أي صاحب
الترجمة- سنة ثلاثين وسبعمائة، وأخذ عن العضد وغيره، ورحل إلى بغداد
فقرأ على الكرماني، ثم رجع إلى تبريز، فأقام بها ينشر العلم ويصنف إلى
أن بلغه أن ملك الدعدع قصد تبريز لكون صاحبها أساء السيرة مع رسول
أرسله إليه في أمر طلبه منه، وكان الرسول جميل الصّورة إلى الغاية
فتولع به صاحب تبريز، فلما رجع إلى صاحبه أعلمه بما صنع معه، وأنه
اغتصبه نفسه أيّاما وهو لا يستطيع الفلت منه، فغضب أستاذه، وجمع عسكره،
وأوقع بأهل تبريز فأخربها، وكان أوّل ما نازلها سأل عن علمائها، فجمعوا
له فآواهم في مكان وأكرمهم، فسلم معهم ناس كثير ممن اتبعهم، ثم لما نزح
عنهم تحوّل عزّ الدّين إلى ماردين، فأكرمه صاحبها، وعقد له مجلسا حضره
فيه علماؤها مثل شريح، والهمام، والصّدر، فأقروا له بالفضل، ثم لما ولي
إمرة تبريز أمير زاده بن اللّنك طلب عزّ الدّين المذكور وبالغ في
إكرامه وأمره بالاستقرار عنده فأخبره بما كان شرع في تصنيفه واستعفاه،
ثم انتقل بأخرة إلى الجزيرة فقطنها إلى أن مات بها في هذه السنة.
ومن سيرته أنه لم تقع منه كبيرة، وما لمس بيده دينارا ولا درهما، وكان
لا يرى إلّا مشغولا بالعلم أو التصنيف، وشرح «منهاج البيضاوي» وعمل
حواشي على «الكشّاف» وشرح «الأسماء الحسنى» . قاله ابن حجر.
وفيها يوسف بن عثمان بن عمر بن مسلم بن عمر الكتّاني بالمثناة الفوقية
الثقيلة الصّالحي [3] .
__________
[1] كذا في «الشذرات» وفي «الإنباء» و «الضوء» : «يوسف بن الحسن بن
محمود ... » .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 185) و «الضوء اللامع» (10/ 309) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 187) و «الضوء اللامع» (10/ 323) .
(9/37)
سمع من الحجّار حضورا، ومن الشرف بن
الحافظ، وأحمد بن عبد الرحمن الصّرخدي، وعائشة بنت مسلم الحرّانية،
وغيرهم. وأجاز له الرّضي الطّبري، وهو خاتمة أصحابه. وأجاز له أيضا ابن
سعد، وابن عساكر، وآخرون.
وحدّث بالكثير، وكان خيّرا، وأجاز لابن حجر وغيره.
وتوفي في نصف صفر عن ثلاث وثمانين سنة
.
(9/38)
سنة ثلاث وثمانمائة
دخلت والناس في أمر مريج من اضطراب البلاد الشمالية بطروق تمرلنك.
وفيها كائنته بدمشق وما والاها، وسيأتي ذلك مفصلا في ترجمته في سنة سبع
وثمانمائة إن شاء الله تعالى.
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن الشيخ عماد الدّين إسماعيل النّقيب
بن إبراهيم المقدسي النابلسي الحنبلي [1] ، أقضى القضاة. تفقه على
جماعة، منهم ابن مفلح. وكان فقيها جيدا متقنا للفرائض، وناب عن قاضي
القضاة شمس الدّين النّابلسي فباشر مباشرة حسنة، وله «تعليقة» على
«المقنع» .
توفي بالصّالحية في خامس رمضان وقد ناهز الستين، ودفن بالرّوضة.
وفيها برهان الدّين أبو سالم إبراهيم بن محمد بن علي التّادلي-
بالمثناة الفوقية وفتح المهملة، نسبة إلى تادلة [2] من جبال البربر
بالمغرب- المالكي [3] ، قاضي المالكية بدمشق.
ولد سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وكان قوي العين، مصمما في الأمور،
ملازما لتلاوة القرآن والأسباع، وشجاعا، جريئا، ولي قضاء الشام سنة
ثمان وسبعين
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 245) و «الضوء اللامع» (1/ 32) و
«المقصد الأرشد» (1/ 214) و «السحب الوابلة» ص (24) .
[2] في «الروض المعطار» ص (127) : «تادلي» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 246) و «الضوء اللامع» (1/ 155) .
(9/39)
إلى هذه المدة عشر مرار، يتعاقب هو والقفصي
وغيره، وولي أيضا قضاء حلب.
وتوفي في جمادى الأولى من جراحات جرحها لما حضر وقعة اللّنكية.
وفيها برهان الدّين وتقي الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن مفلح بن
مفرّج الرّاميني الأصل ثم الدمشقي الحنبلي [1] الحافظ، شيخ الحنابلة
ورئيسهم، وقاضي قضاتهم.
ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وحفظ كتاب عديدة، وأخذ عن جماعة، منهم:
والده، وجدّه قاضي القضاة جمال الدّين المرداوي، وقرأ على البهاء
السّبكي، واشتغل وأشغل، وأفتى ودرّس، وناظر وصنّف، وشاع اسمه، واشتهر
ذكره، وبعد صيته، ودرّس بدار الحديث الأشرفية بالصّالحية والصاحبة [2]
وغيرهما، وأخذ عنه جماعات، منهم: ابن حجر العسقلاني.
ومن تصانيفه كتاب «فضل الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم» وكتاب
«الملائكة» وشرح «المقنع» و «مختصر ابن الحاجب» و «طبقات أصحاب الإمام
أحمد» وتلف غالبها في فتنة تيمور، وناب في الحكم لابن المنجّى وغيره،
وانتهت إليه مشيخة الحنابلة، وكان له ميعاد في الجامع الأموي بمحراب
الحنابلة، بكرة نهار السبت يسرد فيه نحو مجلد ويحضر مجلسه الفقهاء من
كل مذهب، ثم ولي القضاء بدمشق. ولما وقعت فتنة التتار كان ممن تأخر
بدمشق، ثم خرج إلى تيمور ومعه جماعة، ووقع بينه وبين عبد الجبّار
المعتزلي إمام تيمور مناظرات وإلزامات بحضرة تمرلنك، فأعجبه ومال إليه،
فتكلم معه في الصّلح فأجاب إلى ذلك، ثم غدر، فتألم صاحب الترجمة إلى أن
توفي في يوم الثلاثاء سابع عشري شعبان ودفن عند رجل والده بالروضة.
وفيها عزّ الدّين أبو جعفر أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 247) و «الضوء اللامع» (1/ 167) و
«المقصد الأرشد» (1/ 236) و «الدليل الشافي» (1/ 27) و «الدارس في
تاريخ المدارس» (2/ 47 و 85) و «الدّر المنضد في أسماء كتب مذهب الامام
أحمد» ص (90- 91) .
[2] في «ط» : «والصاحبية» .
(9/40)
محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن جعفر
بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر
الصّادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني الإسحاقي
الحلبي [1] الشافعي، الرئيس الجليل، نقيب الأشراف.
ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وسمع من جدّه لأمّه الجمال إبراهيم بن
الشّهاب محمود، والقاضي ناصر الدّين بن العديم، وغيرهما. وأجاز له بمصر
أبو حيّان، والوادي آشي، والميدومي، وآخرون من دمشق وغيرها، واشتغل
كثيرا، واعتنى بالأدب، ونظم الشعر فأجاد.
قال القاضي علاء الدّين: كان من حسنات الدّهر زهدا، وورعا، ووقارا،
ومهابة، وسخاء، لا يشك من رآه أنه من السّلالة النّبوية [2] ، حتى
انفرد في زمانه برئاسة حلب، وتردد إليه القضاة فمن دونهم، وحدّث
بالإجازة من الوادي آشي، وأجاز لابن حجر وغيره.
ومن شعره:
يا رسول الله كن لي ... شافعا [3] في يوم عرضي
فأولو الأرحام نصّا ... بعضهم أولى ببعض
وكان تحوّل في كائنة تيمور إلى تبريز من أعمال حلب بينهما مرحلتان من
جهة الفرات، فمات بها في رجب، ونقل إلى حلب فدفن عند أهله.
وفيها أحمد بن آق برس [4] بن يلغان [5] بن كنجك [6] الخوارزمي ثم
الصّالحي [7] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 249) و «الضوء اللامع» (1/ 219) .
[2] في «آ» : «من سلالة النبوة» وما جاء في «ط» موافق لما في «إنباء
الغمر» مصدر المؤلف.
[3] أقول: كذا كتبها الشاعر لضرورة الوزن، والصواب أن يقال: «اللهم
فشفعة في.» (ع) .
[4] في «الضوء اللامع» : «أحمد بن آق برس- بالسين المهملة آخره وربما
قلبت صادا-» .
[5] في «الضوء اللامع» : «ابن بلغاق» .
[6] كذا في «آ» و «ط» و «الضوء اللامع» : «كنجك» وفي «إنباء الغمر» :
«كجك» .
[7] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 254) و «الضوء اللامع» (1/ 190) .
(9/41)
قال ابن حجر: سمع من إسحاق بن يحيى الآمدي،
ومحمد بن عبد الله بن المحبّ، وزينب بنت الكمال. أخذت عنه بالصالحية
كثيرا وكان خيّرا.
مات في الفتنة. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن راشد بن طرخان الملكاوي [1]
الدمشقي الشافعي [2] أقضى القضاة.
كان أحد العلماء الأئمة المعتبرين. اشتغل في الفقه، والحديث، والنحو،
والأصول.
قال الزّهري: ما في البلد من أخذ العلوم على وجهها غيره، وكان ملازما
للاشتغال، وتخرّج به جماعة، وناب في القضاء، ودرّس في الدماغية، وناب
في الشامية الجوانية، وقصد بالفتاوى من سائر الأقطار، وكان يكتب عليها
كتابة حسنة وخطّه جيد. كان في ذهنه وقفة وعبارته ليست كقلمه، وكان يميل
إلى ابن تيمية كثيرا. ويعتقد رجحان كثير من مسائله، وفي أخلاقه حدّة،
وعنده نفرة من الناس.
انفصل من الوقعة وهو متألم مع ضعف بدنه السابق، وحصل له جوع فمات في
رمضان وهو في عشر السبعين ظنا، ودفن بمقبرة باب الفراديس بطرفها
الشمالي من جهة الغرب. قاله ابن قاضي شهبة.
وفيها أحمد بن ربيعة المقرئ [3] ، أحد المجوّدين للقراءة والعارفين
بالعلل.
أخذ عن ابن اللّبّان وغيره، وانتهت إليه رئاسة هذا الفنّ بدمشق، ومع
ذلك كان عاملا لمعاناة ضرب المندل، واستحضار الجنّ.
توفي في شعبان وقد جاوز السبعين.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «المكاوي» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 253) و «الضوء اللامع» (1/ 299) و
«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 13- 14) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 254) و «الضوء اللامع» (1/ 300) و
«غاية النهاية» (1/ 53) .
(9/42)
وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن عبد الله
النّحريري المالكي [1] .
قدم القاهرة وهو فقير جدا، فاشتغل، وأقرأ الناس في العربية، ثم ولي
قضاء طرابلس فسار إليها، ونالته محنة من منطاش، ضربه فيها وسنه بدمشق،
فلما فرّ منطاش رجع إلى القاهرة وقد تموّل، فسعى إلى أن ولي قضاء
المالكية في محرم سنة أربع وتسعين فلم تحمد سيرته، فصرف في ذي القعدة،
واستمرّ إلى أن مات معزولا في رجب.
وفيها سعد الدّين أحمد بن عبد الوهاب بن داود بن علي [2] بن محمد [2]
المحمدي القوصي [3] .
ولد بقوص، وتفقه، ثم دخل القاهرة واشتغل، ثم دخل الشام فأقام بها، ثم
دخل العراق فأقام بتبريز وأصبهان ويزد وشيراز، ثم استمرّ مقيما بشيراز
بالمدرسة البهائية إلى أن مات في ربيع الآخر.
وفيها أحمد بن علي بن يحيى بن تميم الحسيني الدمشقي [4] ، وكيل بيت
المال بها.
سمع الكثير من الحجّار، وابن تيمية، والمزّي، وغيرهم. وولي نظر
المارستان النّوري قديما، ووكالة بيت المال، ونظر الأوصياء، وكان
مشكورا في مباشراته، ثم ترك ذلك، وانقطع في بيته يسمع الحديث إلى أن
مات.
قال ابن حجر: قرأت عليه كثيرا، وكان [5] ناصر الدّين بن عدنان يطعن في
نسبه.
مات في ربيع الآخر وله سبع وثمانون سنة واستراح من رعب الكائنة العظمى.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 255) و «الضوء اللامع» (1/ 372) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 256) و «الضوء اللامع» (1/ 375) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 257) و «الضوء اللامع» (2/ 45) .
[5] في «ط» : «فكان» .
(9/43)
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن
محمد بن أحمد بن محمد بن عمر الأيلي الفارسي نزيل بيت المقدس ثم
الرّملة، يلقب، زغلش- بزاي أوله ومعجمتين بينهما لام- الحنبلي، ويعرف
بابن العجمي وبابن المهندس [1] .
سمع من ابن الميدومي فمن بعده بالقدس والشام، ثم طلب بنفسه، وحصّل
كثيرا من الأجزاء والكتب، وتمهّر ثم افتقر.
قال ابن حجر: سمعت منه بالرّملة فوجدته حسن المذاكرة لكنه عانى الكدية
واستطابها، وصار زري الملبس والهيئة. سمعت منه في ثاني عشر رمضان سنة
اثنتين وثمانمائة وقد سمع أبوه من الفخر علي، وحدّث، ومات شهاب الدّين
هذا في وسط السنة وتمزّقت كتبه مع كثرتها. انتهى.
وفيها موفق الدّين أبو العبّاس أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن
أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني الحنبلي العسقلاني [2]
قاضي الحنابلة بالديار المصرية.
استقرّ فيها بعد موت أخيه برهان الدّين في يوم الاثنين ثامن عشر ربيع
الأول سنة اثنتين وثمانمائة، وتفقه على والده، وعلى الشيخ مجد الدّين
سالم، وقرأ العربية على البرهان الواحدي، وسمع الحديث من والده، وابن
الفصيح، وأجاز له ابن أميلة وغيره، ولم يحدّث، وكان حسن الذات، جميل
الصّفات، كثير الحياء، حسن السيرة.
وتوفي بمصر في حادي عشر رمضان عن أربع وثلاثين سنة.
وفيها جلال الدّين أسعد بن محمد بن محمود الشّيرازي الحنفي [3] .
قدم بغداد صغيرا، فاشتغل على الشيخ شمس الدّين السّمرقندي، والشمس
الكرماني، وقرأ عليه «صحيح البخاري» . أكثر من عشرين مرة، وجاور معه
بمكّة
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 259) و «الضوء اللامع» (2/ 86) و
«السحب الوابلة» ص (91) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 261) و «الضوء اللامع» (2/ 239) و
«السحب الوابلة» ص (116) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 263) و «الضوء اللامع» (2/ 279) و
«الطبقات السنية» (2/ 171) .
(9/44)
سنة خمس وسبعين، وكان يقرئ ولديه ويشغلهما،
ويشغل في النحو والصّرف وغيرهما [1] ودرس [1] وأعاد، وحدّث وأفاد،
وكانت عنده سلامة باطن ودين وتعفف وتواضع، ويكتب خطا حسنا. كتب
«البخاري» في مجلد وأخرى في مجلدين، وكتب «الكشاف» و «البيضاوي» وغير
ذلك. وولي آخر إمامة السميساطية بدمشق ومات بها في جمادى الآخرة وقد
جاوز الثمانين.
وفيها الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل عبّاس بن المجاهد علي بن المؤيد
داود بن المظفّر عمر بن المنصور علي بن رسول اليمني ممهد الدّين [2] .
قال ابن حجر: التركماني الأصل، ولي السلطنة بعد أبيه فأقام بها خمسا
وعشرين سنة، وكان في ابتداء أمره طائشا ثم توقّر وأقبل على العلم
والعلماء، وأحبّ جمع الكتب، وكان يكرم الغرباء ويبالغ في الإحسان
إليهم. امتدحته لما قدمت بلده فأثابني، أحسن الله جزاءه.
توفي في ربيع الأول بمدينة تعز ودفن بمدرسته التي أنشأها بها ولم يكمل
الستين انتهى.
وفيها إسماعيل بن عبد الله المغربي المالكي [3] نزيل دمشق.
كان بارعا [4] في مذهبه، وناب في الحكم، وأفتى وتفقه به الشاميون.
ومات في شعبان عن نحو سبعين سنة، وقد ضعف بصره.
وفيها عماد الدّين أبو بكر إبراهيم بن العزّ محمد بن العزّ إبراهيم بن
عبد الله ابن أبي عمر المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي، المعروف بالفرائضي
[5] .
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 264) و «الضوء اللامع» (2/ 299) و
«الدليل الشافي» (1/ 124) و «غاية الأماني في أخبار القطر اليماني» (2/
508) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 260) و «الضوء اللامع» (2/ 301) .
[4] في «آ» : «عارفا» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 266) و «الضوء اللامع» (11/ 12) و
«المقصد الأرشد» (3/ 153) .
(9/45)
سمع الكثير على الحجّار، وابن الزرّاد،
وغيرهما. وأجاز له أبو نصر بن الشّيرازي، والقاسم بن عساكر، وآخرون.
قال ابن حجر: أكثرت عليه، وكان قبل ذلك عسرا في التحديث، فسهّل الله
تعالى له خلقه.
مات عام الحصار عن نحو ثمانين سنة. انتهى.
وفيها شرف الدّين أبو بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد
الله ابن جماعة الحموي الأصل ثم المصري الشافعي [1] .
سمع الكثير من جدّه، والميدومي، ويحيى بن فضل الله، وغيرهم. وأجاز له
مشايخ مصر والشام إذ ذاك بعناية أبيه، واشتغل مدة، وناب عن أبيه في
الحكم والتدريس، ثم ترك وخمل لاشتغاله بما لا يليق بأهل العلم.
قال ابن حجر: وكان يدري أشياء عجيبة، رأيته يجعل الكتاب في كمه ويقرأ
ما فيه من غير أن يكون شاهده.
مات في رابع عشر جمادى الأولى بمصر عن خمس وسبعين سنة.
وفيها عزّ الدّين الحسن بن محمد بن علي العراقي المعروف بأبي أحمد [2]
، الشاعر المشهور، نزيل حلب.
قال ابن خطيب الناصرية: كان من أهل الأدب، وله النظم الجيد، وكان
خاملا، وينسب إلى التشيع وقلّة الدّين، وكان يجلس مع العدول للشهادة
بمكتب داخل باب النّيرب.
ومن نظمه:
ولمّا اعتنقنا للوداع عشيّة ... وفي كلّ قلب من تفرّقنا جمر
بكيت فأبكيت المطيّ توجّعا ... ورقّ لنا من حادث السّفر السّفر
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 269) و «الضوء اللامع» (11/ 47) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 274) و «الضوء اللامع» (3/ 126) .
(9/46)
جرى درّ دمع أبيض من جفونهم ... وسالت دموع
كالعقيق لنا حمر
فراحوا وفي أعناقهم من دموعنا ... عقيق وفي أعناقنا منهم درّ
وله مؤلّف سمّاه «الدّرّ النّفيس من أجناس التجنيس» يشتمل على سبع
قصائد. وله عدة قصائد في مدح النّبيّ صلى الله عليه وسلم مرتبة على
حروف المعجم.
وتوفي بحلب في سابع عشر المحرم.
وفيها خديجة بنت أبي بكر بن عبد الملك الصّالحية المعروفة ببنت اللّوري
[1] .
قال ابن حجر: حدّثتنا عن زينب بنت الكمال، وماتت في حصار دمشق.
وفيها بهاء الدّين أبو الفتح رسلان بن أبي بكر بن رسلان بن بن نصير بن
صالح البلقيني الشافعي [2] ابن أخي سراج الدّين.
اشتغل بالفقه كثيرا، ومهر، وشارك في غيره، وناب في الحكم، وتصدى
للإفتاء والتدريس، وانتفع به في جميع ذلك، وكان كثير المنازعة لعمّه في
اعتراضاته على الرافعي.
قال ابن حجي: كان من أكابر العلماء، وحمدت سيرته في القضاء.
وتوفي في آخر جمادى الأولى وله سبع وأربعون سنة، وكثر تأسف الناس عليه.
وفيها زينب بنت العماد أبي بكر بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبّاس بن
جعوان [3] .
قال ابن حجر: سمعت من الحجّار، وعبد القادر بن الملوك، وغيرهما.
وماتت في شوال وسمعت عليها أيضا.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 276) و «الضوء اللامع» (12/ 26) و
«أعلام النساء» (1/ 324) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 277) و «الضوء اللامع» (3/ 225) و
«الدليل الشافي» (1/ 305) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 279) و «الضوء اللامع» (12/ 40) و
«أعلام النساء» (2/ 100) .
(9/47)
وفيها ستّ الكلّ بنت أحمد بن محمد بن
الزّين القسطلّانية ثم المكية [1] .
حدّثت بالإجازة عن يحيى بن فضل الله، ويحيى بن البصري، وابن الرّضي،
وغيرهم من الشاميين والمصريين، وسمع منها ابن حجر بمكّة.
وفيها شرف الدّين شعبان بن علي بن إبراهيم المصري الحنفي [2] .
سمع من أصحاب الفخر، وكان بصيرا بمذهبه، ودرّس في العربية، وحصل له خلل
في عقله، ومع ذلك يدرّس ويتكلم في العلم. وتوفي في شوال.
وفيها شمس الملوك بنت ناصر الدّين محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن يعقوب
بن الملك العادل الدمشقيّة [3] .
قال ابن حجر: روت عن زينب بنت الكمال.
وماتت في شعبان ولي منها إجازة. انتهى.
وفيها تقي الدّين عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن
أحمد بن عبيد الله القدسي ثم الصّالحي [4] . سمع من الحجارة وغيره.
وقال ابن حجر: قرأت عليه الكثير بالصالحية مات بعد الوقعة.
وفيها تقي الدّين أبو الفتح عبد الله بن يوسف بن أحمد بن الحسين بن
سلمان بن فزارة بن بدر بن محمد بن يوسف قاضي القضاة الكفري الدمشقي
الحنفي [5] .
ولد بدمشق سنة ست وأربعين وسبعمائة، وسمع على أصحاب ابن عبد الدائم،
وغيرهم، وتفقه بوالده وغيره، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، وغير
ذلك، وتولى قضاء قضاة الحنفية بدمشق هو وأخوه زين الدّين عبد الرحمن،
وأبوه، وجدّه، وكان مشكور السيرة، محمود الطريقة.
__________
[1] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 279) و «الضوء اللامع» (12/ 57) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 280) و «الضوء اللامع» (3/ 300) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 280) و «الضوء اللامع» (12/ 69) و
«أعلام النساء» (2/ 304) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 282) و «الضوء اللامع» (5/ 40) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 284) و «الضوء اللامع» (5/ 73) و
«الدليل الشافي» (1/ 392) .
(9/48)
وتوفي في عشري ذي القعدة في أسر الطّاغية
تيمور.
وفيها تقي الدّين عبد الله بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن
قدامة الحنبلي المعروف بابن عبيد الله [1] .
كان إماما، علّامة، رحلة. سمع علي الحجّار، ومن ابن الرّضي، وبنت
الكمال، والجزري، وغيرهم. وسمع من ابن حجر. سمع من لفظه «المسلسل
بالأولية» وسمع عليه غير ذلك. وتوفي بالصالحية بعد كائنة تيمور.
وفيها عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الفخر عبد الرحمن البعلي
الدمشقي الحنبلي [2] .
قال ابن حجر: حدّثنا عن المزّي وغيره.
مات في رجب.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن لاجين الرشيدي
الشافعي [3] .
ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وأسمع على جماعة، وسمع بدمشق من جماعة،
وحدّث، وكان عنده علم بالميقات، وولي رئاسة المؤذنين.
قال الحافظ ابن حجي: كان بارعا في الحساب، والفرائض، والميقات، شرح
«الجعبرية» و «الأشنهية» و «الياسمينية» وله مجاميع حسنة. انتهى.
وأخذ عنه ابن حجر.
وتوفي في مستهل جمادى الأولى.
وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن محمد بن محمد بن الخضر بن الخضري
الطّيبي [4] .- بتشديد التحتانية بعدها موحدة-.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 282) و «الضوء اللامع» (5/ 45) و
«السحب الوابلة» ص (263) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 286) و «الضوء اللامع» (4/ 89) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 287) و «الضوء اللامع» (4/ 119) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 289) و «الضوء اللامع» (4/ 231) .
(9/49)
ولد قبل ثلاثين وسبعمائة، وأسمع على يحيى
بن فضل الله، وصالح بن مختار، وآخرين. وقّع في الحكم عند أبي البقاء
فمن بعده، وباشر نظر الأوقاف.
قال ابن حجر: سمعت عليه شيئا، وخرّجت له «جزءا» ومات في ثالث عشر
المحرم.
وفيها عبد القادر بن محمد بن علي بن عمر بن نصر الله الدمشقي الفرّاء
المعروف بابن القمر، سبط الحافظ الذهبي [1] .
سمع بإفادة جدّه منه، ومن زينب بنت الكمال، وأحمد بن علي الجزري في
آخرين.
قال ابن حجر: حدّثنا في حانوته وكان نعم الرجل مات في الكائنة.
وفيها كريم الدّين أبو الفضائل عبد الكريم بن عبد الرزّاق بن إبراهيم
بن مكانس [2] .
ولي الوزارة وغيرها، مرارا. وكان مهابا مقداما متهورا، وقبض عليه بسبب
تهوره وصودر، ثم ضرب بالمقارع، ولم يكن فيه ما في أخيه فخر الدّين من
الإنسانية والأدب إلّا أنه كان مفضالا كثير الجود لأصحابه.
قال في «المنهل» : كان من أعاجيب الزّمان في الخفّة، والطيش، وقلّة
العقل، وسرعة الحركة، يقال: إنه لما أعيد إلى الوزارة بعد أن ضرب
بالمقارع قال لمن معه وهو في موكبه بالحلقة والناس بين يديه: يا فلان
ما هذه الرّكبة غالية بعلقة مقارع.
وتوفي يوم الثلاثاء رابع عشري جمادى الآخرة.
وفيها فخر الدّين عثمان بن محمد بن عثمان بن محمد بن موسى بن جعفر
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 290) و «الضوء اللامع» (4/ 91) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 290) و «الضوء اللامع» (4/ 312) و
«النجوم الزاهرة» (13/ 22) و «الدليل الشافي» (1/ 425) .
(9/50)
الأنصاري السّعدي العبادي- بالضم والتخفيف-
الكركي ثم الدمشقي [1] الشافعي الكاتب المجوّد.
ولد بالكرك سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وقدم دمشق سنة إحدى وأربعين، فسمع
بها من أحمد بن علي الجزري والسّلاوي، ثم عاد إلى بلده، ثم استوطن دمشق
من سنة خمس وأربعين، واشتغل في الفقه، وسمع أيضا من زينب ومحمد ابني
إسماعيل بن الخبّاز، وفاطمة بنت العزّ، ثم دخل مصر، فأقام بها مدة،
وتزوج بنت العلّامة جمال الدّين بن هشام، ثم جاور بمكّة، ثم عاد إلى
دمشق، وحدّث.
سمع منه الياسوفي وغيره، ومات في شعبان.
وفيها علاء الدّين علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمود المرداوي
ثم الصّالحي الحنبلي [2] سبط أبي العبّاس بن المحبّ.
ولد سنة ثلاثين وسبعمائة، وكان أقدم من بقي من شهود الحكم بدمشق، فإنه
شهد عند قاضي القضاة جمال الدّين المرداوي، وكان رجلا خيّرا. سمع من
ابن الرّضي، وزينب بنت الكمال، وعائشة بنت المسلم، وقرأ عليه الشّهاب
بن حجر وغيره، وتوفي في رمضان.
وفيها علي بن أيوب الماحوزي [3] ، النسّاج الزّاهد.
كان يسكن بقرية قبر عاتكة، وينسج بيده، ويباع ما ينسجه بأغلى ثمن،
ويتقوت منه هو وعائلته، ولا يزور أحدا، وكانت له مشاركة في العلم.
قال ابن حجي: هو عندي خير من يشار إليه بالصّلاح في وقتنا، وكان طلق
الوجه، حسن العشرة، له كرامات ومكاشفات.
توفي في عاشر ربيع الآخر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 293) و «الضوء اللامع» (5/ 139) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 295) و «الضوء اللامع» (5/ 187) و
«المقصد الأرشد» (2/ 214) و «السحب الوابلة» ص (179) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 296) .
(9/51)
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن محمد
بن عبّاس بن شيبان البعلي.
ثم الدمشقي الحنبلي المعروف بابن اللحام [1] ، شيخ الحنابلة في وقته.
اشتغل على الشيخ زيد الدّين بن رجب.
قال البرهان بن مفلح في «طبقاته» : وبلغني أنه أذن له في الإفتاء، وأخذ
الأصول عن الشّهاب الزّهري، ودرّس وناظر، واجتمع عليه الطلبة وانتفعوا
به، وصنّف في الفقه والأصول، فمن مصنّفاته «القواعد الأصولية» و
«الأخبار العلمية في اختيارات الشيخ تقي الدّين بن تيميّة» و «تجريد
العناية في تحرير أحكام النهاية» وناب في الحكم عن قاضي القضاة علاء
الدّين بن المنّحى رفيقا للشيخ برهان الدّين بن مفلح، ثم ترك النّيابة،
وتوجه إلى مصر، وعيّن له وظيفة القضاء بها فلم ينبرم ذلك، واستقرّ مدرس
المنصورية إلى أن توفي يوم عيد الفطر، وقيل الأضحى، وقد جاوز الخمسين.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن يحيى الصّرخدي الشافعي [2] نزل حلب.
تفقّه بالموضعين، وسمع من المزّي وغيره، وجالس الأزرعي، وكان يبحث معه
ولا يرجع إليه، وكان يلازم بيته غالبا ولا يكتب على الفتاوى إلّا
نادرا، ثم درّس بجامع تغري بردي.
قال القاضي علاء الدّين قاضي حلب في «تاريخه» : قرأت عليه، وانتفعت به
كثيرا، وناب في الحكم عن ابن أبي الرّضا وغيره، وكان البلقيني لما قدم
حلب وجالسه يثني عليه. وتوفي بأيدي اللنكية.
وفيها نور الدّين علي بن يوسف بن مكّي بن عبد الله الدّميري ثم المصري
[3] ابن الجلال المالكي [4] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 301) و «الضوء اللامع» (5/ 320) و
«المقصد الأرشد» ، (2/ 237) .
و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 124) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 303) و «الضوء اللامع» (6/ 26) .
[3] في «آ» : «العزي» وفي «ط» : «الغزي» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 305) و «الضوء اللامع» (6/ 55) .
(9/52)
أصله من حلب، وكان جدّه مكّي يعرف بابن
نصر، ثم قدم مصر، وسكن دميرة، فولد له بها يوسف، فاشتغل بفقه المالكية،
وسكن القاهرة، وناب عن البرهان الإخنائي، وعرف بجلال الدّميري، وولد له
هذا، فاشتغل حتّى برع في مذهب مالك، ولم يكن يدري من العلوم شيئا سوى
الفقه، وكان كثير النقل لغرائب مذهبه، شديد المخالفة لأصحابه، إلى أن
اشتهر صيته في ذلك، وناب في الحكم مدة، ثم ولي القضاء استقلالا في أول
هذه السنة، وعيب بذلك لأنه اقترض مالا بفائدة حتّى بذله للولاية، وكان
منحرف المزاج مع المعرفة التّامة بالأحكام، وسافر مع العسكر إلى قتال
اللنك فمات قبل أن يصل في جمادى الآخرة ودفن باللّجون.
وفيها زين الدّين عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد
المقدسي الحنبلي [1] ، الشيخ المسند المعمّر.
أحضر على زينب بنت الكمال، وأسمع على أحمد بن علي الجزري، وعبد الرحيم
بن أبي اليسر، وهو ابن أخت الشيخة فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي الآتي
ذكرها.
توفي في شعبان في فتنة التّيمور.
وفيها زين الدّين عمر بن براق الدّمشقي الحنبلي [2] .
كان سريع الحفظ، قوي الفهم، على طريقة ابن تيمية، وكان له طلبة وأتباع،
وكان ممن أوذي في الفتنة، وأخذ ماله، وأصيب في أهله وولده فصبر واحتسب،
ثم مات في عاشر شوال.
وفيها زين الدّين عمر بن جمال الدّين عبد الله بن داود الكفري [3] ،
الفقيه الشافعي.
قال ابن حجر: اشتغل كثيرا حتى قيل: إنه كان يستحضر «الروضة» وعرض
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 311) و «الضوء اللامع» (6/ 115) و
«السّحب الوابلة» ص (322) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 308) و «الضوء اللامع» (6/ 75) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 309) و «الضوء اللامع» (6/ 97) .
(9/53)
عيه الحكم فامتنع، وأفتى بدمشق، ودرّس،
وتصدّر بالجامع، وكان قوي النّفس، يرجع إلى دين ومروءة.
قتل في الفتنة التمرية.
وفيها زين الدّين عمر بن محمد بن أحمد بن سلمان البالسي ثم الصالحي
الملقّن [1] .
أسمعه أبوه الكثير من المزّي، والذهبي، والبرزالي، وزينب بنت الكمال،
وخلق كثير. وكان مكثرا جدا، كثير البرّ للطلبة، شديد العناية بأمرهم،
يقوم بأحوالهم ويؤدّبهم، وكان لا يضجر من التسميع.
قال ابن حجر: قرأت عليه الكثير، وسمعت عليه ومعه.
مات في شعبان وقد جاوز السبعين.
وفيها عائشة بنت أبي بكر بن الشيخ أبي عبد الله محمد بن عمر بن قوام
البالسية ثم الصّالحية [2] .
قال ابن حجر: روت لنا عن أبي بكر بن أحمد بن أبي بكر المغار، وماتت في
ثالث عشر شعبان.
وفيها عمران بن إدريس بن معمّر- بالتشديد- الجلجولي ثم الدمشقي الشافعي
[3] .
ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وعني بالقراءات، فقرأ على ابن اللّبّان
وغيره، ولازم القاضي تاج الدّين السّبكي، وقرأ وحصّل، وكان في لسانه
ثقل، فكان لا يفصح بالكلام إلّا إذا قرأ. وكان يحجّ على قضاء الرّكب
الشامي، وسمع من بعض أصحاب الفخر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 310) و «الضوء اللامع» (6/ 116) .
[2] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 312) و «الضوء اللامع» (12/ 75) و
«أعلام النساء» (3/ 132) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 306) و «الضوء اللامع» (6/ 63) .
(9/54)
قال ابن حجي: لم يكن مشكورا في ولايته، ولا
شهاداته، وكان يلبس دلقا ويرخي عذبة عن يساره، وكان فقير النّفس، لا
يزال يظهر الفاقة، وإذا حصلت له وظيفة نزل عنها، وكان كثير الأكل جدا،
وكان يقرأ حسنا.
مات بعد الكائنة العظمى.
وفيها فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي
المقدسية ثم الصّالحية الحنبلية أم يوسف [1] .
كان أبوها محتسب الصالحية، وهو عمّ الحافظ شمس الدّين. أسمعت الكثير
على الحجّار وغيره، وأجاز لها أبو نصر بن الشّيرازي وآخرون من الشام،
وحسن [2] الكردي، وعبد الرحيم المنشاوي، وآخرون من مصر.
قال ابن حجر: قرأت عليها الكثير من الكتب والأجزاء بالصّالحية، ونعم
الشيخة كانت.
ماتت في شعبان وقد جاوزت الثمانين.
وفيها قاضي القضاة صدر الدّين أبو المعالي محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن
إبراهيم بن عبد الرحمن السّلمي المناوي ثم القاهري الشافعي [3] .
ولد في رمضان سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وأبوه حينئذ ينوب في القضاء
عن عزّ الدّين بن جماعة، وأمّه بنت قاضي القضاة زين الدّين عمر
البسطامي، فنشأ في حجر السعادة، وحفظ «التنبيه» وأسمع من الميدومي،
وابن عبد الهادي، وغيرهما تجمعهم مشيخته التي خرّجها له أبو زرعة في
خمسة أجزاء، وناب في الحكم وهو شاب، ودرّس وأفتى، وولي إفتاء دار
العدل، وتدريس الشيخونية والمنصورية، وخرّج أحاديث المصابيح.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 313) و «الضوء اللامع» (12/ 101) و
«أعلام النساء» (4/ 133) .
[2] في «ط» : «حسين» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 315) و «الضوء اللامع» (6/ 249) .
(9/55)
قال ابن حجر: سمعت منه، وكتب [شيئا] [1]
على «جامع المختصرات» .
ثم ولي القضاء استقلالا، وكان كثير التودد إلى الناس، معظّما عند الخاص
والعام، محبّبا إليهم. وكان له عناية بتحصيل الكتب النّفيسة، على طريق
ابن جماعة، فحصّل منها شيئا كثيرا، وسافر مع العسكر فأسر [2] مع
اللّنكية، فلم يحسن المداراة مع عدوه فأهانه وبالغ في إهانته، حتّى مات
وهو معهم في القيد غريقا. غرق في نهر الفرات في شوال بعد أن قاسى
أهوالا عسى الله أن يكون كفّر بها عنه ما جناه [3] عليه القضاء. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي الجزري ثم الدمشقي بن
الظّهير [4] .
سمع من ابن الخبّاز وغيره، وأكثر عن أصحاب الفخر بطلبه، وكان خيّرا
يتغالى في مقالات ابن تيمية.
توفي في [5] تاسع عشر شوال عن ستين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن علي بن سليمان المعرّي ثم الحلبي بن
الرّكن الشافعي [6] .
كان ينسب إلى أبي [7] الهيثم التّنوخي عمّ أبي العلاء المعرّي.
ولد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وتفقه [8] ، وأخذ عن الزّين الباريني،
والتّاج ابن الدّريهم، وبدمشق عن التّاج السّبكي، وكتب كثيرا، وخطب
بجامع حلب
__________
[1] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «إنباء الغمر» .
[2] تحرفت في «ط» إلى «فأسرع» .
[3] تصفحت في «ط» إلى «ما جباه» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 317) و «الضوء اللامع» (6/ 276) .
[5] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[6] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 319) و «الضوء اللامع» (7/ 12) .
[7] تحرفت في «آ» إلى «ابن» .
[8] في «ط» : «تفقه» من غير الواو.
(9/56)
مدّة. وكان حاد الخلق، مع كثرة البرّ
والصّدقة، وله ديوان خطب، ونظم وسط.
وأخذ عنه القاضي علاء الدّين، وابن الرّسّام.
وتوفي في الكائنة العظمى.
وفيها شمس الدّين محمد بن إسماعيل بن الحسن بن صهيب بن خميس البابي ثم
الحلبي [1] .
ولد بالباب [2] ثم قدم حلب، وكان يسمّى سالما، فتسمى محمدا، وقرأ على
عمّه العلّامة علاء الدّين علي البابي، والزين الباريني، وبرع في
الفرائض والنحو، وشارك في الفنون، وأشغل الطلبة، وأفتى ودرّس، وكان
ديّنا، عفيفا، وولّاه القاضي شرف الدّين الأنصاري قضاء ملطية، فلما
حاصرها ابن عثمان عاد إلى حلب إلى أن عدم في الكائنة التّيمورية.
وفيها بدر الدّين محمد بن الحافظ عماد الدّين إسماعيل بن عمر بن كثير
البصروي ثم الدمشقي الشافعي [3] .
ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة، واشتغل، وتميّز، وطلب، وسمع الكثير من
بقية أصحاب الفخر ومن بعدهم.
قال ابن حجر: وسمع معي بدمشق، ثم رحل إلى القاهرة، فسمع من بعض شيوخنا،
وتمهّر في هذا الشأن قليلا، وتخرّج بابن النّجيب، وشارك في الفضائل، مع
خطّ حسن، ودرّس في مشيخة الحديث بعد أبيه بتربة أمّ الصّالح.
مات في ربيع الآخر فارا عن دمشق بالرّملة، وكان قد علّق «تاريخا»
للحوادث التي في زمنه. انتهى.
وقال ابن حجي: لم يكن محمود السّيرة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 320) و «الضوء اللامع» (7/ 136) و
«بغية الوعاة» (1/ 54) .
[2] الباب: بلدة كبيرة تقع في الشمال الشرقي لمدينة حلب بينها وبين
منبج نحو ميلين. انظر خبرها في «معجم البلدان» (1/ 303) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 321) و «الضوء اللامع» (7/ 138) .
(9/57)
وفيها محمد بن حسن بن عبد الرّحيم الصّالحي
الدّقّاق [1] .
قال ابن حجر: حدّثنا عن الحجّار، سمعت منه أجزاء انتهى.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله [2] محمد بن خليل بن محمد بن طوغان
الدمشقي الحريري الحنبلي، المعروف بابن المنصفي [3] .
ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة، واشتغل في الفقه، وشارك في العربية
والأصول، وسمع الكثير من أصحاب ابن البخاري، وسمع بمصر أيضا، وحصلت له
محنة بسبب مسألة الطّلاق المنسوبة إلى ابن تيميّة، ولم يرجع عن
اعتقاده، وكان خيّرا، ديّنا. قاله ابن حجر. وقال: سمعت منه شيئا.
ومات في شعبان بعد أن عوقب، واستمرّ متألما. انتهى.
وقال ابن حجي: كان فقيها، محدّثا، حافظا، قرأ الكثير، وضبط وحرّر،
وأتقن وألّف، وجمع، مع المعرفة التّامة.
تخرّج بابن المحبّ، وابن رجب، وكان يفتي ويتقشف، مع الانجماع، ولم تكن
الحنابلة ينصفونه، وأقام بالضّيائية ثم بالجوزية. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن سليم بن كامل الحوراني ثم الدمشقي الشافعي
[4] .
تفقه، ومهر، واعتنى بالأصول والعربية، وكان من عدول دمشق، وقرأ
«الروضة» على علاء الدّين حجي، وكتب عليها حواشي مفيدة، وأذن له في
الإفتاء، ودرّس وأجاد، وتصدّر وأفاد، وكان أكثر أقرانه استحضارا للفقه،
وكان أسمر شديد السّمرة، وكان يكتب الحكم [5] ، وكتب من مصنّفات التّاج
السّبكي له كثيرا.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 323) و «الضوء اللامع» (7/ 224) .
[2] في «ط» : «أبو عبيد الله» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 323) و «المقصد الأرشد» (2/ 409) و
«السحب الوابلة» ص (378) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 325) و «الضوء اللامع» (7/ 262) .
[5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المحكم» والتصحيح من مصدري الترجمة.
(9/58)
وتوفي في رجب بعد أن عوقب بأيدي اللّنكية
وقد قارب الستين.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن عثمان بن شكر البعلي الحنبلي [1]
، الشيخ الإمام.
سمع الحديث من جماعة، وروى، وألّف، وجمع، وكانت كتابته حسنة وعباراته
جيدة في التصنيف حدّث ب «معجم ابن جميع» وتوفي بغزّة.
وفيها الحافظ ناصر الدّين محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن
سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي المعروف بابن زريق
[2] الشيخ الإمام.
تفقه، وطلب الحديث، فسمعه من صلاح الدّين بن أبي عمر، وتخرّج بابن
المحبّ، وتمهر في فنون الحديث، وسمع العالي والنّازل، وخرّج، ورتّب
«المعجم الأوسط» على الأبواب، و «صحيح ابن حبان» .
قال ابن حجر: استفدت منه كثيرا، وسمع معي على الشيوخ بالصّالحية
وغيرها، ولم أر في دمشق من يستحق، اسم الحافظ غيره.
وتوفي في ذي القعدة أسفا على ولده أحمد ولم يكمل الخمسين، وكان
اللّنكية قد أسروه وله نحو عشر سنين. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن الحافظ أبي عبد الله الذهبي
الكفر بطناوي [3] .
سمع بإفادة جدّه منه، ومن زينب بنت الكمال، وغيرهما.
قال ابن حجر: سمعت منه، وكان من شيوخ الرواية. قتل بالعقوبة في حادي
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 327) و «الضوء اللامع» (8/ 146) و
«المقصد الأرشد» (2/ 431) وسيكرر المؤلف ترجمته بعد قليل.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 325) و «الضوء اللامع» (7/ 300) و
«المقصد الأرشد» (2/ 437) و «القلائد الجوهرية» (2/ 323) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 327) و «الضوء اللامع» (7/ 301) .
(9/59)
عشري جمادى الأولى، وقيل: بل ضرب عنقه
صبرا، وكان ببلده كفر بطنا، فأخذه العسكر التمري وقتلوه.
وفيها شمس الدّين محمد بن عثمان بن عبد الله بن شكر- بضم المعجمة وسكون
الكاف- البعلي ثم الدمشقي الحنبلي النبحالي- بفتح النون وسكون الموحدة
بعدها مهملة [1] سمع من ابن الخبّاز وغيره، وأجاز له الميدومي وغيره،
وكان خيّرا، صالحا، ديّنا، متواضعا. أفاد وحدّث، وجمع مجاميع حسنة،
منها كتاب في الجهاد، وكان خطّه حسنا ومباشرته محمودة، وجمع وألّف
بعبارة جيدة.
توفي بغزّة في رمضان عن ثمان وسبعين سنة.
وفيها بدر الدّين محمد بن محمد بن مقلّد المقدسي الحنفي [2] ، قاضي
قضاة دمشق، وليه فحسنت سيرته. وكان فقيها بارعا ذكيا، أفتى، ودرّس،
وأقرأ، وتوفي بغزّة فارّا من تيمور في ربيع الأول.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل بن مكين المالكي [3]
العلّامة، مدرّس ظاهرية برقوق.
كان إماما، فقيها، بارعا، أفتى ودرّس وأشغل عدة سنين، وانتهت إليه
رئاسة المالكية في زمنه، وتوفي بالقاهرة في عشري ربيع الآخر.
وفيها شرف الدّين محمد بن معين الدّين محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن
محمد المخزومي الدّماميني ثم الإسكندراني الشافعي [4] .
تفقه، واشتغل بالعربية والمعقول، وكان ديّنا، يعاني الكتابة، وباشر في
أعمال
__________
[1] تقدمت ترجمته قبل قليل.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 341) و «الضوء اللامع» (10/ 22) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 330) و «الضوء اللامع» (9/ 54) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 331) و «الضوء اللامع» (9/ 63) .
(9/60)
الدولة بالإسكندرية، ثم سكن القاهرة، وكان
حادّ [1] الذهن، وبرع في الفقه والأصول، وولي حسبة القاهرة مرارا
ووكالة بيت المال، مع الكسوة. ثم نظر الجيش، وسعى في القضاء فلم يتمّ
له، ودفع في كتابة السرّ قنطارا من الذهب وهو عشرة آلاف دينار فلم يتفق
له، وقبض عليه ثم أفرج عنه، وولي قضاء الإسكندرية، فلم يلبث أن مات بها
مسموما في المحرّم.
وفيها بدر الدّين محمد بن محمد بن عبد البرّ بن يحيى بن علي بن تمّام
السّبكي الخزرجي الشافعي [2] .
أسمع في صغره من ابن أبي اليسر، ونفيسة بنت الخبّاز، وعلى ابن العزّ
عمر، وغيرهم، واشتغل بالفقه والأصول، وولي القضاء مرارا وفوض [3] له
قضاء الشام لكن عزل قبل أن يتوجّه إليه، وولي خطابة الجامع بعد ابن
جماعة، ودرّس بالأتابكية بدمشق، وكان لين الجانب، قليل الحرمة في
مباشرته، وكان بخيلا بالوظائف وغيرها، مع حسن خلق وفكاهة، كثير
الإنصاف، وإذا وقع عليه البحث لا يغضب بخلاف والده، واستقرّ في يده
تدريس الشافعي إلى أن مات في ربيع الآخر وقد جاوز السبعين.
وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن عرفة الورغميّ التونسي
المالكي [4] شيخ الإسلام بالمغرب.
سمع من ابن عبد السلام الهوّاري [5] والوادي آشي، وابن سلمة، وغيرهم.
واشتغل بالفنون.
قال ابن ظهيرة في «معجمة» [5] إمام علّامة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «حديد» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 333) و «الضوء اللامع» (9/ 88) و
«الدرس في تاريخ المدارس» (1/ 135)
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «وفرض» والتصحيح من «إنباء الغمر» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 336) و «الضوء اللامع» (9/ 240) و
«نيل الابتهاج على هامش الديباج» ص (274) .
[5، 5] ما بين الرقمين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
(9/61)
ولد بتونس سنة ست عشرة وسبعمائة، وقرأ
بالروايات على ابن سلمة وغيره، وبرع في الأصول، والفروع، والعربية
والمعاني، والبيان، والفرائض، والحساب، وسمع من الوادي آشي «الصحيحين»
.
وكان رأسا في العبادة، والزّهد، والورع، ملازما للشغل بالعلم. رحل إليه
الناس، وانتفعوا به، ولم يكن بالعربية من يجري مجراه في التحقيق، ولا
من اجتمع له في العلوم ما اجتمع له. وكانت الفتوى تأتي إليه من مسافة
شهر، وله مؤلفات مفيدة، منها «المبسوط في المذهب» في سبعة أسفار، و
«مختصر الحوفي» في الفرائض.
وقال ابن حجر: أجاز لي، وكتب لي خطه لما حجّ. وعلّق عنه بعض أصحابه
كلاما في التفسير كثير الفوائد في مجلدين.
وتوفي ليلة الخميس الرابع والعشرين من جمادى الآخرة ولم يخلّف بعده
مثله.
وفيها بدر الدّين محمد بن محمد [1] بن محمد [1] بن عمر بن الفقيه أبي
بكر بن قوام الصّالحي [2] .
قال ابن حجر: كان ديّنا، خيّرا، به طرش كثير. سمع الكثير من الحجّار
وإسحاق الآمدي وغيرهما، فقرأنا عليه شبيها بالأذان، وكنا نتحقق أنه
يسمع ما نقرؤه بامتحانه تارة وبصلاته على النّبيّ- صلى الله عليه وسلم-
أخرى، وبالرّضا عن الصحابة كذلك.
مات في شعبان متحرقا بدمشق وقد جاوز الثمانين انتهى.
وفيها محبّ الدّين محمد بن محمد بن محمد بن منيع الصالحي المؤقت
المعروف بالورّاق [3] .
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 339) و «الضوء اللامع» (9/ 262) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 340) و «الضوء اللامع» (10/ 6) .
(9/62)
قال في «إنباء الغمر» : سمع من ابن أبي
التائب، وابن الرّضي، وغيرهما.
سمعت منه الكثير، ومات في رمضان بدمشق.
وفيها بدر الدّين محمد بن محمد بن مقلّد المقدسي ثم الدمشقي الحنفي [1]
.
ولد سنة أربع وأربعين وسبعمائة، وبرع في الفقه والعربية والمعقول،
ودرّس وأفتى، وناب في الحكم. ثم ولي القضاء استقلالا نحو سنة ثم عزل،
ولم تحمد مباشرته، ثم سار إلى القاهرة، فسعى في العود فأعيد، فوصل إلى
الرّملة فمات بها في ربيع الآخر.
وفيها محمد بن محمد البصروي ثم الدمشقي الضّرير [2] قرأ بالروايات،
واشتغل في الفقه، ومات في رجب.
وفيها محمد بن محمود بن أحمد بن رميثة بن أبي نمي الحسيني المكّي [3]
من بيت الملك، وقد ناب في إمرة مكّة، وكان خاله علي بن عجلان لا يقطع
أمرا دونه، وكانت لديه فضيلة، وينظم الشعر، مع كرم وعقل.
مات في شوال وقد جاوز الأربعين.
وفيها القاضي شرف الدّين موسى بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن جمعة
الأنصاري الشافعي [4] ، قاضي حلب.
ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، ونشأ في حجر عمّه شهاب الدّين خطيب
حلب.
قال في «المنهل» : تفقه على شمس الدّين محمد العراقي شارح «الحاوي» ،
وعلى الشيخ شهاب الدّين الأذرعي، وقدم القاهرة، فأخذ عن الجمال
__________
[1] سبقت ترجمته قبل قليل. انظر ص (60) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 342) و «الضوء اللامع» (10/ 41) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 342) و «الضوء اللامع» (10/ 42) و
«العقد الثمين» (2/ 348) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 343) و «الضوء اللامع» (10/ 189) و
«الدليل الشافي» (2/ 753) .
(9/63)
الإسنوي [1] ، والولي الملوي، وسمع من
الحافظ مغلطاي وغيره، وبدمشق من ابن المهندس، وأحمد الأيكي المعروف
بابن زغلش. ثم عاد إلى حلب، وقد برع في فنون، وتولّى خطابة الجامع، ثم
استقرّ قاضي قضاة حلب، وفي أيّامه قدم تيمور إلى البلاد الشّامية، وحضر
مجلس تيمور، ورسم عليه ثم أفرج عنه [2] ، وكان عالما، كبيرا، مشكور
السيرة وله «شرح الغاية القصوي» للبيضاوي.
وتوفي بحلب في شهر رمضان.
وفيها يوسف بن إبراهيم بن عبد الله الأذرعي [3] نزيل حلب.
اشتغل كثيرا في الفقه وغيره بدمشق، ثم قدم حلب، فقرّر في قضاء الباب،
ثم قضاء سرمين، وكان فاضلا في الفقه، مقتصرا عليه.
مات في الكائنة العظمى. قاله القاضي علاء الدّين في «تاريخ حلب» .
وفيها جمال الدّين يوسف بن موسى بن محمد بن أحمد بن أبي تكين [4] بن
عبد الله الملطي ثم الحلبي الحنفي [5] .
أصله من خرت برت [6] ، وولد سنة ست وعشرين وسبعمائة، ونشأ بملطية،
واشتغل بحلب، حتّى مهر، ثم رحل إلى الديار المصرية وهو كبير، فأخذ عن
علمائها، وسمع من العزّ بن جماعة، ومغلطاي، وحدّث عنه بالسيرة النبوية،
وذكر أنه سمعها منه سنة ستين [7] ، واشتغل، وحصّل، وأفتى، ودرّس، وكان
يستحضر
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «الضوء اللامع» : «الاسنوي» وفي «إنباء الغمر»
: «الاسنائي» .
[2] لفظة «عنه» سقطت من «آ» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 345) و «الضوء اللامع» (10/ 292) .
[4] في «آ» و «ط» : «ابن أبي بكر» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 346) و «الضوء اللامع» (10/ 335) .
[6] كذا في «آ» و «ط» ومصدري الترجمة «خرت برت» مفصولة وفي «معجم
البلدان» (2/ 355) :
«خرتبرت» بالفتح ثم السكون، وفتح التاء المثناة، وباء موحدة مكسورة،
وراء ساكنة، وتاء مثناة من فوقها، هو اسم أرمنيّ، وهو الحصن المعروف
بحصن زياد الذي يجيء في أخبار بني حمدان في أقصى ديار بكر من بلاد
الروم، بينه وبين ملطية مسيرة يومين، وبينهما الفرات.
[7] يعني وستين وسبعمائة.
(9/64)
«الكشاف» والفقه على مذهبهم، فاستدعاه
برقوق لما مات الشمس الدّين الطّرابلسي، فحضر من حلب سنة ثمانمائة،
واستقرّ في قضاء الحنفية مدة قدرها مائة وعشرة أيام فباشر مباشرة
عجيبة، فإنه قرّب الفسّاق، واستكثر من استبدال الأوقاف، وقتل مسلما
بنصرانيّ، ثم لما مات الكلستاني، استقرّ بعده في تدريس الصّر غتمشية،
واشتهر أنه كان يفتي بأكل الحشيش وبوجوه من الحيل في أكل الرّبا، وأنه
كان يقول: من نظر في كتاب البخاري تزندق. قاله ابن حجر.
وقد أثنى ابن حجي على علمه.
وقال العيني: كان عنده بعض شح وطمع، وتغفّل، وكان قد حصّل بحلب مالا
كثيرا فنهب في الفتنة، وكان ظريفا ربع القامة.
قال: وهو أحد مشايخي، قرأت عليه بحلب سنة ثمانين انتهى.
وقال القاضي علاء الدين الحلبي في «تاريخه» : لما هجم اللّنكية البلاد
عقد مجلس بالقضاة والعلماء لمشاطرة الناس في أموالهم، فقال الملطي: إن
كنتم تعملون بالشوكة فالأمر لكم، وأما نحن فلا نفتي بهذا، ولا يحلّ أن
يعمل فوقفت الحال، وكانت من حسناته، ولما طلب إلى مصر على رأس القرن
قال لي: أنا الآن ابن خمس وسبعين، ومات بالقاهرة في ربيع الآخر. انتهى.
وقال في التاريخ المذكور: مات في هذه السنة من الفقهاء الشافعية في
الكائنة وبعدها:
علاء الدّين الصّرخدي [1] .
وشرف الدّين الداديخي [2] .
وشهاب الدّين بن الضعيف [3] .
__________
[1] هو علي بن محمد بن يحيى الصّرخدي. ترجمته في «إنباء الغمر» (4/
303) و «الضوء اللامع» (6/ 36) .
[2] هو أبو بكر بن سليمان بن صالح الدّاديخي. ترجمته في «إنباء الغمر»
(4/ 267) و «الضوء اللامع» (11/ 34) .
[3] هو أحمد بن يونس الغزي ثم الحلبي الشافعي. ترجمته في «الضوء
اللامع» (2/ 253) .
(9/65)
وشمس الدّين البابي [1] .
وبهاء الدّين داود الكردي [2] .
وشمس الدّين ابن الزّكي الجعبري [3] .
__________
[1] هو محمد بن إسماعيل بن الحسن بن صهيب البابي ثم الحلبي. ترجمته في
«إنباء الغمر» (4/ 320) و «الضوء اللامع» (7/ 136) .
[2] هو داود بن علي الكردي. ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 277) و «الضوء
اللامع» (3/ 214) .
[3] ذكره ابن حجر في «إنباء الغمر» (4/ 350) كما ذكر في كتابنا، وانظر
تعليق محققه عليه.
(9/66)
سنة أربع وثمانمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن راشد الملكاوي الشافعي [1]
.
اشتغل بدمشق، وحصّل، ومهر في القراءات، وكان يشغل بالفرائض بالجامع بين
العشاءين. وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن الحسن بن محمد بن زكريا بن يحيى المقدسي ثم
المصري السّويدائي [2]- نسبة إلى السّويداء قرية من أعمال حوران-
الشّافعي.
اعتنى به أبوه، فأسمعه الكثير من يحيى ابن المصري وجماعة من أصحاب ابن
عبد الدّائم، والنّجيب، وغيرهم، وأكثر له من الشيوخ والمسموع، واشتغل
في الفقه، وبحث في «الروضة» . وكان يتعانى الشّهادات، ثم أضرّ بأخرة
وانقطع بزاوية الست زينب خارج باب النّصر.
قال ابن حجر: قرأت عليه الكثير، ونعم الشيخ كان، وتفرّد بروايات كثيرة،
وكان الشيخ جمال الدّين الحلاوي يشاركه في أكثر مسموعاته، مات في تاسع
عشر ربيع الآخر وقد قارب الثمانين أو أكملها.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الخالق بن علي بن حسن بن عبد العزيز بن
محمد بن الفرات المالكي [3] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 26) و «الضوء اللامع» (1/ 146) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 26) و «الضوء اللامع» (1/ 278) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 28) و «الضوء اللامع» (1/ 323) .
(9/67)
اشتغل بالفقه، والعربية، والأصول، والطبّ،
والأدب، ومهر في الفنون، ونظم الشعر الحسن، ومنه:
إذا شئت أن تحيا حياة سعيدة ... ويستحسن الأقوام منك التّقبّحا [1]
تزيّا بزيّ التّرك واحفظ لسانهم ... وإلّا فجانبهم وكن متصولحا
وفيها نور الدّين أحمد بن علي بن أبي الفتح الدمشقي [2] نزيل حلب،
المعروف بالمحدّث.
سمع الكثير من أصحاب الفخر وغيرهم بدمشق وحلب، واشتغل في علم الحديث
وأقرأ فيه مدة بحلب ودمشق، وأخذ الأدب عن الصّلاح الصّفدي، وكان حسن
المحاضرة.
وفيها القاضي تقي الدّين أحمد بن محمد [3] بن محمد [3] بن المنجّى بن
عثمان بن أسعد بن محمد بن المنجّى الحنبلي الشيخ الإمام [4] .
حصّل ودأب، وكان له شهامة ومعرفة وذهن مستقيم. وناب لأخيه القاضي علاء
الدّين، ثم اشتغل بقضاء قضاة دمشق بعد فتنة تيمور مدة أشهر، وذكر عنه
الشيخ شرف الدّين بن مفلح أنه ابتدأ عليه قراءة «الفروع» لوالده، فلما
انتهى في القراءة إلى الجنائز حضره أجله، ومات معزولا في ذي الحجّة ولم
يكمل الخمسين سنة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد المصري، نزيل القرافة ابن
النّاصح [5] .
__________
[1] في «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «المقبّحا» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 29) و «الضوء اللامع» (2/ 35) .
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 30) و «الضوء اللامع» (2/ 202) و
«المقصد الأرشد» (1/ 183) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 48) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 30) و «الضوء اللامع» (2/ 202) .
(9/68)
قال ابن حجر: سمع من الميدومي، وذكر أنه
سمع من ابن عبد الهادي، وحدّث عنه بمكّة ب «صحيح مسلم» وحدّث عن
الميدومي ب «سنن أبي داود» و «جامع الترمذي» سماعا. أخذت عنه قليلا،
وكان للناس فيه اعتقاد، ونعم الشيخ كان، سمتا وعبادة ومروءة.
مات في أواخر رمضان، وتقدم في الصلاة عليه الخليفة. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن
المهندس المقدسي الحنبلي [1] المتقن الضّابط.
ولد سنة أربع وأربعين وسبعمائة، ورحل، وكتب، وسمع على الحفّاظ، وروى
عنه جماعة من الأعيان، منهم القاضي [2] سعد الدّين الدّيري الحنفي،
وتوفي بالقدس الشّريف في شهر رمضان.
وفيها تقي الدّين أبو بكر بن عثمان بن خليل الحوراني المقدسي الحنفي
[3] سمع من الميدومي، وحدّث عنه، وناب في الحكم، وتوفي في أواخر السنة
ببيت المقدس.
وفيها عماد الدّين أبو بكر بن أبي المجد بن ماجد بن أبي المجد بن بدر
بن سالم السّعدي الدمشقي ثمّ المصري الحنبلي [4] .
ولد سنة ثلاثين وسبعمائة، وسمع من المزّي والذّهبي، وغيرهما، وأحبّ
الحديث فحصّل طرفا صالحا منه، وسكن مصر قبل الستين فقرّر في طلب
الشيخونية، فلم يزل بها حتّى مات، وجمع الأوامر والنّواهي من الكتب
الستة، واختصر «تهذيب الكمال» .
قال ابن حجر: اجتمعت به وأعجبني سمته وانجماعه وملازمته للعبادة، وحدّث
عن الذهبي، ومات في أواخر جمادى الأولى.
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (478) من القسم المخطوط.
[2] في «المنهج الأحمد» : «القاضي القضاة» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 32) و «الضوء اللامع» (11/ 49) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 32) و «الضوء اللامع» (11/ 66) .
(9/69)
وفيها بركة السّيّد الشريف المعتقد،
المعروف بالشريف بركة [1] .
قال في «المنهل الصّافي» : كان لتيمور فيه اعتقاد كثير إلى الغاية، وله
معه ماجريات، من ذلك أن تيمور لما أخذ السّلطان حسين صاحب بلخ سنة إحدى
وسبعين وسبعمائة، ثم سار لحرب القآن تقتمش ملك التتار وتلاقيا على
أطراف تركستان، واشتدّ الحرب بينهما، حتّى قتل أكثر أصحاب تيمور، وهمّ
تيمور بالفرار، وظهرت الهزيمة على عسكره، ووقف في حيرة، وإذا بالسّيّد
هذا قد أقبل على فرس، فقال له تيمور: يا سيدي انظر حالي، فقال له: لا
تخف، ثم نزل عن فرسه ووقف على رجليه يدعو ويتضرّع، ثم أخذ من الأرض ملء
كفّه من الحصباء، ورمى بها في وجوه عسكر تقتمش خان، وصرخ بأعلى صوته:
باغي قجتي ومعناه باللغة التركية العدو هرب، فصرخ بها معه تيمور
وعسكره، وحمل بهم على القوم، فانهزموا أقبح هزيمة، وظفر تيمور بعساكر
تقتمش وقتل وأسر على عادته القبيحة، وله معه أشياء من هذا النمط، ولهذا
كانت منزلته عند تيمور إلى الغاية، ودام معه إلى أن قدم دمشق سنة ثلاث
وثمانمائة، وقد اختلف في أصل هذا الشريف، فقيل: إنه كان مغربيا حجّاما
بالقاهرة، ثم سافر إلى سمرقند، وادعى أنه شريف علويّ، وقيل: إنه من أهل
المدينة النبوية، وقيل: من أهل مكة، وعلى كل حال فأنا لا أعتقد عليه
لمصاحبته وإعانته لتيمور على أغراضه الكفرية، فأمره إلى الله تعالى.
انتهى باختصار.
وفيها صالح بن خليل بن سالم بن عبد النّاصر بن محمد بن سالم الغزّي
الشّافعي [2] .
سمع من الميدومي، وحدّث عنه، وناب في الحكم، وتوفي في ذي القعدة ببيت
المقدس.
وفيها زين الدّين عبد اللطيف بن تقي الدّين محمد بن الحافظ
__________
[1] ترجمته في «الدليل الشافي» (1/ 189) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 34) و «الضوء اللامع» (3/ 311) .
(9/70)
قطب الدّين. عبد الكريم بن عبد النّور بن
منير الحلبي ثم المصري [1] .
قال ابن حجر: أحضر على ابن عبد الهادي، وسمع من الميدومي، وسمعت منه،
وكان وقورا، خيّرا.
مات في وسط صفر.
وفيها عبد المؤمن العينتابي المعروف بمؤمن الحنفي [2] قال العيني في
«تاريخه» : كان فاضلا في عدة علوم، منها الفقه، وكان حسن الوجه، مليح
الشكل، درّس بعينتاب، ثم تحوّل إلى حلب، فأقام بها إلى أن مات.
وفيها فخر الدّين عثمان بن عبد الرحمن المخزومي البلبيسي ثم المصري
الشافعي [3] المقرئ الضرير، إمام الجامع الأزهر.
تصدى للاشتغال بالقراءة فأتقن السبع، وصار أمّة وحده.
قال ابن حجر: وأخبرني أنه لما كان ببلبيس كان الجنّ يقرؤن عليه. قرأ
عليه خلق كثير، وكان صالحا خيّرا، أقام بالجامع الأزهر يؤمّ فيه مدة
طويلة، وقد حدّث عنه خلق كثير في حياته، انتفع به ما لا يحصى عددهم في
القراءة، وانتهت إليه الرئاسة في هذا الفنّ، وعاش ثمانين سنة، وتوفي في
ثاني ذي القعدة.
وفيها سراج الدّين أبو حفص عمر بن أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد بن
عبد الله الأنصاري الأندلسي الوادي آشي ثم المصري، المعروف بابن
الملقّن [4] .
قال في «المنهل» : رحل أبوه نور الدّين من الأندلس إلى بلاد التّرك،
وأقرأ أهلها هناك القرآن الكريم، فنال منهم مالا جزيلا، فقدم به إلى
القاهرة واستوطنها،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 35) و «الضوء اللامع» (4/ 335) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 35) و «الضوء اللامع» (5/ 90) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 36) و «الضوء اللامع» (5/ 130) و
«غاية النهاية» (1/ 506) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 41) و «الضوء اللامع» (6/ 100) .
(9/71)
فولد له بها سراج الدّين هذا في يوم السبت
رابع عشري ربيع الأول، سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وتوفي والده وله من
العمر سنة واحدة، وأوصى إلى الشيخ شرف الدّين عيسى المغربي الملقّن
لكتاب الله بالجامع الطولوني، وكان صالحا، فتزوّج أمّ الشيخ سراج
الدّين، وربّاه، فعرف بابن الملقّن نسبة إليه، وقرأه القرآن ثم العمدة،
ثم أراد أن يشغله على مذهب الإمام مالك، فقال له بعض أولاد ابن جماعة:
أقرئه «المنهاج» فأقرأه وأسمعه على الحافظين ابن سيّد الناس، وقطب
الدّين الحلبي، وأجاز له الحافظ المزّي وغيره من دمشق ومصر وحلب، وطلب
الحديث بنفسه، وعني به، وسمع الكثير من حفّاظ عصره، كابن عبد الدائم
وغيره، وتخرّج بابن رجب ومغلطاي، ورحل إلى دمشق في سنة سبع وسبعين،
فسمع بها من متأخري أصحاب الفخر بن البخاري، وبرع، وأفتى، ودرّس، وأثنى
عليه الأئمة، ووصف بالحافظ، ونوه بذكره القاضي تاج الدّين السّبكي،
وكتب له تقريظا [1] على شرحه ل «المنهاج» ، وتصدى للإفتاء والتدريس
دهرا طويلا، وناب في الحكم، ثم طلب للاستقلال بوظيفة القضاء فامتحن
بسبب ذلك في سنة ثمانين، ولزم داره، وأكبّ على الأشغال والتصنيف، حتّى
صار أكثر أهل زمانه تصنيفا، وبلغت مصنّفاته نحو ثلاثمائة مصنّف، وكان
جمّاعة للكتب جدا، ثم احترق غالبها قبل موته، وكان ذهنه مستقيما قبل أن
تحترق كتبه ثم تغيّر حاله بعد ذلك، وهو ممن كان تصنيفه أحسن من تقريره،
وبالغ بعضهم فقال: إنه أحضر إليه بعض تصانيفه فعجز عن تقرير ما تضمنه،
وقام من المجلس ولم يتكلم، وأخذ عنه جماعات من الحفّاظ وغيرهم، منهم
حافظ دمشق ابن ناصر الدّين، ووصفه بالحفظ والإتقان.
وقال ابن حجر: كان موسّعا عليه في الدنيا، مديد القامة، حسن الصورة،
يحبّ المزاح والمداعبة، مع ملازمة الاشتغال والكتابة، حسن المحاضرة،
جميل الأخلاق، كثير الإنصاف، شديد القيام مع أصحابه، وربما اشتهر بابن
النّحوي، وربما كتب بخطّه كذلك ولذلك اشتهر بها ببلاد اليمن وتغيّر
حاله بأخرة فحجبه
__________
[1] في «ط» : «تقريظا» وكلاهما بمعنى.
(9/72)
ولده نور الدّين إلى أن مات في سادس عشري
[1] ربيع الأول بالقاهرة، ودفن على والده بحوش الصّوفية خارج باب
النّصر.
وفيها نجم الدّين محمد بن نور الدّين علي بن العلّامة نجم الدّين محمد
بن عقيل بن محمد بن الحسن بن علي البالسي ثم المصري الشافعي [2] .
قال ابن حجر: تفقه كثيرا، ثم تعانى الخدم عند الأمراء، ثم ترك ولزم
بيته، ودرّس بالطّيبرسية إلى أن مات، وأضرّ قبل موته بيسير، ونعم الشيخ
كان، خيرا، واعتقادا، ومروءة، وفكاهة لازمته مدة وحدّثني عن ابن عبد
الهادي، ونور الدّين الهمداني، وغيرهما.
مات في عاشر المحرم وله أربع وسبعون سنة. انتهى.
وفيها أبو جعفر محمد بن محمد بن عنقة- بنون وقاف وفتحات- البسكري- بفتح
الموحدة وبعدها مهملة، نسبة إلى بسكرة [3] بلد بالمغرب- ثم المدني [4]
.
كان يسكن المدينة ويطوف البلاد، وقد سمع من جمال الدّين بن نباتة
قديما، ثم طلب بنفسه، فسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر بدمشق، وحمل عن
ابن رافع، وابن كثير، وحصّل الأجزاء، وتعب كثيرا، ولم ينجب.
قال ابن حجر: سمعت منه يسيرا، وكان متوددا، رجع من إسكندرية إلى مصر
فمات بالسّاحل غريبا، رحمه الله تعالى.
وفيها عزّ الدّين يوسف بن الحسن بن محمود السّرّائي الأصل التّبريزي،
الشهير بالحلوائي- بفتح أوله وسكون اللام مهموز- الفقيه الشافعي [5] .
ولد سنة ثلاثين وسبعمائة، وتفقه ببلاده، وقرأ على القاضي عضد الدّين
__________
[1] في «ط» : «في سادس عشر» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 49) .
[3] انظر «معجم البلدان» (1/ 422- 423) و «الروض المعطار» ص (113- 114)
.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 50- 51) و «الضوء اللامع» (9/ 172) .
[5] تقدمت ترجمته في وفيات سنة (802) ص (37) .
(9/73)
وغيره، وأخذ ببغداد عن شمس الدّين الكرماني
الحديث و «شرحه للبخاري» ومهر في أنواع العلوم، وأقبل على التدريس،
وشغل الطلبة، وعمل على البيضاوي شرحا، وتحوّل من تبريز لما خرّبه
الدعادعة وهم أصحاب طقتمش [1] خان إلى ماردين، فأقام بها مدة، ثم راسله
[2] مرزا ابن اللّنك، وقدم عليه تبريز فبالغ في إكرامه فأقام بها، وكتب
على «الكشاف» حواشي، وشرح «الأربعين النواوية» .
وكان زاهدا، عابدا، معرضا، عن أمور الدنيا، مقبلا على العلم، حجّ وزار
المدينة وجاور بها سنة، وكان لا يرى مهموما قطّ. ورجع إلى الجزيرة لما
كثر الظّلم في تبريز فقطنها إلى أن توفي بها، وخلّف ولدين بدر الدّين
محمد، وجمال الدّين محمد.
وفيها يوسف بن حسين الكردي الشّافعي [3] نزيل دمشق.
كان عالما، صالحا، معتقدا، تفقّه وحصّل.
قال الشيخ شهاب الدّين الملكاوي: قدمت من حلب سنة أربع [4] وستين
وسبعمائة، وهو كبير يشار إليه، وكان يميل إلى السّنّة وينكر على
الأكراد في عقائدهم وبدعتهم، وكان له اختيارات، منها المسح على
الجوربين مطلقا، وكان يفعله، وله فيه مؤلّف لطيف، جمع فيه أحاديث
وآثارا. ومنهاج تزويج الصغيرة التي لا أب لها ولا جدّ.
وقال ابن حجي: كان يميل إلى ابن تيميّة ويعتقد صواب ما يقول في الفروع
والأصول، وكان من يحبّ ابن تيميّة يجتمع إليه، وكان قد ولي مشيخة
الخانقاه الصّالحيّة، وأعاد بالظاهرية، وقد وقع بينه وبين ولده الشيخ
زين الدّين عبد الرحمن الواعظ بسبب العقيدة، وتهاجرا مدة، إلى أن وقعت
فتنة اللّنك فتصالحا، ثم جلس مع الشهود، وأحسن إليه ولده في فاقته ولم
يلبث أن مات في شوال.
__________
[1] في «ط» : «ظغتمش» وهو خطأ.
[2] في «ط» : «أرسله» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 54- 55) و «الضوء اللامع» (10/ 311) .
[4] تحرفت في «ط» إلى «ربع» .
(9/74)
سنة خمس وثمانمائة
فيها استولى تمرلنك على أبي يزيد بن عثمان وأسر ولده موسى، ثم مات أبو
يزيد في الأسر إمّا من القهر أو من غيره، وكان أبو يزيد من خيار ملوك
الأرض، ولم يكن يلقّب [بلقب] ولا أحد من أبنائه وذريته، ولا دعي بسلطان
ولا ملك، وإنما يقال الأمير تارة، وخوند [1] خان تارة أخرى، وكان مهابا
يحبّ العلم والعلماء، ويكرم أهل القرآن، وكان يجلس بكرة النهار في مراح
من الأرض متسع ويقف الناس بالبعد منه بحيث يراهم، فمن كانت له ظلامة
رفعها إليه فأزالها في الحال، وكان الأمن في بلاده فاشيا للغاية، وكان
يشترط [2] على كل من يخدمه أن لا يكذب ولا يخون، إلى غير ذلك من
الأوصاف الحسنة، وترك لما مات [من الأولاد] سليمان [3] ، ومحمدا،
وموسى، وعيسى، فاستقلّ بالملك سليمان [3] وسيأتي شيء من ذكره في ترجمة
تيمور [4] .
وفيها استولى تيمور على غالب البلاد الرّومية ورجع إلى بلاده في شعبان
من هذه السنة.
وفيها استشهد سعد الدّين أبو البركات محمد بن أحمد بن علي بن صبر
الدّين [5] ، ملك الحبشة.
__________
[1] قال الشيخ محمد أحمد دهمان في «معجم الألفاظ التاريخية» ص (70) :
الخوند: في الفارسية، السيد العظيم أو الأمير، استعملت في العربية لقبا
بمعنى السيد أو السيدة.
[2] في «ط» و «إنباء الغمر» : «يشرط» .
[3] في «آ» و «ط» : «سلمان» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[4] انظر «إنباء الغمر» (5/ 55- 60) وما بين الحاصرتين في الخبر مستدرك
منه.
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 88) و «الضوء اللامع» (7/ 16) .
(9/75)
استقر في مملكة الحبش بعد أخيه حقّ الدّين،
فسار سيرته في جهاد الكفرة [1] ، وكانت عنده سياسة، وكسرت عساكره،
وتعددت غاراته، واتسعت مملكته، حتّى وقع له مرّة أن بيع الأسرى الذين
أسرهم من الحبشة كل عبدين بتفصيلة، وبلغ سهمه من بعض الغنائم أربعين
ألف بقرة لم تبت عنده بقرة واحدة بل فرّقها وله في مدة ولايته وقائع
وأخبار يطول ذكرها، فلما كان في هذه السنة جمع الحطي صاحب الحبشة جمعا
عظيما وجهز عليه أميرا يقال له باروا، فالتقى الجمعان، فاستشهد من
المسلمين جمع كثير، منهم أربعمائة شيخ من الصّلحاء أصحاب العكاكيز،
وتحت يد كلّ واحد منهم عدة فقراء [2] واستبحر القتل في المسلمين حتّى
هلك أكثرهم، وانهزم من بقي، ولجأ سعد الدّين إلى جزيرة زيلع في وسط
البحر، فحصروه فيها، إلى أن وصلوا إليه، فأصيب في جبهته بعد وقوعه في
الماء ثلاثة أيام، فطعنوه فمات، وكانت مدة ملكه ثلاثين سنة، واستولى
الكفّار على بلاد المسلمين، وخرّبوا المساجد، وبنوا بدلها الكنائس،
وأسروا وسبوا ونهبوا، وفرّ أولاد سعد الدّين، وهمّ صبر الدّين علي ومعه
تسعة من إخوته إلى البرّ الآخر فدخلوا مدينة زبيد، فأكرمهم النّاصر
أحمد بن الأشرف وأنزلهم وأعطاهم خيولا ومالا، فتوجهوا إلى مكان يقال له
سيّارة فلحق بهم بعض عساكرهم، واستمرّ صبر الدّين على طريقة أبيه وكسر
عدة من جيوش الحطي وحرق عدة من الكنائس، وغنم عدة غنائم. قاله ابن حجر.
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الله بن الحسن البوصيري الشافعي
[3] .
تفقه، ولازم الشيخ ولي الدّين الملوي، وبرع في الفنون، ودرّس مدة،
وأفاد، وتعانى التّصوّف، وتكلّم على مصطلح المتأخرين فيه، وكان ذكيا،
وسمع منه ابن حجر، ومات في جمادى الأولى.
__________
[1] في «ط» : «الكفر» .
[2] في «ط» : «فقرأ» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 93) و «الضوء» (1/ 359) .
(9/76)
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله الحلبي
ثم الدمشقي [1] قاضي كرك نوح.
قال ابن حجي: كان من خيار الفقهاء، وقد ولي القضاء القدس، وولي الخطابة
والقضاء بكرك نوح ثم القدس، وناب في الخطابة بالجامع الأموي، وفي تدريس
البادرائية، وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها أحمد بن محمد بن عثمان بن عمر بن عبد الله الحنبلي [2] ، نزيل
غزّة.
سمع من الميدومي، ومحمد بن إبراهيم بن أسد، وأكثر عن العلائي وغيرهم،
وكان صالحا، دينا، خيّرا، بصيرا ببعض المسائل.
سكن غزّة واتخذ بها جامعا، وكان للناس فيه اعتقاد، ونعم الشيخ كان،
وقرأ عليه ابن حجر عدة أجزاء، ومات في صفر وله اثنتان وسبعون سنة.
وفيها أحمد بن محمد بن عيسى بن الحسن الياسوفي ثم الدمشقي [3] ،
المعروف بالثّوم- بمثلثة مضمومة-.
قال ابن حجر: روى عن أحمد بن علي بن الجزري وغيره، وكان له مال وثروة،
ثم افتقر بعد الكائنة.
وتوفي في جمادى الآخرة عن ست وستين سنة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن يحيى بن أحمد بن مالك العثماني الصّرميني من
معرّة صرمين [4] الشافعي.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 94) و «الضوء اللامع» (1/ 371) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 94) و «الضوء اللامع» (2/ 140) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 95) و «الضوء اللامع» (2/ 163) .
[4] تنبيه: كذا قال المؤلف رحمه الله: «الصّرميني من معرّة صرمين» وهو
خطأ، والصواب: «المصريني من معرّة مصرين» ومعرّة مصرين من أعمال سرمين.
انظر «معجم البلدان» (5/ 155) و «الدّر المنتخب» ص (164) والتعليق على
«در الحبب» (1/ 187) وفي «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» :
«المعرّي من معرّة سرمين» .
(9/77)
اشتغل، ومهر، وكان قاضي بلده مدة، ثم ولي
قضاء حلب بعد الفتنة العظمى دون الشهر، فاغتيل بعد صلاة الصبح، ضرب في
خاصرته فمات ثالث عشر شوال، وكانت سيرته حسنة وفيه سكون.
وفيها تاج الدّين بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز قاضي القضاة ابن
الدّميري [1] المالكي [2] .
كان إماما في الفقه والعربية وغيرهما، وتصدّر للإفتاء والتدريس عدة
سنين، وانتفع به الطلبة، ثم ولي قضاء قضاة المالكية، بالدّيار المصرية
فحمدت سيرته، ولم يزل ملازما للاشتغال والأشغال، وقد انتهت إليه رئاسة
السّادة المالكية في زمنه.
وتوفي يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة.
وفيها سعد الدّين بن يوسف بن إسماعيل بن يوسف بن يعقوب بن سرور بن نصر
بن محمد النّووي ثم الخليلي الشافعي [3] .
ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وقدم دمشق بعد الأربعين فاشتغل بها ومهر،
وأخذ عن الذهبي، وشمس الدّين بن نباتة وغيرهما، وحمل عن التّاج
المراكشي، وابن كثير، وقرأ عليه «مختصره» في علم الحديث، وأذن له،
وحدّث، وأفتى، ودرّس.
قال ابن حجي: كان ذا ثروة جيدة فاحترقت داره في الفتنة، وأخذ ماله
فافتقر فاحتاج أن يجلس مع الشهود، ثم ولي قضاء بعض القرى وقضاء بلد
الخليل عليه السلام، فمات هناك في جمادى الأولى.
وفيها سارة بنت علي بن عبد الكافي السّبكي [4] .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الديري» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 98) و «الضوء اللامع» (3/ 19) و «نيل
الابتهاج» ص (101) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 100) و «الضوء اللامع» (3/ 254) .
[4] ترجمتها في «إنباء الغمر» (5/ 102) و «الضوء اللامع» (12/ 51) و
«أعلام النساء» (2/ 138) .
(9/78)
قال ابن حجر: أسمعت من أحمد بن علي الجزري،
وزينب بنت الكمال، وسمعت على أبيها أيضا، وتزوجها أبو البقاء، فلما مات
تحولت إلى القاهرة، ثم رجعت إلى دمشق في أيام سري الدّين، وكان صاهرها،
ثم رجعت إلى القدس، ثم إلى القاهرة، فسمعنا منها قديما، ثم في سنة
موتها.
ماتت بالقاهرة في ذي الحجّة وقد جاوزت السّبعين.
وفيها عبد الله بن خليل بن الحسن بن طاهر بن محمد بن خليل بن عبد
الرّحمن الحرستاني ثم الصّالحي المؤذن [1] .
سمع من الشّرف ابن الحافظ وغيره، وأجاز له الحجّار، وسمع منه ابن حجر.
وفيها عبد الجبّار بن عبد الله المعتزلي الحنفي الخوارزمي [2] عالم
الدّشت، صاحب تيمور لنك وإمامه وعالمه.
ولد في حدود سنة سبعين وسبعمائة، وكان إماما عالما بارعا، متقنا للفقه،
والأصلين، والمعاني، والبيان، والعربية، واللغة انتهت إليه الرئاسة في
أصحاب تيمور، وكان هو عظيم دولته، ولما قدم تيمور البلاد الحلبية
والشامية كان عبد الجبّار هذا معه، وباحث وناظر علماء البلدين، وكان
فصيحا باللغات الثلاث [3] العربية، والعجمية، والتركية، وكانت له ثروة،
ووجاهة، وعظمة، وحرمة زائدة إلى الغاية، وكان ينفع المسلمين في غالب
الأحيان عند تيمور، وكان يتبرّم من صحبة تيمور ولا يسعه إلّا موافقته،
ولم يزل عنده حتّى مات في ذي القعدة.
وفيها أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن أبي عبد الله محمد بن
محمد بن عبد الرحمن الحسيني الفاسي ثم المكّي المالكي [4] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 102) و «الضوء اللامع» (5/ 18) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 103) و «الضوء اللامع» (4/ 35) و
«الدليل الشافي» (1/ 394) .
[3] في «ط» : «الثلاثة» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 104) و «الضوء اللامع» (4/ 149) .
(9/79)
سمع من تاج الدّين ابن بنت أبي سعد، وشهاب
الدّين الهكّاري، وغيرهما، وعني بالفقه فمهر فيه إلى الغاية، وشارك في
غيره، ودرّس، وأفتى أكثر من أربعين سنة.
وتوفي بمكة في نصف ذي القعدة عن خمس وستين سنة.
وفيها تاج الدّين عبد الوهاب بن الشيخ عفيف الدّين عبد الله بن أسعد بن
علي اليافعي المكّي الشافعي [1] .
اشتغل بالفقه، وأذن له الأبناسي، وسمع من أبيه وجماعة بمكة، ورحل إلى
دمشق، فسمع من ابن أميلة وغيره، وتفقّه بالأميوطي وغيره، وكان خيّرا،
عابدا، ورعا، قليل الكلام فيما لا يعنيه، وسمع منه ابن حجر.
وتوفي في رجب عن خمس وخمسين سنة.
وفيها الحافظ سراج الدّين عمر بن رسلان بن نصير بن صالح- وصالح هذا أول
من سكن بلقينة- ابن شهاب [2] الدين [2] بن عبد الخالق بن مسافر بن محمد
البلقيني الكناني الشافعي [2] شيخ الإسلام.
ولد ليلة الجمعة ثاني عشر شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وحفظ القرآن
العظيم وهو ابن سبع سنين، وحفظ «المحرّر» في الفقه، و «الكافية» لابن
مالك في النحو، و «مختصر ابن الحاجب» في الأصول، و «الشاطبية» في
القراءات، وأقدمه أبوه إلى القاهرة وله اثنتا عشرة سنة، فطلب العلم،
واشتغل على علماء عصره، وأذن له في الفتيا وهو ابن خمس عشرة سنة، وسمع
من الميدومي وغيره، وقرأ الأصول على شمس الدّين الأصفهاني، والنّحو على
أبي حيّان، وأجاز له من دمشق الحافظان المزّي والذّهبي، وغيرهما، وفاق
الأقران، واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها، فقيل: إنه مجدّد القرن
التاسع، وما رأى مثل نفسه، وأثنى عليه العلماء وهو شاب، وانفرد في آخره
برئاسة العلم، وولي إفتاء دار
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 105) و «الضوء اللامع» (5/ 102) و
«العقد الثمين» (5/ 534) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 107) و «الضوء اللامع» (6/ 85) و
«الدليل الشافي» (1/ 497) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 42-
52) .
(9/80)
العدل، وقضاء دمشق سنة تسع وستين وسبعمائة،
فباشره مدة يسيرة، ثم عاد إلى القاهرة، وسافر إلى حلب سنة ثلاث وتسعين
صحبة الظّاهر برقوق، واشتغل بها، ثم عاد صحبة السلطان، وعظم، وصار يجلس
في مجلس السلطان فوق قضاة القضاة، وأكب على الأشغال والتصنيف، وانتفع
به عامة الطلبة، وأتته الفتاوى من الأقطار.
ومن تصانيفه: شرحان على «الترمذي» «تصحيح المنهاج» لكنه لم يكمل [1]
وغير ذلك [1] ، وكان أعجوبة زمانه حفظا واستحضارا.
قال برهان الدّين المحدّث: رأيته فريد دهره، فلم تر عيني أحفظ للفقه
ولأحاديث الأحكام منه، ولقد حضرت دروسه وهو يقرئ «مختصر مسلم» للقرطبي
[2] يتكلم على الحديث الواحد من بكرة إلى قريب الظّهر، وربما أذّن
الظّهر ولم يفرغ من الحديث الواحد، واعترفت له علماء جميع الأقطار
بالحفظ وكثرة الاستحضار. انتهى.
وتزوج بنت ابن عقيل، ولازمه [3] في شبيبته.
وممن أخذ عنه حافظ دمشق ابن ناصر الدّين وأثنى عليه بالحفظ وغيره،
والحافظ ابن الحجر وقال: خرّجت له أربعين حديثا عن أربعين شيخا حدّث
بها مرارا، وقرأت عليه «دلائل النّبوة» للبيهقي فشهد لي بالحفظ في
المجلس العام، وقرأت عليه دروسا من «الروضة» وأذن لي، وكتب لي [4] خطه
بذلك. انتهى.
وتوفي بالقاهرة نهار الجمعة حادي عشر ذي القعدة وصلّى عليه ولده جلال
الدّين عبد الرحمن، ودفن بمدرسته التي أنشأها.
__________
[1] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .
[2] هو الإمام الحافظ المحدّث أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري القرطبي
المالكي، المتوفى سنة (656) .
وقد تقدمت ترجمته في المجلد السابع ص (473) ومختصره لصحيح مسلم طبع في
مصر منذ فترة قريبة، وقد صنّف شرحا لمختصره المشار إليه سمّاه «المفهم
في شرح مختصر مسلم» وهو شرح نفيس جدير بالنشر والإخراج نظرا لما فيه من
الفوائد النافعة.
[3] في «ط» : «ولازمته» وهو خطأ.
[4] لفظة «لي» سقطت من «ط» .
(9/81)
وفيها عميد بن عبد الله الخراساني الحنفي
[1] ، قاضي تمرلنك.
مات بعد رجوعه من الرّوم في هذه السنة. قاله ابن حجر.
وفيها أمّ عمر كلثم [2] بنت الحافظ تقي الدّين محمد بن رافع السّلامي
الدمشقية [3] .
سمعت من عبد الرحيم بن أبي اليسر حضورا وغيره، وأجازت لابن حجر.
وتوفيت في ربيع الأول.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن أحمد [4] بن محمود النّابلسي [5]
الحنبلي، الشيخ الإمام العلّامة. تفقه على الشيخ شمس الدّين بن عبد
القادر، وقرأ عليه العربية وأحكمها، ثم قدم دمشق بعد السبعين، فاستمر
في طلب العلم في حلقة بهاء الدّين السّبكي، ثم جلس [في الجوزية] يشهد،
واشتهر أمره، وعلا صيته [وكان له معرفة وكتابة حسنة] ، وقصد في
الاشتغال [6] ، ولم يزل يترقى حتّى ولي قضاء قضاة الحنابلة بدمشق، وعزل
وتولى مرارا، وكانت له حلقة لإقراء العربية يحضرها الفضلاء، ودرس بعدة
مدارس، وكان ذا عظمة وبهجة زائدة، لكن باع من الأوقاف كثيرا بأوجه
واهية سامحه الله، وتوفي بمنزله بالصالحية ليلة السبت ثاني عشر المحرم.
وفيها جمال الدّين محمد بن أحمد البهنسي ثم الدمشقي الشافعي [7] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 109) و «الضوء اللامع» (6/ 147) .
[2] تصحف اسمها في «آ» و «ط» إلى «كليم» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] ترجمتها في «إنباء الغمر» (5/ 115) و «الضوء اللامع» (12/ 118) و
«أعلام النساء» (4/ 284) .
[4] كذا في «آ» و «ط» و «المنهج الأحمد» للعليمي مصدر المؤلف: «محمد بن
محمد بن أحمد» والذي في باقي المصادر «محمد بن أحمد» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 116) و «المقصد الأرشد» (2/ 366) و
«الضوء اللامع» (7/ 170) و «المنهج الأحمة» الورقة (479) من القسم
المخطوط وما بين الحاصرتين في الترجمة زيادة منه.
[6] في «آ» و «ط» : «في الأشغال» والتصحيح من «المنهج الأحمد» مصدر
المؤلف و «المقصد الأرشد» .
[7] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 119) و «الضوء اللامع» (7/ 125) .
(9/82)
اشتغل بالقاهرة، وحفظ «المنهاج» واتصل
بالقاضي برهان الدّين ابن جماعة، ولما ولي قضاء الشام استنابه واعتمد
عليه في أمور كثيرة، وكان حسن المباشرة، مواظبا عليها، وعنده ظرف
ونوادر، وكان مقلّا، مع العفّة، ولما وقعت الكائنة العظمى بدمشق فرّ
إلى القاهرة، فاستنابه القاضي جلال الدّين.
ومات في ذي القعدة.
وفيها علم الدّين محمد بن ناصر الدّين محمد بن محمد الدمشقي القفصي
المالكي [1] .
كان أبوه جنديا، ثم ألبس ولده كذلك، ثم شغله بالعلم وهو كبير، ودار في
الدروس، واشتغل كثيرا لكن مع قصور فهم وقلّة عقل وعناية بالعلم.
ولي قضاء دمشق إحدى عشرة مرّة في مدة خمس وعشرين سنة، أولها سنة تسع
وسبعين، وولي قضاء حلب وحماة مرارا، وكان عفيفا.
قال القاضي علاء الدّين في «ذيل تاريخ حلب» : أصيب في الوقعة الكبرى
بماله، وأسرت له ابنة، وسكن عقب الفتنة بقرية من قرى سمعان إلى أن نزح
التتر عن البلاد، فرجع [2] إلى حلب على ولايته. قال: وكان بيننا صحبة،
وكان يكرمني، وولّاني عدة وظائف علمية، ثم توجه إلى دمشق فقطنها، وولي
قضاءها، ومات بها في المحرم ولم يكمل الستين، وهو قاضي دمشق. انتهى.
وفيها محمد بن يوسف الإسكندراني المالكي [3] .
قال ابن حجر: كان فقيه أهل الثّغر، درّس وأفتى، وانتهت إليه الرئاسة في
العلم، وكان عارفا بالفقه، مشاركا في غيره، مع الدّين والصّلاح. انتهى.
وفيها محمود بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد المجيد بن هلال الدولة
عمر بن منير الحارثي الدمشقي [4] ، موقع الدست بدمشق.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 122) و «الضوء اللامع» (10/ 13) .
[2] في «آ» و «ط» : «رجع» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 123) و «الضوء اللامع» (10/ 137) و
«نيل الابتهاج» ص (279) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 124) و «الضوء اللامع» (10/ 143) .
(9/83)
كان كاتبا، مجوّدا، ناظما، ناثرا، مشهورا
بالخفّة والرقاعة والضّنانة بنفسه.
أخذ عن صلاح الدّين الصّفدي وغيره، وسمع من إبراهيم بن الشّهاب محمود،
وأجازت له زينب بنت الكمال.
ومن عيون [1] شعره ما قاله في فرجية خضراء أعطاه إيّاها بعض الرؤساء:
مدحت إمام العصر صدقا بحقّه ... وما جئت فيما قلت بدعا ولا وزرا
تبعت أبا [2] ذرّ بمصداق لهجتي ... فمن أجل هذا قد أظلّتني الخضراء [3]
وتوفي بالقاهرة فجأة وله فوق الستين.
وفيها بدر الدّين محمود بن محمد بن عبد الله العينتابي [4] ، الحنفي
العابد الواعظ.
أخذ في بلاد الرّوم عن الشيخ موفق الدّين، وجمال الدّين الأقصرائي، ثم
قدم عينتاب فنزل بجامع مؤمن مدة يذكّر الناس، وكان يحصل للناس في مجلسه
رقّة [5] وخشوع وبكاء، وتاب على يده جماعة، ثم توجه إلى القدس زائرا،
فأقام مدة، ثم رجع إلى حلب، فوعظ الناس في الجامع العتيق.
قال البدر العينتابي: أخذت عنه في سنة ثمانين تصريف العزّي، والفرائض
السراجية، وغير ذلك، وذكرته في هذه السنة تبركا انتهى.
__________
[1] في «آ» و «إنباء الغمر» : «ومن عنوان» .
[2] في «ط» : «أبي» .
[3] إشارة منه إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أظلّت
الخضراء، ولا أقلّت الغبراء على رجل أصدق لهجة من أبي ذرّ» رواه
الترمذي رقم (3802) في المناقب: باب مناقب أبي ذرّ رضي الله عنه، وابن
ماجة رقم (156) ورواه الحاكم في «المستدرك» (3/ 342) وصححه، ووافقه
الذهبي، وهو حديث صحيح.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 125) و «الضوء اللامع» (10/ 146) .
[5] في «آ» و «ط» : «دقة» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
(9/84)
وفيها أمّ عيسى مريم بنت أحمد بن أحمد بن
قاضي القضاة شمس الدّين محمد بن إبراهيم الأذرعي [1] .
قال ابن حجر: سمعت الكثير من علي بن عمر الواني، وأبي أيوب الدّبوسي،
والحافظ قطب الدّين الحلبي، وناصر الدّين بن سمعون، وغيرهم، وأجاز لها
التّقي الصّائغ وغيره من المسندين بمصر والحجاز، وغيره من الأئمة
بدمشق، خرّجت لها «معجما» في مجلدة، وقرأت عليها الكثير من مسموعاتها
وأشياء كثيرة بالإجازة، وهي أخت شمس الدّين المتقدم ذكره في هذه السنة
عاشت أربعا وثمانين سنة ونعمت الشيخة كانت ديانة وصيانة ومحبة في
العلم، وهي آخر من حدّثت عن أكثر مشايخها المذكورين، وقد سمع أبو
العلاء الفرضي من يوسف الدبوسي، وسمعت هي منه، وبينهما في الوفاة مائة
وبضع سنين.
انتهى.
__________
[1] ترجمتها في «إنباء الغمر» (5/ 126) و «الضوء اللامع» (12/ 124) و
«أعلام النساء» (5/ 37) .
(9/85)
|