شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وثمانمائة
وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن صدّيق بن إبراهيم بن يوسف المؤذّن،
المعروف بالرسّام [1] .
كان أبوه بوّاب الظّاهرية، مسند الدّنيا من الرجال، سمع صاحب الترجمة
الكثير من الحجّار، وإسحاق الآمدي، والشيخ تقي الدّين بن تيميّة،
وطائفة، وتفرّد بالرواية عنهم، ومتّع بسمعه وعقله.
قال ابن حجر: سمعت منه بمكّة، وحدّث بها بسائر مسموعاته، وقد رحل في
السنة الماضية إلى حلب ومعه «ثبت» مسموعاته، فأكثروا عنه وانتفعوا به،
وألحق جماعة من الأصاغر بالأكابر، ورجع إلى دمشق ولم يتزوج، فمات في
شوال وله خمس وثمانون سنة وأشهر. انتهى.
وفيها أحمد بن إبراهيم بن علي العسلقي [2]- نسبة إلى عسالق عرب [3] .
قال ابن الأهدل في «تاريخ اليمن» : كان فقيها، نحويا، لغويا، مفسّرا،
محدّثا، وله معرفة تامّة بالرجال والتواريخ، ويد قويّة في أصول الدّين.
تفقه بأبيه وغيره، ولم يكن يخاف في الله لومة لائم، في إنكار ينكره [4]
الشرع، لازم التّدريس وإسماع الحديث والعكوف على العلم، وعليه نور
وهيبة، وأضر بأخرة.
قاله السيوطي في «طبقات النّحاة» .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 157) و «الضوء اللامع» (1/ 147) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 197) و «بغية الوعاة» (1/ 294) وقد
تأخرت هذه الترجمة في «آ» إلى عقب ترجمة القاضي السلطان برهان الدين
أبي العبّاس التي سترد بعد قليل.
[3] وقال السخاوي في «الضوء اللامع» : «نسبة إلى العسالق طائفة من
العرب» .
[4] في «آ» و «ط» : «ما أنكره» والتصحيح من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف.
(9/86)
وفيها أحمد بن علي بن محمد بن علي البكر
العطاردي المؤذّن، المعروف بابن سكّر [1] .
سمع بإفادة أخيه شمس الدّين من يحيى بن يوسف بن المصري وغيره، وحدّث
بالقاهرة، فسمع منه ابن حجر وغيره.
وتوفي في رجب وقد جاوز السبعين.
وفيها عبد الله بن عبد الله الدّكاري [2] المغربي المالكي [3] ، نزيل
المدينة، أقرأ بها، ودرّس، وأفاد، وناب في الحكم عن بعض القضاة، وكان
يتجرأ على العلماء سامحه الله. قاله ابن حجر.
وفيها الحافظ زين الدّين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي
بكر بن إبراهيم المهراني المولد العراقي الأصل الكردي العراقي الشافعي
[4] ، حافظ العصر.
قال في «إنباء الغمر» : ولد في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبعمائة،
وحفظ «التنبيه» واشتغل بالقراءات، ولازم المشايخ في الرواية، وسمع في
غضون ذلك من عبد الرحيم بن شاهد الجيش، وابن عبد الهادي، وعلاء الدّين
التّركماني، وقرأ بنفسه على الشيخ شهاب الدّين بن البابا، وتشاغل
بالتخريج، ثم تنبّه للطلب بعد أن فاته السّماع من مثل يحيى المصري آخر
من روى حديث السّلفي عالى بالإجازة، ومن الكثير من أصحاب ابن عبد
الدائم، والنّجيب بن علاق، وأدرك أبا الفتح الميدومي فأكثر عنه، وهو من
أعلى مشايخه إسنادا، وسمع أيضا من ابن الملوك وغيره، ثم رحل إلى دمشق،
فسمع من ابن الخبّاز، ومن أبي عبّاس المرداوي، ونحوهما، وعني بهذا
الشأن، ورحل فيه مرّات إلى دمشق
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 160) و «الضوء اللامع» (2/ 33) .
[2] في «آ» و «ط» : «الأكاري» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 168) و «الضوء اللامع» (5/ 29) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 170) و «الضوء اللامع» (4/ 171) و
«ذيل طبقات الحفاظ» للذهبي ص (370) و «الدليل الشافي» (1/ 409) و
«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 33) .
و «طبقات الحفاظ» ص (538- 540) و «حسن المحاضرة» (1/ 360) .
(9/87)
وحلب والحجاز، وأراد الدخول إلى العراق
ففترت همّته من خوف الطريق، ورحل إلى الإسكندرية، ثم عزم على التوجه
إلى تونس فلم يقدر له ذلك، وصنّف «تخريج أحاديث الإحياء» واختصره في
مجلد ولم يبيضه [1] ، وكتبت منه النسخ الكثيرة، وشرع في إكمال «شرح
الترمذي» لابن سيّد الناس، ونظم «علوم الحديث» لابن الصلاح وشرحها،
وعمل عليه نكتا، وصنّف أشياء أخر كبارا وصغارا، وصار المنظور إليه في
هذا الفنّ من زمن الشيخ جمال الدّين الإسنائي وهلم جرا، ولم نر في هذا
الفنّ أتقن منه، وعليه تخرّج غالب أهل عصره، ومن أخصهم به نور الدّين
الهيثمي، وهو الذي درّبه وعلّمه كيفية التخريج والتصنيف، وهو الذي يعمل
له خطب كتبه ويسميها له، وصار الهيثميّ لشدة ممارسته أكثر استحضارا
للمتون من شيخه، حتّى يظنّ من لا خبرة له أنه أحفظ منه وليس كذلك، لأن
الحفظ المعرفة، وولي شيخنا العراقي قضاء المدينة سنة ثمان وثمانين،
فأقام بها نحو ثلاث سنين، ثم سكن القاهرة، وأنجب ولده القاضي القضاة
ولي الدّين. لازمت شيخنا [2] عشر سنين تخلل في أثنائها رحلاتي إلى
الشام وغيرها، وقرأت عليه كثيرا من المسانيد والأجزاء، وبحثت عليه شرحه
على منظومته وغير ذلك، وشهد لي بالحفظ في كثير من المواطن، وكتب لي خطه
بذلك مرارا، وسئل عند موته من بقي بعده من الحفّاظ فبدأ بي، وثنّى
بولده، وثلّث بالشيخ نور الدّين، وتوفي عقب خروجه من الحمّام في ثاني
شعبان وله إحدى وثمانون سنة وربع سنة، نظير عمر شيخنا شيخ الإسلام سراج
الدّين، وفي ذلك أقول في المرثية:
لا ينقضي عجبي من وفق عمرهما ... العام كالعام حتّى الشّهر كالشّهر
عاشا ثمانين عاما بعدها سنة ... وربع عام سوى نقص لمعتبر
انتهى باختصار.
وفيها القاضي بل السّلطان برهان الدّين أبو العبّاس أحمد [بن عبد الله]
[3]
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وبيضه» والتصحيح من «إنباء الغمر» .
[2] يعني المترجم.
[3] ترجمته في «درر العقود الفريدة» للمقريزي (1/ 253- 256) و «الضوء
اللامع» (1/ 370- 371)
(9/88)
صاحب سيواس وقاضيها وسلطانها.
ولد بها وبها نشأ، ثم قدم حلب، وقرأ بها مدة قليلة، وقدم القاهرة،
وأقام بها مدة، ثم عاد إلى سيواس.
قال المقريزي: أحمد حاكم قيصرية، وتوقات، وسيواس.
اعلم أن مملكة [1] الرّوم كانت أخيرا لبني قلج أرسلان الذين أقاموا بها
دين الإسلام لما انتزعوها من يد ملك القسطنطينية، وكان كرسيهم قونية
وأعمالهم كثيرة جدا إلى أن اتخذت سيواس كرسي ملكهم، ثم إن صاحب الترجمة
قدم القاهرة وأخذ بها عن شيوخ زمانه، فعرف بالذكاء حتّى حصل على طرف من
العلم، فبشّره بعض الفقراء بأنه يتملك بلاد الرّوم وأشار إليه بعوده
إليها، فمضى إلى سيواس ودرّس بها وصنّف، ونظم الشعر وهو يتزيا بزي
الأجناد، وسلك طريقة الأمراء فيركب بالجوارح والكلاب إلى الصيد، ويلازم
الخدم السلطانية إلى أن مات [السلطان] ابن أرثنا [2] صاحب سيواس عن ولد
صغير اسمه محمد، فأقيم بعده، وقام الأمراء بأمره، وأكبرهم الذي يرجعون
إليه في الرأي قاضي سيواس، والد البرهان هذا، فدبّر الأمر المذكورون
مدة حياة القاضي، فلما مات ولّي ابنه برهان الدّين هكذا مكانه، فسدّ
مسدّه، وأربى عليه بكثرة علمه، وحسن سياسته، وجودة تدبيره، وأخذ في
إحكام أمره، فأول ما بدا به بعد تمهيد قواعده أن فرّق أعمال ولايته على
الأمراء، وبقي من الأمراء اثنان فريدون وغضنفر فثقلا عليه فتمارض ليقعا
في قبضته، فدخلا عليه يعودانه، فلما استقرّ بهما الجلوس خرج عليهما من
رجاله جماعة أقعدهم في مخدع، فقبضوا عليهما وخرج من فوره، فملك الأمر
من غير منازع، ولقّب بالسلطان ثم خرج فاستولى على مملكة قرمان، وقاتل
من عصى عليه، ونزع توقات، واستمال إليه تتار الرّوم، وهم جمع كبير لهم
بأس ونجدة وشجاعة، وانضاف إليه الأمير عثمان قرايلك [3] بتراكمينه فعزّ
جانبه، ثم إن قرايلك
__________
وما بين الحاصرتين في صدر الترجمة زيادة منه.
[1] في «آ» و «ط» : «ممالك» والتصحيح من «درر العقود الفريدة» مصدر
المؤلف.
[2] في «درر العقود الفريدة» : «ابن أرثنا» ولفظة «السلطان» مستدركة
منه.
[3] في المواطن الخمسة من «آ» و «ط» : «قرانبك» وما أثبته من «السّلوك»
(3/ 3/ 1042 و 1151
(9/89)
خالف عليه ومنع تقادمه التي كان يحملها
إليه، فلم يكترث به القاضي برهان الدّين احتقارا له، فصار قرايلك يتردد
إلى أماسية وأزرنجان، إلى أن قصد ذات يوم مصيفا بالقرب من سيواس، ومرّ
بظاهر المدينة، فشق عليّ القاضي برهان الدّين كونه لم يعبأ به، وركب
عجلا بغير أهبة ولا كثرة جماعة، وساق في أثره ليوقع به، فكّر عليه
قرايلك بجماعته فأخذه قبضا باليد، وتفرّقت عساكره [1] شذر مذر، وكان
قرايلك عزم أن يعيده إلى مملكته، فنزل عليه شيخ نجيب، فما زال به حتّى
قتله.
وكان- رحمه الله- فقيها، فاضلا، كريما، جوادا، قريبا من الناس، شديد
البأس، أديبا، شاعرا، ظريفا، لبيبا [2] ، مقداما، يحبّ العلم والعلماء،
ويدني إليه أهل الخير والفقراء، وكان دائما يتخذ يوم الاثنين والخميس
والجمعة لأهل العلم خاصة، لا يدخل عليه سواهم، وأقلع قبل موته، وتاب،
ورجع إلى الله تعالى.
ومن مصنّفاته كتاب «الترجيح على التلويح» .
وكان للأدب وأهله عنده سوق نافق [3] .
وقتل في ذي القعدة. انتهى كلام المقريزي باختصار.
وفيها الشيخ الكبير الولي الشهير العارف بالله تعالى الشيخ أبو بكر بن
داود الصّالحي [4] الحنبلي المسلك، المخلص الفقيه المتين.
قال الشّهاب بن حجي: كان معدودا في الصّالحين، وهو على طريقة السّنّة،
وله زاوية حسنة بسفح قاسيون فوق جامع الحنابلة، وله إلمام بالعلم.
ومات في سابع عشري رمضان. انتهى أي ودفن بحوش تربته من جهة الشمال
قريبا من الطريق.
قال الشيخ إبراهيم ابن الأحدب في «ثبته» والدّعاء عند قبره مستجاب [5]
.
__________
و1166) و «النجوم الزاهرة» (13/ 59) والضبط عنه. وفي «درر العقود
الفريدة» : «قرايلوك» .
[1] في «ط» : «عسكره» .
[2] في «درر العقود الفريدة» : «لينا» .
[3] في «درر العقود الفريدة» : «سوق نافقة» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 166) و «الضوء اللامع» (11/ 31) و
«السحب الوابلة» ص (127) .
[5] قلت: وذلك من المبالغة في الإطراء، فالدعاء لا يحتاج قبوله من الله
تعالى إلى وسيط. قال تعالى:
(9/90)
وقال فيه أيضا: له التصانيف النّافعة، منها
«قاعدة السفر» ومنها «الوصية النّاصحة» لم يسبق إلى مثلها، ومنها
«النّصيحة الخالصة» وغير ذلك من التصانيف النافعة الدالة على فقهه
وعلمه وبركته، له مغارة في زاويته انقطع عن الخلق فيها. انتهى.
وفيها عبد الصّادق بن محمد الحنبلي الدمشقي [1] .
كان من أصحاب ابن المنجّى، ثم ولي قضاء طرابلس، وشكرت سيرته، وقدم دمشق
فتزوج بنت السّلاوي زوجة مخدومه تقي الدّين بن المنجّى، وسعى في قضاء
دمشق.
وتوفي في المحرم سقط عليه سقف بيته فهلك تحت الرّدم.
وفيها نور الدّين أبو الحسن علي بن خليل بن علي بن أحمد بن عبد الله
الحكري المصري [2] ، الفقيه الحنبلي، العالم الواعظ، قاضي القضاة.
ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة، واشتغل في الحديث والفقه، وولي القضاء
بالديار المصرية بعد عزل القاضي موفق الدّين في جمادى الآخرة سنة
اثنتين وثمانمائة، وقدم مع السلطان الناصر فرج [3] إلى دمشق، وكان يجلس
بمحراب الحنابلة يعظ الناس، وكانت مدة ولايته للقضاء خمسة أشهر،
واستمرّ معزولا إلى أن مات في تاسع المحرم.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن عمرو بن سلمعان الخوارزمي [4] ،
وكان أبوه من الأجناد فنشأ هو على أجمل طريق وأحسن سيرة، وأكبّ على
الاشتغال بالعلم، ثم طالع في كتب ابن حزم فهوي كلامه، واشتهر في محبّته
والقول بمقالته، وتظاهر بالظّاهر، وكان حسن العبادة، كثير الإقبال على
التضرع
__________
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ
الدَّاعِ إِذا دَعانِ 2: 186 (البقرة: 186) .
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 208) و «السّحب الوابلة» ص (220) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 177) و «الضوء اللامع» (5/ 216) و
«المقصد الأرشد» (2/ 223) و «الجوهر المنضد» ص (86) و «السحب الوابلة»
ص (185) .
[3] في «ط» : «الفرج» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 178) و «الضوء اللامع» (5/ 266) .
(9/91)
والدّعاء والابتهال، ونزل عن إقطاعه سنة
بضع وثمانين، وأقام بالشام، ثم عاد إلى مصر، وباشر عند بعض الأمراء.
وتوفي في تاسع صفر.
وفيها نور الدّين علي [بن محمد] بن عبد الوارث بن جمال الدّين محمد بن
زين الدّين عبد الوارث بن عبد العظيم بن عبد المنعم بن يحيى بن حسن بن
موسى بن يحيى بن يعقوب بن محمد بن عيسى بن شعبان بن عيسى بن داود بن
محمد بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصّدّيق
القرشي البكري التّيمي [1] الشافعي ظنا.
اشتغل بالعلم، ومهر في الفقه خاصة، وكان كثير الاستحضار، قائما بالأمر
بالمعروف، شديدا على من يطلع منه على أمر منكر فجرّه الإكثار من ذلك
إلى أن حسّن له بعض أصحابه أن يتولى الحسبة، فولي حسبة مصر مرارا،
وامتحن بذلك حتّى أضرّ ذلك به.
ومات في ذي القعدة مفصولا وله ثلاث وستون سنة.
وفيها زين الدّين عمر بن إبراهيم بن سليمان الرّهاوي الأصل ثم الحلبي
[2] ، كاتب الإنشاء بحلب.
قرأ على الشيخ شمس الدّين الموصلي، وأبي المعالي بن عشائر، وتعانى
الأدب، وبرع في النّظم وصناعة الإنشاء وحسن الخط، وولي كتابة السّرّ
بحلب، ثم ولي خطابة جامع الأموي بعد وفاة أبي البركات الأنصاري، وكان
فاضلا ذا عصبية ومروءة.
وهو القائل:
يا غائبين وفي سرّيّ محلّهم ... دم الفؤاد بسهم البين مسفوك
أشتاقهم ودموع العين جارية ... والقلب في ربقة الأشواق مملوك
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 179) و «الضوء اللامع» (5/ 317) وما
بين الحاصرتين مستدرك منهما.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 179) و «الضوء اللامع» (6/ 64) .
(9/92)
ومن شعره:
وحائك يحكيه بدر الدّجى ... وجها ويحكيه القنا قدّا
ينسج أكفانا لعشّاقه ... من غزل جفنيه وقد سدّا
توفي في ثاني ربيع الآخر.
وفيها أبو حيّان محمد بن فريد الدّين حيّان بن العلّامة أثير الدّين
أبي حيّان محمد بن يوسف الغرناطي ثم المصري [1] .
ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وسمع من جدّه، ومن ابن عبد الهادي،
وغيرهما، وكان حسن الشّكل، منوّر الشّيبة، بهي المنظر، حسن المحاضرة،
أضرّ بأخرة، وسمع منه ابن حجر وغيره، وتوفي في ثالث رجب.
وفيها شمس الدّين محمد بن سعد بن محمد بن علي بن عثمان بن إسماعيل
الطّائي الشافعي ابن خطيب الناصرية [2] .
ولد سنة ثلاث وأربعين، وحفظ «التنبيه» وتفقه على أبي الحسن البابي،
والكمال بن العجمي، والجمال بن الشّريشي، وسمع من بدر الدّين بن حبيب
وغيره، وولي خطابة النّاصرية، واشتهر بها أيضا، وكان كثير التّلاوة
والعبادة، سليم الصّدر، وهو والد قاضي قضاة حلب.
وتوفي في جمادي الأولى.
وفيها شمس الدّين محمد بن سلمان [3] بن عبد الله بن الحرّاني الشافعي
الحموي [4] ، نزيل حلب.
أصله من الشرق، وأقدمه أبوه طفلا فسكن حماة، وعلّمه صناعة الحرف، ثم
ترك وأقبل على الاشتغال، وأخذ عن شرف الدّين يعقوب خطيب القلعة،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 184) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 185) و «الضوء اللامع» (7/ 249) .
[3] في «آ» و «ط» : «محمد بن سليمان» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 186) و «الضوء اللامع» (7/ 255) .
(9/93)
والجمال يوسف بن خطيب المنصورية وصاهره، ثم
رحل إلى دمشق، وأخذ عن بدر الدّين القرشي، ورأس، وحصّل، وشارك في
الفنون، ثم قدم حلب سنة ثلاث وسبعين، وناب في الحكم، ثم ولي [1] قضاء
الرّها، ثم قضاء بزاعة [2] ثم ناب في الحكم بحلب أيضا، وولي عدة
تداريس، وكان فاضلا تقيا، مشكورا في أحكامه.
وتوفي في سابع ربيع الأول بالفالج.
وفيها محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن حسن المصري القمني الصّوفي [3]
.
سمع من شمس الدّين بن القمّاح «صحيح مسلم» بفوت، وسمع من غيره، وحدّث،
فسمع منه ابن حجر وغيره.
وتوفي عن سبع وسبعين سنة.
وفيها أبو بكر يحيى بن عبد الله بن عبد الله بن محمد بن محمد بن زكريا
الغرناطي [4] .
كان إماما في الفرائض والحساب، وشارك في الفنون، وصنّف في الفرائض كتاب
«المفتاح» وولي القضاء ببلده.
وتوفي في ربيع الأول.
__________
[1] لفظة «ولي» سقطت من «ط» .
[2] قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 409) : بزاعة: سمعت من أهل حلب من
يقوله بعضهم بالضم والكسر، ومنهم من يقول: بزاعا بالقصر، وهي بلدة من
أعمال حلب في وادي بطنان بين منبج وحلب ... وفيها عيون ومياه جارية
وأسواق حسنة وقد خرج منها بعض أهل الأدب.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 193) و «الضوء اللامع» (9/ 212) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 194) و «الضوء اللامع» (10/ 229) .
(9/94)
سنة سبع وثمانمائة
فيها توفي محيى الدّين أبو اليسر أحمد بن تقي الدّين عبد الرحمن [1] بن
نور الدّين بن محمد بن محمد بن الصّائغ الأنصاري [2] نزيل الصّالحية.
ولد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وسمع من الوادي آشي، وأحمد بن علي
الجزري، وزينب بنت الكمال بعناية أبيه فأكثر، وسمع من زين الدّين بن
الوردي، وعني بالآداب، وطلب بنفسه، وكتب الطّباق، وتخرّج بابن سعد،
وتفرّد بأشياء سمعها، وسمع منه ابن حجر وغيره بدمشق، وكان عسرا في
الرواية.
توفي في شهر رمضان.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن كندغدي [3]- بضم الكاف وسكون النّون ودال
مضمومة وغين معجمة ساكنة ودال مهملة مكسورة، لفظ تركي معناه بالعربية
ولد النهار- الإمام العلّامة الفقيه الحنفي.
ولد بالقاهرة، وكان أبوه علاء الدّين أستادار [4] للأمير آقتمر، وكان
شهاب الدّين هذا يتزيّا بزيّ الجند، وطلب العلم، واشتغل على علماء
عصره،
__________
[1] في «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «أحمد بن عبد الله» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 226) و «الضوء اللامع» (1/ 368) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 227) و «الضوء اللامع» (2/ 64) و
«الطبقات السنية» (2/ 12- 13) .
[4] قال الشيخ محمد أحمد دهمان رحمه الله في «معجم الألفاظ التاريخية»
ص (14) : الاستدار، بضم الهمزة، لقب مملوكي يطلق على القائم على شؤون
الخاصة للسلطان.
(9/95)
وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، وغير
ذلك، وتفقه به جماعة، وصحب الأمير شيخ الصّفوي، ثم اختصّ عند الملك
الظّاهر برقوق، وعظم في الدولة بذلك.
قال المقريزي: وكان يتّهم بأنه هو الذي رخّص للسلطان في شرب النّبيذ
على قاعدة مذهبه، فأفضى ذلك إلى أن تعاطى ما أجمع على تحريمه، وقد
شافهته بذلك فلم ينكره منّي، فلما كانت أيام الناصر فرج بعثه رسولا إلى
تيمور بعد أن عيّنت أنا، فمات بحلب في شهر ربيع الأول وقد قارب الخمسين
أو بلغها، وكان من أذكياء الناس وفضلائهم. انتهى.
وفيه تاج الدّين تاج بن محمود الأصفهندي العجمي الشّافعي [1] ، نزيل
حلب.
قدم من بلاد العجم حاجّا، ثم رجع فسكن في حلب بالمدرسة الرّواحية،
وأقرأ بها النحو، ثم أقبلت عليه الطلبة فلم يكن يتفرغ لغير [2]
الاشتغال، بل يقرئ من بعد صلاة الصبح إلى الظهر بالجامع، ومن الظهر إلى
العصر بجامع منكلي بغا، ويجلس من العصر إلى المغرب بالرّواحية، وكان
عفيفا، ولم يكن له حظّ ولا يطلع إلى [3] أمر من أمور الدنيا، وأسر مع
اللّنكية فاستنقذه الشيخ إبراهيم صاحب شماخي وأحضره إلى بلده مكرّما،
فاستمر عنده إلى أن مات في ربيع الأول، وأخذ عنه غالب أهل حلب وانتفعوا
به، وشرح «المحرر» في الفقه.
وتوفي عن ثمان وسبعين سنة.
وفيها تمر وقيل تيمور- كلاهما يجوز- ابن ايتمش قنلغ بن زنكي بن سيبا بن
طارم طر بن طغربك بن قليج بن سنقور بن كنجك بن طغر سبوقا الطاغية تيمور
كوركان ومعناه باللغة العجمية صهر الملوك [4] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 229) و «الضوء اللامع» (3/ 25) و
«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 23) و «بغية الوعاة» (1/ 478) .
[2] في «ط» : «بغير» .
[3] في «ط» : «على» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 231) و «الضوء اللامع» (4/ 46) و
«النجوم الزاهرة» (12/ 253) .
(9/96)
ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة بقرية تسمى
خواجا أبغار من عمل كشّ أحد مدائن ما وراء النهر وبعد هذه البلدة عن
سمرقند يوم واحد. يقال: إنه رؤي ليلة ولد كأنّ شيئا يشبه الخودة تراءى
طائرا في جو السماء، ثم وقع إلى الأرض في فضاء فتطاير منه شرر حتى ملأ
الأرض، وقيل: إنه لما خرج من بطن أمّه وجدت كفّاه ملوءتين دما فزجروا
أنه تسفك على يديه الدماء، وقيل: إن والده كان إسكافا، وقيل: بل كان
أميرا عند السلطان حسين صاحب مدينة بلخ، وكان أحد أركان دولته، وإن
أمّه من ذرّية جنكز خان، وقيل: إن أول ما عرف من حاله أنه كان يتحرم
فسرق في بعض الليالي غنمة وحملها ليمرّ بها فانتبه الراعي ورماه بسهم
فأصحاب كتفه ثم ردفه بآخر فلم يصبه، ثم بآخر فأصاب فخذه، وعمل عليه
الجرح الثاني حتى عرج منه، ولهذا يسمى تمرلنك، فإن لنك باللغة العجمية
أعرج، ثم أخذ في التحرم وقطع الطريق، وصحبه في تحرمه جماعة عدّتهم
أربعون رجلا، وكان تيمور يقول لهم في تلك الأيام: لا بد أن أملك الأرض
وأقتل ملوك الدّنيا فيسخر منه بعضهم ويصدّقه البعض لما يروه من شدّة
حزمه وشجاعته.
قال ابن حجر: كان من أتباع طقتمش خان آخر الملوك من ذرّيّة جنكز خان،
فلما مات وقرّر في السلطنة ولده محمود استقرّ تيمور أتابكة [1] ، وكان
أعرج، وهو اللّنك بلغتهم، فعرف بتمر اللنك، ثم خفّف وقيل: تمرلنك،
وتزوج أمّ محمود وصار هو المتكلم في المملكة، وكانت همّته عالية، وتطلع
[2] إلى الملك، فأول ما جمع عسكرا ونازل صاحب [3] بخارى فانتزعها من يد
أميرها حسن المغلي، ثم نازل خوارزم فاتفق وفاة أميرها حسن المغلي،
واستقرّ أخوه يوسف وانتزعها اللّنك أيضا، ولم يزل إلى أن انتظم له ملك
ما وراء النهر، ثم سار إلى سمرقند، وتملّكها، ثم زحف إلى خراسان
وملكها، ثم ملك هراة، ثم ملك طبرستان وجرجان بعد حروب طويلة سنة أربع
وثمانين، فلجأ صاحبها شاه وتعلّق بأحمد بن أويس صاحب العراق فتوجّه
اللّنك إليهم فنازلهم بتبريز وأذربيجان فهلك شاه في
__________
[1] في «ط» : «أتابك» .
[2] في «آ» : «ويطّلع» وفي «ط» : «ويتطلع» وما أثبته من «إنباء الغمر»
مصدر المؤلف.
[3] لفظة «صاحب» لم ترد في «إنباء الغمر» .
(9/97)
الحصار، وملكها اللّنك، ثم ملك أصبهان، وفي
غضون ذلك خالف عليه أمير من جماعته يقال له قمر الدّين وأعانه طقتمش
خان صاحب صراي، فرجع إليهم، ولم يزل يحاربهم إلى أن أبادهم واستقلّ
بمملكة المغل، وعاد إلى أصبهان سنة أربع وتسعين فملكها، ثم تحول إلى
فارس وفيها أعيان بني المظفّر اليزدي فملكها، ثم رجع إلى بغداد سنة خمس
وتسعين فنازلها إلى أن غلب عليها، وفرّ أحمد بن أويس صاحبها إلى الشام،
واتصلت مملكة اللّنك بعد بغداد بالجزيرة [1] وديار بكر، فبلغته أخباره
الظّاهر برقوق فاستعدّ له، وخرج بالعساكر إلى حلب فرجع إلى أذربيجان
فنزل بقراباغ [2] ، فبلغه رجوع طقتمش إلى صراي فسار خلفه ونازله إلى أن
غلبه على ملكه في سنة سبع وتسعين، ففرّ إلى بلغار، وانضم عسكر المغل
إلى اللّنك، فاجتمع معه فرسان التتار والمغل وغيرهم، ثم رجع إلى بغداد،
وكان أحمد فرّ منها، ثم عاد إليها فنازلها إلى أن ملكها، وهرب أحمد
ثانيا، وسار إلى أن وصل سيواس فملكها، ثم حاصر بهنسا مدة، وبلغ ذلك أهل
حلب ومن حولها فانجفلوا، ونازل حلب في ربيع الأول فملكها وفعل فيها
الأفاعيل الشنيعة، ثم تحول إلى دمشق في ربيع الآخر- أي سنة ثلاث
وثمانمائة- وسار حتّى أناخ على ظاهر دمشق من داريّا إلى قطنا والحولة
وما يلي تلك البلاد، ثم احتاط بالمدينة، وانتشرت عساكره في ظواهرها
تتخطف الهاربين.
وقال صاحب «المنهل الصّافي» وصار تيمور يلقي من ظفر به تحت أرجل
الفيلة، حتّى خرج إليه أعيان المدينة بعد أن أعياه أمرهم يطلبون منه
الأمان، فأوقفهم ساعة ثم أجلسهم وقدّم إليهم طعاما وأخلع عليهم وأكرمهم
ونادى في المدينة بالأمان والاطمئنان، وأن لا يعتدي أحد على أحد، فاتفق
أن بعض عسكره نهب شيئا من السوق فشنقه وصلبه برأس سوق البزوريين، فمشى
ذلك على الشاميين وفتحوا أبواب المدينة فوزّعت الأموال التي كان فرضها
عليهم لأجل الأمان على الحارات، وجعلوا دار الذهب هي المستخرج، ونزل
تيمور بالقصر الأبلق [3]
__________
[1] يعني جزيرة أقور.
[2] قراباغ: ورد ذكرها في كتاب «بلدان الخلافة الشرقية» ص (213) وقال
عنها: هي في شرقي الرّان.
[3] كان القصر الأبلق في مكان التكية السلمانية الشهيرة وسط دمشق على
ضفة بردى، وعلى أنقاضه
(9/98)
من الميدان، ثم تحول منه إلى دار وهدمه
وحرقه، وعبر المدينة من باب الصغير، حتى صلّى الجمعة بجامع بني أميّة،
وقدّم القاضي الحنفي محمود بن الكشك للخطبة والصلاة، ثم جرت مناظرات
[1] بين إمامه عبد الجبّار، وفقهاء دمشق، وهو يترجم عن تيمور بأشياء،
منها وقائع علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع معاوية، وما وقع ليزيد بن
معاوية مع الحسين، وأن ذلك كلّه كان بمعاونة أهل دمشق له، فإن كانوا
استحلوه فهم كفّار، وإلّا فهم عصاة بغاة، وإثم هؤلاء على أولئك،
فأجابوه بأجوبة قبل بعضها وردّ البعض، ثم قام من الجامع وجدّ في حصار
القلعة حتّى أعياه أمرها، ولم يكن بها يومئذ إلّا نفر يسير جدا، ونصب
عليها عدة مناجيق، وعمر تجاها قلعة عظيمة من خشب، فرمى من بالقلعة على
القلعة التي عمرها بسهم فيه نار فاحترقت عن آخرها، فأنشأ قلعة أخرى، ثم
سلّموها له بعد أربعين يوما بالأمان، ولما أخذ تيمور قلعة دمشق أباح
لمن معه النّهب والسّبي [2] ، والقتل والإحراق، فهجموا المدينة ولم
يدعوا بها شيئا قدروا عليه، وطرحوا على أهلها أنواع العذاب، وسبوا
النّساء والأولاد، وفجروا بالنساء جهارا، ولا زالوا على ذلك أياما،
وألقوا النار في المباني حتّى احترقت بأسرها، ورحل عنها يوم السبت ثالث
شعبان سنة ثلاث وثمانمائة، ثم اجتاز بحلب وفعل بأهلها ما قدر عليه، ثم
على الرّها وماردين، ثم على بغداد وحصرها أيضا حتى أخذها عنوة في يوم
عبد النّحر من السنة ووضع السيف في أهلها، وألزم جميع من معه أن يأتي
كل واحد منهم برأسين من رؤوس أهلها، فوقع القتل، حتى سالت الدّماء
أنهارا وقد أتوه بما التزموه، فبنى من هذه الرؤوس مائة وعشرين مئذنة،
ثم جمع أموالها وأمتعتها وسار إلى قرى باغ فجعلها خرابا بلقعا.
ثم قال ابن حجر: فلما كان سنة أربع وثمانمائة قصد بلاد الرّوم فغلب
عليها
__________
أقيمت التكية على عهد العثمانيّين حكام آخر الدول الإسلامية الكبرى.
انظر «غوطة دمشق» لكرد علي ص (185) .
[1] في «ط» : «مناظرة» .
[2] في «ط» : «والسّلب» .
(9/99)
وأسر صاحبها- أي أبا يزيد بن عثمان- ومات
معه في الاعتقال، ودخل الهند، فنازل مملكة المس لمين حتى غلب عليها،
وكان مغرى بقتل المسلمين وغزوهم وترك الكفّار، وكان شيخا، طوالا، شكلا،
مهولا، طويل اللّحية، حسن الوجه، بطلا شجاعا جبّار، ظلوما، غشوما،
سفّاكا للدماء، مقداما على ذلك، وكان أعرج، سلت رجله في أوائل أمره،
وكان يصلي عن قيام، وكان جهوري الصّوت، يسلك الجدّ مع القريب والبعيد،
ولا يحبّ المزاح، ويحب الشطرنج، وله فيها يد طولى، وزاد فيها جملا
وبغلا، وجعل رقعته عشرة في أحد عشر، وكان ماهرا فيه لا يلاعبه فيه إلا
الأفراد، وكان يقرّب العلماء، والصّلحاء، والشّجعان، والأشراف، وينزلهم
منازلهم، ولكن من خالف أمره أدنى مخالفة استباح دمه، وكانت هيبته لا
تدانى بهذا السبب، وما أخرب البلاد إلّا بذلك، وكان من أطاعه في أول
وهلة أمن، ومن خالفه أدنى مخالفة وهن، وكان له فكر صائب ومكايد في
الحرب، وفراسة قلّ أن تخطئ، وكان عارفا بالتواريخ لإدمانه على سماعها،
لا يخلو مجلسه عن قراءة شيء منها، سفرا ولا حضرا، وكان مغرى بمن له
صناعة ما، إذا كان حاذقا فيها، وكان أمّيّا لا يحسن الكتابة، وكان
حاذقا باللغة الفارسية والتركية والمغلية خاصة، وكان يقدم قواعد جنكز
خان ويجعلها أصلا، ولذلك أفنى جمعا جمّا بكفره، مع أن شعائر الإسلام في
بلاده ظاهرة، وكان له جواسيس في جميع البلاد التي ملكها والتي لم
يملكها، وكانوا ينهون إليه الحوادث الكائنة على جليتها ويكاتبونه بجميع
ما يروم، فلا يتوجه إلى جهة إلّا وهو على بصيرة من أمرها، وبلغ من
دهائه أنه كان إذا قصد جهة جمع أكابر الدولة وتشاوروا إلى أن يقع الرأي
على التوجه في الوقت الفلاني إلى الجهة الفلانية، فيكاتب جواسيس تلك
الجهات، فيأخذ أهل تلك الجهة المذكورة حذرها ويأنس غيرها، فإذا ضرب
بالنّفير وأصبحوا سائرين ذات الشمال، عرّج بهم ذات اليمين فلا يصل
الخبر الثاني إلّا ودهم الجهة التي يريد وأهلها غافلون، وكان أنشأ
بظاهر سمرقند بساتين وقصورا عجيبة، وكانت من أعظم النّزه، وبنى عدة
قصاب سمّاها بأسماء البلاد الكبار، كحمص، ودمشق، وبغداد، وشيراز. انتهى
وقال في «المنهل» وكان يستعمل المركّبات والمعاجين ليستعين بها على
(9/100)
افتضاض الأبكار، وخرج من سمرقند في شهر
رجب- أي من هذه السنة- قاصدا بلاد الصّين والخطا، وقد اشتدّ البرد حتّى
نزل على سيحون وهو جامد فعبره، ومرّ سائرا، واشتد عليه وعلى من معه
الرّياح والثلج، وهلكت دوابهم، وتساقط الناس هلكى، ومع ذلك فلا يرقّ
لأحد، ولا يبالي بما نزل بالناس، بل يجدّ في السير، فلما وصل إلى مدينة
انزار [1] أمر أن يستقطر له الخمر حتّى يستعمله بأدوية حارة وأفاويه
لدفع البرد وتقوية الحرارة، وشرع يتناوله ولا يسأل عن أخبار عسكره وما
هم فيه، إلى أن أثّرت حرارة ذلك في كبده وأمعائه، فالتهب مزاجه حتّى
ضعف بدنه وهو يتجلد ويسير السّير السّريع وأطباؤه يعالجونه بتدبير
مزاجه إلى أن صاروا يضعون الثّلج على بطنه لعظم ما بن من التّلهب وهو
مطروح مدة ثلاثة أيام، فتلفت كبده وصار يضطرب ولونه يحمر إلى أن هلك في
يوم الأربعاء تاسع عشر شعبان وهو نازل بضواحي انزار [1] ، ولم يكن معه
من أولاده سوى حفيده خليل بن أميران شاه بن تيمور فملك خزائن جدّه
وتسلطن وعاد إلى سمرقند برمّة جدّه إلى أن دفنه على حفيده محمد سلطان
بمدرسته، وعلّق بقبته قناديل الذهب، من جملتها قنديل زنته عشرة أرطال
دمشقية، وتقصد تربته بالنّذور للتبرك من البلاد البعيدة- لا تقبّل الله
ممن يفعل ذلك- وإذا مرّ على هذه المدرسة أمير أو جليل خضع ونزل عن فرسه
إجلالا لقبره لما له في صدورهم من الهيبة.
وتوفي عن نيف وثمانين سنة، وخلّف من الأولاد أميران شاه والقآن معين
الدّين شاه رخ صاحب هراة، وبنتا يقال لها سلطان بخت، وعدة أحفاد.
انتهى باختصار.
وفيها جمال الدّين أبو المعالي عبد الله بن عمر بن علي بن مبارك الهندي
السّعودي الأزهري المعروف بالحلاوي [2]- بمهملة ولام خفيفة-.
ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وسمع الكثير من يحيى المصري،
__________
[1] لم أعثر على ذكر لها فيما بين يدي من كتب البلدان.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 239) و «الضوء اللامع» (5/ 38) .
(9/101)
وأحمد بن علي المستولي، وإبراهيم الخيمي،
وجمع جمّ من أصحاب النّجيب، وابن علّان، وابن عبد الدائم فأكثر.
قال ابن حجر: كان ساكتا،: خيّرا، صبورا على الإسماع، قلّ أن يعتريه
نعاس، قرأت عليه «مسند أحمد» في مدة يسيرة في مجالس طوال، وكان لا
يضجر، وفي الجملة لم يكن في شيوخ الرّواية من شيوخنا أحسن أداء منه،
ولا أصغى للحديث.
وتوفي في صفر وقد قارب الثمانين.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن إدريس بن نصر
النّحريري المالكي [1] .
ولد سنة أربعين وسبعمائة، واشتغل بالعلم بدمشق وبمصر، وسمع من الظّهير
بن العجمي وغيره، ثم ناب في الحكم بحلب، ثم ولي قضاء حلب سنة سبع
وستين، ثم أراد الظّاهر إمساكه لمّا قام عليه، فأحس بذلك فهرب إلى
بغداد، فأقام بها على صورة فقير، فلم يزل هناك إلى أن وقعت الفتنة
اللّنكية، ففرّ إلى تبريز، ثم إلى حصن كيفا، فأكرمه صاحبها، فأقام
عنده، وكان صاحب الترجمة يحبّ الفقهاء الشافعية وتعجبه مذاكرتهم، ثم
رجع إلى حلب، ثم توجه إلى دمشق سنة ست فحجّ ورجع قاصد الحصن، وكان
إماما، فاضلا، فقيها، يستحضر كثيرا من التاريخ، ويحب العلم وأهله، وكان
من أعيان الحلبيين.
وتوفي بسرمين راجعا من الحجّ بكرة يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول.
وفيها عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن لاجين الرّشيدي [2] .
قال ابن حجر: سمع الميدومي، وابن الملوك، وغيرهما، وكان يلازم قراءة
«صحيح البخاري» وسمعت لقراءته، وكان حسن الأداء، وسمعت منه من «المعجم
الكبير» أجزاء.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 241) و «الضوء اللامع» (5/ 42) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 244) و «الضوء اللامع» (5/ 43) .
(9/102)
مات في رجب وقد جاوز السبعين بأشهر. انتهى.
وفيها [1] أبو بكر [1] عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن
أبي الرّجاء ابن أبي الأزهر الدمشقي، المعروف بابن السّلعوس [2] .
سمع من زينب بنت الخبّار، وحدّث عنها، وأجاز لابن حجر.
وفيها شرف الدّين عبد المنعم بن سليمان بن داود البغدادي ثم المصري
الحنبلي [3] .
ولد ببغداد، وقدم [4] إلى القاهرة وهو كبير، فحجّ، وصحب القاضي تاج
الدّين السّبكي وأخاه الشيخ بهاء الدّين، وتفقه على قاضي القضاة موفق
الدّين وغيره، وعيّن لقضاء الحنابلة بالقاهرة فلم يتمّ ذلك، ودرّس
بمدرسة أمّ الأشرف شعبان، وبالمنصورية، وولي إفتاء دار العدل، ولازم
الفتوى، وانتهت إليه رئاسة الحنابلة بها، وانقطع نحو عشر سنين بالجامع
الأزهر يدرّس ويفتي، ولا يخرج منه إلّا في النّادر، وأخذ عنه جماعات.
وأنشد قبل موته من نظمه [5] .
قرب الرّحيل إلى ديار الآخره ... فاجعل بفضلك خير عمري آخره
وارحم مقيلي في القبور ووحدتي ... وارحم عظامي حين تبقي ناخره
فأنا المسيكين الذي أيّامه ... ولّت بأوزار غدت متواترة
لا تطردنّ [6] فمن يكن لي راحما ... وبحار جودك يا إلهي زاخره
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 245) و «الضوء اللامع» (4/ 84) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 247) و «الضوء اللامع» (5/ 88) وفيه
«ابن داود بن سليمان» و «المقصد الأرشد» (2/ 138) .
[4] في «ط» : «قدم» .
[5] الأبيات في «المقصد الأرشد» (2/ 139) .
[6] في «المقصد الأرشد» : «فلئن طردت» .
(9/103)
يا مالكي يا خالقي يا رازقي ... يا راحم
الشّيخ الكبير وناصره
مالي سوى قصدي لبابك سيّدي ... فاجعل بفضلك خير عمري آخره
وتوفي بالقاهرة في ثامن عشر شوال.
وفيها جلال الدّين عبيد الله [1] بن عبد الله الأردبيلي الحنفي [2] .
لقي جماعة من الكبار بالبلاد العراقية وغيرها، وقدم القاهرة فولي قضاء
العسكر، ودرّس بمدرسة الأشرف بالتّبانة وغير ذلك.
وتوفي في أواخر شهر رمضان.
وفيها علاء الدّين علي بن إبراهيم بن علي القضامي الحموي الحنفي [3] .
تفقه بالقاضي صدر الدّين بن منصور، وأخذ النحو عن سري الدّين المالكي،
وبرع في الأدب، وكتب في الحكم عن البارزي، ثم ولي القضاء بحماة، وكان
من أهل العلم والفضل والذكاء، مع الدّين، والخير، والرئاسة، وسمع منه
ابن حجر لما قدم القاهرة في آخر سنة ثلاث وثمانمائة.
ومن شعره:
عين على المحبوب قد قال لي ... راح إلى غيرك يبغي اللّجين
فجئته بالتّبر مستدركا ... وقلت ما جئتك إلّا بعين
وتوفي ثامن عشر ربيع الأول.
وفيها نور الدّين علي بن سراج الدّين عمر ابن الملقّن الشافعي [4] .
ولد في سابع شوال سنة ثمان وستين وسبعمائة، وتفقه قليلا، وسمع من أبيه
وبعض المشايخ بالقاهرة، ورحل مع أبيه إلى دمشق وحماة، وأسمعه هناك،
وناب
__________
[1] في «ط» : «عبد الله» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 248) و «الضوء اللامع» (5/ 117) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 250) و «الضوء اللامع» (5/ 155) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 252) و «الضوء اللامع» (5/ 267) .
(9/104)
في الحكم، ودرّس بمدارس أبيه بعده، وكان
عنده سكون وحياء، وتمول في الآخر، وكثرت معاملاته.
وتوفي في شعبان.
وفيها نور الدّين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر
الهيثميّ الشافعي [1] الحافظ.
ولد في رجب سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، وصحب الشيخ زين الدّين العراقي
وهو صغير، فسمع معه من ابتداء طلبه على أبي الفتح الميدومي، وابن
الملوك، وابن القطرواني، وغيرهم من المصريين. ومن ابن الخبّاز، وابن
الحموي، وابن قيّم الضّيائية، وغيرهم من الشاميين. ثم رحل جميع رحلاته
معه- أي مع العراقي- وحجّ معه حجّاته، ولم يكن يفارقه حضرا ولا سفرا،
وتزوج بنته، وتخرّج به في الحديث، وقرأ عليه أكثر تصانيفه، فكتب عنه
جميع مجالس إملائه، وسمع بنفسه، وعني بهذا الشأن، وكتب، وجمع، وصنّف،
فمن تصانيفه «مجمع الزوائد ومنبع الفوائد» جمع فيه زوائد المعاجم
الثلاث للطبراني [2] ، و «مسند الإمام أحمد بن حنبل» و «مسند البزّار»
و «مسند أبي يعلى» [3] وحذف أسانيدها، وجمع «ثقات ابن حبّان» ورتّبها
على حروف المعجم، وكذا «ثقات العجلي» ورتّب «الحلية» على الأبواب، وصار
كثير الاستحضار للمتون جدا لكثرة الممارسة، وكان هينا، لينا، خيرا
محبّا لأهل الخير، لا يسأم ولا يضجر من خدمة الشيخ وكتابة الحديث، كثير
الخير، سليم الفطرة.
قال ابن حجر: قرأت عليه الكثير قرينا [4] الشيخ، ومما قرأت عليه
بانفراده نحو النّصف من «مجمع الزوائد» له وغير ذلك، وكان يشهد لي
بالتقدم في الفنّ،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 256- 260) و «ذيل تذكرة الحفاظ» ص
(372- 373) و «الضوء اللامع» (5/ 200) و «طبقات الحفاظ» ص (541) و «حسن
المحاضرة» (1/ 362) .
[2] في «ط» : «الطبراني» .
[3] الكبير منها وهو المفقود، وأما المنشور في دار المأمون للتراث
بدمشق بتحقيق الأستاذ حسين الأسد فهو «مسنده الصغير» كما سبقت الإشارة
إلى ذلك عند ترجمته في المجلد الرابع ص (35) .
[4] في «ط» : «قرأنا» .
(9/105)
جزاه الله عني خيرا، وكنت قد تتبعت أوهامه
في كتابه «مجمع الزوائد» فبلغني أن ذلك شقّ عليه فتركته رعاية له.
انتهى.
وتوفي بالقاهرة ليلة الثلاثاء تاسع عشر شهر رمضان ودفن خارج باب
البرقوقية.
وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن وفا [1] .
قال في «المنهل الصّافي» : الشيخ الواعظ، المعتقد الصّالح، الأديب
الأستاذ، المعروف بسيّد علي بن والإسكندري الأصل المالكي الشّاذلي،
صاحب النّظم الفائق، والألحان المحزنة الحسنة، والحزب المعروف عنده بني
وفا.
ولد بالقاهرة سنة تسع وخمسين وسبعمائة، ومات أبوه، وتركه صغيرا، ونشأ
هو وأخوه أحمد تحت كنف وصيّهما العبد الصّالح شمس الدّين محمد الزّيلعي
فأدّبهما وفقههما، فنشآ على أحسن حال وأجمل طريقة، ولما صار عمر سيدي
علي هذا سبع عشرة سنة جلس موضع أبيه، وعمل الميعاد، وأجاد وأفاد، وشاع
ذكره، وبعد صيته، واشتهر أعظم من شهرة أبيه.
قال المقريزي: وتعددت أتباعه وأصحابه، ودانوا بحبّه، واعتقدوا رؤيته
عبادة، وتبعوه في أقواله وأفعاله، وبالغوا في ذلك مبالغة زائدة، وسمعوا
ميعاده المشهد، وبذلوا رغائب أموالهم، هذا مع تحجّبه وتحجب أخيه التحجب
الكثير، إلّا عند عمل الميعاد والبروز لقبر أبيهما أو تنقلهما في
الأماكن، فنالا من الحظّ ما لا ناله من هو في طريقتهما، وكان- أي صاحب
الترجمة- جميل الطريقة، مهابا، معظّما، صاحب كلام بديع ونظم جيدا.
انتهى.
ثم قال في «المنهل» : وكان فقيها، عارفا بفنون من العلوم، بارعا في
التصوف، مستحضرا لتفسير القرآن الكريم، وله تآليف، منها كتاب «الباحث
على الخلاص في أحوال الخواص» و «تفسير القرآن العزيز» ، وكتاب «الكوثر
المترع في الأبحر الأربع» في الفقه، وديوان شعر معروف، منه:
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 253) و «الضوء اللامع» (6/ 21) و «نيل
الابتهاج» ص (206) .
(9/106)
ترفّق فسهم الوجد في مهجتي رشق ... ملكت
فأحسن فالتجلد قد أبق
وطال عليّ الهجر واتصل الضّنى ... وقصّر عنّي الصّبر وانعدم الرّمق
وهي طويلة. انتهى ملخصا.
وقال ابن حجر في «إنباء الغمر» : كان له نظم كثير، واقتدار على جلب
الخلق، مع خفّة ظاهرة، اجتمعت به مرّة في دعوة، فأنكرت على أصحابه
إيمائهم إلى جهته بالسّجود، فتلا هو وهو في وسط السماع يدور فأينما
تولوا فثمّ وجه الله، فنادى من كان حاضرا من الطلبة: كفرت كفرت، فترك
المجلس وخرج هو وأصحابه، وكان أبوه معجبا به. وأذن له في الكلام على
الناس، وكان أكثر إقامته بالرّوضة قريب المشتهى، وشعره ينعق بالاتحاد
المفضي إلى الإلحاد، وكذا نظم والده، ونصب في أواخر أمره منبرا في
داره، وصار يصلي الجمعة هو ومن يصاحبه، مع أنه مالكي المذهب يرى أن
الجمعة لا تصحّ في البلد وإن كبر إلا في المسجد العتيق من البلد. انتهى
باختصار.
وتوفي الرّوضة يوم الثلاثاء ثاني عشري ذي الحجة، ودفن عند أبيه في
القرافة.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد
العزيز بن محمد الحنفي، المعروف بابن الفرات المصري [1] .
سمع من أبي بكر بن الصنّاج [2] راوي «دلائل النبوة» وتفرّد بالسماع
منه، وسمع «الشفاء» للقاضي عياض من الدلاصي، وأجاز له أبو الحسن
البندنيجي، وتفرّد بإجازته [3] في آخرين، وكان لهجا بالتاريخ، فكتب
تاريخا كبيرا جدا، بيّض بعضه، فأكمل منه المائة الثامنة، ثم السابعة،
ثم السادسة في نحو عشرين مجلدا،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 267- 268) و «الضوء اللامع» (8/ 51) و
«حسن المحاضرة» (1/ 556) .
[2] تصحفت في «ط» إلى «الصباح» .
[3] في «ط» : «إجازته» وهو خطأ.
(9/107)
ثم شرع في تبييض الخامسة والرابعة فأدركه
أجله، وكتب شيئا يسيرا من [1] أول القرن التاسع، وتاريخه هذا كثير
الفائدة إلا أنه بعبارة عامية جدا، وكان يتولى عقود الأنكحة، ويشهد في
الحوانيت ظاهر القاهرة، مع الخير والدّين والسلامة.
مات ليلة عيد الفطر وله اثنتان وسبعون سنة.
وفيها أبو الطّيب محمد بن عمر بن علي السّحولي [2]- بضم المهملتين-
اليمني ثم المكّي المؤذّن.
ولد سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة في رمضان، وسمع «الشفاء» على الزّبير
بن علي الأسواني، وهو آخر من حدث عنه، وسمع على الجمال المطري وغيره،
وأجاز له عيسى الحجي وآخرون، وسمع منه ابن حجر في آخرين.
وتوفي يوم التّروية وقد أضرّ بأخرة، وكان حسن الخطّ، جيد الشعر.
وفيها شمس الدّين محمد بن قرموز الزّرعي [3] .
تفقه قليلا، وحصّل، ومهر [4] ، ونظم الشعر الحسن، وولي قضاء القدس
وغيره، ثم توجه إلى قضاء الكرك فضعف، فرجع إلى دمشق، فمات بها في رجب
وقد بلغ السبعين.
وفيها سراج الدّين أبو الطّيب محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن
محمود الرّبعي، المعروف بابن الكويك [5] .
قال ابن حجر: سمع من الميدومي وغيره، وهو أخو شيخنا شرف الدّين أبو
الطّيب الأصغر.
توفي في وسط السنة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «منه» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 269) و «الضوء اللامع» (8/ 251) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 269- 270) .
[4] تحرفت في «ط» إلى: «معهد» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 270- 271) و «الضوء اللامع» (9/ 112)
.
(9/108)
وفيها شرف الدّين عيسى بن حجّاج السّعدي
المصري الحنبلي، الأديب الفاضل، المعروف بعويس العالية [1] .
كان فاضلا في النحو واللغة، وله النّظم الرائق، وله «بديعية» في مدح
النّبيّ صلى الله عليه وسلم، مطلعها:
سل ما حوى القلب في سلمى من العبر ... فكلّما خطرت أمسى على خطر
وله أشياء كثيرة، وسمي عويس العالية، لأنه كان عالية في لعب الشطرنج،
وكان يلعب به استدبارا.
وتوفي في أوائل المحرم ذكره العليمي في «طبقاته» .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 260) و «الضوء اللامع» (6/ 151) و
«المنهج الأحمد» الورقة (479) من القسم المخطوط منه.
(9/109)
سنة ثمان وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عماد بن محمد بن يوسف الأقفهسي- بفتح
الهمزة، وسكون القاف، وفتح الفاء وسكون الهاء- المعروف بابن العماد [1]
.
أحد أئمة الفقهاء الشافعية.
ولد قبل الخمسين وسبعمائة، واشتغل في الفقه والعربية، وغير ذلك، وأخذ
عن الجمال الإسنوي وغيره، وصنّف التصانيف المفيدة نظما ونثرا ومتنا
وشرحا، منها «أحكام المساجد» و «أحكام النّكاح» و «حوادث الهجرة» وكتاب
«التبيان فيما يحلّ ويحرم من الحيوان» و «رفع الإلباس عن دهم الوسواس»
و «شرح حوادث الهجرة» له، و «القول التّام في أحكام المأموم والإمام»
وغير ذلك.
وسمع منه ابن حجر، وكتب عنه برهان الدّين محدّث حلب.
وفيها أبو هشام أحمد بن محمد بن إسماعيل بن عبد الرحيم بن يوسف بن شمير
بن حازم المصري، المعروف بابن البرهان الظّاهري التّيمي [2] .
ولد بين القاهرة ومصر في ربيع الأول سنة أربع وخمسين وسبعمائة، وهو أحد
من قام على الظّاهر برقوق، وكان أبوه من العدول، ونشأ أحمد بالقاهرة،
واشتغل بالفقه على مذهب الشافعي، ثم صحب شخصا ظاهريّ المذهب
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 313) و «الضوء اللامع» (2/ 47) و
«الطبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 15) و «البدر الطالع» (1/ 93) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 316) و «الضوء اللامع» (2/ 96) .
(9/110)
فجذبه [1] إلى النّظر في كلام أبي محمد بن
حزم فأحبه، ثم نظر في كلام ابن تيميّة فغلب عليه، حتّى صار لا يعتقد أن
أحدا أعلم منه، وكانت له نفس أبيّة ومروءة وعصبية، ونظر كثيرا في أخبار
الناس، فكانت نفسه تطمح إلى المشاركة في الملك وليس له قدم فيه، لا من
عشيرة، ولا من وظيفة، ولا من مال، ثم رحل إلى الشام والعراق يدعو إلى
طاعة رجل من قريش، فاستقرأ جميع الممالك فلم يبلغ قصدا، ثم رجع إلى
الشام فاستغوى كثيرا من أهلها ومن أهل خراسان، وآخر الأمر قبض عليه
وعلى جماعة من أصحابه بحمص، وحمل الجميع في القيود إلى الديار المصرية
فأوقفه الظّاهر برقوق بين يديه ووبّخه على فعله، وضرب أصحابه بالمقارع،
ثم حبسه مدة طويلة، ثم أطلقه في سنة إحدى وتسعين، وطال خموله إلى أن
توفي.
وأطنب المقريزي في الثناء عليه، وأمعن، وزاد، لكونه كان ظاهريا، وذكر
أنه كان فقيرا عادما للقوت.
وتوفي يوم الخميس السادس والعشرين من جمادى الأولى.
وفيها شيخ زادة العجمي الحنفي [2] .
قدم من بلاده إلى حلب سنة أربع وتسعين وسبعمائة، وهو شيخ ساكن يتكلّم
في العلم بسكون، ويتعانى حلّ المشكلات، فنزل في جوار القاضي محبّ
الدّين بن الشّحنة، فشغل الناس.
قال ابن حجر: وكان عالما بالعربية والمنطق والكشّاف، وله اقتدار على
حلّ المشكلات من هذه العلوم، ولقد طارحه سراج الدّين الفوّي بأسألة من
العربية وغيرها، نظما ونثرا [3] ، منها في قول «الكشّاف» [4] إن
الاستثناء في قوله تعالى:
إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ 15: 58-
59 [الحجر: 58- 59] متصل أو
__________
[1] في «ط» : «مجلبة» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 321) و «الضوء اللامع» (3/ 231) .
[3] في «آ» و «ط» : «نظم ونثر» وما أثبته من «إنباء الغمر» مصدر
المؤلّف.
[4] انظر «الكشّاف» (2/ 581- 582) وقد نقل عنه بتصرف.
(9/111)
منقطع؟ فأجابه جوابا حسنا بأنه إن كان
يتعلق بقوم يكون منقطعا لأن القوم صفتهم الإجرام أو عن الضّمير في
صفتهم فيكون متصلا، واستشكل أن الضّمير هو الموصوف المقيّد بالصّفة،
فلو قلت: مررت بقوم مجرمين إلا رجلا صالحا كان الاستثناء منقطعا،
فينبغي أن يكون الاستثناء منقطعا في الصورتين، فأجاب بأنه لا إشكال.
قال: وغاية ما يمكن أن يقال إن الضّمير المستكن في المجرمين، وإن كان
عائدا إلى القوم بالإجرام إلّا أن إسناد الإجرام إليه يقتضي تجرّده عن
اعتبار اتصافه بالإجرام فيكون إثباتا للنائب إلى آخر كلامه.
ثم دخل القاهرة وولي بعد ذلك تدريس الشيخونية ومشيختها، فأقام مدة
طويلة إلى أن كان في أواخر هذه السنة فإنه طال ضعفه، فسعى عليه القاضي
كمال الدّين بن العديم أنه خرّف، ورتّب على الوظيفة، فاستقرّ فيها
بالجاه، فتألم لذلك هو وولده، ومقت أهل الخير ابن العديم بسبب هذا
الصنيع، ومات الشيخ زاده عن قرب ودفن بالشيخونية.
وفيها أمين الدّين سالم بن سعيد بن علوي الحسّاني الشافعي [1] .
قدم القدس وهو ابن عشرين سنة، فتفقه بها، ثم قدم دمشق في حياة السّبكي،
واشتغل وداوم على ذلك، وتفقه بعلاء الدّين حجي وغيره، وأخذ النّحو عن
السّكسكي وغيره، وقدم القاهرة، فقرأ في النحو على ابن عقيل، وفي الفقه
على البلقيني، وقدم معه دمشق، ولما ولي قضاءها ولّاه قضاء بصرى، ثم لم
يزل ينتقل في النيابة بالبلاد إلى أن مات في جمادى الأولى وقد جاوز
السبعين.
وفيها زين الدّين أبو العزّ طاهر بن الحسن بن عمر بن الحسن بن حبيب بن
شريح الحلبي الحنفي [2] .
ولد بعد الأربعين وسبعمائة بقليل، واشتغل بالعلم، وتعانى الأدب، ولازم
الشيخين أبا جعفر الغرناطي، وابن حازم، وسمع من إبراهيم بن الشّهاب
محمود
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 323) و «الضوء اللامع» (3/ 241) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 324) و «الضوء اللامع» (4/ 3) .
(9/112)
وغيره، وأجاز له أبو العبّاس المرداوي
خاتمة أصحاب ابن عبد الدائم وجماعة، وحصّل، وبرع في الأدب وغيره،
وصنّف، وكتب في ديوان الإنشاء بحلب، ثم رحل إلى دمشق، وأقام بها مدة،
ثم توجه إلى القاهرة، وكتب بها في ديوان الإنشاء، وولي عدة وظائف، وكان
يكتب الخطّ المنسوب، وله نظم ونثر، نظم «تلخيص المفتاح» في المعاني
والبيان، وشرح «البردة» للبوصيري، وخمّسها، وذيّل على تاريخ والده.
ومن شعره:
قلت له إذ ماس في أخضر ... وطرفه ألبابنا يسحر
لحظك ذا أو أبيض مرهف ... فقال هذا موتك الأحمر
وتوفي بالقاهرة [1] يوم الجمعة سابع عشر ذي الحجّة.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن علي بن خلف الفارسكوري [2] الشافعي
العلّامة.
ولد سنة خمس وخمسين وسبعمائة، وقدم القاهرة، ولازم الاشتغال، وتفقه على
الشيخ جمال الدّين، والشيخ سراج الدّين وغيرهما. وسمع الحديث فأكثر،
وكتب بخطّه المليح كثيرا، ثم تقدّم وصنّف، وعمل شرحا على «شرح العمدة»
لابن دقيق العيد، وجمع فيه أشياء حسنة، وكان له حظّ من العبادة
والمروءة والسّعي في قضاء حوائج الغرباء لا سيما أهل الحجاز، وقد ولي
قضاء المدينة، ولم تتم له مباشرة ذلك، واستقرّ في سنة ثلاث وثمانمائة
في تدريس المنصورية، ونظر الظّاهرية ودرسها فعمرها أحسن عمارة، وحمد
[3] في مباشرته، وقد جاور بمكة، وصنّف بها شيئا يتعلق بالأحكام.
قال ابن حجر: وكان يودني وأوده، وسمع بقراءتي وسمعت بقراءته، وأسفت
__________
[1] في «ط» : «في القاهرة» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 326) و «الضوء اللامع» (4/ 96) و
«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 30) و «معجم المؤلفين» (5/ 155) .
[3] في «ط» : «وجد» .
(9/113)
عليه جدا، وقد سئل في مرض موته أن ينزل عن
بعض وظائفه لبعض من يحبّه من رفقته، فقال لا أتقيّد بها حيّا وميتا.
وتوفي في رجب وله ثلاث وخمسون سنة.
وفيها ولي الدّين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن
بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحيم الحضرمي
الإشبيلي المالكي، المعروف بابن خلدون [1] .
ولد يوم الأربعاء أول شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة بمدينة
تونس، ونشأ بها، وطلب العلم، وسمع من الوادي آشي وغيره، وقرأ القرآن
على عبد الله بن سعد بن نزال إفرادا وجمعا، وأخذ العربية عن أبيه، وأبي
عبد الله السّائري وغيرهما، وأخذ الفقه عن قاضي الجماعة ابن عبد السلام
وغيره، وأخذ عن عبد المهيمن الحضرمي، ومحمد بن إبراهيم الإربلي شيخ
المعقول بالمغرب، وبرع في العلوم، وتقدم في الفنون، ومهر في الأدب
والكتابة، وولي كتابة السّرّ بمدينة فاس لأبي عنان، ولأخيه أبي سالم،
ورحل إلى غرناطة في الرسيلة سنة تسع وستين، وكان ولي بتونس كتابة
العلّامة ثم ولي الكتابة بفاس، ثم اعتقل سنة ثمان وخمسين نحو عامين،
ودخل بجاية، فراسله صاحبها فدبّر أموره، ثم رحل بعد أن مات إلى تلمسان
باستدعاء صاحبها فلم يقم بها، ثم استدعاه عبد العزيز بفاس، فمات قبل
قدومه فقبض عليه، ثم خلص فسار إلى مراكش، وتنقلت به الأحوال إلى أن رجع
إلى تونس سنة ثمانين فأكرمه سلطانها، فسعوا به عند السلطان إلى أن وجد
غفلة ففرّ إلى الشرق، وذلك في شعبان سنة أربع وثمانين، ثم ولي قضاء
المالكية بالقاهرة، ثم عزل، وولي مشيخة البيبرسية، ثم عزل عنها، ثم ولي
القضاء مرارا آخرها في رمضان من هذه السنة فباشره ثمانية أيام فأدركه
أجله، وكان ممن رافق العسكر إلى تمرلنك، وهو مفصول عن القضاء، واجتمع
بتمرلنك،
__________
[1] ترجمته في «الإحاطة» (3/ 497- 516) و «إنباء الغمر» (5/ 327) و
«الضوء اللامع» (4/ 145) و «نيل الابتهاج» ص (169) و «حسن المحاضرة»
(1/ 462) و «الأعلام» (3/ 330) و «معجم المؤلفين» (5/ 188- 191) .
(9/114)
وأعجبه كلامه وبلاغته وحسن ترسله، إلى أن
خلّصه الله من يده، وصنّف «التاريخ الكبير» في سبع مجلدات ضخمة، ظهرت
[1] فيه فضائله، وأبان فيه عن براعته، وكان لا يتزيّا بزيّ القضاة [2]
بل هو مستمر على طريقته في بلاده.
قال لسان الدّين بن الخطيب في «تاريخ غرناطة» : رجل فاضل، جمّ الفضائل،
رفيع القدر، وأصيل [3] المجد، وقور المجلس، عالي الهمّة، قوي الجأش،
متقدم في فنون عقيلة ونقلية، كثير الحفظ، وصحيح التّصوّر، بارع الخطّ
[4] ، حسن العشرة، مفخرة [5] من مفاخر الغرب [6] . قال هذا كلّه في
ترجمته والمترجم في حد الكهولة. انتهى.
وتوفي وهو قاض فجأة يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر رمضان، ودفن بمقابر
الصّوفية خارج باب النصر، وله ست وسبعون سنة وخمسة وعشرون يوما.
وفيها قوام الدّين قوام بن عبد الله الرّومي الحنفي [7] .
قال ابن حجر: قدم الشام وهو فاضل في عدة فنون، فأشغل وأفاد، وصاهر بدر
الدّين بن مكتوم، وولي تصديرا بالجامع، وصحب النّواب، وكان سليم
الباطن، كثير المروءة والمساعدة للناس.
مات في ربيع الآخر بدمشق.
وفيها شمس الدّين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم الجعبري الحنبلي العابر
[8] .
__________
[1] في «ط» : «أظهرت» .
[2] في «ط» : «القضاء» .
[3] في «ط» : «أسيل» وما جاء في «آ» موافق لما في «الاحاطة» مصدر
المؤلف.
[4] في «ط» : «بارع الحظ» .
[5] في «ط» : «فخر» .
[6] في «الاحاطة» : «مفخرة من مفاخر التخوم المغربية» .
[7] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 335) و «الضوء اللامع» (6/ 225) .
[8] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 336) و «الضوء اللامع» (7/ 157) و
«السّحب الوابلة» ص (365) وفيه: «محمد بن أبي بكر بن إسماعيل ... » .
(9/115)
كان يتعانى [1] صناعة القبان، وتنزل [2] في
دروس الحنابلة، وتنزل [2] في سعيد السعداء، وفاق في تعبير الرؤيا.
ومات في جمادى الآخرة.
وفيها أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عبد الله محمد بن المعتضد
أبي بكر بن المستكفي سليمان بن الحاكم أحمد العبّاسي [3] .
ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة أو نحوها، وتولى الخلافة في سنة ثلاث
وستين بعهد من أبيه إليه، واستمرّ في ذلك إلى أن مات في شعبان من هذه
السنة سوى ما تخلّل من السنين التي غضب عليه فيها الظّاهر برقوق.
واستقرّ بعده في الخلافة ولده أبو الفضل العبّاسي ولقّب المستعين بالله
بعهد من أبيه.
وفيها شمس الدّين محمد بن شرف الدّين أبي بكر بن محمد بن الشّهاب محمود
بن سلمان بن فهد الحلبي الأصل الدمشقي [4] .
ولد في شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وحضر علي البرزالي، وأبي بكر
بن قوام، وشمس الدّين بن السّرّاج، والعلم سليمان المنشد، بطريق الحجاز
في سنة تسع وثلاثين، وسمع في سنة ثلاث وأربعين من عبد الرحيم بن أبي
اليسر، ويعقوب بن يعقوب الجزري، وغيرهما، وحدّث، وكان شكلا حسنا، كامل
الثّغر، مفرط السّمن، ثم ضعف بعد الكائنة العظمى وتضعضع حاله بعد ما
كان مثريا، وكان يكثر الانجماع عن الناس، مكبّا على الأشغال بالعلم،
ودرّس بالبادرائية نيابة، وكان كثير من الناس يعتمد عليه لأمانته
ونقله.
__________
[1] في «ط» : «يتعاطى» .
[2] في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف: «ونزل» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 336) و «الضوء اللامع» (7/ 168) و
«تاريخ الخلفاء» ص (501- 505) و «حسن المحاضرة» (2/ 81- 84) و «السلوك»
(4/ 1/ 23- 24) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 338- 340) و «الضوء اللامع» (7/ 201)
.
(9/116)
توفي في خامس عشري جمادي الأولى، وكان أبوه
موقّع الدّست بدمشق، وكان قد ولي قبل ذلك كتابة السّرّ.
وفيها شمس الدّين محمد بن الحسن الأسيوطي [1] .
كان عالما بالعربية، حسن التعليم لها، انتفع به جماعة، وكان يعلّم
بالأجرة، وله في ذلك وقائع عجيبة ننبئ عن دناءة شديدة وشح مفرط، وكان
منقطعا إلى القاضي شمس الدّين بن الصّاحب الموقّع، ونبغ [2] له ولده
شمس الدّين محمد، لكن مات شابا قبله رحمهما الله تعالى. قاله ابن حجر.
وفيها محمد بن عبد الرحمن بن عبد الخالق بن سنان البرشسي- بفتح الموحدة
التحتية وسكون الراء وفتح المعجمة بعدها سين مهملة [3]- الشافعي [4] .
اشتغل قديما، وسمع من القلانسي ونحوه، وحدّث، وأفاد، ودرّس، مع الدّين
والخير، وله منظومة في علم الحديث، وشرحها، وشرح أسماء رجال الشافعي،
وله كتاب في فضل الذّكر، وغير ذلك، وسمع عليه ابن حجر، وتوفي عن سبعين
سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن الخضر الزّبيري [5] العيزري
الغزّي الشافعي [6] .
ولد في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وتفقه بالقاهرة على ابن
عدلان، وأحمد بن محمد العطّار، ومحيى الدّين ولد مجد الدّين
الزّنكلوني. وقرأ على البرهان الحكري، ورجع إلى غزّة سنة أربع وأربعين
وسبعمائة، فاستقرّ بها،
__________
[1] ترجمته في «إنباه الرواة» (5/ 340) و «بغية الوعاة» (1/ 91) وفيه:
«السيوطي» .
[2] تصفحت في «ط» إلى «ونبع» .
[3] تنبيه: كذا قال المؤلف رحمه: «البرشسي» وفي «إنباء الغمر» و «الضوء
اللامع» : «البرشنسي» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 341) و «الضوء اللامع» (7/ 290) .
[5] في «ط» : «ابن الخضري الزبيدي» وهو خطأ.
[6] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 344) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي
شهبة (4/ 73) و «الضوء اللامع» (9/ 218) و «البدر الطالع» (2/ 254) .
(9/117)
ودخل دمشق، وأخذ عن البهاء المصري، والتّقي
والتاج السّبكيّين، وغيرهم، وأذن له البدر محمود بن علي بن هلال في
الإفتاء، وأخذ عن القطب التّحتاني [1] ، وصنّف تصانيف في عدة فنون،
وكتب على أسئلة من عدة علوم، وله مناقشة على «جمع الجوامع» وذكر أنه
شرحه، واختصر «القوت» للأذرعي، وله «تعليق على الشرح الكبير» للرافعي،
ونظم في العربية أرجوزة سمّاها «قضم الضّرب في نظم كلام العرب» .
وتوفي في نصف ذي الحجّة.
وفيها كمال الدّين أبو البقاء محمد بن موسى بن عيسى بن علي الدّميري
[2]- بالفتح والكسر، نسبة إلى دميرة قرية بمصر- الشافعي العلّامة.
ولد في أوائل سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وتفقه على الشيخ بهاء
الدّين أحمد السّبكي، والشيخ جمال الدّين الإسنوي، والقاضي كمال الدّين
النّويري المالكي، وأجازه بالفتوى والتدريس، وأخذ الأدب عن الشيخ برهان
الدّين القيراطي، وبرع في الفقه، والحديث، والتفسير، والعربية، وسمع
«جامع الترمذي» على المظفّر العطّار المصري، وعلى علي بن أحمد الفرضي
الدمشقي «مسند أحمد بن حنبل» بفوت يسير، وسمع بالقاهرة من محمد بن علي
الحراوي وغيره، ودرّس في عدة أماكن، وكان ذا حظّ من العبادة تلاوة
وصياما ومجاورة بالحرمين، ويذكر عنه كرامات كان يخفيها، وربما أظهرها
وأحالها على غيره، وصنّف «شرح المنهاج» في أربع مجلدات، ونظم في الفقه
أرجوزة طويلة، وله كتاب «حياة الحيوان» كبرى وصغرى ووسطى، أبان فيها عن
طول باعه وكثرة اطلاعه، وشرع في «شرح ابن ماجة» [3] فكتب مسودة وبيّض
بعضه، ودرّس بالأزهر وبمكة المشرّفة، وتزوج بها في بعض مجاوراته، ورزق
فيها أولادا.
__________
[1] تقدمت ترجمته في المجلد الثامن ص (355) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 347) و «الطبقات الشافعية» لابن قاضي
شهبة (4/ 77- 79) و «الضوء اللامع» (10/ 59) و «حسن المحاضرة» (1/ 439)
.
[3] يعني «سنن ابن ماجة» .
(9/118)
وتوفي بالقاهرة في الثالث جمادى الأولى.
وفيها شمس الدّين محمد الحنبلي، المعروف بابن المصري [1] .
قال ابن حجر: كان من نبهاء الحنابلة، يحفظ «المقنع» ، وهو آخر طلبة
القاضي موفق الدّين موتا، وكان قد ترك وصار يتكسّب في حانوت بالصّاغة.
وفيها محيى الدّين محمود بن نجم الدّين أحمد بن عماد الدّين إسماعيل بن
العزّ الحنفي بن الكشك [2] .
اشتغل قليلا، وناب عن أبيه، واستقلّ بالقضاء وقتا، ولما كانت فتنة
تيمور دخل معهم في المنكرات، وولي القضاء من قبلهم، ولقّب قاضي
المملكة، واستخلف بقية القضاة من تحت يده، وخطب بالجامع، ودخل في
المظالم، وبالغ في ذلك فكرهه الناس ومقتوه، ثم اطلع تمر على أنه خانه
فصادره وعاقبه وأسره إلى أن وصل تبريز، فهرب ودخل القاهرة، فكتب توقيعا
بقضاء الشام فلم يمضه نائب الشام شيخ، واستمرّ خاملا، وتفرّق أخوه
وأولاده وظائفه، ثم صالحوه على بعضها.
وتوفي في ذي الحجة. قاله ابن حجر.
وهو والد رئيس الشام شهاب الدّين.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 348) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 348) و «الضوء اللامع» (10/ 127) .
(9/119)
سنة تسع وثمانمائة
فيها قويت فتن جكم، وشيخ، ونوروز، حتى بويع جكم بالسلطنة بالشام، ولقّب
بالعادل، ثم قتل في أثناء ذلك، كبا به فرسه فمات.
وفيها توفي صارم الدّين إبراهيم بن محمد بن أيدمر بن دقماق الحنفي [1]
.
ولد بمصر في حدود خمسين وسبعمائة، وتزيا بزي الجند، وطلب العلم، وتفقه
يسيرا، ومال إلى الأدب، ثم حبّب إليه التاريخ فمال إليه بكلّيته، وكتب
الكثير، وصنّف.
قال الشيخ تقي الدّين المقريزي: مال إلى فنّ التاريخ، فأكبّ عليه حتّى
كتب نحو مائتي سفر من تأليفه وغيره، وكتب تاريخا كبيرا على السنين،
وآخر على الحروف، وأخبار الدولة التركية في مجلدين، وأفرد سيرة الملك
الظّاهر برقوق، وكتب «طبقات الحنفية» وامتحن بسببها، وكان عارفا بأمور
الدولة التّركية ومذاكرا بجملة أخبارها، مستحضرا لتراجم أمرائها،
ويشارك في أخبار غيرها مشاركة جيدة، وكان جميل العشرة، فكه المحاضرة،
كثير التّودّد، حافظا للسانه من الوقيعة في الناس، لا تراه يذمّ أحدا
من معارفه بل يتجاوز عن ذكر ما هو مشهور عنهم مما يرمى به أحدهم،
ويعتذر عنهم بكل طريق، صحبته مدة، وجاورني سنين. انتهى كلام المقريزي.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 16) و «الضوء اللامع» (1/ 145) و
«الطبقات السنية» (1/ 225- 226) .
(9/120)
وقال [1] ابن حجر: ولي في آخر الأمر إمرة
دمياط، فلم تطل مدته فيها، ورجع إلى القاهرة، [2] وكان مع اشتغاله
بالأدب عريّا عن العربية، عامّيّ العبارة.
مات بالقاهرة [2] في أواخر ذي الحجّة وقد جاوز الستين.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن خاص التّركي الحنفي [3] ، أحد الفضلاء
المتميزين من الحنفية.
أخذ عنه [4] بدر الدّين العيني المحتسب، وكان يطريه.
وتوفي بالقاهرة. قاله ابن حجر.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله العجمي الحنبلي [5] أحد الفضلاء
الأذكياء.
قال ابن حجر: أخذ عن كثير من شيوخنا، ومهر في العربية والأصول، وقرأ في
علوم الحديث، ولازم [الإقراء، و] الاشتغال [6] في الفنون.
مات عن ثلاثين سنة بالطّاعون في شهر رمضان بالقاهرة. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عمر بن علي بن عبد الصّمد البغدادي الجوهري
[7] .
ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وقدم من بغداد قديما مع أخيه عبد الصّمد،
فسمعا من المزّي، والذهبي، وداود بن العطّار، وغيرهم، وسمع بالقاهرة من
شرف الدّين بن عسكر، وكان يحبّ التواجد في السماع مع المروءة التّامة
والخير والمعرفة بصنف الجوهر.
__________
[1] في «ط» : «مآل» .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 17) و «الضوء اللامع» (1/ 319) .
[4] في «ط» : «عن» وهو خطأ.
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 18) و «الضوء اللامع» (1/ 372) .
[6] في «ط» : «الأشغال» وما بين الحاصرتين مستدرك من «إنباء الغمر» .
[7] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 18) و «الضوء اللامع» (2/ 55) .
(9/121)
قال ابن حجر: قرأت عليه «سنن ابن ماجة»
بجامع عمرو بن العاص، وقرأت عليه قطعة كبيرة من «طبقات الحفّاظ»
للذهبي، وقطعة كبيرة من «تاريخ بغداد» للخطيب.
مات في ربيع الأول وقد جاوز الثمانين وتغيّر ذهنه قليلا.
وفيها أحمد بن محمد بن عبد الغالب الماكسيني [1] .
ولد في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، وسمع من جماعة، وحدّث وهو من بيت
رواية، وكان يكتب القصص، ثم جلس مع الشهود بالعادلية، وكان يكتب خطا
حسنا.
وتوفي في صفر.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن قماقم- وقماقم لقب أبيه- الدّمشقي
الفقّاعي [2] الشافعي [3] .
كان أبوه فقّاعيا، واشتغل هو بالعلم، وأخذ عن علاء الدّين بن حجي،
وقرأ.
بالرّوايات على ابن السّلّار.
قدم القاهرة في سنة الكائنة العظمى فأقام بها مدة، ورجع إلى دمشق، وسمع
على البلقيني في الفقه والحديث.
قال ابن حجي: كان يستحضر البويطي، وسمعت [4] البلقيني يسمّيه البويطي
الكبير في استحضاره له، ودرّس بالأمجدية.
وتوفي بدمشق في جمادى الآخرة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 19) و «الضوء اللامع» (2/ 124) .
[2] في «الضوء اللامع» : «الفقاعي نسبة لبيع الفقّاع» . قلت: والفقّاع:
شراب. انظر «تاج العروس» (فقع) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 20) و «الضوء اللامع» (2/ 167) .
[4] في «آ» و «ط» : «سمعت» وما أثبته من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
(9/122)
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن نشوان
بن محمد بن نشوان بن محمد بن أحمد الشّافعي [1] .
قال ابن قاضي شهبة: الإمام العالم أبو العبّاس الحواري الدمشقي.
مولده سنة سبع وخمسين وسبعمائة.
قدم دمشق، وقرأ القرآن، ثم أقرأ ولدي الشيخ شهاب الدّين الزّهري،
واشتغل في العلم معهما وبسببهما على الشيخ شهاب الدّين ولازمه كثيرا،
وحضر عند مشايخ العصر، إلى أن تنبه وفضل، وانتهى في الشامية البرّانية
سنة خمس وثمانين، وظهر فضله، وأذن له الشيخ شهاب الدّين الزّهري
بالإفتاء، ثم نزل له الشيخ شهاب الدّين بن حجي عن إعادة الشّامية
البرّانية بعوض، وجلس للاشغال بالجامع، ولما كان بعد الفتنة ناب في
القضاء، ولازم الجامع للإشغال وانتفع به الطلبة، وقصد بالفتاوى، وكان
يكتب عليها كتابة حسنة، ودرّس في آخر عمره بالعذراوية، وكان عاقلا،
ذكيا، يتكلّم في العلم بتؤدة وسكون، وعنده [2] إنصاف، وله محاضرة حسنة
ونظم، وكان في يده جهات كثيرة، ومات ولم يحجّ، مرض بالاستسقاء وطال
مرضه، حتى رأى العبر في نفسه.
وتوفي بالبيمارستان النّوري في جمادى الأولى، ودفن بمقابر الصّوفية عند
شيخه. انتهى باختصار.
وفيها بدر الدّين أحمد بن محمد بن عمر بن محمد [3] الطّنبذي- بضم الطاء
والموحدة بينهما نون ساكنة آخره معجمة، نسبة إلى طنبذا قرية بمصر-
الشافعي [4] ، العالم الأوحد.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 20) و «الضوء اللامع» (2/ 210) و
«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 18) و «الدارس في تاريخ المدارس»
(1/ 320) .
[2] في «آ» و «ط» : «عنده» وما أثبته من «طبقات الشافعية» لابن قاضي
شهبة مصدر المؤلف.
[3] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة، و «الضوء اللامع» : «أحمد بن
عمر بن محمد» وفي «إنباء الغمر» : «أحمد بن محمد» فقط.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 21- 23) و «الضوء اللامع» (2/ 56) و
«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 16) .
(9/123)
قال ابن قاضي شهبة: أحد مشاهير الشافعية
الأعلام بالقاهرة، اشتغل كثيرا، ولازم أبا البقاء، والإسنوي،
والبلقيني، وغيرهم، وأفتى، ودرّس، ووعظ، ومهر في العربية، والتفسير،
والأصول، والفقه، وسمع الحديث من جماعة، وكان ذكيا، فصيحا، يلقي على
الطّلبة دروسا حافلة، وتخرّج به جماعة كثيرة، لكنه لم يكن مرضيّ
الدّيانة، سامحه الله.
توفي في ربيع الأول.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد البالسي الأصل ثم الدمشقي الحنفي
الحواشي [1] .
اشتغل في صباه، وصاهر أبا البقاء على ابنته، وأفتى ودرّس، وناب في
الحكم، وولي نظر الأوصياء ووظائف كثيرة بدمشق، وكان حسن السّيرة، ثم
ناب في الحكم، وسعى في القضاء استقلالا، فباشر قليلا جدا، ثم عزل، ثم
سعى فلم يتمّ له ذلك.
وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها بدر الدّين حسن بن علي بن عمر الإسعردي [2] .
قال ابن حجر: صاحبنا، كان من بيت نعمة وثروة، فأحبّ سماع الحديث، فسمع
الكثير، وكتب الطّباق، وحصّل الأجزاء، وسمع من أصحاب التّقي سليمان
وغيرهم، وأحبّ هذا الشأن، وذهبت أجزاؤه في قصة تمرلنك، وقد رافقني في
السماع وأعطاني أجزاء بخطّه، وبلغني أنه حدّث في هذه السنة بدمشق ببعض
مسموعاته.
ومات بدمشق في ربيع الأول.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 23) و «الضوء اللامع» (2/ 216) وفيهما
«الجواشني» مكان «الحواشي» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 27) و «الضوء اللامع» (3/ 112) .
(9/124)
وفيها خير الدّين خليل بن عبد الله
البابرتي [1] الحنفي [2] .
كان فاضلا في مذهبه، محبّا للحديث وأهله، مذاكرا بالعربية، كثير
المروءة، وقد عيّن لقضاء الحنفية مرّة فلم يتمّ ذلك، وولي قضاء القدس.
وفيها شهاب الدّين رسول بن عبد الله القيصري ثم الغزّي الحنفي [3] .
قدم دمشق في حدود السبعين وسبعمائة وهو فاضل، وسمع من ابن أميلة، وابن
حبيب، ثم ولي نيابة الحكم بدمشق في أول دولة الظّاهر، ثم ولي قضاء غزّة
في أيّام ابن جماعة، وحصّل مالا كثيرا بعد فقر شديد، ثم مات بدمشق في
جمادى الأولى وقد شاخ.
وفيها شرف الدّين صدّيق بن علي بن صدّيق الأنطاكي [4] .
ولد سنة بضع وأربعين، وقدم من بلاده بعد الستين، فاشتغل بالعلم ونزل
[5] في المدارس، ورافق الصّدر الياسوفي في السماع، فأكثر عن ابن رافع،
وسمع من بقية أصحاب الفخر وغيرهم، وكان على دين وصيانة، ولم يتزوج، ثم
سكن القاهرة، وصار أحد الصّوفية بالبيبرسية، وأجاز لابن حجر، وكان
يتردّد إلى دمشق.
توفي بمصر بالطّاعون في رمضان.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن خليل بن يوسف المارداني [6] الحاسب [أبو
أمّ سبط المارديني] [7] ، وانتهت إليه الرئاسة في علم الميقات في
زمانه، وكان عارفا بالهيئة، مع الدّين المتين، وله أوضاع وتأليف،
وانتفع به أهل زمانه، وكان أبوه من
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الفايزي» والتصحيح من «الضوء اللامع» و «الطبقات
السنية» وفي «إنباء الغمر» :
«البابري» وهو تحريف، قلت: وقيل عنه أيضا: «ويعرف بالعنتابي» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 28) و «الضوء اللامع» (3/ 199) و
«الطبقات السنية» (3/ 219) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 367) و «الضوء اللامع» (3/ 225) و
«الطبقات السّنية» (3/ 247) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 30) و «الضوء اللامع» (3/ 320) .
[5] في «آ» و «ط» : «وتنزل» وما أثبته من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف.
[6] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 31) و «الضوء اللامع» (5/ 19) .
[7، 7] ما بين الرقمين لم يرد في «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» .
(9/125)
الطّبّالين، ونشأ هو مع قرّاء الجوق، وكان
له صوت مطرب، ثم مهر في الحساب، وكان شيخ الخاصكي قد قدّمه ونوّه به.
ومات في جمادى الآخرة.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن يوسف بن الكفري الحنفي [1] .
قال ابن حجر: ولد سنة إحدى وخمسين، وتفقه على ابن الخبّاز، وأسمعه أبوه
من جماعة. سمعت منه في الرحلة، وولي القضاء غير مرّة بعد الفتنة، ولم
يكن محمود السيرة، وكان متحريا لكتبه ويعرف أسماءها، مع وفور جهل
بالفقه وغيره.
ومات في يوم الأحد ثالث ربيع الآخر.
وفيها قطب الدّين عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن عبد النّور بن
منير الحلبي ثم المصري [2] .
سمع من الحسن الإربلي، وأحمد بن علي المستولي، وغيرهما، وتصرّف بأبواب
القضاة، وسمع منه ابن حجر.
وتوفي في نصف السنة عن ثلاث وسبعين سنة.
وفيها علاء الدّين علي بن إبراهيم القضاميّ [3] الحموي الحنفي [4] أحد
الفضلاء.
أخذ العربية عن سري الدّين أبو هانئ المالكي، والفقه عن أثير الدّين بن
وهبان، وتمهّر، وبهرت فضائله، وولي قضاء بلده، وقدم القاهرة سنة
الكائنة العظمى فاشتهرت فضائله وعرفت فنونه، وحدّث وأفاد، فسمع منه ابن
حجر وغيره.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 33) و «الضوء اللامع» (4/ 159) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 34) و «الضوء اللامع» (4/ 317) و «حسن
المحاضرة» (1/ 358) .
[3] في «آ» و «ط» : «القضاعي» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 250) و (6/ 35) و «الضوء اللامع» (5/
155) .
(9/126)
وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها علي بن أحمد اليمني الملقّب بالأزرق [1] .
قال ابن حجر: من أهل أبيات حسين. كان كثير العناية بالفقه، فجمع فيه
كتابا كبيرا. انتهى.
وفيها سراج الدّين عمر بن منصور بن سليمان القرمي الحنفي، المعروف
بالعجمي [2] .
قال في «المنهل» : كان فقيها بارعا فاضلا، قدم إلى الديار المصرية
فنوّه قاضي القضاة جمال الدّين محمود القيصري العجمي بذكره، فولي حسبة
مصر وعدة وظائف، ودرّس التفسير بالقبّة المنصورية وغيرها، وتصدّر
للإقراء والتدريس، وكان مشكور السيرة في دينه ودنياه، وله عبادة،
وأوراد، وصلاة وقراءة، وصدقات، وكان يغلب عليه الخير وسلامة الباطن،
وكانت العامة تسمّيه فلق، فإنه كان إذا أراد تأديب أحد يقول: هات فلق،
يعني الفلقة، وكان جميل الصّورة، مليح الشكل، عنده بشاشة وطلاقة.
وتوفي يوم الاثنين خامس عشر جمادى الأولى. انتهى.
وفيها أبو اليمن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي
بكر الطّبري المكّي الشافعي [3] إمام المقام.
ولد في شعبان سنة ثلاثين وسبعمائة، وسمع من عيسى الحجي، والزّين أحمد
بن محمد بن المحبّ الطّبري، وابن عمّ أبيه عثمان بن الصّفي الطّبري،
وقطب الدّين بن مكرم، وعثمان بن شجاع بن عيسى الدّمياطي، وعيسى بن
الملك المعظّم، وأجاز له يحيى بن فضل الله، وأبو بكر بن الرّضي، وزينب
بنت
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 36) و «الضوء اللامع» (5/ 92) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 39) و «الضوء اللامع» (6/ 138) و
«الدليل الشافي» (1/ 506) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 40) و «الضوء اللامع» (6/ 287) و
«العقد الثمين» (1/ 285) و «إتحاف الوري» (3/ 455) .
(9/127)
الكمال، ونحوهم. وولي إمامة المقام نيابة،
ثم استقلالا، وسمع منه ابن حجر وغيره، وكان خيّرا، سليم الباطن،
معتقدا، وهو آخر من حدّث عن عيسى، ومن ذكر بعده بالسماع، وعن يحيى
بالإجازة.
وتوفي في صفر وقد ناهز الثمانين.
وفيها شمس الدّين محمد بن تقي الدّين إسماعيل بن علي القلقشندي المصري
ثم القدسي الشافعي [1] .
ولد سنة خمس وخمسين وسبعمائة، وسمع من الميدومي وغيره، وأخذ عن الشيخ
صلاح الدّين [العلائي] وعن والده تقي الدّين، ومهر، وبهر، وساد، حتّى
صار شيخ بيت المقدس في الفقه، وعليه مدار الفتوى.
وتوفي بها في رجب.
وفيها ناصر الدّين محمد بن أنس الحنفي الطّنتدائي [2] ، نزيل القاهرة.
كان عارفا بالفرائض، وأقرأ بالجمع، وانتفعوا به، وكان حسن السّمت، كثير
الدّيانة، محبّا للحديث.
قال ابن حجر: كتبت عنه الكثير، وسمع من ناصر الدّين الجرداوي وغيره،
ومات وله دون الأربعين.
وفيها محمد بن أبي بكر بن أحمد النّحريري المالكي [3] ، أخو خلف.
ناب في الحكم، وتنبه في الفقه، ودرّس.
ومات في صفر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 41) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي
شهبة (4/ 65) و «الضوء اللامع» (7/ 137) .
[2] في «آ» و «ط» : «الطنبذاوي» وهو خطأ والتصحيح من «إنباء الغمر» (6/
43) مصدر المؤلف و «الضوء اللامع» (7/ 148) قلت: والطنتدائي نسبة إلى
«طنتدا» انظر «التحفة السنية في أسماء البلاد المصرية» ص (85) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 44) و «الضوء اللامع» (7/ 157) .
(9/128)
وفيها تقي الدّين أبو بكر محمد بن محمد بن
عبد الرحمن بن حيدرة الشّافعي الدّجوي [1]- بضم الدال المهملة، وسكون
الجيم، نسبة إلى دجوة، قرية على شطّ النّيل الشرقي على بحر رشيد.
ولد سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وسمع من ابن عبد الهادي، والميدومي،
وغيرهما، وتفقه، واشتغل، وتقدّم، ومهر، وكان ذاكرا للعربية، واللغة،
والغريب، والتاريخ، مشاركا في الفقه وغيره، وكان بيده عمالة المودع
الحكمي، فشانته هذه الوظيفة، وكان كثير الاستحضار. سمع منه ابن حجر
وغيره، ونوّه السّالمي بذكره، وقرّره مستمعا عند كثير من الأمراء،
وحدّث مرارا ب «صحيح مسلم» ، وقرأ عليه طاهر بن حبيب وغيره.
توفي ليلة الأحد ثامن عشر جمادى الأولى.
وفيها محمد بن معالي بن عمر بن عبد العزيز الحلبي [2] ، نزيل القاهرة
ومكّة.
جاور كثيرا، وسكن القاهرة زمانا، وحدّث عن أحمد بن محمد الجوخي، ومحمود
بن خليفة، وابن أبي عمر، وغيرهم، وسمع منه ابن حجر، وتوفي بمكة.
وفيها يحيى بن محمد التّلمساني الأصبحي المالكي النحوي [3] .
قال السيوطي في «طبقات النّحاة» : ولد سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة
تقريبا، وكان ماهرا في العربية والشعر، وسمع «صحيح مسلم» من أبي عبد
الله بن مرزوق، و «الموطأ» من أبي القاسم العنبري، وأجاز له الوادياشي
وأبو القاسم بن يربوع، واشتغل في عدة فنون، وأجاز لابن حجر.
قدم حاجّا سنة تسع وثمانمائة، ومات راجعا من الحجّ في ذي الحجّة من
السنة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 45) و «الضوء اللامع» (9/ 91) و
«الدليل الشافي» (2/ 700) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 47) و «العقد الثمين» (2/ 358) و
«الضوء اللامع» (2/ 358) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 249) و «بغية الوعاة» (2/ 343) وفي
تاريخ وفاته خلاف.
(9/129)
وفيها جمال الدّين يوسف بن الحسن بن محمد
بن الحسن بن مسعود بن عبد الله بن خطيب المنصورية الحموي الشافعي
القاضي [1] .
ولد في ذي الحجة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، واشتغل بحماة، فأخذ عن بهاء
الدّين الإخميمي المصري، وبدمشق على صدر الدّين الخابوري، وتاج الدّين
السّبكي، وجمال الدّين الشّريشي، وجدّ، ودأب، وحصّل، إلى أن تميّز
ومهر، وفاق أقرانه في العربية وغيرها من العلوم، وشرح «الاهتمام مختصر
الإلمام» في ست مجلدات، و «ألفية ابن مالك» و «فرائض المنهاج» وغير
ذلك، وله نظم حسن وشهرة ببلده وغيرها، وانتهت إليه مشيخة العلم بالبلاد
الشمالية، ورحل الناس إليه، وفاق الأقران، وكان ساكنا، خيّرا.
وتوفي بحماة في تاسع شوال.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 50) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي
شهبة (4/ 87) و «الضوء اللامع» (10/ 308) و «بغية الوعاة» (2/ 355) .
(9/130)
سنة عشر وثمانمائة
فيها توفي أحمد بن محمد [بن أبي العبّاس الحفصيّ [1] ابن أخي السلطان
أبي فارس، صاحب بجاية مات في هذه السنة، فقرر السلطان بدله أخاه
الريّان محمدا.
[وفيها] إسماعيل بن عمر] [2] المغربي المالكي [3] ، نزيل مكّة.
جاور بها مدة، وكان خيرا فاضلا عارفا بالفقه تذكر له كرامات وتوفي في
رمضان.
وفيها سيف الدّين سيف، وقيل: يوسف- وبه سمّاه المقريزي- ابن عيسى
السّيرامي [4] الحنفي [5] ، نزل القاهرة.
قال ابن حجر: كان منشأه بتبريز، ثم قدم حلب لما حرقها تمرلنك، ثم
استدعاه الظّاهر من حلب فقرّره في المشيخة بمدرسته عوضا عن علاء الدّين
السيرامي سنة تسعين، ثم ولّاه مشيخة الشيخوخة بعد وفاة عزّ الدّين
الرّازي، مضافة إلى الظاهرية، وأذن له أن يستنيب في الظّاهرية ولده
الكبير وهو محمود،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 72- 73) و «الضوء اللامع» (2/ 118) .
[2] ما بين الحاصرتين سقط بطرفة عين من المؤلف رحمه الله واستدركته من
مصدره «إنباء الغمر» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 73) و «الضوء اللامع» (2/ 304) و
«العقد الثمين» (3/ 303- 304) وقد أطال في ترجمته فيحسن بالباحث الرجوع
إليه.
[4] في «آ» و «ط» : «السّيرافي» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 75- 77) و «السّلوك» (4/ 1/ 65) و
«الضوء اللامع» (3/ 289) و (10/ 327) .
(9/131)
فباشر مدة، ثم ترك الشيخونية، واختصر على
الظّاهرية، وكان ديّنا، خيّرا، كثير العبادة، وكان شيخنا عزّ الدّين
ابن جماعة يثني على فضائله.
وتوفي في ربيع الأول، وولي المشيخة بعده ولده يحيى.
وفيها أبو المعالي عبد الله بن المحدّث شهاب الدّين أحمد بن علي بن
محمد بن قاسم العرياني الشافعي [1] .
ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وأحضره أبوه على الميدومي، وأسمعه على
القلانسي والعرضي [2] ، وغيرهما. وطلب بنفسه، فسمع الكثير، وحصّل
الأجزاء، ثم ناب في الحكم، وفتر عن الاشتغال.
وتوفي في عاشر رمضان.
وفيها عبد الله بن أبي يحيى الدّويري اليماني الشافعي [3] ، أحد
الفضلاء من أهل تعز.
أفتى ودرّس بالمظفّرية، وكان مشكور السيرة.
وفيها عبد الله بن محمد الهمداني الحنفي [4] ، مدرس الجوهرية بدمشق.
كان يدري القراءات ويقرئ، وكان خيّرا، عارفا بمذهبه.
توفي في جمادى الأولى وقد بلغ السبعين.
وفيها جلال الدّين أبو المعالي محمد بن أحمد بن سليمان بن يعقوب
الأنصاري النيسابوري الأصل ثم الدمشقي، المعروف بابن خطيب داريّا [5] .
قال ابن حجر: ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وعني بالأدب، ومهر في
اللغة وفنون الأدب، وقال الشعر في صباه، ومدح جماعات من الأمراء
والعلماء،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 77) و «الضوء اللامع» (5/ 8) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «الفرضي» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 78) و «الضوء اللامع» (5/ 170) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 78) و «الضوء اللامع» (5/ 70) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 80) و «الضوء اللامع» (6/ 310) و
«بغية الوعاة» (1/ 25) .
(9/132)
وتقدم في الإجادة إلى أن صار شاعر عصره من
غير مدافع، وقد طلب الحديث بنفسه كثيرا، وسمع من القلانسي ومن بعده،
ولازم الشيخ مجد الدّين الشّيرازي صاحب اللغة وصاهره، وسمعت من شعره
ومن حديثه، وطارحني وطارحته، ومدحني، وكان بعد الفتنة أقام بالقاهرة
مدة في كنف ابن غراب، ثم رجع إلى بيسان من الغور الشامي فسكنها، وكان
له بها وقف.
وتوفي بها في ربيع الأول.
وفيها موسى بن عطية المالكي الفقيه [1] .
قال ابن حجر: سمع من إبراهيم الزّيتاوي «سنن ابن ماجة» وقرأ عليه
الكلوتاتي بعضا، وهو والد شمس الدّين محمد صاحبنا.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 83) و «الضوء اللامع» (10/ 184) .
(9/133)
|