شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى عشرة وثمانمائة
في عاشر شعبانها جاءت زلزلة عظيمة في نواحي بلاد حلب وطرابلس، فخرب من اللّاذقية، وجبلة، وبلاطنس [1] أماكن عديدة، وسقطت قلعة بلاطنس، فمات تحت الرّدم خمسة عشر نفسا، وخرّبت شغر بكاس [2] كلها وقلعتها، ومات جميع أهلها إلّا خمسين نفسا، وانتقلت بلد قدر ميل بأشجارها وأبنيتها وأهلها لم يشعروا بذلك، وخرب من قبرص أماكن كثيرة، وشوهد ثلج [3] على رأس الجبل الأقرع، وقد نزل البحر وطلع وبينه وبين البحر عشرة فراسخ، وذكر أهل البحر أن المراكب في البحر المالح وصلت إلى الأرض لما انحسر البحر ثم عاد الماء كما كان. قاله ابن حجر.
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الله بن الحسن بن طوغان بن عبد الله الأوحدي [4] ، المقرئ الأديب.
ولد في المحرم سنة إحدى وستين، وقرأ بالسبع على التّقي البغدادي، ولازم الشيخ فخر الدّين البلبيسي.
__________
[1] جاء في «معجم البلدان» (1/ 478) : بلاطنس: حصن منيع بسواحل الشام مقابل اللاذقية من أعمال حلب.
[2] في «آ» و «ط» : «شغر كاس» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف.
وجاء في «معجم البلدان» (3/ 352) : «بلاد شغر: قلعة حصينة مقابلها أخرى يقال لها بكاس على رأس جبلين بينهما واد كالخندق لهما، كلّ واحدة تناوح الأخرى، وهما قرب أنطاكية، وهما اليوم لصاحب حلب ... » .
[3] في «آ» و «ط» : «بلح» والتصحيح من «إنباء الغمر» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 112) و «الضوء اللامع» (1/ 358) و «حسن المحاضرة» (1/ 556) .

(9/134)


قال ابن حجر: وسمع معي من بعض مشايخي، وكان لهجا بالتاريخ، وكتب مسودة كبيرة لخطط مصر والقاهرة، وبيّض بعضه، وأفاد فيه وأجاد.
وله نظم كثير منه:
إنّي إذا ما نابني ... أمر نفى تلذّذي
واشتدّ منه [1] جزعي ... وجهّت وجهي للّذي
وتوفي في تاسع عشر جمادى الآخرة.
وفيها تاج الدّين أحمد بن علي بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى البلبيسي الأصل المقري المالكي، المعروف بابن الظّريف [2] .
سمع من ناصر الدّين بن التّونسي وغيره، وطلب العلم، فأتقن الشروط، ومهر في الفرائض، وانتهى إليه التمييز في فنّه، مع حظّ كبير من الأدب، ومعرفة حلّ المترجم، وفك الألغاز، مع الذكاء البالغ، وقد وقّع للحكام، وناب في الحكم، وقد نقم عليه بعض شهاداته وحكمه، ثم نزل عن وظائفه بأخرة، وتوجه إلى مكّة فمات بها في شهر رجب.
وفيها أحمد بن محمد بن ناصر بن علي الكناني المكّي الحنبلي [3] .
ولد قبل الخمسين وسبعمائة، ورحل إلى الشام، فسمع من ابن قوالح، وابن أميلة بدمشق، ومن بعض أصحاب ابن مزهر بحماة، وتفقه، وكان خيّرا فاضلا، جاور بمكة فحصل له مرض أقعده [4] فعجز عن المشي حتّى مات.
وفيها تقيّ الدّين أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز الدمشقي الحنفي، ابن شيخ الربوة [5] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «مني» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 113) و «الضوء اللامع» (2/ 14) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 115) و «الضوء اللامع» (2/ 209) و «العقد الثمين (3/ 175) ووفاته سنة (812) .
[4] في «آ» : «القعدة» وفي «ط» : «العقدة» وما أثبته من «إنباء الغمر» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 116) و «الضوء اللامع» (11/ 68) .

(9/135)


اشتغل في الفقه، ومهر في المذهب، ودرّس بالمقدّمية، وأفتى، وكان اشتغل على الشيخ صدر الدّين بن منصور وغيره.
وتوفي في ربيع الأول عن ستين سنة.
وفيها أبو بكر بن محمد بن صالح الجبلي- بكسر الجيم وسكون الموحدة وباللام نسبة إلى جبلة مدينة باليمن- اليمني الشافعي [1] .
نشأ بتعز، وتفقه بجماعة من أئمة بلده، ومهر في الفقه، ودرّس بالأشرفية وغيرها من مدارس تعز، وتخرّج به جماعة، وكان يقرّر من «الرافعي» وغيره بلفظ الأصل، ويشارك في غير الفقه، وله أجوبة كثيرة على مسائل شتّى، وولي القضاء مكرها مدة يسيرة، ثم استعفى.
وتوفي في شهر رمضان.
وفيها الجنيد بن محمد البلياني الأصل، نزيل شيراز [2] .
قال ابن حجر: سمع مع أبيه بمكّة من ابن عبد المعطي، والشّهاب بن ظهيرة، وأبي الفضل النّويري، وجماعة، وبالمدينة وبلاده، وأجاز له القاضي عزّ الدّين بن جماعة، ومن دمشق عمر بن أميلة، وحسن بن هبل، والصّلاح ابن أبي عمر في آخرين، خرّج له عنهم الشيخ شمس الدّين الجزري مشيخة، وحدّث بها، وصار عالم شيراز ومحدّثها وفاضلها، وتوفي بها.
وفيها صدر الدّين سليمان بن عبد الناصر بن إبراهيم الأبشيطي الشافعي [3] .
ولد قبل الثلاثين وسبعمائة، واشتغل قديما، وسمع من الميدومي وغيره، وبرع في الفقه وغيره، وناب في الحكم بالقاهرة وغيرها، وكانت فيه سلامة، وكان
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 117) و «الضوء اللامع» (11/ 87) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 7) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 117) و «الضوء اللامع» (3/ 79) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 118) و «الضوء اللامع» (3/ 265) .

(9/136)


الصّدر المناوي يعظّمه، وعجز بأخرة وتغيّر قليلا، مع استحضاره للعلم جيدا، جاوز الثمانين. قاله ابن حجر.
وفيها زين الدّين أبو هريرة عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن الحسن بن سليمان بن فزارة بن محمد بن يوسف الكفري الحنفي [1] ، قاضي القضاة.
قال في «المنهل الصافي» : ولد سنة خمسين وسبعمائة تقريبا، وأحضر على محمد بن إسماعيل بن الخبّاز، وسمع على بشر بن إبراهيم بن محمود بن البعلي، وتفقه بعلماء عصره، حتّى برع في الفقه والأصلين والعربية، وشارك في عدة فنون، وأفتى، ودرّس، وتولى قضاء القضاة بدمشق هو وأبوه وأخوه وجدّه، وهم بيت علم وفضل ورئاسة، ثم قدم القاهرة بعد سنة ثلاث وثمانمائة، وولي قضاءها مدة وحمدت سيرته، وأفتى ودرّس بها، ولازم الاشتغال والإشغال إلى أن توفي ثالث ربيع الآخر. انتهى.
وفيها جمال الدّين أبو حفص عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز ابن أبي جرادة، قاضي القضاة ابن العديم، الحنفي العقيلي الحلبي [2] .
ولد بحلب سنة ستين أو إحدى وستين وسبعمائة، ونشأ بها، وتفقه وبرع، وتولى قضاء العسكر بها، ثم استقلّ بقضائها سنة أربع وتسعين، وأفتى، ودرّس، وشارك في العربية والأصول والحديث، وسمع من ابن حبيب وابنه، وباشر القضاء بحرمة وافرة، وكان رئيسا محترما، من بيت علم وفضل ورئاسة.
قال ابن حجر: قدم القاهرة غير مرة، وفي الآخر استوطنها لما طرق التتار البلاد الشامية وأسر مع من أسر، ثم خلّص بعد رجوع اللّنك، فقدم القاهرة في شوال- أي سنة ثلاث وثمانمائة- ثم سعى، وولي قضاء القضاة بها في سادس
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 33 و 118) و «الضوء اللامع» (4/ 159) و «الدليل الشافي» (1/ 408) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 122) و «الضوء اللامع» (6/ 65) .

(9/137)


عشري رجب سنة خمس وثمانمائة، ودرّس بالشيخونية والمنصورية، ثم نزل عنهما لولده محمد، وباشرهما في حياته.
وكان عمر هذا من رجال الدّنيا دهاء ومكرا، ماهرا في الحكم، ذكيا، خبيرا بالسعي في أموره، يقظا، غير متوان في حاجته، كثير العصبية لمن يقصده، لا يتحاشى من جمع المال من أي وجه كان. انتهى ملخصا.
وقال صاحب «المنهل» : وحطّ عليه المقريزي، وذكر له مساوئ، وقوله فيه غير مقبول لأمور جرت بينهما.
وتوفي قاضيا بمصر ليلة السبت ثاني عشر جمادى الآخرة.
وفيها أبو القاسم قاسم بن علي بن محمد بن علي الفاسي المالكي [1] .
سمع من أبي جعفر الطّنجالي [2] الخطيب، والقاضي أبي القاسم بن سلمون، والحسين بن محمد بن أحمد التّلمساني في آخرين وتلا بالسبع على جماعة، وقرأ الأدب، وتعانى النّظم، وجاور بمكّة، فخرج له غرس الدّين خليل الأقفهسي «مشيخة» وحدّث بها، وكان يذكر أنها سرقت منه بعد رجوعه من الحجّ، ويكثر التأسف عليها.
ومن شعره:
معاني عياض أطلعت فجر فخره ... لما قد شفى من مؤلم الجهل بالشّفا
مغاني رياض من إفادة ذكره ... شذا زهرها يحيى من أشفى على شفا
وتوفي بالبيمارستان المنصوري.
وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد الله الكردي القدسي [3] ، نزيل القاهرة الشافعي.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 124) و «الضوء اللامع» (6/ 183) .
[2] في «آ» و «ط» : «الطحالي» وفي «إنباء الغمر» : «الطحاوي» وكلاهما خطأ والتصحيح من «الضوء اللامع» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 126) و «الضوء اللامع» (6/ 56) .

(9/138)


ولد سنة سبع وأربعين وسبعمائة، وصحب الصّالحين، ولازم الشيخ محمد القرمي ببيت المقدس، وتلمذ له، ثم قدم القاهرة فقطنها، وكان لا يضع جنبه إلى الأرض بل يصلي في الليل ويتلو فإذا نعس أغفى إغفاءة وهو محتبي، ثم يعود، وكان يواصل الأسبوع كاملا، وذكر أن السبب فيه أنه تعشى مع أبويه قديما، فأصبح لا يشتهي أكلا، فتمادى على ذلك ثلاثة أيام، فلما رأى أنه لم قدرة على الطي تمادى فيه فبلغ أربعينا، ثم اقتصر على سبع، وكان فقيها، وكان يكثر في الليل من قول سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا 17: 108 [الإسراء: 108] ، وكان يذكر أنه يقيم أربعة أيام لا يحتاج إلى تجديد وضوء.
ومن شعره:
لم يزل الطّامع في ذلّة ... قد شبّهت عندي بذلّ الكلاب
وليس يمتاز عليهم سوى ... بوجهه الكالح ثمّ الثياب.
توفي بمكة في ذي القعدة.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عبد الله القزويني ثم المصري [1] .
قال ابن حجر: سمع من مظفّر الدّين بن العطّار وغيره، وكان على طريقة الشيخ يوسف الكوراني المعروف بالعجمي لكنه حسن المعتقد، كثير الإنكار على مبتدعة الصّوفية، اجتمع بي مرارا، وسمعت منه أحاديث، وكان كثير الحجّ والمجاورة بالحرمين، ومات في شعبان بمكة.
وفيها رضي الدّين أبو حامد محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن خلف الخزرجي المدني الشافعي ابن الطّبري [2] .
ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة، وسمع من العز بن جماعة، وأجاز له يوسف القاضي، والميدومي، وغيرهما من مصر، وابن الخبّاز وجماعة من دمشق،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 127) و «الضوء اللامع» (7/ 105) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 128) و «الضوء اللامع» (7/ 299) .

(9/139)


وكان نبيها في الفقه، له حظّ من حسن خطّ ونظم، ودرّس، وكان مؤذّن الحرم النّبوي وبيده نظر مكة.
قال ابن حجر: ثم نازع صهره شيخنا زين الدّين بن الحسين في قضاء المدينة فوليه في أول سنة إحدى عشرة، فوصلت إليه الولاية وهو بالطائف، فرجع إلى مكة، وسار إلى المدينة فباشره بقية السنة، وحجّ فتمرض فمات في خامس عشر ذي الحجّة عن اثنتين وستين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن محمود بن يحيى بن عبد الله بن منصور السّلمي الدمشقي الحنفي، المعروف بابن خطيب زرع [1] .
كان جدّ والده خطيب زرع، فاستمرت بأيديهم، وولد هذا في ذي الحجة سنة أربع وسبعين وسبعمائة، وكان حنفيا فتحول شافعيا، وناب في قضاء بلده، ثم تعلّق على فنّ الأدب ونظم [2] الشعر، وباشر التوقيع عند الأمراء، ثم اتصل بابن غراب امتدحه، وقدم معه إلى القاهرة، وكان عريض الدعوى جدا، واستخدمه ابن غراب في ديوان الإنشاء، وصحب بعض الأمراء، وحصّل وظائف، ثم رقّت حاله بعد موت ابن غراب.
ومن شعره:
وأشقر في وجهه غرّة ... كأنّها في نورها فجر
بل زهرة الأفق لأني أرى ... من فوقها قد طلع البدر
وله فيما يقرأ مدحا، فإذا صحّف كان هجوا:
التّاج بالحقّ فوق الرأس يرفعه ... إذ كان فردا حوى وصفا مجالسه
فضلا وبذلا وصنعا فاخرا وسخا ... فأسأل [3] الله يبقيه ويحرسه
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 130) و «الضوء اللامع» (8/ 210) .
[2] في «آ» و «ط» : «ونظام» والتصحيح من «إنباء الغمر» .
[3] في «ط» : «وأسأل» .

(9/140)


وتصحيفه هجو كما قال:
الباخ بالخفّ فوق الرأس يرقعه ... إذ كان قردا حوى وضعا مخالسه
فصلا ونذلا وضيعا فاجرا وسخا ... فأسأل الله ينفيه ويخرسه
وفيها نجم الدّين محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن فهد القرشي الهاشمي المكّي الشافعي [1] .
ولد بمكة سنة ستين وسبعمائة تقريبا، وسمع من العزّ ابن جماعة ما لا يحصى، ومن ابن حبيب «سنن ابن ماجة» بفوت، و «مقامات الحريري» وغير ذلك، وأجاز له عدة مشايخ من الشام ومصر والإسكندرية، وحدّث، وكان رحل إلى القاهرة، وسكن بالصّعيد ببلدة يقال لها أصفون لأن جدّه لأمّه الشيخ نجم الدّين الأصفوني كان له بها رزق ودور موقوفة على ذريته فأقام بها مدة، ثم عاد إلى مكة.
وتوفي بها يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول.
وفيها جلال الدّين محمد بن بدر الدّين محمد بن أبي البقاء محمد بن عبد الله بن يحيى بن علي بن تمّام السّبكي الشافعي المصري [2] .
ولد سنة سبعين وسبعمائة، واشتغل في صباه قليلا، وكان جميل الصورة.
قال ابن حجر: لكنه صار قبيح السيرة، كثير المجاهرة بما أذرى بأبيه في حياته وبعد موته، بل لولا وجوده لما ذمّ أبوه، وقد ولي تدريس الشافعي بعد أبيه بجاه ابن غراب بعد أن بذل في ذلك دارا تساوي ألف دينار، وولي تدريس الشيخونية بعد صدر الدّين المناوي بعد أن بذل لنوروز [3] مالا جزيلا، وكان ناظرها.
مات في جمادى الأولى. انتهى.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 131) و «الضوء اللامع» (9/ 231) و «العقد الثمين» (2/ 333) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 132) و «الضوء اللامع» (9/ 224) .
[3] في «ط» : «النوروز» .

(9/141)


وفيها يلبغا بن عبد الله السّالمي الظّاهري [1] .
قال ابن حجر كان من مماليك الظّاهر ثم صيّره خاصكيا، وكان ممن قام له بعض القبض عليه في أخذ صفد فحمد له ذلك، ثم ولّاه النّظر على خانقاه سعيد السّعداء سنة سبع وتسعين، وتنقلت به الأحوال فعمل الاستدارية الكبرى، والإشارة، وغير ذلك، وكان طول عمره يلازم الاشتغال بالعلم ولم يفتح عليه بشيء سوى أنه يصوم يوما بعد يوم ويكثر التّلاوة، وقيام الليل، والذكر، والصّدقة، وكان يحبّ العلماء والفضلاء ويجمعهم، وقد لازم سماع الحديث معنا مدة، وكتب بخطّه الطّباق، وأقدم علاء الدّين بن أبي المجد من دمشق حتّى سمع الناس عليه «صحيح البخاري» ومرارا، وكان يبالغ في حبّ ابن العربي وغيره من أهل طريقته ولا يؤذي من ينكر عليه.
مات مخنوقا وهو صائم في رمضان بعد صلاة عصر يوم الجمعة. انتهى ملخصا، والله أعلم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 133) و «الضوء اللامع» (10/ 289) و «الدليل الشافي» (2/ 794) و «النجوم الزاهرة» (13/ 171) .

(9/142)


سنة اثنتي عشرة وثمانمائة
في ثالث عشر شعبانها قتل بالقاهرة [شخص] شريف لأنه ادعى عليه أنه عوتب في شيء فعله فعزّر بسببه، فقال: قد ابتلي الأنبياء، فزجر عن ذلك، فقال:
قد جرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حارة اليهود أكثر من هذا، فاستفتي في حقّه فأفتوا بكفره، فضربت عنقه بين القصرين بحكم القاضي المالكي شمس الدّين المدني.
قاله ابن حجر [1] .
وفيها قتل محمد بن أميرزا [2] شيخ ابن عمّ تمرلنك صاحب فارس، قام عليه أخوه إسكندر شاه فغلبه، وكان محمد كثير العدل والإحسان فيما يقال فتمالا عليه بعض خواصه فقتله تقرّبا إلى خاطر أخيه إسكندر شاه، واستولى إسكندر على ممالك أخيه فاتسعت مملكته.
وفيها شمس الدّين أحمد بن عبد اللطيف بن أبي بكر بن عمر الشّرجي [3]- بفتح الشين المعجمة وسكون الراء وبالجيم نسبة إلى شرجة موضع بنواحي مكة- ثم الزّبيدي.
قال السيوطي النّحوي ابن النّحوي، اشتغل كثيرا، ومهر في العربية، ودرّس بصلاحية زبيد.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (6/ 172) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 175- 76) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 182) و «الضوء اللامع» (1/ 354) و «بغية الوعاة» (1/ 330) وفي «ط» : «محمد بن أحمد بن عبد اللطيف بن أبي بكر بن عمر الشرجي» وهو خطأ ولا أدري من أين جاء ناشرها ب «محمد بن» في أول الاسم مع أنه صرح بأنها ليست في «الأصل» !.

(9/143)


وقال ابن حجر: اجتمعت به، وسمع عليّ شيئا من الحديث، وسمعت من فوائده.
مات بحرض عن أربعين سنة. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن محمد [1] .
قال في «المنهل» : الشيخ الزّاهد الصّالح، المعروف بابن وفاء الشّاذلي المالكي.
ولد بظاهر مدينة مصر سنة ست وخمسين وسبعمائة، ونشأ على قدم جدّ، ولزم الخلوة، وقام أخوه سيدي علي بعمل الميعاد وتربية الفقراء، كل ذلك وسيدي أحمد هذا ملازم للخلوة قليل الاجتماع بالناس إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني عشر شوال، ودفن بالقرافة عند أبيه وأخيه، وترك أولادا عدة، كبيرهم سيدي أبو الفضل عبد الرحمن غرق في النيل سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وله شعر جيد إلى الغاية، وسيدي أبو الفتح محمد وهو عالمهم ورئيسهم رحمه الله، وسيدي أبو المكارم إبراهيم، ومات سنة ثلاث وثلاثين عن خمس وثلاثين سنة، وسيدي أبو الجود حسن، ومات سنة ثمان وثمانمائة عن تسع عشرة سنة، وسيدي أبو السيّادات يحيى وهو باق إلى الآن ومولده سنة ثمان وتسعين وسبعمائة. انتهى.
وفيها أبو بكر بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي الشافعي [2] ، أخو الشيخ جمال الدّين.
اشتغل قليلا، وسمع من عزّ الدّين بن جماعة وغيره.
وتوفي بمكة في جمادى الأولى.
وفيها أبو بكر بن عبد الله بن قطلوبك [3] المنجّم الشاعر.
تعانى التنجيم والآداب، وكان بارعا في النّظم والمجون، وله مطارحات مع
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 183) و «الضوء اللامع» (2/ 302) و «الدليل الشافي» (1/ 77) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 184) و «الضوء اللامع» (11/ 38) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 185) و «الضوء اللامع» (11/ 40) .

(9/144)


أدباء عصره أولهم شمس الدّين المزيّن، ثم خطيب زرع، ثم علي البهائي، واشتهر بخفّة الرّوح والنّوادر المطربة.
وهو القائل:
حنفيّ مدرّس حاز خدّا ... كرياض الشّقيق في التّنميق
لو رآه النّعمان في مجلس الدّر ... س لقال النّعمان هذا شقيقي
وتوفي في صفر.
وفيها عبد الله بن أحمد اللّخمي التّونسي الفرّياني [1]- بضم الفاء، وتشديد الراء، بعدها تحتانية خفيفة، وبعد الألف نون، نسبة إلى فرّيانة قرية قرب سفاقس [2]- المالكي.
كان فاضلا، مشاركا في الفقه، والعربية، والفرائض، مع الدّين والخير.
توفي راجعا من مكة إلى مصر، ودفن بعد عقبة إيلة.
وفيها موفق الدّين أبو الحسن علي بن الحسن [3] بن أبي بكر بن الحسن بن علي بن وهّاس الخزّرجي الزّبيدي [4] مؤرخ اليمن.
اشتغل بالأدب، ولهج بالتاريخ فمهر فيه، وجمع لبلده تاريخا كبيرا على السنين، وآخر على الأسماء، وآخر على الدول، وكان ناظما ناثرا، وعلي بن وهّاس جدّ جدّه هو الذي يقول فيه الزّمخشريّ صاحب «الكشّاف» :
ولولا ابن وهّاس وسابق فضله ... رعيت هشيما واستقيت مصرّدا
وتوفي المترجم في أواخر هذه السنة وقد جاوز السبعين.
وفيها موفق الدّين علي بن محمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله بن
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 188) و «الضوء اللامع» (5/ 7) .
[2] انظر «معجم البلدان» (4/ 259) .
[3] في «آ» و «ط» : «ابن الحسين» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 190) و «الضوء اللامع» (5/ 210) و «الإعلان بالتوبيخ» ص (134) طبعة القدسي، و «الأعلام» (4/ 274) وفيه أسماء مصنفاته التي أشار إليها المؤلف.

(9/145)


عمر بن عبد الرحمن النّاشري الزّبيدي [1] ، الشاعر المشهور.
اشتغل بالأدب ففاق أقرانه، ومدح الأفضل ثم الأشرف ثم الناصر، وكانوا يقترحون عليه الأشعار في المهمات فيأتي بها على أحسن وجه، وكانت طريقة شعره الانسجام والسّهولة دون تعاني المعاني التي لهج بها المتأخرون.
حجّ في سنة إحدى عشرة ورجع فمات بنواحي حرض في المحرم أو في الذي بعده وقد جاوز الستين.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن أبي بكر القليوبي الشافعي [2] العالم الكبير.
تلمذ للشيخ ولي الدين الملوي.
قال ابن حجر: رأيت سماعه على العرضي، ومظفّر الدّين ابن العطّار في جامع الترمذي، وما أظنه حدّث عنهما، واشتهر بالدّين والخير، وكان متقلّلا جدا إلى أن قرّر في مشيخة الخانقاه النّاصرية بسرياقوس فباشرها إلى أن مات في جمادى الأولى، وكان متواضعا ليّنا. انتهى.
وفيها ناصر الدّين محمد بن عبد الرحمن بن يوسف الحلبي المعروف بابن سحلول [3] .
كان عمّه عبد الله وزيرا بحلب، وسمع محمد «المسلسل بالأولية» من عبد الكريم، وسمع عليه «الأربعين المخرّجة من صحيح مسلم» بسماعه من زينب الكندية عن المؤيد، وسمع من ابن الحبّال جزء المناديلي، وولي مشيخة خانقاه والده، ثم في مشيخة الشيوخ بعد موت الشيخ عزّ الدّين الهاشمي، وكان أهل حلب يترددون إليه لرئاسته، وحشمته، وسؤدده، ومكارم أخلاقه.
وكان مواظبا على إطعام من يرد عليه، ثم عظم جاهه لما استقرّ جمال الدّين
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 190) و «الضوء اللامع» (5/ 290) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 192) و «الضوء اللامع» (8/ 83) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 66) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 193) و «الضوء اللامع» (8/ 45) .

(9/146)


الأستادار في التكلم في المملكة فإنه كان قريبه من قبل الأم، وسافر من حلب إلى القاهرة، فبالغ جمال الدّين في إكرامه، وجهّزه إلى الحجاز في أبّهة زائدة، وأحمد ولد جمال الدّين يومئذ أمير الركب، فحجّ وعاد، فمات بعقبة أيلة في شهر الله المحرم، وسلم مما آل إليه أمر قريبه جمال الدّين وآله.
وفيها ناصر الدّين محمد بن عمر بن إبراهيم بن القاضي العلّامة شرف الدّين هبة الله البارزي الشافعي الحموي [1] قاضي حماة هو وأسلافه.
كان موصوفا بالخير والمعرفة، فاضلا، عفيفا، مشكورا في الحكم، باشر القضاء مدة، ومات بحماة.
وفيها جلال الدّين أبو الفتح نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر التّستري الأصل ثم البغدادي الحنبلي [2] نزيل القاهرة.
ولد في حدود الثلاثين وسبعمائة، ومات أبوه وهو صغير، فربّاه الشيخ الصّالح أحمد السقّا، وأقرأه القرآن، واشتغل بالفقه، فمهر، وسمع الحديث من جمال الدّين الحضري، وكمال الدّين الأنباري، وآخرين، وقرأ الأصول على بدر الدّين الإربلي، وأخذ عن الكرماني شارح «البخاري» «شرح العضد على ابن الحاجب» وباشر عدة مدارس ببغداد، وصنّف في الفقه وأصوله، ونظم «الوجيز في الفقه» في ستة آلاف بيت. وذكر صاحب «الإنصاف» أنه من جملة الكتب التي نقل منها في «إنصافه» . ونظم «أرجوزة» في الفرائض مائة بيت جيدة في بابها، واختصر «ابن الحاجب» . وله غير ذلك. وذكر ببغداد وانتفع الناس به، وخرج منها لما قصدها اللّنك، فوصل إلى دمشق فبالغوا في إكرامه، ثم قدم القاهرة وتقرّر في تدريس الحنابلة بمدرسة الظّاهر برقوق، وحدّث بالقاهرة ب «جامع المسانيد» لابن الجوزي.
وتوفي في عشري صفر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 194) و «الضوء اللامع» (8/ 236) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 196) و «الضوء اللامع» (10/ 198) و «الجوهر المنضد» ص (171- 172) .

(9/147)


وفيها جمال الدّين يوسف بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن قاسم البيري ثم الحلبي [1] ، نزيل القاهرة.
ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وكان أبوه خطيب ألبيرة، فصاهر الوزير شمس الدّين عبد الله بن سحلول، فنشأ جمال الدّين في كنف خاله، وكان أولا بزي الفقهاء، وحفظ القرآن، وكتبا في الفقه والعربية، وسمع من ابن جابر الأندلسي قصيدته «البديعية» وعرض عليه «ألفية ابن معطي» ، وأخذ عنه شرحها له بحلب، ثم قدم مصر بعد سنة سبعين وهو بزي الجند، فتنقلت به الأحوال بها إلى أن باشر الوزارة مع عدة وظائف كبار، وصار هو مرجع الإقليمين المصري والشامي، لا يتمّ أمر من أمورهما وإن قلّ إلّا بمعرفته وإرادته، ولم يبق فوق منصبه إلّا الملك، مع أنه كان ربما مدح باسم السلطنة فلا يغير ذلك ولا ينكره، ثم آل أمره إلى أن قتل في جمادى الآخرة.
قال ابن حجر: ولقد رأيت له مناما صالحا بعد قتله، حاصله أني ذكرت وأنا في النوم ما كان فيه، وما صار إليه، وما ارتكب من الموبقات، فقال لي قائل: «إن السّيف محّاة للخطايا» [2] فلما استيقظت اتفق أني نظرت هذا اللفظ بعينه في «صحيح ابن حبّان» في أثناء حديث، فرجوت له بذلك الخير.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 198) و «الضوء اللامع» (10/ 294) .
[2] هو جزء من حديث طويل رواه ابن حبان في «صحيحه» رقم (4663) في الجهاد، باب فضل الشهادة، وإسناده حسن. ورواه أحمد في «المسند» (4/ 185) والدارمي في «سننه» رقم (2411) في الجهاد، باب في صفة القتل في سبيل الله، وأبو داود الطيالسي رقم (1267) ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (9/ 164) والطبراني (17/ 310 و 311) وذكره الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/ 291) وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح، خلا أبي المثنى الأملوكي، وهو ثقة.

(9/148)


سنة ثلاث عشرة وثمانمائة
في ليلة الحادي والعشرين من محرّمها اجتمع رجلان من العوام بدمشق فشربا الخمر فأصبحا محروقين ولم يوجد بينهما نار ولا أثر حريق في غير بدنهما وبعض ثيابهما، وقد مات أحدهما وفي الآخر رمق، فأقبل الناس أفواجا لرؤيتهما في [1] والاعتبار بحالهما [2] .
وفيها كانت الحادثة العظيمة [3] بفاس من بلاد المغرب حتّى خربت [4] .
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن رضوان الحريري الدّمشقي، المعروف بالسّلاوي الشافعي [5] .
ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة أو نحوها، وسمع من ابن رافع، وابن كثير، وتفقه على علاء الدّين ابن حجي، والتّقي الفارقي، وسمع الحديث بنفسه فأخذه عن جدّه محمد بن عمر السّلاوي، وتقي الدّين بن رافع، وابن كثير. ثم أخذ في قراءة المواعيد، وقرأ «الصحيح» مرارا على عدة مشايخ، وعلى العامة، وكان صوته حسنا وقراءته جيدة، وولي قضاء بعلبك سنة ثمانين، ودرّس وأفتى، ثم ولي قضاء المدينة، ثم تنقل في ولاية القضاء بصفد، وغزّة، والقدس، وغيرها. وكان كثير العيال.
وتوفي في صفر.
__________
[1] في «ط» : «إلى رؤيتهما» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (6/ 226) .
[3] في «آ» : «العظيمي» وما جاء في «ط» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[4] انظر «إنباء الغمر» (6/ 236) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 244) و «الضوء اللامع» (2/ 81) .

(9/149)


وفيها غياث الدّين أحمد بن أويس بن الشيخ حسن بن حسين بن أقبغا ابن أيلكان [1] سلطان بغداد، وتبريز، وغيرهما، من بلاد العراق.
قال في «المنهل الصّافي» : ملك بعد موت أخيه الشيخ حسين بن أويس سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وكان سلطانا فاتكا له سطوة على الرّعية، مقداما، شجاعا، مهابا، سفّاكا للدماء، وعنده جور وظلم على أمرائه وجنده، وكانت له مشاركة في عدة علوم ومعرفة تامّة بعلم النّجامة، ويد في معرفة الموسيقا، وفي تأديته يجيد ذلك إلى الغاية، منهمكا في اللّذات التي تهواها الأنفس [2] مسرفا على نفسه جدا.
وكان الأستاذ عبد القادر من جملة ندمائه.
وكان يقول الشعر باللغات الثلاث: الأعجمية، والتركية، والعربية.
ومن شعره:
حماك ما قربت حماك لعلّة ... فلا تروم وتشتهي ما أشتهي
لو لم تكن مشغوفة بك في الهوى ... ما عانقتك وقبّلت فاك الشّهي
واستمر ببلاد العراق إلى سنة خمس وتسعين، فخرج من بغداد فارّا من تيمور، فأرسل اللّنك ابنه في أثره، فأدركه بالحلّة، فتواقعا، وانتصر ابن تيمور ونهب ابن أويس، وسبيت حريمه، ونجا هو في طائفة وهم عراة، وقصد حلب لائذا بجناب الملك الظّاهر برقوق سلطان مصر، فأكرمه نائب حلب غاية الإكرام بأمر برقوق، ثم برز المرسوم السلطاني بطلبه إلى القاهرة، فتوجه إليها [2] ، فأكرمه برقوق غاية الإكرام، وأنعم عليه أجل الإنعام، وأعطاه تقليد نيابة السلطنة ببغداد، فأهوى ابن أويس لتقبيل الأرض فلم يمكّنه الظّاهر من ذلك إجلالا له، ثم سار إلى بغداد فدخلها بعد ذهاب التتار منها بعد وفاة تيمور، واستمرّ بها حاكما على عادته،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 238- 242) و «الضوء اللامع» (1/ 244) و «الدليل الشافي» (1/ 41) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «ط» وانفردت به «آ» فقط.

(9/150)


إلى أن تغلب قرا يوسف على التتار وأخذ منهم تبريز وما والاها، فوقع الخلف بينه وبين ابن أويس، فتقابلا للقتال، فكانت الكرّة على ابن أويس، وأخذ أسيرا، ثم قتل يوم الأحد آخر شهر ربيع الآخر.
وفيها تقي الدّين عبد الرحمن بن محمد بن عبد النّاصر بن تاج الرئاسة المحلّي الزّبيري الشافعي [1] .
ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، واشتغل قديما، ووقع على القضاة، وصاهر القاضي موفق الدّين الحنبلي على ابنته، وكان قد سمع من الميدومي وحدّث عنه، ثم ناب في الحكم مدة طويلة، وكانت معه عدة جهات من الضواحي ينوب فيها، وقرّره الملك الظّاهر في القضاء سنة تسع وتسعين في جمادى الأولى فباشره إلى أثناء رجب سنة إحدى وثمانمائة، واستمرّ بطالا خاملا إلى أن مات.
وكان عارفا بالشروط والوثائق، ومطّرحا للتكلف، وفوض له تدريس الناصرية والصالحية فباشرهما مباشرة حسنة، ولم يذم في مدة قضائه، وكتب قطعة على «التنبيه» وعمل تاريخا حسنا نقل منه ابن حجر كثيرا.
وتوفي في أول شهر رمضان.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن المؤرخ شمس الدّين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد العزيز الجزري ثم الدمشقي الشافعي، المعروف بابن الجزري [2] . ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، ومات أبوه وله سنة، فربّاه عمّه نصير الدّين، وأسمعه من جماعة من أصحاب الفخر، وحضر على المرداوي صاحب عمر الكرماني، وقرأ وأعاد بالتقوية، وحدّث، وباشر نظر الأيتام، مع خفض جناح، وطهارة لسان، ولين عريكة، وحج غير مرّة، وجاور، وعلّق وفيات، وأصيب بماله في فتنة اللّنك، ولم يكن فيه [3] ما يعاب به إلّا مباشرته مع قضاة السوء.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 246) و «الضوء اللامع» (4/ 138) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 248) و «الضوء اللامع» (5/ 157) .
[3] لفظة «فيه» سقطت من «ط» .

(9/151)


وبرع في مذهبه وعمل الميعاد، وأقرأ الحديث بجامع بني أميّة.
وتوفي بدمشق في ذي الحجة.
وفيها علي بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الأدمي الشافعي [1] .
سمع من الطيالسي، وحدّث عنه، ولازم الشيخ ولي الدّين المنفلوطي ونحوه، واشتغل كثيرا، وتنبه، وأشغل، وأفاد، ودرّس، وأعاد، وأفتى، وشارك في العلوم، وانتفع به أهل مصر كثيرا، مع الدّين المتين، والسكون، والتقشف، والانجماع، وكان يتكلم على الناس بجامع عمرو، وتحوّل إلى القاهرة، وسكن جوار جامع الأزهر.
ومات رابع شعبان عن سبعين سنة.
وفيها أبو زيد علي بن زيد بن علوان بن صبرة [2] بن مهدي بن حريز الردماوي الزّبيدي [3] تسمى بأخرة عبد الرحمن.
ولد برد ما وهو مشارق اليمن دون الأحقاف في جمادى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، ونشأ بها، وجال في البلاد، ثم حجّ وجاور مدة، وسكن الشام، ودخل العراق ومصر، وسمع من اليافعي، والشيخ خليل، وابن كثير، وابن خطيب يبرود، وبرع في فنون، من حديث، وفقه، ونحو، وتاريخ، وأدب، وكان يستحضر من الحديث كثيرا ومن الرجال، ويذاكر من «كتاب سيبويه» ويميل إلى مذهب ابن حزم، وتحوّل إلى البادية، فأقام بها نحو عشرين سنة يدعو إلى الكتاب والسّنّة، ثم قدم القاهرة وقد ضعف بصره، وكان شهما قوي النّفس، له معرفة بأحوال الناس على اختلاف طبقاتهم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 249) و «الضوء اللامع» (5/ 163) .
[2] في «ط» : «ابن صبرط» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 250) و «الضوء اللامع» (5/ 221) و «بغية الوعاة» (2/ 167) وفيه:
«الدّرماوي» مكان «الردماوي» .

(9/152)


ومن شعره:
ما العلم إلّا كتاب الله والأثر ... وما سوى ذاك لا عين ولا أثر
إلا هوىّ وخصومات ملفقّة ... فلا يغرّنّك من أربابها هدر
توفي بالقاهرة في أول ذي القعدة. قاله المقريزي.
وفيها نور الدّين علي بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الرّبعي الرّشيدي [1] ، نزيل القاهرة الشافعي.
قدم القاهرة فاشتغل بالعلم، ولازم البلقيني، ثم الدّميري، ودرّس بعده في الحديث بقبة بيبرس، وكان قد فاق في استحضار الفقه، فصار كثير [2] النقل، كثير البحث، وكان يقظا نبيها، كثير العصبية.
توفي في رجب وقد جاوز الخمسين، ودرّس بعده بالقبة المذكورة ابن حجر.
وفيها نور الدّين علي بن عبد الرحمن الصّريحي [3] .
قال ابن حجر: سمع «صحيح مسلم» على ابن عبد الهادي، و «سنن أبي داود» على عبد القادر بن أبي الدّر. سمعت منه قديما وحديثا، وحدّث في العام الماضي مع الشيخ نور الدّين الأنباري بالسنن في البيبرسية، وكان صوفيا بها.
مات في شعبان. انتهى.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن علي الدمشقي الحريري [4] الحنفي [5] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 252) و «الضوء اللامع» (5/ 237) .
[2] تصحفت في «ط» إلى «كبير» .
[3] في «آ» و «ط» : «الصريحي» والتصحيح من «إنباء الغمر» (6/ 252) و «الضوء اللامع» (5/ 238) وفيه: «الصرنجي: بصاد أو سين مهملة» .
[4] في «آ» و «ط» : «الجزيري» وما أثبته منه من «الضوء اللامع» و «إنباء الغمر» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 253) و «الضوء اللامع» (5/ 328) .

(9/153)


ولد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وتفقه، وتعانى، حفظ السير والمغازي، فكان يستحضر شيئا كثيرا منها، وكان كثير اليسار، فتزوج الشيخ شهاب الدّين الغزّي ابنته فماتت بعد أمّها بقليل. قاله ابن حجر.
وفيها أبو الحسن علي بن مسعود بن علي بن عبد المعطي المالكي المكّي الخزرجي [1] .
ولد سنة أربعين وسبعمائة، وسمع من عثمان بن الصّفي الطّبري «سنن أبي داود» ومن إبراهيم بن محمد بن نصر الله الدمشقي «مشيخته» وحدّث بمكة، وكان مشاركا في الفقه، مع الدّيانة والمروءة.
وتوفي في تاسع المحرم.
وفيها أمّ الحسن فاطمة بنت أحمد بن محمد علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن زيد الحسنية الحلبية [2] ، أخت نقيب الأشراف.
ولدت سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين وسبعمائة، وسمعت على جدّها لأمّها جمال الدّين إبراهيم بن الشّهاب محمود، وأجاز لها المزّي وجماعة، وحدّثت بحلب.
وتوفيت في العشر الأول من المحرم وقد جاوزت الثمانين سنة.
وفيها بدر الدّين محمد بن خاص بك السّبكي الحنفي [3] .
كان ينسب إلى الظّاهر بيبرس من جهة النساء.
اشتغل في مذهب الحنفية فبرع، وأخذ عن أكمل الدّين وغيره، وكان يجيد البحث، مع الدّيانة، والمروءة، والعصبية لمذهبه وأهله.
وتوفي في خامس رجب وقد جاوز الخمسين.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 253) و «الضوء اللامع» (6/ 38) .
[2] ترجمتها في «إنباء الغمر» (6/ 255) و «الضوء اللامع» (12/ 88) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 258) .

(9/154)


وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن عمر بن عيسى المصري الشافعي، المعروف بابن القطّان [1] .
كان أبوه قطّانا وأخوه كذلك، واشتغل هذا بالعلم، ومهر، ولازم الشيخ بهاء الدّين بن عقيل وصاهره على بنت له من جارية، وسكن مصر، ودرّس، وأفتى، وصنّف.
قال ابن حجر: قرأت عليه، وأجاز لي، ولم يحصل له سماع في الحديث على قدر سنه، وقد حدّث ب «صحيح مسلم» بإسناد نازل، وسمع معنا على بعض شيوخنا كثيرا وبقراءتي، وكان ماهرا في القراءات، والعربية، والحساب، وناب في الحكم بأخرة فتهالك على ذلك إلى أن مات انتهى. أي وتوفي في أواخر شوال عن نيف وثمانين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن سعد الدّين بن محمد بن نجم الدّين محمد البغدادي، نزيل القاهرة الزركشي [2] مهر في القراءات، وشارك في الفنون، وتعانى النّظم، وله قصيدة حسنة في العروض وشرحها، ونظم «العواطل الحوالي» ست عشرة قصيدة على ستة عشرة بحرا ليس فيها نقطة، وسمع منه ابن حجر، وسمع هو أيضا من ابن حجر، ورافقه في السماع، وجرت له في آخر عمره محنة.
وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد الشّوبكي الحنبلي [3] .
قدم دمشق، وتفقه بها، وتولى وظائف وخطابة.
وتوفي في المحرم.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمود بن بون [4] الخوارزميّ الحنفي،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 259) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 72) و «البدر الطالع» (2/ 226) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 262) و «الضوء اللامع» (9/ 208) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 263) و «السّحب الوابلة» ص (451) .
[4] في «آ» و «ط» : «ابن نون» والتصحيح من «إنباء الغمر» و «العقد الثمين» .

(9/155)


المعروف بالمعيد [1] ، نزيل مكة وإمام مقام الحنفية بها.
جاور بمكّة زيادة على أربعين سنة، وسمع الحديث، وتفقّه، وبرع، وأفتى، ودرّس، واستقرّ معيدا بدرس الحنفية للأتابك يلبغا العمري بمكة فعرف بالمعيد، وكان بارعا في الفقه، والأصول، والعربية، وتصدّر للإقراء بالمسجد الحرام عدة سنين وانتفع الناس به، مع الدّيانة والصّيانة، وحدّث عن الوادي آشي وغيره.
ومن شعره:
أفنى بكلّ وجودي في محبّته ... وأنثني ببقاء الحبّ ما بقيا
لا خير في الحبّ إنّ لم يغن صاحبه ... وكيف يوجد صبّ بعد ما لقيا
وتوفي بمكة المشرّفة في آخر جمادى الأولى وقد جاوز الثمانين.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 263) و «الضوء اللامع» (10/ 45) و «العقد الثمين» (2/ 349) .

(9/156)


سنة أربع عشرة وثمانمائة
في رجبها رجم رجل تركماني بدمشق تحت قلعتها اعترف بالزّنا وهو محصن فأقعد في حفرة ورجم حتّى مات [1] .
وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن حسين الموصلي ثم المصري [2] ، نزيل مكة المشرّفة المالكي.
أقام بمكة ثلاثين سنة، وكان يتكسّب بالنسخ بالأجرة، مع العبادة، والورع، والدّين المتين، وكان يحجّ ماشيا من مكة، وأثنى عليه المقريزي، وتوفي بمكّة.
وفيها محيى الدّين أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشيخ الإمام العلّامة القدوة ابن النّحاس الدمشقي الشافعي [3] .
صنّف في الجهاد كتابا حافلا سمّاه «مصارع العشاق» [4] استجاب الله فيه دعاءه، فإنه قال في أول سجعه فيه [5] : أحمدك اللهم [ربّ] وأسألك أعلى رتب الشهادة. واختصره هو بنفسه، وله «تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين» في الحوادث والبدع نفيس في بابه، قتل بدمياط لما دهمها الفرنج، فخرج هو وجماعة من أهلها، وجرت وقعة كبيرة، فقتل في المعركة مقبلا غير مدبر.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 23) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 29) وفيه «إبراهيم بن أحمد» و «الضوء اللامع» (1/ 13) و «العقد الثمين» (3/ 249) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 31) و «الضوء اللامع» (1/ 203) .
[4] واسمه الكامل كما في «كشف الظنون» (2/ 1686) : «مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق» .
[5] انظر «كشف الظنون» وما بين الحاصرتين مستدرك منه.

(9/157)


وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن مفلح بن مفرج الرّاميني ثم الدمشقي الصّالحي [1] الحنبلي، وأخو الشيخ تقي الدّين.
ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة، واشتغل على أخيه الشيخ برهان الدّين وغيره، وحصّل ودأب، وأجاز له جدّه قاضي القضاة جمال الدّين المرداوي، وقاضي القضاة شرف الدّين بن قاضي الجبل، وناب في الحكم بدمشق مدة، ثم ترك ذلك، وأقبل على الله تعالى، وكان فقيها صالحا متعبدا.
توفي بالصّالحية وصلّي عليه بالجامع المظفّري ودفن بالرّوضة عند رجل والديه.
وفيها بدر الدّين حسين بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الأذرعي ثم الصالحي الشافعي، المعروف بابن قاضي أذرعات [2] .
تفقه في صباه على الشّرف ابن الشّريشي، والنّجم بن الجابي، وتعانى الأدب، وفاق الأقران، ومهر في الفنون، ودرّس، وأفتى، وناظر، وناب في الحكم، ثم تركه تورعا، وولي عدة إعادات، وأذن له البلقيني بالإفتاء لما قدم الشام سنة ثلاث وتسعين، وكان يثني عليه كثيرا، ودخل القاهرة بعد الكائنة العظمى، واجتمع بابن حجر، فسمع كل منهما من الآخر.
وتوفي بدمشق بالطّاعون في المحرم أو صفر، ودفن بمقبرة الشيخ رسلان.
وفيها أبو الفضل عبد الرحمن بن شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أبي الوفا الشّاذلي المالكي المصري [3] .
اشتغل في صباه قليلا، وتعانى النّظم، فقال الشعر الفائق، وكان ذكيا، حسن الأخلاق، لطيف الطّباع.
ومن نظمه في «مرثية محبوب» له:
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 32) و «الضوء اللامع» (2/ 207) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 34) و «الضوء اللامع» (3/ 152) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 35) و «الضوء اللامع» (4/ 58) وفيه: «ويسمى محمدا أيضا» .

(9/158)


مضت قامة كانت أليفة مضجعي ... فلله ألحاظ لها ومراشف
ولله أصداغ حكين عقاربا ... فهنّ على الحكم المعنّى سوالف
وما كنت أخشى أمس إلا من الجفا ... وإنّي على ذاك الجفا اليوم آسف
رعى الله أيّاما وناسا عهدتهم ... جيادا ولكنّ اللّيالي صيارف
غرق في بحر النّيل. وهو:
محمد بن عبيد اليشكالسي [1] .
وعبد الله بن أحمد التّنسي [2] جمال الدّين قاضي المالكية وابن قاضيهم.
وفيها علي بن سيف [3] علي بن سليمان اللّواتي الأصل الأبياري النّحوي الشافعي المصري [4] ، نزيل دمشق.
ولد سنة بضع وخمسين وسبعمائة بالقاهرة، ونشأ بغزّة يتيما فقيرا، فحفظ «التنبيه» ثم دخل دمشق فعرضه على تاج الدّين السّبكي فقرّره في بعض المدارس، واستمرّ في دمشق، وأخذ عن العنّابي وغيره، ومهر في العربية، وأشغل الناس، وأدّب أولاد ابن الشهيد، وقرأ عليه «التيسير» وسمع الكمال بن حبيب، وابن أميلة، وغيرهما، وكان خازن كتب السميساطية، وحصّل كثيرا من الكتب والوظائف، وفاق في حفظ اللغة، وعني بالأصول، فقرا «مختصر ابن الحاجب» دروسا على المشايخ، وأكثر مطالعة كتب الأدب، ولم يتزوج قطّ، ونهب ما حصّله في فتنة اللّنك، ودخل القاهرة بعد الكائنة العظمى، فأقام بها، وحصّل كتبا، ثم قدم دمشق، ثم رجع ففوضت له مشيخة البيبرسية، ثم قرّر في تدريس الشافعي، وحدّث بالبيبرسية ب «سنن أبي داود» و «جامع الترمذي» عن ابن أميلة، وبغير ذلك. وسمع منه ابن حجر. قال: وكان فقير النّفس، شديد الشكوى، وكلما
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 36- 42) و «الضوء اللامع» (8/ 139) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 36) و «الضوء اللامع» (5/ 12) .
[3] في «آ» و «ط» : «ابن سند» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 38) و «الضوء اللامع» (5/ 230) و «بغية الوعاة» (2/ 169) .

(9/159)


حصل له شيء اشترى به كتبا، ثم تحوّل بما جمعه إلى دمشق في هذه السنة، وجمع جزءا في الرد على «تعقبات أبي حيّان» لابن مالك.
وتوفي بدمشق في ذي الحجّة وتفرّقت كتبه شذر مذر.
وفيها شمس الدّين محمد بن خليل بن محمد العرضي الغزّي الشافعي [1] .
ولد قبل الستين وسبعمائة، واشتغل بالفقه فمهر فيه إلى أن فاق الأقران، وصار يستحضر أكثر المذهب، مع المعرفة بالطبّ وغيره.
توفي في جمادى الأولى.
وفيها فتح الدّين محمد بن محمد بن الشيخ شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن الجزري الدمشقي [2] الشافعي، نزيل بلاد الرّوم ثم دمشق.
باشر الأتابيكة بدمشق إلى أن مات.
قال ابن حجي: كان ذكيا، جيد الذهن، يستحضر «التنبيه» ويقرأ بالروايات.
أخذ ذلك عن أبيه وعن الشيخ صدقة، وغيرهما، وعاش والده بعده دهرا، وباشر تدريس الأتابكية بدمشق ونظرها إلى أن توفي في صفر مطعونا.
وفيها محمد الشّبراوي [3] .
قال ابن حجر: اشتغل كثيرا، وكان مقتدرا على الدّرس، فدرّس كتاب «الشفا» وعرضه، ثم درّس «مختصر مسلم» للمنذري، ولم يكن بالماهر.
مات في سلخ السنة. انتهى.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 42) و «الضوء اللامع» (9/ 287) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 43) و «الضوء اللامع» (9/ 287) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 44) وفيه: «محمد بن مسكين بن مسعود الشبراوي» و «الضوء اللامع» (7/ 262) وفيه: «محمد بن سليمان بن مسعود الشبراوي» .

(9/160)


وفيها يحيى بن محمد بن حسن بن مرزوق المرزوقي الجبلي- بكسر الجيم وسكون الباء الموحدة- اليماني الشافعي [1] .
تفقه على رضي الدّين بن أبي داود، وسمع من علي بن شدّاد، واشتغل كثيرا، وكان عابدا، ديّنا خيّرا [2] ، يتعانى السّماعات على طريق الصّوفية ويجتمع الناس عنده لذلك.
توفي في جمادى الآخرة وقد بلغ ثمانين سنة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 45) و «الضوء اللامع» (11/ 247) .
[2] في «ط» : «خيّرا ديّنا» .

(9/161)


سنة خمس عشرة وثمانمائة
فيها تسلطن شيخ المحمودي، ولقّب بالمؤيد، وكنّي بأبي نصر، وذلك بعد خلع النّاصر وسلطنة المستعين الخليفة وخلعه، وقتل الناصر فرج.
وفيها توفي إبراهيم بن أحمد بن حسين الموصلي المالكي [1] .
تفقّه واحترف بتأديب الأطفال بالقاهرة، ثم حجّ وجاور، وسلك طريق الورع والنّسك، وصار يتكسّب بالنسخ، ويحجّ ماشيا، وكان غاية في الورع والتّحري.
مات في عشر التسعين.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن إسماعيل بن خليفة بن عبد العال قاضي القضاة الدمشقي الشافعي، المعروف بابن الحسباني [2] .
ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.
قال المقريزي: وتفقّه بأبيه وغيره، وسمع من أصحاب الفخر، وطلب بنفسه فأكثر جدا بدمشق والقاهرة، ولم يزل يسمع حتّى سمع من هو دون شيوخه، مع ذكاء وتفنّن، وكتب تفسيرا أجاد فيه لو كمل، وعلّق على «الحاوي» في الفقه شرحا، وخرّج أحاديث «الرّافعي» وشرح «ألفية ابن مالك» في النحو، وناب في الحكم بدمشق مدة، ثم ولي قضاء القضاة بها غير مرّة فلم تحمد سيرته، وكان
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 78) و «الضوء اللامع» (1/ 13) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 78) و «الضوء اللامع» (1/ 237) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 9) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 164) .

(9/162)


لا يزال يخرج على السلطان ويترامى على الشّرّ، ويلج في مضايق الفتن حبّا في الرئاسة. انتهى كلام المقريزي.
وعدّة ابن ناصر الدّين في الحفّاظ وأثنى عليه [1] .
وتوفي بدمشق في يوم الأربعاء عشر ربيع الآخر عن خمس وستين سنة وسبعة أشهر وأيام.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن رضي الدّين أبي بكر بن موفق الدّين علي بن محمد النّاشري الزّبيدي اليمني الشافعي [2] .
قال ابن حجر في «أنباء الغمر» : عني بالعلم، وبرع في الفقه، وشارك في غيره، وتخرّج به أهل بلده مدة طويلة، وولي قضاء زبيد، فراعى الحقّ في أحكامه فتعصبوا عليه فعزل، وانتهت إليه رئاسة الفتوى ببلده، وكان شديد الحطّ على صوفية زبيد المنتمين إلى كلام ابن العربي، وكان يستكثر من كلام من يرد عليه، فجمع من ذلك شيئا كثيرا في فساد مذهبه ووهاء عقيدته، اجتمعت به بزبيد ونعم الشيخ كان.
مات في خامس عشري المحرم وقد جاوز السبعين. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عماد بن علي المصري ثم المقدسي الشافعي الفرضي الحاسب ابن الهائم [3] .
ولد سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، واشتغل بالقاهرة، وحصّل طرفا صالحا من الفقه، وعني بالفرائض والحساب، حتّى فاق الأقران، ورحل إليه النّاس من الآفاق، وصنّف التصانيف النّافعة في ذلك، ودرّس بالقدس في أماكن، وناب عن القمني في تدريس الصّلاحية مدة، فلما قدم نوروز القدس في هذه السنة لملاقاة
__________
[1] وذلك في «التبيان شرح بديعة البيان» (194/ ب) حيث قال فيه: وكان أحد العلماء الحفّاظ النّقاد.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 80) و «الضوء اللامع» (1/ 257) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 8) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 81) و «الضوء اللامع» (5/ 157) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 17) و «البدر الطالع» (1/ 117) .

(9/163)


زوجته بنت الظّاهر قرّر الهروي في الصّلاحية ثم قسمها بينه وبين ابن الهائم لقيام أهل البلد معه، وسمع منه ابن حجر.
وتوفي في بيت المقدس في جمادى الآخرة.
وفيها تغري بردي بن عبد الله- ومعنى تغري بردي بلغة التتار الله أعطى- الظّاهري [1] نائب الشام.
قال ولده في «المنهل الصّافي» : كان والدي روميّ الجنس، اشتراه الملك الظّاهر برقوق في أوائل سلطنته تقريبا وأعتقه، وجعله في يوم عتقه خازكيا، ثم صار ساقيا، وأنعم عليه فجعله رأس نوبة الجمدارية، وتنقلت به الأحوال إلى أن ولي نيابة دمشق غير مرّة.
وقال ابن حجر: ولي نيابة حلب فسار فيها سيرة حسنة، وأنشأ بها جامعا، ثم ولي نيابة دمشق.
قال القاضي علاء الدّين في «تاريخه» : كان عنده عقل وحياء وسكون، حليما، عاقلا، مشارا إليه بالتعظيم في الدول، وكان جميلا، حسن الصّورة جدا، وكان يلهو لكن في سترة وحشمة وإفضال، والله يسمح له. انتهى.
وقال ولده: استقرّ في نيابة دمشق ثالث مرة على كره منه، وذلك سنة ثلاث عشرة وثمانمائة. وتوفي واليا لها [2] يوم الخميس سادس عشر المحرم، وصلّى عليه الملك النّاصر فرج لأنه كان يومئذ في دمشق، وشهد دفنه يوم الجمعة بتربة الأمير تنم نائب الشام بميدان الحصا، ثم قتل الناصر بعد أيام في صفر من السنة المذكورة، وخلّف والدي عشرة أولاد ستة ذكور وأربع إناث، وخلّف أموالا كثيرة استولى عليها الملك النّاصر فرج، منها ألف مملوك إلا ثلاثين مملوكا.
وفيها جار الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم الشّيباني المكّي [3] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 83) و «الضوء اللامع» (3/ 29) و «الدليل الشافي» (1/ 215- 216) .
[2] في «ط» : «واليا بها» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 84) و «الضوء اللامع» (3/ 52) .

(9/164)


سمع على تاج الدّين ابن بنت أبي سعد، ونور الدّين الهمداني، وعزّ الدّين ابن جماعة، وشهاب الدّين الهكّاري، وحدّث عنهم.
قال ابن حجر: قرأت عليه أحاديث من «جامع الترمذي» بمدينة ينبع، وكان خيّرا عاقلا.
مات في هذه السنة.
وهو الذي قال فيه صدر الدّين بن الآدمي البيتين المشهورين وسنذكرهما في ترجمته. انتهى.
وفيها رقية بنت العفيف عبد السّلام بن محمد بن مزروع المدنية [1] .
حدّثت بالإجازة عن شيوخ مصر والشام كالختني، وابن المصري، وابن سيّد النّاس من المصريين، والمزّي وغيره من الشاميين. وتوفيت عن سبع وثمانين سنة.
وفيها طيبغا [2] الشّريفي عتيق الشّريف شهاب الدّين [3] ، نقيب الأشراف بحلب.
قال القاضي علاء الدّين في «تاريخه» : سمع من أولاد مولاه من الجمال بن الشّهاب محمود، وتعلّم الخطّ معهم ففاق في الخطّ الحسن، وكتب الناس عليه، واستقرّ في وظيفة تعليم الخطّ بالجامع الكبير، وتسمى عبد الله، وأجلسه الكمال بن العديم مع الشهود العدول، وفرّ في الكائنة العظمى إلى القاهرة، فأقام بها مدة، وحدّث بها، وعلّم الخطّ. كتبت عليه بحلب، وقرأت عليه الحديث بالقاهرة في سنة ثمان وثمانمائة.
وتوفي في آخر هذه السنة. انتهى.
وفيها عائشة بنت علي بن محمد بن عبد الغني بن منصور الدمشقية [4] .
__________
[1] ترجمتها في «إنباء الغمر» (7/ 80) و «الضوء اللامع» (12/ 36) و «أعلام النساء» (1/ 454) .
[2] في «آ» و «ط» : «طنبغا» وهو تصحيف والتصحيح من مصدري الترجمة.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 86) و «الضوء اللامع» (4/ 13) .
[4] ترجمتها في «إنباء الغمر» (7/ 78) و «الضوء اللامع» (12/ 77) و «أعلام النساء» (3/ 180) .

(9/165)


سمعت مع زوجها الحافظ شمس الدّين الحسني من ابن الخبّاز، والمرداوي، ومن بعدهما، وحدّثت.
وتوفيت في رمضان عن بضع وستين سنة.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن محمد بن طيمان- بفتح الطاء المهملة وسكون الياء التحتانية- المصري الطّيماني الشّافعي [1] ، نزيل دمشق.
ولد قبل السبعين وسبعمائة بيسير، وحفظ «الحاوي الصغير» ولازم البلقيني، وعزّ الدّين ابن جماعة، واشتغل بالقاهرة، ونبغ في الفقه، وشارك في الفنون، ثم نزل دمشق، وأفتى، ودرّس، وكان يلبس قريبا من زي التّرك، وكان ذكيا ماهرا لا يتكلم إلّا معربا، ويتعانى طريق الصّوفية، وكان يتردد إلى دمشق بسبب وقف له، وحضر عند شيوخها، وشهدوا له بالتقدم في الفقه.
وأقام بدمشق يفتي، ويشغل، ويصنّف، ويدرّس، وشرع في جمع أشياء لم تكمل، واختصر شرح الشيخ شرف الدّين الغزي على «المنهاج» ولخص من كلام الأذرعي وغيره أشياء، على «المنهاج» لم تشتهر لغلاقة لفظه واختصاره، وأثنى عليه ابن حجي، وأخبر أنه أخذ عنه، وقتل بمنزله بالتعديل في الفتنة التي بين الناصر وغرمائه في صفر عن نحو سبع وأربعين سنة، ودفن بمقابر الحميرية [2] بالقرب من قبر عاتكة إلى جانب الشيخ الزّاهد علي بن أيوب، رحمهما الله تعالى.
وفيها سراج الدّين عمر بن عبد الله الهندي، المعروف بالفافا [3] [4] بفاءين، لقّب بذلك لكثرة نطفة بالفاء [4] .
قال ابن حجر: كان عارفا بالفقه والأصول والعربية، أقام بمكة أزيد من أربعين سنة، فأفاد الناس في هذه العلوم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 78) و «الضوء اللامع» (5/ 50) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 28) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 256) .
[2] في «آ» : «الحمرية» وفي «ط» : «الحموية» وما أثبته من «الدارس في تاريخ المدارس» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 89) و «الضوء اللامع» (6/ 98) .
[4، 4] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .

(9/166)


ومات في ذي الحجّة عن سبعين سنة.
وفيها الملك النّاصر فرج بن برقوق بن أنس [1] .
ولد سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وسمّاه أبوه بلغاق، ثم سمّاه فرجا، وأجلس على التخت يوم الجمعة نصف شوال سنة إحدى وثمانمائة بعهد من أبيه وعمره عشر سنين وستة أشهر، وقتل بمصر سلطانا ليلة السبت سادس عشر صفر.
وفيها زين الدّين أبو الخير محمد بن زيد الدّين أبي الطّاهر أحمد بن جمال الدّين محمد بن الحافظ محبّ الدّين عبد الله الطّبري [2] .
سمع من الفخر القونوي، وابن بنت سعد، وابن جماعة، والعلائي، وأجاز له أحمد بن علي الجزري، وابن القمّاح، وابن عالي، والمستوري، وغيرهم.
وتفرّد بإجازة الجزري بمكّة، وحدّث بأشياء كثيرة بالإجازة عن جماعة من المصريين والشّاميين، وبرع في العلم، وعرف بالمروءة.
وتوفي في رمضان.
وفيها بهاء الدّين أبو حامد محمد بن أبي الطّيب أحمد بن بهاء الدّين محمد بن علي بن سعيد بن [3] إمام المشهد الشافعي ظنا.
ولد سنة سبع وستين وسبعمائة، وأحضره أبوه وأسمعه على بعض [4] أصحاب الفخر، وابن القواس، ونحوهم.
وتوفي أبوه وهو صغير، فأدّبه رجل أعمى، وبرع من [5] صباه، وكان صحيح الفهم، دينا، عاقلا، نشأ نشأة حسنة، وأفتى، ودرّس، وعرض عليه حموه شهاب الدّين الحسباني النّيابة في الحكم فامتنع.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 89) و «الضوء اللامع» (6/ 168) و «الدليل الشافي» (2/ 520) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 90) و «الضوء اللامع» (7/ 46) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 90) و «الضوء اللامع» (7/ 46) .
[4] لفظة «بعض» سقطت من «ط» .
[5] في «ط» : «في» .

(9/167)


وتوفي في ذي القعدة بعلّة الاستسقاء.
وفيها جمال الدّين محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن أحمد بن مسلم المكّي الحلوي [1]- بفتح المهملة وسكون اللام، نسبة إلى حلي كظبي مدينة باليمن، المعروف بابن العليف- بمهملة ولام وفاء مصغر-.
ولد بحلي سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، ونزل بمكّة، وسمع من العزّ بن جماعة، وكان غاليا في التشيّع وتعاني والنّظم فمهر فيه وفاق أقرانه إلّا أنه كان عريض الدّعوى ومدح ملوك اليمن، وأمراء مكّة، وينبع، وانقطع إلى حسن بن عجلان بمكّة.
ومن مدائحه في النّاصر لدين الله صلاح الدّين بن علي بن محمد صاحب صنعاء:
جادك الغيث من طلول بوالي [2] ... كبروج من النّجوم خوالي
فقدت بيض أنسها فتساوى ... بيض أيامها وسود الليالي
قاسمتني وجدي بها فتساوى ... حالها بعد من أحبّ وحالي
وهي طويلة. وله فيه من أخرى:
يا وجه آل محمّد في وقته ... لم يبق بعدك منهم إلا قفا
لو كانت الأشراف آل محمد ... كتب العلوم لكنت فيها المصحفا
أو كانت الأسباط آل محمد ... يا ابن النّبيّ لكنت فيها يوسفا
وتوفي في سابع رجب.
وفيها جمال الدّين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد البعلبكي المعروف بابن اليونانية [3] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 91) و «العقد الثمين» (1/ 471) .
[2] لفظة «بوالي» سقطت من «آ» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 94) و «الضوء اللامع» (9/ 145) .

(9/168)


ولد أول سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وسمع الحديث، وقرأ، ودرّس، وأفتى، وشارك في الفضائل، وكان عارفا بأخبار أهل بلده. [1] وهو ابن أخي الشيخ شمس الدّين البعلبكي. قاله ابن حجر [1] .
وفيها محبّ الدّين أبو الوليد محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي ابن أيوب بن الشّحنة محمود [2] والشّحنة جدّه الأعلى محمود، الشهير بابن الشّحنة التّركي الأصل الحلبي [3] الحنفي.
ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وحفظ القرآن العظيم وعدة متون، وتفقه، وبرع في الفقه، والأصول، والنحو، والأدب، وأفتى، ودرّس، وتولى قضاء قضاة الحنفية بحلب، ثم دمشق، إلى أن قبض عليه الظّاهر برقوق في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وقدم به إلى القاهرة، ثم أفرج عنه، ورجع إلى حلب فأقام بها إلى أن قبض عليه الملك الناصر فرج سنة ثلاث عشرة وثمانمائة لقيامه مع جماعة على الناصر، ثم أفرج عنه، فقدم القاهرة، ثم عاد إلى دمشق صحبة الملك الناصر المذكور سنة أربع عشرة وثمانمائة، فلما انكسر الناصر وحوصر بدمشق ولّاه قضاء الحنفية بالقاهرة فلم يتمّ لأنه لما أزيلت دولة الناصر أعيد بن العديم لقضاء الدّيار المصرية، واستقرّ ابن الشّحنة في قضاء حلب وأعطى تداريس بدمشق.
قال ابن حجر كان كثير الدعوى والاستحضار، عالي الهمّة، وعمل تاريخا لطيفا فيه أوهام عديدة، وله نظم فائق وخط رائق.
ومن نظمه:
ساق المدام فكلّ ما في النّا ... س من وصف المدامة فيكا
فعل المدام ولونها ومذاقها ... في مقلتيك ووجنتيك وفيكما
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 95) و «الضوء اللامع» (10/ 3) .
[3] لفظة «الحلبي» لم ترد في «آ» .

(9/169)


وله:
أسير بالجرعى أسيرا ومن ... همّي لا أعرف كيف الطّريق.
في منحني الأضلع وادي الغضا ... وفوق سفح الخدّ وادي العقيق
انتهى.
وقال القاضي علاء الدّين في «ذيل تاريخ حلب» : وله: «ألفية رجز» تشتمل على عشرة علوم، و «ألفية» اختصر فيها منظومة النّسفي وضم إليها مذهب أحمد.
وله تآليف أخرى في الفقه، والأصول، والتفسير. انتهى.
وتوفي بحلب يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر.
وفيها شرف الدّين مسعود بن عمر بن محمود بن أنمار الأنطاكي النّحوي [1] ، نزيل دمشق.
قدم إلى حلب، وقد حصّل طرفا صالحا من العربية، ثم قدم دمشق، فأخذ عن الصّفدي، وابن كثير، وغيرهما، وتقدم في العربية، وفاق في حسن التّعليم حتّى كان يشارط عليه إلى أمد معلوم بمبلغ معلوم، وكان يكتب حسنا وينظم جيدا، وكان يتعانى الشّهادة ولو لم يكن بالمحمود فيها، وكان مزّاحا قليل التّصوّن.
مات في تاسع شعبان وهو في عشر الثمانين. قاله ابن حجر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 98) و «الضوء اللامع» (10/ 157) .

(9/170)