شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست عشرة
وثمانمائة
في ربيعها الأول ظهر الخارجيّ الذي ادعى أنه السّفيانيّ، وهو رجل
عجلونيّ يسمّي عثمان بن ثقالة، اشتغل بالفقه قليلا بدمشق، ثم قدم عجلون
فنزل بقرية الجيدور [1] ودعا إلى نفسه، فأجابه بعض الناس، فأقطع
الإقطاعات، ونادى أن مغل هذه السنة مسامحة، ولا يؤخذ من أهل الزراعة
بعد هذه السنة التي سومح بها سوى العشر، فاجتمع عليه خلق كثير من عرب،
وعشير، وترك، وعمل له ألوية خضراء، وسار إلى وادي إلياس، وبث كتبه إلى
النّواحي ترجمتها بعد البسملة:
[من] السّفياني إلى حضرة فلان، أن يجمع فرسان هذه الدولة السّلطانية
الملكية الإمامية الأعظمية الربّانية المحمدية السّفيانية، ويحضر بخيله
ورجاله مهاجرا إلى الله ورسوله، ومقاتلا في سبيل الله لتكون كلمة الله
هي العليا، فسار عليه في أوائل ربيع الآخر غانم الغزّاوي، وجهز إليه
طائفة، وطرقوه وهو بجامع عجلون، فقاتلهم فقبضوا عليه وعلى ثلاثة من
أصحابه، فاعتقل الأربعة، وكتب إلى المؤيد بخبره فأرسلهم إلى قلعة صرخد
[2] .
وفيها توفي إبراهيم بن أحمد بن خضر الصّالحي الحنفي [3] .
ولد في رمضان سنة أربع وأربعين وسبعمائة، واشتغل على أبيه، وناب في
القضاء بمصر، ودرّس وأفتى، وولي إفتاء دار العدل، وكان جريئا مقداما،
ثم ترك الاشتغال بأخرة وافتقر.
__________
[1] في «معجم البلدان» (2/ 197) : الجيدور: كورة من نواحي دمشق فيها
قرى، وهي في شمالي حوران، ويقال: إنها والجولان كورة واحدة.
[2] قاله الحافظ ابن حجر في «إنباء الغمر» (7/ 106- 107) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 118) و «الضوء اللامع» (1/ 13) .
(9/171)
وتوفي في ربيع الأول، وكانت وفاة أبيه سنة
خمس وثمانين وسبعمائة.
وفيها برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن بهادر بن أحمد
الشّافعي الغزّي القرشي النّوفلي، الشهير بابن زقّاعة [1]- بضم الزاي،
وفتح القاف المشدّدة، وألف، وعين مهملة، وهاء-.
قال في «المنهل» : كان إماما بارعا مفنّنا في علوم كثيرة لا سيما معرفة
الأعشاب، والرياضة، وعلم التصوف.
مولده سنة أربع وعشرين وسبعمائة على الصحيح.
قال المقريزي: عانى صناعة [2] الخياطة، وأخذ القراءات عن الشيخ شمس
الدّين الحكري، والفقه عن بدر الدّين القونوي، والتّصوف عن الشيخ عمر
حفيد الشيخ عبد القادر، وسمع الحديث من نور الدّين على الفويّ، وقال
الشعر، ونظر في النّجوم وعلم الحرف، وبرع في معرفة الأعشاب، وساح في
الأرض، وتجرّد وتزهّد فاشتهر ببلاد غزّة، وعرف بالصّلاح. انتهى
اختصارا.
قلت: بالجملة كانت رئاسته في علوم كثيرة، وله حظّ وافر [3] عند ملوك
مصر، ونال من الحرمة والوجاهة ما لم ينله غيره من أبناء جنسه، فإنه كان
يجلس فوق قضاة القضاة.
ومن شعره اللّطيف:
ومن عجبي أن النّسيم إذا سرى ... سحيرا بعرف البان والرّند والآس
يعيد على سمعي حديث أحبّتي ... فيخطر لي أن الأحبّة جلّاسي
ومنه أيضا:
ووردي خدّ نرجسيّ لواحظ ... مشايخ علم السّحر عن لحظه رووا
وواوات صدغيه حكين عقاربا ... من المسك فوق الجلّنار قد التووا
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 119) و «الضوء اللامع» (1/ 130) و
«الدليل الشافي» (1/ 28) .
[2] في «آ» : «صنعة» .
[3] في «آ» : «وله حظ زائد» .
(9/172)
ووجنته الحمراء تلوح كجمرة ... عليها قلوب
العاشقين قد انكووا
وودّي له باق ولست بسامع ... لقول حسود والعواذل إن عووا
وو الله لا أسلو ولو صرت رمّة ... وكيف وأحشائي على حبّه انطووا
وتوفي بالقاهرة في ثامن عشر ذي الحجة، ودفن خارج باب النصر انتهى. ما
قاله صاحب «المنهل» باختصار.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن علاء الدّين حجّي بن موسى بن
أحمد بن سعيد [1] بن غشم بن غزوان بن علي بن مسرور بن تركي الحسباني
الدمشقي الشافعي [2] الحافظ، مؤرخ الإسلام.
قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» : ولد في المحرم سنة إحدى وخمسين
وسبعمائة، وحفظ «التنبيه» وغيره، وسمع الحديث من خلائق، وأجاز له خلق
من بلاد شتّى، وقرأ بنفسه الكثير، وكتب الكثير، وقد كتب أسماء مشايخه
مجرّدا في بعض مجاميعه على حروف المعجم، وأخذ الفقه عن والده، والشيخ
شمس الدّين بن قاضي شهبة، وقاضي القضاة بهاء الدّين أبي البقاء وغيرهم،
واستفاد من مشايخ العصر، منهم الأذرعي، والحسباني، وابن قاضي
الزّبداني، وابن خطيب يبرود، والغزّي، والقاضي تاج الدّين السّبكي،
وشمس الدّين الموصلي، وتخرّج في علوم الحديث بالحافظين ابن كثير، وابن
رافع، وأخذ النحو عن أبي العبّاس العناني وغيره، ودرّس وأفتى، وأعاد
وناب في الحكم، وصنّف، وكتب بخطّه الحسن ما لا يحصى كثرة، فمن ذلك شرح
على «المحرّر» لابن عبد الهادي، كتب منه قطعة، وردّ على مواضع من
«المهمات» للإسنوي، وعلى مواضع من الألغاز له وبيّن [3] غلطه فيها،
وجمع فوائد في علوم متعددة في
__________
[1] في «ط» : «سعد» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 121- 124) و «طبقات الشافعية» لابن
قاضي شهبة (4/ 10) و «الضوء اللامع» (1/ 269) و «الدارس في تاريخ
المدارس» (1/ 138) .
[3] في «ط» : «بين» من غير الواو.
(9/173)
كراريس كثيرة سمّاها «جمع المفترق» وكتابا
سمّاه «الدارس من أخبار المدارس» يذكر فيه ترجمة الواقف وما شرطه،
وتراجم من درّس بالمدرسة إلى آخر وقت، وهو كتاب نفيس يدلّ على اطلاع
كثير، وقد وقفت على كراريس منه.
وكتب «ذيلا» [1] على «تاريخ ابن كثير» وغيره، بدأ فيه من سنة إحدى
وأربعين يذكر فيه حوادث الشهر، ثم من توفي فيه، وهو مفيد جدا، كتب منه
ست سنين، ثم بدأ من سنة تسع وستين فكتب إلى قبيل وفاته بيسير، وكان قد
أوصاني بتكميل الخرم المذكور فأكملته، وأخذت «التاريخ» المذكور وزدت
عليه حوادث من تواريخ المصريين وغيرهم بقدر ما ذكره الشيخ، وتراجم أكثر
من التراجم التي ذكرها بكثير، وبسطت الكلام في ذلك، وجاء إلى آخر سنة
أربعين وثمانمائة في سبع مجلدات كبار، ثم اختصرته في نحو نصفه، وقد ولي
الشيخ في آخر عمره، الخطابة ومشيخة الشيوخ شريكا لغيره، وانتهت المشيخة
في البلاد الشامية إليه،
__________
[1] قلت: الذي ترجح عندي بأن الحافظ ابن كثير قد توقف في «تاريخه» أول
الأمر سنة (738 هـ) ، ثم تابع التأريخ إلى سنة (774 هـ) ويشهد لذلك
كلام الحافظ ابن حجر في أول كتابه «إنباء الغمر» (1/ 4) حيث يقول: ...
وهذا الكتاب يحسن من حيث الحوادث أن يكون ذيلا على ذيل التاريخ الحافظ
عماد الدّين ابن كثير فإنه انتهى في «تاريخه» إلى هذه السنة. وما كتبه
الحافظ السخاوي في أوائل سنة (774) حيث قال: وفي أثناء شعبانها انتهى
«تاريخ العماد ابن كثير» وكان حين ضرره وضعفه يملي فيه على ولده عبد
الرحمن. ويبدو بأن النسخة التي كانت محفوظة في المكتبة الأحمدية بحلب
من «البداية والنهاية» والتي اعتمدناها كنسخة أولى في تحقيقنا للكتاب
مع طائفة من الأساتذة المحققين في طبعته التي ستصدر عن دار ابن كثير هي
نسخة نسخت عن النسخة الأولى المشار إليها، ثم نسخ عن النسخة التامة نسخ
أخرى، فقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن الحافظ السخاوي قد نقل عن
«البداية والنهاية» في كتابه «الذيل التام على دول الإسلام» الذي يقوم
بتحقيقه صاحبي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة، وأقوم بمراجعته، وقد
أنجزنا منه المجلد الأول وهو تحت الطبع الآن، ومعلوم بأن كتاب السخاوي
يبدأ بحوادث سنة (745 هـ) . وأما ما كتبه ابن حجي، وابن قاضي شهبة من
التذييل على «البداية والنهاية» فإنما كان على النسخة الأولى من
«البداية والنهاية» المتوقفة عند سنة (738 هـ) وأنهما لم يطلعا على
النسخة الأخرى منه التي تممها ابن كثير بنفسه من الكتاب، والله أعلم،
وانظر ما كتبه العلّامة الشيخ محمد راغب الطباخ في مجلة المجمع العلمي
العربي بدمشق (18/ 376) وما كتبه العلّامة الشيخ محمد أحمد دهمان في
المجلة المذكورة (20/ 90) وما بعدها حول هذا الموضوع، والله الموفق لكل
خير وصواب.
(9/174)
وكان يكتب على الفتاوى كتابة حسنة، وخطه
مليح، وكان يضرب المثل بجودة ذهنه وحسن أبحاثه، وكان حسن الشكل، ديّنا،
خيّرا، له أوراد من صلاة وصيام، وعنده أدب كثير وحشمة وحسن معاشرة،
وعنه أخذت هذا الفنّ، واستفدت منه كثيرا.
توفي في المحرم ودفن عند والده على جادة الطّريق. انتهى كلام ابن قاضي
شهبة.
وفيها أحمد بن علي بن النّقيب المقدسي الحنفي [1] .
قال ابن حجر: ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وتقدم في فقه الحنفية،
وشارك في فنون، وكان يؤم بالمسجد الأقصى.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد
الله بن يحيى بن عبد الرحمن الناصري الباعوني الشافعي [2] .
قال ابن قاضي شهبة فيه: الشيخ الإمام العالم المفنّن، قاضي القضاة،
خطيب الخطباء [3] ، إمام البلغاء، ناصر الشّرع.
ولد بقرية النّاصرة من البلاد الصّفدية سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة،
وحفظ القرآن، وله عشر سنين، وحفظ «المنهاج» في مدة يسيرة، ثم «المنهاج»
للبيضاوي، و «الألفية» وغير ذلك، وقدم دمشق، وعرض كتبه على جماعة من
العلماء، منهم القاضي [4] تاج الدّين السّبكي، والمشايخ: ابن خطيب
يبرود، وابن قاضي الزّبداني، وابن قاضي [4] شهبة، وابن الشّريشي،
والزّهري، وغيرهم. وأخذ عنهم، وسمع الحديث من جماعة من المسندين، وقرأ
النحو على الشيخ أبي عبد الله المالكي، وغيره، ومهر في ذلك، وكتب الخطّ
الحسن، ثم رجع إلى
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 124) و «الضوء اللامع» (2/ 46) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 124) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي
شهبة (4/ 20) و «الضوء اللامع» (2/ 231) .
[3] في «ط» : «خطيب الخطابة» .
[4، 4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
(9/175)
صفد، وقد أجيز، وأخذ من طلب العلم أربه،
فاشتغل بالعلم، وأفتى، وفاق في النّظم، والنثر، وصحب الفقراء
والصّالحين، ثم توجه إلى الدّيار المصرية، واجتمع بالملك الظّاهر فولاه
خطابة بالجامع الأموي، فقدم في ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين، ثم لما
قدم السلطان في سنة ثلاث وتسعين ولّاه القضاء في ذي الحجّة، فباشر
بعفّة، ومهابة زائدة وتصميم في الأمور، مع نفوذ لحكمه، وكان يكاتب
السلطان بما يريد فيرجع الجواب بما يختاره، وانضبطت [1] الأوقاف في
أيامه، وحصل للفقهاء معاليم كثيرة، ودرّس الفقه والتفسير في مدارس
كثيرة، وولي مشيخة الشيوخ، ثم وقعت له أمور أوجبت تغير خاطر السلطان
عليه، منها أنه طلب أن يقرضه من مال الأيتام شيئا فامتنع فعزله بعد ما
باشر سنتين ونصفا، وكشف عليه، وعقدت له مجالس وحصل في حقّه تعصب،
ولفّقت عليه قضايا باطلة أظهر الله براءته منها ولم يسمع عنه مع كثرة
أعدائه أنه ارتشى في حكم من الأحكام، ولا أخذ شيئا من قضاة البر كما
فعله من بعده من القضاة، ثم ولي خطابة القدس مدة طويلة ثم خطابة دمشق
ومشيخة الشيوخ، ثم ولاه الناصر القضاء في صفر سنة اثنتي عشرة
وثمانمائة، ولم يمكنه إجراء الأمور على ما كان أولا لتغير الأحوال
واختلاف الدول، ثم صرفه الأمير شيخ عند استيلائه على دمشق في جمادى
الآخرة من السنة وفي فتنة الناصر، ولي قضاء الدّيار المصرية مدة
الحصار، ثم انتقض، وكان خطيبا بليغا له اليد الطولي في النّظم والنّثر،
مع السّرعة في ذلك، وكان من أعظم أنصار الحقّ وأعوانه، أعزّ الله تعالى
به الدّين، وكفّ به أكفّ المفسدين، وكان ظاهر الدّيانة، وكثير البكاء،
وكتب الكثير بخطّه، وجمع أشياء. انتهى باختصار.
وقال ابن حجر: اجتمعت به ببيت المقدس والقاهرة، وأنشدني من نظمه، وسمعت
عليه، وهو القائل:
ولما رأت شيب رأسي بكت ... وقالت عسى غير هذا عسى
فقلت البياض لباس الملوك ... وإنّ السّواد لباس الأسى
فقالت صدقت ولكنّه ... قليل النّفاق بسوق النّسا
__________
[1] في «ط» : «والضبطت» .
(9/176)
وله في العقيدة قصيدة أولها:
أثبت صفات العلى وانف الشبيه فقد ... أخطا الذي على ما قد بدا جمدوا
وضلّ قوم على التأويل قد عكفوا ... فعطّلوا وطريق الحقّ مقتصد
انتهى.
وتوفي في أوائل المحرم ودفن بسفح قاسيون بحوش زاوية الشيخ أبي بكر بن
داود.
وفيها زين الدّين هو زين الدّين أبو بكر بن حسين بن عمر بن محمد بن
يونس العثماني المراغي ثم المصري [1] الشافعي، نزيل المدينة.
ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وأجاز له أبو العبّاس بن الشّحنة، فكان
آخر من حدّث عنه في الدنيا بالإجازة، وأجاز له أيضا المزّي، والبرزالي،
والحجّار، وآخرون من دمشق، وحماة وحلب وغيرها، وتفرّد بالرواية عن
أكثرهم، وسمع بالقاهرة من جماعة، وخرج له الحافظ ابن حجر أربعين حديثا
عن أربعين شيخا، وقرأ على الشيخ تقي الدّين السّبكي شيئا من محفوظاته
عرضا قبل أن يلي القضاء ولازم الشيخ جمال الدّين الأسنوي، وولي قضاء
المدينة وخطابتها سنة تسع وثمانمائة، وأخذ عن مغلطاي وغيره من
المحدّثين، وشرح المنهاج الفقهي، واختصر «تاريخ المدينة» وحصل للمدينة
جهات تقوم بحاله، ولازم الأشغال، والتحديث بالروضة الشريفة إلى أن صار
شيخها المشار إليه، ثم عزل عن قضائها فتألم لذلك.
وتوفي بالمدينة المنورة في ذي الحجّة.
وفيها رضي الدّين أبو بكر بن يوسف بن أبي الفتح العدني بن المستأذن [2]
.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 128) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي
شهبة (4/ 4) و «الضوء اللامع» (11/ 28) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 129) و «الضوء اللامع» (11/ 98) .
(9/177)
قال ابن حجر: حجّ كثيرا، وقدم القاهرة،
وتعانى النّظر في الأدب، ومهر في القراءات، وتكلّم على النّاس بجامع
عدن، وخطب ولم ينجب، سمعت من نظمه، وسمع مني كثيرا.
مات وقد جاوز السبعين. انتهى.
وفيها حسام الدّين حسن بن علي بن محمد الأبيوردي [1]- بفتح الهمزة
والواو، وسكون التحتية، وكسر الباء، وسكون الراء- نسبة إلى باورد بلدة
بخراسان، الشافعي الخطيب، نزيل مكة.
أخذ عن السعد التّفتازاني وغيره، وبرع في المعقولات، ودخل اليمن،
واجتمع بالناصر ففوض إليه تدريس بعض المدارس بتعز فعاجلته المنيّة بها،
وصنّف «ربيع الجنان في المعاني والبيان» وغير ذلك.
وفيها عائشة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن
يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الأصل أبوها الصّالحية [2] الحنبلية
المذهب المحدّثة محدّثة دمشق.
ولدت سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وحضرت في أوائل الرابعة من عمرها جميع
«صحيح البخاري» على مسند الآفاق الحجّار، وروت عن خلق، وروى عنها
الحافظ ابن حجر، وقرأ عليها كتبا عديدة، وكانت في آخر عمرها أسند أهل
زمانها، مكثرة سماعا وشيوخا.
قاله العليمي [3] في «طبقات الحنابلة» وتوفيت في أحد الربيعين ودفنت
بالصالحية.
قال ابن حجر: تفرّدت بالسّماع من الحجّار، ومن جماعة، وسمع منها
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 131) و «الضوء اللامع» (7/ 118) .
[2] ترجمتها في «إنباء الغمر» (7/ 132) و «الضوء اللامع» (12/ 81) و
«المنهج الأحمد» الورقة (481) من القسم المخطوط منه و «أعلام النساء»
(3/ 187) .
[3] في «آ» و «ط» : «العلموي» وهو خطأ والصواب ما أثبته فإن المؤلف قد
نقل عن «المنهج الأحمد» .
(9/178)
الرّحالة فأكثروا، وكانت سهلة في الأسماع،
سهلة الجانب، ومن العجائب أن ستّ الوزراء كانت آخر من حدّثت عن ابن
الزّبيدي بالسّماع، ثم كانت عائشة آخر من حدّثت عن صاحبه الحجّار
بالسّماع وبين وفاتيهما مائة سنة.
وفيها عبد القوي بن محمد بن عبد القوي المالكي البجائي المغربي [1]
الأصل والمولد والمنشأ، نزيل مكة.
قال ولده قطب الدّين أبو الخير، ولد والدي سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة
ببجاية من بلاد الغرب، ورحل من بلده وعمره ثمان عشرة سنة، وقدم
القاهرة، وحجّ سنة أربع وستين، ثم عاد إلى القاهرة، ثم حجّ في سنة
سبعين، وقطن بمكة إلى أن مات.
وقال الشيخ تقي الدّين الفاسي: قدم ديار مصر في شبيبته، فأخذ بها عن
الشيخ [يحيى الرّهوني، وغيره من علمائها، وسكن الجامع الأزهر، ثم انتقل
إلى مكة، وأخذ بها عن الشيخ] موسى المرّاكشي وغيره، وسمع بها من
المناوي، وسعد الدّين الإسفرائيني، وغيرهما، ودرّس بالحرم الشريف،
وأفتى باللفظ تورعا، وكان ذا معرفة بالفقه.
قال ابن حجر: تفقه، وأفاد، ودرّس، وأعاد، وأفتى.
وتوفي بمكة في شوال ودفن بالمعلاة.
وفيها فخر الدّين عثمان بن إبراهيم بن أحمد الشيخ الإمام البرماوي [2]
الشافعي، شيخ قرّاء مدرسة الظّاهر برقوق.
قال في «المنهل» : كان إماما بارعا في معرفة القراءات، عالما بالفقه
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 133) و «الضوء اللامع» (4/ 230) و
«نيل الابتهاج» على هامش «الديباج المذهب» ص (187) و «العقد الثمين»
(5/ 472) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 133- 134) و «الضوء اللامع» (5/ 123)
و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 40) و «الدليل الشافي» (1/ 438)
.
(9/179)
والحديث والعربية، تصدّر للإقراء عدة سنين
إلى أن توفي فجأة بعد خروجه من الحمّام يوم الاثنين تاسع عشر شعبان.
والبرماوي: نسبة إلى برمة بلدة بالغربية من أعمال القاهرة بالوجه
البحري وإليها ينسب جماعة كثيرة من الفقهاء وغيرهم. انتهى.
وفيها فتح الدّين فتح الله بن معتصم بن نفيس الدّاودي التّبريزي الحنفي
الطبيب [1] .
ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة، وقدم مع أبيه إلى القاهرة فمات أبوه وهو
صغير فكفله عمّه بديع بن نفيس فتميّز في الطب، وقرأ «المختار» في
الفقه، وتردّد إلى مجالس العلم، وتعلم الخطّ، وباشر العلاج، وكان بارع
الجمال، فانتزعه برقوق وصار من أخص المماليك عنده، واشتهر، وشاع ذكره،
واستقر في رئاسة الطب بعد موت عمّه بديع، ثم عالج برقوق فأعجبه، وكان
يدري كثيرا من الألسن، ومن الأخبار، فراج عند برقوق، وباشر رئاسة الطب
بعفة ونزاهة.
قال البقاعي: كان ذا باع طويل في الطبّ، حتّى إنه مرّ يوما في سوق
الكتبيين فرأى شخصا ينسخ في كتاب وليس به مرض، فتأمله وقال: هذا يموت
اليوم، فكان كذلك.
وقال المقريزي: كان له فضائل جمّة غطّاها شحّه حتّى اختلق عليه أعداؤه
معايب برأه الله منها، فإني صحبته مدة طويلة تزيد على العشرين [سنة] ،
ورافقته سفرا وحضرا، فما علمت عليه إلّا خيرا، بل كان من خير أهل زمانه
عقلا، وديانة، وحسن عبارة [2] ، وتأله، ونسك، ومحبة للسّنّة وأهلها،
وانقياد إلى الحقّ، وصبر على الأذى، وجودة للحافظة. وكان يعاب بالشّح
بماله، فإنه كان يخذل صديقه أحوج ما يكون إليه، وقد جوزي بذلك فإنه لما
نكب في هذه السنة تخلّى عنه كل أحد عن الزيارة، فلم يجد مغنيا ولا
معينا، فلا قوة إلّا بالله.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 137) و «الضوء اللامع» (6/ 165) .
[2] في «ط» : «وحسن عبادة» .
(9/180)
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن خليل
المصري الغرّاقي [1]- بفتح المهملة، وتشديد الراء، وبعد الألف قاف،
نسبة إلى بعض قرى الدّيار المصرية- الشافعي.
اشتغل كثيرا، وتمهّر في الفرائض، وأشغل الناس فيها بالجامع الأزهر،
وكثرت طلبته، وأمّ بالجامع المذكور نيابة، مع الدّين، والخير، وحسن
السّمت، والتواضع، والصّبر على الطلبة. وكان يقسم «التنبيه» و
«المنهاج» فيقرن بينهما جميعا في مدة لطيفة، وقد سمع من العزّ بن جماعة
بمكّة، وحدّث، وجاور كثيرا، وكان يعتمر في كل يوم أربع عمر، ويختم كل
يوم ختمة.
وتوفي في خامس شعبان.
وفيها محمد بن عبد الله الحجيني [2] الحنفي، الملقب بالقطعة [3] .
قال ابن حجر: كان من أكثر الحنفية معرفة باستحضار الفروع، مع جمود
ذهنه، وكان خطّه رديئا إلى الغاية، وكان رثّ الثياب والهيئة، خاملا.
مات في رمضان. انتهى.
وفيها جمال الدّين محمد بن عمر العوادي [4]- بفتح المهملة وتخفيف
الواو- التّعزي [5] الشافعي.
اشتغل ببلده، وأشغل الناس كثيرا، واشتهر، وأفتى، ودرّس، ونفع الناس،
وكثرت تلامذته، وولي القضاء ببلده فباشر بشهامة، وترك مراعاة لأهل
الدولة فتعصبوا عليه، حتّى عزل، وقد أراق في مباشرته الخمور، وأزال
المنكرات، وألزم اليهود بتغيير عمائمهم، ثم بعد عزله أقبل على الاشتغال
والنفع للناس إلى أن مات.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «العراقي» والتصحيح من «إنباء الغمر» (7/ 139) و
«الضوء اللامع» (6/ 307) .
[2] في «آ» و «ط» : «الحجبي» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 140) و «الضوء اللامع» (8/ 120) .
[4] في «آ» و «ط» : «العواري» بالراء والتصحيح من مصدري الترجمة.
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 140) و «الضوء اللامع» (8/ 249 و 269)
.
(9/181)
وفيها شهاب الدّين موسى بن أحمد بن موسى
الرّمثاوي ثم الدمشقي الشافعي [1] .
ولد تقريبا سنة ستين وسبعمائة، واشتغل على الشيخ شرف الدّين الغزّي،
ولازمه، وأذن له في الإفتاء، وأخذ الفرائض عن محبّ الدّين المالكي وفضل
فيها، وأخذ بمكّة عن ابن ظهيرة، وأخذ طرفا من الطبّ عن الرئيس جمال
الدّين، وكتب بخطّه، ومهر، وتعانى الزراعة، ثم تزوج بنت شيخه فماتت معه
فورث منها مالا، ثم بذل مالا حتّى ناب في الحكم واستمرّ، ثم ولي قضاء
الكرك.
قال ابن قاضي شهبة في «تاريخه» : كان سيء السيرة، وفتح أبوابا من
الأحكام الباطلة، فاستمرت بعده [2] وكان عنده دهاء، وصاهر الإخنائي،
وقد امتحن.
ومات بدمشق في ربيع الأول، وقيل: إنه سمّ، والله أعلم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 143) و «الضوء اللامع» (10/ 178) .
[2] في «ط» : «بعد» .
(9/182)
سنة سبع عشرة
وثمانمائة
في سابع شعبانها دخل الفرنج مدينة سبتة من بلاد المغرب وخرّبوها وأخذوا
ما كان بها من الأموال والذخائر، حتّى الكتب العلمية، وتركوها قاعا
خرابا، ومع ذلك فهي بأيديهم فلا قوة إلّا بالله، وكان أهلها وهم
محاصرون أرسلوا قصيدة طنّانة يستجدون فيها أهل الإسلام من أهل مصر
وغيرهم [1] مطلعها:
حماة الهدى سبقا وإن بعد المدى ... فقد سألتكم نصرها ملّة الهدى
فلم تفدهم شيئا، غير أن أجيبوا بقصيدة من نظم ابن حجّة ويا ليتها
مثلها.
وفيها توفي تقي الدّين أبو بكر بن علي بن سالم بن أحمد الكناني
العامري- نسبة إلى قرية كفر عامر من قرى- الزّبداني [2] ابن قاضي
الزّبداني الشافعي.
ولد في ذي الحجّة سنة خمسين وسبعمائة، واشتغل بدمشق، فبرع في الحساب،
وشارك في الفقه، وقرأ في الأصول، وولي قضاء بعلبك وبيروت، وقدم القاهرة
بعد الفتنة الكبرى، وكان قد أسر مع التمرية ثم تخلّص، وأخبر عن بعض من
أسره أنه قال له: علامة وقوع الفتنة كثرة نباح الكلاب وصياح الدّيكة في
أول الليل. قال: وكان ذلك قد كثر بدمشق قبل مجيء تمرلنك، وكان يقرأ في
المحراب جيدا، وولي قضاء كفر طاب، وتقدم في معرفة الفرائض والحساب،
وكان دينا، خيرا، يتعانى المتجر.
توفي بدمشق في ذي الحجّة.
__________
[1] في «ط» : «وغيرها» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 153) و «الضوء اللامع» (11/ 52) .
(9/183)
وفيها سعد الدّين سعد بن علي بن إسماعيل
الهمداني الحنفي ثم العيني [1] نزيل حلب.
كان فاضلا عاقلا، دينا له مروءة ومكارم أخلاق، وله وقع في النّفوس
لخيره ونفعه للطلبة وإحسانه إليهم بعلمه وجاهه.
مات في أول شعبان، وخلّف ولده سعد الدّين سعد الله، ولم تطل مدّته بل
مات في [2] سنة إحدى وعشرين ولم يتكهّل [3] .
وفيها عبد الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم ابن أبي المعالي
الشّيباني المكّي [4] .
سمع من عثمان بن الصّفي الطّبري، والسّراج الدّمنهوري، وغيرهما، وتفرّد
بالرواية عنهم بمكة، وكان خطيبا بجدّة.
توفي في ربيع الآخر وقد قارب الثمانين.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن علاء الدّين علي بن محمد بن علي بن عبد
الله الكناني العسقلاني الحنبلي، المعروف بالجندي [5] ، سبط أبي الحرم
القلانسي.
ولد سنة خمسين وسبعمائة، وأحضر على الميدومي، وسمع من الأتقوي،
والعرضي، وألبسه الميدومي خرقة التصوف، وحدّث باليسير في آخر عمره،
وأحب الرواية، وأكثروا عنه، وكان ذا سمت حسن، وديانة ونادرة حسنة،
ويتكلم في مسائل الفقه، وسمع منه ابن حجر جزءا من حديث أبي الشيخ
بسماعه على جدّه
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 154) و «الضوء اللامع» (3/ 248) و
«الطبقات السنية» (4/ 9) .
[2] لفظة «في» سقطت من «ط» .
[3] في «ط» و «طبقات السنية» : «يكتهل» وفي «إنباء الغمر» : «يكهل» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 155) و «الضوء اللامع» (5/ 21) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 155) و «الضوء اللامع» (5/ 34) و
«المقصد الأرشد» (2/ 47- 48) و «المنهج الأحمد» الورقة (481) من القسم
المخطوط، و «الجوهر المنضد» ص (76) و «السحب الوابلة» ص (259- 260) .
(9/184)
أبي الحرم القلانسي بسنده، وقرأ عليه أيضا
«سباعيات» مونسة خاتون بنت الملك العادل بسماعه على جدّه أيضا عنها
سماعا.
وتوفي في القاهرة في رجب.
وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن يوسف بن الحسن بن
محمود المدني الزّرندي [1]- بالزاي، والراء، والنون، نسبة إلى زرند بلد
بأصبهان- الحنفي.
ولد في ذي القعدة سنة ست وأربعين وسبعمائة بالمدينة النبوية، وسمع على
العزّ بن جماعة، والصّلاح العلائي، وأجاز له الزّبير الأسواني، وهو آخر
من حدّث عنه، وتفقه، وبرع في الفقه وغيره، وولي قضاء الحنفية بالمدينة
النبوية نحوا من ثلاث وثلاثين سنة مع حسبتها، وحمدت سيرته لعفّته
ودينه، ولم يزل بالمدينة إلى أن توفي بها في ربيع الأول.
وفيها الحافظ جمال الدّين أبو حامد محمد بن عبد الله بن ظهيرة بن أحمد
بن عبد الله بن عطية بن ظهيرة بن مرزوق بن محمد بن سليمان المخزومي
المكي الشافعي [2] .
ولد سنة خمسين وسبعمائة تقريبا، وعني بالحديث، فرحل فيه إلى دمشق،
وحماة، وحلب، والقدس، ومصر، وغيرها، وحصل الأجزاء، ونسخ، وكتب الكثير
بخطه الدقيق الحسن، وبرع في الفقه والحديث، وأخذ عن ابن أميلة، وصلاح
الدّين بن أبي عمر، وجمع من أصحاب التّقي سليمان، ومن بعدهم، وتفقه
بعمه أبي الفضل النّويري، وبالبهاء السّبكي، وبالأذرعي، والبلقيني،
ولزم العراقي في الحديث، وانتفع الناس به بمكة، وأشغلهم نحوا من أربعين
سنة، وخرّج له غرس الدّين خليل «معجما» عن شيوخه بالسماع والإجازة في
مجلدة، وشرح هو قطعة من «الحاوي» وله عدة ضوابط نظما ونثرا، وله أسئلة
تدل على باع
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 156) و «الضوء اللامع» (4/ 105) و
«التحفة اللطيفة» (2/ 518) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 157) و «الضوء اللامع» (8/ 83) و
«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 67) و «العقد الثمين» (2/ 53) .
(9/185)
واسع في العلم استدعى الجواب عنها من
البلقيني فأجابه عنها، وهي معروفة تلقّب بالأسئلة المكّية، وحدّث بكثير
من مروياته بالمسجد الحرام، وسمع منه ابن حجر، وقال: وهو أول شيخ سمعت
الحديث بقراءته بمصر في [1] سنة ست وثمانين، وولي قضاء مكة، وعزل،
وأعيد مرارا، وكان كثيرا العبادة والأوراد، مع السّمت الحسن والسّكون
والسّلامة.
وتوفي قاضيا بمكة في شهر رمضان.
وفيها مجد الدّين أبو الطّاهر محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن عمر
الفيروزآبادي. [2] اللّغوي الشافعي العلّامة.
قال السخاوي في «الضوء اللّامع» : ولد في ربيع سنة تسع وعشرين وسبعمائة
بكازرون، ونشأ بها، وحفظ القرآن وهو ابن سبع، وانتقل إلى شيراز، وهو
ابن ثمان، وأخذ الأدب واللغة عن والده وغيره من علماء شيراز، وانتقل
إلى العراق، فدخل واسط، وأخذ عن الشّرف عبد الله بن بكتاش، وهو قاضي
بغداد، ومدرّس النّظامية بها، وولي بها تداريس وتصادير، وكثرت فضائله،
وظهرت، وكثر الآخذون عنه، فكان ممن أخذ عنه الصّفدي، والفهّامة ابن
عقيل، والجمال الإسنوي، وابن هشام، ثم قدم القاهرة وأخذ عن علمائها،
ورجال في البلاد الشرقية والشامية، ودخل الرّوم والهند، ولقي جمعا من
الفضلاء، وحمل عنهم شيئا كثيرا تجمعهم [3] مشيخته تخريج الجمال بن موسى
المرّاكشي، وفيه أن مروياته [4] الكتب الستة، و «سنن البيهقي» و «مسند
أحمد» و «صحيح ابن حبّان» و «مصنّف ابن أبي شيبة» وغير ذلك من [5]
مشايخ عديدة، وجمّ غفير، ثم دخل زبيد في
__________
[1] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 159) و «الضوء اللامع» (10/ 79) و
«العقد الثمين» (2/ 392- 401) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/
79) و «البدر الطالع» (2/ 280) و «بغية الوعاة» ص (117) .
[3] في «ط» : «تجمعه» .
[4] في «ط» : «مرواياته» .
[5] في «ط» : «على» .
(9/186)
رمضان سنة ست وتسعين بعد وفاة قاضي الأقضية
باليمن كلّه الجمال الرّيمي شارح «التنبيه» فتلقاه الأشراف إسماعيل
وبالغ في إكرامه، وصرف له ألف دينار سوى ألف أخرى أمر صاحب عدن أن
يجهّزه بها، واستمر مقيما في كنفه على نشر العلم، وكثر الانتفاع به،
وأضيف إليه قضاء اليمن كلّه في ذي الحجّة سنة سبع وتسعين بعد ابن عجيل،
فارتفق بالمقام في تهامة، وقصده الطلبة، وقرأ السلطان فمن دونه عليه،
واستمرّ بزبيد مدة عشرين سنة، وهي بقية أيام الأشرف ثم ولده الناصر،
وكان الأشرف قد تزوّج ابنته لمزيد جمالها، ونال منه رفعة وبرّا بحيث
إنه صنّف كتابا وأهداه له على طباق فملأها له دراهم، وفي أثناء هذه
المدة قدم مكة مرارا، وجاور بالمدينة والطائف، وعمل بها مآثر حسنة،
وكان يجب الانتساب إلى مكة ويكتب بخطّه الملتجئ إلى حرم الله تعالى،
ولم يدخل بلدا إلّا وأكرمه متوليها وبالغ في تعظيمه، مثل شاه منصور ابن
شجاع صاحب تبريز، والأشرف صاحب مصر، والسلطان بايزيد خان بن عثمان
متولي الرّوم، وابن أويس صاحب بغداد، وتمرلنك، وغيرهم واقتنى كتبا
كثيرة، حتى نقل عنه أنه قال: اشتريت بخمسين ألف مثقال كتبا، وكان لا
يسافر إلّا وفي صحبته منها أحمال ويخرجها في كل منزل وينظر فيها، لكنه
كان كثير التبذير، وإذا أملق باع منها، وإذا أيسر اشترى غيرها، وصنّف
كتبا كثيرة، منها «بصائر ذوي التمييز في الطائف الكتاب العزيز» مجلدان،
و «تنوير المقباس في تفسير ابن عبّاس» أربع مجلدات، و «تيسير فاتحة
الإهاب بتفسير فاتحة الكتاب» مجلد كبير، و «الدرّ النّظيم المشير [1]
إلى فضائل [2] القرآن العظيم» و «حاصل كورة الخلاص في فضائل سورة
الإخلاص» و «شرح خطبة الكشّاف» و «شوارق الأسرار العليّة في شرح مشارق
الأنوار النّبوية» مجلدان، و «منح [3] الباري بالسّيل [4] الفسيح
الجاري في شرح صحيح البخاري» كمّل ربع
__________
[1] في «آ» و «ط» و «الضوء اللامع» و «المرشد» وما أثبته من «العقد
الثمين» .
[2] في «العقد الثمين» : «إلى مقاصد» .
[3] في «آ» و «ط» : «فتح» وهو خطأ والتصحيح من «العقد الثمين» و «كشف
الظنون» (2/ 1859) .
[4] كذا في «آ» و «ط» وفي «العقد الثمين» و «كشف الظنون» : «بالسيح»
والسّيح: الماء الجاري.
انظر «مختار الصحاح» (سيح) .
(9/187)
العبادات منه، في عشرين مجلدا، و «الإسعاد
بالإصعاد إلى درجة الاجتهاد» ثلاثة مجلدات، و «النّفخة العنبرية في
مولد خير البريّة» و «الصّلات والبشر في الصّلاة على خير البشر» و
«الوصل والمنى في فضل منى» و «المغانم المطابة في معالم طابة» [1] و
«مهيج [2] الغرام إلى البلد الحرام» و «إثارة الحجون [3] لزيارة
الحجون» عمله في ليلة، و «أحاسن اللطائف في محاسن الطائف» و «فصل
الدّرة من الخرزة في فضل السّلامة على الخبزة» و «روضة الناظر في ترجمة
الشيخ عبد القادر [4] » و «المرقاة الوفية في طبقات الحنفية» و «البلغة
في ترجمة أئمة النّحاة واللغة [5] » و «الفضل الوفي في العدل الأشرفي»
و «نزهة الأذهان في تاريخ أصبهان» مجلد، و «تعيين الغرفات للمعين على
عين عرفات» و «منية السّول في دعوات الرّسول» و «التجاريح في فوائد
متعلقة بأحاديث المصابيح» و «تسهيل طريق الوصول إلى» الأحاديث الزائدة
على جامع الأصول» و «الأحاديث الضعيفة» [6] و «الدّر الغالي في
الأحاديث العوالي» و «سفر السّعادة» و «المتفق وضعا المختلف صقعا» ، و
«اللّامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب» قدّر تمامه في مائة
مجلد يقرب كل مجلد منه «صحاح الجوهري» كمل منه خمس مجلدات، و «القاموس
المحيط» [7] و «القابوس الوسيط» و «مقصود ذوي الألباب في علم الإعراب»
مجلد، و «تحبير
__________
[1] حققه علّامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر حفظه الله، ونشرته
دار اليمامة في الرياض سنة (1389 هـ-)
[2] في «آ» و «ط» : «وتهييج» والتصحيح من «العقد الثمين» و «الضوء
اللامع» و «كشف الظنون» (2/ 1916) .
[3] في «آ» و «ط» : «وإثارة الشجون» والتصحيح من «العقد الثمين» و
«الضوء اللامع» والحجون:
الكسلان. انظر «القاموس المحيط» (حجن) .
[4] يعني الجيلاني.
[5] حققه الأستاذ محمد المصري نفع الله به ونشرته وزارة الثقافة بدمشق
سنة (1392 هـ-) ، ثم أعيد طبعه في الكويت سنة (1407) هـ- في جمعية
إحياء التراث الإسلامي.
[6] قال السخاوي في «الضوء اللامع» : وهو في مجلدات.
[7] نشر عدة مرات في مصر ولبنان وغيرها آخرها الطبعة الصادرة في مجلد
واحد كبير عن مؤسسة الرسالة ببيروت، وهي طبعة جيدة متقنة، جزى الله
تعالى ناشرها ومن قام عليها خير الجزاء. وانظر مقالة صديقنا الدكتور
يحيى مير علم التقيمية لهذه الطبعة في «المجلة المعجمية» التونسية،
العدد الرابع، ص (153- 177) لعام (1408) هـ فهي مفيدة.
(9/188)
الموشّين فيما يقال بالسين والشين» تتبع
[1] فيه أوهام «المجمل» لابن فارس في ألف موضع، و «المثلث الكبير» في
خمس مجلدات، و «الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف» [2] و «تحفة
القماعيل فيمن تسمى من الناس والملائكة بإسماعيل» و «أسماء السراح في
أسماء النكاح» و «الجليس الأنيس في أسماء الخندريس [3] » مجلد، و
«أنواء الغيث في أسماء اللّيث» [4] و «ترقيق الأسل في تصفيق [5] العسل»
كرّاسين، و «زاد المعاد في وزن بانت سعاد [6] » وشرحه في مجلد، و
«النّخب الظرائف في النّكت الشّرائف» وغير ذلك من مختصر ومطول.
وقال الخزرجي في «تاريخ اليمن» : إنه لم يزل في ازدياد من علو الجاه،
والمكان، ونفوذ الشّفاعات والأوامر على القضاة في الأمصار، ورام في عام
تسع وتسعين الوصول إلى مكة شرّفها الله تعالى، فكتب إلى السلطان ما
مثاله ومما ينهيه إلى المعلوم الشريف: ضعف العبد، ورقّة جسمه، ودقّة
بنيته، وعلو سنّه، وآل أمره إلى أن صار كالمسافر الذي تحزّم وانتقل إذ
وهن العظم، والرأس اشتعل، وتضعضع السنّ، وتقعقع الشنّ، فما هو إلا عظام
في جراب، وبنيان قد أشرف على الخراب، وقد ناهز العشر التي تسميها العرب
دقّاقة الرّقاب، وقد مرّ على المسامع الشريفة غير مرّة في «صحيح
البخاري» ، في [7] قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذا بلغ المرء
ستّين سنة فقد أعذر الله إليه» [8] فكيف من نيّف على السبعين وأشرف على
الثمانين، ولا
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وتبع» والتصحيح من «الضوء اللامع» مصدر المؤلف.
[2] أسقط المؤلف ابن العماد اسمي كتابين من كتب الفيروزآبادي أثناء
نقله عن «الضوء اللامع» هما:
«الدّرر المثبتة في الغرر المثلثة» و «بلاغ المتقين في غرائب اللعين»
وفي «العقد الثمين» سمّاه:
«بلاغ التلغين في غرائب الملغين» .
[3] الخندريس: الخمر القديمة (يونانية) . انظر «المنجد في اللغة» (خند)
.
[4] أسقط المؤلف ابن العماد اسم مؤلّف ابن العماد اسم مؤلّف آخر بعده
أثناء نقله عن «الضوء اللامع» هو «أسماء الحمد» .
[5] في «آ» و «ط» : «في تضعيف» والتصحيح من «الضوء اللامع» وانظر «كشف
الظنون» (1/ 401) .
[6] وقبله في «الضوء اللامع» من مؤلّفاته: «مزاد المزاد» .
[7] في «ط» : «من» .
[8] رواه البخاري في «صحيحه» رقم (6056) في الرقاق: باب من بلغ ستين
سنة، فقد أعذر الله إليه
(9/189)
يجمل بالمؤمن أن يمضي عليه أربع سنين ولا
يتجدد له شوق إلى ربّ العالمين وزيارة سيّد المرسلين [1] وقد ثبت في
الحديث النبوي ذلك [2] والعبد له ست سنين عن تلك المسالك، وقد غلب عليه
الشوق حتّى فاق عمرو بن طوق، ومن أقصى أمنيته أن يجدّد العهد بتلك
المعاهد، ويفوز مرة أخرى تلك المشاهد، وسؤاله من المراحم العلية
الصّدقة عليه بتجهيزه في هذا العام قبل اشتداد الحرّ وغلبة الأوام، فإن
الفصل أطيب، والرّيح أزيب، وأيضا كان من عادة الخلفاء سلفا وخلفا أنهم
كانوا يبردون البريد لتبليغ سلامهم لحضرة [3] سيّد المرسلين صلوات الله
وسلامه عليه، فاجعلني- جعلني الله فداك- ذلك البريد، فلا أتمنى شيئا
سواه ولا أريد:
شوقي إلى الكعبة الغرّاء قد زادا ... فاستحمل القلص الوخّادة الزّادا
واستأذن الملك المنعام زيد على ... واستودع الله أصحابا وأولادا
فلما وصل كتابه إلى السلطان كتب على طرّته ما مثاله: إن هذا الشيء ما
ينطق به لساني ولا يجري به قلمي، فقد كانت بلاد [4] اليمن عمياء،
فاستنارت، فكيف يمكن أن نتقدم وأنت أعلم أن الله قد أحيا بك ما كان
ميّتا من العلم، فبالله عليك إلا ما وهبتنا بقية هذا العمر، والله يا
مجد الدّين يمينا بارّة إني أرى فراق الدنيا ونعيمها ولا فراقك، أنت
اليمن وأهله.
__________
في العمر، بلفظ «أعذر الله إلى امرئ أخّر أجله حتى بلّغه ستين سنة» من
حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[1] أقول: الأولى أن يقال: وزيارة مسجد سيد المرسلين (ع) .
[2] ذكره عبد الرزاق في «مصنفه» رقم (8826) في باب فضل الحج بلفظ
«أربعة أعوام» وهو حديث قدسي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه،
وقد رواه ابن حبّان في «صحيحه» رقم (3703) في الحج، باب فضل الحج
والعمرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: قال الله تعالى: «إن عبدا صححت له جسمه، ووسعت عليه في
المعيشة، يمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليّ المحروم» وهو حديث صحيح،
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/ 206) وقال: رواه أبو يعلى
والطبراني في «الأوسط» ورجاله رجال الصحيح.
[3] في «ط» : «إلى حضرة» .
[4] لفظة «بلاد» سقطت من «آ» .
(9/190)
وقال الفاسي [1] : وله شعر كثير، ونثر أعلى
[2] ، وكان كثير الاستحضار لمستحسنات [من] الشعر والحكايات، وله خطّ
جيّد مع السرعة. وكان كثير [3] الحفظ، حتى قال: ما كنت أنام حتّى أحفظ
مائتي سطر. وكانت له دار بمكّة على الصّفا عملها مدرسة للأشرف صاحب
اليمن، وقرّر بها مدرسين وطلبة، وفعل بالمدينة كذلك، وله بمنى دور،
وبالطائف بستان، وقد سارت الرّكبان بتصانيفه، سيما «القاموس» فإنه أعطي
قبولا كثيرا.
قال الأديب المفلق نور الدّين علي بن محمد العفيف المكّي الشافعي [4]
لما قرأ عليه «القاموس» :
مذ مدّ مجد الدّين في أيامه ... من فيض بحر علومه القاموسا
ذهبت صحاح الجوهريّ كأنّها ... سحر المدائن حين ألقى موسى
ومن شعره هو:
أحبّتنا الأماجد إن رحلتم ... ولم ترعوا لنا عهدا وإلّا
نودّعكم ونودعكم قلوبا ... لعلّ الله يجمعنا وإلّا
وقال المقري في كتاب «زهر الرّياض» [5] في أخبار عياض» : قلت: ومن أغرب
ما منح الله به المجد مؤلّف «القاموس» أنه قرأ بدمشق بين باب النصر
والفرج تجاه نعل النّبي [6] صلى الله عليه وسلم على ناصر الدّين أبي
عبد الله محمد بن جهبل «صحيح مسلم» في ثلاثة أيام، وتبجّج بذلك فقال:
__________
[1] انظر «العقد الثمين» (2/ 397- 400) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف
واختصار.
[2] جملة «ونثر أعلى» لم ترد في «العقد الثمين» الذي بين يدي ولفظة
«من» التي بين الحاصرتين مستدركة منه.
[3] في «العقد الثمين» : «وكان سريع» .
[4] في «ط» : «نور الدّين بن العفيف المكّي الشافعي» وما جاء في «آ» هو
الصواب، وهو مترجم في «الضوء اللامع» (5/ 279) و «السحب الوابلة» ص
(303- 304) .
[5] كذا في «آ» و «ط» : «زهر الرياض» وهو خطأ والصواب: «أزهار الرياض»
. انظر «كشف الظنون» (1/ 72) .
[6] أقول: نعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليس بدمشق، ولا أثره،
والتبرّك بذلك المكان خلاف السّنّة (ع) .
(9/191)
قرأت بحمد الله جامع مسلم ... بجوف دمشق
الشّام جوف الإسلام
على ناصر الدّين الإمام بن جهبل ... بحضرة حفّاظ مشاهير أعلام
وتمّ بتوفيق الإله وفضله ... قراءة ضبط في ثلاثة أيام
فسبحان المانح الذي يؤتي فضله من يشاء، وكان يرجو وفاته بمكّة فما قدّر
له ذلك، بل توفي بزبيد ليلة العشري من شوال، وهو متمتّع بحواسه، وقد
ناهز التسعين.
وفيها- أو في التي قبلها، وبه جزم في المنهل الصّافي- صدر الدّين أبو
الحسن علي بن محمد قاضي القضاة الدمشقي الحنفي، المعروف بابن الأدمي
[1] .
ولد بدمشق سنة سبع وستين وسبعمائة، ونشأ بها، وحفظ القرآن الكريم، وطلب
العلم، حتّى تفقه وبرع، وشارك في عدة فنون، ومهر في الأدب، وقال الشعر
الفائق الرائق، وولي كتابة سرّ دمشق، ثم عزل، وولي قضاءها، وكان خصيصا
بالأمير شيخ المحمودي نائب دمشق، وامتحن من أجله، فلما تسلطن شيخ
المذكور عرف له ذلك، وولّاه قضاء قضاة الحنفية بالدّيار المصرية فلم
تطل مدته، بل باشر أقل من سنة.
ومن شعره:
يا متّهمي بالسّقم كن مسعفي ... ولا تطل رفضي فإني عليل
أنت خليلي فبحقّ الهوى [2] ... كن لشجوني راحما يا خليل
ومنه:
قد نمّق العاذل يا منيتي ... كلامه بالزّور عند الملام
__________
[1] ترجمته في «المنهل الصافي» (1/ 481) و «النجوم الزاهرة» (14/ 143)
و «الضوء اللامع» (6/ 8- 9) .
[2] أقول: لا يحلف بحق الهوى ولا بغيره، بل بالله تعالى فقط. (ع) .
(9/192)
وما درى جهلا بأنّي فتى ... لم يرع سمعي
عاجلا فيك لام
ومنه قصيدته الرائية المشهورة [1] التي مطلعها [1] :
عدمت غداة البين قلبي وناظري ... فيا مقلتي حاكي السّحاب وناظري
وتوفي ليلة السبت ثامن شهر رمضان.
__________
[1، 1] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .
(9/193)
سنة ثمان عشرة
وثمانمائة
فيها كان بمصر طاعون وغلاء عظيمان.
وفي أولها كانت كائنة الشيخ سليم- بفتح السين- وذلك أنه كان بالجيزة
بالجانب الغربي من النّيل كنيسة للنصاري، فقيل إنهم جدّدوا فيها شيئا
كثيرا، فتوجه الشيخ سليم من الجامع الأزهر ومعه جماعة فهدموها، فاستعان
النصارى بأهل الدّيوان من القبط، فسعوا عند السلطان بأن هذا الشيخ
افتأت على المملكة وفعل ما أراد بيده بغير حكم حاكم، فاستدعى بالمذكور
فأهين، فاشتدّ ألم المسلمين لذلك، ثم توصّل النصارى ببعض قضاة السوء
إلى أن أذن لهم في إعادة ما تهدّم، فجر ذلك إلى أن شيّدوا ما شاءوا
بعلّة إعادة المنهدم [1] الأول، فلله الأمر [2] .
وفيها كانت كائنة شمس الدّين ابن عطاء الله الرّازي، المعروف بالهروي
[3] الذي شاع عنه أنه يحفظ اثني عشر ألف حديث، وأنه يحفظ «صحيح مسلم»
بأسانيده، ويحفظ متون البخاري، فجرت مناظرة بينه وبين ابن حجر بحضرة
الملك المؤيد، وظهر زيفه [4] ومن جملتها أنه سأله أن يزيد على السبعة
الذين يظلهم الله في ظله، فعجز فزاد ابن حجر سبعة أخرى بأحاديث حسان،
وأربعة عشر بأحاديث ضعاف، وذكر ذلك في «إنباء الغمر» [5] فراجعه.
__________
[1] في «ط» : «المتهدم» .
[2] انظر الخبر في «إنباء الغمر» (7/ 191- 192) .
[3] سترد ترجمته في وفيات سنة (829 هـ-) .
[4] في «آ» : «زيغه» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (7/ 171) .
(9/194)
قلت: أوصلهم بعضهم إلى تسع وثمانين، وممن
أوصلهم إلى هذا المقدار العلّامة ابن علّان المكّي المدرك في كتابه
«شرح رياض الصالحين» [1] للنووي.
وفيها توفي أيوب بن سعد بن علوي الحسباني الشّاغوري الدمشقي الشافعي
[2] .
ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وحفظ «التنبيه» وعرض على ابن جملة [3]
وطبقته، وأخذ عن العماد الحسباني وذويه، ثم فتر عن الطلب، واعتذر بأنه
لم يحصل له نيّة خالصة، وكان ذا أوراد، من تلاوة، وقيام، وقناعة،
واقتصاد في الحال، وفراغ عن الرئاسة مع سلامة الباطن.
توفي في صفر.
وفيها خلف بن أبي بكر النّحريري المالكي [4] . أخذ عن الشيخ خليل في
شرح ابن الحاجب، وبرع في الفقه، وناب في الحكم، وأفتى ودرّس، ثم توجه
إلى المدينة المنورة، فجاور بها معتنيا بالتدريس، والإفادة، والانجماع،
والعبادة، إلى أن مات بها في صفر عن ستين سنة.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن أبي عبد الله الدّمشقي الفرخاوي [5]-
نسبة إلى فرخا، بفاء وخاء معجمة مفتوحتين، بينهما راء ساكنة، قرية من
عمل نابلس-، قال ابن حجر: عني بالفقه، والعربية، والحديث، ودرّس وأفاد،
وكان قد أخذ عن العنّابي، فمهر في النحو، وكان يعتني ب «صحيح مسلم»
ويكتب منه نسخا، وقد سمع من جماعة من شيوخنا بدمشق.
ومات في عمل الرّملة.
__________
[1] قلت: واسم كتابه «دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين» وهو مطبوع
متداول.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 195) و «الضوء اللامع» (2/ 331) .
[3] تقدمت ترجمته في المجلد الثامن ص (347) ضمن وفيات سنة (764) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 196) و «التحفة اللطيفة» (2/ 19) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 199) و «الضوء اللامع» (5/ 69) .
(9/195)
وفيها موفق الدّين علي بن أحمد بن علي بن
سالم الزّبيدي الشافعي [1] .
أصله من مكّة. ولد بها سنة سبع وأربعين وسبعمائة، وعني بالعلم، فبرع في
الفقه والعربية، ورحل إلى مصر والشام، وأخذ عن جماعة، ثم رجع إلى مكّة،
وتحوّل إلى زبيد فمات بها في ذي القعدة.
وفيها أبو الحسن علاء الدّين بن محمد بن العفيف النّابلسي الحنبلي [2]
.
ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وولي قضاء نابلس.
قال العليمي في «طبقاته» : كان من أئمة الحديث، وهو من مشايخ شيخنا شيخ
الإسلام [3] تقي الدّين [3] القرقشندي.
وتوفي بنابلس. انتهى.
وفيها عزّ الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن جمعة بن مسلم الدمشقي الحنفي
الصّالحي، المعروف بابن خضر [4] .
ولد سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، واشتغل، ومهر، وأذن له في الإفتاء،
وناب في الحكم، وصار المنظور إليه في أهل مذهبه بالشام.
وتوفي في شوال.
وفيها شمس الدّين محمد بن جلال بن أحمد بن يوسف التركماني الأصل
التّبّاني- بالمثناة الفوقية وتشديد الموحدة نسبة إلى بيع التبن-
الحنفي [5] .
ولد في حدود السبعين وسبعمائة، وأخذ عن أبيه وغيره، ومهر في العربية
والمعانيّ، وأفاد ودرّس، ثم اتصل بالملك المؤيد، وهو حينئذ نائب الشام،
فقرّره
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 200) و «الضوء اللامع» (5/ 183) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» و «المنهج الأحمد» الورقة (481) من القسم
المخطوط منه.
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 201) و «الضوء اللامع» (7/ 60- 61) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 201) و «الضوء اللامع» (7/ 213) و
«الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 568) .
(9/196)
في نظر الجامع الأموي وفي عدة وظائف، وباشر
مباشرة غير مرضية، ثم ظفر به النّاصر فأهانه وصادره، فباع ثيابه
واستعطى باليد [1] وأحضره [2] إلى القاهرة، ثم أفرج عنه، فلما قدم
المؤيد القاهرة عظم قدره، ونزل له القاضي جلال الدّين البلقيني عن درس
التفسير بالجمالية، واستقرّ في قضاء العسكر، ثم رحل مع السلطان في
سفرته إلى نوروز، فاستقرّ قاضي الحنفية بالشام فباشره مباشرة لا بأس
بها، ولم يكن يتعاطى شيئا من الأحكام بنفسه بل له نوّاب يفصلون القضايا
بالنّوبة على بابه.
وتوفي بدمشق في تاسع عشري رمضان.
وفيها نجم بن عبد الله القابوني [3] أحد الفقراء الصّالحين.
انقطع بالقابون ظاهر دمشق مدة، وكان صحب جماعة من الصالحين، وكان ذا
اجتهاد وعبادة، وتحكى عنه كرامة، وللناس فيه اعتقاد.
وتوفي في صفر.
__________
[1] في «ط» : «بالسيد» وهو خطأ.
[2] في «ط» : «فأحضره» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 203) و «الضوء اللامع» (10/ 197) .
(9/197)
سنة تسع عشرة
وثمانمائة
استهلت والغلاء والطّاعون باقيين زائدين بمصر وطرابلس، حتى قيل مات
بطرابلس في عشرة أيام عشرة آلاف نفس، وتواتر انتشار الطّاعون في
البلاد، حتّى قيل إن أهل أصبهان لم يبق منهم إلّا النّادر، وأن أهل فاس
أحصوا من مات منهم في شهر واحد فكانوا ستة وثلاثين ألفا، حتى كادت
البلدان تخلو من أهلها [1] .
وفيها أمر السلطان الخطباء إذا وصلوا إلى الدّعاء له في الخطبة أن
يهبطوا من المنبر درجة أدبا ليكون اسم الله ورسوله في مكان أعلى من
المكان الذي يذكر فيه السلطان، فصنع ذلك واستمرّ.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن قاضي المالكية بمكّة تقي الدّين
علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن السيد الشريف الحسني الفاسي [2]
محتدا المكي مولدا ومنشأ ووفاة، المالكي مذهبا، والد الحافظ المؤرخ تقي
الدّين الفاسي.
قال ولده المذكور في «تاريخه» : ولد والدي في الثاني والعشرين من ربيع
الأول سنة أربع وخمسين وسبعمائة بمكّة، وسمع بها على قاضيها شهاب
الدّين الطّبري تساعيّات جدّه الرّضي الطّبري، وتفرّد بها عنه، وعلى
الشيخ خليل المالكي «صحيح مسلم» خلا المجلد الرابع من تجزئة أربعة،
وسمعه بكماله على
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 206) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 229) و «الضوء اللامع» (2/ 35) و
«العقد الثمين» (3/ 109) و «نيل الابتهاج» ص (76) على هامش «الدّيباج
المذهب» .
(9/198)
الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعي، وعلى
القاضي عزّ الدّين بن جماعة «الأربعين التساعية» له، ومنسكه الكبير،
وغير ذلك، وعلى القاضي موفق الدّين الحنبلي قاضي الحنابلة بمصر، وسمع
بالقاهرة من قاضيها أبي البقاء السّبكي «صحيح البخاري» ومن غيره، وسمع
بحلب، وأجاز له جماعة من أصحاب ابن البخاري وطبقته وغيرهم، وحفظ كتبا
علمية في صغره، واشتغل في الفقه، والمعاني، والبيان، والعربية، والأدب،
وغير ذلك، وكان ذا فضل ومعرفة تامّة بالأحكام والوثائق، وله نظم كثير
ونثر، ويقع له في ذلك أشياء حسنة، إلى أن قال: وتوفي بأثر صلاة الصبح
من يوم الجمعة الحادي والعشرين من شوال بمكّة ودفن بالمعلاة.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن نشوان بن محمد بن نشوان
بن محمد بن أحمد الحوراني [1] ثم الدمشقي الشافعي [2] .
ولد سنة سبع وخمسين وسبعمائة، وقدم دمشق من بلده، وقرأ القرآن، ثم أقرأ
ولدي الشيخ شهاب الدّين الزّهري، واشتغل في العلم معهما وبسببهما على
الشيخ شهاب الدّين ولازمه كثيرا، وحضر عند مشايخ العصر، إلى أن تنبّه،
وفضل، ومهر، واشتهر بالفضل، وناب في الحكم بدمشق، وأفتى ودرّس، ولازم
الجامع للاشغال [3] ، وانتفع به الطلبة، وقصد بالفتاوى، وكان يكتب
عليها كتابة حسنة، ودرّس في آخر عمره بالعذراوية، وكان عاقلا، ذكيا،
يتكلم في العلم بتؤدة وسكون، وعنده إنصاف، وله محاضرة حسنة، ونظم رائق،
منه قوله:
وا خجلتي وفضيحتي في موقف ... صعب المسالك والخلائق تعرض
وتوقّعي لمهدّد لي قائل ... أصحيفة سودا وشعرك أبيض
__________
[1] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» :
«الحوراني» ، وفي «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة و «الدارس في تاريخ
المدارس» : «الحوّاري» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 230) و «الضوء اللامع» (2/ 210) و
«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 18- 19) و «الدارس في تاريخ
المدارس» (1/ 320) .
[3] في «آ» : «للاشتغال» .
(9/199)
وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة، ووهم
من أرخه سنة تسع [1] .
وفيها ظهيرة بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة القرشي المخزومي
المكّي [2] .
ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وسمع بمكّة من العزّ بن جماعة وغيره،
وأجاز له من شيوخ مصر الجزائري، وأبو الحرم القابسي، وجماعة، وروى عن
القلانسي «جزء الغطريف» بسماعه له من ابن خطيب المزّة، وأخذ عنه حافظ
العصر ابن حجر «جزء الغطريف» لغرابة اسمه.
وتوفي بمكّة ليلة الخميس العاشر من صفر [3] .
وفيها عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن حمزة
المقدسي الحنبلي [4] .
قال ابن حجر: من بيت كبير، ولد في ذي الحجّة سنة إحدى وأربعين
وسبعمائة، وسمع من عبد الرحمن بن إبراهيم بن علي بن بقاء الملقّن،
وأحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي وغيرهما، وحدّث، ومات بالصّالحية.
انتهى.
وفيها زين الدّين أبو هريرة عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد الواحد
بن يوسف بن عبد الرحيم الدّكّالي [5] بفتح الدال المهملة، والكاف
المشددة، وباللام نسبة إلى دكّالة بلد بالمغرب [6]- ثم المصري الشافعي
ابن النقّاش.
قال ابن حجر: ولد في [7] رابع عشر ذي الحجّة سنة سبع وأربعين وسبعمائة
__________
[1] يعني سنة (809) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 231) و «العقد الثمين» (5/ 77- 78) و
«الضوء اللامع» (4/ 15) .
[3] في «ط» : «عاشر صفر» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 232) و «الضوء اللامع» (4/ 82) و
«السحب الوابلة» ص (205) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 232) و «الضوء اللامع» (4/ 140) و
«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 31- 32) .
[6] انظر «معجم البلدان» (2/ 459) .
[7] لفظة «في» سقطت من «ط» .
(9/200)
بالقاهرة، واشتغل بالعلم، ودرّس بعد وفاة
أبيه وله بضع عشرة سنة، وسمع من محمد بن إسماعيل الأيوبي، والقلانسي
وغيرهما، واشتهر بصدق اللهجة، وجودة الرأي، وحسن التذكير، والأمر
بالمعروف، مع الصّرامة والصّدع بالوعظ في خطبه وقصصه، وصارت له وجاهة
عند الخاصة والعامة، وانتزع خطابة جامع ابن طولون من ابن بهاء الدّين
السّبكي، فاستمرت بيده، وكان مقتصدا في ملبسه مفضالا على المساكين،
كثير الإقامة في منزله مقبلا على شأنه، عارفا بأمر دينه ودنياه، يتكسب
من الزراعة وغيرها، ويبرّ أصحابه مع المحبة التّامة في الحديث وأهله،
وله حكايات مع أهل الظّلم، وامتحن مرارا، ولكن ينجو سريعا بعون الله،
وقد حجّ مرارا وجاور، وكانت بيننا مودة تامة.
مات ليلة الحادي عشر من ذي الحجّة ودفن عند باب القرافة، وكان الجمع في
جنازته حافلا جدا، فرحمه الله تعالى. انتهى.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن يوسف الكردي الدمشقي الشافعي [1] .
حفظ «التنبيه» في صباه، وقرأ على الشّرف بن الشّريشي، ثم تعانى عمل
المواعيد فنفق سوقه فيها، واستمر على ذلك أكثر من أربعين سنة، وصار على
ذهنه من التفسير والحديث وأسماء الرجال شيء كثير، وكان رائجا عند
العامة مع الدّيانة وكثرة التّلاوة، وكان ولي قضاء بعلبك، ثم طرابلس،
ثم ترك واقتصر على عمل المواعيد بدمشق، وقدم مصر وجرت له محنة مع
القاضي جلال الدّين البلقيني، ثم رضي عنه وألبسة ثوبا من ملابسه،
واعتذر إليه ورجع إلى بلده، وكان يعاب بأنه قليل البضاعة في الفقه، ومع
ذلك لا يسأل عن شيء إلّا بادر بالجواب، ولم يزل بينه وبين الفقهاء
منافرات.
قال ابن حجر: ويقال: إنه يرى حلّ المتعة على طريقة ابن القيم وذويه.
ومات مطعونا في ربيع الآخر وهو في عشر السبعين.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 233) و «الضوء اللامع» (4/ 110) .
(9/201)
وفيها أمين الدّين عبد الوهاب بن محمد بن
أحمد بن أبي بكر الحنفي الطّرابلسي [1] .
نزيل القاهرة القاضي ابن القاضي.
ولد سنة أربع وسبعين وسبعمائة، واشتغل في حياة أبيه، وولي القضاء
استقلالا بعد موت الملطي فباشره بعفّة ومهابة، وكان مشكور السيرة إلا
أنه كان كثير التعصب لمذهبه مع إظهار محبته [2] للآثار عار من أكثر
الفنون إلّا استحضار شيء يسير من الفقه.
توفي بالطّاعون في خامس عشري ربيع الأول.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن عيسى الفهري البسطي [3] .
اشتغل ببلاده، ثم حجّ، ودخل الشام، ونزل بحلب على قاضيها الجمال
النّحريري، واقرأ بحلب «التسهيل» وعمل المواعيد، وكان يذكر في المجلس
بنحو سبعمائة سطر يرتّبها أولا ثم يلقيها ويطرّزها بفوائد ومجانسات، ثم
رحل إلى الرّوم، وعظم قدره ببرصا [4] ، وكان فاضلا ذكيا أديبا يعمل
المواعيد بالجامع، ثم دخل الرّوم فسكنها، وحصل له ثروة، ثم دخل القرم،
وكثر ماله، واستمر هناك إلى أن مات.
وفيها شمس الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة بن
محمد بن ناصر الحسيني الدمشقي [5] الشافعي المحدّث الشهير.
مات أبوه سنة خمس وستين وسبعمائة وهو صغير، فحفظ القرآن و «التنبيه» ،
وقرأ على ابن السلّار، وابن اللّبان، ومهر في ذلك، حتّى صار شيخ
الإقراء بالقرمية، وكتب الخطّ المنسوب، وجلس مع الشهود مدة، ووقّع،
وكان عين البلد
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 235) و «الضوء اللامع» (5/ 106) .
[2] في «آ» : «محبة» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 236) و «الضوء اللامع» (5/ 273) .
[4] التي تعرف الآن ب (بورصة) وهي في الشمال الغربي لتركيا المعاصرة.
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 237) و «الضوء اللامع» (5/ 32) .
(9/202)
في ذلك، وكان مشكورا في ذلك، وولي نقابة
الأشراف مدة يسيرة، وولي نظر الأوصياء أيضا، ومات في شوال.
وفيها جلال الدّين غانم بن محمد بن محمد بن يحيى بن سالم الخشبي-
بمعجمتين مفتوحتين ثم موحدة- المدني الحنفي [1] .
ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وسمع من ابن أميلة وغيره بدمشق، وسمع
منه ابن حجر، وكان نبيها في العلم، ثم خمل، وانقطع بالقاهرة، وتوفي
بالطّاعون.
وفيها محمد بن أحمد بن أبي البيريّ ابن الحدّاد الشافعي [2] . أخذ عن
أبي جعفر، وأبي عبد الله الأندلسيّين، وتمهّر في العربية، وحفظ
«المنهاج» وكان يستحضر أشياء حسنة، وحدّث عن شرف الدّين ابن قاضي الجبل
وغيره، وتوفي بالبيرة [3] .
وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التّونسي المالكي
المعروف بالوانّوغيّ [4]- بتشديد النون المضمومة، وسكون الواو، بعدها
معجمة-.
قال السيوطي: ولد بتونس سنة تسع وخمسين وسبعمائة، ونشأ بها، وسمع من
مسندها أبي الحسن بن أبي العبّاس البواني خاتمة أصحاب ابن الزّبير
بالإجازة، وسمع أيضا من ابن عرفة، وأخذ عنه الفقه، والتفسير، والأصلين،
والمنطق، وعن الولي بن خلدون الحساب، والهندسة، والأصلين، والمنطق،
والنحو عن أبي العبّاس البصّار، وكان شديد الذكاء، سريع الفهم، حسن
الأداء للتدريس والفتوى، وإذا رأى شيئا وعاه وقرّره وإن لم يعتن به،
وله تآليف على
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 238) و «الضوء اللامع» (6/ 159) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 238) و «الضوء اللامع» (7/ 197) .
[3] في «ط» : «في البيرة» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 239) و «الضوء اللامع» (7/ 3) و
«العقد الثمين» (1/ 308) و «بغية الوعاة» (1/ 31- 32) .
(9/203)
قاعدة ابن عبد السّلام، وعشرون سؤالا في
فنون من العلم تشهد بفضله بعث بها إلى القاضي جلال الدّين البلقيني،
وقد وقفت على الأسئلة وجوابها ولم أقف على الردّ، وكان يعاب عليه إطلاق
لسانه في العلماء ومراعاة السائلين في الإفتاء، وأجاز لغير واحد من
شيوخنا المكيين [1] .
ومات بمكة المشرّفة سحر يوم الجمعة تاشع عشري [2] ربيع الآخر.
وفيها محمد بن أيوب بن سعيد بن علوي الحسباني الأصل الدمشقي الشافعي
[3] .
ولد سنة بضع وسبعين وسبعمائة، واشتغل، وحفظ «المنهاج الفقهي» و
«المحرّر» لابن عبد الهادي، وغيرهما، وأخذ عن الزّهري، والشّريشي،
والصّرخدي، وغيرهم، ولازم الملكاوي، ومهر في الفقه والحديث، وجلس
للاشتغال [4] بالجامع والنّفع إلى الطلبة، وكان قليل الغيبة والحسد، بل
حلف أنه ما حسد أحدا.
توفي مطعونا في ربيع الآخر.
وفيها عزّ الدّين محمد بن شرف الدّين أبي بكر بن عزّ الدّين عبد العزيز
بن بدر الدّين محمد بن برهان الدّين إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة
الشافعي [5] .
ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة بمدينة ينبع.
قال السيوطي في ترجمته العلّامة المفنّن، المتكلّم الجدلي النّظّار
النّحوي
__________
[1] في «ط» : «المكين» وهو خطأ.
[2] في «بغية الوعاة» : «تاسع عشر» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 240) و «الضوء اللامع» (7/ 148) .
[4] كذا في «ط» و «إنباء الغمر» : «للاشتغال» وفي «آ» : «للاشتغال» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 240) و «الضوء اللامع» (7/ 171- 174)
و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 60) و «بغية الوعاة» (1/ 63-
66) .
(9/204)
اللّغوي البياني الخلافي، أستاذ الزّمان،
وفخر الأوان، الجامع لأشتات جميع العلوم.
وقال ابن حجر: سمع من القلانسي، والعرضي، وغيرهما، وحفظ القرآن في شهر
واحد كل يوم حزبين، واشتغل بالعلوم على كبر، وأخذ عن السّراج الهندي،
والضّياء القرمي، والمحبّ ناظر الجيش، والرّكن القرمي، والعلاء
السّيرامي، وجار الله، والخطابي، وابن خلدون، والحلاوي، والتاج السّبكي
وأخيه البهاء، والسراج البلقيني، والعلاء بن صفير الطبيب، وغيرهم،
وأتقن العلوم، وصار بحيث يقضى له في كل فنّ بالجميع، حتى صار المشار
إليه بالدّيار المصرية في الفنون العقلية، والمفاخر به علماء العجم في
كل فنّ، والمعوّل عليه، وأقرأ، وتخرّج به طبقات من الخلق، وكان أعجوبة
زمانه في التقرير، وليس له في التأليف حظ، مع كثرة مؤلفاته حتى التي
[1] جاوزت الألف، فإن له على كل كتاب أقرأه التأليف والتأليفين
والثلاثة وأكثر، ما بين شرح مطول ومتوسط ومختصر، وحواش ونكت، إلى غير
ذلك، وكان قد سمع الحديث على جدّه، والبايني، والقلانسي، وغيرهم، وأجاز
له أهل عصره مصرا وشاما، وكان ينظم شعرا عجيبا غالبه بلا وزن، وكان
منجمعا عن بني الدّنيا، تاركا للتعرض للمناسب، بارّا بأصحابه، مبالغا
في إكرامهم، يأتي مواضع النّزه، ويحضر حلق المنافقين [2] وغيرهم، ويمشي
بين العوام، ولم يحجّ، ولم يتزوج، وكان لا يحدّث إلّا متوضئا ولا يترك
أحدا يستغيب عنده مع محبته المزاح والمفاكهة واستحسان النادرة، وكان
يعرف علوما عديدة، منها الفقه، والتفسير، والحديث، والأصلين [3] ،
والجدل، والخلاف، والنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والبديع،
والمنطق، والهيئة، والحكمة، والزّيج، والطبّ، والفروسية، والرّمح،
والنّشاب، والدّبوس، والثقاف، والرّمل، وصناعة النفط، والكيمياء، وفنون
أخر.
وعنه أنه قال: أعرف ثلاثين علما لا يعرف أهل عصري أسماءها.
__________
[1] في «ط» : «حتى» .
[2] تصفحت في «ط» إلى «المنافقين» .
[3] في «ط» : «والأصلان» .
(9/205)
وقال في رسالته «ضوء الشمس» : سبب ما فتح
به عليّ من العلوم منام رأيته.
وقال السيوطي: وقد علّقت أسماء مصنّفاته في نحو كرّاسين، ومن عيونها في
الأصول «شرح جمع الجوامع مع [1] نكت عليه» و «ثلاث نكت على مختصر ابن
الحاجب» و «حاشية على شرح البيضاوي للإسنوي» و «حاشية على المغني» و
«ثلاثة شروح على القواعد الكبرى» و «ثلاث نكت عليها» و «ثلاث شروح على
القواعد الصّغرى» و «ثلاث نكت عليها» و «إعانة الإنسان على أحكام
اللّسان» و «حاشية على الألفية» و «حاشية على شرح الشافية للجار بردي»
وغير ذلك.
وأخذ عنه جمع، منهم: الكمال بن الهمام، وابن قزيل، والمشس القاياتي،
والمحبّ بن الأقصرائي، وابن حجر، وقال: لازمته من سنة تسعين [2] إلى أن
مات، وكنت لا أسميه في غيبته إلّا إمام الأئمة، وقد أقبل في الأخير على
النظر في كتب الحديث، وكان ينهى أصحابه عن دخول الحمّام أيّام
الطّاعون، فقدّر أن الطّاعون ارتفع أو كاد، فدخل هو الحمّام وخرج فطعن
عن قرب، ومات.
وقال العلّامة البقاعي: حدّثني الشيخ محبّ الدّين الأقصرائي- وكان ممن
لازم الشيخ عزّ الدّين- أنه رأى رجلا تكروريا اسمه الشيخ عثمان ما غفا-
بالغين المعجمة والفاء- وردّ إلى القاهرة، وله عشرة بنين، رجال أتى بهم
إلى الشيخ عزّ الدّين للاستفادة، فقرأ عليه كتابا، فكان إذا قرّر له
مسألة ففهمها [3] وقف ودار ثلاث دورات على هيئة الراقص، ثم انحنى للشيخ
على هيئة الراكع [4] ، وجلس، فإذا جلس قام بنوه العشرة ففعلوا مثل
فعله.
وقال ابن حجر: وكان يعاب الشيخ عزّ الدّين بالتزيّي بزيّ العجم من طول
الشارب [5] وعدم السّواك حتّى سقطت أسنانه.
__________
[1] لفظة «مع» سقطت من «بغية الوعاة» فلتستدرك.
[2] يعني وسبعمائة.
[3] لفظة «ففهمها» سقطت من «ط» .
[4] أقول: لا يجوز الانحناء على هيئة الراكع لأحد من البشر. (ع) .
[5] في «الشوارب» .
(9/206)
وتوفي في عشري ربيع الآخر، واشتد أسف الناس
عليه، ولم يخلّف بعده مثله.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد المشهدي بن القطّان [1] .
قال ابن حجر: أخذ عن الشيخ ولي الدّين الملوي ونحوه، واعتنى بالعلوم
العقلية، واشتغل كثيرا حتّى تنبه، وكان يدري الطبّ ولكن ليست له معرفة
بالعلاج. سمعت من فوائده.
ومات في الطّاعون عن نحو ستين سنة. انتهى.
وفيها محمد بن علي بن معبد القدسي المالكي، المعروف بالمدني [2] .
ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة، واشتغل قليلا، وأخذ عن جمال الدّين بن
خير ولازمه، وسمع الحديث من محيى الدّين بن عبد القادر الحنفي، وحدّث،
ثم ولي تدريس الحديث بالشيخونية فباشره، مع قلّة علمه به مدة، ثم نزل
عنه، ثم ولي القضاء في الأيام الناصرية، ثم صرف وأعيد مرارا، وكان
مشكورا في أحكامه، ووقعت له كائنة صعبة مع شريف حكم بقتله فأنكر عليه
ذلك أهل مذهبه، ولم يكن بالماهر في مذهبه.
وتوفي في عاشر ربيع الأول.
وفيها ناصر الدّين محمد بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد
العزيز بن محمد بن أبي جرادة العقيلي الحلبي، نزيل القاهرة ابن العديم
الحنفي [3] .
ولد سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة بحلب، وأسمع على عمر بن ايدغمش مسند
حلب، وعلى غيره، وقدم القاهرة مع أبيه وهو شاب فشغله في عدة فنون على
عدة مشايخ، وقرأ بنفسه على العراقي قليلا من منظومته، وكان يتوقّد
ذكاء،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 244) و «الضوء اللامع» (8/ 217) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 244- 245) و «الضوء اللامع» (8/ 220)
.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 245) و «الضوء اللامع» (8/ 235) وقد
تقدمت ترجمته في «آ» إلى ما قبل ترجمة «المشهدي» وأبقيتها كما جاءت في
«ط» .
(9/207)
مع هوج ومحبّة في المزاح والفكاهة، إلى أن
مات أبوه، وأوصاه أن لا يترك منصب القضاء ولو ذهب فيه جميع ما خلّفه،
فقبل الوصية، ورشا على الحكم إلى أن وليه، ثم صار يرشي أهل الدولة
بأوقاف الحنفية بأن يؤجّرها لمن يخطر منه ببال بأبخس أجرة ليكون عونا
له على مقاصده، إلى أن كاد يخرّبها، ولو دام قليلا لخربت كلّها، وصار
في ولايته القضاء كثير الوقيعة في العلماء، قليل المبالاة بأمر الدّين،
كثير التّظاهر بالمعاصي ولا سيما الرّبا، سيء المعاملة جدا، أحمق أهوج،
متهوّرا، وقد امتحن وصودر، وهو مع ذلك قاضي الحنفية، ثم قام في موجب
قتل الناصر قياما بالغا ولم ينفعه ذلك، لأنه ظنّ أن ذلك يبقيه في
المنصب، فعزل عن قرب، ثم لما وقع الطّاعن في هذه السنة ذعر منه ذعرا
شديدا، وصار دأبه أن يستوصف ما يدفعه ويستكثر من ذلك أدوية وأدعية
ورقى، ثم تمارض لئلا يشاهد ميّتا ولا يدعى إلى جنازة لشدة خوفه من
الموت، فقدّر الله أنه سلم من الطّاعون وابتلي بالقولنج الصّفراوي،
فتسلسل به الأمر إلى أن اشتد به الخطب، فأوصى، ثم مات في ليلة السبت
تاسع ربيع الآخر. قاله ابن حجر.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن عبد الله بن مؤذّن الزنجبيلية الحنفي
[1] .
اشتغل وهو صغير، فحفظ «مجمع البحرين» و «الألفية» وغيرهما، وأخذ الفقه
عن البدري المقدسي، وابن الرّضي، ومهر في الفرائض، وأخذها عن الشيخ
محبّ الدّين، واحتاج الناس إليه فيها، وجلس للاشتغال بالجامع الأموي،
وكان خيّرا، ديّنا.
وتوفي في شوال.
وفيها نجم الدّين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد [2] بن محمد [2] بن
عبد الدائم الباهي الحنبلي [3] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 247) و «الضوء اللامع» (9/ 129) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 247) و «الضوء اللامع» (9/ 129) و
«الحسب الوابلة» ص (445) .
(9/208)
برع في الفنون، وتقرّر مدرسا للحنابلة في
مدرسة جمال الدّين برحبة باب العيد، وكان عاقلا، صيّنا، التأدّب.
توفي في [1] ليلة الجمعة رابع عشري ربيع الأول بالطّاعون عن بضع
وثلاثين سنة.
وفيها قطب الدّين محمد الأبرقوهي [2] .
أحد الفضلاء ممن قدم القاهرة في رمضان سنة ثماني عشرة، فأقرأ «الكشاف»
و «العضد» وانتفع به الطلبة.
ومات في آخر صفر مطعونا.
وفيها مساعد بن ساري بن مسعود بن عبد الرحمن الهوّاري المصري [3] ،
نزيل دمشق، الشافعي.
ولد سنة بضع وثلاثين وسبعمائة، وطلب بعد أن كبر، فقرأ على الشيخ صلاح
الدّين العلائي، والولي المنفلوطي، والبهاء بن عقيل، والإسنوي وغيرهم،
ومهر في الفرائض، والميقات، وكتب بخطه الكثير لنفسه ولغيره، ثم سكن
دمشق، وانقطع بقرية عقربا، وكان الرؤساء يزورونه، وهو لا يدخل البلد،
مع أنه لا يقصده أحد إلّا أضافه وتواضع معه، وكان متديّنا، متقشّفا،
سليم الباطن، حسن الملبس، مستحضرا لكثير من الفوائد وتراجم الشيوخ
الذين لقيهم، وله كتاب سمّاه «بدر الفلاح في أذكار المساء والصباح» .
وتوفي بقرية عقربا شهيدا بالطّاعون، وكان ذميم الشّكل جدا، رحمه الله.
وفيها همام الدّين، همام بن أحمد الخوارزمي الشافعي [4] .
اشتغل في بلاده، ثم جاء إلى حلب قبل اللّنكية، فأنزله القاضي شرف
الدّين
__________
[1] لفظة «في» لم ترد في «ط» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 248) و «الضوء اللامع» (10/ 114) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 248) و «الضوء اللامع» (10/ 155) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 250) و «الضوء اللامع» (7/ 128) وفيه:
«محمد بن أحمد» .
(9/209)
في دار الحديث البهائية، ثم قدم القاهرة في
الدولة الناصرية وحصل له بها حظ عظيم [1] وجاه كبير، وسماع كلمة، وأقبل
عليه الطلبة لأجل الجاه، وأقرأ «الحاوي» و «الكشّاف» ثم طال الأمر،
فاقتصر على «الكشّاف» وكان ماهرا في إقرائه إلّا أنه بطيء العبارة جدا
بحيث يمضئ قدر درجة حتى ينطق بقدر عشر كلمات، وكانت مشاركة في العلوم
العقلية مع اطراح التكلّف، وكان يمشي في السّوق، ويتفرج في الحلق في
بركة الرطلي وغيرها، وكانت له ابنة ماتت أمّها فصار يلبسها بزيّ
الصّبيان ويحلق شعرها. ويسمّيها سيدي علي، وتمشي معه في الأسواق، إلى
أن راهقت، وهي التي تزوجها الهروي فحجبها بعد ذلك.
وتوفي في العشر الأخير من ربيع الأول وقد جاوز السبعين. قاله ابن حجر.
وفيها صلاح الدّين يوسف [بن أحمد بن غازي] ابن أخي الملك العادل سليمان
[2] .
قال البرهان البقاعي: كان إماما، عالما، صالحا، ذكيا جدا، زاهدا، حتى
قال شيخنا: ما رأيت مثله، وكان قد عرفت نفسه عن الدّنيا فتركها، ورحل
إلى القاهرة لقصد الاشتغال بالعلم، ثم التوجه إلى بعض الثّغور للجهاد،
فاخترمته المنية في الطّاعون.
وفيها يوسف بن عبد الله المارديني الحنفي [3] .
قدم القاهرة، ووعظ الناس بالجامع الأزهر، وحصّل كثيرا من الكتب، مع لين
الجانب والتواضع والخير والاستحضار لكثير من التفسير والمواعظ.
توفي بالطّاعون وقد جاوز الخمسين، وخلّف تركة جيدة [4] ورثها أخوه أبو
بكر، ومات بعده بقليل.
__________
[1] لفظة «عظيم» لم ترد في «ط» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 293) وما بين الحاصرتين زيادة منه،
و «الأعلام» (8/ 215) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 251) و «الضوء اللامع» (10/ 319) .
[4] كذا في «ط» و «إنباء الغمر» : «جيدة» وفي «آ» : «جليلة» .
(9/210)
سنة عشرين وثمانمائة
فيها قتل الشيخ نسيم الدّين التّبريزي [1] ، نزيل حلب، وهو شيخ
الحروفية [2] .
سكن حلب، وكثر أتباعه، ونشأت بدعته، وشاعت، فآل أمره إلى أن أمر
السلطان بقتله، فضربت عنقه، وسلخ جلده، وصلب.
وفيها- كما قال ابن حجر- وضعت جاموسة ببلبيس [3] مولودا برأسين وعينين
وأربع أيد وسلسلتي ظهر، ودبر واحد، ورجلين اثنتين لا غير، وفرج واحد
أنثى، والذنب مفروق باثنين، فكانت من بديع صنع الله تعالى.
وفي أواخرها مالت المئذنة التي بنيت على البرج الشمالي بباب زويلة بمصر
من جامع المؤيد، وكادت تسقط، واشتد خوف الناس منها، وتحولوا من
حواليها، فأمر السلطان بنقضها فنقضت بالرّفق إلى أن أمنوا شرّها، وعامل
السلطان من ولي بناءها بالحلم، وكان ناظر العمارة ابن البرجي، فقال تقي
الدّين بن حجّة في ذلك:
على البرج من بابي زويلة أنشئت ... منارة بيت الله والمعبد المنجي
فأخنى بها البرج الخبيث أمالها ... ألا صرّحوا يا قوم باللعن للبرجي
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 269- 270) .
[2] الحروفية: فرقة من فرق الشيعة اشتقت اسمها من حروف الأبجدية
الثمانية والعشرين لاعتقادهم أن لهذه الحروف أسرارها لها أثر في حياة
الإنسان، وتنسب هذه الفرقة إلى فضل الله الاستراباذي. انظر «القاموس
الإسلامي» للأستاذ أحمد عطية الله (2/ 68) .
[3] لفظة «بلبيس» سقطت من «آ» ، وفي «إنباء الغمر» (7/ 271) : «ببلقيس»
.
(9/211)
وقال الشّهاب بن حجر العسقلاني:
لجامع مولانا المؤيد رونق ... منارته بالحسن تزهو وبالزّين
تقول وقد مالت عن القصد أمهلوا ... فليس على جسمي أضرّ من العين
فغضب الشيخ بدر الدّين العيني وظنّ أن ابن حجر عرّض به، فاستعان
بالنّواجي الأبرص فنظم له بيتين معرّضا بابن حجر، ونسبهما العينيّ
لنفسه، وهما:
منارة كعروس الحسن إذ جليت ... وهدمها بقضاء الله والقدر
قالوا أصيبت بعين قلت ذا غلط ... ما أوجب الهدم إلّا خسة الحجر
وفيها توفي [1] شهاب الدّين أحمد بن أحمد الغزّاوي المالكي [2] .
قال ابن حجر: اشتغل كثيرا، وبرع في العربية وغيرها، وشارك في الفنون،
وشغل الناس، وقد عيّن مرّة للقضاء فلم يتمّ ذلك.
مات في تاسع عشر شعبان. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن يهودا الدمشقي الطرابلسي النحوي الحنفي [3]
.
ولد سنة بضع وسبعين وسبعمائة، وتعابى العربية، فمهر في النحو، واشتهر
به، وأقرأ فيه، ونظم «التسهيل» في تسعمائة بيت، وكان تحول بعد فتنة
اللّنك إلى طرابلس فقطنها فانتفع به أهلها إلى أن مات في آخر هذه
السنة، وكان يتكسّب بالشهادة.
وفيها برهان الدّين حيدرة الشيرازي ثم الرّومي [4] .
__________
[1] لفظة «توفي» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 283) وفيه «الفراوي» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 284) و «الضوء اللامع» (2/ 246) و
«بغية الوعاة» (1/ 401) .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 168) وفيه «حيدر بن أحمد بن إبراهيم
و «بغية الوعاة» (1/ 549) ولفظة «أقرأ» التي بين حاصرتين في الترجمة
مستدركة منه.
(9/212)
قال السيوطي: كان علّامة بالمعاني،
والبيان، والعربية، وأخذ عن التّفتازاني، وشرح «الإيضاح» للقزويني شرحا
ممزوجا وقدم الرّوم [وأقرأ] وأخذ عنه شيخنا العلّامة محيى الدّين
الكافيجي. انتهى.
وفيها داود بن موسى الغماري المالكي [1] .
عني بالعلم، ثم لازم العبادة، وتزهّد، وجاور بالحرمين أزيد [2] من
عشرين سنة، وكانت إقامته بالمدينة المنوّرة أكثر منها بمكة.
وتوفي في مستهل المحرّم.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن إبراهيم بن خليل البعلبكي الدمشقي،
المعروف بابن الشرائحي الشافعي [3] .
قال ابن حجر: ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وأخذ عن الشيخ جمال
الدّين بن بردس وغيره، ثم دخل دمشق، فأدرك جماعة من أصحاب الفخر، وأحمد
بن سنان، ونحوهم، فسمع منهم، ثم من أصحاب ابن القوّاس، وابن عساكر، ثم
من أصحاب القاضي، والمطعّم، ومن أصحاب الحجّار، ونحوه، ومن أصحاب
الجزري، وبنت الكمال، والمزّي فأكثر جدا، وهو مع ذلك أمّي وصار أعجوبة
دهره في معرفة الأجزاء والمرويات ورواتها، ولديه مع ذلك محفوظات وفضائل
ومذاكرات حسنة، وكان لا ينظر إلّا نظرا ضعيفا، وقد حدّث بمصر والشام،
وسمعت منه، وسمع معي الكثير في رحلتي، وأفادني أشياء، وكان شهما،
شجاعا، مهابا جدا كله، لا يعرف الهزل.
قدم القاهرة بعد الكائنة العظمى فقطنها مدة طويلة، ثم رجع إلى دمشق،
وولي تدريس الحديث بالأشرفية إلى أن مات في هذه السنة. انتهى.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 285) و «الضوء اللامع» (3/ 216) و
«العقد الثمين» (4/ 261) و «التحفة اللطيفة» (2/ 37) .
[2] في «ط» : «أكثر» .
[3] ترجمته في «التبيان شرح بديعة البيان» الورقة (195/ آ) و «إنباء
الغمر» (7/ 286) و «الضوء اللامع» (5/ 2) .
(9/213)
وقال ابن ناصر الدّين: الحافظ المفيد
الضّرير.
كان فقيها، فرضيا، آية في حفظ الرّواة المتأخرين.
حدّث ب «صحيح مسلم» وثاني ليلة ختمه مات. انتهى.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن أحمد بن عبد العزيز بن موسى بن أبي بكر
البشيتي [1]- بفتح الموحدة، وكسر الشين المعجمة، وتحتية، وفوقية، نسبة
إلى بشيت قرية بأرض فلسطين [2] .
ولد عاشر شعبان سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وتفقه بسراج الدّين بن
الملقّن، وأخذ العربية عن الشّمس الغماري، واختصّ به، وبرع في الفقه
والعربية واللغة، وكتب الخطّ المنسوب، وصنّف كتابا جليلا في الألفاظ
المعرّبة، وكتابا استوعب فيه أخبار قضاة مصر، وكتابا في شواهد العربية
أوسع الكلام فيه.
وتوفي بالإسكندرية في رابع ذي القعدة.
وفيها فراج الكفل الحنبلي [3] .
قال العليمي في «طبقاته» : هو الشيخ الإمام العالم الفقيه.
توفي في هذه السنة. انتهى.
وفيها عزّ الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز النّويري
ثم المكّي العقيلي الشافعي [4] .
ولد سنة أربع أو خمس وسبعين وسبعمائة، واشتغل وهو صغير، وناب لأبيه في
الخطابة والحكم، ثم استقلّ بعد وفاته في رمضان سنة تسع وتسعين إلى أن
صرف في ذي الحجّة سنة ثمانمائة، ثم وليها مرارا، ثم استقرّت بيده
الخطابة
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 287) وفيه «البششي» وهو خطأ و «الضوء
اللامع» (5/ 7) .
[2] انظر «معجم البلدان» (1/ 429) .
[3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (498) من القسم المخطوط منه، و
«السحب الوابلة» ص (321) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 288) و «الضوء اللامع» (7/ 44- 45) و
«العقد الثمين» (1/ 371) .
(9/214)
وغيرها، ثم استقرّ في الخطابة ونظر الحرم
والحسبة حتّى مات. وكان مشكور السيرة في غالب أموره.
وتوفي في ربيع الأول.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن جعفر البلالي- نسبة إلى بلالة من
أعمال عجلون-.
نشأ هناك، وسمع الحديث، واشتغل بالعلم، وسلك طريق الصّوفية، وصحب الشيخ
أبا بكر الموصلي. ثم قدم القاهرة فاستوطنها بضعا وثلاثين سنة، واستقرّ
في مشيخة سعيد السعداء مدة متطاولة، مع التواضع الكامل، والخلق الحسن،
وإكرام الوارد [1] ، وصنّف «مختصر الإحياء» فأجاد فيه، وطار اسمه في
الآفاق، ورحل إليه بسببه، ثم صنّف تصانيف أخرى، وكانت له مقامات
وأوراد، وله محبون معتقدون ومبغضون منتقدون.
توفي في رابع شوال وقد جاوز السبعين.
وفيها عزّ الدّين محمد بن بهاء الدّين علي بن عزّ الدّين عبد الرحمن بن
محمد بن التّقي سليمان المقدسي الحنبلي [2] ، خطيب الجامع المظفّري
بالصّالحية وابن خطيبه.
ولد سنة أربع وستين وسبعمائة، وحفظ «المقنع» وسمع الحديث وبرع في الفقه
والحديث، وأخذ عن ابن رجب، وابن المحبّ، وكان له النّظم الرائق، وباشر
القضاء، وحج وأكثر المجاورة بمكة، ودرس بدار الحديث الأشرفية بالجبل،
وكان في آخره عين الحنابلة، وألف مؤلفات حسنة، منها «نظم المفردات»
سمّاه «النّظم المفيد الأحمد في مفردات الإمام أحمد» واقترح عليه صاحب
مجد الدّين عمل مؤلّف على نمط «عنوان الشرف» لابن المقري [3] فعمل قطعة
نظما أولها:
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «الوارد» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 290) و «الضوء اللامع» (8/ 187) و
«السحب الوابلة» ص (418) .
[3] هو إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله بن إبراهيم الشرجي الحسيني
الشاوري اليمني، المعروف بابن
(9/215)
أشار المجد مكتمل المعاني ... بأن أحذو على
حذو اليماني
وتوفي مغرب ليلة الأحد سابع عشري ذي القعدة.
وفيها كمال الدّين أبو البركات محمد بن أبي السّعود محمد بن حسين بن
علي بن ظهيرة المخزومي المكّي الشافعي قاضي مكة [1] .
ولد سنة خمس وستين وسبعمائة، وأحضر في سنة سبع وستين على العزّ بن
جماعة، وسمع من غير واحد، وولي قضاء مكة، ونظر الأوقاف بها والرّبط،
وباشر ذلك، ثم عزل، واستمرّ معزولا إلى أن توفي بمرض ذات الجنب ليلة
الخميس ثالث عشر ذي الحجّة ودفن صبيحتها بالمعلاة، وخلّف عدة أولاد
صغار. قاله في «المنهل» .
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبادة السّعدي [2]
الأنصاري الحنبلي قاضي قضاة دمشق.
أخذ عن ابن رجب، وابن اللّحام، وكان فردا في زمنه في معرفة الوقائع
والحوادث، استقلّ بقضاء دمشق بعد وفاة ابن المنجّى، وكانت وظيفة القضاء
دولا بينه وبين القاضي عزّ الدّين ناظم المفردات، إلى أن لحق بالله
تعالى ليلة الخميس خامس رجب وله خمسون سنة.
وأما ولده قاضي القضاة شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد فولد في صفر سنة
ثمان وثمانين وسبعمائة، وكان من خيار المسلمين، كثير التّلاوة لكتاب
الله العزيز ناب لأبيه في القضاء، ثم استقلّ بعد وفاة والده في ربيع
الأول سنة إحدى وعشرين، ثم عزل في صفر سنة ثلاث وعشرين، ثم عرض عليه
المنصب مرارا فلم يقبله، وحصلت له الراحة الوافرة إلى أن توفي، ودفن
عند والده بالروضة قريبا من الشيخ موفق الدّين ولم أطلع على تاريخ
وفاته.
__________
المقري، عالم باحث من أهل اليمن. مات سنة (837 هـ-) . انظر «بغية
الوعاة» (1/ 444) و «كشف الظنون» (2/ 1175) و «الأعلام» (1/ 310- 311)
.
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 77) و «العقد الثمين» (2/ 287) و
«الدليل الشافي» (2/ 701) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 291) و «الضوء اللامع» (9/ 88) و
«المقصد الأرشد» (2/ 491) .
(9/216)
وفيها شرف الدّين نعمان بن فخر بن يوسف
الحنفي [1] .
ولد سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وكان والده عالما، فأخذ عنه، وقدم
دمشق، وجلس بالجامع بعد اللّنك للاشغال، ودرّس في أماكن، وكان ماهرا في
الفقه، بارعا في ذلك.
مات في شعبان. قاله ابن حجر، والله أعلم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 293) و «الضوء اللامع» (10/ 201) .
(9/217)
|