شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وعشرين
وثمانمائة
فيها كما قال برهان الدّين البقاعي: ومن خطّه نقلت في ليلة الأحد تاسع
شعبان أوقع ناس من قريتنا خربة [1] روحا من البقاع يقال لهم بنو مزاحم
بأقاربي بني حسن من القرية المذكورة، فقتلوا تسعة أنفس، منهم أبو عمر
بن حسن الرّباط بن علي بن أبي بكر، وأخواه محمد سويد شقيقه وعلي أخوهما
لأبيهما، وضربت أنا بالسيف ثلاث ضربات إحداها في رأسي فجرحتني، وكنت إذ
ذاك ابن اثنتي عشرة سنة، فخرجنا من القرية المذكورة واستمرّينا ننقل في
قرى وادي التّيم والعرقون وغيرهما، إلى أن أراد الله تعالى بإقبال
السعادتين الدّنيوية والأخروية، فنقلني جدّي لأمي علي بن محمد السّليمي
إلى دمشق، فجودت القرآن وجددت حفظه، وأفردت القراآت وجمعتها على بعض
المشايخ، ثم على الشّمس بن الجزري لما قدم إلى دمشق سنة سبع وعشرين
وثمانمائة، واشتغلت بالنّحو، والفقه، وغيرهما من العلوم، وكان ما أراد
الله من التنقل في البلاد والفوز بالعزّ والحجّ أدام الله نعمه آمين،
ومن ثمرات ذلك أيضا الإراحة من الحروب والوقائع التي أعقبتها هذه
الواقعة، فإنها استمرّت أكثر من ثلاثين سنة، ولعلها زادت على مائة
وقعة، كان فيها ما قاربت القتلى فيه ألفا. انتهى بحروفه.
وفيها توفي القاضي شهاب الدّين أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي الشافعي
[2] نزيل القاهرة.
__________
[1] في «ط» : «خرجت» وهو خطأ والصواب ما جاء في «آ» وخربة روحا تابعة
مدراشيا. انظر «قاموس لبنان» لوديع نقولا حناص (95) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 330) و «الضوء اللامع» (2/ 8) .
(9/218)
تفقه، ومهر، وتعانى الأدب، وكتب في
الإنشاء، وناب في الحكم، وكان يستحضر «الحاوي» وكتب شيئا على «جامع
المختصرات» وصنّف كتابا حافلا سمّاه «صبح الأعشى في معرفة الإنشا» [1]
. وكان مستحضرا لأكثر ذلك، وصنّف غير ذلك، وكان مفضالا، وقورا في الدول
إلى أن توفي ليلة السبت عاشر جمادى الآخرة عن خمس وستين سنة.
وفيها بدر الدّين أبو عمر حسين بن علي بن محمد بن داود البيضاوي الأصل
المكّي، المعروف بالزّمزمي [2] .
ولد قبل السبعين وسبعمائة، وأجاز له الصّلاح بن أبي عمر، وابن أميلة،
وحسن بن الهبل، وجماعة من قادمي مكّة، واشتغل بالعلم، ومهر في الفرائض
والحساب، وفاق الأقران في معرفة الهيئة والهندسة، وحدّث باليسير.
وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها صلاح الدّين وغرس الدّين أبو الصّفا خليل بن محمد [3] بن محمد
[3] بن عبد الرحمن الأقفهسي المصري [4] المحدّث الحافظ.
ولد سنة ثلاث وستين وسبعمائة تقريبا، واشتغل بالفقه قليلا وبالفرائض
والحساب والأدب، ثم أحب الحديث، فسمع بنفسه من غرس الدّين المليجي،
وصلاح الدّين البلبيسي، وصلاح الدّين الزّفتاوي، وغيرهم، ثم حجّ سنة
خمس وتسعين، وجاور، فسمع بمكة من شيوخها، ثم قدم دمشق سنة سبع وتسعين
للسماع، فسمع من ابن الذّهبي وغيره، وأكثر عن ابن العزّ، وسمع الكثير.
__________
[1] وهو من خيرة الكتب المصنفة في المعارف العامة في عصر المؤلف، وقد
طبع في مصر منذ سنوات طويلة، وصورت طبعته من بعد ذلك عدة مرات، واختصره
الأستاذ عبد القادر زكّار في خمسة أجزاء صغيرة أصدرتها وزارة الثقافة
بدمشق ضمن سلسلة المختار من التراث العربي.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 331- 332) و «الضوء اللامع» (3/ 151)
و «العقد الثمين» (4/ 205) .
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 332) و «الضوء اللامع» (3/ 202) .
(9/219)
قال ابن حجر: ثم قدم إلى مصر سنة ثمان
وتسعين فلازمنا في الأسمعة، وسافر صحبتي إلى مكة في البحر، فجاور بها،
ثم رحل إلى دمشق مرة ثانية، فأقام بها، ورافقني في السماع في سنة
اثنتين وثمانمائة بدمشق، ورجع معي إلى القاهرة، ثم حجّ سنة أربع، وجاور
سنة خمس، فلقيته في آخرها مشمرا على ما أعهده من الخير، والعبادة،
والتخريج، والإفادة، وحسن الخلق، وخدمة الأصحاب، واستمر مجاورا إلى أن
خرج إلى المدينة وتوجه في ركب العراق، ثم ركب البحر إلى كنباية [1] من
بلاد الهند، ثم رجع إلى هرمز، ثم جال في بلاد المشرق، فدخل هراة،
وسمرقند، وغيرها، وقد خرّج لشيخنا مجد الدّين الحنفي «مشيخة» ولشيخنا
جمال الدّين بن ظهيرة «معجما» وخرّج لنفسه «المتباينات» فبلغت مائة
حديث، وخرّج أحاديث الفقهاء الشافعية، ونظم الشعر.
وتوفي بيزد، خرج من الحمام فمات فجأة. انتهى.
وفيها سعد الله بن سعد بن علي بن إسماعيل الهمداني الحنفي [2] .
قدم حلب مع والده وهو شاب، واشتغل بالعلم، وتفقّه، ومهر، ودرّس في حلب
بمدارس منها، فاتفق أن فجأة الموت في رابع جمادى الأولى وأسف الناس
عليه.
وفيها عبد الله بن إبراهيم بن أحمد الحرّاني ثم الحلبي الحنبلي [3] .
كان يذكر أنه من ذريّة ابن أبي عصرون، وكان شافعي الأصل، وولي قضاء
الثّغر شافعيا، وكانت له وظائف في الشافعية، ثم انتقل حنبليا، وولي
قضاء الحنابلة بحلب.
قال القاضي علاء الدّين في «تاريخ حلب» : كان حسن السيرة، ولي القضاء،
ثم صرف، ثم أعيد مرارا ثم صرف قبل موته بعشرة أشهر، فمات في شعبان.
__________
[1] انظر «أحسن التقاسيم» للمقدسي ص (359 و 365) طبع دار إحياء التراث
العربي ببيروت.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 334) و «الضوء اللامع» (3/ 247) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 334) و «الضوء اللامع» (5/ 2) و
«السحب الوابلة» ص (246) .
(9/220)
وفيها عبد الرحمن بن هبة الله الملحاني
اليماني [1] .
قال ابن حجر: جاور بمكة، وكان بصيرا بالقراءات، سريع القراءة، قرأ في
الشتاء في يوم ثلاث ختمات وثلث ختمة، وكان ديّنا، عابدا، مشاركا في عدة
علوم.
مات في رجب. انتهى.
وفيها كمال الدّين محمد بن حسن بن محمد بن محمد بن خلف الله الشّمنّي-
بضم المعجمة والميم، وتشديد النون، نسبة إلى شمنّة مزرعة بباب
قسطنطينية- ثم الإسكندري المالكي [2] .
ولد سنة بضع وستين، واشتغل بالعلم في بلده ومهر، ثم قدم القاهرة، فسمع
بها من شيوخها، وسمع في الإسكندرية، وتقدم في الحديث، وصنّف فيه،
وتخرّج بالبدر الزّركشي، والزّين العراقي، ونظم الشعر الحسن، ثم استوطن
القاهرة، وأصيب في بعض كتبه.
وتوفي في ربيع الأول.
وفيها غياث الدّين محمد بن علي بن نجم الكيلاني التاجر [3] .
ولد في حدود سبعين وسبعمائة، وكان أبوه من أعيان التّجار، فنشأ ولده
هذا في عزّ ونعمة طائلة، ثم شغله أبوه بالعلم بحيث كان يشتري له الكتاب
الواحد بمائة دينار وأزيد، ويعطي معلميه فيفرط، فمهر في أيام قلائل،
واشتهر بالفضل، ونشأ متعاظما، ثم لما مات أبوه التهى عن العلم
بالتجارة، وتنقلت به الأحوال، فصعد وهبط، وغرق وسلم، وزاد ونقص، إلى أن
تزوّج جارية من جواري الناصر يقال لها سمراء، فهام بها، وأتلف عليها
ماله وروحه، وطلّق لأجلها زوجته ابنة عمه، وأفرطت هي في بغضه إلى أن
قيل: إنها سقته السّمّ فتعلّل مدة، ولم تزل به [4]
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 335) و «الضوء اللامع» (4/ 248) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 339) و «الضوء اللامع» (8/ 71) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 71) .
[4] في «ط» : «بها» وهو خطأ.
(9/221)
حتى فارقها، فتدلّه عقله من حبّها إلى أن
مات ولها بها، ويحكى أنها تزوجت بعده رجلا من العوام فأذاقها الهوان
وأحبّته وأبغضها عكس ما جرى لها مع غياث الدّين، ويحكى أنها زارته في
مرضه واستحللته فحاللها من شدّة حبّة لها.
ومن شعره فيها:
سلوا سمراء عن حربي وحزني ... وعن جفن حكى هطّال مزن
سلوها هل عراها ما عراني ... من الجنّ الهواتف بعد جن
سلوا هل هزّت الأوتار بعدي ... وهل غنّت كما كانت تغنّي
ويقول في آخرها:
سأشكوها إلى مولى حليم ... ليعفو في الهوى عنّها وعنّي
قال ابن حجر: وهذا آخر ما عرفنا خبره من المتيّمين.
مات في سابع عشر شوال.
وفيها شرف الدّين أبو الطّاهر محمد بن عزّ الدّين أبي اليمن محمد بن
عبد اللّطيف بن أحمد بن محمود، المعروف بابن الكويك الرّبعي التّكريتي
ثم الإسكندري [1] ، نزيل القاهرة الشافعي المسند المحدّث.
ولد في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وأجاز له فيها المزّي،
والبرزالي، والذهبي، وبنت الكمال، وإبراهيم بن القريشة، وابن المرابط،
وعلي بن عبد المؤمن في آخرين، وهو آخر من حدّث عنهم بالإجازة في
الدنيا، وسمع بنفسه من الإسعردي، وابن عبد الهادي، وغيرهما، ولازم
القاضي عزّ الدّين بن جماعة، وتعانى المباشرات، فكان مشكورا فيها،
وتفرّد بأخرة بأكثر مشايخه، وتكاثر عليه الطلبة ولازموه، وحبّب إليه
التّحديث ولازمه.
قال ابن حجر: قرأت عليه كثيرا من المرويات بالإجازة والسماع، من ذلك
«صحيح مسلم» في أربعة مجالس سوى مجلس الختم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 341) و «الضوء اللامع» (9/ 111) و
«الدليل الشافي» (2/ 687) .
(9/222)
وقال في «المنهل» تصدّر للإسماع عدة سنين،
وأضرّ بأخرة، وكان شيخا، ديّنا، ساكنا، كافّا عن الشّرّ، من بيت رئاسة،
ولم يشتهر بعلم.
وتوفي يوم السبت سادس عشري ذي القعدة.
وفيها جمال الدّين يوسف بن محمد بن عبد الله الحميدي- نسبة إلى امرأة
ربّته كانت تعرف بأمّ عبد الحميد- الحنفي [1] .
نشأ بالإسكندرية، وتفقّه، وبرع في عدة علوم، وكانت له ثروة، ويتعانى
المتجر، وتولى قضاء الإسكندرية فحمدت سيرته، وكانت له ديانة وصيانة،
وأفتى ودرّس بالثّغر، إلى أن توفي بالإسكندرية ليلة خمس وعشرين من
جمادى الآخرة وقد أناف على الثمانين.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 343) و «الضوء اللامع» (10/ 331) .
(9/223)
سنة اثنتين وعشرين
وثمانمائة
في ربيع الآخر منها، كما قال ابن حجر [1] : اتفق أن شخصا له أربعة
أولاد ذكور، فلما وقع الموت في الأطفال، سألت أمهم [2] أن تختنهم لتفرح
بهم قبل أن يموتوا، فجمع الناس لذلك على العادة، وأحضر المزيّن، فشرع
في ختن واحد بعد آخر، وكل من يختن يسقى شرابا مذابا بالماء على العادة،
فمات الأربعة في الحال عقب ختنهم، فاستراب أبوهم بالمزيّن، وظنّ أن
مبضعه مسموم، فجرح المزيّن نفسه ليبرئ ساحته، وانقلب فرحهم عزاء، ثم
ظهر في الزّير الذي كان يذاب منه الشراب حيّة عظيمة ماتت فيه وتمزقت
[3] فكانت سبب هلاك الأطفال، ولله الأمر.
وفيها توفي شهاب الدّين أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن بدر بن مفرّج بن
يزيد بن عثمان بن جابر العامري الغزّي ثم الدمشقي الشافعي [4] .
ولد سنة بضع وستين وسبعمائة بغزّة، وأخذ عن الشيخ علاء الدّين بن خلف،
وحفظ «التنبيه» وقدم دمشق بعد الثمانين وهو فاضل، فأخذ عن الشّريشي،
والزّهري، وشرف الدّين الغزّي بلديّة، وغيرهم، ومهر في الفقه والأصول،
وجلس بالجامع يشغل الناس في حياة مشايخه، وأفتى، ودرّس، وأعاد، ثم أصيب
بماله
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 358) .
[2] في «إنباء الغمر» : «أمه» .
[3] في «آ» و «ط» : «وتمزعت» والتصحيح من «إنباء الغمر» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 363) و «الضوء اللامع» (1/ 356) و
«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 100- 102) .
(9/224)
وكتبه بعد الفتنة اللنكية، وناب في القضاء،
وعيّن مرّة مستقلا فلم يتم، وولي إفتاء دار العدل، واختصر «المهمات»
اختصارا حسنا، وكتب عليه «الحاوي» و «جمع الجوامع» ، ودرّس بأماكن،
وأقبل على الحديث حتّى لم يبق بالشام في آخر عمره من يقاربه في رئاسة
فقه الشافعية إلا ابني [1] نشوان، وكان يرجع إلى دين وعفّة من صغره،
وعلو همّة، ومروءة، ومساعدة لمن يقصده، مع عجلة فيه، وحسن عقيدة،
وسلامة باطن، وجاور في أواخر أمره بمكة فمات بها مبطونا في شوال وله
اثنتان وستون سنة.
وفيها أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد المطريّ المدنيّ [2] .
سمع من العزّ ابن جماعة، وعنى بالعلم، وكان يذاكر بأشياء حسنة، ثم
تزهّد، ودخل اليمن، فأقام بها نحوا من عشرة أعوام، وكان ينسب إلى
معاناة الكيمياء.
توفي في أول ذي الحجّة.
وفيها أحمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن علي بن عيّاش الجوخي الدمشقي
[3] ، نزيل تعز.
ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة، وتعانى بيع الجوخ فرزق منه دنيا طائلة،
وعني بالقراءات، فقرأ على جماعة، وكان يقرأ في كل يوم نصف ختمة، وكان
قد أسمع في صغره على علي بن العزّ عمر حضورا «جزء ابن عرفة» وحدّث به
عنه، وقرأ بدمشق على شمس الدّين بن اللّبان، وابن السلّار، وغيرهما،
وتصدى للقراءات، فانتفع به جمع من أهل الحجار واليمن، وكان غاية في
الزّهد في الدنيا، فإنه ترك بدمشق أهله، وماله، وخيله، وخدمه، وساح في
الأرض، وحدّث، وهو مجاور بمكّة، واستمرّ في إقامته باليمن في خشونة
العيش حتّى مات.
وكان بصيرا بالقراءات، كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنجب
ولده المقرئ عبد الرحمن مقرئ الحرم.
__________
[1] في «ط» : «ابن» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 365) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 365) و «الضوء اللامع» (2/ 203) .
(9/225)
وفيها أحمد بن يوسف بن محمد الدمشقي [1] ،
الشاعر المشهور، عرف بابن الزّعيفريني.
قال في «المنهل الصّافي» : كانت له فضيلة، ويكتب الخطّ المنسوب، وينظم
الشعر، ويشتغل بعلم الحرف، ويزعم أن له فيه اليد الطّولى، وحصل له حظ
بهذا المعنى عند جماعة من أعيان الأمراء وغيرهم، إلى أن ظفر بعض أعيان
الدولة بأبيات من نظمه بخطّه نظمها للأمير جمال الدّين الاستادار يوهمه
أنه سيملك مصر، ويملك بعده ابنه. فقطع الملك الناصر فرج لسانه وعقدتين
من أصابعه، ورفق به عند القطع فلم يمنعه ذلك من النطق، لكنه أظهر الخرس
مدة أيام الناصر، ثمّ تكلّم بعد ذلك، وأخذ في الظّهور والكتابة بيده
اليسرى، فلم يرج في الأيام المؤيّدية، وانقطع إلى أن مات.
ومن شعره: ما كتبه بيده اليسرى إلى قاضي القضاة صدر الدّين علي بن
الأدمي الحنفي:
لقد عشت دهرا في الكتابة مفردا ... أصوّر منها أحرفا تشبه الدّرّا
وقد صار خطي [2] اليوم أضعف ما ترى ... وهذا الذي قد يسّر الله لليسرى
فأجابه صدر الدّين المذكور:
لئن فقدت يمناك حسن كتابة ... فلا تحتمل همّا ولا تعتقد عسرا
وأبشر ببشر دائم ومسرّة ... فقد يسّر الله العظيم لك اليسرى [3]
وتوفي ابن الزّعيفريني يوم الأربعاء ثاني ربيع الأول.
وفيها تندو بنت حسين بن أويس [4] .
__________
[1] ترجمته في «المنهل الصافي» (2/ 272- 273) و «الدليل الشافي» (1/
98) و «الضوء اللامع» (2/ 250) .
[2] في «أ» : «حظي» وهو تصحيف. وفي «المنهل الصافي» : «وقد عاد خطي» .
[3] تنبيه: هذا البيت سقط من «المنهل الصافي» المطبوع فليستدرك من هنا.
[4] ترجمتها في «إنباء الغمر» (7/ 366) و «الضوء اللامع» (12/ 16) و
«أعلام النساء» (1/ 179) .
(9/226)
كانت بارعة الجمال، وقدمت مع عمّها أحمد بن
أويس إلى مصر، فتزوجها الظّاهر برقوق، ثم فارقها، فتزوجها ابن عمها شاه
ولد ابن شاه زاده بن أويس، فلما رجعوا إلى بغداد ومات أحمد أقيم شاه
ولد في السلطنة فدبّرت مملكته حتّى قتل، وأقيمت هي بعده في السلطنة، ثم
ملكت تستر وغيرها، واستقلّت بالمملكة مدة، وصار في ملكها الحويزة
وواسط، يدعى لها على منابرها، وتضرب السّكة باسمها، إلى أن ماتت في هذه
السنة. وقام بعدها ابنها أويس بن شاه ولده. قاله ابن حجر.
وفيها علم الدّين أبو الرّبيع سليمان بن نجم الدّين فرج بن سليمان
الحجبي [1] الحنبلي بن المنجّى.
ولد سنة سبع وستين وسبعمائة، واشتغل على ابن الطحّان وغيره، ورحل إلى
مصر، فأخذ عن ابن الملقّن وغيره، ثم عاد بعد فتنة اللّنك، فناب في
القضاء، وشارك في الفقه وغيره، وأشغل الناس بالجامع الأموي وبمدرسة أبي
عمر.
وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن مظفّر بن أبي بكر البلقيني [2] قريب
شيخ الإسلام سراج الدّين الشافعي.
اشتغل على الشيخ سراج الدّين، وكان يشارك في الفنون، ويذاكر بالفقه
مذاكرة حسنة.
قال ابن حجر: رافقنا في سماع الحديث كثيرا، وناب في الحكم، وكان سيء
السيرة في القضاء، جمّاعة للمال من غير حلّه في الغالب، زري الملبس،
مقترا على نفسه إلى الغاية.
توفي في ثالث عشري جمادي الأولى وخلّف مالا كثيرا جدا فحازه ولده.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 367) و «الضوء اللامع» (3/ 369) و
«السّحب الوابلة» ص (174) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 367) و «الضوء اللامع» (4/ 232) وفيه:
«عبد العزيز بن محمد بن مظفّر بن نصير» .
(9/227)
وفيها نجم الدّين عبد اللطيف بن أحمد بن
علي الفاسي الشافعي [1] .
قال ابن حجر: سمع معنا كثيرا من شيوخنا، ولازم الاشتغال في عدة فنون،
وأقام في القاهرة [2] مدة بسبب الذّب عن منصب أخيه تقي الدّين قاضي
المالكية، إلى أن مات مطعونا في هذه السنة. انتهى.
وفيها مجد الدّين فضل الله بن القاضي فخر الدّين عبد الرحمن بن عبد
الرزّاق بن إبراهيم، الشهير بابن مكانس القبطي المصري الحنفي [3]
الشاعر المشهور.
ولد في سابع شعبان سنة سبع وستين وسبعمائة، ونشأ في كنف والده الوزير
فخر الدّين، وعنه أخذ الأدب، وقرأ النحو، والفقه، والأدب على علماء
مصره، إلى أن برع ومهر، ونظم الشعر وهو صغير السنّ جدا، وكتب في
الإنشاء وتوقيع الدّست مدة في حياة أبيه بدمشق، وكان أبوه وزيرا بها،
ثم قدم القاهرة وساءت حالته بعد أبيه، ثم خدم في ديوان الإنشاء،
وتنقّلت رتبته فيه إلى أن جاءت الدولة المؤيدية فأحسن إليه القاضي ناصر
الدّين البارزي كثيرا، واعتنى به، ومدح السلطان بقصائد فأثابه ثوابا
حسنا. وشعره في الذّروة العليا، وكذلك منثورة، وجمع هو ديوان أبيه
ورتّبه، وفيه يقول والده:
أرى ولدي قد زاده الله بهجة ... وكمّله في الخلق والخلق مذ نشا
سأشكر ربّي حيث أوتيت مثله ... وذلك فضل الله يؤتيه من يشا
ومن شعره هو:
تساومنا شذا أزهار روض ... تحيّر ناظر فيه وفكري
فقلت نبيعك الأرواح حقا ... بعرف طيّب منه ونشر
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 367) .
[2] في «أ» : «بالقاهرة» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 368) و «الدليل الشافي» (2/ 522) و
«الضوء اللامع» (6/ 172) .
(9/228)
ومنه:
جزى الله شيبي كلّ خير فإنّه ... دعاني لما يرضى الإله وحرّضا
فأقلعت عن ذنبي وأخلصت تائبا ... وأمسكت [1] لما لاح لي الخيط أبيضا
قال ابن حجر: وكانت بيننا مودة أكيدة، اتصلت نحوا من ثلاثين سنة،
وبيننا مطارحات، وكان قليل البضاعة من العربية، فربما وقع له اللّحن
الظّاهر، وأما الخفي فكثير جدا.
مات في يوم الأحد خامس عشر ربيع الآخر. انتهى.
وفيها الخواجا محمد الزّاهد البخاري [2] .
قال في «المنهل الصّافي» في ترجمة. تيمور: اجتمع في أيامه- أي تمرلنك-
بسمرقند ما لم يجتمع لغيره من الملوك، فمن ذلك الفقيه عبد الملك من
أولاد صاحب «الهداية الفقهية» فإنه كان بلغ الغاية في الدروس، والفتيا،
ونظم القريض، ويعرف النّرد والشطرنج، ويلعب بهما جيدا في حالة واحدة
دائما مدى الأيام، والخواجا محمد الزّاهد البخاري أي صاحب الترجمة
المحدّث المفسّر.
صنّف «تفسيرا للقرآن العظيم» في مائة مجلد.
ومات بالمدينة النبوية سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة. انتهى.
وفيها محمد بن عبد الله بن شوعان الزّبيدي الحنفي [3] .
قال ابن حجر: انتهت إليه الرئاسة في مذهب أبي حنفية بزبيد، ودرّس
وأفاد. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الماجد العجيمي [4] سبط العلّامة جمال
الدّين بن هشام الشافعي.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «واسكت» والتصحيح من «الضوء اللامع» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 20) و «الأعلام» (7/ 44- 45) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 369) و «الضوء اللامع» (8/ 90) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 669) و «الضوء اللامع» (8/ 122) وفيه
«محمد بن عبد الأحد» .
(9/229)
أخذ عن خاله الشيخ محبّ الدّين بن هشام،
ومهر في الفقه، والأصول، والعربية، ولازم الشيخ علاء الدّين البخاري
لما قدم القاهرة، وكذلك الشيخ بدر الدّين الدّماميني، وكان كثير الأدب،
فائقا في معرفة العربية، ملازما للعبادة، وقورا، ساكنا.
توفي في العشرين من شعبان.
وفيها نظام الدّين محمد بن عمر الحموي الأصل الحنفي، المعروف
بالتّفتازاني [1] ، لعله تشبيها لنفسه بالسعد.
قال ابن حجر: كان أبوه حصريا، فنشأ هذا بين الطلبة، وقرأ في مذهب أبي
حنيفة، وتعانى الآداب، واشتغل في بعض العلوم الآلية، وتعليم كلام
العجم، وتزيا بزيّهم، وتسمى نظام الدّين التّفتازاني، وغلب عليه الهزل
والمجون، وجاد خطه، وقرّر موقعا في الدرج، وكان عريض الدعوى، وله شعر
وسط.
وقال محب الدّين الحنبلي: كان حسن المنادمة، لطيف المعاشرة، ولم يتزوج
قطّ، وكان متّهما بالولدان، وكان يأخذ الصغير فيربيه أحسن تربية، فإذا
كبر وبلغ حدّ التزويج زوّجه. انتهى.
وتوفي في رابع عشري ذي القعدة عن نحو الستين.
وفيها أبو البركات محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن فرحون اليعمري
[2] المالكي، قاضي المدينة.
مات بها في المحرم. قاله ابن حجر.
وفيها فتح الدّين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد النّحريري [3] ،
المعروف بابن أمين الحكم.
قال ابن حجر: سمع على جماعة من شيوخنا، وعني بقراءة «الصحيح»
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 369) و «الضوء اللامع» (8/ 271) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 370) و «الضوء اللامع» (9/ 127) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 371) و «الضوء اللامع» (9/ 274) .
(9/230)
وشارك في الفقه والعربية، وأكثر المجاورة
بالحرمين، ودخل اليمن، فقرأ الحديث بصنعاء وغيرها، ثم قدم القاهرة
بأخرة فوعك، ومات بالمارستان عن نحو من خمسين سنة. انتهى.
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن محمود الجعفري البخاري [1] .
اشتغل ببلاده، ثم قدم مكّة، فجاور بها، وانتفع الناس به في علوم
المعقول.
وتوفي بمكة في العشر الأخير من ذي الحجّة عن ستة وسبعين سنة.
وفيها يوسف ابن شريكار العنتابي المقري [2] .
قال العنتابي في «تاريخه» : ولد بعنتاب، وتعانى القراآت فمهر فيها،
وانتفعوا به، وكان يتكلّم على الناس بلسان الوعظ، وكان فصيح اللّسان،
حلو المنطق، مليح الوجه، له يد في التفسير، وعاش خمسا وستين سنة.
انتهى.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 337) و «الضوء اللامع» (10/ 20) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 273) و «الضوء اللامع» (10/ 317) .
(9/231)
سنة ثلاث وعشرين
وثمانمائة
في ثالث رمضان ذبح جمل بغزّة فأضاء لحمه كما تضيء الشّموع، وشاع ذلك
وذاع حتى بلغ حد التواتر، قاله ابن حجر [1] .
وفيها توفي صارم [2] الدّين إبراهيم بن شيخ المحمودي الظّاهري [3]
الملك المؤيد أبوه.
قال في «المنهل» : ولد بالبلاد الشامية في أوائل القرن تقريبا، وأمه أم
ولد جاركسية تسمى نوروز.
وكان ملكا شجاعا، شابا، حسنا، مقداما، كريما، ساكنا، وعنده أدب وحشمة
ملوكية، وكان يميل إلى الخير، والعدل، والعفّة عن أموال الرّعية إلّا
أنه كان مسرفا على نفسه، سامحه الله. انتهى.
وقال ابن حجر: أغرى والده عليه بأنه كان يتمنى موته ويعد الأمراء
بمواعيد إذا وقع ذلك، فحقد عليه ودسّ بعض خواصه أن يعطيه ما يكون سببا
لقتله من غير إسراع، فدسّوا عليه من سقاه من الماء الذي يطفأ فيه
الحديد، فلما شربه أحس بالمغص في جوفه فعالجه الأطباء مدة، وندم
السلطان على ما فرط منه، فتقدم الأطباء بالمبالغة في علاجه، فلازموه
نصف شهر إلى أن كاد يتعافى، فدسّوا إليه ثانيا من سقاه بغير علم أبيه،
فانتكس، واستمر إلى ليلة الجمعة خامس عشر جمادى الآخرة، فمات، فاشتد
جزع السلطان عليه، إلا أنه تجلّد، وأسف الناس
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 390) .
[2] في «آ» : «صدر الدّين» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 380- 381) و «الضوء اللامع» (1/ 53) و
«المنهل الصافي» (1/ 78- 82) و «الدليل الشّافي» (1/ 16) .
(9/232)
كافة على فقده، ولم يعش أبوه بعده إلا ستة
أشهر تزيد أياما كدأب [1] من قتل أباه أو ابنه على الملك قبله عادة
مستقرّة وطريقة مستقرأة. انتهى.
وفيها زين الدّين أبو المحاسن تغري برمش بن يوسف بن عبد الله التركماني
[2] الحنفي.
قدم القاهرة شابا، وقرأ على الجلال التّباني [3] وغيره، وتفقه بجماعة
من أعيان العلماء، وكان كثير الاستحضار لفروع مذهبه، ويحفظ بعض
مختصرات.
قال في «المنهل» : وكان يميل إلى الصّوفية، مع أنه [كان] يبالغ في ذمّ
ابن عربي وأتباعه [4] ، وأحرق كتبه. وأرسله المؤيد شيخ [5] إلى الحجاز
وعلى يديه مراسيم تتضمن النظر في أحوال مكة المشرّفة، وجاور بها، وأخذ
بالأمر فيها بالمعروف والنّهي عن المنكر، ومنع المؤذنين من المدائح
النّبوية فوق المنابر ليلا، ومنع المدّاحين من الإنشاد في المسجد
الحرام [6] ومنع الصّغار من الخطابة في ليالي رمضان، ومن الوقيد في
الليالي المعروفة بالحرم [6] ، وجرى له مع أهل مكة أمور بسبب ذلك يطول
شرحها، ثم عاد إلى القاهرة، وكان يميل إلى دين وخير. انتهى.
وقال ابن حجر: كان يكثر الحطّ على ابن العربي وغيره من متصوفي
الفلاسفة، وبالغ في ذلك، وصار يحرق ما يقدر عليه من كتب ابن العربي،
وربط مرّة كتاب «الفصوص» في ذنب كلب، وصارت له بذلك سوق نافقة عند جمع
كثير، وقام عليه جماعة من أضداده فما بالي بهم.
وقال المقريزي ذاما له: رضي من دينه وأمانته بالحطّ على ابن العربي، مع
__________
[1] في «ط» : «لدأب» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 394) و «الضوء اللامع» (3/ 31) و
«المنهل الصافي» (4/ 56- 57) و «الدليل الشافي» (1/ 218) ووفاته فيه
(820) .
[3] في «آ» : «التبياني» .
[4] لفظة «وأتباعه» لم ترد في «المنهل الصافي» المطبوع فلتستدرك.
[5] في «المنهل الصافي» : «الملك المؤيد» .
[6، 6] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
(9/233)
عدم معرفته بمقالته، وكان يتعاظم مع
دناءته، ويتمصلح مع رذالته، حتّى انكشفت للناس سيرته، وانطلقت الألسن
بذمّة بالدّاء العضال، مع عدم مداراته وشدّة انتقامه ممن يعارضه في
أغراضه، ولم يزل على ذلك حتّى مات بمكة ليلة الأربعاء مستهل المحرّم.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن مقداد بن إسماعيل قاضي القضاة الأقفهسي
المالكي [1] قاضي الدّيار المصرية.
نشأ بالقاهرة، وطلب العلم، وتفقه بالشيخ خليل وغيره إلى أن برع في
الفقه والأصول، وأفتى ودرّس، وناب في الحكم، ثم استبدّ به، ثم صرف، ثم
ولي، وكان مشكور السيرة في أحكامه، ديّنا، خيّرا، وشرح رسالة الشيخ
خليل.
وتوفي على القضاء في رابع عشر جمادى الأولى.
وفيها محمد بن مورمة البخاري الحنفي [2] .
قال ابن حجر: يلقّب نبيرة- بنون وموحدة وزن عظيمة- ذكر أنه من ذرّية
حافظ الدّين النّسفي، ونشأ ببلاده، وقرأ الفقه، وسلك الزّهد، وحجّ في
هذه السنة، وأراد أن يرجع إلى بلاده فذكر أنه رأى النّبيّ صلى الله
عليه وسلم في النّوم، فقال له: «إن الله قد قبل حجّ كلّ من حجّ في هذا
العام وأنت منهم» وأمره أن يقيم بالمدينة فأقام، فاتفقت وفاته يوم
الجمعة ودفن بالبقيع. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن حسين المخزومي البرقي الحنفي [3] .
كان مشهورا بمعرفة الأحكام، مع قلّة الدّين وكثرة التهتّك، وقد باشر
عدة أنظار وتداريس.
مات في جمادى الأولى. قاله ابن حجر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 396) ، و «الضوء اللامع» (5/ 71) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 399) وفيه (ابن بوزنة) و «الضوء
اللامع» (7/ 207) وفيه: محمد بن بورسة.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 400) و «الضوء اللامع» (9/ 78) .
(9/234)
وفيها شمس الدّين محمد بن العلّامة شمس
الدّين محمد بن سليمان بن الخرّاط الحموي [1] ، الشاعر المنشئ الموقّع.
أخذ عن أبيه وغيره، وقال الشعر فأجاد، ووقع في ديوان الإنشاء، وكان
مقرّبا عند ابن البارزي، ومات ولم يكمل الخمسين وعاش أخوه زين الدّين
عبد الرحمن بعده وهو أسن منه إلى سنة أربعين.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن أحمد الصّغير [2]- بالتصغير-
الطبيب المشهور.
ولد في خامس عشر جمادى الأولى سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وكان أبوه
فرّاشا، فاشتغل هو بالطبّ، وحفظ «الموجز» وشرحه، وتصرّف في العلاج،
فمهر، وصحب البهاء الكازروني، وكان حسن الشكل، له مروءة.
مات بعد مرض طويل في عاشر شوال. قاله ابن حجر.
وفيها القاضي ناصر الدّين محمد بن محمد بن عثمان البارزي [3] الشافعي
كاتب السرّ.
ولد في شوال سنة تسع وستين وسبعمائة، وحفظ «الحاوي» في صغره، واستمرّ
يكرّر عليه ويستحضر منه، وتعانى الشعر، والأدب، وكتب الخط الجيد، ثم
ولي قضاء بلده وكتابة السرّ بها، وقضاء حلب، وكتابة السرّ بالقاهرة طول
دولة المؤيد.
وكان لطيف المنادمة، كبير الرئاسة، ذا طلاقة وبشر وإحسان للعلماء
والفضلاء على طريقة قدماء الكرماء.
وتوفي بالقاهرة يوم الأربعاء ثامن شوال.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 400) و «الضوء اللامع» (9/ 83) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 401) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 401) و «الضوء اللامع» (9/ 137) و
«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 137) .
(9/235)
وفيها الحافظ جمال الدّين أبو المحاسن محمد
بن موسى بن علي بن عبد الصّمد بن محمد بن عبد الله المراكشي الأصل ثم
المكي [1] .
ولد في ثالث رمضان سنة سبع وثمانين وسبعمائة، وحفظ القرآن العظيم،
وأجاز له وهو صغير قبل التسعين وبعدها أبو عبد الله بن عرفة، وتقي
الدّين بن حاتم، وناصر الدّين بن الميلق، وجماعة، وتفقه، وحبّب إليه،
الطلب، فسمع بمكة على مشايخ مكّة، كابن صديق ومن دونه، وعلى القادمين
عليها، وأخذ علم الحديث عن الشيخ جمال الدّين بن ظهيرة، والحافظ تقي
الدّين الفاسي، والحافظ صلاح الدّين الأقفهسي، وتخرّج به في معرفة
العالي والنّازل، ورحل إلى الدّيار المصرية، فسمع من شيوخها، ثم رحل
إلى الشام، فأدرك عائشة بنت عبد الهادي خاتمة أصحاب الحجّار، وجال في
رحلته، فسمع بحلب، وحماة، وحمص، وبعلبك، والقدس، والخليل، وغزّة،
والرّملة، والإسكندرية، وغيرها، ورجع وقد كمل معرفته، وخرّج لغير واحد
من مشايخه، وعمل تراجم مشايخه فأفاد، وخرّج لنفسه «أربعين» متباينة لكن
لم يلتزم فيها السماع، ورحل إلى اليمن، فسمع بها، ومدح الناصر أحمد
فأجازه وولّاه مدرسة هناك، فأقام بتلك البلاد، وصار يحجّ كل سنة، وكان
حافظا، ذا مروءة وقناعة وصبر على الأذى، باذلا لكتبه [2] وفوائده،
موصوفا بصدق اللهجة وقلّة الكلام.
قدم في هذه السنة حاجّا فعاقهم الرّيح، فخشي فوات الحجّ، فركب البحر،
وأجهد نفسه، فأدرك الحجّ لكنه توعك، واستمرّ مريضا إلى أن مات بمكة في
ثامن عشر ذي الحجّة ودفن بالمعلاة.
وفيها القاضي شرف الدّين أبو الفتح موسى بن محمد بن نصر البعلبكي،
المعروف بابن السّقيف- تصغير سقف- الشافعي [3] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 401) ، و «الضوء اللامع» (10/ 56) و
«العقد الثمين» (2/ 364) .
[2] في «آ» : «كتبه» .
[3] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 142) ، و «إنباء الغمر» (7/
403) ، و «الضوء اللامع» (10/ 191) .
(9/236)
ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وأخذ
الفقه عن الخطيب جلال الدّين، والحديث عن عماد الدّين بن بردس،
وغيرهما، واشتغل بدمشق على ابن الشّريشي، والزّهري، وغيرهما، ومهر،
وتصدّى للإفتاء والتدريس ببلده من أول سنة إحدى وثمانين وهلم جرا، وولى
قضاء بلده مرارا فحمدت سيرته، وكان كثير البرّ للطلبة، سليم الباطن،
يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وله أوراد وعبادة، وانتهت إليه رئاسة
الفقه ببلده إلى أن توفي في جمادى الآخرة.
وفيها جمال الدّين يوسف بن الشيخ إسماعيل الأنبابي [1] .
قال ابن حجر: ابن القدوة إسماعيل. أخذ الكثير عن شيوخنا، وقرأ في
الفقه، والأصول، والعربية، وأكثر جدا، ثم انقطع بزاوية أبيه بأنبابة،
وأحبه الناس واعتقدوه، وحجّ مرارا، وكان يذكر لنفسه نسبا إلى سعد بن
عبادة، ومات في شوال وخلّف مالا كثيرا جدا. انتهى.
وفيها السلطان قرا يوسف بن محمد قرا التّركماني [2] ملك العجم.
كان في أول أمره من التركمان الرحّالة النزّالة، فتنقلت به الأحوال إلى
أن استولى بعد اللّنك على عراق العرب والعجم، ثم ملك تبريز، وبغداد،
وماردين، وغيرها، واتسعت مملكته، وكان ينتمي إلى أحمد بن أويس، وتزوج
أحمد أخته، ثم وقع بينهما، وتقابلا، فهرب أحمد منه، فملك بغداد سنة خمس
وثمانمائة، فأرسل إليه اللّنك عسكرا، فهرب إلى دمشق، واجتمع مع أحمد بن
أويس وتصالحا، ثم تنقلت به الأحوال إلى أن قتل مرزاشاه بن اللّنك في
ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة، واستبدّ بملك العراق، وسلطن ابنه محمد شاه
ببغداد، ثم نهب سنجار، والموصل، وأوقع بالأكراد، واختلف الحال بينه
وبين شاه رخ، ثم تصالحا وتحالفا وتصاهرا، ثم انتقض الصّلح سنة سبع عشرة
وتحاربا. وفي سنة إحدى وعشرين سبى أهل عنتاب، وقتل، وأسر، وأفحش في
القتل والسّبي بحيث أبيع
__________
[1] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 146) و «إبناء الغمر» (7/
404) و «الضوء اللامع» (10/ 302) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 397) و «الضوء اللامع» (6/ 216) .
(9/237)
صغير واحد بدرهمين، وحرق المدينة، وأخذ
أموالها، وتوجه إلى البيرة فنهبها، ثم بلغه أن ولده محمد شاه عصى عليه
ببغداد فتوجه إليه وحصره واستصفى أمواله وعاد إلى تبريز، وكان شديد
الظّلم، قاسي القلب، لا يتمسك بدين، واشتهر عنه أن في عصمته أربعين
امرأة، وقد خرجت في أيامه وأيام أولاده مملكة العراقين.
وتوفي بتبريز في ذي القعدة وقام بعده ابنه إسكندر
.
(9/238)
سنة أربع وعشرين
وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن هلال الحلبي [1] .
اشتغل قديما على الشيخ شمس الدّين بن الخرّاط وغيره، وكان مفرط
الذّكاء، وأخذ التّصوف عن شمس الدّين البلالي، ثم توغل في مذهب أهل
الوحدة ودعا إليه، وصار كثير الشطح، وجرت له وقائع، وكان أتباعه
يبالغون في إطرائه ويقولون: هو نقطة الدائرة، إلى غير ذلك من مقالاتهم
المستبشعة. قاله ابن حجر.
وفيها جقمق [2] .
كان من أبناء التّركمان، فاتفق مع بعض التجار أن يبيعه ويقسم ثمنه
بينهما ففعل، فتنقل في الخدم حتّى تقرّر دويدارا ثانيا عند الملك
المؤيد قبل سلطنته، ثم استمرّ، وكان يتكلم بالعربية [3] لا يشك من
جالسه أنه من أولاد الأحرار، ثم استقرّ دويدارا كبيرا إلى أن قرّره
الملك المؤيد في نيابة الشام، فبنى السوق المعروف بسوق جقمق، وأوقفه
على المدرسة التي بناها قرب الأموي، ثم أظهر العصيان لما مات الملك
المؤيد.
قال المقريزي: كان سيء السيرة، شديدا في دواداريته على الناس، حصّل
أموالا كثيرة، وكان فاجرا، ظلوما، غشوما، لا يكف عن قبيح [4] . انتهى.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 434) ، و «الضوء اللامع» (2/ 241) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 435) ، و «الضوء اللامع» (3/ 74- 75)
.
[3] في «آ» : «بالعربي» .
[4] في «ط» : «قبح» .
(9/239)
قتله ططر بدمشق بعد أن صادره، في أمواله في
أواخر شعبان، ودفن بمدرسته لصيق الكلّاسة.
وفيها الملك المؤيد شيخ بن عبد الله المحمودي [1] .
قدم القاهرة وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وكان جميل الصورة، فمات جالبه،
فاشتراه محمود تاجر المماليك، وانتسب إليه، وقدّمه لبرقوق فأعجبه وجعله
خاصكيا، ثم جعله من السّقاة، ونشأ ذكيا، فتعلم الفروسية من اللعب
بالرّمح، ورمي النّشّاب والضّرب بالسيف وغير ذلك، ومهر في جميع ذلك، مع
جمال الصّورة، وكمال العشرة، والتهتّك، وضرب بسبب ذلك، ثم تنقلت به
الأحوال من الإمارة على الحاج وغير ذلك، إلى أن ولي نيابة الشام، ثم
تسلطن يوم الاثنين مستهل شعبان سنة خمس عشرة وثمانمائة.
قال في «المنهل» : وكان ملكا، شجاعا، مقداما، مهابا، سيوسا، عارفا
بالحروب والوقائع، جوادا على من يستحق الإنعام، بخيلا على من لا يستحقه
إلى الغاية، طويلا، بطينا، واسع العينين، أشهلهما، كثّ اللّحية، جهوري
الصّوت، فحّاشا، سبّابا، ذا خلق سيء، وسطوة، وجبروت، وهيبة زائدة، يرجف
القلب عند مخاطبته، محبّا لأهل العلم، مبجلا للشرع، مذعنا له، غير مائل
إلى شيء من البدع، إلا أنه كان مسرفا على نفسه، متظاهرا بذلك، وبنى
أماكن تقام فيها الخطبة، منها جامعه المؤيدي داخل باب زويلة الذي ما
عمر في الإسلام أكثر زخرفة وأحسن ترخيما منه بعد جامع دمشق.
وتوفي يوم الاثنين تاسع المحرم.
وسلطنوا ولده المظفّر أبا السعادات وعمره سنة واحدة وثمانية أشهر وسبعة
أيام.
قال المقريزي: واتفق في موته موعظة وهو أنه لما غسّل لم يوجد له منشفة
ينشف بها، فنشّف في منديل لبعض من حضر من الأمراء، ولا وجد له مئزر
يستره،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 435) و «الضوء اللامع» (3/ 308) و
«المنهل الصافي» (6/ 263- 312) و «الدليل الشافي» (1/ 346) .
(9/240)
حتّى أخذ له مئزر صوف صعيدي من فوق رأس بعض
جواريه، ولا وجد له طاسة يصب بها عليه الماء وهو يغسل، مع كثرة ما خلّف
من الأموال. انتهى.
ودفن بقبته التي أنشأها بالجامع المؤيدي بباب زويلة.
وفيها أبو الفتح ططر بن عبد الله الظّاهري [1] ، ملك الدّيار المصرية
والشامية.
كان من جملة مماليك الظّاهر برقوق، ولا زال يترقى حتى صار أمير مائة
مقدم ألف بالدّيار [2] المصرية، وتنقلت به الأحوال إلى أن مرض الملك
المؤيد، وأوصى له بالتكلم على ابنه أحمد، فلما مات المؤيد خرج ططر إلى
البلاد الشامية بالسلطان والخليفة والقضاة والعساكر، وعزل، وولّي، ثم
دخل حلب، ثم عاد إلى دمشق، واستمال الخواطر، وتحبّب إلى الأمراء، ثم
عزم على خلع الملك المظفّر لصغره، فخلعه في تاسع عشري شعبان من هذه
السنة، وتسلطن هو، ولقّب بالملك الظّاهر أبي الفتح، وجلس على كرسي
الملك، ثم في سابع عشر شهر رمضان برز من دمشق إلى الدّيار المصرية
فوصلها يوم الخميس رابع شوال، فمرض ولزم بيته إلى يوم الثلاثاء أول ذي
القعدة، نصل، ودخل الحمام، وتباشر الناس بعافيته، ثم أخذ مرضه يتزايد
إلى ثاني ذي الحجّة، فجمع الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة، وعهد
لولده محمد، وأن يكون الأمير جانبك الصّوفي متكلما في الأمور، وحلف
الأمراء على ذلك، كما حلف هو غير مرّة لابن الملك المؤيد، وتوفي ضحى
يوم الأحد رابع ذي الحجّة وله نحو خمسين سنة، ودفن بالقرافة بجوار
الإمام اللّيث بن سعد، وكانت مدة سلطنته أربعة وتسعين يوما، وفي هذه
المدة اليسيرة لا يستقلّ ما فعل من الانتقام والجور وسفك الدماء، فأتعب
نفسه، ومهد لغيره، وكان ملكا عارفا فطنا، عفيفا عن المنكرات، مائلا إلى
العدل، يحب الفقهاء وأهل العلم، ويذاكر بالفقه، ويشارك فيه، وله فهم
وذوق في البحث، بارعا في حفظ الشعر التركي، عارفا بمعانيه، وعنده إقدام
وجرأة وكرم مفرط، مع طيش
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 438) و «الضوء اللامع» (4/ 7- 8) ، و
«الدليل الشافي» (1/ 363) .
[2] في «آ» : «الدّيار» .
(9/241)
وخفّة، وكان قصيرا جدا كبير اللّحية
أسودها، مليح الشكل، يتكلم بأعلى حسّه، وفي صوته بحة، شنعة، كثير
التعصب لمذهب الحنفية، يريد أن لا يدع أحدا من الفقهاء غير الحنفية.
قاله في «المنهل الصّافي» .
وفيها جلال الدّين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام سراج الدّين عمر بن رسلان
البلقيني [1] الشافعي.
ولد في جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وأمه بنت القاضي بهاء
الدّين بن عقيل النّحوي، ونشأ بالقاهرة، وحفظ القرآن وعدة متون في عدة
علوم، وتفقه بوالده وغيره، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية،
والتفسير، والمعاني، والبيان، وأفتى، ودرّس في حياة والده، وتولى قضاء
العسكر بالدّيار المصرية في حياة والده أيضا.
قال المقريزي: لم يخلّف بعده مثله في كثرة علومه بالفقه وأصوله،
والحديث، والتفسير، والعربية، والنّزاهة عما ترمي به قضاة السوء.
انتهى.
وممن أثنى عليه جلال الدّين بن ظهيرة المكّي، وأنشد فيه لنفسه:
هنيئا لكم يا أهل مصر جلالكم ... عزيز فكم من شبهة قد جلا لكم
ولولا اتّقاء الله جلّ جلاله ... لقلت لفرط الحبّ جلّ جلالكم
وقال ابن تغري بردي، بعد أن أثنى عليه أحسن الثناء: وأنا أعرف به من
غيري فإنه كان تأهل بكريمتي، وما نشأت إلّا عنده، وقرأت عليه غالب
القرآن الكريم، وكان إذا توجه إلى منتزه يأخذني صحبته إلى حيث سار،
فإذا أقمنا بالمكان يطلبني ويقول: اقرأ الماضي من محفوظك فأقرأ عليه ما
شاء الله أن أقرأه.
وتوفي ليلة الخميس بعد العشاء الآخرة بساعة الحادي عشر من شوال.
وفيها تاج الدّين أبو نصر عبد الوهاب بن أحمد بن صالح بن أحمد بن
__________
[1] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 112) و «إنباء الغمر» (7/
440) و «الضوء اللامع» (4/ 106) و «الدليل الشافي» (1/ 403) و «النجوم
الزاهرة» (14/ 237) .
(9/242)
خطاب البقاعي [1] الفاري- بالفاء والراء
الخفيفة- نسبة إلى قرية بالبقاع تسمّى بيت فار- الدمشقي الشافعي.
ولد سنة سبع وستين وسبعمائة، وحفظ «التمييز» وغيره، واشتغل على والده،
وعلى النّجم ابن الجابي، والشريشي، وغيرهم، ونشأ هو وأخوه عبد الله على
خير وتصون، ودرّس في حياة أبيه بالعادلية الصّغرى، واستمرت بيده إلى أن
مات، ودرّس بعد أبيه بالشامية البرّانية، وولي إفتاء دار العدل، وناب
في الحكم مدة طويلة، وولّاه الأمير نوروز القضاء باتفاق الفقهاء عليه
بعد موت الأخنائي، فباشره مباشرة حسنة، فلما غلب المؤيد على نوروز صرفه
ولم يعزله بسوء، فلزم الشباك الكمالي بجامع دمشق يفتي، وبالشامية
يدرّس، وكان حسن الرأي والتدبير، ديّنا له حظ من عبادة إلّا أنه لم يكن
مشكورا في مباشرة الوظائف، وكان عاقلا، ساكنا، كثير التّلاوة، يقوم
اللّيل، كثير الأدب والحشمة، طاهر اللّسان.
توفي في أحد الرّبيعين. قاله ابن حجر.
وفيها قتل أبو سعيد عثمان بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب
بن عبد الخالق المريني [2] .
قتله مدبر مملكته عبد العزيز الكناني، وقتل إخوته وأولاده وأكابر البلد
وأبطالها وشيوخها، وكانت فتنة كبيرة انقطعت فيها دولة بني مرين من فاس،
وأقام محمد بن أبي سعيد في المملكة، واستبدّ هو بتدبير الأمور، فسبحان
من لا يزول ملكه.
وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم البوصيري الشافعي [3] .
قال ابن حجر: كان خيّرا، ديّنا، كثير النّفع للطلبة، يحج كثيرا ويقصد
الأغنياء لنفع الفقراء وربما استدان للفقراء على ذمته ويوفي الله عنه،
وكانت له عبادة، وتؤثر عنه كرامات.
__________
[1] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 116) و «إنباء الغمر» (7/
442) و «الضوء اللامع» (5/ 96) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 427) و «الضوء اللامع» (5/ 124) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 445) .
(9/243)
مات في سادس ربيع الآخر. انتهى.
وفيها عزّ الدّين محمد بن خليل بن هلال الحاضري الحلبي الحنفي [1] .
ولد في أحد الجمادين سنة سبع وأربعين وسبعمائة، ورحل إلى دمشق، فأخذ
بها عن جماعة، منهم ابن أميلة، قرأ عليه «سنن أبي داود» و «الترمذي»
ودخل القاهرة، فأخذ عن الشيخ ولي الدّين المنفلوطي، والجمال الإسنوي،
ورحل إلى القاهرة مرة أخرى، وتفقه ببلده، وحفظ كتبا نحو الخمسة عشر
كتابا في عدة فنون، وقرأ على العراقي في علوم الحديث، وأجاز له، ولازم
العلم إلى أن انفرد، وصار المشار إليه ببلاده، وولي قضاء بلده، ودرّس،
وأفتى، وكان محمود السيرة، مشكور الطريقة.
قال البرهان المحدّث: لا أعلم بالشام كلها مثله ولا بالقاهرة مثل
مجموعه الذي اجتمع فيه من العلم الغزير، والتواضع، والدّين المتين،
والذّكر، والتّلاوة.
انتهى.
وتوفي في أحد الجمادين.
وفيها رضي الدّين أبو حامد محمد بن عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن
أبي عبد الله الفاسي الحسني المكّي المالكي [2] .
ولد في رجب سنة خمس وثمانين وسبعمائة، وسمع الحديث، وتفقه، وأفتى،
ودرّس، وولي قضاء المالكية، ثم عزل، فناب عن القاضي الشافعي، وكان
خيّرا ساكنا، متواضعا، ذاكرا للفقه.
توفي في ربيع الأول.
وأخوه محبّ الدّين أبو عبد الله محمد [3] .
كان أسنّ منه أجاز له ابن أميلة وغيره، ومهر في الفقه.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 446) و «الضوء اللامع» (7/ 232) .
[2] ترجمته في «العقد الثمين» (2/ 105) و «إنباء الغمر» (7/ 447) و
«الضوء اللامع» (8/ 41) .
[3] ترجمته في «العقد الثمين» (2/ 113) و «إنباء الغمر» (7/ 447) .
(9/244)
سنة خمس وعشرين
وثمانمائة
فيها كما قال ابن حجر [1] : ولدت فاطمة بنت القاضي جلال الدّين
البلقيني من بعلها تقي الدّين رجب بن العماد قاضي الفيّوم ولدا خنثى،
له ذكر وفرج أنثى، وقيل: إن له يدين زائدتين نابتتان في كتفيه، وفي
رأسه قرنان كقرني الثّور، فيقال: ولدته ميتا، ويقال: مات بعد أن ولدته.
انتهى.
وفيها أخذ الفرنج مدينة سبتة من أيدي المسلمين [2] .
وفيها كان الطّاعون الشديد بحلب، حتّى خلال أكثر البلد من الناس [2] .
وفيها برهان الدّين إبراهيم بن أحمد البيجوري الشافعي [3] .
ولد في حدود الخمسين وسبعمائة، وأخذ عن الإسنوي، ولازم البلقيني، ورحل
إلى الأذرعي بحلب سنة سبع وسبعين، وبحث معه، وكان الأذرعي يعترف له
بالاستحضار، وشهد له الشيخ جمال الدّين الحسباني عالم دمشق بأنه أعلم
الشافعية بالفقه في عصره.
وقال محيى الدّين المصري: فارقته سنة خمس وثمانين وهو يسرد «الروضة»
حفظا، وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا، لا يتردد إلى أحد، سليم الباطن، لا
يكتب
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 448- 449) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (7/ 464) .
[3] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 91) و «إنباء الغمر» (7/ 470)
و «الضوء اللامع» (1/ 17) .
(9/245)
على الفتوى تورعا، وولي بأخرة مشيخة
الفخرية بين السورين، وكان الطلبة يصححون عليه تصانيف العراقي نقلا
وفهما، وكانوا يراجعون العراقي في ذلك فلا يزال يصلح في تصانيفه ما
ينقلونه له عنه، ولم يخلّف بعده من يقارنه، وكان فقيرا جدا، مع قلّة
وظائف.
وتوفي يوم السبت رابع عشر رجب، رحمه الله تعالى.
وفيها برها الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عيسى بن عمر بن زياد
العجلوني الدمشقي الشافعي، الشهير بابن خطيب عذراء [1] .
ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة بعجلون، وحفظ «المنهاج» في صغره،
واشتغل على مشايخ عصره، ودأب في الفقه خصوصا «الروضة» وتصدّر للاشغال
مدة طويلة، وولي قضاء صفد في أيام الظّاهر برقوق سنة ثلاث وثمانمائة،
وقدم دمشق سنة ست وثمانمائة، وولي نيابة الحكم، وأقام على ذلك سنين، ثم
تنزه عن ذلك كلّه وأكب على الأشغال، وصار يفتي ويدرّس، إلى أن حصل له
فالج فلزم منه الفراش من غير أن يتكلم إلى أن توفي سابع عشري المحرم.
وفيها صدر الدّين أبو بكر بن تقي الدّين إبراهيم بن محمد بن مفلح
المقدسي الأصل ثم الدمشقي الحنبلي [2] .
ولد سنة ثمانين وسبعمائة، وتفقه قليلا، واستنابه أبوه وهو صغير،
واستنكر الناس منه ذلك، ثم ناب لابن عبادة، وشرع في عمل المواعيد بجامع
الأرموي، وشاع اسمه، وراجع بين العوام، وكان على ذهنه كثير من التفسير،
والأحاديث، والحكايات، مع حضور شديد في الفقه، وولي القضاء استقلالا في
شوال سنة سبع عشرة فباشر خمسة أشهر ثم عزل وتوفي في جمادى الآخرة. قاله
ابن حجر.
__________
[1] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 93) و «إنباء الغمر» (7/ 471)
و «الضوء اللامع» (1/ 156) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 473) و «الضوء اللامع» (11/ 13) ، و
«السحب الوابلة» ص (123) .
(9/246)
وفيها نفيس الدّين سليمان بن إبراهيم بن
عمر التّعزي [1] الشافعي [2] ، الفقيه العلوي- نسبة إلى علي بن بلي بن
وائل-.
سمع أباه، وابن شدّاد، وغيرهما، وعني بالحديث، وأحب الرواية، واستجيز
له من جماعة من أهل مكة.
قال ابن حجر: وسمع مني، وسمعت منه، وكان محبّا في السماع والرواية،
محثا على ذلك، مع عدم مهارة فيه، فذكر لي أنه مرّ على «صحيح البخاري»
مائة وخمسين مرة ما بين قراءة وسماع وإسماع ومقابلة، وحصل من شروحه
كثيرا، وحدّث بالكثير، وكان محدّث أهل بلده.
مات في ذي الحجّة، وقد جاوز الثمانين.
وفيها صدقة بن سلامة بن حسين بن بدران بن إبراهيم بن جملة الجيدوري [3]
ثم الدمشقي المقرئ.
عني بالقراءات وأتقنها، وأقرى بالجامع الأموي، وأدّب خلقا، وانتفعوا
به، وله تآليف في القراآت.
توفي في عاشر جمادى الأولى.
وفيها أسد الدّين عبد الرحمن بن محمد بن طولوبغا التّنكزي [4] ، مسند
الشّام.
قال ابن حجر: تفرّد، وحدّث، وحجّ في سنة أربع وعشرين وثمانمائة بمكّة،
ورجع فمات بدمشق في ثاني عشر ذي القعدة، وكان مسند الشام.
وفيها عثمان بن سليمان الصّنهاجي [5] .
__________
[1] في «آ» : «التغري» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 474) ، و «الضوء اللامع» (3/ 29) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 475) و «الضوء اللامع» (3/ 317) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 476) ، و «الضوء اللامع» (4/ 132) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 476) ، و «الضوء اللامع» (5/ 129) .
(9/247)
قال ابن حجر في «إنباء الغمر» : من أهل
الجزائر الذين بين تلمسان وتونس، رأيته كهلا وقد جاوز الخمسين وقد شاب
أكثر لحيته، وطوله إلى رأسه ذراع واحد بذراع الآدميين لا يزيد عليه
شيئا، وهو كامل الأعضاء، وإذا قام قائما يظنّ من رآه أنه صغير قاعد،
وهو أقصر آدمي رأيته، وذكر لي أنه صحب أبا عبد الله بن الغمار، وأبا
عبد الله بن عرفة، وغيرهما، ولديه فضيلة ومحاضرة حسنة. انتهى.
وفيها علي بن أحمد بن علي المارديني [1] .
سمع من ابن قواليح «صحيح مسلم» بدمشق، وحدّث عنه.
وتوفي بمكّة في شوال.
وفيها صبر الدّين علي بن سعد الدّين محمد [2] ملك المسلمين بالحبشة.
كان شجاعا، فارسا، شديدا على كفرة الحبشة، وجرت له معهم وقائع عديدة.
وتوفي مبطونا واستقرّ بعده أخوه.
وفيها شمس الدّين أبو المعالي محمد بن أحمد بن معالي الحبتي [3]- بفتح
الحاء المهملة، وسكون الموحدة، وفوقية، نسبة إلى حبتة بنت ملك بن عمرو
بن عوف- الحنبلي المحدّث.
ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وسمع من عمر بن أميلة، والعماد بن كثير،
وغيرهما، ومهر في فنون كثيرة، وتفقّه بابن قاضي الجبل، وابن رجب،
وغيرهما، وتعانى الآداب فمهر، وقدم القاهرة في رمضان سنة أربع
وثمانمائة، وحدّث بها ببعض مسموعاته، وقصّ على الناس في عدة أماكن،
وناب في الحكم، وكان يحب جمع المال، مع مكارم الأخلاق، وحسن الخلق،
وطلاقة الوجه، والخشوع التّام.
__________
[1] ترجمته في «العقد الثمين» (6/ 138) ، و «إنباء الغمر» (7/ 436) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 476) ، و «الضوء اللامع» (5/ 283) .
[3] ترجمته في «المقصد الأرشد» (2/ 67) و «إنباء الغمر» (7/ 480) و
«الضوء اللامع» (7/ 107) .
(9/248)
قال ابن حجر: سمعنا بقراءته «صحيح البخاري»
في عدة سنين بالقلعة، وسمعنا من مباحثه وفوائده ونوادره وماجرياته.
وتوفي فجأة ليلة الخميس وقت العشاء ثامن عشري المحرم بالقاهرة.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن خالد الشافعي، المعروف بابن البيطار
[1] .
سمع من مشايخ ابن حجر معه، وغيره، وكان وقورا، ساكنا، حسن الخلق، كثير
التّلاوة.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن أحمد الزّراتيتي الحنبلي [2] المقرئ
إمام الظّاهرية البرقوتية.
ولد سنة سبع وأربعين وسبعمائة، وعني بالقراءات، ورحل فيها إلى دمشق
وحلب، وأخذ عن المشايخ، واشتهر بالدّين والخير.
قال ابن حجر: سمع معنا الكثير، وسمعت منه شيئا يسيرا، ثم أقبل على
الطلبة بأخرة، فأخذوا عنه القراآت، ولازموه، وأجاز للجماعة، وانتهيت
إليه الرئاسة في الإقراء بمصر، ورحل إليه من الأقطار، ونعم الرجل كان.
توفي يوم الخميس سادس جمادي الآخرة بعد أن أضرّ.
وفيها السلطان محمد جلبي بن با يزيد [3] بن مراد بن أورخان بن [4]
عثمان.
كان يلقب بكرشي. كان شجاعا مقداما مجاهدا، فتح عدة قلاع وبلاد،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 481) و «الضوء اللامع» (8/ 180) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 482) و «الضوء اللامع» (9/ 11) ، و
«السحب الوابلة» ص (413) .
[3] في «آ» و «ط» : «بن أبي يزيد» والصواب ما أثبته نقلا عن «تاريخ
الدولة العلية العثمانية» ص (777) و «الشقائق النعمانية» ص (37) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 484) و «الضوء اللامع» (10/ 47) و
«الشقائق النعمانية» ص (37) و «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (149-
152) و 777) .
(9/249)
وبنى المدارس، وعمر العماير، وهو أول من
عمل الصرة [1] للحرمين الشريفين من آل عثمان، رحمه الله تعالى.
وفيها بدر الدّين محمود بن العلّامة شمس الدّين الأقصرائي [2] الأصل
المصري المولد والدار والوفاة الحنفي.
ولد سنة بضع وتسعين وسبعمائة، ونشأ بالقاهرة، وطلب العلم، فبرع في
الفقه والعربية، وشارك في عدة فنون، ورأس على أقرانه، وجالس الملك
المؤيد شيخ، ثم اختص بالملك الظّاهر ططر اختصاصا زائدا، وتردّد الناس
إلى بابه، وتحدّثوا برفعته فعوجل بمنيته ليلة الثلاثاء خامس المحرم.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الصر» والتصحيح من «تاريخ الدولة العلية
العثمانية» ص (152) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 484) و «الضوء اللامع» (10/ 143) وفيه
«محمود بن محمد بن إبراهيم بن أحمد البدر» .
(9/250)
|