شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة وست وعشرين
وثمانمائة
فيها كان طاعون مفرط بالشام، حتّى قيل: إن جملة من مات في أيام يسيرة
زيادة على خمسين ألفا، ووقع أيضا بدمياط طاعون عظيم.
وفيها توفي إبراهيم بن مبارك شاه الإسعردي الخواجا [1] التّاجر المشهور
صاحب المدرسة بالجسر الأبيض.
كان كثير المال، واسع العطاء، كثير البذل. قاله ابن حجر.
وفيها الحافظ ولي الدّين أبو زرعة أحمد بن حافظ العصر شيخ الإسلام عبد
الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي [2] الإمام بن الإمام، والحافظ
ابن الحافظ، وشيخ الإسلام ابن شيخ الإسلام الشافعي.
ولد في ذي الحجّة سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وبكّر به أبوه، فأحضره
عند المسند أبي الحرم القلانسي في الأولى، وفي الثانية، واستجاز له من
أبي الحسن العرضي، ثم رحل به إلى الشام في سنة خمس وستين وقد طعن في
الثالثة، فأحضره عند جمع كثير من أصحاب الفخر ابن البخاري وأنظارهم، ثم
رجع، فطلب بنفسه وقد أكمل أربع عشرة سنة، فطاف على الشيوخ، وكتب
الطّباق، وفهم الفنّ، واشتغل في الفقه، والعربية، والمعاني، والبيان،
وأحضر على جمال
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 120) و «الضوء اللامع» (1/ 118) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 21) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي
شهبة (4/ 103) و «الضوء اللامع» (1/ 302) و «حسن المحاضرة» (1/ 206) و
«الدليل الشافي» (1/ 53) و «البدر الطالع» (1/ 72) .
(9/251)
الدّين الإسنوي، وشهاب الدّين ابن النّقيب،
وغيرهما، وأقبل على التّصنيف، فصنّف أشياء لطيفة في فنون الحديث، ثم
ناب في الحكم، وأقبل على الفقه، فصنّف «النّكت على المختصرات الثلاثة»
جمع فيها بين «التوشيح» للقاضي تاج الدّين السّبكي، وبين «تصحيح
الحاوي» لابن الملقّن، وزاد عليهما فوائد من «حاشية الروضة» للبلقيني،
ومن «المهمات» للإسنوي، وتلقى الطلبة هذا الكتاب بالقبول ونسخوه وقرأوه
عليه، واختصر أيضا «المهمات» وأضاف إليها «حواشي البلقيني على الروضة»
.
وكان لما مات أبوه تقرّر في وظائفه، فدرّس بالجامع الطّولاني وغيره، ثم
ولي القضاء الأكبر، وصرف عنه، فحصل له سوء مزاج من كونه صرف ببعض
تلامذته، بل ببعض من لا يفهم عنه كما ينبغي، فكان يقول: لو عزلت بغير
فلان ما صعب عليّ، وكان من خير أهل عصره بشاشة وصلابة في الحكم، وقياما
في الحقّ وطلاقة وجه، وحسن خلق، وطيب عشرة.
وتوفي في يوم الخميس التاسع والعشرين من شهر رمضان عن ثلاث وستين سنة
وثمانية أشهر، ودفن عند والده، رحمهما الله تعالى.
وفيها مجد الدّين أبو البركات سالم بن سالم بن أحمد المقدسي ثم المصري
الحنبلي [1] ، قاضي القضاة بالدّيار المصرية وشيخ الإسلام بها.
ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وقدم القاهرة في سنة أربع وستين،
واستقرّ في القضاء بعد وفاة القاضي موفق الدّين بن نصر الله المتقدّم
ذكره، وكان يعدّ من فقهاء الحنابلة وأخيارهم، باشر القضاء نيابة
واستقلالا أكثر من ثلاثين سنة بتواضع وعفّة، وعزل بابن مغلي، فقال
بعضهم عند عزله:
قضى المجد قاضي الحنبليّة نحبه ... بعزل وما موت الرّجال سوى العزل
وقد كان يدّعى قبل ذلك سالما ... فخالطه فرط انسهال من المغلي
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 28) و «الضوء اللامع» (3/ 241) و
«السّحب الوابلة» ص (170) .
(9/252)
وتوفي يوم الخميس تاسع عشري [1] ذي القعدة
بعد أن ابتلي بالزّمانة والعطلة عدة سنين.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن الشيخ شمس الدّين محمد بن إسماعيل
القلقشندي [2] الشافعي، سبط الشيخ صلاح الدّين العلائي.
اشتغل على أبيه وغيره، وأحبّ الحديث وطلبه، وكتب الطّباق بخطّه، وصنّف،
ونظم، وكان فاضلا نبيها.
قال ابن حجر: سمع معي في الرحلة إلى دمشق، كثيرا بها، وبنابلس، والقدس،
وغيرها، وصار مفيد بلده في عصره، وقدم القاهرة في هذه السنة فأسمع ولده
بها من جماعة، وكان حسن العقل والخط، حاذقا، رجع إلى بلده فمات بها،
وأسفنا عليه، رحمه الله تعالى. انتهى.
وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن علي بن أحمد النّويري ثم المكّي
الشافعي العقيلي [3] .
ولد سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، وتفقّه، ومهر، وقرأ «سنن أبي داود» على
السّراج البلقيني سنة اثنتين وثمانمائة، وكان أبوه مالكي المذهب،
فخالفه وأقام بالقاهرة مدة، وأخذ عن شيوخها، وأذن له الشيخ برهان
الدّين الأنباسي، وبدر الدّين الطّنبدي، ثم دخل اليمن وولي القضاء
بتعزّ، ثم رجع إلى مكة فتوفي بها في حادي عشر ذي الحجّة.
وفيها عبد القادر، ويدعى محمدا، ابن قاضي الحنابلة علاء الدّين علي بن
محمود بن المغلي السّليماني ثم الحموي الحنبلي [4] .
نشأ على طريقة حسنة، ونبغ، وحفظ «المحرّر» وغيره.
__________
[1] في «آ» : «تاسع عشر» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 29) و «الضوء اللامع» (4/ 124) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 31) و «الضوء اللامع» (4/ 221) و
«العقد الثمين» (5/ 452) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 31) و «الضوء اللامع» (4/ 280) .
(9/253)
وتوفي مراهقا في نصف ذي القعدة وأسف أبوه
عليه جدا، ولم يكن له ولد غيره.
وفيها نور الدّين علي بن رمح بن سنان بن قنا الشافعي [1] .
سمع من عزّ الدّين ابن جماعة وغيره، ولم ينجب، وصار بأخرة يتكسّب في
حوانيت الشهود، وهو أحد الصّوفية بالخانقاه البيبرسية.
وتوفي عن أزيد من ثمانين سنة.
وفيها زين الدّين وسراج الدّين عمر بن عبد الله بن علي بن أبي بكر،
الأديب الشاعر، الأنصاري الأسواني [2] نزيل القاهرة.
ولد بأسوان سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وقدم القاهرة فأقام بها مدة، ثم
توجه إلى دمشق، وأخذ الأدب عن الشيخ جلال الدّين ابن خطيب داريا، ثم
عاد إلى القاهرة واستوطنها إلى أن مات بها.
قال المقريزي: كان يقول الشعر، ويتقن شيئا من العربية، مع تعاظم وتطاول
وإعجاب بنفسه، واطّراح جانب الناس، لا يرى أحدا وإن جلّ شيئا، بل يصرّح
بأن أبناء زمانه كلّهم ليسوا بشيء، وأنه هو العالم دونهم، وأنه يجب على
الكافة تعظيمه والقيام بحقوقه وبذل أموالهم كلها له، لا لمعنى فيه
يقتضي ذلك، بل سوء طباع، وكان يمدح فلا يجد من يوفيه حقه بزعمه، فيرجع
إلى الهجاء، فلذلك كان مشنوءا عند الناس.
ومن شعره [3] :
إنّ دهري لقد رماني بقوم ... هم على بلوتي أشدّ حثيثا
إن أفه بينهم بشيء أجدهم ... لا يكادون يفقهون حديثا
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 32) و «الضوء اللامع» (5/ 220) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 33) و «الضوء اللامع» (6/ 95) .
[3] البيتان في «إنباء الغمر» ورواية الشطر الأول من البيت الأول فيه
كما يلي:
إن ذا الدهر قد رماني بقوم
(9/254)
وتوفي يوم الجمعة حادي عشر ربيع الأول.
وفيها زين الدّين عمر بن محمد الصّفدي ثم النّيني [1]- بنون مفتوحة، ثم
ياء تحتية ساكنة، ثم نون- الشافعي.
اشتغل قديما، ومهر، حتّى صار يستحضر «الكفاية» لابن الرّفعة، وأخذ
بدمشق عن علاء الدّين حجي وأنظاره. وسمع من ابن قوالح، وناب في الحكم
في بلاد عديدة في معاملات حلب، ثم قدم القاهرة قبل العشرين وثمانمائة،
ونزل بالمؤيدية في طلبة الشافعية، وكان كثير التقتير على نفسه.
وتوفي بمصر في جمادى الأولى وقد قارب الثمانين، ووجد له مبلغ عند بعض
الناس فوضع يده عليه ولم يصل لوارثه منه شيء، عفا الله عنه.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن عمر بن يوسف المقدسي الصّالحي
الحنبلي، المعروف بابن المكّي [2] .
ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وتفقه قليلا، وتعانى الشهادة، ولازم
مجلس القاضي شمس الدّين بن التّقي، وولي رئاسة المؤذنين بجامع الأموي،
وكان من خيار العدول، عارفا، جهوري الصّوت، حسن الشكل، طلق الوجه،
منوّر الشّيبة، أصيب بعدة أولاد له كانوا أعيان عدول البلدة مع النجابة
والوسامة فماتوا بالطاعون ثم توفي هو في جمادى الأولى.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن أحمد الغزّي الحلبي المقرئ، المعروف
بابن الركّاب [3] .
ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة بغزّة، وتعانى الاشتغال بالقراءات،
فمهر، وقطن بحلب، واشتغل في الفقه بدمشق مدة، ثم أقبل على التّلاوة
والإقراء، فانتفع
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 34) و «الضوء اللامع» (6/ 118) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 36) و «الضوء اللامع» (8/ 101) و
«السحب الوابلة» ص (396) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 36) و «الضوء اللامع» (8/ 158) وفيه:
«ابن أبي البركات» .
(9/255)
به [1] أهل حلب، واقرأ أكابرهم وفقراءهم
بغير أجرة. وممن قرأ عليه قاضي حلب علاء الدّين ابن خطيب الناصرية،
وكان قائما بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ومواظبة الإقراء، مع
الهرم.
وتوفي في تاسع عشر ربيع الأول.
وفيها محمد بن الشيخ شمس الدّين محمد بن عبد الدائم البرماوي [2] .
كان قد مهر، وحفظ عدة كتب، وتوجه مع أبيه إلى الشام فمات بالطّاعون،
ولم يكمل العشرين سنة، وأسف عليه أبوه، ولم يقم بالشام بعده بل قدم
القاهرة.
__________
[1] لفظه «به» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 37) و «الضوء اللامع» (9/ 90) .
(9/256)
سنة سبع وعشرين
وثمانمائة
فيها توفي الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل بن الأفضل عبّاس بن
المجاهد علي صاحب اليمن [1] .
استقرّ في المملكة بعد أبيه سنة ثلاث وثمانمائة، وجرت له كائنات، وكان
فاجرا جائرا.
قال ابن حجر: مات بسبب صاعقة سقطت على حصنه من زجاج فارتاع من صوتها
فتوعك.
ثم مات في سادس عشر جمادى الآخرة.
قال الله تعالى: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها من يَشاءُ 13:
13 [الرّعد: 13] .
انتهى بحروفه.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله البوتيجي الشافعي [2] .
تفقه ومهر، وحفظ «المنهاج» وكان يتكسّب بالشهادة، ثم تركها تورعا.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن أحمد النّويري المكّي المالكي [3] ،
قاضي مكّة وإمام المالكية بحرمها الشريف وابن إمامهم.
ولد في صفر سنة ثمانين وسبعمائة، وسمع على والده، والعفيف عبد الله،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 49) و «الضوء اللامع» (1/ 239) و
«الدليل الشافي» (1/ 41) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 50) و «الضوء اللامع» (1/ 371) .
[3] ترجمته في «العقد الثمين» (3/ 98) و «الضوء اللامع» (2/ 8) .
(9/257)
وبقراءة أخيه عبد العزيز المذكور في السنة
التي قبلها على الشيخ نصر الله بن أحمد البغدادي الحنبلي، ومن جماعة
أخر بمكّة. وحفظ «رسالة ابن أبي زيد المالكي» وتفقه على الشريف أبي
الخير الفاسي وغيره، وأفتى، ودرّس، وولي بعد وفاة والده بمدة إمامة
المالكية بالحرم، ثم بعد مدة طويلة ولي القضاء فلم يتمّ أمره، ودام
مصروفا إلى أن توفي قبيل العصر من يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الآخر،
ودفن بالمعلاة، وكان له ثروة.
وفيها القاضي محبّ الدّين أحمد بن الشيخ جمال الدّين محمد بن عبد الله
بن ظهيرة المخزومي الشافعي [1] قاضي مكّة وابن قاضيها، ومفتيها وابن
مفتيها.
ولد في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وسبعمائة، وحفظ «المنهاج» وعدة
كتب، وتفقه بوالده وغيره، وأذن له في الإفتاء الشّهاب الغزّي، والشّهاب
ابن حجي، وغيرهما.
وكان ماهرا في الفقه والفرائض، حسن السيرة في القضاء، ولي من سنة ثماني
عشرة إلى أن مات.
وتوفي في جمادى الأولى، وخلت مكّة بعده ممن يفتي فيها على مذهب
الشافعي. قاله ابن حجر.
وفيها زين الدّين أبو بكر بن عمر بن محمد الطّريني ثم المحلّي المالكي
[2] الشيخ الفاضل المعتقد.
كان صالحا، ورعا، حسن المعرفة بالفقه، قائما في نصر الحق، وله أتباع
وصيت كبير.
وتوفي في حادي عشر ذي الحجّة وقد جاوز الستين.
وفيها الملك العادل فخر الدّين أبو المفاخر سليمان بن الملك الكامل
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 50) و «الضوء اللامع» (2/ 134) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 51) و «الضوء اللامع» (11/ 64) .
(9/258)
غازي بن محمد بن أبي بكر بن شادي [1] صاحب
حصن كيفا وابن صاحبه.
تسلطن في الحصن بعد موت أبيه، وحسنت أيامه، وكان مشكور السيرة، محبّبا
للرعية، مع الفضيلة التّامة، والذكاء، والمشاركة الحسنة، وله نظم،
ونثر، وديوان شعر لطيف.
ومن شعره:
أريعان الشّباب عليك منّي ... سلام كلّما هبّ النّسيم
سروري مع زمانك قد تناءى ... وعندي بعده وجد مقيم
فلا برحت لياليك الغوادي ... وبدر التّمّ لي فيها نديم
يغازلني بغنج والمحيّا ... يضيء وثغره درّ نظيم
وقد مثل لدنّ [2] إن تثنّى ... وريقته بها يشفي السّقيم
إذا مزجت رحيق مع رضاب ... ونحن بليل طرّته نهيم
ونصبح في ألذّ العيش حتّى ... تقول وشاتنا هذا النّعيم
ونرتع في رياض الحسن طورا ... وطورا للتّعانق نستديم
واستمرّ في مملكة الحصن إلى أن توفي، وأقيم بعده ولده الملك الأشرف
أحمد المقتول بيد أعوان قرايلك في سنة ست وثلاثين وثمانمائة.
وفيها عبيد الله [3] بن محمد بن محمد [4] بن محمد [4] بن زبد- بالزاي
والباء الموحدة [5]- البعلبكي الشافعي، المعروف بان زبد [6] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 53) و «الضوء اللامع» (3/ 268) و
«المنهل الصافي» (6/ 48- 51) و «الدليل الشافي» (1/ 320) .
[2] في «الضوء اللامع» : «وقد سل لدن» .
[3] كذا في «آ» و «ط» : «عبيد الله» وفي «إنباء الغمر» و «الضوء
اللامع» : «عبد الله» .
[4، 4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[5] كذا في «آ» و «ط» : «ابن زبد بالزاي والباء الموحدة» وفي «إنباء
الغمر» و «الضوء اللامع» : «ابن زيد» بالياء.
[6] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 54) و «الضوء اللامع» (5/ 65- 66) .
(9/259)
ولد سنة ستين وسبعمائة تقريبا، وتفقه على
ابن الشّريشي، والقرشي، وغيرهما بدمشق. ثم ولي قضاء بلده قبل اللّنك،
ودرّس وأفتى، ثم ولي قضاء طرابلس في سنة عشر، ثم ولاه المؤيد قضاء دمشق
عوضا عن نجم الدّين بن حجي في سنة تسع عشرة، ثم في سنة ست وعشرين في
أيام الأشرف، وكانت مدته في الولايات يسيرة جدا الأولى ستة أشهر،
والثانية شهرا ونصفا. ولما صرف في النّوبة الثانية حصل له ذلّ كبير،
وقهر زائد، وذهب غالب ما كان حصّله في عمره، ولحقه فالج، فاستمرّ به
إلى أن مات في ربيع الأول. قاله ابن حجر.
وفيها أبو محمد بن عبد الله بن مسعود بن علي الملبّي [1] المعروف بابن
القرشية [2] .
أخذ عن أبيه عن الوادياشي، وعن أبي عبد الله بن عرفة، وأبي علي عمر بن
قدّاح الهواري، وأحمد بن إدريس الزواوي شيخ بجاية.
أخذ عنه «المسلسل بالأولية» و «مصافحة المعمّرين» وأبي عبد الله بن
مرزوق في آخرين تتضمنهم «فهرسته» التي أجاز فيها لابن أخيه أبي الفرج
سرور بن عبد الله القرشي.
وتوفي بتونس على ما ذكره ابن أخيه سرور.
وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن يوسف بن الحسن بن
محمد الزّرندي المدني الحنفي [3] قاضي الحنفية بالمدينة المنورة.
ولد في ذي القعدة سنة ست وأربعين وسبعمائة بالمدينة، وسمع على عزّ
الدّين بن جماعة، وصلاح الدّين العلائي، وأجاز له الزّبير بن علي
الأسواني، فكان خاتمة أصحابه.
وتوفي في ربيع الأول.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «الحلبي» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 55) و «الضوء اللامع» (5/ 70) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 56) و «الضوء اللامع» (4/ 105) و
«التحفة اللطيفة» (2/ 518) .
(9/260)
وفيها محيي الدّين عبد القادر بن أبي الفتح
محمد بن أبي المكارم أحمد بن أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الشريف
الحسني الفاسي [1] الأصل المكي الحنبلي أخو قاضي القضاة سراج الدّين
عبد اللّطيف الحنبلي.
ولد سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وقرأ، وتفقه، وناب في الحكم عن أخيه
شقيقه سراج الدّين المذكور.
وتوفي بمكة في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شعبان، ودفن بالمعلاة.
قاله تقي الدّين الفاسي في «تاريخه» .
وفيها نور الدّين علي [بن محمد] بن عبد الكريم الفوي [2] .
قال ابن حجر: سمع من الشيخ جمال الدّين بن نباتة، وأحمد بن يوسف
الخلاطي، وغيرهما. وحدّث بالكثير.
سمعت عليه «السيرة النبوية» لابن هشام ونعم الشيخ كان.
مات في خامس ذي الحجّة وبلغ الستين.
وفيها [3] نور الدّين [3] علي بن لؤلؤ [4] .
قال ابن حجر: كان عالما متورّعا، لا يأكل إلّا من عمل يده، ولم يتقلّد
وظيفة قطّ، ولازم الإقراء بالجامع الأزهر وغيره، وانتفع الناس به، وله
مقدّمة في العربية سهلة المأخذ.
مات في عشر الستين. انتهى.
وفيها عيسى بن يحيى الرّيغي- براء، ومثناة تحية، وغين معجمة، نسبة
__________
[1] ترجمته في «العقد الثمين» (5/ 47) و «الضوء اللامع» (4/ 287) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 56) و «الضوء اللامع» (5/ 313) وما
بين الحاصرتين مستدرك منه.
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 57) و «الضوء اللامع» (5/ 276) .
(9/261)
إلى ريغة إقليم بالمغرب- المغربي [1]
المالكي، نزيل مكة.
قال الفاسي: كان خيرا متعبدا معتنيا بالعلم نظرا وإفادة، وله في النحو
وغيره يد، وسمع الحديث بمكّة على جماعة من شيوخها والقادمين إليها،
وكان كثير السعي في مصالح الفقراء والطّرحاء، وجمعهم من الطرقات إلى
البيمارستان المستنصري بالجانب الشامي من المسجد الحرام، وربما حمل
الفقراء المنقطعين بعد الحجّ إلى مكّة من منى، وجاور بمكة سنين كثيرة
تقارب العشرين [2] وتأهل فيها بنساء من أعيان مكة، ورزق بها أولادا،
وبها توفي ليلة الاثنين سلخ المحرم، ودفن بالمعلاة وهو في عشر الستين
ظنا [2] وفيها محمد بن أحمد بن المبارك الحموي بن الخرزي الحنفي [3]
ولد قبل سنة ستين وسبعمائة، واشتغل على الصّدر منصور وغيره [4] من
أشياخ الحنفية بدمشق، ثم سكن حماة، وتحول إلى مصر بعد اللّنك، وناب في
الحكم، ثم تحوّل إلى دمشق، ودرّس، وكان مشاركا في عدة فنون إلّا أن يده
في الفقه ضعيفة، وكان كثير المرض. وتوفي في شعبان.
وفيها بدر الدّين محمد بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن سليمان
بن جعفر القرشي المخزومي الإسكندراني [5] المالكي النحوي الأديب.
قال السيوطي في «طبقات النّحاة» : [6] ولد بالإسكندرية سنة أربع وستين
وسبعمائة، وتفقه، وتعانى الأدب ففاق في النحو [6] والنّظم، والنّثر،
والخط، ومعرفة الشّروط، وشارك في الفقه وغيره، وناب في الحكم، ودرّس
بعدة مدارس، وتقدم، ومهر، واشتهر ذكره، وتصدّر بالجامع الأزهر لإقراء
النحو، ثم رجع إلى
__________
[1] ترجمته في «العقد الثمين» (6/ 472) و «الضوء اللامع» (5/ 158) وفيه
«الريفي» .
[2- 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 58) و «الضوء اللامع» (7/ 38) .
[4] لفظة «وغيره» سقطت من «ط» .
[5] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 184) و «بغية الوعاة» (1/ 66) .
[6- 6] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
(9/262)
الإسكندرية، واستمرّ يقرئ بها، ويحكم،
ويتكسب بالتجارة، ثم قدم القاهرة، وعيّن للقضاء لم يتفق له، ودخل دمشق
سنة ثمانمائة، وحجّ منها، وعاد إلى بلده، وتولي خطابة الجامع، وترك
الحكم، وأقبل على الاشتغال، ثم أقبل على أشغال الدنيا وأمورها، فتعانى
الحياكة، وصار له دولاب متّسع، فاحترقت داره، وصار عليه مال كثير، ففرّ
إلى الصّعيد، فتبعه غرماؤه، وأحضروه مهانا إلى القاهرة، فقام معه الشيخ
تقي الدّين بن حجة، وكاتب السرّ ناصر الدّين البارزي، حتّى صلحت حاله،
ثم حجّ سنة تسع عشرة، ودخل اليمن سنة عشرين، ودرّس بجامع زبيد نحو سنة
فلم يرج له بها أمر، فركب البحر إلى الهند، فحصل له إقبال كثير،
وعظّموه، وأخذوا عنه، وحصل له دنيا عريضة، فبغته الأجل ببلد كلبرجة من
الهند في شعبان، قتل مسموما.
وله من التصانيف: «شرح الخزرجية» و «جواهر البحور» في العروض، و «تحفة
الغريب في شرح مغني اللّبيب» و «شرح البخاري» و «شرح التسهيل» و
«الفواكه البدرية» من نظمه و «مقاطع الشرب ونزول الغيث» وهو حاشية على
الغيث الذي انسجم في «شرح لامية العجم» للصّفدي و «عين الحياة» مختصر
«حياة الحيوان» للدّميري، وغير ذلك.
روى لنا عنه غير واحد.
ومن شعره:
رماني زماني بما ساءني ... فجاءت نحوس وغابت سعود
وأصبحت بين الورى بالمشيب ... غليلا فليت الشّباب يعود
وله في امرأة جبّانة:
مذ تعانت لصنعة الجبن خود [1] ... قتلتنا عيونها الفتّانة
لا تقل لي كم مات فيها قتيل؟ ... كم قتيل بهذه الجبّانة
__________
[1] رواية الشطر الأول من البيتين في «بغية الوعاة» كما يلي:
منذ عانت صناعة الجبن خود
(9/263)
انتهى كلام السيوطي بحروفه ومن نظمه أيضا:
قلت له والدّجى مولّ ... ونحن بالأنس في التّلاقي
قد عطس الصّبح يا حبيبي ... فلا تشمّته بالفراق
وله ملغزا في غزال:
إنّ من قد هويته ... محنتي في وقوفه
فإذا زال ربعه ... زال باقي حروفه
وفيها نجم الدّين محمد بن أبي بكر بن علي بن يوسف الذّروي الأصل
الصّعيدي ثم المكّي الشافعي، المعروف بالمرجاني [1] .
ولد سنة ستين وسبعمائة بمكة، وأسمع على العزّ بن جماعة وغيره، وقرأ في
الفقه والعربية، وتصدى للتدريس والإفادة، وله نظم حسن ونفاذ في
العربية، وحسن عشرة، ورحل في طلب الحديث إلى دمشق، فسمع من ابن خطيب
المزّة، وابن المحبّ، وابن الصّيرفي، وغيرهم بإفادة الياسوفي وغيره،
وكان يثني عليه وعلى فضائله، وحدّث قليلا، فسمع منه ابن حجر. وتوفي في
رجب.
وفيها شمس الدّين محمد بن سعد بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي بكر
بن مصلح بن أبي بكر بن سعد المقدسي الحنفي، المعروف بابن الدّيري [2]
نسبة إلى مكان بمردا من جبل نابلس.
ولد سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين وسبعمائة، وتعانى الفقه والاشتغال في
الفنون، وعمل المواعيد، ثم تقدم في بلده حتّى صار مفتيها والمرجوع إليه
فيها، وكانت له أحوال مع الأمراء وغيرهم، يقوم فيها عليهم ويأمرهم بكف
الظّلم، واشتهر اسمه، فلما مات ناصر الدّين بن العديم في سنة تسع عشرة
استدعاه المؤيد فقرّره في قضاء الحنفية بالقاهرة، وكان قدمها مرارا،
فباشرها بصرامة، وشهامة،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 159) و «الضوء اللامع» (7/ 182) و
«العقد الثمين» (1/ 429) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 60) و «الضوء اللامع» (8/ 88) وفيهما:
«محمد بن عبد الله بن سعد ... » .
(9/264)
وقوة نفس، ثم انمزج مع المصريين، ومازج [1]
الناس، وكان منقادا لما يأمر ويروم ابن البارزي، ولما كملت المؤيدية
قرّر في مشيختها، وظنّ أن السلطان لا يخرج عنه القضاء، فجاء الأمر
بخلاف ظنّه، فإنه لما قرّره في المشيخة قال له: استرحنا واسترحت، يشير
بذلك إلى كثرة الشكاوي عليه من الأمراء، وكان ابن الديري، كثير
الازدراء بأهل عصره، لا يظنّ أن أحدا منهم يعرف شيئا، مع دعوى عريضة
وشدّة إعجاب مع شدّة التعصب لمذهبه والحطّ على مذهب غيره، سامحه الله.
وكان يأسف على بيت المقدس، ويقول: سكنته أكثر من خمسين سنة، ثم أموت في
غيره، فقدرت وفاته به في سابع ذي الحجّة، واستقرّ ولده سعد الدّين في
مشيخة المؤيدية.
وفيها المولى حافظ الدّين محمد بن محمد الكردي الحنفي المشهور بابن
البزّازي [2] له كتاب مشهور من الفتاوى، اشتهر ب «الفتاوى البزّازية»
وكتاب في مناقب الإمام الأعظم، وكتاب في «المطالب العالية» نافع جدا،
ولما دخل بلاد الرّوم ذاكر وباحث المولى الفناري، وغلبه في الفروع،
وغلبه الفناري في الأصول.
وتوفي في أواسط رمضان.
وفيها شرف الدّين يعقوب بن جلال، واسم جلال رسولا [3] ، ويسمى أيضا
أحمد الرّومي الحنفي العجمي الأصل المصري المولد والدار والوفاة،
المعروف بالتبّاني- بفتح المثناة الفوقية، وتشديد الموحدة التحتية،
لسكنه بالتبانة خارج القاهرة-.
نشأ بالقاهرة، وتفقه بوالده وغيره، وبرع في الفقه، والأصلين، والعربية،
والمعاني، والبيان، وأفتى، ودرّس سنين، وولي وكالة بيت المال، ونظر
الكسوة،
__________
[1] في «إنباء الغمر» : «وساس» وفي «الضوء اللامع» : «وياسر» .
[2] ترجمته في «تلفيق الأخبار» (2/ 39) و «أعلام» (7/ 45) و «معجم
المؤلفين» (3/ 177- 178) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 61) و «الضوء اللامع» (10/ 282) و
«الدليل الشافي» (2/ 790) .
(9/265)
ومشيخة خانقاه شيخون، كان ذا همّة عالية،
ومكارم، وبرّ، وإيثار، وصدقة، وحرمة في الدولة، وكلمة مسموعة، وصلة
بالأمراء والأكابر، واختص بالملك المؤيد شيخ اختصاص كثيرا، وعظم، وضخم،
وتردّد الناس إلى بابه، وهو منع ذلك ملازم للاشتغال والإشغال، مع
الدّيانة والصّيانة. قاله في «المنهل الصّافي» .
وشرع في شرح «المشارق» .
وتوفي بالقاهرة فجأة يوم الأربعاء سادس عشر صفر عن نيف وسبعين سنة،
واستقرّ بعده في الشيخونية سراج الدّين قارئ «الهداية»
.
(9/266)
سنة ثمان وعشرين
وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الأسدي العبشمي،
الشهير جدّه بالطواشي [1] .
ولد بعد الستين وسبعمائة، وأحضر في الثالثة على ابن جماعة، وأسمع على
الضّياء الهندي وغيره، وأجاز له الكمال بن حبيب، ومحمد بن جابر، وأبو
جعفر الرّعيني، وأبو الفضل النّويري، والزّرندي، والأميوطي، وغيرهم،
وكان خيّرا، ديّنا، منقطعا عن الناس.
توفي بمكة يوم الجمعة سابع عشر شعبان.
وفيها الإمام في الأدب وفنونه الزّين شعبان بن محمد بن داود المصري
الأثاري [2] . قاله في [3] «ذيل دول الذهبي» .
وفيها الحافظ نور الدّين أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن سلامة بن
عطوف الشّافعي المكي السّلمي، المعروف بابن سلامة [4] .
ولد في سابع شوال سنة ست وأربعين وسبعمائة بمكّة، وسمع بها من الشيخ
خليل المالكي، والعزّ ابن جماعة، وغيرهما، ورحل إلى بغداد، فسمع بها
على جماعة، ورحل إلى البلاد الشامية والمصرية، فسمع بها على من لا يحصى
ما لا
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 80) و «الضوء اللامع» (1/ 256) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 82) و «الضوء اللامع» (3/ 301) و
«الذيل التام على دول الإسلام» .
[3] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 85) و «الضوء اللامع» (5/ 183) و
«العقد الثمين» (6/ 139) .
(9/267)
يحصى، وسمع ببيت المقدس، وبلد الخليل،
ونابلس، والإسكندرية، وعدة من البلاد، وأجاز له جماعة كثيرة، وله مشيخة
شيوخة بالسّماع والإجازة، و «فهرست» ما سمعه وقرأه من الكتب والأجزاء
تخريج الإمام تقي الدّين بن فهد، وتفقه بجماعة، وأذن له بالإفتاء
والتدريس جماعة، منهم سراج الدّين بن الملقّن، وبرهان الدّين الأبناسي،
وكان له حظ من العبادة، وله عناية كثيرة بالقراءات.
ومن نظمه وقد أهدى للشيخ شمس الدّين بن الجزريّ من ماء زمزم:
ولقد نظرت فلم أجد يهدى لكم ... غير الدّعاء المستجاب الصّالح
أو جرعة من ماء زمزم قد سمت ... فضلا على مدّ الفرات السّائح
هذا الذي وصلت له يد قدرتي ... والحقّ قلت ولست فيه بمازح
فأجابه الشيخ شمس الدّين بن الجزري:
وصل المشرّف من إمام مرتضى ... نور الشّريعة ذي الكمال الواضح
وذكرت أنّك قد نظرت فلم تجد ... غير الدّعاء المستجاب الصّالح
أو جرعة من ماء زمزم حبّذا ... ما قد وجدت ولست فيه بمازح
أما الدّعاة فلست أبغي غيره ... ما كنت قطّ إلى سواه بطامح
وتوفي ابن سلامة بمكّة المشرّفة يوم السبت رابع عشري شوال.
وفيها القاضي علاء الدّين أبو الحسن علي بن محمود بن أبي بكر بن مغلي
الحنبلي [1] أعجوبة الزّمان الحافظ.
قال في «المنهل» : ولد بحماة، وقيل بسلمية سنة إحدى وسبعين وسبعمائة،
ونشأ بحماة، وطلب العلم، وقدم دمشق، فتفقّه بابن رجب الحنبلي وغيره،
وسمع «مسند الإمام أحمد» وغيره، وبرع في الفقه، والنحو، والحديث، وغير
ذلك.
وتولى قضاء حماة وعمره نحو عشرين سنة، ثم قضاء حلب، وعاد إلى بلده
حماة،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 86) و «الضوء اللامع» (6/ 34) و
«الدليل الشافي» (1/ 481) .
(9/268)
وولي قضاءها، وحمدت سيرته، إلى أن طلبه
السلطان المؤيد شيخ إلى الدّيار المصرية، وولاه قضاء قضاة الحنابلة بها
مضافا إلى قضاء حماة.
وكان إماما، عالما، حافظا، يحفظ في كل مذهب من المذاهب الأربعة كتابا
يستحضره في مباحثه.
وكان سريع الحفظ إلى الغاية، ويحكى عنه في ذلك غرائب، منها ما حكى بعض
الفقهاء قال: استعار منّي أوراقا نحو عشرة كراريس، فلما أخذها منّي
احتجت إلى مراجعتها في اليوم، فرجعت إليه بعد ساعة هنيّة وقلت: أريد
أنظر في الكراريس نظرة ثم خذها ثانيا، فقال: ما بقي لي فيها حاجة قد
حفظتها، ثم سردها من حفظه.
وتوفي بالقاهرة قاضيا يوم الخميس العشرين من المحرّم، ودفن بتربة باب
النصر، وخلّف مالا جمّا ورثه ابن أخيه محمود. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الحريري البيري [1]
الشافعي [2] أخو جمال الدّين الاستادار.
ولد في حدود الخمسين وسبعمائة، وتفقه على أبي البركات الأنصاري، وسمع
من أبي عبد الله بن جابر، وأبي جعفر الغرناطي نزيل البيرة بحلب، وولي
قضاء البيرة مدة، ثم قضاء حلب سنة ست وثمانمائة، ثم تحوّل إلى القاهرة
في دولة أخيه، وتوجه إلى مكّة فجاور بها، ثم قدم فعظم قدره، وعيّن
للقضاء، ثم ولي مشيخة البيبرسية، ثم درّس بالمدرسة المجاورة للشافعي،
ثم انتزعتا منه بعد كائنة أخيه، ثم أعيدت إليه البيبرسية في سنة ست
عشرة، ثم صرف عنها بابن حجر في سنة ثماني عشرة، ثم قرّر في مشيخة سعيد
السّعداء، وكان قد ولي خطابة بيت المقدس.
وتوفي في سحر يوم الجمعة رابع عشري ذي الحجّة.
__________
[1] لفظة «البيري» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 89) و «الضوء اللامع» (7/ 43) و
«الدليل الشافي» (2/ 595) .
(9/269)
وفيها شمس الدّين محمد بن القاضي شهاب
الدّين أحمد الدّمزي المالكي [1] .
ولد سنة بضع وستين وسبعمائة، وتفقّه، وأحبّ الحديث، فسمعه وطاف على
الشيوخ.
قال ابن حجر: وسمع معنا كثيرا من المشايخ [2] وكان حسن المذاكرة، جيد
الاستحضار، ودرّس بالناصرية الحسنية وغيرها [2] . وكان قليل الحظ.
مات في العشرين من جمادى الأولى. انتهى.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن المحبّ عبد
الله السّعدي المقدسي الأصل ثم الدمشقي الحنبلي [3] ، المحدّث الإمام.
ولد في شوال سنة خمس وخمسين وسبعمائة، وأحضره والده في السنة الأولى من
عمره مجالس الحديث، وأسمعه كثيرا على عدة شيوخ، منهم عبد الله ابن
القيّم، وأحمد بن الحوفي، وعمر بن أميلة، وستّ العزّ ابنة محمد بن
الفخر بن البخاري، وحدّث قبل فتنة تمرلنك وبعدها، وصنّف شرحا على
البخاري، وله نظم ونثر، وكان يقرأ «الصحيحين» في الجامع الأموي، وحصل
به النّفع العام.
توفي بطيبة في رمضان وقد رأى في نومه من نحو عشرين سنة ما يدل على موته
هناك.
وفيها شمس الدّين محمد الحموي النّحوي، المعروف بابن العيّار [4] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 91) وفيه «الدفري» .
[2- 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 93) و «الضوء اللامع» (9/ 194) و
«السحب الوابلة» ص (427) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 93) و «بغية الوعاة» (1/ 289) .
(9/270)
قال ابن حجر: كان في أول أمره حائكا، ثم
تعانى الاشتغال فمهر في العربية، وأخذ عن ابن جابر وغيره، ثم سكن دمشق،
ورتّب له على الجامع تصدير بعناية البارزي، وكان حسن المحاضرة، ولم يكن
محمودا في تعاطى الشهادات.
مات في ذي القعدة. انتهى.
(9/271)
سنة تسع وعشرين
وثمانمائة
في رمضانها كان فتح قبرس، وعمل زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن
الخرّاط موقّع الدست بالقلعة قصيدة طويلة فائية أولها:
بشراك يا ملك الملوك الأشرف ... بفتح قبرس بالحسام المشرفي
فتح بشهر الصّوم تمّ قتاله ... من أشرف في أشرف في أشرف
قالت دمى تلك البلاد وقد عفا ... إنجيلهم أهلا بأهل المصحف
وفي آخرها:
لم تخلف الأيام مثلك فاتكا ... ملكا ومثلي شاعرا لم تخلف
فيك التّقى والعدل والإحسان في ... كلّ الرّعية والوفا والفضل في
وبيع السّبي والغنائم، وحمل الثمن إلى الخزانة السلطانية، وفرّق في
الذين جاهدوا منه بعضه.
وفيها نهب المدينة عاملها عجلان بن ثابت لما بلغه أنه عزل بابن عمه حسن
بن جمّاز، وهدم أكثر بيوتها، وحرق، وسلم منه بيوت الرافضة، وأقام قاضيا
رافضيا بها يقال له: الصّيقل، ولم يسلم منه من أرباب الخدم إلّا القاضي
الشافعي لأنه استجار بقريب لعجلان يقال له: مانع فأجاره.
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد القطوي الشافعي [1] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 109) و «الضوء اللامع» (2/ 208) .
(9/272)
ولد بقطية سنة تسع وسبعين وسبعمائة، وأبوه
إذ ذاك الحاكم [1] بها، ونشأ نشأة حسنة، وحفظ «الحاوي» ، واشتغل في
الفرائض، ولازم الشيخ شمس الدّين العراقي في ذلك، وكان يستحضر «الحاوي»
وكثيرا من شرحه، واشتغل في العربية قليلا، ثم ولي قضاء قطية [2] بعد
أبيه، ثم ولي قضاء غزّة في أول الدولة المؤيدية، ثم استقرّ في دمياط
[3] مع بقاء قطية معه، فاستناب فيها قريبة زين الدّين عبد الرحمن،
واستمرّ في دمياط [3] في غاية الإعزاز والإكرام، وكان كثير الاحتمال،
حسن الأخلاق، وصاهر ابن حجر على ابنته رابعة، ودخل بها وهي [4] بكر سنة
خمس عشرة، وولدت منه بنتا، ثم مات عنها في شهر رمضان، وكثر الأسف عليه.
وفيها الشيخ تقي الدّين أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن بن حريز بن معلى
بن موسى بن حريز بن سعيد بن داود بن قاسم بن علي بن علوي بن ناشي بن
جوهر بن علي بن أبي القاسم بن سالم بن عبد الله بن عمر بن موسى بن يحيى
بن علي الأصغر بن محمد المتّقي بن حسن العسكري [5] بن علي بن محمد
الجواد بن علي الرّضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصّادق بن محمد الباقر
بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب الحصني،- نسبة إلى الحصن قرية من قرى حوران [6]- ثم الدمشقي
الفقيه الشافعي [7] .
ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وتفقه بالشّريشي، والزّهري، وابن
الجابي، والصّرخدي، والغزّي، وابن غنّوم. وأخذ عن الصّدر الياسوفي، ثم
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «الحكم» .
[2] تحرفت في «ط» إلى «قضية» .
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[4] لفظة «وهي» سقطت من «آ» .
[5] لفظة «العسكري» سقطت من «ط» .
[6] قال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 265) : «حصن مقدية» : هو من أعمال
أذرعات من أعمال دمشق.
[7] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 110) وفيه «محمد بن عبد الله» و
«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 97- 99) و «الضوء اللامع» (11/
81) و «درر العقود الفريدة» (1/ 190- 191) .
(9/273)
انحرف عن طريقته، وحطّ على ابن تيميّة [1]
، وبالغ في ذلك، وتلقى ذلك عنه الطلبة بدمشق، وثارت بسبب ذلك فتن
كثيرة، وكان يميل إلى التقشف ويبالغ في الأمر بالمعروف والنّهي عن
المنكر، وللناس فيه اعتقاد زائد، ولخّص «المهمات» في مجلد، وكتب على
«التنبيه» .
قال القاضي تقي الدّين الأسدي: كان خفيف الرّوح، منبسطا، له نوادر،
ويخرج إلى النّزه ويبعث الطلبة على ذلك، مع الدّين المتين، والتّحري في
أقواله وأفعاله، وتزوّج عدة نساء، ثم انقطع وتقشّف وانجمع، وكل ذلك قبل
القرن [2] ثم ازداد بعد الفتنة تقشّفه وانجماعه، وكثرت مع ذلك أتباعه،
حتّى امتنع من مكالمة الناس، ويطلق لسانه في القضاة وأصحاب الولايات،
وله في الزّهد والتّقلّل من الدنيا حكايات تضاهي ما نقل عن الأقدمين،
وكان يتعصب للأشاعرة، وأصيب في سمعه وبصره فضعف، وشرع في عمارة رباط
داخل باب الصغير، فساعده الناس بأموالهم وأنفسهم، ثم شرع في عمارة خان
السّبيل ففرغ في مدة قريبة، وكان قد جمع تآليف كثيرة قبل الفتنة، وكتب
بخطّه كثيرا في الفقه والزّهد.
وقال السخاوي: شرح «التنبيه» و «المنهاج» وشرح «مسلم» في ثلاث مجلدات،
ولخص «المهمات» في مجلدين، وخرّج أحاديث «الإحياء» مجلد [3] وشرح
«النواوية» مجلد، و «أهوال القيامة» مجلد، وجمع «سير نساء السّلف
العابدات» مجلد، و «قواعد الفقه» مجلد، و «تفسير القرآن إلى الأنعام»
آيات متفرقة مجلد، و «تأديب القوم» مجلد، و «سير السالك» مجلد، و
«تنبيه السالك على مضار [4] المهالك» ست مجلدات، و «شرح الغاية» مجلد،
و «شرح النهاية»
__________
[1] لفظة «تيمية» سقطت من «آ» .
[2] أي قبل دخول القرن التاسع الهجري.
[3] قلت: لم أعثر على ذكر لكتابه المذكور عند السخاوي في «الضوء
اللامع» ولكن ذكره ابن قاضي شهبة في «طبقاته» في معرض حديثه عن مؤلفاته
ولعل المؤلف قد نقل عنه وعزا النقل للسخاوي.
والله أعلم.
[4] في «ط» : «مظان» وما جاء في «آ» موافق لما عند ابن قاضي شهبة
والسخاوي، وفي اسم الكتاب اختلاف.
(9/274)
مجلد، و «قمع النّفوس» مجلد، و «دفع
الشّبه» مجلد، و «شرح أسماء الله الحسنى» مجلد، و «المولد» مجلد.
وتوفي بخلوته بجامع المزّاز بالشاغور بعد مغرب ليلة الأربعاء خامس عشر
جمادى الآخرة وصلّى عليه بالمصلي، صلّى عليه ابن أخيه، ثم صلّي عليه
ثانيا عند جامع كريم الدّين، ودفن بالقبيبات في أطراف العمارة على جادة
الطريق عند والدته، وحضر جنازته عالم لا يحصيهم إلا الله، مع بعد
المسافة وعدم علم أكثر الناس بوفاته، وازدحموا على حمله للتبرك به،
وختم عند قبره ختمات كثيرة، وصلّى عليه أمم ممن فاتته الصلاة على قبره،
ورؤيت له منامات صالحة في حياته وبعد موته. انتهى.
وفيها شمس الدّين شمس بن عطاء الهروي الرّازي الأصل [1] القاضي
الشافعي.
كان يكتب أيام قضائه محمد بن عطا قال ابن حجر: كان شيخا عالما [2] ،
ضخما، طوالا، أبيض اللحية، مليح الشكل، إلا أن في لسانه مسكة.
وقال الحافظ تاج الدّين محمد بن الغرابيلي [3] ما نصه- كما نقله عنه
البرهان البقاعي-: محمد بن عطا شمس الدّين أبو عبد الله الهروي، شيخنا
الامام العالم، أحد عجائب الوقت في كل أموره، حتى في كذبه وزوره، ولم
ير مثل نفسه، ولا والله ما رأى أحد من أهل عصره المخرّفة مثله [4] في
كل شيء من العلوم والظلم،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 113) .
[2] لفظة «عالما» لم ترد في «ط» و «إنباء الغمر» .
[3] هو محمد بن محمد بن محمد بن مسلم بن علي بن أبي الجود السالمي
القاهري ثم الكركي المقدسي الشافعي، ويعرف بابن الغرابيلي، محدّث،
حافظ، مؤرخ، مشارك في بعض العلوم.
ولد بالقاهرة وتوفي فيها سنة (835 هـ-) . انظر «الضوء اللامع» (9/ 306-
308) و «معجم المؤلفين» (11/ 296) .
[4] في «ط» : «ولا والله ما رأى من أهل عصره أحد مثله» ولفظة
«المخرّقة» تصحفت فيها إلى «المخرقة» وتأخرت إلى ما بعد لفظة «والظلم»
.
(9/275)
ولولا أني كنت أشاهد جوارحه في كل وقت
لقلت: إنه شيطان، خرج إلى الناس في زي إنسان. أفردت ترجمة تشتمل على
عجائبه في نحو كرّاسة.
مات- رحمه الله وأرضى عنه خصومه- يوم الاثنين بعد الفجر تاسع عشر ذي
الحجّة من جمرة طلعت بين كتفيه، وصلّى عليه بعد الظهر بالمسجد الأقصى،
وحمل إلى تربة ماملا فدفن إلى جوار شيخنا العلّامة أحد الزّهّاد عمر
البلخي، رحمه الله تعالى. انتهى بحروفه.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن علي
بن إسحاق بن سلام بن عبد الوهاب بن الحسن بن سلام الدمشقي الشافعي [1]
.
ولد سنة خمس أو ست وخمسين وسبعمائة، وحفظ القرآن، و «التنبيه» و
«الألفية» و «مختصر ابن الحاجب» . وتفقه على علاء الدّين بن حجي، وابن
قاضي شهبة، وغيرهما. وأخذ الأصول عن الضّياء القرمي، وارتحل إلى
القاهرة، فقرأ «المختصر» على الركراكي، وكان يطريه، حتّى كان يقول
يعرفه أكثر من مصنّفه، فاشتهر وتميّز ومهر، وأصيب في الفتنة الكبرى
بماله وفي يده بالحرق وأسروه، فسار معهم إلى ماردين، ثم انفلت منهم،
وقرّره ابن حجي في الظّاهرية البرّانية، ونزل له التّاج الزّهري عن
العذراوية، ودرّس بالرّكنية، وكان يقرئ في الفقه و «المختصر» إقراء
حسنا، وله يد في الأدب والنّظم والنثر، وكان بحثه أقوى من تقريره، وكان
مقتصدا في ملبسه وغيره، شريف النّفس، حسن المحاضرة، ينسب إلى نصرة
مقالة ابن العربي، وكان يطلق لسانه في جماعة من الكبار، واتفق أنه حجّ
في هذه السنة، فلما ردّ من الحجّ والزيارة مات في وادي بني سالم في
أواخر ذي الحجّة، وحمل إلى المدينة فدفن بالبقيع وقد شاخ.
وفيها سراج الدّين أبو حفص عمر بن علي بن فارس المصري الحنفي،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 114) و «الضوء اللامع» (5/ 251) .
(9/276)
المعروف بقارئ الهداية [1] .
قال في «المنهل» : شيخ الإسلام وعالم [2] زمانه.
ولد بالحسينيّة ظاهر القاهرة، ونشأ بالقاهرة، وحفظ القرآن العظيم، وطلب
العلم، وتفقه بجماعة من علماء عصره، وجدّ ودأب، حتّى برع في الفقه
وأصوله، والنحو، والتفسير، وشارك في عدة علوم، وصار إمام عصره ووحيد
دهره، وتصدّى للإقراء والتدريس والفتوى عدة سنين، وانتهت إليه رئاسة
السادة الحنفية في زمانه، وانتفع به غالب الطلبة، وصار المعوّل عليه في
الفتوى بالدّيار المصريّة، وشاع ذكره، وبعد صيته، وتولى عدّة مدارس
ووظائف دينية، وكان مهابا، وقورا، أوقاته مقسّمة للطلبة، وعلى دروسه
خفر ومهابة، هذا مع اطراح الكلفة، والاقتصاد في ملبسه، والتعاطي لشراء
ما يحتاجه من الأسواق بنفسه، وكان يسكن بين القصرين، ويذهب لتدريس
الشيخونية على حمار، ولم يركب الخيل. انتهى ملخصا.
وفيها كمال الدّين أبو الفضل محمد بن أحمد بن ظهيرة المخزومي المكّي
الشافعي [3] ابن عمّ الشيخ جمال الدّين محمد.
ولد في ربيع الأول سنة ست وخمسين وسبعمائة، وسمع من عزّ الدّين بن
جماعة، والشيخ خليل المالكي، والموفق الحنبلي، وابن عبد المعطي، وناب
في الخطابة، وحدّث، وأضر بأخرة، وتوفي في صفر.
وفيها القاضي جمال الدّين يوسف بن خالد بن أيوب الحفناوي- بفتح الحاء
المهملة، وسكون الفاء، ونون، نسبة إلى حفنا قرية بمصر [4]- الشافعي [5]
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 115) و «الضوء اللامع» (6/ 109) و
«الدليل الشافي» (1/ 501- 502) .
[2] في «ط» : «وعلم» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 117) و «العقد الثمين» (1/ 293) .
[4] انظر «التحفة السنية» ص (29) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 117) و «الضوء اللامع» (10/ 312) .
(9/277)
نشأ بحلب، وقرأ الفقه على ابن أبي الرضي،
وقرأ عليه القراآت، ثم سافر إلى ماردين، فأخذ عن زين الدّين سريجا،
وولي قضاء ملطية مدة، ثم دخل القاهرة، وولي [1] قضاء حلب، ثم قضاء
طرابلس، ثم كتابة السرّ بصفد، وكان حسن الشكل، فائق الخطّ، قوي النّظم.
وتوفي بطرابلس في ثالث عشر المحرم.
__________
[1] في «ط» : «وتولى» .
(9/278)
سنة ثلاثين
وثمانمائة
في عاشر جمادى الآخرة منها قبض على تغري بردي المحمودي وهو يومئذ رأس
نوبة [كبير] ، وهو يلعب مع السلطان بالأكرة في الحوش، وذكر أن ذنبه أنه
اختلس من أموال قبرس، وشيّع في الحال إلى الإسكندرية مقيّدا.
ومن عجائب ما اتفق له في تلك الحال أن شاهد ديوانه شمس الدّين محمد بن
الشامية لحقه قبل أن يصل إلى البحر، فقال له- وهو يبكي-: يا خوند! هل
لك عندي مال؟ وقصد أن يقول: لا. فينفعه ذلك بعده عند السلطان وغيره،
فكان جوابه له: أنا لا مال لي بل [المال] للسلطان، فلما سمعها ابن
الشّامية دق صدره، واشتد حزنه، وسقط ميّتا من غير ضعف ولا علّة. قاله
ابن حجر [1] .
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن يوسف الزّعيفريني الدمشقي ثم القاهري
[2] .
قال ابن حجر: كان أديبا بارعا.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن موسى بن نصير المتبولي الشافعي [3] القاضي،
أحد نوّاب الحكم.
قال في «المنهل» : ولد في حدود سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وكان فقيها
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (8/ 121) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 125) و «الضوء اللامع» (2/ 250) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 124) و «الضوء اللامع» (2/ 230) و
«الدليل الشافي» (1/ 91) .
(9/279)
محدّثا. سمع الكثير، وحدّث عن محمد بن
ازبك، وعمر بن أميلة، وستّ العرب، وآخرين.
وتوفي يوم الأربعاء ثاني ربيع الأول. انتهى.
وفيها أويس بن شاه در بن شاه زاده بن أويس [1] صاحب بغداد.
قتل في الحرب بينه وبين محمد شاه بن قرا يوسف، واستولى محمد شاه على
بغداد مرّة أخرى.
وفيها الملك المنصور عبد الله بن الناصر أحمد بن الأشرف [2] صاحب
اليمن.
توفي في جمادى الأولى، واستقرّ بعده الأشرف إسماعيل بن الناصر أحمد.
وفيها نجم الدّين أبو الفتوح عمر بن حجّي بن موسى بن أحمد بن سعد
السّعدي الحسباني الأصل الدمشقي الشافعي [3] .
ولد بدمشق سنة سبع وستين وسبعمائة، وقرأ القرآن، ومات والده وهو صغير،
فحفظ «التنبيه» في ثمانية أشهر، وحفظ كثيرا من المختصرات، وأسمعه أخوه
الشيخ شهاب الدّين من ابن أميلة وجماعة، واستجاز له من جماعة، وسمع هو
بنفسه من جماعة كثيرة، وأخذ العلم عن أخيه وابن الشّريشي، والزّهري،
وغيرهم، ودخل مصر سنة تسع وثمانين، فأخذ عن ابن الملقّن، والبدر
الزّركشي، والعزّ بن جماعة، وغيرهم. وأذن له ابن الملقن، ولازم الشّرف
الأنطاكي.
قال ابن حجر: تعلّم العربية، وكان قليل الاستحضار إلّا أنه حسن الذّهن،
جيد التّصرف، وحجّ سنة ست وثمانين، ثم ولي إفتاء دار العدل سنة اثنتين
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 127) و «الضوء اللامع» (2/ 324) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 127) و «الضوء اللامع» (5/ 5) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 129) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي
شهبة (4/ 122) و «الضوء اللامع» (6/ 78) و «الدارس في تاريخ المدارس»
(1/ 257) و «الدليل الشافي» (1/ 496) .
(9/280)
وتسعين، وجرت له كائنة مع الباعوني هو
والغزّي وغيرهما، فضربهم وطوّفهم، وسجنوا بالقلعة، وذلك في رمضان سنة
خمس وتسعين، ثم حجّ سنة تسع وتسعين، وجاور وولي قضاء حماة مرتين، ثم
قضاء الشام مرارا.
وقال في «المنهل» : ثم طلب لقضاء الدّيار المصرية فامتنع، ولما كانت
دولة الأشرف برسباي طلبه إلى الديار المصرية وخلع عليه باستقراره في
كتابة السرّ في حادي عشر جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وباشر
ذلك بتجمّل وحرمة وافرة وعدم التفات إلى رفقته من مباشري الدولة، فعمل
عليه بعضهم حتّى عزل وأخرج من القاهرة على وجه شنع في جمادى الآخرة سنة
ثمان وعشرين إلى دمشق، ثم جهّز إليه تقليد بقضاء دمشق، فباشر، وكان
حاكما، صارما، مقداما، رئيسا، فاضلا، ذا حرمة وإحسان لأهل العلم
والخير، واستمر قاضيا إلى أن قتل ببستانه في النّيرب خارج دمشق، ولم
تدر زوجته إلّا وهو يضطرب في دمه، وذلك في ليلة الأحد مستهل ذي القعدة
ولم يعرف قاتله.
وفيها فتح الدّين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب
بن محمود بن ختلوا الحلبي ابن الشّحنة [1] أخو العلّامة محبّ الدّين
الحنفي.
كان أصغر سنا من أخيه، واشتغل كثيرا في الفقه، وناب عن أخيه في الحكم،
ثم تحوّل بعد الفتنة العظمى مالكيا، وولي القضاء، ثم عزل، وحصل له نكد
لاختلاف الدول، ثم عاد إلى القضاء مرارا.
قال القاضي علاء الدّين الحلبي: رافقته في القضاء، وكان صديقي وصاحبي
وعنده مروءة وحشمة، وأنشد له من نظمه:
لا تلوموا الغمام إن صبّ دمعا ... وتوالت لأجله الأنواء
فاللّيالي أكثرن فينا الرّزايا ... فبكت رحمة علينا السّماء
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 150) و «إنباء الغمر» (8/ 128) .
(9/281)
وفيها تاج الدّين أبو عبد الله محمد بن
المحدّث عماد الدّين إسماعيل بن محمد بن نصر بن بردس بن رسلان البعلبكي
الحنبلي [1] .
ولد يوم السبت تاسع عشري جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين وسبعمائة
ببعلبك، وسمع من والده، وأسمعه أيضا من عدة، منهم أبو عبد الله بن
الخبّاز.
سمع منه «صحيح مسلم» و «جزء ابن عرفة» وهو آخر من حدّث عنه. وسمع من
أبي عبد الله محمد بن يحيى بن السعر جميع «مسند الإمام أحمد» وتفرّد
برواية «المسند» عنه ومن ابن الجوخي، وابن أميلة، وجماعة من أصحاب ابن
البخاري، وحدّث، ورحل الناس إليه، وانتفع به جماعة، منهم الشيخ تقي
الدّين بن قندس، وكان ملازما للاشغال في العلم ورواية الحديث، ولا يخلّ
بتلاوة القرآن، مع قراءته لمحفوظاته، وكان طلق الوجه، حسن الملتقى،
كثير البشاشة، ذا فكاهة ولين، مع عبادة وصلاح وصلابة في الدّين، مبالغا
في حبّ الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، وكان كثير الصّدقة سرّا، ملازما
لقيام الليل، وله نظم ونثر، ومن نظمه ما كتب على استدعاء إجازته
لجماعة:
أجزت للإخوان ما قد سألوا ... مولاهم ربّ العلى في الأثر
وذاك بالشّرط الّذي قرّره ... أئمّة النّقل رواة الأثر
وتوفي ببعلبك في شوال.
وفيها بدر الدّين محمد بن إبراهيم بن محمد الدمشقي الأصل البشتكي [2] .
كان أبوه فاضلا، فنزل بخانقاه بشتاك الناصري، فولد له بدر الدّين هذا
بها، وكان جميل الصّورة، فنشى محبّا في العلم، وحفظ القرآن وعدة
مختصرات، وتعانى الأدب فمهر فيه، ولازم ابن أبي حجلة، وابن الصّايغ، ثم
قدم ابن نباتة فلازمه، ثم رافق جلال الدّين بن خطيب داريّا، وأخذ عن
البهاء السّبكي وغيره.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 133) و «الضوء اللامع» (7/ 142) و
«السحب الوابلة» ص (364) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 132) و «الضوء اللامع» (6/ 277) .
(9/282)
قال ابن حجر: وبالجملة، كان عديم النظير في
الذكاء وسرعة الإدراك، إلا أنه تبلّد ذهنه بكثرة النسخ. سمعت منه كثيرا
من شعره وفوائده.
ومن نظمه:
وكنت إذا الحوادث دنّستني ... فزعت إلى المدامة والنّديم
لأغسل بالكؤوس الهمّ عنّي ... لأنّ الرّاح صابون الهموم
وكانت وفاته فجأة داخل [1] الحمّام فمات في الحوض يوم الاثنين ثالث
عشري جمادي الآخرة.
وفيها شمس الدّين محمد بن خالد بن موسى الحمصي القاضي الحنبلي [2]
المعروف بابن زهرة- بفتح الزاي- أول حنبلي ولي قضاء حمص.
كان أبوه خالد شافعيا، فيقال إن شخصا رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم
وقال له: إن خالدا ولد له ولد حنبلي، فاتفق أنه كان ولد له هذا، فشغّله
لما كبر بمذهب الحنابلة.
وقرأ على ابن قاضي الجبل، وزين الدّين بن رجب، وغيرهما، وولي قضاء حمص.
وفيها تقي الدّين محمد بن عبد الواحد بن العماد محمد بن القاضي علم
الدّين أحمد بن أبي بكر الأخنائي [3] المالكي نائب الحكم.
قال ابن حجر: كان من خيار القضاة.
مات في سادس ذي الحجّة بمكة، وكان قد جاور بها [4] في هذه السنة.
انتهى.
وفيها محيي الدّين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن
__________
[1] في «ط» : «دخل» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 134) و «السحب الوابلة» ص (378) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 135) و «الضوء اللامع» (8/ 132) .
[4] في «آ» : «وكان قد جاور بمكة» .
(9/283)
محمد بن محمد بن محمد بن الإمام أبي حامد
محمد بن محمد بن محمد الغزّالي الشافعي الطّوسي [1] .
قدم من بلاده إلى حلب في شهر رمضان من هذه السنة بعد أن كان دخل الشام
قديما، وسمع من مسند الوقت ابن أميلة، وحدّث عنه في هذه القدمة.
قال في «ذيل تاريخ حلب» : رأيت أتباعه يذكرون عنه علما كثيرا، وزهدا،
وورعا، وأخبر عنه بعض الطلبة أنه حجّ مرارا، منها واحدة ماشيا على قدم
التجريد، وكان معظّما في بلاده، وأخذ عنه إبراهيم بن علي الزّمزمي
المكّي.
وتوفي بحلب في العشر الأخير من شهر رمضان، وكانت جنازته مشهودة.
انتهى، والله أعلم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 135) و «الضوء اللامع» (9/ 289) .
(9/284)
|