شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وثلاثين
وثمانمائة
فيها ولد السّخاوي تلميذ ابن حجر.
وفيها توفي شمس الدّين محمد بن أحمد بن موسى بن عبد الله الكفيري [1]
الشافعي العجلوني الأصل ثم الدمشقي [2] .
ولد في العشر الأول من شوال سنة سبع وخمسين وسبعمائة، وحفظ «التنبيه»
وأخذ عن ابن قاضي شهبة وغيره، ولازم الشيخ شمس الدّين الغزّي مدة
طويلة، واشتهر بحفظ الفروع، وكتب بخطه الكثير، وناب في الحكم، وولي بعض
التداريس، وحجّ مرارا، وجاور، وولي مرة قضاء الركب، وجمع شرحا على
«البخاري» في ست مجلدات.
وكان قد لخص شرح ابن الملقن، وشرح الكرماني، ثم جمع بينهما، وسمع على
ابن أميلة، وابن قواليح [3] وابن المحبّ، وابن عوض، وخلائق وصنّف «عين
النّبيه في شرح التنبيه» واختصر «الروض الأنف» للسهيلي وسماه «زهر
الروض» .
وتوفي في ثالث عشر المحرم.
وفيها تاج الدّين أبو حامد محمد بن بهادر بن عبد الله [4] .
__________
[1] في «آ» : «الكفري» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 160) و «الضوء اللامع» (7/ 111) .
[3] في «ط» : «ابن قوالح» .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 204- 205) .
(9/285)
قال البرهان البقاعي: الإمام العلّامة
القدوة سبط ابن الشهيد.
كان يعرف علوما كثيرة، ويحلّ أي كتاب قرئ عليه سواء كان عنده له شرح أم
لا، وكان فصيح العبارة، حسن التقرير، صحيح الذّهن، دينا، شديد الانجماع
عن الناس، مع خفّة الروح، ولطافة المزاج، والصّبر على الطلبة، وعدم
الميل إلى الدنيا، وكثرة التلاوة لكتاب الله تعالى، وإيثار العزلة
والانقطاع في الجامع، مع التجمل في اللّباس والهيئة.
وتوفي صبح يوم الثلاثاء تاسع شهر رمضان بدمشق عن ثلاث وثلاثين سنة، ولم
أر جنازة أحفل من جنازته، وو الله لم يحصل لي بأحد من النفع ما حصل لي
به. انتهى ملخصا.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الدائم بن عيسى بن فارس البرماوي الشافعي
[1] .
ولد في نصف ذي القعدة سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وكان اسم والده فارسا
فغيّره البرماوي، وتفقه وهو شاب، وسمع من إبراهيم بن إسحاق الآمدي،
وعبد الرحمن بن علي [2] القارئ، وغيرهما.
قال الحافظ تاج الدّين بن الغرابيلي الكركي ما نصه: هو أحد الأئمة
الأجلاء، والبحر الذي لا تكدّره الدّلاء، فريد دهره ووحيد عصره، ما
رأيت أقعد منه بفنون العلوم، مع ما كان عليه من التواضع والخير، وصنّف
التصانيف المفيدة، منها «شرح البخاري» شرح حسن، ولخص «المهمات» و
«التوشيح» ونظم «ألفية» في أصول الفقه لم يسبق إلى مثل وضعها وشرحها
شرحا حافلا نحو مجلدين، وكان يقول: أكثر هذا الكتاب هو جملة ما حصلت في
طول عمري، وشرح «لامية ابن مالك» شرحا في غاية الجودة، واختصر «السيرة»
وكتب الكثير، وحشّى الحواشي المفيدة، وعلّق التعاليق النّفيسة والفتاوي
العجيبة، وكان من عجائب دهره.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 161) و «الضوء اللامع» (8/ 280) .
[2] لفظة «علي» سقطت من «ط» .
(9/286)
جاور بمكة سنة، ثم قدم إلى القاهرة، فوافى
موت شيخنا شمس بن عطا الهروي، فولّي الصّلاحية، وقدم القدس، فأقام بها
قريب سنة غالبها ضعيف بالقرحة [1] .
وتوفي بها يوم الخميس ثامن عشري أحد الجمادين، ودفن بتربة ماملا بجوار
الشيخ أبي عبد الله القرشي. انتهى.
وكان بينه وبين ابن حجر نوع وقفة، والله أعلم.
__________
[1] في «آ» : «بالقرية» .
(9/287)
سنة اثنتين وثلاثين
وثمانمائة
فيها توفي أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب المرشدي
المكّي [1] أخو محمد، وعبد الواحد.
قال ابن حجر: ولد سنة ستين وسبعمائة، وسمع من محمد بن أحمد بن عبد
المعطي «صحيح ابن حبّان» ومن عبد الله بن أسعد اليافعي «صحيح البخاري»
ومن عزّ الدّين بن جماعة وغيرهم، وأجاز له الصّلاح ابن أبي عمر، وابن
أميلة، وابن هبل، وابن قواليح، وغيرهم، وحدّث.
وتوفي بمكّة يوم الخميس رابع ذي القعدة.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس محمد بن عمر بن أحمد، وقيل عبد الله،
المعروف بالشّاب التائب الشافعي [2] .
قال في «المنهل الصّافي» : الفقيه الشافعي، الواعظ المذكّر بالله
تعالى.
مولده بالقاهرة في حدود الستين وسبعمائة، وبها نشأ، وطلب العلم، وتفقه،
ومال إلى التّصوف، وطاف البلاد، وحجّ مرارا، ودخل اليمن مرتين،
والعراق، والشام، وكثيرا من البلاد الشرقية. وكان ماهرا في الوعظ،
والناس فيه اعتقاد زائد، وبنى زوايا بعدة بلاد، كمصر والشام وغيرهما،
واستوطن دمشق فمات بها يوم الجمعة ثامن عشر رجب. انتهى ملخصا.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 180) و «الضوء اللامع» (1/ 191) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 181) و «الدليل الشافي» (1/ 67) و
«الضوء اللامع» (2/ 5) وفيها جميعا: «أحمد بن عمر ... » فليحرر.
(9/288)
وفيها نور الدّين علي بن عبد الله [1] .
قال في «المنهل» : «الشيخ الأديب المعتقد، النحريري المولد والمنشأ
والدار والوفاة، الشهير بابن عامرية.
كان أديبا شاعرا فاضلا وأكثر شعره في المدائح النبوية.
توفي بالنّحريرية [2] في يوم الخميس سادس عشر ربيع الآخر.
وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد الله الشّطّنوفي [3]- بفتح
الشين المعجمة وتشديد الطاء المهملة، نسبة إلى شطّنوف بلد بمصر [4]-
النحوي.
قال السيوطي: ولد بعد الخمسين وسبعمائة، وقدم القاهرة شابا، واشتغل
بالفقه، ومهر في العربية، وتصدّر بالجامع الطولوني في القراآت، وفي
الحديث بالشيخونية، وانتفع به الطلبة، وسمع الحديث، وحدّث، ولم يرزق
الإسناد العالي، وكان كثير التّواضع، مشكور السيرة.
أخذ عنه النحو جماعة، شيخنا تقي الدّين الشّمنّي، وحدّثنا عنه خلق،
منهم شيخنا علم الدّين البلقيني.
وتوفي ليلة الاثنين سادس عشر ربيع الأول.
وفيها الحافظ تقي الدّين أبو الطّيب محمد بن أحمد بن علي الفاسي ثم
المكّي المالكي [5] مفيد البلاد الحجازية وعالمها.
__________
[1] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (15/ 153) و «الدليل الشافي» (1/ 459)
و «الضوء اللامع» (5/ 254) .
[2] النحريرية: بلدة بمصر. انظر «تحفة السّنية» ص (70) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 187) و «الضوء اللامع» (6/ 256) و
«بغية الوعاة» (1/ 10- 11) .
[4] شطنوف: بلدة بمصر. انظر «التحفة السّنية» ص (106) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 187) و «العقد الثمين» (1/ 331) و
«الدليل الشافي» (2/ 585) و «الضوء اللامع» (7/ 18) .
(9/289)
ولد سنة خمس وسبعين وسبعمائة، وأجاز له
بإفادة الشيخ نجم الدّين المرجاني ابن عوض، وابن السّلار، وابن المحبّ،
وجماعة من الدماشقة، وعني بالحديث، فسمع بعد التسعين من جماعة ببلده،
ورحل إلى القاهرة والشام مرارا، وولي قضاء بلده للمالكية، وهو أول
مالكي ولي القضاء بها استقلالا، وصنّف «أخبار مكة» و «أخبار ولاتها» و
«أخبار من نبل بها من أهلها وغيرهم» عدة مصنّفات طوال وقصار، وذيّل على
«العبر» للذهبي، وعلى «التقييد» لابن نقطة، وعمل «الأربعين المتباينة»
و «فهرست مروياته» وكان لطيف الذات، حسن الأخلاق، عارفا بالأمور
الدينية والدنيوية، له غور [1] ودهاء، وتجربة وحسن عشرة، وحلاوة لسان،
يجلب [2] القلوب بحسن عبارته ولطيف إشارته.
قال ابن حجر: رافقني في السماع كثيرا بمصر، والشام، واليمن، وغيرها،
وكنت أوده وأعظمه وأقوم معه في مهماته، ولقد ساءني موته وأسفت على فقد
مثله، فلله الأمر، وكان قد أصيب ببصره، وله في ذلك أخبار، ومكن من قدحه
فما أطاق ذلك ولا إفادة. انتهى.
ومن مصنّفاته «العقد الثمين في أخبار البلد الأمين» [3] و «غاية المرام
في أخبار البلد الحرام» .
وتوفي بمكة في رابع شوال.
وفيها ناصر الدّين محمد بن عبد الوهاب بن محمد البارنباري- بالباء
الموحدة، وبعد الألف راء، ثم نون، ثم موحدة، نسبة إلى بارنبار قرية قرب
دمياط- الشافعي النحوي [4] .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «تمور» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر
المؤلف.
[2] في «ط» : «يخلب» .
[3] طبع في مصر على مراحل وحقق الجزء الأولى منه الأستاذ الشيخ محمد
حامد الفقي، والأجزاء الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع
الأستاذ فؤاد سيد، والجزء الثامن د. محمود محمد الطناحي، وهي طبعة
جيدة، لكنها بحاجة ماسة إلى فهارس مفصلة تلحق بها لكي يتم الانتفاع
بالكتاب على أكمل وجه.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 189) و «الضوء اللامع» (8/ 138) و
«بغية الوعاة» (1/ 169) .
(9/290)
قال السيوطي: ولد قبيل سبعين وسبعمائة،
وقدم القاهرة، فاشتهر، ومهر في الفقه، والعربية، والحساب، والعروض،
وغير ذلك. وتصدّر بالجامع الأزهر تبرعا، ودرّس وأفتى مدة، وأقرأ وخطب،
وناب في الجمالية عن حفيد الشيخ ولي الدّين العراقي، ثم انتزعها منه
الشيخ شمس الدّين البرماوي، وأصابه فالج أبطل نصفه، واستمر موعوكا [1]
إلى أن مات ليلة الأحد حادي عشر ربيع الأول.
وفيها محمد ويدعى الخضر بن علي بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم
النّويري الشافعي [2] .
ولد في ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وتفقه قليلا، وأسمع على
العزّ بن جماعة، وابن حبيب، وابن عبد المعطي، والأميوطي، ومن بعدهم.
وأجاز له البهاء بن خليل، والجمال الإسنوي، وأبو البقاء السّبكي،
وغيرهم، وناب في الحكم عن قريبة عزّ الدّين بن محبّ الدّين. وولي قضاء
المدينة مدة يسيرة، ولم يصل إليها، بل استناب ابن المطري، وصرف، وكان
ضخما جدا، وانصلح بأخرة، وهو والد أبي اليمن خطيب الحرم.
وتوفي في رابع عشر ذي الحجّة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «موعكا» وما أثبته من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 189) و «الضوء اللامع» (8/ 161) .
(9/291)
سنة ثلاث وثلاثين
وثمانمائة
فيها كما قال البرهان البقاعي أخبرني الفاضل البارع بدر الدّين حسين
البيري الشافعي أنه سكن آمد مدة وأنها أمطرت بها ضفادع، وذلك في فصل
الصيف، وأخبرني أن ذلك غير منكر في تلك الناحية بل هو أمر معتاد، وأن
الضفادع تستمر إلى زمن الشتاء فتموت، وأخبرني أن أهل المدينة وهي آمد
أخبروه أنها أمطرت عليهم مرّة حيّات ومرة أخرى دما. انتهى.
وفيها كان الغلاء الشديد بحلب ودمشق، والطّاعون المفرط بدمشق، وحمص،
ومصر، حتى قال ابن حجر [1] ركب أربعون نفسا مركبا يقصدون الصعيد، فما
وصلت إلى الميمون [2] حتى مات الجميع، وأن ثمانية عشر صيّادا اجتمعوا
في مكان، فمات منهم في يوم واحد أربعة عشر، فجهّزهم الأربعة، فمات منهم
وهم مشاة ثلاثة، فلما وصل بهم الآخر إلى المقبرة مات. انتهى.
وفيها مات صاحب الحبشة إسحاق بن داود بن سيف أرغد الحبشي الأمحري [3] .
توفي في ذي القعدة، وكانت ولايته إحدى وعشرين سنة.
وأقيم بعده ولده أندراس، فملك أربعة أشهر وهلك، فأقيم عمّه خرنباي بن
__________
[1] انظر «فتح الباري» (8/ 200) .
[2] الميمون: قرية جبلية بالصعيد الأدنى قرب الفسطاط على غربي النيل.
انظر «معجم البلدان» (5/ 245) و «التحفة السنية» ص (141) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 209) و «الضوء اللامع» (2/ 277) و
«الدليل الشافي» (1/ 116) .
(9/292)
داود فهلك في سبعة أشهر، فأقيم سلمون بن
إسحاق بن داود المذكور فهلك سريعا، فأقيم بعده صبيّ صغير إلى أن هلك في
طاعون سنة تسع وثلاثين.
وفيها صارم الدّين إبراهيم بن ناصر الدّين بن الحسام الصّقري [1] .
نشأ طالبا للعلم، فتأدب، وتعلّم الحساب والكتابة، والأدب والخط البارع،
وولي حسبة القاهرة في أواخر أيام المؤيد.
وتوفي مطعونا في ثامن عشر جمادى الآخرة.
وفيها زين الدّين أبو بكر بن عمر بن عرفات القمني الشافعي [2] الشيخ
الإمام العالم.
ولد بناحية قمن من ريف مصر [3] . وقدم القاهرة، وتفقّه بها على جماعة
من علماء عصره [4] وبرع في المذهب [4] وصحب أعيان الأمراء فأثرى بعد
فقر، وتولى تدريس الصلاحية بالقدس الشريف، ودرّس بعدة مدارس، وكتب على
الفتاوى، واشتغل.
وتوفي ليلة الجمعة ثالث عشر رجل عن نحو ثمانين سنة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان الشّريف الحسيني
الدمشقي الأصل والمولد والمنشأ المصري الوفاة الشافعي [5] .
ولد في سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ومع والده نقابة الأشراف بدمشق [6] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 205) و «الضوء اللامع» (1/ 157) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 209) و «الضوء اللامع» (11/ 63) .
[3] قال ياقوت في «معجم البلدان» (4/ 398) : قمن: بكسر أوله، وفتح
ثانيه، وآخره نون، بوزن سمن، كذا ضبطه الأديبي وأفاد فيه المصريون،
قرية من قرى مصر نحو الصعيد. وانظر «التحفة السنية» ص (145) .
[4، 4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 206) و «الضوء اللامع» (2/ 5) و
«الدليل الشافي» (1/ 62) .
[6] لفظة «بدمشق» سقطت من «ط» .
(9/293)
[1] قال ابن حجر: وكان فيه جراءة وإقدام،
ثم ترقّى بعد موت أبيه، فولي نقابة الأشراف بدمشق [1] ثم كتابة السّرّ
في سلطنة المؤيد، ثم ولي القضاء بدمشق في سلطنة الأشرف. انتهى.
وقال في «المنهل» : تفقه على مذهب الشافعي، وولي بدمشق عدة وظائف سنية،
وتكرّر قدومه إلى القاهرة، إلى أن طلبه الأشرف برسباي إلى الديار
المصرية، وولّاه كتابة سرّها فباشرها مباشرة حسنة، وسار فيها أجمل
سيرة، على أنه لم تطل أيّامه، فإن قدومه إلى القاهرة كان في ذي الحجّة
سنة اثنتين وثلاثين.
وتوفي ليلة الخميس ثامن عشري جمادى الآخرة بالطّاعون.
وتولي كتابة السّرّ من [2] بعده أخوه أبو بكر الملقّب عماد الدّين ولم
تطل أيامه فمات ليلة الجمعة ثالث عشر رجب من هذه السنة بعد أخيه بستة
عشر يوما، وكان [3] قدم مصر لزيارة أخيه فطعن ومات.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن علي
بن حاتم، الشيخ الإمام الرّحلة، قاضي القضاة ابن الحبّال البعلي
الحنبلي [4] .
ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وتفقه، وسمع الحديث، وولي قضاء طرابلس،
ثم قضاء دمشق سنة أربع وعشرين وثمانمائة، إلى أن صرف سنة اثنتين
وثلاثين في شعبان بسبب ما اعتراه من ضعف البصر والارتعاش، وكان مع ذلك
كثير العبادة، ملازما على الجمعة والجماعة، منصفا لأهل العلم.
قال الشاب التائب: كان أهل طرابلس يعتقدون فيه الكمال بحيث أنه لو جاز
أن يبعث الله نبيا في هذا الزّمان لكان هو.
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] لفظة «من» لم ترد في «ط» .
[3] لفظة «وكان» لم ترد في «ط» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 207) و «الضوء اللامع» (2/ 26) و
«السحب الوابلة» ص (84) .
(9/294)
وتوفي بطرابلس بعد قدومه إليها في يوم
واحد، وذلك في ربيع الأول.
وفيها صدر الدّين أحمد بن محمود بن محمد بن عبد الله القيسري، المعروف
بابن العجمي الحنفي [1] .
ولد سنة سبع وسبعين وسبعمائة بالقاهرة، ونشأ بها، واعتنى به أبوه في
صغره، وصلّى بالناس التراويح بالقرآن أول ما فتحت الظاهرية سنة ثمان
وثمانين وهو ابن إحدى عشرة سنة لم يكملها، وبرع في الفقه، والأصول،
والعربية، وباشر التوقيع في ديوان الإنشاء، ثم ولي الحسبة مرارا، ونظر
الجوالي، وغير ذلك، إلى أن تمت له عشر وظائف نفيسة، وأفتى ودرّس، وكان
كريما، حسن المحاضرة، متواضعا، فصيحا، بحّاثا، طلق اللّسان، مستحضرا،
ذكيا.
توفي بالطّاعون يوم السبت رابع عشر رجب.
وفيها تاج الدّين إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن محمد التّدمري الشافعي
[2] خطيب الخليل.
قال ابن حجر: ذكر أنه أخذ [3] عن قاضي حلب شمس الدّين محمد بن أحمد بن
المهاجر، وعن شيوخنا العراقي وابن الملقّن، وغيرهما. وأجاز له ابن
الملقّن في الفقه، ومات ليلة عيد رمضان. انتهى.
وفيها أمير المؤمنين المستعين أبو الفضل العبّاس بن المتوكل بن المعتضد
[4] .
استقر في الخلافة بعهد من أبيه في رجب سنة ثمان وثمانمائة [5] . وقرّر
أيضا سلطانا مع الخلافة مدة، إلى أن تسلطن المؤيد فعزله من الخلافة،
وقرّر فيها أخاه
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 208) و «الضوء اللامع» (2/ 223) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 208) و «الضوء اللامع» (2/ 276) .
[3] لفظة «أخذ» سقطت من «ط» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 213) و «الضوء اللامع» (4/ 19) و
«تاريخ الخلفاء» ص (505) .
[5] في «آ» : «ثمان وثمانين» وهو خطأ.
(9/295)
داود، ولقّب المعتضد، واعتقل المستعين
بالإسكندرية، فلم يزل بها إلى أن تكلّم ططر في المملكة، فأرسل في
إطلاقه، وأذن له في المجيء إلى القاهرة، فاختار الاستمرار بالإسكندرية
لأنه استطابها، وحصل له مال كثير من التجارة، إلى أن توفي بها شهيدا
بالطّاعون، وخلّف ولده يحيى.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن محبّ الدّين خليل بن فرح بن سعيد القدسي
الأصل الدمشقي البرماوي، المعروف بالقلعي [1] .
قال البرهان البقاعي: هو شيخنا الرّبّاني الصّوفي العارف. كان إماما،
عارفا، مسلّكا، مربيا، قدوة، ذا قدم راسخ في علم الباطن، مشاركا في
الفقه والنحو مشاركة جيدة، أستاذا في علم الكلام، ذا حافظة قويّة،
مفتوحا عليه في الكلام في الوعظ، يحفظ حديثا كثيرا ويعزوه إلى مخرجيه،
وله مصنّفات، منها «منار سبل الهدى وعقيدة أهل التّقى» بحثت عليه بعضه
وأقمت عنده مدّة بزاويته بالعقيبة الصّغرى.
ومات بدمشق يوم الجمعة عاشر شهر ربيع الأول. انتهى.
وفيها نسيم الدّين عبد الغني بن جلال الدّين عبد الواحد بن إبراهيم
المرشدي المكّي [2] .
اشتغل كثيرا، ومهر وهو صغير، وأحبّ الحديث، فسمع الكثير، وحفظ، وذاكر،
ودخل اليمن، فسمع من الشيخ مجد الدّين الفيروزآبادي، وكتب عن ابن حجر
الكثير.
وتوفي مطعونا بالقاهرة.
وفيها علي بن عنان بن معافس بن رميثة بن أبي نمي الحسيني المكّي الشريف
[3] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 214) و «الضوء اللامع» (5/ 18) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 215) و «الضوء اللامع» (4/ 251) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 216) و «الضوء اللامع» (5/ 272) .
(9/296)
ولي إمرة مكّة مدة، ودخل المغرب بعد عزله
عنها فأكرمه أبو فارس متولي تونس، ثم عاد إلى القاهرة فتوفي بها مطعونا
في ثالث جمادى الآخرة، وكان عنده فضيلة ومعرفة ويحاضر بالأدب وغيره.
وفيها فاطمة بنت خليل بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح الشيخة المسندة
المعمّرة الحنبلية [1] الأصيلة بنت الشيخ صلاح الدّين، وهي بنت أخي
قاضي القضاة ناصر الدّين نصر الله بن أحمد الحنبلي.
شاركت الشيخ زين الدّين القبّاني في أكثر مروياته، وهي التي ذكرها شيخ
الإسلام ابن حجر في «المشيخة المخرّجة» للقبايي التي سمّاها ب «المشيخة
الباسمة» للقبّابي، وفاطمة.
توفيت في آخر يوم الجمعة الأول من جمادى الأولى بالقاهرة، وصلّي عليها
بباب النصر ودفنت هناك.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن سليمان الأذرعي الحنفي [2] .
أخذ عن ابن الرّضي، والبدر المقدسي، وتفقه حنفيا ثم بعد اللّنك. انتقل
إلى مذهب الشافعي، وولي قضاء بعلبك وغيرها، ثم عاد حنفيا، وناب في
الحكم، ودرّس وأفتى، وكان يقرئ «البخاري» جيدا، ويكتب على الفتوى كتابة
حسنة بخط مليح، وتوجه إلى مصر في آخر عمره، فعند وصوله طعن فمات غريبا
شهيدا في جمادى الآخرة.
وفيها السلطان الصالح محمد ططر [3] .
خلع في خامس عشر ربيع الأول سنة خمس وعشرين، وأقام عند السلطان الملك
الأشرف مكرّما إلى أن طعن ومات في سابع عشري جمادي الآخرة.
__________
[1] ترجمتها في «الضوء اللامع» (12/ 91) و «أعلام النساء» (4/ 53) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 218) و «الضوء اللامع» (6/ 313) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 218) و «الضوء اللامع» (274) و
«الدليل الشافي» (2/ 630) .
(9/297)
وفيها الحافظ شمس الدّين أبو الخير محمد بن
محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف، المعروف بابن الجزري [1]
الشافعي، مقرئ الممالك الإسلامية.
ولد بدمشق ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وخمسين
وسبعمائة، وتفقه بها، ولهج بطلب الحديث والقراآت وبرّز فيهما، وعمر
للقراء مدرسة سمّاها دار القرآن، وأقرأ الناس، وعيّن لقضاء الشام مرة
ولم يتم ذلك لعارض، وقدم القاهرة مرارا، وكان شكلا حسنا، مثريا، فصيحا
بليغا، وكان باشر عند قطلبك استادار ايتمش، فاتفق أنه نقم عليه شيئا
فتهدده، ففرّ منه، فنزل البحر إلى بلاد الرّوم في سنة ثمان وتسعين،
فاتصل بأبي يزيد بن عثمان فعظّمه وأخذ أهل البلاد عنه علم القراآت،
وأكثروا عنه، ثم كان فيمن حضر الوقعة مع ابن عثمان واللّنكية، فلما أسر
ابن عثمان اتصل ابن الجزري باللّنك، فعظّمه وفوّض له قضاء شيراز فباشره
مدة طويلة، وكان كثير الإحسان لأهل الحجاز، وأخذ عنه أهل تلك البلاد
القراآت والحديث، ثم اتفق أنه حجّ سنة اثنتين وعشرين فنهب، ففاته
الحجّ، وأقام بينبع، ثم بالمدينة المنورة، ثم بمكّة إلى أن حجّ ورجع
إلى العراق، ثم عاد سنة ست وعشرين، وحجّ، ودخل القاهرة سنة سبع، فعظّمه
الملك الأشرف وأكرمه، وحجّ في آخرها، وأقام قليلا، ودخل اليمن تاجرا
فأسمع الحديث عند صاحبها ووصله، ورجع ببضاعة كثيرة، فدخل القاهرة في
سنة سبع، وأقام بها مدة إلى أن سافر على طريق الشام ثم على طريق
البصرة، إلى أن وصل شيراز.
قال ابن حجر: وقد انتهت إليه رئاسة علم القراآت في الممالك، وكان
قديما، صنّف «الحصن الحصين» في الأدعية، ولهج به أهل اليمن، واستكثروا
منه، وسمعوه عليّ قبل أن يدخل هو إليهم، ثم دخل إليهم فأسمعهم، وحدّث
بالقاهرة ب «مسند أحمد» و «مسند الشافعي» وغير ذلك. وسمع بدمشق وبمصر
من ابن أميلة، وابن الشيرجي، ومحمود بن خليفة، وعماد الدّين ابن كثير،
وابن أبي عمر، وخلائق وبالإسكندرية، من عبد الله بن الدّماميني،
وببعلبك من أحمد بن
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 255) و «غاية النهاية» (2/ 247) و
«الدليل الشافي» (2/ 697) .
(9/298)
عبد الكريم، وطلب بنفسه، وكتب الطّباق،
وعني بالنّظم، وكانت عنايته بالقراءات أكثر، وذيّل «طبقات القراء»
للذهبي وأجاد فيه، ونظم قصيدة في القراآت الثلاثة [1] ، وجمع «النشر في
القراآت العشر» وقد سمعت بعض العلماء يتّهمه بالمجازفة في القول، وأما
الحديث فما أظن ذلك به، إلا أنه كان إذا رأى للعصريين شيئا أغار عليه
ونسبه لنفسه، وهذا أمر قد أكثر المتأخرون منه ولم ينفرد به، وكان يلقّب
في بلاده الإمام الأعظم، ولم يكن محمود السيرة في القضاء، وأوقفني بعض
الطلبة من أهل تلك البلاد على جزء فيه «أربعون حديثا» عشاريّات
فتأملتها فوجدته خرّجها بأسانيده من جزء الأنصاري وغيره، وأخذ كلام
شيخنا العراقي في «أربعينه العشاريات» .
انتهى باختصار.
وبالجملة فإنه كان عديم النّظير، طائر الصّيت. انتفع الناس بكتبه وسارت
في الآفاق مسير الشمس.
وتوفي بشيراز في ربيع الأول، ودفن بمدرسته التي بناها بها، رحمه الله
تعالى.
وفيها جلال الدّين نصر الله بن عبد الرحمن [2] بن أحمد بن إسماعيل،
المعروف بالشيخ نصر الله العجمي الحنفي الأنصاري البخاري الرّوياني
الكجوري [3] .
ولد بكجور إحدى قرى رويان من بلاد العجم سنة ست وستين وسبعمائة تقريبا
ونسبته إلى أنس بن مالك، وتجرّد، وبرع في علم الحكمة والتصوف، وشارك في
الفنون، وكتب الخطّ الفائق، ودخل القاهرة على قدم التجريد، وصحب
الأمراء والأكابر، وحصل له قبول زائد، ونالته السعادة، وجمع الكتب
النّفيسة، وكان يتكلّم في علم التصوف على طريقة ابن عربي، وفاق في علم
الحرف وما أشبهه.
__________
[1] سمّاها المترجم في كتابه «غاية النهاية» (2/ 250) : «الدرّة في
القراآت الثلاثة» .
[2] فى معظم المصادر: «نصر الله بن عبد الله» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 222) و «الضوء اللامع» (10/ 198) و
«الدليل الشافي» (2/ 758) و «النجوم الزاهرة» (15/ 165- 166) .
(9/299)
قال ابن تغري بردي: وكانت له تصانيف كثيرة
في عدة فنون، وصنع مرة للوالد خاتما يضعه على الثعبان فيفر منه أو يموت
فأعجب به الوالد إعجابا كثيرا وأنعم عليه برزقه في برّ الجيزة نحو مائة
فدان وأظنها إلى الآن وقفا على زاويته بقرب خان الخليلي، وكانت له
وجاهة في الدولة، ولم يزل وافر الحرمة إلى أن.
توفي بالقاهرة ليلة الجمعة سادس رجب ودفن ببيته وأوصى أن يكون زاوية،
فوقع ذلك، وفتح لها شبّاك على الطريق بالقرب من خان الخليلي.
وفيها القاضي تقي الدّين يحيى بن العلّامة شمس الدّين محمد بن يوسف
الكرماني البغدادي [1] .
ولد في رجب سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وسمع من أبيه وغيره، ونشأ
ببغداد، وتفقه بأبيه وغيره، وشارك في عدة علوم، وقدم القاهرة هو وأخوه
في حدود الثمانمائة بشرح أبيهما على «البخاري» فابتهج الناس به، وكتبت
منه نسخ عديدة، وعرف تقي الدّين هذا بالفضيلة، وتقرّب غاية التقرب من
السلطان شيخ في حال إمارته وسلطنته، وكان عالما فاضلا، شرح «البخاري» و
«مسلم» واختصر «الرّوض الأنف» . وله مصنّف في الطب وغير ذلك.
وتوفي بالقاهرة في الطّاعون يوم الخميس ثامن جمادى الآخرة. قاله في
«المنهل» .
وفيها نظام الدّين يحيى بن يوسف [2] ، وقيل: سيف، وهو الأشهر، ابن عيسى
السّيرامي الأصل والمولد المصري الدار والوفاة، الحنفي شيخ الشيوخ
بمدرسة الظّاهر برقوق، وابن شيخها. [3] قدم مع والده وإخوته في السابعة
من عمره إلى القاهرة بعد موت العلاء السيرامي، ونشأ بالقاهرة تحت كنف
والده، وبه تفقه، حتّى برع في الفقه، والأصلين، واللغة، والعربية،
والمعاني، والبيان، والجبر، والمقابلة، والمنطق، والطب، والحكمة،
والهندسة، والهيئة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 225) و «الضوء اللامع» (10/ 259) و
«الدليل الشافي» (2/ 781) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 224) و «الضوء اللامع» (10/ 259) و
«الدليل الشافي» (2/ 781) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 224) و «الضوء اللامع» (10/ 266) .
(9/300)
وشارك في عدة فنون، وتصدّر للإفتاء
والتدريس والإشغال عدة سنين، وتفقه به جماعة من أعيان الناس وانتفعوا
به في المعقول والمنقول.
وكان إماما، ديّنا، وافر الحرمة، مهابا، وقورا، معظّما في الدول، محببا
للملوك، كثير الخير، حادّ الذّهب، جيد التّصور، مليح الشّكل، فصيح
العبارة، بحّاثا، مناظرا، مقداما، شهما، قويا في ذات الله، كثير
العبادة. توفي بالقاهرة في الطّاعون في جمادى الآخرة.
وفيها يعقوب بن إدريس بن عبد الله، الشهير بقرا يعقوب الرّومي [1]
الحنفي النّكدي، نسبة إلى نكدة من بلاد ابن قرمان.
ولد سنة تسع وثمانين وسبعمائة، واشتغل في بلاده، ومهر في الأصول،
والعربية، والمعاني، والبيان، وكتب على «المصابيح» شرحا، وعلى
«الهداية» حواشي، ودخل البلاد الشامية، وحجّ سنة تسع عشرة، ثم رجع،
وأقام بلا رندة، يدرّس ويفتي، ثم قدم القاهرة، فاجتمع بمدبّر المملكة
ططر فأكرمه إكراما زائدا، ووصله بمال جزيل، فاقتنى كتبا كثيرة، ورجع
إلى بلاده فأقام بلا رندة إلى أن مات في شهر ربيع الأول بها.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 225) و «الضوء اللامع» (10/ 282) .
(9/301)
سنة أربع وثلاثين
وثمانمائة
فيها توفي مجد الدّين إسماعيل بن أبي الحسن علي بن محمد البرماوي
المصري الشافعي [1] .
ولد في حدود الخمسين وسبعمائة، ودخل القاهرة قديما، وأخذ عن المشايخ،
وسمع، ومهر في الفقه والفنون، وتصدى للتدريس، وخطب بجامع عمرو بمصر.
وتوفي في نصف ربيع الآخر.
وفيها شرف الدّين أبو محمد عبد الله بن القاضي شمس الدّين محمد بن مفلح
بن محمد بن مفرّج الرّاميني ثم الدمشقي الحنبلي [2] الإمام، علّامة
الزّمان، شيخ المسلمين.
قال ابن حجر: ولد في ربيع الأول سنة خمسين وسبعمائة، وتوفي أبوه وهو
صغير، فحفظ القرآن، وصلّى به، وكان يحفظه إلى آخر عمره ويقوم به في
التراويح في كل سنة بجامع الأفرم، وله محفوظات كثيرة، منها «المقنع» في
الفقه، و «مختصر ابن الحاجب» في الأصول، و «ألفية ابن مالك» و «ألفية
الجويني» في علوم الحديث، و «الانتصار» في الحديث مؤلّف جدّه جمال
الدّين المرداوي.
وكان علّامة في الفقه، يستحضر غالب فروع والده، أستاذا في الأصول،
بارعا في التفسير والحديث، مشاركا فيما سوى ذلك. وكان شيخ الحنابلة
بالمملكة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 239) و «الضوء اللامع» (2/ 295) و
«الدليل الشافي» (1/ 126) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 240) و «الضوء اللامع» (5/ 66) و
«السحب الوابلة» ص (268) .
(9/302)
الإسلامية، وأثنى عليه أئمة عصره كالبلقيني
والدّيري، وسمع من جدّه لأمه جمال الدّين المرداوي، وابن قاضي الجبل،
وغيرهما، وأفتى ودرّس، وناظر، واشتغل.
وتوفي ليلة الجمعة ثاني ذي القعدة ودفن عند والده وإخوته بالرّوضة.
وفيها وجيه الدّين [1] عبد الرحمن بن الجمال المصري [2] .
ولد بزبيد، وتفقّه، وتزوج بنت عمّه النّجم المرجاني، وقطن مكّة، وأشغل
الناس بها في الفقه، واشتهر بمعرفته.
وتوفي في سابع عشر رجب.
وفيها سراج الدّين عمر بن منصور بن عبد الله البهادري الحنفي [3] .
أحد خلفاء الحكم بالقاهرة.
ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وكان إماما بارعا في الفقه، والنحو،
واللغة. انتهت إليه الرئاسة في علم الطب، وتقدم على أقرانه في ذلك
لغزير حفظه، وكثرة استحضاره، ونقول أقوال الحكماء قديما وحديثا.
وكان شيخا معتدل القامة، مصفرّ اللّون جدا، وكان مع تقدمه في علم الطبّ
غير ماهر بالمداواة يفوقه أقل تلامذته لقلة مباشرته لذلك، فإنه لم
يتكسب بهذه الصناعة، وناب في الحكم.
وتوفي يوم السبت ثاني عشر شوال ولم يخلّف بعده مثله.
وفيها شمس الدّين محمد بن الحسن بن محمد الحسني الحصني- ابن أخي الشيخ
تقي الدّين- الشافعي [4] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وحيد الدّين» وأثبت ما في مصدري الترجمة.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 241) و «الضوء اللامع» (4/ 126) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 242) و «الضوء اللامع» (6/ 139) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 243) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/
213) .
(9/303)
اشتغل على عمّه ولازم طريقته في العبادة
والتجرّد، ودرّس بالشامية، وقام في عمارة البادرائية، وكان شديد التعصب
على الحنابلة.
وتوفي في ربيع الأول.
وفيها شمس الدّين محمد بن حمزة بن محمد بن محمد الرّومي بن الفنري-
بالفاء والراء المهملة، بالنسبة إلى صنعة الفنيار- الحنفي [1] .
قال السيوطي: كان عارفا بالعربية، والمعاني، والقراآت. كثير المشاركة
في الفنون.
ولد في صفر سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وأخذ عن العلّامة علاء الدّين
الأسود شارح «المغني» والجمال محمد بن محمد بن محمد الأقصرائي ولازم
الاشتغال، ورحل إلى مصر، وأخذ عن الشيخ أكمل الدّين وغيره، ثم رجع إلى
الرّوم فولي قضاء برصة، وارتفع قدره عند ابن عثمان جدّا. واشتهر ذكره،
وشاع فضله، وكان حسن السّمت، كثير الفضل والإفضال غير أنه لعّاب بنحلة
ابن العربي وبإقراء «الفصوص» ولما دخل القاهرة لم يتظاهر بشيء من ذلك،
واجتمع به فضلاء العصر، وذاكروه وباحثوه، وشهدوا له بالفضيلة، ثم رجع.
وكان قد أثرى، وصنّف في الأصول كتابا. أقام في عمله ثلاثين سنة، واقرأ
العضد نحو العشرين مرة، وأخذ عنه ولازمه شيخنا العلّامة [2] محيي
الدّين [2] الكافيجي، وكان يبالغ في الثناء عليه ومات في رجب. انتهى
كلام السيوطي.
وفيها محمد بن الشيخ بدر الدّين الحمصي المعروف بابن العصياني [3] .
قال ابن حجر: اشتغل كثيرا، وكان في أول أمره جامد الذهن، ثم اتفق أنه
سقط من مكان فانشق رأسه نصفين، ثم عولج فالتأم، فصار حفظة، ومهر في
العلوم العقلية وغيرها، وكان يرجع إلى دين، وينكر المنكر، ويوصف بحدّة
ونقص عقل.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 243) و «بغية الوعاة» (1/ 97) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (1/ 248) و «الضوء اللامع» (6/ 255) .
(9/304)
مات في صفر. انتهى.
وفيها قاضي القضاة نور الدّين أبو الثناء محمود بن أحمد بن محمد
الهمداني الفيّومي الشافعي، المعروف بابن خطيب الدّهشة [1] .
أصله من الفيّوم، وولد والده بالفيّوم، وكان يعرف بابن ظهير، ثم رحل
إلى حماة واستوطنها، وولي خطابة الدهشة، وولد له ابنه هذا في حدود سنة
خمسين وسبعمائة، وبها نشأ، وحفظ القرآن الكريم [2] وعدة متون [3] ،
وتفقه على جماعات من علماء حماة وغيرهم، وبرع في الفقه، والعربية،
والأصول، واللغة، وغير ذلك. وأفتى ودرّس، مع الدّين المتين والورع
والعفّة، واشتهر ذكره، وعظم قدره، وانتفع به عامة أهل حماة، إلى أن
نوّه بذكره القاضي ناصر الدّين بن البارزي كاتب السرّ بالدّيار
المصرية، عند الملك المؤيد شيخ فولّاه قضاء حماة، وحسنت سيرته، وأظهر
في ولايته من العفّة والصّيانة ما هو مشهور عنه، ودام في الحكم إلى أن
صرف في دولة الأشرف برسباي، فلزم داره على أجمل طريقة، وأخذ في الإقراء
والأشغال.
ومن تصانيفه: «مختصر القوت» للأذرعي في أربع مجلدات، سمّاه «لباب
القوت» و «تكملة شرح منهاج النووي» في الفقه للسبكي في ثلاث عشرة
مجلدة، وكتاب «التّحفة في المبهمات» وكتاب «تحرير الحاشية في شرح
الكافية» لابن مالك في النحو ثلاث مجلدات، وكتاب «تهذيب المطالع» في
اللغة الواردة في «الصحيحين» و «الموطأ» ست مجلدات، واختصره في جزءين،
وسمّاه «التقريب» و «منظومة» في صناعة الكتابة نحو تسعين بيتا وشرحها،
وكتاب «اليواقيت المضية في المواقيت الشرعية» وغير ذلك.
ومن شعره:
غصن النّقا لا تحكه ... فما له في ذا شبه
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 249) و «الضوء اللامع» (10/ 129) و
«الدليل الشافي» (2/ 721) .
[2] في «آ» : «وحفظ القرآن العظيم» .
[3] في «آ» : «وعدة فنون» .
(9/305)
فرامه قلت: اتّئد ... ما أنت إلّا حطبه
ومنه:
وصل حبيبي خبر ... لأنه قد رفعه
بنصب قلبي غرضا ... إذ صار مفعولا معه
وتوفي بحماة يوم الخميس سابع شوال. قيل: لما احتضر تبسم ثم قال:
لمثل هذا فليعمل العاملون
.
(9/306)
سنة خمس وثلاثين
وثمانمائة
فيها خرب الشرق من بغداد إلى تبريز من فرط الغلاء وعمومه، حتّى أكلوا
الكلاب والميتة [1] .
وفيها أجريت عيون مكة حتى دخلتها وامتلأت برك باب المعلى ومرت على
الصفا وسوق الليل وعم النفع بها [2] .
وفيها- كما قال ابن حجر [3]- ثارت فتنة عظيمة بين الحنابلة والأشاعرة
بدمشق، وتعصب الشيخ علاء الدّين البخاري نزيل دمشق على الحنابلة، وبالغ
في الحطّ على ابن تيميّة [4] وصرّح بتكفيره، فتعصب جماعة من الدماشقة
لابن تيميّة [4] .
وصنّف صاحبنا الحافظ شمس الدّين بن ناصر الدّين جزءا في فضل ابن تيميّة
[5] وسرد أسماء من أثنى عليه وعظّمه من أهل عصره فمن بعدهم على حروف
المعجم، مبينا لكلامهم، وأرسله إلى القاهرة، فكتب عليه غالب المصريين
التصويب، وخالفوا علاء الدّين البخاري في إطلاق القول بتكفيره وتكفير
من أطلق
__________
[1] انظر الخبر بأوسع من هذا في «إنباء الغمر» (8/ 260) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (8/ 251) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (8/ 258) .
[4، 4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[5] هو كتابه «الردّ الوافر» وقد طبع أول مرة طبعة تجارية في مطبعة
كردستان العلمية في مصر سنة (1329 هـ) ، ثم طبعه صاحب المكتب الإسلامي
ببيروت سنة (1393 هـ) ، وأعاد طبعه بعد ذلك طبعة أخرى احتوت على إضافات
كثيرة.
(9/307)
عليه أنه شيخ الإسلام، وخرج مرسوم السلطان
إلى أن كل أحد لا يعترض على مذهب غيره، ومن أظهر شيئا مجمعا عليه سمع
منه، وسكن الأمر. انتهى.
وفيها توفي الشيخ شهاب الدّين أحمد بن إسماعيل الإبشيطي [1] .
قال ابن حجر: تفقه قليلا، ولزم قريبه الشيخ صدر الدّين الإبشيطي، وأدّب
جماعة من أولاد الأكابر، ولهج بالسيرة النبوية، فكتب منها كثيرا، إلى
أن شرع في جمع كتاب حافل في ذلك، وكتب منه نحوا من ثلاثين سفرا تحتوي
على «سيرة ابن إسحاق» وما وضع عليها من كلام السّهيلي وغيره، وعلى ما
احتوت عليه «المغازي» للواقدي، وضم إلى ذلك ما في السيرة للعماد بن
كثير، وغير ذلك، وعنى بضبط الألفاظ الواقعة فيها، ومات في سلخ شوال،
وقد جاوز السبعين.
انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن علي، المعروف ببوّاب الكاملية
الحنبلي [2] .
قال العليميّ في «طبقاته» : الشيخ الإمام العالم القدوة، عنى بالحديث
كثيرا، وسمع، وكان يتغالى في حبّ الشيخ تقي الدّين [3] ، ويأخذ بأقواله
وأفعاله، وكتب بخطّه «تاريخ ابن كثير» وزاد فيه أشياء حسنة، وكان يؤم
في مسجد ناصر الدّين تجاه المدرسة التي أنشأها [4] نور الدّين الشهيد،
وكان قليل الاجتماع بالناس وعنده عبادة وتقشف وتقلل من الدّنيا. وكان
شافعيا ثم انتقل إلى عند جماعة الحنابلة وأخذ بمذهبهم.
وتوفي يوم السبت تاسع عشر صفر وقد قارب الثمانين ودفن بسفح قاسيون.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 261) و «الضوء اللامع» (1/ 244) .
[2] ترجمته في «المقصد الأرشد» (1/ 81) و «المنهج الأحمد» الورقة (485)
من القسم غير المنشور منه، و «السحب الوابلة» ص (53) .
[3] يعني ابن تيمية رحمه الله تعالى.
[4] في «المقصد الأرشد» ، و «المنهج الأحمد» : «الذي أنشأه» .
(9/308)
وفيها شهاب الدّين أحمد بن تقي الدّين عبد
الرحمن بن العلّامة جمال الدّين بن هشام المصري النّحوي [1] .
اشتغل كثيرا بمصر، وأخذ عن الشيخ عزّ الدّين ابن جماعة وغيره، وفاق في
العربية وغيرها، وكان يجيد لعب الشطرنج، وانصلح بأخرة.
قال البرهان البقاعي: كان شريف النّفس لم يتدنس بشيء من وظائف الفقهاء،
وكان ثاقب الذّهن، نافذ الفكر، فاق جميع أقرانه في هذا الشأن، مع صرف
غالب زمانه في لعب الشطرنج. انتهى.
سكن دمشق فمات بها في رابع جمادى الآخرة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عثمان بن محمد بن عبد الله الكلوتاتي الحنفي
[2] .
قال في «المنهل الصّافي» : المسند المعمّر المحدّث.
ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة، واعتنى بالحديث، وسمع الكثير، وقرأ من
سنة تسع وسبعين بنفسه على المشايخ فأكثر، حتى قرأ «صحيح البخاري» نحوا
من خمسين مرة، ودأب وحصّل، وأفاد الطلبة، وحدّث سنين بالقاهرة إلى أن
توفي يوم الاثنين الرابع والعشرين من جمادى الآخرة. انتهى.
وفيها حسين بن علاء الدولة بن أحمد بن أويس [3] ، وآخر ملوك العراق من
ذرية أويس.
كان اللّنك أسره وأخاه حسنا وحملهما إلى سمرقند ثم أطلقا فساحا في
الأرض فقيرين مجرّدين، فأما حسن فاتصل بالناصر فرج، وصار في خدمته،
ومات عنده قديما، وأما حسين هذا فتنقّل في البلاد إلى أن دخل العراق
فوجد شاه محمد بن شاه ولد بن أحمد بن أويس، وكان أبوه صاحب البصرة فمات
فملك ولده
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 263) و «الضوء اللامع» (2/ 329) و
«بغية الوعاة» (1/ 322) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 263) و «الضوء اللامع» (1/ 378) و
«الدليل الشافي» (1/ 59) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 264) و «الضوء اللامع» (3/ 160) و
«الدليل الشافي» (1/ 274) .
(9/309)
شاه محمد، فصادفه حسين قد حضره الموت فعهد
إليه بالمملكة، فاستولى على البصرة وواسط وغيرها، ثم حاربه أصبهان شاه
بن قرا يوسف، فانتهى حسين إلى شاه رخ بن اللّنك فتقوى بالانتماء إليه،
وملك الموصل وإربل، وتكريت، وكانت مع قرا يوسف فقوي أصبهان شاه واستنقذ
البلاد، وكان يخرّب كل بلد ويحرقه، إلى أن حاصر حسينا بالحلّة منذ سبعة
أشهر، ثم ظفر به بعد أن أعطاه الأمان، فقتله خنقا.
وفيها زين الدّين خالد بن قاسم العاجلي ثم الحلبي الحنبلي [1] .
ولد في رمضان سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، ولازم القاضي شرف الدّين بن
فيّاض، وولده أحمد، وأخذ عن شمس الدّين بن اليّونانيّة [2] وأحبّ مقالة
ابن تيميّة، وكان من رؤوس القائمين مع أحمد بن البرهان على الظّاهر،
وهو آخر من مات منهم، وتنزّل بالآثار النبوية، وكان قد غلب عليه حبّ
المطالب، فمات ولم يظفر بطائل، ونزله المؤيد بمدرسته في الحنابلة.
ومات في ثالث ذي الحجة. قاله ابن حجر.
وفيها قطب الدّين وجمال الدّين عبد الله بن نور الدّين محمد بن قطب
الدّين عبد الله بن حسن بن يوسف بن عبد الحميد بن أبي الغيث البهنسي
[3] .
ولد في رجب سنة خمس وخمسين وسبعمائة، واشتغل، وسمع الحديث، وقال الشعر.
وكان موسرا، لكنه أكثر التّقتير على نفسه جدا، وأصيب في عقله بأخرة
وأكمل الثمانين سنة.
ومن شعره:
إذا الخلّ قد ناجاك بالهجر فاصطبر ... وسامح له واغفر بنصح وداره
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 265) و «الضوء اللامع» (3/ 172) و
«السحب الوابلة» ص (162) .
[2] تصحفت في «آ» و «إنباء الغمر» «ابن اليانونية» والصواب ما جاء في
«ط» وقد تقدمت ترجمته في وفيات سنة (793) من المجلد الثامن ص (566) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 266) و «الضوء اللامع» (5/ 53) .
(9/310)
فإن عاد فأقله ثمّ لا تذكر اسمه ... وحوّل
طريق القصد عن باب داره
وتوفي في شهر رمضان.
وفيها القاضي زين الدّين عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن علي بن
هاشم التّفهني [1]- بفتح المثناة الفوقية، وكسر الفاء وسكون الهاء،
ونون، نسبة إلى تفهن [2] قرية بمصر- الحنفي.
ولد سنة بضع وستين وسبعمائة، ومات أبوه وهو صغير، فانتقل إلى القاهرة
وهو شاب، وتنزل في مكتب اليتامى بمدرسة صرغتمش، ثم ترقّى إلى أن صار
عريفا، وتنزل في الطلبة هناك، ولازم الاشتغال، ودار على الشيوخ، فمهر
في الفقه والعربية، وجاد خطّه، وشهر اسمه، وخالط الأتراك، وصحب بدر
الدّين محمود الكلستاني كاتب السرّ، فاشتهر ذكره، وناب في الحكم، وولي
تدريس الصّرغتمشية، وولّاه المؤيد شيخ قضاء الحنفية في سنة اثنتين
وعشرين فباشره مباشرة حسنة، وكان حسن العشرة، كثير العصبيّة لأصحابه،
عارفا بأمور الدّنيا، على أنه يقع منه في بعض الأمور لجاج شديد يعاب
به، ولا يستطيع بتركه، وصرف عن القضاء سنة تسع وعشرين بالعيني، ثم أعيد
في سنة ثلاث وثلاثين، ثم صرف قبل موته في جمادى الآخرة، وتوفي ليلة
الأحد تاسع شوال، ويقال: إن أمّ ولده دسّت عليه سمّا لأنه لما توفيت
زوجته ظنّت أمّ ولده أنها تنفرد به، فتزوج امرأة، وأخرج أم ولده فحصل
[3] لها غيرة، والعلم عند الله.
وفيها زين الدّين عمر بن أبي بكر بن عيسى بن عبد الحميد المغربي الأصل
البصروي [4] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 266) و «الضوء اللامع» (3/ 98) .
[2] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» : «تفهن» وفي «معجم البلدان» (2/ 37) ذكر
ياقوت بليدة في مصر من ناحية الجيزة سمّاها «تفهنا» وذكرها هكذا أيضا
ابن الجيعان في «التحفة السّنية بأسماء البلاد المصرية» ص (74) وذكر
أخرى باسم «تفهنه الصغرى» ص (27) .
[3] في «ط» : «فحصلت» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 268) و «بغية الطلب» (2/ 216) .
(9/311)
قدم دمشق، فاشتغل بالفقه، والعربية،
والقراآت وفاق في النحو، وشغل الناس وهو بزي أهل البرّ، وكان قانعا
باليسير، حسن العقيدة، موصوفا بالخير والدّين، سليم الباطن، فارغا من
الرئاسة.
توفي في رابع جمادى الآخرة.
وفيها شرف الدّين عيسى بن محمد بن عيسى الأقفهسي الشّافعي [1] أحد
نوّاب الحكم تفقه بالجمال الإسنوي، ولازم البلقيني، وأذن له بالتدريس،
قيل والفتوى، وناب في الحكم عن البرهان بن جماعة. وغيره مدة طويلة.
ومات في جمادى الآخرة وقد جاوز الثمانين.
وفيها جمال الدّين محمد بن سعد الدّين [2] ملك الحبشة للمسلمين.
وليّ بعد فقد أخيه منصور في سنة ثمان وعشرين، وكان شجاعا بطلا مديما
للجهاد، وأسلم على يديه خلائق من الحبشة، قتله بنو عمه في جمادى
الآخرة، واستقرّ بعده أخوه شهاب الدّين أحمد.
وفيها الحافظ تاج الدّين محمد بن ناصر الدّين محمد بن محمد بن محمد بن
مسلم بن علي بن أبي الجود الكركي ابن الغرابيلي [3] ، سبط العماد
الكركي.
قال ابن حجر: ولد سنة ست وتسعين بالقاهرة، حيث كان جدّه لأمّه حاكما،
ونقله أبوه إلى الكرك حيث عمل إمرتها ثم تحوّل به إلى القدس سنة سبع
عشرة، فاشتغل، وحفظ عدة مختصرات، ك- «الكافية» لابن الحاجب، و
«المختصر» الأصلي، و «الإلمام» و «الألفية» في الحديث، ولازم الشيخ عمر
البلخي فبحث عليه في العضد، والمعاني، والمنطق، وتخرّج أيضا بنظام
الدّين قاضي العسكر، وبابن الديري الكبير، ومهر في الفنون إلّا الشعر،
ثم أقبل على الحديث بكليته،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 268) و «الضوء اللامع» (6/ 156) و
«الدليل الشافي» (1/ 510) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 268) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 269) و «الضوء اللامع» (9/ 306) .
(9/312)
فسمع الكثير، وعرف العالي والنازل، وقيّد
الوفيات وغيرها من الفنون، وشرع في شرح على «الإلمام» ونظر في التواريخ
والعلل، وسمع الكثير ببلده، ورحل إلى الشام والقاهرة فلازمني، وكان
الأكابر يتمنون رؤيته والاجتماع به لما يبلغهم من جميل أوصافه فيمتنع،
انتهى باختصار.
وألّف مجلدا لطيفا في الحمام يرحل إليه.
وتوفي بالقاهرة في جمادى الآخرة.
(9/313)
|