شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وثلاثين
وثمانمائة
في ثامن عشري شوالها كسفت الشّمس كسوفا عظيما من بعد العصر إلى قرب
المغرب، وصلّوا الكسوف، وظنّوا أنها غربت كاسفة فانجلت قبيل الغروب
انجلاء تاما [1] .
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن حجّاج الأبناسي الشّافعي [2] .
قال البرهان البقاعي: كان علّامة وقته، ومحقّق زمانه، ملازما لابن
الحجر، ومعظّما له، ونفعه كثير، وكان إماما، عالما بالمعقولات، فقيها،
نحويا، مفوها، جريئا في قوله، شهم النّفس، حديد الذّهن، فحل المناظرة،
ثابتا عند المضايق.
وتوفي بالمغس في زاوية شيخه وسميه البرهان الأبناسي، ودفن بباب
الشّعرية بمكان هناك كأنه زاوية. انتهى.
وفيها الملك الأشرف أحمد بن العادل سليمان الأيوبي [3] صاحب حصن كيفا.
قال ابن حجر: كان دينا فاضلا، له شعر حسن، وقفت على «ديوانه» وهو يشتمل
على نوائح في أبيه وغزل وزهديات، وغير ذلك، وكان جوادا محبا في
العلماء، خرج في عسكره لملاقاة السلطان على حصار آمد، فاتفق أنه نزل
لصلاة الصبح فوقع به فريق من التركمان فأوقعوا به على غرّة فقتل، ووصل
بقية أصحابه
__________
[1] انظر الخبر بتوسع في «إنباء الغمر» (8/ 280) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 286) و «الضوء اللامع» (1/ 37) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 287) و «الضوء اللامع» (1/ 308) .
(9/314)
وولده خليل، فقرّر ولده في مملكة أبيه،
ولقّب بالصّالح.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمود بن محمد، المعروف بابن
خازوق الحنبلي [1] قاضي القضاة.
قال العليمي: ولي قضاء حلب ثم عزل عنها، فولي قضاء طرابلس، ثم أعيد إلى
قضاء حلب، وتوفي بها في آخر السنة.
وفيها زين الدّين أبو بكر الأنبابي الشافعي [2] أحد نوّاب الحكم.
كان كثير الاشتغال، وأخذ عن الشيخ علاء الدّين الأقفهسي، وابن العماد،
والبلقيني، وغيرهم، وكان خيّرا.
مات في شعبان.
وفيها قاضي القضاة شهاب الدّين أحمد بن قاضي القضاة محيي الدّين
[محمود] ، المعروف بابن الكشك الدمشقي الحنفي [3] ، قاضي قضاة دمشق
ورئيسها من بيت علم ورئاسة وعراقة.
ولد بدمشق، ونشأ بها، وطلب العلم، وتفقه، وولي قضاءها مرارا، وجمع في
بعض الأحيان بين قضائها ونظر جيشها، وقدم القاهرة غير مرّة، وكانت له
ثروة وإفضال.
وتوفي بدمشق ليلة الخميس سابع ربيع الأول.
وفيها بدر الدّين حسن بن شرف الدّين أبي بكر بن أحمد القدسي المشهور
بابن بقيرة- بالتصغير وإمالة الراء- الحنفي [4] .
اشتغل قديما من سنة ثمانين وهلم جرا بالقدس، ثم بالشام، ثم بالقاهرة،
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (485) من القسم المخطوط منه.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 289) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 308) و «الدليل الشافي» (1/ 89) و
«الضوء اللامع» (2/ 220) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 630) وما بين
الحاصرتين مستدرك منها.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 289) .
(9/315)
وكان مفوّها، عارفا بالعربية وغيرها. وولي
مشيخة الشيخونية.
وتوفي يوم الخميس ثالث ربيع الآخر، وقد قارب السبعين.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد القزويني الشافعي، المعروف
بالحلّالي [1]- بمهملة ولام مشددة- من أهل جزيرة ابن عمر، وهو ابن أخت
العالم نظام الدّين عالم بغداد.
ولد سنة بضع وسبعين وسبعمائة، وأخذ عن أبيه وغيره، وبرع في الفقه،
والقراءات، والتفسير، وحجّ، وقدم حلب لزيارة القدس فزاره، ثم رجع إلى
حلب، وهو في سنّ الكهولة، فظهرت فضائله، ودخل القاهرة في سنة أربع
وثلاثين، وأخذوا عنه، ثم رجع، فلما وصل إلى بلده مات بعد أربعة أشهر.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحيم بن محمد المنهاجي الشافعي،
المعروف بسبط ابن اللّبان [2] .
ولد بعد السبعين وسبعمائة، واشتغل قديما، فأخذ عن العزّ ابن جماعة،
وشمس الدّين بن القطّان، ومشايخ العصر.
قال ابن حجر: قرأ على ابن القطّان البخاري بحضوري، وقرأ عليّ ترجمة
البخاري يوم الختم، وتعانى نظم الشعر فمهر فيه، ومهر في الفقه والأصول،
وعمل المواعيد، وشغل الناس [3] ولزم بأخرة جامع عمرو بن العاص يقرأ فيه
الحديث والمواعيد، ويشغل الناس [3] ، وكان واسع المعرفة بالفنون، حجّ
في هذه السنة من البحر فسلم ودخل مكّة في شهر رجب فجاور إلى زمن إقامة
الحجّ، فحجّ وقضى نسكه، ورمى جمرة العقبة، ثم رجع فمات بمنى قبل أن
يطوف طواف الإفاضة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 290) و «الضوء اللامع» (4/ 154) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 292) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي
شهبة (4/ 133) و «الضوء اللامع» (8/ 49) .
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
(9/316)
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الحقّ بن
إسماعيل السّبتي المالكي [1] .
قال ابن حجر: ولد سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، وأخذ عن الحاج أبي القاسم
بن أبي حجّة ببلده، ووصل إلى غرناطة، وتفرّد بالأدب، وقدم القاهرة سنة
اثنتين وثلاثين، فحجّ، وحضر عندي في الإملاء وأوقفي على شرح البردة له
وله آداب وفضائل مات في صفر انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن موسى الدمشقي الشافعي، المعروف بابن
قديدار [2] .
ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة تقريبا، وقرأ القرآن في صغره، وحفظ
«المنهاج» و «العمدة» و «الألفية» وتلا بالسبع على جماعة، منهم ابن
اللّبان، وصحب الشيخ أبا بكر الموصلي وغيره، وأقبل على العبادة، واشتهر
من بعد سنة تسعين حتّى إن اللّنك لما طرق الشام أرسل من حماه وحمى من
معه، وكان السلطان شيخ يعظّمه، وكان سهل العريكة، لين الجانب، متواضعا
جدّا، محبا في العلماء والمحدّثين، يتردد إلى بيروت للمرابطة، وله بها
زاوية فيها سلاح كثير، وكلمته نافذة عند الفرنج، ويكتب إليهم بسبب
المسلمين فيقبلون ما يكتب به، وحصل له في آخر عمره ضعف في بدنه، وثقل
سمع.
وتوفي ليلة عيد الفطر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 293) و «الضوء اللامع» (8/ 223) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 293) و «الضوء اللامع» (8/ 223) .
(9/317)
سنة سبع وثلاثين
وثمانمائة
فيها أحصي من بالإسكندرية من الحاكة فكان فيها ثمانمائة نول، وكان ذلك
وقع آخر القرن الثامن، فكانت أربعة عشر ألف نول، ومن ذلك أن كتّاب
الجيش أحصوا قرى مصر قبليها وبحريها فكانت ألفين ومائة وسبعين قرية بعد
أن كانت في أوائل دولة الفاطميين عشرة آلاف قرية [1] .
وفيها هبّت بدمياط رياح عاصفة فتقصف نخيل كثير، وتلفت أشجار الموز وقصب
السكر من الصّقيع، وانهدمت عدة دور، وفزع الناس من شدّة الريح، حتّى
خرجوا إلى ظاهر البلد، وسقطت صاعقة فأحرقت شيئا كثيرا، ثم نزل المطر
فدام طويلا [2] .
وفي ليلة الجمعة الحادي والعشرين من جمادى الأولى وقع بمكة سيل عظيم
ارتفع في المسجد الحرام أربعة أذرع، وتهدّمت منه دور كثيرة، ومات تحت
الردم جماعة [3] .
وفيها توفي إبراهيم بن داود بن محمد بن أبي بكر العبّاسي [4] ، ولد
أمير المؤمنين المعتضد بن المتوكل العبّاسي الشافعي.
كان رجلا حسنا كبير الرئاسة، قرأ القرآن، وحفظ «المنهاج» واشتغل كثيرا
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (8/ 303) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (8/ 300) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (8/ 300- 301) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 307) و «الضوء اللامع» (1/ 50) .
(9/318)
وخلف أباه لمّا سافر خلافة حسنة شكر عليها،
ومات بمرض السّلّ في ليلة الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول بالقاهرة، ولم
يكمل الثلاثين، ولم يبق لأبيه ولا له ذكر، وذكر أنه تمام عشرين ولدا
ذكرا.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمود بن أحمد بن إسماعيل الدمشقي الحنفي،
المعروف بابن الكشك [1] .
قال ابن حجر: انتهت إليه رئاسة أهل الشام في زمانه، وكان شهما، قوي
النّفس، يستحضر الكثير من الأحكام، ولي قضاء الحنفية استقلالا مدة، ثم
أضيف إليه نظر الجيش في الدولة المؤيدية وبعدها، ثم صرف [2] عنهما معا،
ثم أعيد لقضاء الشام، وكان بينه وبين نجم الدّين ابن حجي معاداة، فكان
كل منهما يبالغ في الآخر لكن كان ابن الكشك أجود من ابن [3] حجي،
سامحهما الله تعالى.
وتوفي ابن الكشك بالشام في صفر عن بضع وخمسين سنة.
وفيها تقي الدّين أبو بكر بن علي بن حجّة الحموي الأديب البارع الحنفي
[4] شاعر الشام، المعروف بابن حجّة.
ولد بحماة سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وبها نشأ، وحفظ القرآن الكريم،
وطلب العلم، وعانى عمل الحرير يعقد الأزرار [5] وينظم الأزجال، ثم مال
إلى الأدب، ونثر ونظم، ثم سافر إلى دمشق، ومدح أعيانها، واتصل بخدمة
نائبها الأمير شيخ المحمودي، ثم قدم صحبته إلى القاهرة، فلما تسلطن
قرية وأدناه وجعله من ندمائه وخواصه، وصار شاعره، وله فيه عدة مدائح،
وعظم في الدولة،
__________
[1] سبقت ترجمته في وفيات سنة (836) ص (315) وذكرت مظانها هناك.
[2] تحرفت في «ط» إلى «حرف» .
[3] لفظة «ابن» سقطت من «ط» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 310) و «الضوء اللامع» (11/ 53) و
«النجوم الزاهرة» (15/ 189) وقد صنّف الأستاذ الدكتور محمود الرّبداوي
مصنّفا حافلا في سيرته، نشرته دار قتيبة بدمشق فيحسن بالباحث الرجوع
إليه.
[5] في «ط» : «يعقد الأزر» .
(9/319)
وصارت له ثروة وحشمة، وسئل الحافظ ابن حجر
من شاعر العصر؟ فقال: الشيخ تقي الدّين بن حجّة. انتهى.
ونظم «بديعيته» المشهورة [1] على طريقة شيخه الشيخ عزّ الدّين الموصلي
وشرحها شرحا حافلا عديم النّظير، وجمع مجاميع أخرى [2] مخترعة. ولما
توفي الملك المؤيد تسلّط عليه جماعة من شعراء عصره، وهجوه لأنه كان
ظنينا بنفسه وشعره مزريا بغيره من الشعراء، ينظر غالب [3] شعراء عصره
كأحد تلامذته، ولا زالوا به حتّى خرج من مصر، وسكن وطنه حماة، ومات
بها.
ومن قولهم فيه:
زاد ابن حجّة بالإسهال من فمه ... وصار يسلح منثورا ومنظوما
وظنّ أن قد تنبّا في ترسّله ... لو صحّ ذلك قطعا كان معصوما
ومن شعره هو:
سرنا وليل شعره منسدل ... وقد غدا بنومنا مظفّرا [4]
فقال صبح ثغره مبتسما ... عند الصّباح يحمد القوم السّرى
ومنه:
في سويداء مقلة الحبّ نادى ... جفنه وهو يقنص الأسد صيدا
لا تقولوا ما في السّويدا رجال ... فأنا اليوم من رجال السّويدا
ومنه:
أرشفني ريقه وعانقني ... وخصره يلتوي من الرّقّة [5]
__________
[1] انظرها في «البديعيات» ص (93) وما بعدها لصديقنا العزيز الدكتور
علي أبو زيد، نفع الله تعالى به.
[2] في «آ» : «أخر» .
[3] لفظة «غالب» سقطت من «ط» .
[4] في «آ» و «ط» : «مظفرا» وفي «إنباء الغمر» : «مسفرا» والتصحيح من
«النجوم الزاهرة» .
[5] في «ط» : «من الدقة» .
(9/320)
فصرت من خصره وريقته ... أهيم بين الفرات
والرّقّة
ومنه وقد بدا به مرضه الذي مات فيه وكان بردية وسخونة:
برديّة برّدت عظمي وطابقها ... سخونة ألّفتها قدرة الباري
فامنن بتفرقة الضّدّين من جسدي ... يا ذا المؤلّف بين الثّلج والنّار
وتوفي بحماة في خامس عشري شعبان على حالة حسنة.
وفيها شرف الدّين أبو محمد إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله المقرئ ابن
علي بن عطية الشّاوري اليمني الشافعي [1] عالم البلاد اليمنية وإمامها
ومفنّنها المعروف بابن المقرئ.
ولد سنة خمس وستين وسبعمائة بأبيات حسين وبها نشأ، وتفقه على الكاهلي
وغيره، ثم انتقل إلى زبيد فأكمل تفقهه على العلّامة جمال الدّين شارح
«التنبيه» وغيره، وبرع في العربية والفقه، وبرز في المنظوم والمنثور،
وأقبل عليه ملوك اليمن، وولاه الأشرف صاحب اليمن تدريس المجاهدية بتعز
والنّظامية بزبيد، ولما مات مجد الدّين الفيروزآبادي طمع المذكور في
ولاية القضاء فلم يتم له، واستمرّ على ملازمة العلم والتصنيف والإقراء،
ومن مصنّفاته «مختصر الروضة» للنووي سمّاه «الروض» و «مختصر الحاوي
الصغير» وشرحه، وكتاب «عنوان الشّرف الوافي» وهو كتاب حسن لم يسبق إلى
مثله يحتوي على خمسة فنون [2] ، وفيه يقول بعضهم:
لهذا كتاب لا يصنّف مثله ... لصاحبه الجزء العظيم من الحظّ
عروض وتاريخ ونحو محقّق ... وعلم القوافي وهو فقه أولي الحفظ
فأعجب به حسنا وأعجب أنّه ... بطين من المعنى خميص من اللّفظ
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 309) و «الضوء اللامع» (2/ 292) و
«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 109) وفيه: «إسماعيل بن محمد بن
أبي بكر الحسيني» و «بغية الوعاة» (1/ 444) و «البدر الطالع» (1/ 142)
.
[2] طبع عام (1407 هـ) في مكتبة أسامة بمدينة تعز في اليمن، وهي طبعة
أنيقة فاخرة لكنها تفتقر إلى التوثيق والفهرسة.
(9/321)
وله مع ذلك النّظم الرائق، والنثر الفائق،
ونظم «بديعية» على نمط «بديعية العز» الموصلي وشرحها شرحا حسنا التزم
في «البديعية» في كل بيت تورية مع التورية باسم النوع البديعي، وعمل
مرّة ما يتفرع من الخلاف في مسألة الماء المشمس فبلغت آلافا، وشهد
بفضله علماء عصره، منهم ابن حجر، وقد اجتمع به بمكّة المشرّفة، وأنشده:
مدّ الشّهاب بن علي بن حجر ... سورا على مودّتي من الغير
فسور ودي فيك قد بنيته ... من الصّفا والمروتين والحجر
فأجابه ابن حجر بقصيدة أولها:
يا أيّها القاضي الذي مراده ... يأتي على وفق القضاء والقدر
ومن شعر ابن المقرئ:
يا من لدمع ما رقي وحبيبه ... ولوجد قلب ما انقضى ولهيبه
ومتيّم قد هذّبته يد الهوى ... بصحيح وجد غير ما تهذيبه
خانته مهجته فما تمشي على ... عاداته الأولى ولا تجريبه
وحشا تعسّفه الغرام وحلّه ... قسرا وليس بكفئه وضريبه
يا هند قد أضرمت من ذكر [1] الجفا ... في القلب ما لا ينطفي وغريبه
أنا من عرفت غرامه فاستخبري ... عن حال مأخوذ الحجا وسليبه
وتوفي بزبيد يوم الأحد آخر صفر.
وفيها عبد الله بن مسعود التّونسي المالكي الشيخ الجليل، المعروف بابن
القرشيّة [2] .
قال ابن حجر: أخذ عن والده، وقرأت بخطّه أن من شيوخه شيخنا بالإجازة
أبا عبد الله بن عرفة، وقاضي الجماعة أبا العبّاس أحمد بن محمد بن جعدة
وأبا
__________
[1] في «آ» : «فكر» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 315) و «الضوء اللامع» (5/ 70) .
(9/322)
القاسم أحمد الغبريني، وأحمد بن إدريس
الزواوي شيخ بجاية، وأبا عبد الله بن مرزوق، ومنهم أبو الحسن محمد بن
أبي العبّاس الأنصاري البطرني، وذكر أنه قرأ عليه القرآن. وسمع عليه
كثيرا من الحديث وألبسه خرقة التصوف. انتهى باختصار.
وفيها السلطان أبو فارس عبد العزيز بن أبي العبّاس أحمد صاحب تونس [1]
.
قال أبو عبد الله محمد بن عبد الحقّ السّبتي: كان لا ينام من الليل
إلّا قليلا، وليس له شغل إلّا النظر في مصالح ملكه، وكان يؤذن بنفسه
ويؤم بالناس في الجماعة ويكثر من الذكر، ويقرّب أهل الخير، وقد أبطل
كثيرا من المفاسد بتونس، منها الصّالة وهو مكان يباع [2] فيه الخمر
للفرنج ويحصل منه في السنة شيء كثير، ولم يكن ببلاده كلها شيء من
المكوس، لكنه يبالغ في أخذ الزكاة والعشر، وكان محافظا على عمارة
الطّرق حتّى أمنت القوافل في أيامه في جميع بلاده، وكان يرسل الصّدقات
إلى القاهرة، والحرمين، وغيرها، ولا يلبس الحرير، ولا يتختم بالذهب،
ويسلّم على الناس، وكتب إليه ابن عرفة مرّة، والله لا أعلم يوما يمرّ
إلّا وأنا داع لكم بخير الدّنيا والآخرة، فإنكم عماد الدّين، ونصرة
المسلمين.
وتوفي وهو قاصد تلمسان.
وفيها أبو الحسن علي بن حسين بن عروة المشرقي ثم الدمشقي الحنبلي،
المعروف بابن زكنون [3] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 316) و «الضوء اللامع» (4/ 214) و
«النجوم الزاهرة» (15/ 192) .
[2] في «ط» : «وهو كان يباح» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 319) و «الضوء اللامع» (5/ 214) و
«النجوم الزاهرة» (15/ 214) و «المقصد الأرشد» (2/ 237- 238) و «المنهج
الأحمد» الورقة (486) من القسم غير المطبوع منه، «السّحب الوابلة» ص
(293) و «الجوهر المنضد» ص (95- 99) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (370)
.
(9/323)
قال ابن حجر: ولد قبل الستين، وكان في
ابتداء أمره جمّالا، وسمع على يحيى بن يوسف الرّحبي، ويوسف الصّيرفي،
ومحمد بن محمد بن داود، وغيرهم، وكان يذكر أنه سمع من ابن المحبّ. ثم
أقبل على العبادة والاشتغال، فبرع، وأقبل على «مسند أحمد» فرتّبه على
الأبواب، ونقل في كل باب ما يتعلق بشرحه من كتاب «المغني» وغيره، وفرغ
في مجلدات كثيرة، وكان منقطعا في مسجد يعرف بمسجد القدم خارج دمشق [1]
وكان يقرئ الأطفال، ثم انقطع.
ويصلي الجمعة بالجامع الأموي، ويقرأ عليه بعد الصلاة في «الشرح» وثار
بينه وبين الشافعية شرّ كبير بسبب الاعتقاد، وكان زاهدا، عابدا، قانتا،
خيّرا، لا يقبل لأحد شيئا، ولا يأكل إلّا من كسب يده.
توفي في ثاني عشر جمادى الآخرة وكانت جنازته حافلة. انتهى.
وفيها بدر الدّين محمد بن أبي بكر بن محمد بن سلامة المارديني الحلبي
الحنفي [2] .
اشتغل ببلده مدة، ولقي أكابر المشايخ، وحفظ عدة مختصرات، ومهر في
الفنون، وشغل الناس، وقدم إلى حلب مرارا فاشتغل بها، ثم درّس في أماكن،
وأقام بها مدة عشرين سنة ثم رجع، ولما غلب قرا ملك على ماردين نقله إلى
آمد فأقام مدة ثم أفرج عنه، فرجع إلى حلب فقطنها، ثم حصل له فالج قبل
موته بنحو عشر سنين فانقطع، ثم خفّ عنه وصار يقبل الحركة، وكان حسن
النّظم والمذاكرة، فقيها، فاضلا، صاحب فنون من العربية، والمعاني،
والبيان.
وتوفي بحلب عن اثنتين وثمانين سنة ولم يخلّف بعده مثله.
وفيها تاج الدّين محمد بن أبي بكر بن محمد المقرئ، الشهير بابن تمريه
[3] .
__________
[1] لا زال عامرا إلى الآن والحمد لله، وقد تعاقب على التدريس فيه
جمهرة من العلماء الأعلام، ويقوم بالتدريس فيه منذ أكثر من عشر سنوات
والدي وأستاذي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى وأطال عمره
وأحسن إليه في الدنيا والآخرة.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 320) و «الضوء اللامع» (7/ 195) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 321) و «الضوء اللامع» (7/ 199) .
(9/324)
ولد قبل الثمانين وسبعمائة بيسير، وكان
أبوه تاجرا بزّازا، فنشأ هو محبا في الاشتغال، مع حسن الصورة
والصّيانة، وتعانى القراءات فمهر فيها، ولازم الشيخ فخر الدّين بالجامع
الأزهر، والشيخ كمال الدّين الدّميري، وصار شيخ الإقراء بالقاهرة.
وتوفي يوم الجمعة عاشر صفر.
وفيها جمال الدّين أبو المحاسن محمد بن علي بن محمد بن أبي بكر العبدري
الشّيبي الشافعي [1] قاضي مكة.
ولد في رمضان سنة تسع وسبعين وسبعمائة، وسمع على برهان الدّين بن صديق
وغيره، وأجازه، الحافظ العراقي وغيره، ورحل إلى شيراز وبغداد، ونظر في
التواريخ، وصنّف حوادث زمانه، و «طيب الحياة» مختصر «حياة الحيوان» مع
زوائد وتعاليق على «الحاوي» . وولي قضاء مكّة وحجابة البيت.
وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشري من ربيع الآخر [2] .
وفيها القاضي بدر الدّين أبو اليمن محمد بن العلّامة نور الدّين علي
الحكريّ المصريّ الحنبلي [3] .
ناب في الحكم بالقاهرة دهرا طويلا، وكان من أعيانهم، وأعاد ببعض
المدارس، ومهر في الفقه والفنون، وكان شكلا حسنا، وكان يستشرف أن يلي
قضاء الحنابلة بالدّيار المصرية ولو فسح في أجله لوصل ولكن اخترمته
المنية ثالث ربيع الأول بالقاهرة في حياة شيخ المذهب قاضي القضاة محبّ
الدّين أبو نصر الله.
وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن القمّاح التّونسي [4] المالكي
المحدّث بتونس.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 322) و «الضوء اللامع» (9/ 13) و
«النجوم الزاهرة» (15/ 186) .
[2] في «إنباء الغمر» : «ربيع الأول» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 323) و «الضوء اللامع» (8/ 181) و
«المقصد الأرشد» (2/ 481) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 324) .
(9/325)
سمع من ابن عرفة وجماعة، وحجّ، فسمع من تاج
الدّين بن موسى خاتمة من كان عنده حديث السّلفي بالعلوّ، بالسماع
المتصل بالقاهرة من حافظ العصر الزّين العراقي، ومن مسند القاهرة برهان
الدّين السّامي، ومن جماعة، وحدّث بالإجازة العامة عن البطرني الأندلسي
مسند تونس وخاتمة أصحاب ابن زبير بالإجازة، وعن غيره من المشارقة،
وحدّث بالكثير، وكان حسن الأخلاق، محبّا للحديث وأهله.
وتوفي بتونس في أواخر ربيع الآخر.
وفيها شمس الدّين محمد بن شفليش [1] الحلبي [2] . قال ابن حجر: أحد
الفقهاء بها. اشتغل كثيرا وفضل. سمعت من نظمه بحلب، وكتب عنّي كثيرا.
مات في جمادى الأولى. انتهى.
وفيها ناصر الدّين محمد بن الفخر المصري، المعروف بابن النّيدي [3] .
قال ابن حجر: كان أبوه تاجرا، فنشأ هو محبا في العلم، فمهر في العربية،
وصاهر شيخنا العراقي على ابنته، ثم ماتت معه، فتزوج بركة بنت الشيخ ولي
الدّين أخي زوجته الأولى، وماتت في عصمته، وخلّف ولدين، وكان معروفا
بكثرة المال فلم يظهر له شيء، وله بضع وستون سنة. انتهى.
وفيها جلال الدّين أبو المظفّر محمد بن فندو ملك بنجالة، ويلقب بكاس
[4] .
كان أبوه كافرا، فثار على شهاب الدّين مملوك سيف الدّين حمزة بن غياث
الدّين أعظم شاه بن إسكندر شاه فغلبه على بنجاية، وأسره، وكان أبو
المظفّر قد
__________
[1] في «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» : «محمد بن شفشيل» والتصحيح من
«إنباء الغمر» وهامش «ط» وهامش «الإنباء» . قال السخاوي في «الضوء» :
شفليش: بمعجمتين الأولى مفتوحة بعدها فاء ساكنة، ثم لام وياء، ورأيت من
كتبه: شفتيل.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 325) و «الضوء اللامع» (7/ 266- 267)
.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 325) و «الضوء اللامع» (./ 147) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 326) و «الضوء اللامع» (8/ 280) و
«النجوم الزاهرة» (15/ 192) .
(9/326)
أسلم، فثار على أبيه، واستملك منه البلاد،
وأقام شعار الإسلام، وجدّد ما خرّبه أبوه من المساجد، وراسل صاحب مصر
بهدية واستدعي بعهد من الخليفة، وكانت هداياه متواصلة بالشيخ علاء
الدّين البخاري نزيل مصر ثم دمشق، وعمر بمكة مدرسة هائلة، وكانت وفاته
في ربيع الآخر.
وأقيم بعده ولد المظفّر أحمد شاه وهو ابن أربع عشرة سنة.
وفيها ناصر الدّين محمد بن عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام بن
تيميّة الدمشقي الحنبلي [1] .
ولد سنة سبع وخمسين وسبعمائة، وكان يتعانى التجارة، وولي قضاء
الإسكندرية مدة، وكان عارفا بالطب، وله دعاو في الفنون أكثر من علمه.
وتوفي بالقاهرة يوم الأحد سابع شهر رمضان.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 326) و «الضوء اللامع» (9/ 124) .
(9/327)
سنة ثمان وثلاثين
وثمانمائة
فيها كان وباء عام في بلاد المسلمين والكفّار، مات به من لا يحصى كثرة
[1] .
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الخالق بن عبد المحي بن عبد الخالق
بن عبد العزيز الأسيوطي [2] .
سمع من أبيه، ومن عبد الرحمن بن القارئ، وأجاز له، وكان يواظب التّكسّب
بالشهادة في جامع ظاهر الورّاقين.
ومات في ثاني عشر ربيع الآخر.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن ناصر الدّين محمد بن أبي بكر بن رسلان بن
نصير البلقيني [3] الشافعي ابن أخي سراج الدّين البلقيني.
ولد سنة ست وتسعين وسبعمائة، وقرأ القرآن، وحفظ كتبا، ودرّبه أبوه في
توقيع الحكم، واشتغل في القراآت والعربية، وكان حسن الصوت بالقرآن، أمّ
بالمدرسة المالكية بالقرب من مشهد الحسين، ووقع في الحكم، ثم ناب في
القضاء بأخرة، وخدم ابن الكوين وهو كاتب السرّ، ثم ابن مزهر فأثرى،
وصارت له وجاهة، وحصّل جهات، ثم تمرض أكثر من سنة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (8/ 344) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 358) و «الضوء اللامع» (1/ 323) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 359) و «الضوء اللامع» (2/ 102) .
(9/328)
وتوفي في السادس والعشرين من رجب بعلّة
السّلّ، ودفن عند أبيه بمقابر الصّوفية.
وفيها مجد الدّين أبو الطاهر إسماعيل بن علي بن محمد بن داود بن شمس بن
عبد الله بن رستم البيضاوي الزّمزمي [1] المؤذن بمكّة.
قال ابن حجر: ولد سنة ست وستين وسبعمائة، وأجاز له صلاح الدّين بن أبي
عمر، وعمر بن أميلة، وأحمد بن النجم، وابن مقبل، وآخرون. وكان يتعانى
النّظم، وله نظم مقبول ومدائح نبوية من غير اشتغال بآلاته، ثم أخذ
العروض عن الشيخ نجم الدّين المرجاني ومهر، وكان فاضلا، ورحل إلى
القاهرة، فسمع من بعض شيوخنا، وكان قليل الشرّ، مشتغلا بنفسه وعياله،
مشكور السيرة، ملازما لخدمة قبة العبّاس، وله سماع من قدماء المكّيين،
وحدّث بشيء يسير سمعت من نظمه.
وأخوه إبراهيم [2] .
ولد سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وأجاز له في سنة سبع وثمانين الشّهاب بن
ظهيرة وآخرون، واشتغل في عدة فنون، وأخذ عن أخيه حسين علم الفرائض
والحساب فمهر فيها. انتهى كلام ابن حجر.
وفيها زكي الدّين أبو بكر بن أحمد بن عبد الله بن الهليس المهجمي الأصل
ثم المصري [3] .
قال ابن حجر: رفيقي ولد بعد السبعين وسبعمائة بيسير، ونشأ في حال بزّة
وترفه، ثم اشتغل بالعلم بعد أن جاوز العشرين، ولازم الشيوخ، وسمع معي
من عوالي شيوخي مثل ابن الشّحنة، وابن أبي المجد، وبنت الأذرعي، وغيرهم
فأكثر جدا، وأجاز له عامة من أخذت عنه في الرّحلة الشامية، ورافقني في
الاشتغال على
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 360) و «الضوء اللامع» (2/ 302) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 361) و «الضوء اللامع» (1/ 86) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 361) و «الضوء اللامع» (11/ 19) .
(9/329)
الأبناسي، والبلقيني، والعراقي، وغيرهم. ثم
دخل اليمن سنة ثمانمائة، فاستمر بالمهجم وبعدن، إلى أن عاد من قرب،
فسكن مصر، ثم ضعف بالدّرب، واختل عقله جدا، وسئم منه جيرانه فنقلوه إلى
المارستان، فأقام به نحو شهرين ومات، وصلّيت عليه ودفنته بالتربة
الرّكنية بيبرس في سلخ المحرم. انتهى.
وفيها الشيخ تقي الدّين أبو بكر اللّوبياني [1] الفقيه الشافعي، أحد
الفضلاء الشافعية بدمشق.
باشر تدريس الشّامية الجوّانية وغيرها. وتوفي في شوال.
وفيها شرف الدّين وبدر الدّين حسين بن علي بن سبع المالكي البوصيري [2]
.
قال ابن حجر: ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وسمع على المحبّ الخلاطي
أكثر «الدارقطني» أنا الدمياطي، و «صفة التصوف» لابن طاهر، خلا من أول
زهد إلى آخر الكتاب. وسمع أيضا على عزّ الدّين ابن جماعة غالب «الأدب
المفرد» للبخاري، وعرض على مغلطاي شيئا من محفوظة، وأجاز له، وكان من
الطلبة بالشيخونية، وحدّث. سمع منه رضوان، وابن فهد، والبقاعي، وغيرهم.
وأجاز لابني محمد ومن معه.
ومات في ربيع الأول. انتهى.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد
بن سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي، المعروف بابن زريق [3] .
ولد في رمضان سنة تسع وثمانين وسبعمائة، وأسمعه عمّه الكثير من ابن
المحب، وابن عوض، وابن داود، وابن الذهبي، وابن العزّ، ومن مسموعه على
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 361) و «الضوء اللامع» (11/ 43) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 362) و «الضوء اللامع» (3/ 105) و
«معجم الشيوخ» لابن فهد ص (355) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 363) و «الضوء اللامع» (4/ 63) و
«السحب الوابلة» ص (201) .
(9/330)
ابن العزّ السادس من مسند أنس من
«المختارة» للضياء، والثاني والسبعين منها.
وسمع على ابن داود من «أمالي» المحاملي رواية أبي عمر بن مهدي، أنا
سليمان بن حمزة.
وتوفي فجأة ليلة الثلاثاء ثالث عشر ربيع الآخر.
وفيها زين الدّين أبو زيد وأبو هريرة عبد الرحمن بن نجم الدّين عمر بن
عبد الرحمن بن حسين بن يحيى بن عمر بن عبد المحسن القبابي [1]- نسبة
إلى القباب الكبرى من قرى أشمون الرّمان بالوجه الشرقي من أعمال
القاهرة [2]- ثم المقدسي الحنبلي المسند.
ولد في ثالث عشر شعبان سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وأجاز له أبو الفتح
الميدومي، وجلّ شيوخ العراقي، وسمع من الشيخ تقي الدّين السّبكي، وصلاح
الدّين بن أبي عمر، وابن أميلة، وصلاح الدّين العلائي، والتبّاني، وابن
رافع، والخلاطي، وابن جماعة، ومغلطاي، وابن هبل، وخلائق، تجمعهم
«مشيخة» خرّجها له ابن حجر سمّاها «المشيخة الباسمة» للقبابي، وفاطمة،
وكان أحد الفقهاء المبجلين بالقدس الشريف، وقد أكثر عنه الرّحالة
وغيرهم، وقصد لذلك، وتفرّد بأكثر مشايخه، وأخذ عنه خلق، منهم ابن حجر.
وتوفي ببيت المقدس في سابع ربيع الآخر.
وفيها جلال الدّين أبو المحامد عبد الواحد [3] بن إبراهيم بن أحمد بن
أبي بكر بن عبد الوهاب الفوي الأصل ثم المكّي العلّامة النحوي، الشهير
بالمرشدي [4] .
قال ابن حجر: ولد في جمادى الآخرة سنة ثمانين وسبعمائة بمكة، وأسمع
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 363) و «الضوء اللامع» (4/ 113) و
«السحب الوابلة» ص (209) .
[2] انظر «التحفة السنية» ص (49) .
[3] في «آ» و «ط» : «عبد الرحمن» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 364) و «الضوء اللامع» (5/ 93) و
«بغية الوعاة» (2/ 118) .
(9/331)
علي الشّاوري، والأميوطي، والشّهاب بن
ظهيرة، وغيرهم.
ورحل إلى القاهرة فسمع بها من بعض شيوخنا، ومهر في العربية، وقرأ
الأصول، والمعاني، والفقه.
وكان نعم الرّجل مروءة وصيانة.
ومات في يوم الجمعة رابع عشري شعبان وكثر الأسف عليه. انتهى.
وفيها علاء الدّين علي بن طيبغا بن حاجي بك التّركماني العينتابي
الحنفي [1] .
كان فاضلا وقورا، مهر في الفنون، وقرّره السلطان الأشرف مدرسا وخطيبا
بالتربة التي أنشأها بالصّحراء.
وتوفي بطريق الحجاز، ودفن بالقرب من الينبع.
وفيها نور الدّين علي بن محمد بن موسى بن منصور المحلّي ثم المدني [2]
.
وقال ابن حجر: ولد في جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وسبعمائة بالمدينة
المنورة، وسمع على ابن حبيب، وابن خليل، وابن القارئ، وأبي البقاء
السّبكي، وغيرهم. وأجاز له ابن أميلة، وابن الهبل، وابن أبي عمر، وحدّث
باليسير، وأجاز لنا، وليس ببلاد الحجاز أسند منه يوم مات.
وتوفي في ثالث شوال.
وفيها نجم الدّين محمد بن عبد الله بن عبد القادر الواسطي السّكاكيني
[3] الشافعي.
قرأ على العاقولي، وصدر الدّين الإسفرايني مصنّف «ينابيع الأحكام في
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 365) و «الضوء اللامع» (5/ 233) و
«الدليل الشافي» (1/ 458) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 365) و «الضوء اللامع» (6/ 24) و
«التحفة اللطيفة» (3/ 258) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 366) و «الضوء اللامع» (8/ 67) وقد
ذكر فيه تمام نسبه فيحسن بالباحث الرجوع إليه.
(9/332)
مذاهب الأربعة الأعلام» ومهر في النظم،
والقراءات، والفقه.
يقال: إنه أقرأ «الحاوي» ثلاثين مرّة، وله «شرح على منهاج البيضاوي»
ونظم بقية القراءات العشر، و «تكملة» للشاطبي على طريقته حتّى يغلب على
سامعه أنه نظم الشّاطبي. وخمّس «البردة» و «بانت سعاد» .
وتوفي بمكة في سادس عشري ربيع الآخر.
وفيها تقي الدّين محمد بن بدر الدّين محمد بن سراج الدّين عمر البلقيني
الشافعي [1] .
ولد سنة تسع وثمانين وسبعمائة، ومات أبوه وهو طفل، فربّاه جدّه، وحفظ
القرآن، وصلّى بالناس وهو صغير نحو عشرة سنين، ودرّس في «المنهاج»
ولازم الكمال الدّميري وغيره، وكان ذكيا، حسن النّغمة. ونشأ في إملاق،
ولما ولي عمّه القضاء نبه قليلا، وولي بأخرة نيابة الحكم بمينة الأمل
وغيرها من الضواحي، ودرّس بعد موت عمّه جلال الدّين بجامع طولون، وتمول
بملازمة ناظر الجيوشي عبد الباسط، وحصل وظائف وإقطاعات، وصار كثير
المال جدا في مدة يسيرة، وحدّث عن جدّه بشيء يسير.
وتوفي بالقاهرة ليلة الثاني عشر من شوال، ودفن على أبيه وجدّه، وخلّف
ولدا كبيرا وآخر صغيرا وابنتين.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 367) و «الضوء اللامع» (9/ 171) و
«الدليل الشافي» (2/ 686) .
(9/333)
سنة تسع وثلاثين
وثمانمائة
فيها وقع ببرصا طاعون عظيم واستمر أربعة أشهر [1] .
وفيها وقع الوباء ببلاد كرمان وفشا الطّاعون بهراة، حتّى قيل: إن عدّة
من مات بهراة ثمانمائة ألف. وكذلك فشا الوباء في بلاد اليمن جميعها وفي
بلاد البربر والحبشة [2] .
وفيها توفي أمير زاه إبراهيم بن شاه رخ [3] صاحب شيراز. وكان قد ملك
البصرة وكان فاضلا حسن الخط جدا توفي في رمضان.
وفيها أحمد بن شاه رخ [4] ملك الشرق.
مات في شعبان بعد أن رجع من بلاد الجزيرة، ثم فرار الرّوم، فحزن عليه
أبوه، واتفق أنه مات له في هذه السنة ثلاثة أولاد كانوا ملوك الشرق
بشيراز، وكرمان، وهذا كان أشدهم [5] ويقال له: أحمد جوكي. قاله ابن
حجر.
وفيها همّام الدّين أحمد بن عبد العزيز السّبكي [6] ثم الشّيرازي [7] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (8/ 375) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (8/ 386 و 392) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 359 و 393) و «الدليل الشافي» (1/ 16)
و «الضوء اللامع» (1/ 52) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 358 و 393) و «الضوء اللامع» (1/ 209)
و «الدليل الشافي» (1/ 48) .
[5] في «آ» : «وهذا أعهدهم» .
[6] كذا في «آ» و «ط» : «السّبكي» وفي «إنباء الغمر» : «الشبكي» وفي
«الضوء اللامع» : «الشيفكي» .
[7] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 393) و «الضوء اللامع» (1/ 348) .
(9/334)
قال ابن حجر: قرأ على الشّريف الجرجاني
«المصباح في شرح المفتاح» .
وقدم مكة فنزل في رباط، فاتفق أنه كان يقرئ في بيته فسقط بهم البيت إلى
طبقة سفلى فلم يصب أحدا منهم شيء، وخرجوا يمشون، فلما برزوا سقط السقف
الذي كان فوقهم.
وكان حسن التقرير، قليل التكلف، مع لطف العبارة، وكثرة الورع، عارفا
بالسلوك على طريق [1] كبار الصوفية. وكان يحذّر من مقالة ابن عربي
وينفّر عنها.
مات في خامس عشري شهر رمضان. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن محمد بن
محمد الزّاهدي [2] الحفّار [3] المعمّر العابد خادم ضريح الشيخ رسلان
بدمشق.
ولد سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وأسمع من زينب بنت الكمال وغيرها، وقرأ
الناس عليه بإجازتها.
وتوفي في تاسع جمادى الأولى وله مائة سنة وسنتان.
وفيها الأمير حسين بن أمير المسلمين أبي فارس الحفصي [4] .
قال ابن حجر: الإمام العلّامة المفتي الأمير ابن الأمير. كان أخوه لما
مات في العام الماضي استقرّ ولده في المملكة أي مملكة المغرب، ثم أراد
الحسين هذا الثورة، فظفر به وقتله، وقتل أخوين له، وعظمت المصيبة بقتل
الحسين، فإنه كان فاضلا، مناظرا، ذكيا، رحمه الله.
__________
[1] في «آ» : «على طريقة» وما جاء في «ط» موافق لما في «الإنباء» و
«الضوء» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 394) و «الضوء اللامع» (2/ 145) .
[3] في «إنباء الغمر» : «الخباز» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 396) .
(9/335)
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن عبد الله
بن محمد بن الفخر محمد بن علي المصري ثم الدمشقي [1] .
تفقه قليلا، وأسمعه أبوه الكثير من مشايخ عصره، فسمع على الكمال بن
حبيب «سنن ابن ماجة» وعلى ابن المحبّ «جزء العالي» أنا الحجّار و «عشرة
الحداد» أنا إبراهيم بن صالح وعلي الصّلاح بن أبي عمر مسند عائشة من
«مسند أحمد» .
وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها ركن الدّين عبد الرحمن بن علي بن محمد الحلبي الحنفي [2] .
الشريف، المعروف بالدّخان.
اشتغل بدمشق، فمهر في المذهب، وناب في الحكم مدة، ثم ولي القضاء
استقلالا بعد موت ابن الكشك. وتوفي ليلة الأحد سابع المحرّم.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد العدناني
الشهير بالبرشكي [3] المحدّث الرّحال الفاضل.
أخذ ببلاده عن جماعة، ورحل إلى المشرق سنة ست عشرة، فحجّ، وحمل عنه
المشايخ، وأجاز له البرهان الشامي، وكان حسن الأخلاق، لطيف المجالسة،
كريم الطّباع، رحمه الله تعالى. قاله ابن حجر.
وفيها عبد الملك بن علي بن عبد الملك بن عبد الله بن عبد الباقي بن عبد
الله بن أبي المنا البابي [4] نزيل حلب الشافعي الضّرير النحوي،
المعروف بالشيخ عبيد. ولد في حدود سنة ست وستين وسبعمائة، واشتغل على
شرف الدّين
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 398) و «الضوء اللامع» (4/ 89) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 399) و «الضوء اللامع» (1034) «طبقات
السّنية» (4/ 291) و «الدليل الشافي» (1/ 402) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 399) و «الضوء اللامع» (4/ 132) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 400) و «الضوء اللامع» (5/ 87) و
«بغية الوعاة» (2/ 111- 112) .
(9/336)
الأنصاري، وشمس الدّين النابلسي، وغيرهما.
وتقدم فيهما، وأخذ عنه جمع جمّ. وناب في الإمامة والخطابة بالجامع إلى
أن مات في جمادى الآخرة، وكانت جنازته حافلة جدا.
وفيها ولي الدّين عبد الولي بن محمد بن الحسن الخولاني اليمني الشافعي
[1] .
ولد بقرب تعز، ولازم بها الإمام رضي الدّين بن الخيّاط، والإمام جمال
الدّين محمد بن عمر العوادي، وغيرهما. ولازم الشيخ مجد الدّين
الفيروزآبادي [2] . وأخذ عنه النحو واللغة، وجاور معه بمكة والطائف،
ومهر إلى أن صار مفتي تعز مع ابن الخيّاط. وتوفي بالطّاعون.
وفيها الحافظ جمال الدّين محمد بن الإمام رضي الدّين أبي بكر بن محمد
بن الخيّاط اليمني الشافعي [3] حافظ البلاد اليمنية.
قال ابن حجر: تفقه بأبيه وغيره حتى مهر، ولازم الشيخ نفيس الدّين
العلوي في الحديث، فما مضى إلّا اليسير، حتى فاق عليه، حتى كان لا
يجاريه في شيء، وتخرّج بالشيخ تقي الدّين الفاسي، وأخذ عن القاضي مجد
الدّين الشيرازي- أي صاحب «القاموس» - واغتبط به حتّى كان يكاتبه فيقول
إلى اللّيث ابن اللّيث والماء ابن الغيث.
ودرّس جمال الدّين بتعز وأفتى، وانتهت إليه رئاسة العلم بالحديث هناك،
وأخذ عن الشيخ شمس الدّين الجزري لما دخل اليمن بأخرة. ومات بالطاعون
في هذه السنة. انتهى.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 400) و «الضوء اللامع» (5/ 96) .
[2] كذا في «آ» و «ط» : «الشيخ مجد الدين الفيروزآبادي» وفي مصدري
الترجمة «الشيخ مجد الدين الشيرازي» وهو المقصود بذلك. وسوف يسير
المؤلف إلى ذلك في الترجمة التالية.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 407) و «الضوء اللامع» (7/ 194) و
«طبقات صلحاء اليمن» ص (228) .
(9/337)
وفيها تاج الدّين أبو الفتح محمد بن عمر بن
أبي بكر بن محمد بن علي بن الشّرابيشي الشافعي [1] .
طلب الفقه، وسمع من ابن خليل، وأكثر عنه، وسمع الكثير من أصحاب أصحاب
السّبط وهذه الطبقة، ولازم ابن الملقّن، والعراقي.
قال ابن حجر: وسمع معي كثيرا، وأجاز لي في استدعاء أولادي غير مرّة،
وتصدى للإسماع، وأكثر عنه الطلبة من بعد سنة ثلاث وثمانمائة إلى أن
مات.
وكان يعلّق الفوائد التي يسمعها في مجالس المشايخ والأئمة، حتّى حصّل
من ذلك جملة كبيرة، ثم تسلّط عليه بعض أهله يسرقون المجلدات مفرقات من
عدة كتب قد أتقنها وحرّرها فيبيعونها تفاريق، والتي لم تجلد يبيعونها
كراريس، وتغيّر عقله بأخرة.
وتوفي يوم الأحد تاسع عشر جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة.
وفيها المنتصر أبو عبد الله محمد بن محمد بن أبي فارس [2] صاحب تونس.
لم يتهنّ في أيام ملكه لطول مرضه وكثرة الفتن.
وتوفي في حادي عشري صفر. واستقرّ بعده شقيقه عثمان ففتك في أقاربه
وغيرهم بالقتل والأسر، وخرج عليه عمّه أبو الحسن صاحب بجاية.
وفيها محيي الدّين أبو زكريا يحيى بن أحمد بن حسن العبّابي- نسبة إلى
عبّاب بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة جدّ- الشافعي المصري [3] .
ولد في آخر سنة ستين وسبعمائة، وقدم القاهرة فاشتغل بها، وحفظ
«التنبيه» و «الألفية» و «مختصر ابن الحاجب» وحضر دروس البلقيني، وابن
الملقّن،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 407) و «الضوء اللامع» (8/ 241) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 408) و «النجوم الزاهرة» (5/ 197) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 409) و «الضوء اللامع» (10/ 263) .
(9/338)
والأبناسي، وغيرهم، واشتغل في علم الحديث
على العراقي، ولازم العزّ بن جماعة في قراءة «المختصر» ومحبّ الدّين بن
هشام في العربية، وطاف على الشيوخ، ثم ارتحل إلى دمشق وهو فاضل، فلازم
الزّهري، وأثنى على فضائله، حتى قال: ما قدم علينا من طلبة مصر مثله،
وأذن له، وتكلّم على الناس بالجامع، وسكن بعد الفتنة بيت روحا فأقام
بها، ودخل إلى مصر مع الشاميين، ثم عاد فلازم عمل الميعاد، واجتمع عليه
العامة، وانتفعوا به، وقرأ «صحيح البخاري» عند نوروز، ثم ناب في الحكم
عن ابن حجي سنة إحدى عشرة وثمانمائة، واستمرّ في ذلك.
قال ابن حجر: ولم يكن في أحكامه محمودا، وكان في بصره ضعف فتزايد إلى
أن أضرّ وهو مستمر على الحكم، وكان يؤخذ بيده فيعلّم بالقلم، وكان
فصيحا، ذكيا، جيد الذهن، مشاركا في عدة فنون، مفتيا. وأقبل في أخرة على
إقراء الفقه والتدريس، وسمع عليّ شيئا.
وتوفي في ثامن عشر صفر. انتهى باختصار.
وفيها الشيخ أبو الطّاهر بن عبد الله المرّاكشي المالكي [1] قال ابن
حجر:
الشيخ المغربي نزيل مكة.
كان قرأ على عبد العزيز الحلماوي قاضي مرّاكش وغيره، وكان خيّرا ديّنا،
صالحا.
توفي بمكة في شوال.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 410) «الضوء اللامع» (11/ 116) .
(9/339)
سنة أربعين
وثمانمائة
فيها توفي إبراهيم بن عبد الكريم الكردي الحلبي [1] .
قال ابن حجر: دخل بلاد العجم، وأخذ عن الشريف الجرجاني وغيره، وأقام
بمكة، وكان حسن الخلق، كثير البشر بالطلبة، انتفعوا به كثيرا في عدة
فنون وجلّها المعاني والبيان، وكان يقرّرها تقريرا واضحا.
مات في آخر المحرم. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن
عثمان بن عمر البوصيري الشافعي [2] .
ولد في المحرم سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وسكن القاهرة، ولازم العراقي
على كبر فسمع منه الكثير، ولام ابن حجر فكتب عنه «لسان الميزان» و
«النكت على الكاشف» والكثير من التصانيف، ثم أكب على نسخ الكتب
الحديثية، وكان كثير السكون والعبادة والتّلاوة، مع حدّة الخلق، وجمع
أشياء، منها «زوائد سنن ابن ماجة» على الكتب «الأصول الستة» [3] وعمل
«زوائد المسانيد العشرة» [4]
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 431) و «الضوء اللامع» (1/ 19) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 431) و «الضوء اللامع» (1/ 251) و
«النجوم الزاهرة» (15/ 209) و «درر العقود الفريدة» (2/ 323) .
[3] وسمّاه «مصباح الزجاجة» وقد طبع في دار الجنان ببيروت بمجلدين سنة
(1406 هـ) بتحقيق الأستاذ كمال يوسف الحوت.
[4] وسمّاه «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» وهو غير
مطبوع وتوجد نسخة منه في دار الكتب المصرية وتحتفظ بمصورة منها الجامعة
الإسلامية في المدينة المنورة.
(9/340)
و «زوائد السنن الكبير للبيهقي» [1] وكتاب
«تحفة الحبيب للحبيب بالزوائد في الترغيب والترهيب» [2] لم يبيضه ولم
يزل مكبّا على الاشتغال والنسخ إلى أن توفي ليلة ثامن عشري المحرم
بالقاهرة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن صلاح بن محمد بن محمد بن عثمان بن علي بن
السّمسار الشافعي، المعروف بابن المحمّرة ويعرف أبوه بابن البحلاق [3]
.
ولد في صفر سنة سبع وستين وسبعمائة، وحفظ القرآن وهو صغير، و «العمدة»
و «المنهاج» . وسمع من عبد الله بن علي الباجي، وتقي الدّين بن حاتم،
ونحوهما. وأكثر عن البرهان الشامي، وابن أبي المجد، وناب في الحكم،
وباشر عدة مدارس.
قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» ناب في القضاء مدة ودخل في قضايا كبار
وفصلها. وولي بعض البلاد فحصّل منها مالا، وصار يتجر بعد أن كان مقلّا
يتكسّب من شهادة المخبز بالخانقاه الصّلاحية. ولما ولي قضاء الشام سار
سيرة مرضية بحسب الوقت، ولم يعدم من يفتري عليه، إلّا أنه كان متساهلا
بحيث لا يتجنب عن القضايا الباطلة، وكان لا يتولى الحكم بنفسه ولا يفصل
شيئا، ولا ينكر على ما يصدر من نوّابه، مع اطلاعه على حالهم. انتهى.
وقال ابن حجر: استمرّ بالقاهرة إلى أن شعرت مشيخة الصّلاحية بصرف الشيخ
عزّ الدّين القدسي عنها، فسار إليها في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين
فباشرها إلى أن مات في شهر ربيع الآخر. انتهى.
__________
[1] قال الأستاذ عمر رضا كحالة في «معجم المؤلفين» لا (1/ 175) : يقع
في مجلدين أو ثلاثة.
[2] انظر «إيضاح المكنون» (1/ 245) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 432- 434) و «الدليل الشافي» (1/ 81)
و «النجوم الزاهرة» (15/ 206- 207) و «الضوء اللامع» (2/ 186- 187) و
«درر العقود الفريدة» (1/ 268) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/
107- 109) وفي بعض المصادر: «أحمد بن محمد بن صلاح» .
(9/341)
وفيها ستّ العيش أمّ عبد الله وأم الفضل
عائشة بنت القاضي علاء الدّين علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أبي
الفتح بن هاشم بن إسماعيل بن إبراهيم بن نصر الله بن أحمد الكاتبة
الفاضلة الصّالحة الكنانية العسقلانية الأصل ثم المصرية الحنبلية، سبطة
القلانسي [1] .
ولدت سنة إحدى وستين وسبعمائة، وحضرت على جدّها فتح الدّين القلانسي
أكثر «العلامات» وغيرها، وسمعت من العزّ ابن جماعة، والقاضي موفق
الدّين الحنبلي، وناصر الدّين الحراوي. ولها إجازة من محبّ الدّين
الخلاطي وجماعة من الشاميين والمصريين، وأكثر عنها الطلبة آخرا، وكانت
خيّرة تكتب خطا جيدا، وهي والدة القاضي عزّ الدّين ابن قاضي المسلمين
برهان الدّين إبراهيم بن نصر الله الحنبلي.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن عبد الله المروزي
الأصل، نزيل القاهرة، المعروف بابن الخرّاط [2] الأديب الشاعر موقّع
الدّست.
ولد بحماة في سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وقدم مع والده إلى حلب فنشأ
بها، واشتغل على والده وغيره في الفقه وغيره، ثم تولّع بالأدب، واشتهر،
وأكثر من مدح أكابر أهل حلب، ومدح جكم بقصائد طنّانة فأجازه، واختصّ به
ونادمه، ثم بعد إقامته بمصر مدح ملوكها ورؤساءها. وقدم أخوه شمس الدّين
إلى القاهرة صحبة ابن البارزي، فسعى له في كتابة السرّ بطرابلس فوليها،
ثم قدم الديار المصرية فقطنها، وقرّر في كتابة الإنشاء، وكانت بيده
وظائف كثيرة. وولي قضاء الباب [3] بعد والده، فاستمر معه إلى أن مات،
واعتراه في آخر عمره انحراف بعد أن كان في غاية اللطافة والكياسة.
وتوفي ليلة الثلاثاء مستهلّ المحرم.
__________
[1] ترجمتها في «إنباء الغمر» (8/ 438) و «الضوء اللامع» (2/ 78) و
«أعلام النساء» (3/ 181) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 438) و «الضوء اللامع» (4/ 130) و
«النجوم الزاهرة» (15/ 205) .
[3] الباب: بلدة كبيرة تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة حلب. انظر «معجم
البلدان» (1/ 303) .
(9/342)
وفيها تاج الدّين عبد الرحمن بن عمر بن
محمود بن محمد الشافعي الحلبي، المعروف بابن الكركي [1] .
ولد بحلب سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وسمع من جماعات، وولي قضاء حلب
مدة، ثم نزل عن ذلك، واستمرّت بيده جهات قليلة يتبلغ منها. قال ابن
حجر: سكن القاهرة مدة، وناب عني في الحكم، وحجّ، وتوجه، فلقيته بحلب
لما توجهت إليها، وأجاز لأولادي.
وتوفي في ثاني عشري شهر رمضان.
وفيها شمس الدّين محمد بن إسماعيل بن أحمد بن الضبيّ الشافعي [2] .
قال ابن حجر: كان خطيبا بجامع يونس بالقرب من قنطرة السّباع، وكان
ديّنا، خيّرا، مقبلا على شأنه، لازمني نحو الثلاثين سنة [3] ، وكتب
أكثر تصانيفي، منها «أطراف المسند» ، وما كمل من «شرح البخاري» [4] وهو
أحد عشر سفرا، و «المشتبه» [5] و «لسان الميزان» و «الأمالي» وهي في
قدر أربع مجلدات، و «تخريج الرافعي» . وكتب لنفسه من تصانيف غيري.
واشتغل بالعربية، ولم تكن له همّة في غير الكتابة. وكان متقلّلا من
الدنيا، قانعا باليسير، صابرا.
توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر [6] رمضان.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن أحمد المناوي الأصل الجوهري الشافعي،
المعروف بابن الرّيفي [7] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 440) و «الضوء اللامع» (4/ 115) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 443) و «الضوء اللامع» (7/ 135) .
[3] لفظة «سنة» سقطت من «آ» .
[4] يعني «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» وهو مطبوع متداول.
[5] يعني «تبصير المنتبه بتحرير المشتبه» وقد طبع منذ سنوات طويلة في
مصر بأربع مجلدات، وقام بتحقيقه الشيخ علي محمد البجاوي، وراجعه الشيخ
محمد علي النجار.
[6] في «ط» : «ثاني عشري» .
[7] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 443) وفيه «المعروف بابن الريقي»
بالقاف، و «الضوء اللامع» (9/ 46) .
(9/343)
قال ابن حجر: حصلت له ثرورة من قبل بعض
حواشي الناصر من النساء، وأكثر من القراءة [1] على الشيخ برهان الدّين
البيجوري، فقرأ عليه «الروضة» وفي «الرافعي الكبير» وفي «الرافعي
الصغير» ، وغير ذلك ولازم [2] دروس الولي العراقي، وكان كثير التّلاوة
والإحسان للطلبة.
توفي يوم الخميس خامس شوال وكانت جنازته مشهودة.
وفيها مجد الدّين أبو الطّاهر محمد بن محمد بن علي بن إدريس بن أحمد بن
محمد بن عمر بن علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن العلوي- نسبة إلى بني علي
بن بلي بن وائل- التّعزي الشافعي [3] .
ولد في أول شوال سنة ست وثمانمائة، وقرأ القرآن، وحصّل طرفا من
العربية، ونظم الشعر، وأحبّ طلب الحديث، فأخذ عن الجمال ابن الخيّاط
بتعز، وحضر عند الفيروزآبادي، وأجاز له، وحجّ سنة تسع وثلاثين، فسمع
بمكّة، ثم قدم القاهرة فأكثر على ابن حجر السماع ليلا ونهارا، وكتب
بخطّه كثيرا، ثم بغته الموت فتوعك أياما.
وتوفي يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة.
وفيها شمس الدّين محمد المغربي الأندلسي النحوي [4] .
قال ابن حجر: ولي قضاء حماة. وأقام بها مدة، ثم توجه إلى الرّوم فأقام
بها، وأقبل الناس عليه، وكان شعلة نار في الذكاء، كثير الاستحضار،
عارفا بعدة علوم خصوصا العربية، وقد قرأ في علوم الحديث عليّ، وكان حسن
الفهم. مات في شعبان ببرصا من بلاد الرّوم.
__________
[1] في «آ» : «من القراءات» .
[2] في «آ» : «والتزم» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 444) و «الضوء اللامع» (9/ 145) و
«طبقات صلحاء اليمن» ص (323) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 447) و «الضوء اللامع» (10/ 26) و
«بغية الوعاة» (1/ 290) .
(9/344)
وفيها شرف الدّين موسى بن أحمد بن موسى بن
عبد الله بن سليمان السّبكي الشافعي [1] .
ولد سنة اثنتين [2] وستين [2] وسبعمائة تقريبا في شبك العبيد، وكان
متصديا لشغل الطلبة بالفقه جميع نهاره، وأقام على ذلك نحو عشرين سنة،
ولم يخلّف بعده نظيره في ذلك.
وتوفي بمرض السّلّ يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة.
وفيها شهاب الدّين أبو الخير نعمة الله بن الشيخ شرف الدّين محمد بن
عبد الرحيم البكري الجرهي- بكسر الجيم وفتح الراء الخفيفة [3]-.
ولد بشيراز سنة خمس عشرة وثمانمائة، وسمع الكثير، وحبّب إليه الطلب.
قال ابن حجر: سمع من أبيه وجماعة بمكة، ثم قدم القاهرة فأكثر عنّي، وعن
الشيوخ، وفهم، وحصّل كثيرا من تصانيفي، ومهر فيها، وكتب الخطّ الحسن،
وعرف العربية.
ثم بلغه أن أباه مات في العام الماضي فتوجه في البحر فوصل إلى البلاد،
ورجع هو وأخوه قاصدين مكة فغرق نعمة الله في نهر الحسا في رجب أو شعبان
ظنا، ونجاه أخوه، فلما وصل إلى اليمن ركب البحر إلى جدّة، فاتفق وقوع
الحريق بها، فاحترق مع من احترق، لكنه عاش وفقد رجليه معا، فإنهما
احترقتا [4] ، والله أعلم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 449) و «الضوء اللامع» (10/ 176) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 449) و «الضوء اللامع» (10/ 202) .
[4] في «آ» : «احترقا» وهو خطأ.
(9/345)
|