شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وأربعين
وثمانمائة
فيها وقع الطّاعون في نصف الشتاء في البلاد الشامية فكثر [1] بحماة
وحمص وحلب [2] ثم تحول إلى دمشق في [3] أواخر الشتاء، ثم اتصل بالبلاد
المصرية [4] .
وفيها توفي الحافظ برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن خليل
الشيخ الإمام الحافظ الحلبي، المعروف بالقوف [5] سبط ابن العجمي [6] .
قال في «المنهل الصّافي» : مولده في ثاني عشري رجب سنة ثلاث وخمسين
وسبعمائة، وبها نشأ، وطلب العلم، وقرأ الحديث على الشيخ كمال الدّين
عمر بن العجمي، و [المحدّث] شرف الدّين [الحسين بن عمر] بن حبيب،
والظّهير ابن العجمي، وخلق. وقرأ النحو على الشيخين أبي جعفر، وأبي عبد
الله الأندلسيين، وغيرهما. واشتغل في الفقه، والقراآت، والتصريف،
والبديع، والتصوف. ورحل فسمع بحماة، ودمشق، والقاهرة من الحافظ ابن
المحبّ، وصلاح الدّين بن أبي عمر، والحافظ زين الدّين العراقي، والحافظ
سراج الدّين بن الملقّن، وغيرهم.
وسمع بالإسكندرية، والقدس، وغزّة، وسمع منه جماعة كثيرون، منهم ابن
__________
[1] في «ط» : «فأكثر» .
[2] في «ط» : «بحماة وحلب وحمص» .
[3] لفظة «في» سقطت من «ط» .
[4] انظر الخبر في «إنباء الغمر» (8/ 6) .
[5] قال السخاوي في «الضوء اللامع» : لقّبه به بعض أعدائه وكان يغضب
منه.
[6] ترجمته في «الدليل الشافي» (1/ 26) و «الضوء اللامع» (1/ 138) و
«المنهل الصافي» (1/ 147- 153) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
(9/346)
حجر، وابن ناصر الدّين حافظ دمشق، وغيرهما.
ورحلت إليه الطلبة. وكان إماما، حافظا، بارعا مفيدا. سمع الكثير، وألّف
التآليف المفيدة الحسنة، وكتب على «صحيح البخاري» وعلى «سيرة ابن سيّد
الناس» وعلى كتاب «الشفا» للقاضي عياض. وصنّف «نهاية السول في رواية
الستة الأصول» و «شرح سنن ابن ماجة» وذيّل على كتاب «الميزان» للذهبي.
وتوفي بحلب ضحى يوم الاثنين السادس والعشرين من شوال. انتهى.
وفيها [1] شهاب الدّين [1] أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن
المادح المعروف بالقرداح [2] الواعظ.
ولد سنة ثمانين وسبعمائة.
قال ابن حجر: كان [3] قد انتهت إليه رئاسة الفنّ، ولم يكن في مصر
والشام من يدانيه. وكان طيّب النّغمة، عازفا بالموسيقا، يجيد الأعمال
ويتقنها، ولا ينشد غالبا إلّا معربا، ومهر في علم الميقات، وكان ينظم
نظما وسطا. سمعت منه ومدحني مرارا، وكان يعمل الألحان وينقل كثيرا منها
إلى ما ينظمه، فإذا اشتهر وكثر استعمل غيره، وهو أحد مفاخير الدّيار
المصرية، ولم يخلّف بعده مثله.
وخلّف كتبا كثيرة تزيد على ألف مجلّد، وخلّف مالا جزيلا خفي غالبه على
ورثته.
انتهى.
وفيها الملك الأشرف برسباي بن عبد الله أبو النصر الدّقماقي الظّاهر
الجاركسي [4] سلطان الدّيار المصرية، والبلاد الشامية، والأقطار
الحجازية، الثاني والثلاثون من ملوك التّرك، والثامن من ملوك الجراكسة.
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 15) و «الضوء اللامع» (2/ 142) وقال
السخاوي: «ويعرف بابن القرداح، وربما قيل له القرداح بضم القاف ومهملات
وهو لقب أبيه» .
[3] لفظة «كان» لم ترد في «ط» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 16) و «النجوم الزاهرة» (15/ 210) و
«الدليل الشافي» (1/ 186) و «الضوء اللامع» (3/ 8) و «لطائف أخبار
الأول فيمن تصرف بمصر من أرباب الدول» ص (134- 135) .
(9/347)
أخذ من بلاد الجركس، وأبيع بالقرم. ثم
اشتراه بعض التجار وقدم به إلى الجهة الشامية، فلما وصل إلى مدينة
ملطية اشتراه نائبها الأمير دقماق المحمدي، ثم أرسله إلى الملك الظّاهر
برقوق في جملة تقدمة هائلة، ثم أعتقه برقوق، وتنقلت به الأيام إلى أن
صار ساقيا في دولة الناصر فرج، ثم انحرف إلى جهة الأميرين شيخ، ونوروز،
وصار معهما إلى أن قتل الناصر، وقدم صحبة الأمير شيخ إلى الديار
المصرية، وصار من جملة الأمراء بها، ولا زال يترقّى إلى أن صار أمير
مائة مقدم ألف، ثم ولي نيابة طرابلس سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، ثم عزل
وقبض عليه وحبس بالمرقب ثم أفرج عنه، وصار أمير مائة ومقدم ألف بدمشق،
ثم عاد إلى الدّيار المصرية صحبة الملك الظّاهر ططر سنة أربع وعشرين،
ثم تنقلت به الأحوال، إلى أن بويع بالسلطنة في ربيع الآخر سنة خمس
وعشرين، فساس الملك أحسن سياسة، ونالته السعادة، وفتحت في أيامه عدة
فتوحات، منها ماغوصة قبرص، ثم بقية جزيرة قبرص، وأسر ملكها جينوس، ولم
يقتل من المسلمين إلّا القليل، ثم عرض عليه جينوس ومن معه من الأسرى
وهو يرفل في قيوده على برسباي، فذرفت عيناه، وأعلن بالحمد والشكر،
ورتّب له ما يكفيه، ثم أطلقه وأعاده بعد أن ضرب عليه الجزية واستمرت،
وكان برسباي ملكا، جليلا، مهابا، عارفا، سيوسا، متواضعا، حسن الخلق،
شهما، شجاعا، ذا شيبة نيّرة، وهيئة حسنة، متجملا في حركاته، حريصا على
ناموس الملك، لا يتعاطى شيئا من المسكرات، محبا لجمع المال، مكثرا من
المماليك، شرها في جمع الخيول والجمال وغيرها. وكانت أيامه في غاية
الحسن، مرض في أوائل شعبان وتطاول به المرض، ولما قوي عليه المرض وسط
طبيبه العفيف الأسلمي رئيس الأطباء، وزين الدّين خضر في يوم السبت رابع
شوال. ولما قدم العفيف للتوسيط [1] استسلم وثبت حتّى صار قطعتين، وقدم
خضر فراع، وجزع جزعا شديدا، ودافع عن نفسه، وصاح وبكى، فتكاثروا عليه،
ووسطوه توسيطا معذبا لتلوّيه واضطرابه فساءت القالة في السلطان، وقوي
مرضه من حينئذ، وابتلي بالصّرع المهول، إلى
__________
[1] في «آ» : «التوسط» .
(9/348)
أن توفي قبيل عصر يوم السبت ثالث عشر ذي
الحجّة عن نيّف وستين سنة.
وتسلطن بعده ولده العزيز يوسف بعهد منه، وكانت مدة سلطنته ست عشرة سنة
وثمانية شهور وخمسة أيام، وهو الذي أنشأ المدرسة الأشرفية في القاهرة
بين القصرين وغيرها من الآثار الجميلة.
وفيها قاضي القضاة شهاب الدّين أحمد بن أقضى القضاة ناصر الدّين محمد
بن أحمد بن محمد بن سليمان بن حمزة، الشيخ الإمام العالم المحدّث
الحنبلي، الشهير بابن زريق [1] .
قرأ القرآن، واشتغل، فقرأ «الخرقي» . وأخذ الفقه عن جماعة، منهم الشيخ
شرف الدّين بن مفلح. قرأ عليه قطعة كبيرة من «فروع» والده، ويقال: إنه
كان يحفظ ثلث «الفروع» والشيخ شمس الدّين بن القباقبي [2] ، وأذن له في
الإفتاء، وكان له ذهن جيد ومحاضرة حسنة، وناب في الحكم، ثم ترك، وأقبل
على عمل الميعاد بالجامع المظفّري، وقرأ «صحيح البخاري» فيه، مع تقشف
وديانة، إلى أن لحق بالله تعالى في الطّاعون، ودفن بالرّوضة قريبا من
الشيخ موفق الدّين، وتأسف الناس على فقده.
وفيها أحمد بن يحيى الشّاوي اليمني الصّوفي [3] .
قال المناوي في «طبقاته» : كان كبير القدر، سريا، رفيع الذّكر، سنّيّا،
صاحب أحوال وكرامات، منها أنه قصده جمع من الزّيدية ممن لا يثبت
الكرامات وقصدوا امتحانه، وكان عنده جبّ فيه ماء، فجعل يغرف منه تارة
لبنا وتارة سمنا وأخرى عسلا، وغير ذلك بحسب ما اقترحوا عليه.
ودخل على القاضي عثمان بن محمد النّاشري وقد أرجف بموته ثم خرج وعاد
إليه وقال لأهله: قد استمهلت له ثلاث سنين، فأقام القاضي بعدها ثلاث
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (487) من القسم المخطوط منه، و
«المقصد الأرشد» (1/ 185) و «السحب الوابلة» ص (90) .
[2] تحرفت في «آ» إلى «القبابي» .
[3] ترجمته في «طبقات الأولياء» للمناوي الورقة () .
(9/349)
سنين لا تزيد ولا تنقص. وكان يحصل له وجد
عظيم عند السّماع فيتكلم بغرائب من العلوم والمعارف والحقائق. انتهى.
وفيها القاضي تاج الدّين أبو محمد عبد الرحيم بن محمد بن أبي بكر
الطرابلسي الحنفي [1] .
سمع على ابن منّاع الدمشقي بعض الأجزاء الحديثية بسماعه من عيسى
المطعم. وسمع على البرهان الشامي وغيره، وحدّث قليلا، وناب في الحكم عن
أخيه أمين الدّين [2] وغيره، وولي إفتاء دار العدل، وكان يصمم في
الأحكام ولا يتساهل كغيره، وأقعد في أواخر عمره، وحصلت له رعشة، ثم فلج
فحجب، وأقام على ذلك إلى أن مات ليلة الثاني والعشرين من المحرّم.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن مصلح الدّين موسى بن إبراهيم
الرّومي الحنفي، الشيخ الإمام العلّامة [3] .
ولد سنة ست وخمسين وسبعمائة، وكان فقيها، بارعا، مفنّنا [4] في علوم
شتّى. تخرّج بالشريف الجرجاني، والسعد التّفتازاني وحضر أبحاثهما بحضرة
تيمور وغيره، فكان يحفظ تلك الأسئلة والأجوبة المفحمة ويتقنها، وقدم
مصر مرّات، ونالته الحرمة الوافرة من الملك الأشرف برسباي، وولّاه
مشيخة الصّوفية بمدرسته التي أنشأها وتدريسها فباشرها مدة ثم تركها
وتوجه إلى الحجّ. وكان دأبه الانتقال من بلد إلى بلد. وكان متضلعا من
العلوم، عالما، مفنّنا، محقّقا، عارفا بالجدل، بارعا في علوم كثيرة،
إلا أنه يستخف بكثير من علماء مصر. وانضم إليه طلبتها لما قدم آخرا،
وأخذ في الأشغال [5] فلم تطل مدته.
وتوفي يوم الأحد العشرين من شهر رمضان.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 22) و «الضوء اللامع» (4/ 183) .
[2] في «ط» : «أمير الدين» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 24) و «الضوء اللامع» (6/ 41) .
[4] في «آ» : «مفتيا» وهو تحريف.
[5] في «آ» : «في الاشتغال» .
(9/350)
وفيها علاء الدّين محمد بن محمد بن محمد بن
محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد البخاري العجمي [1] الحنفي [2]
العلّامة، علّامة الوقت.
قال ابن حجر: ولد سنة تسع وسبعين وسبعمائة ببلاد العجم [2] ، ونشأ
ببخارى فتفقه بأبيه وعمّه العلاء عبد الرحمن، وأخذ الأدبيات والعقليات
عن السعد التفتازاني وغيره، ورحل إلى الأقطار، واجتهد في الأخذ عن
العلماء، حتّى برع في المعقول والمنقول، والمفهوم والمنطوق، واللغة
والعربية، وصار إمام عصره.
وتوجه إلى الهند فاستوطنه مدة، وعظم أمره عند ملوكه إلى الغاية لما
شاهدوه من غزير علمه وزهده وورعه، ثم قدم مكّة فأقام بها، ودخل مصر
فاستوطنها، وتصدر للإقراء بها، فأخذ عنه غالب من أدركناه من كل مذهب
وانتفعوا به، علما، وجاها، ومالا. ونال عظمة بالقاهرة، مع عدم تردد إلى
أحد من أعيانها، حتّى ولا السلطان، والكلّ يحضر إليه. وكان ملازما،
للإشغال، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، والقيام بذات الله
تعالى، مع ضعف كان يعتريه.
وآل أمره إلى أن توجه إلى الشام فسار إليها بعد أن سأله السلطان
الإقامة بمصر مرارا فلم يقبل. وسار إليها فأقام بها إلى أن مات [3] في
خامس شهر رمضان، ولم يخلّف بعده مثله في العلم، والزّهد، والورع،
وإقماع أهل الظلم والجور.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 29) و «الضوء اللامع» (10/ 13) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] في «ط» : «فأقام بها حتى مات» .
(9/351)
سنة اثنتين وأربعين
وثمانمائة
فيها خلعوا الملك العزيز بن برسباي بعد أن كان له في السلطنة ثلاثة
أشهر وأقيم الملك الظاهر أبو سعيد جقمق [1] .
وفيها توفي إبراهيم ابن حجي الحنبلي الكفل حارسي [2] الشيخ الإمام
العلّامة برهان الدّين. قاله العليمي في «طبقاته» .
وفيها شهاب الدّين أحمد بن تقي الدّين محمد بن أحمد الدّميري المالكي
المعروف بابن تقي [3] ، وكانت أمه أخت القاضي تاج الدّين بهرام، فكان
ينتسب إليها ولا ينتسب لأبيه، ويكتب بخطه في الفتاوى وغيرها أحمد بن
أخت بهرام.
قال ابن حجر: كان فاضلا، مستحضرا للفقه والأصول والعربية والمعاني
والبيان وغيرها، فصيحا، عارفا بالشروط والأحكام، جيد الخطّ، قوي الفهم،
لكنه كان زري الهيئة، مع ما ينسب إليه من كثرة المال، وقد عيّن للقضاء
مرارا فلم يتفق. وكان في صباه آية في سرعة الحفظ، بحيث يحفظ الورقة من
«مختصر ابن الحاجب» من مرتين أو ثلاث.
وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول ولم يكمل الستين، وخلّف ذكرين وأنثى.
__________
[1] انظر «لطائف أخبار الأول» ص (135) .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (487) من القسم المخطوط منه، و
«السحب الوابلة» ص (24) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 78) و «الضوء اللامع» (2/ 78) .
(9/352)
وفيها علم الدّين أحمد بن القاضي تاج
الدّين محمد بن القاضي علم الدّين محمد بن القاضي كمال الدّين محمد بن
القاضي برهان الدّين محمد الأخنائي المالكي [1] أحد نوّاب الحكم
بالقاهرة.
قال في «المنهل» : كان فقيها، فاضلا، مستحضرا لفروع مذهبه، من بيت علم
ورئاسة وفضل. ناب في الحكم عدة سنين، وكان مشكور السيرة في أحكامه، وله
ثروة وحشمة.
مات بعد مرض طويل بالقاهرة في يوم الأربعاء خامس عشري شهر رمضان.
وفيها الملك الظّاهر هزبر الدّين [2] عبد الله، وقيل يحيى بن إسماعيل
بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول [3] ، صاحب اليمن بن
الأشرف.
ملك اليمن في رجب سنة ثلاثين وثمانمائة، وضعفت مملكته، وخربت ممالك
اليمن في أيامه لقلة محصوله بها من استيلاء العربان على أعمالها، ولم
يزل على ذلك إلى أن توفي يوم الخميس سلخ رجب.
وملك بعده ابنه الملك الأشرف إسماعيل وله نحو العشرين سنة فساءت سيرته.
وفيها [4] نور الدّين [4] علي بن عبد الرحمن بن محمد الشلقامي الشافعي
[5] .
قال ابن حجر: ولد في الطاعون الكبير سنة تسع وأربعين وسبعمائة، أو في
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 79) و «الدليل الشافي» (1/ 81) و «نيل
الابتهاج بتطريز الديباج» ص (78) .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «الضوء اللامع» : «هزبر الدين» وفي «الدليل
الشافي» : «هزير الدين» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 81) و «الضوء اللامع» (5/ 14) و (10/
222) و «الدليل الشافي» (1/ 383) .
[4، 4] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 81) و «الضوء اللامع» (5/ 237) .
(9/353)
حدودها، وهو أسنّ من بقي من الفقهاء
الشافعية. حضر دروس الجمال الإسنائي، وكان من أعيان الشهود، وله فضيلة
ونظم.
مات راجعا من الحجّ بالقرب من السّويس.
وفيها موفق الدّين علي بن محمد بن قحر- بضم القاف، وسكون المهملة بعدها
راء- الشافعي الزّبيدي [1] .
قال في «المنهل» : الإمام العالم [2] المفنّن، عالم زبيد ومفتيها.
ولد سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، وانتهت إليه رئاسة العلم والفتوى بزبيد
إلى أن توفي بها في ثاني شوال. انتهى.
وفيها حافظ دمشق شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر عبد الله بن
محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن علي القيسي الدمشقي
الشهير بابن ناصر الدّين الشافعي، وقيل الحنبلي [3] .
ولد في أواسط محرم سنة سبع وسبعين وسبعمائة بدمشق، وبها نشأ، وحفظ
القرآن العزيز وعدة متون، وسمع الحديث في صغره من الحافظ أبي بكر بن
المحبّ، وتلا بالروايات على ابن البانياسي، ثم أكب على طلب الحديث،
ولازم الشيوخ، وكتب الطباق. وسمع من خلق، منهم بدر الدّين بن قوام،
ومحمد بن عوض، والعزّ الأبناسي، وابن غشم المرداوي، والصّدر المناوي،
ونجم الدّين بن العز، وبرهان الدّين بن عبد الهادي، وأبو هريرة بن
الذّهبي، وخلائق يطول ذكرهم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 82) و «الضوء اللامع» (5/ 312) و
«الدليل الشافي» (1/ 480) .
[2] في «ط» : «العامل» .
[3] ترجمته في «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (238- 239) و «السلوك» (4/ 3/
1148) و «الضوء اللامع» (8/ 103- 106) و «النجوم الزاهرة» (15/ 465) و
«الدليل الشافي» (2/ 581) وقد استوفى الأستاذ الفاضل محمد نعيم
العرقسوسي ذكر مصادر ترجمته في مقدمته لكتابه «توضيح المشتبه» فيحسن
بالباحث الرجوع إليها.
(9/354)
وأخبر السخاوي أنه قرأ على ابن حجر، وابن
حجر قرأ عليه، ومهر في الحديث، وكتب، وخرّج، وعرف العالي والنازل،
وخرّج لنفسه ولغيره، وصار حافظ الشام بلا منازع، وأخذ العربية عن
البانياسي وغيره، والفقه عن ابن خطيب الدهشة، والسّراج البلقيني. وأجاز
له من القاهرة الحافظ الزّين العراقي، والسّراج بن الملقّن، وغيرهما.
واشتهر اسمه، وبعد صيته، وألّف التآليف الجليلة، منها «توضيح مشتبه
الذهبي» [1] في ثلاث مجلدات كبار، وجرّد منه كتاب «الإعلام بما وقع في
مشتبه الذهبي من الأوهام» [2] و «بديعة البيان عن موت الأعيان» [3] ،
نظما وشرحها في مجلد سمّاه «التبيان» [4] وقصيدة في أنواع علوم الحديث،
سمّاها «عقود الدّرر في علوم الأثر» وشرحها شرحين مطول ومختصر. وكتاب
«السّرّاق من الضعفاء» و «كشف القناع عن حال من افترى الصّحبة
والأتباع» و «إتحاف السّالك برواية الموطأ عن مالك» و «جامع الآثار في
مولد المختار» ثلاثة أسفار كبار، و «مورد الصادي في مولد الهادي»
واختصر منه «اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق» . وله مصنّفات في
المعراج، وكذا في الوفاة النبوية. و «افتتاح القاري لصحيح البخاري» و
«تحفة الأخباري بترجمة البخاري» و «منهاج السّلامة في ميزان القيامة» و
«التنقيح لحديث التسبيح» و «جزء في فضل يوم عرفة» و «جزء في فضل يوم
عاشوراء» [5] و «برد الأكباد عن موت الأولاد» و «نفحات الأخيار في
مسلسلات الأخبار»
__________
[1] يقوم بتحقيقه الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقسوسي ويطبع في مؤسسة
الرسالة في بيروت وقد صدر منه المجلد الأول ولا زالت مجلداته الأخرى
قيد الإعداد للطبع كما ذكر لي محققه.
[2] قام بتحقيقه الأستاذ عبد ربّ النبي محمد بإشراف الدكتور محمد شوقي
خضر، ونال عليه درجة الماجستير من جامعة أم القرى بمكة المركمة، ونشرته
مكتبة العلوم والحكم في المدينة المنورة عام (1407 هـ) .
[3] وقد ذكر فيها طبقات الحفاظ من المحدّثين، ولدينا مصورة لإحدى نسخها
الخطية وهي جديرة بالنشر.
[4] واسمه الكامل «التبيان شرح بديعة البيان» وقد احتوى على فوائد هامة
جدا تتصل بأعلام المحدّثين من رجالات القرون السالفة، ولدينا مصورة عن
أحدى نسخة الخطية وهو جدير بالتحقيق والنشر.
[5] لفظة «يوم» سقطت من «آ» .
(9/355)
و «الأربعون المتباينة الأسانيد والمتون» و
«مسند تميم الدّاري وترجمته» و «عرف العنبر في وصف المنبر» و «الروض
الندي في الحوض المحمدي» . مجلد ذكر فيه طرق حديث الحوض من ثمانين
طريقا. و «ربع الفرع في شرح حديث أم زرع» و «رفع الدّسيسة بوضع
الهريسة» و «جزء» فيه أحاديث ستة عن حفاظ ستة في معان ستة من مشايخ
الأئمة الستة بين مخرّجها وبين روايتها ستة. و «نيل الأمنية بذكر [1]
الخيل النبوية» و «الإملاء الأنفسي في ترجمة عسعسي» و «إعلام الرّواة
بأحكام حديث القضاة» و «الأعلام الواضحة في أحكام المصافحة» و «إطفاء
حرقة الحوبة بإلباس خرقة التوبة» و «مختصر في مناسك الحج» وعدة مصنّفات
أخر.
وتوفي بدمشق في ليلة الجمعة سادس عشر ربيع الآخر ودفن بمقبرة باب
الفراديس.
وفيها تاج الدّين عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن عبد القادر الجعفري
النابلسي الحنبلي [2] .
قال العليمي: الشيخ الإمام [3] العالم القاضي.
كان من أهل الفضل، وهو من بيت علم ورئاسة، وكان يكتب على الفتوى عبارة
حسنة تدلّ على فضله، وصنّف «مناسك الحجّ» وهو حسن، وله رواية في الحديث
وخطه [4] حسن.
ولي قضاء الحنابلة بنابلس وباشر مدة طويلة، وتوفي بها.
وتوفي ولده زين الدّين جعفر في سنة أربع وأربعين.
وولده الثاني القاضي زين الدّين عمر في سنة ست وأربعين وثمانمائة.
وفيها قاضي القضاة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن
__________
[1] لفظة «بذكر» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (487) من القسم المخطوط منه، و
«السحب الوابلة» ص (274) .
[3] لفظة «الإمام» لم ترد في نسخة «المنهج الأحمد» الذي بين يدي.
[4] في «آ» و «ط» : «وخط» والتصحيح من «المنهج الأحمد» مصدر المؤلف.
(9/356)
عثمان بن نعيم بن محمد بن حسن بن غنّام
البساطي المالكي النحوي [1] .
قال السيوطي: ولد في جمادى الأولى سنة ستين وسبعمائة ببساط، وانتقل إلى
مصر، واشتغل بها كثيرا في عدة فنون، وكان نابغة الطلبة في شبيبته،
واشتهر أمره، وبعد صيته، وبرع في فنون المعقول، والعربية، والمعاني،
والبيان، والأصلين. وصنّف فيها وفي الفقه، وعاش دهرا في بؤس بحيث إنه
كان ينام على قشر القصب، ثم تحرّك له الحظ فولي تدريس المالكية بمدرسة
جمال الدّين الاستادار، ثم مشيخة تربة الملك الناصر، ثم تدريس
البرقوقية، وتدريس الشيخونية. وناب في الحكم عن ابن عمّه. ثم تولى
القضاء بالديار المصرية سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة فأقام فيه عشرين سنة
متوليا لم يعزل منه، وكان سمع الحديث من التّقي البغدادي وغيره، ولم
يعتن به.
ومن تصانيفه «المغني» في الفقه، و «شفاء الغليل في مختصر الشيخ خليل» و
«شرح ابن الحاجب الفرعي» و «حاشية على المطوّل» و «حاشية على شرح
المطالع» للقطب. و «حاشية على المواقف» للعضد. و «نكت على الطوالع»
للبيضاوي، و «مقدمة» في أصول الدّين.
وأخذ عنه جماعة من أئمة العصر، منهم شيخنا الإمام الشّمنّي، وقاضي
القضاة محيى الدّين المالكي قاضي مكّة. وحدّثنا عنه غير واحد.
ومات بالقولنج ثاني عشر شهر رمضان وأمطرت السماء بعد دفنه مطرا غزيرا
أي وكانت وفاته بالقاهرة.
وفيها جمال الدّين محمد بن سعيد بن كبّن- بفتح الكاف وشدة الموحدة
بعدها نون- اليمني [2] قاضي عدن.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 82) و «النجوم الزاهرة» (15/ 466) و
«الضوء اللامع» (7/ 5) و «بغية الوعاة» (1/ 32- 33) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 85) و «الضوء اللامع» (7/ 250) و
«طبقات صلحاء اليمن» ص (334) .
(9/357)
كان فاضلا مشاركا في علوم كثيرة، ولي
القضاء بعد نحوا من أربعين سنة تخللتها، ولاية القاضي عيسى اليافعي
مددا مفرقة.
وتوفي بعدن وأسف الناس عليه لما كان فيه من المداراة، وخفض الجناح ولين
الجانب والإصلاح بين الخصوم وقد قارب الثمانين.
وفيها شرف الدّين أبو النّون يونس بن حسين بن علي بن محمد بن زكريا
الزبيري [1] بن الجزّار الألواحي، نزيل القاهرة الشافعي [2] .
ولد بالقاهرة سنة خمس وستين وسبعمائة، وسمع من عبد الرحمن بن القارئ،
وناصر الدّين الطبردار وغيرهما، وحدّث بالكثير، وعرض «العمدة» على
الجمال الإسنوي، ولازم السّراج البلقيني.
قال ابن حجر: وجمع لنفسه مجاميع مفيدة، لكنه كان عريا من العربية فيقع
له اللحن الفاحش. وكان كثير الابتهال والتوجه، ولا يعدم في طول عمره
عاميا يتسلط عليه وخصوصا ممن يجاوره، وسمع منه خلق.
وتوفي ليلة الخميس رابع عشر ذي الحجّة.
__________
[1] في «آ» : «الزبيدي» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 88) و «الضوء اللامع» (10/ 342) .
(9/358)
سنة ثلاث وأربعين
وثمانمائة
فيها توفي برهان [الدّين] إبراهيم بن فلاح النابلسي [1] الحنبلي.
كان من العلماء العاملين.
توفي بصالحية دمشق.
وفيها تقي الدّين عبد اللطيف بن القاضي بدر الدّين محمد بن الأمانة [2]
.
قال ابن حجر: درّس في الحديث بالمنصورية، وفي الفقه بالمدرسة الهكارية
مكان أبيه أياما.
ومات وهو شاب في يوم الأحد ثامن عشري ذي القعدة، وكان مشكور السيرة على
صغر سنة. انتهى.
وفيها القاضي علاء الدّين علي بن محمد بن سعد بن محمد بن علي بن عمر بن
إسماعيل بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب بن علي بن هبة الله بن ناجية
الطائي الشافعي الحلبي [3] قاضي حلب وفقيهها، المعروف بابن خطيب
الناصرية.
ولد سنة أربع وسبعين وسبعمائة، وسمع من أحمد بن عبد العزيز بن
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (488) من القسم المخطوط منه، و
«السحب الوابلة» ص (30) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 115) و «الضوء اللامع» (5/ 303) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 115) و «الضوء اللامع» (5/ 303) و
«الدليل الشافي» (1/ 480) .
(9/359)
المرحّل، وهو أقدم شيخ له، ومن عمر بن
أيدغمش خاتمة أصحاب إبراهيم بن خليل.
وكان إماما عالما، مفنّنا، شديد الحبّ للقضاء، حتى بلغ من غيرته عليه
أنه أوصى بأن يسعى به لابن بنته أثير الدّين بن الشّحنة في قضاء
الشافعية بحلب، مع أنه حنفي المذهب.
توفي يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة بحلب ولم يخلّف بها [1] بعده مثله
ولا قريبا منه.
وفيها جمال الدّين محمد بن عبد الله الكازروني المدني [2] الشيخ الإمام
العالم.
انتهت إليه رئاسة العلم بالمدينة النبوية. وولي قضاءها وخطابتها، ثم
صرف، ودخل القاهرة مرارا ولم يخلّف بعده من يقارنه بالمدينة المنورة.
وفيها شمس الدّين محمد بن يحيى بن علي بن محمد بن أبي بكر المصري
الصالحي- نسبة إلى قرية يقال لها مينة أم صالح بناحية مليج الغربية
وإلى حارة الصالحية بالبرقية داخل القاهرة- الشافعي المذهب [3] .
ولد قبل الستين وسبعمائة، وعني بالقراءات فأتقن السبع على جماعة، ورحل
إلى دمشق، واشتغل بالفقه، وتولى تدريس الفقه البرقوقية عن الشيخ أوحد
بحكم نزوله له عنه بمبلغ كبير من الذهب، واتصل بالأمير قطلوبغا الكركي
فقرّره إماما بالقصر، وناب بجاهه في الحكم أحيانا، وأم قطلوبغا
المذكور. ثم ولي مشيخة القراءات بالمدرسة المؤيدية لما فتحت وما تزوج.
وكان مولعا بالمطالب، ينفق ما يتحصل له فيها، مع التقتير على نفسه،
وكفّ بصره في أواخر عمره، واختل ذهنه، عفا الله عنه. قاله ابن حجر.
__________
[1] لفظة «بها» سقطت من «ط» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 117) و «التحفة اللطيفة» (3/ 612) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 117) .
(9/360)
وفيها صلاح الدّين خليل بن أحمد الأديب
المعروف بابن الغرس [1] المصري [2] الشاعر المشهور.
قال في «المنهل الصّافي» : كان أديبا ذكيا فاضلا، يلبس لبس أولاد
الأتراك، واشتغل في ابتداء أمره بفقه الحنفية، ثم غلب عليه الأدب،
[ونظّم القريض] حتّى صار معدودا من الشعراء المجيدين.
وكان ضخما جسيما إلّا أنه كان لطيفا، حاذقا، حلو المحاضرة، حسن
البديهة.
ومن شعره:
عجوزة حدباء عاينتها ... تبسّمت. قلت: استري فاكي
سبحان من بدّل ذاك البها ... بقبح أشداق [3] وأحناك
ومنه أيضا:
خليليّ ابسطا لي الأنس إنّي ... فقير، متّ في حبّ الغواني
وإن تجدا مداما أو قيانا ... خذاني للمدامة والقيان
توفي في شعبان وقد نيّف على الخمسين.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «المعروف بابن الفرس» بالفاء وهو تحريف، والتصحيح
من «الدليل الشافي» و «الضوء اللامع» وقال السخاوي: ويعرف بابن الغرز.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 191) و «الدليل الشافي» (1/ 290) و
«المنهل الصافي» (5/ 232- 234) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[3] في «الضوء اللامع» : «أحداق» .
(9/361)
سنة أربع وأربعين
وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن رسلان بن نصير بن صالح
الشافعي، المعروف بالعجيمي [1] قاضي المحلة.
قال في «المنهل» : كان فقيها عالما فاضلا، ولي نيابة الحكم بالمحلّة
وغيرها عدة سنين، وكثر ماله من ذلك، وكانت له وجاهة، واستمرّ على ذلك
إلى أن توفي يوم الثلاثاء رابع عشري جمادى الأولى عن أكثر من ثمانين
سنة.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن حسين بن أرسلان المقدسي [2]
الشافعي الصّوفي الشيخ الإمام العالم الصالح القدوة.
ولد برملة فلسطين سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، ثم رحل لأخذ العلوم، فسمع
الحديث على جماعة كثيرة، وبرع في الفقه، حتّى أجازه قاضي القضاة
الباعوني بالإفتاء، وتصدى للإقراء وما قرأ عليه أحد إلّا انتفع، وكان
يكني جماعته بكنى كأبي طاهر، وأبي المواهب فلا يتخلف أثرها، ولزم
الإفتاء والتدريس مدة، ثم ترك ذلك، وسلك طريق الصّوفية القويم، وجدّ
واجتهد، حتّى صار منارا يهتدي به السّالكون، وشعارا يقتدي به الناسكون،
وغرست محبته في قلوب الناس فأثمر له ذلك الغراس.
ومن تصانيفه النافعة: «شرح سنن أبي داود» و «البخاري» وعلّق على
«الشفا» وشرح «مختصر ابن الحاجب» و «جمع الجوامع» و «منهاج البيضاوي»
وشرح «أرجوزته الزبد» في كبير وصغير، و «تصحيح الحاوي» و «مختصر
الروضة» و «المنهاج» و «أدب القاضي» للغزّي و «الأذكار» و «حياة
الحيوان» ونظم في علم
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 137) و «الضوء اللامع» (1/ 253) و
«الدليل الشافي» (1/ 37) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 212) و «الدليل الشافي» (1/ 45) و
«البدر الطالع» (1/ 49) .
(9/362)
القراآت، وأعرب «الألفية» و «شرح الملحة»
وعمل «طبقات الشافعية» ونظم من علوم القرآن ستين نوعا.
ومن نظمه في المواضع التي لا يجب فيها ردّ السلام:
ردّ السّلام واجب إلّا على ... من في صلاة أو بأكل شغلا
أو شرب او قراءة أو أدعية ... أو ذكر او خطبة أو تلبية
أو في قضاء حاجة الإنسان ... أو في إمامة أو الأذان
أو سلّم الطّفل أو السّكران ... أو شابّة يخشى بها افتتان
أو فاسق أو ناعس أو نائم ... أو حالة الجماع أو محاكم
أو كان في الحمّام أو مجنونا ... هي اثنتان بعدها عشرونا
قال المناوي في «طبقات الأولياء» : وله كرامات لا تكاد تحصى، منها أنه
شفع عند طوغان كاشف الرّملة فلم يقبل شفاعته. وقال: طولتم علينا يا ابن
رسلان، إن كان له سرّ فليرم هذه النّخلة لنخلة بقربه فما تم كلامه إلّا
وهبّت ريح عاصفة فألقتها فبادر الشيخ معتذرا، ومنها أنه لما أتمّ كتاب
«الزّبد» أتى به إلى البحر وثقّله بحجر، وألقاه في قعره، وقال: اللهم
إن كان خالصا لك فأظهره وإلا فأذهبه، فصعد من قعر البحر حتّى صار على
وجه الماء ولم يذهب منه حرف [1] .
ومنها أنه سمع عند إنزاله القبر يقول: رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا
مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ 23: 29 [المؤمنون: 29] .
وكان صائما قائما، قلّما يضطجع بالليل.
وتوفي بالقدس يوم الاثنين لثمان بقين من شهر رمضان عن إحدى وسبعين سنة،
وارتجت الدّنيا لموته، ولم يخلّف بعده بتلك الدّيار مثله.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن صالح المحلّي الشافعي [2] .
__________
[1] أقول: في هذا الكلام مبالغات. (ع) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 138) و «الدليل الشافي» (1/ 50) و
«المنهل الصافي» (1/ 319) .
(9/363)
قال في «المنهل» : الشيخ الإمام العلّامة.
كان إماما بارعا في الفقه، والأصول، والفرائض، والنحو، والتصريف،
وتصدّر للتدريس عدة سنين، وخطب مدة، مع سلوك ونسك وعبادة وصلاح، وكان
للناس فيه اعتقاد حسن، ولم يزل على ذلك إلى أن توفي يوم الأربعاء ثامن
عشري ذي الحجّة. انتهى.
وفيها قاضي القضاة محبّ الدّين أبو الفضل أحمد بن نصر الله بن أحمد بن
محمد بن عمر البغدادي ثم المصري [1] الحنبلي، شيخ الإسلام، وعلم
الأعلام، المعروف بابن نصر الله شيخ المذهب، ومفتي الديار المصرية.
ولد ببغداد في ضحوة يوم السبت سابع عشر رجب سنة خمس وستين وسبعمائة،
وسمع بها من والده الشيخ نصر الله، ومن نجم الدّين أبي بكر بن قاسم،
ونور الدّين علي بن أحمد المقرئ.
وعنى بالحديث، ثم قدم القاهرة مع والده، وأخذ عن مشايخ، منهم سراج
الدّين البلقيني، وزين الدّين العراقي، وابن الملقّن. وأخذ عن الشيخ
زين الدّين بن رجب بالشام، وسمع بحلب من الشّهاب بن المرحّل. وولي
تدريس الظّاهرية البرقوقية وغيرها. وناب في الحكم عن ابن المغلي، وناظر
وأفتى، وانتفع به الناس. وكان متضلعا بالعلوم الشرعية، من تفسير،
وحديث، وفقه، وأصول.
قال برهان الدّين ابن مفلح في «طبقاته» : وهو من أجل مشايخنا، وانتهت
إليه مشيخة الحنابلة بعد موت مستخلفه [2] قاضي القضاة [2] علاء الدّين
ابن مغلي. وله عمل كثير في «شرح مسلم» . وله «حواشي على المحرّر» حسنة،
وعلى «الفروع» ، وكتابة على الفتوى نهاية.
وأفتى [3] بصحة الخلع حيلة، وعدم وقوع الطلاق بفعل المحلوف عليه في
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 139) و «الضوء اللامع» (2/ 233) و
«المنهج الأحمد» الورقة (488) من القسم المخطوط منه، و «السحب الوابلة»
ص (109- 115) و «المقصد الأرشد» (1/ 202- 204) .
[2، 2] ما بين الرقمين مستدرك من «المقصد الأرشد» مصدر المؤلف.
[3] بدأ المؤلف بالنقل عن «المنهج الأحمد» ولفظة «به» التي بين
الحاصرتين مستدركة منه.
(9/364)
زمن البينونة. ويأتي نظير ذلك في ترجمة نور
الدّين الشيشيني.
ومن فوائده أن من اشترى حصة مبلغها النصف مثلا من بناء على أرض محتكرة،
فليس لشريكه طلب الشفعة في البناء المبيع دون الأرض.
ومنها قوله: كثيرا ما يقع في سجلات القضاة الحكم بالموجب تارة، والحكم
بالصّحة أخرى، وقد اختلف كلام المتأخرين في الفرق بينهما وعدمه، ولم
أجد لأحد من أصحابنا كلاما منقولا في ذلك، والذي نقوله بعد الاستعصام
بالله تعالى وسؤاله التوفيق: إن الحكم بالصّحة لا شك أنه يستلزم ثبوت
الملك والحيازة قطعا، فإذا ادعى رجل أنه ابتاع من آخر عينا واعترف
المدّعي عليه بذلك، لم يجز للحاكم الحكم بصحة البيع بمجرد ذلك، حتّى
يدعي المدّعى أنه باعه العين المذكورة وهو مالك لها، ويقيم البينة
بذلك، فأما لو اعترف له البائع بذلك لم يكف [1] في جواز الحكم بالصّحة
لأن اعترافه يقتضي ادعاء ملك العين المبيعة وقت البيع، ولا يثبت ذلك
بمجرّد دعواه، فلا بد من بيّنة تشهد بملكه وحيازته حال البيع، حتّى
يسوغ للحاكم الحكم بالصّحة. وأما الحكم بالموجب- بفتح الجيم- فمعناه
الحكم بموجب الدعوى الثابتة بالبيّنة أو علم القاضي أو غيرهما، هذا هو
معنى الموجب، ولا معنى للموجب غير ذلك. [2] انتهى ملخصا، وله غير ذلك
[2] .
وكان لا ينظر بإحدى عينيه مع حسن شكله وأبهته، واستقلّ بقضاء مصر مددا.
وأجازه الشمس الكرماني بإجازة عظيمة، ووصفه بالفضيلة مع صغر السنّ،
وتمثل فيه بقول الشاعر:
إنّ الهلال إذا رأيت نموّه ... أيقنت أن سيصير بدرا كاملا
وتوفي بالقاهرة صبيحة يوم الأربعاء النصف من جمادى الآخرة عن ثمان
وسبعين سنة وعشرة أشهر إلّا يومين، واستقرّ ولده يوسف بعده في تدريس
المنصورية والأشرفية.
__________
[1] في «ط» : «لم يكن» ولفظة «في» التي بعدها سقطت منها.
[2، 2] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .
(9/365)
وفيها قاضي القضاة موفق الدّين علي بن أبي
بكر اليمني الشافعي، الشهير بالنّاشري [1] .
كان عالم مدينة تعز باليمن، وقاضيها ومفتيها، وبها توفي في خامس عشري
صفر عن تسعين سنة.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن عثمان بن عمر بن صالح الدمشقي
الشافعي، الشهير بابن الصّيرفي [2] .
ولد بدمشق سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وبها نشأ، وطلب العلم، وسمع
الحديث على أبي الحسن علي بن أبي المجد، والزّين عمر البالسي، وفاطمة
بنت المنجّى، والكمال بن النّحاس، وغيرهم وحفظ عدة متون في مذهبه،
وتفقه على الشّرف الغزّي، والشّهاب الملكاوي، وبرع في الفقه، والأصول،
والعربية، والحديث، وقدم القاهرة سنة ثلاث وثمانمائة، فأخذ عن السّراج
البلقيني، والحافظ الزّين العراقي، وقرأ الأصول على العزّ بن جماعة، ثم
عاد إلى دمشق، واشتهر في آخر عمره، وتصدّر بجامع بني أميّة، وأفتى
ودرّس بالشّامية البرّانيّة، وبدار الحديث الأشرفية، وصنّف عدة تصانيف،
منها كتاب «الوصول إلى ما في الرافعي من الأصول» مجلد. وكتاب «نتائج
الفكر في ترتيب مسائل المنهاج على المختصر» في أربع مجلدات. وكتاب «ذهب
الفقيه السّاري في ترتيب مسائل المنهاج على أبواب البخاري» وهو كبير
جدا. وكتاب «خطب» في مجلد. وكتاب «زاد السائرين في فقه الصّالحين» وهو
شرح ل «التنبيه» ، وناب في الحكم في أواخر عمره. وكان ديّنا، سليم
الصّدر، متواضعا، متقشفا في ملبسه، ملازما للاشتغال والإشغال إلى أن
توفي بدمشق ليلة الاثنين حادي عشر رمضان ودفن بمقابر الصّوفية.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 205) و «الدليل الشافي» (1/ 447) و
«مصادر الفكر الإسلامي» ص (200) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 259) و «الدليل الشافي» (1/ 463) و
«الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 463) .
(9/366)
وفيها برهان الدّين إبراهيم بن البحلاق
البعلي الحنبلي [1] ، شيخ الحنابلة ومدرّسهم ومفتيهم بمدينة بعلبك.
له سماع كثير للحديث.
وتوفي ببعلبك في أواسط شوال.
وفيها قاضي القضاة شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن
علي بن إسماعيل الحنبلي، المعروف بابن الرّسّام [2] .
ولد تقريبا سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وولي قضاء حماة، ثم قضاء حلب،
وقدم الشام والقاهرة مرارا، وأسمع «الصحيح» من شمس الدّين بن
اليّونانية.
وسمع من العراقي، وأجاز له جماعة، منهم ابن المحبّ، وابن رجب. وكان
يعمل المواعيد، وله كتاب في الوعظ على نمط كتاب شيخه ابن رجب المعروف ب
«لطائف المعارف» [3] .
وتوفي في شوال.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الكرم الحنبلي، المعروف
بأبي شعر [4] ، الشيخ الإمام العلّامة القدوة الحافظ.
نشأ على خير ودين، واشتغل على الشيخ علاء الدّين بن اللّحام، وأذن له
بالإفتاء شمس الدّين القباقبي، وحضر زين الدّين ابن رجب، وعني بالحديث
وعلومه، وكان استاذا في التفسير، وله مشاركة جيدة في الفقه، والأصلين،
والنحو، وكان متبحّرا في كلام الشيخ تقي الدّين ابن تيميّة، إلى أن وقع
له كائنة مع بعض الناس، فلزم بيته بصالحية دمشق، وعكف عليه جماعة كثيرة
وانتفعوا به، وكانت هيئته تذكّر بالسّلف الصّالح.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 184) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 249) و «السحب الوابلة» و «المنهج
الأحمد» الورقة (491) .
[3] تقدم التعليق عليه عند ترجمة الحافظ ابن رجب الحنبلي في المجلد
الثامن ص (579- 580) .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 82) و «الدليل الشافي» (1/ 399) و
«المنهج الأحمد» الورقة (491) و «السحب الوابلة» ص (202) .
(9/367)
وله كشف سريع [1] ، وصبر في حقّ الله
تعالى.
توفي في ثامن عشري شوال ودفن بالرّوضة قريبا من الشيخ موفق الدّين.
وتوفي قبله ولده برهان الدّين إبراهيم [2] في الطّاعون سنة إحدى
وأربعين. وكان شابا، حسنا، دينا، فاضلا، تأسف الناس عليه.
وفيها نور الدّين أبو الحسن علي بن عمر بن حسن بن حسين بن علي بن صالح
التّلواني الشّافعي [3] .
أصله من المغرب، وسكن والده بجروان قرية بالمنوفية بالوجه البحري من
أعمال القاهرة، فولد له بها الشيخ نور الدّين هذا بعد سنة ستين
وسبعمائة فنشأ بها، وحفظ القرآن العزيز [4] ، ثم سكن تلوانة [5]
بالمنوفية أيضا فعرف بالتلواني، ثم قدم القاهرة، وطلب العلم، وأكبّ على
الاشتغال، ولازم السّراج البلقيني وغيره، وأجازه البلقيني بالفتوى
والتدريس، وتصدر لهما، وانتفع به جماعة، وحضر دروسه غالب علماء العصر،
وتولى عدة وظائف دينية وتداريس عديدة، منها تدريس قبّة الشافعي، إلى أن
توفي يوم الاثنين ثالث عشري ذي القعدة وقد أناف على الثمانين وحواسه
سليمة.
وفيها شمس الدّين محمد بن عمّار بن محمد المالكي [6] الإمام العالم
العلّامة.
ولد في حدود الستين وسبعمائة، واشتغل قديما، ولقي المشايخ، وسمع من
كثيرين، وقرأ بنفسه.
قال ابن حجر: وسمع معي بالقاهرة، والإسكندرية، وكان صاحب فنون،
__________
[1] أقول: وهذا أيضا من المبالغات التي تخرج عن الأمور الشرعية. (ع) .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (253) عقب ترجمة أبيه، و «الضوء
اللامع» (1/ 59) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 148) وفيه: «علي بن الحسن بن عمر» و
«الضوء اللامع» (5/ 263) .
[4] لفظة «العزيز» سقطت من «آ» .
[5] انظر «التحفة السّنية» ص (104) .
[6] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 154) و «الضوء اللامع» (8/ 232) و
«الدليل الشافي» (2/ 664) .
(9/368)
وقد جمع مجاميع كثيرة، وشرح «العمدة» وكتب
على «التسهيل» واختصر كثيرا من الكتب المطولة، وسكن بمصر بجوار جامع
عمرو بن العاص، وانتفع به المصريون، وسكن تربة الشيخ أبي عبد الله
الجبرتي بالقرافة مدة، وكان حسن المحاضرة محبا في الصالحين حسن
المعتقد.
وتوفي ليلة السبت رابع عشري ذي الحجة وقد أكمل ستا وثمانين سنة.
انتهى.
(9/369)
سنة خمس وأربعين
وثمانمائة
فيها توفي تقي الدّين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن
محمد بن تميم بن عبد الصّمد المقريزي [1] الحنفي البعلي الأصل المصري
[2] المولد والدار والوفاة الإمام العالم البارع، عمدة المؤرّخين، وعين
المحدّثين.
ولد بعد سنة ستين وسبعمائة، ونشأ بالقاهرة، وتفقه على مذهب الحنفية،
وهو مذهب جدّه العلّامة شمس الدّين محمد بن الصّايغ، ثم تحول شافعيا
بعد مدة طويلة [3] ، وسمع الكثير من البرهان النشاوري، والبرهان
الآمدي، والسّراج البلقيني، والزّين العراقي. وسمع بمكّة من ابن سكّر
وغيره، وله إجازة من الشيخ شهاب الدّين الأذرعي، والجمال الإسنوي،
وغيرهما. وكان علما من الأعلام، ضابطا مؤرّخا، مفنّنا، محدّثا، معظّما
في الدولة [4] ، ولي حسبة القاهرة غير مرّة وعرض عليه قضاء دمشق فأبى،
وكتب الكثير بخطّه، وانتقى، وحصّل الفوائد، واشتهر ذكره في حياته وبعد
موته في التاريخ وغيره، حتى صار يضرب به المثل، وكان منقطعا في داره
ملازما للخلوة والعبادة، قلّ أن يتردد لأحد إلا لضرورة، إلا أنه كان
كثير التعصب على السادة الحنفية وغيرهم لميله إلى مذهب الظاهر.
__________
[1] قال السخاوي في «الضوء اللامع» : «وهي نسبة لحارة في بعلبك تعرف
بحارة المقارزة» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 170) و «الضوء اللامع» (2/ 21) و
«الدليل الشافي» (1/ 63) و «النجوم الزاهرة» (15/ 490) و «حوادث
الدهور» (1/ 63- 68) و «المنهل الصافي» (1/ 394- 399) و «التبر
المسبوك» ص (21- 24) .
[3] قال السخاوي في «الضوء اللامع» : «واستقر عليه أمره» .
[4] في «ط» : «في الدول» .
(9/370)
قال ابن تغري بردي: قرأت عليه كثيرا من
مصنفاته، وكان يرجع إلى قولي فيما أذكره له من الصواب، وأجاز لي جميع
ما تجوز له وعنه روايته.
ومن مصنّفاته «إمتاع الأسماع فيما للنّبي صلى الله عليه وسلم من الحفدة
والمتاع» في ست مجلدات، وكتاب «الخبر عن البشر» ذكر في القبائل لأجل
نسب النّبيّ صلى الله عليه وسلم في أربع مجلدات، وعمل له مقدمة في
مجلد، وله كتاب «السلوك في معرفة دول الملوك» في عدة مجلدات يشتمل على
ذكر الحوادث إلى يوم موته. ذيّلت عليه في حياته من سنة أربعين
وثمانمائة [1] وسميته «حوادث الدّهور في مدى الأيام والشهور» ولم ألتزم
فيه ترتيبه، وله كتاب «درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة»
[2] ذكر فيه من مات بعد مولده إلى يوم وفاته، وكتاب «المواعظ والاعتبار
في ذكر الخطط والآثار» في عدة مجلدات [3] وهو في غاية الحسن. وكتاب
«مجمع الفرائد ومنبع الفوائد» كمل منه نحو الثمانين مجلدا كالتذكرة،
وله غير ذلك.
وتوفي يوم الخميس سادس عشر [4] شهر رمضان بالقاهرة ودفن بمقبرة
الصّوفية خارج باب النصر. انتهى.
وفيها أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح داود بن المتوكل على الله
[5] .
كانت خلافته ثمانية وعشرين سنة وشهرين وتوفي يوم الأحد رابع شهر ربيع
الأول وقد قارب التسعين واستقر بعده شقيقه المستكفي بالله أبو الربيع
سليمان بعهد منه.
__________
[1] قلت: المطبوع منه في دار عالم الكتب ببيروت عام (1410 هـ) بتحقيق
الدكتور محمد كمال الدّين عزّ الدّين علي يبدأ بحوادث سنة (845 هـ) .
[2] حقق ما عثر عليه منه مع دراسة موسعة مفيدة الدكتور محمد كمال
الدّين عزّ الدّين علي ونشره في مجلدين صغيرين في مكتبة عالم الكتب هذا
العام (1412 هـ) .
[3] نشر في مصر قديما بثلاث مجلدات كبار من غير تحقيق وبحرف متعب
للباحث وهو بأمس الحاجة إلى التحقيق والنشر الجديد. وقد نشرت وزارة
الثقافة بدمشق مختصرا له ضمن سلسلة المختار من التراث.
[4] في «الضوء اللامع» : «سادس عشري» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 173) و «الضوء اللامع» (3/ 215) و
«النجوم الزاهرة» (15/ 489) و «حوادث الدهور» (1/ 61- 62) و «الدليل
الشافي» (1/ 296) .
(9/371)
وفيها جمال الدّين عبد الله بن محمد بن
الجلال نائب الحكم الزّيتوني، الشافعي [1] .
قال ابن حجر: أخذ عن شيخنا برهان الدّين الأبناسي وغيره، واشتغل كثيرا،
وتقدم، ومهر، ونظم الشعر المقبول الجيد، وأفاد، وناب في الحكم، وتصدّر،
وكان قليل الشرّ، كثير السّكون والكلام.
وتوفي في يوم الخميس سادس عشر رجب وأظنه قارب السبعين.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن محمد بن الدّماميني- نسبة إلى دمامين
قرية بالصّعيد [2]- الإسكندراني [3] قاضي الإسكندرية.
وليها أكثر من ثلاثين سنة، وكان قليل البضاعة في العلم، لكنه كثير
البذل، ضخم الرئاسة، سخي النّفس، أفنى مالا كثيرا في قيام صورته في
المنصب، ودفع من يعارضه وركبه الدّين، ثم توفي يوم الأحد ثاني عشر ذو
القعدة عن نحو خمس وستين سنة.
وفيها زين الدّين أبو ذرّ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد
الزّركشي المصري [4] الحنبلي المسند العلّامة بن الإمام العلّامة شمس
الدّين أبي عبد الله المتقدم ذكره.
ولد في سابع عشر رجب سنة خمسين وسبعمائة، وسمع الكثير، وانفرد في آخر
عمره بسماع «مسلم» من البياني بسنده فإنه آخر من روى عنه بالسماع، وكان
خيّرا فاضلا، ناب في الحكم بمصر مدة طويلة، واستقرّ في تدريس الأشرفية
المستجدة بالقاهرة في رمضان سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وروى عنه خلق
من
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 173) و «الضوء اللامع» (5/ 60) .
[2] الدمامين من أعمال القوصية. انظر «التحفة السنية» ص (193) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 174) و «الضوء اللامع» (5/ 53) و
«النجوم الزاهرة» (15/ 491) و «حوادث الدهور» (1/ 68) .
[4] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (491) و «الضوء اللامع» (4/ 136)
و «السحب الوابلة» ص (214) .
(9/372)
الأعيان، منهم القاضي عزّ الدّين الكناني
الآتي ذكره، وقاضي القضاة سعد الدّين الدّيري الحنفي، وكمال الدين بن
أبي شريف الشّافعي، وخلق من العلماء، وغيرهم.
وتوفي بالقاهرة في أحد الجمادين.
وفيها زين الدّين [1] أبو محمد [1] وأبو الفرج عبد الرحمن بن يوسف بن
أحمد بن سليمان بن داود بن سليمان بن قريج- بقاف وجيم مصغرا- ابن
الطحّان [2] الحنبلي الصّالحي المسند.
ولد في خامس عشر محرم سنة ثمان وستين وسبعمائة على الصحيح، واعتنى به
أبوه، فأسمعه على صلاح الدّين بن أبي عمر، وعلي بن أميلة جامع
«الترمذي» و «السنن» لأبي داود، و «مشيخة» الفخر بن البخاري، و «عمل
اليوم والليلة» [3] لابن السّني، وعلى زينب بنت قاسم ما في المشيخة من
«جزء الأنصاري» و «صحيح مسلم» وغيرهم. وقرأ بنفسه على ابن المحبّ، وسمع
على أبي الهول علي بن عمر الجزري كتاب «الذّكر» لابن أبي الدنيا. وقرأ
على أحمد بن العماد، وأبي بكر بن العزّ، ومحمد بن الرّشيد، وغيرهم.
وأكثر من الرواية والمشايخ، بحيث صار من كبار المسندين المشار إليهم.
وأخذ عنه خلق كثير، وقدم مصر فأسمع «سنن أبي داود» وقطعة كبيرة من
«المسند» .
وتوفي بقلعة الجبل يوم الاثنين سابع عشري صفر.
وفيها عبد المؤمن ابن المشرقي الشافعي [4] .
قال البرهان البقاعي: نزيل القدس الشريف. مات يوم الجمعة يوم عرفة
بالقدس، وكان يوما مشهودا. وكان فاضلا، وله يد طولى في الوعظ، وله صوت
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 176) و «الضوء اللامع» (4/ 160) و
«المنهج الأحمد» (الورقة (492) و «السحب الوابلة» ص (216) .
[3] في «آ» : «عمل يوم وليلة» .
[4] لم أعثر على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.
(9/373)
عال بحيث إنه إذا وعظ في باب حطّة سمعه من
تحت الزّيتون. انتهى.
وفيها علاء الدّين علي بن إسماعيل بن محمد بن بردس البعلي الحنبلي [1]
الشيخ الإمام المسند المحدّث.
ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وبكّر به أبوه إلى السماع، فأسمعه
كثيرا، وعمّر، وصار إليه المنتهى في علو الإسناد في الدنيا. ورحل إليه
الحافظ شمس الدّين بن ناصر الدّين الدمشقي بجماعة من أهل الشام للسماع
عليه ببعلبك.
وتوفي يوم الثلاثاء العشرين من ذي الحجة. قاله العليمي.
وفيها شمس الدّين محمد بن عمر بن عبد الله بن محمد بن غازي الدّنجاوي
الشافعي [2] الإمام البارع المفنّن الأديب.
ولد بثغر دمياط سنة اثنتين وثمانمائة تقريبا، واشتغل في الفقه
والعربية، فبرع فيهما، وتعانى الأدب، فمهر، وقرّره شرف الدّين يحيى ابن
العطّار في خزانة الكتب بالمؤيدية. وكان خفيف ذات اليد، توعك يسيرا
فرأى في توعكه أنه يؤم بناس كثيرة، وأنه قرأ سورة نوح، ووصل إلى قوله
تعالى: إِنَّ أَجَلَ الله إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ 71: 4 [نوح: 4]
فاستيقظ وجلا فقصّ المنام على بعض أصحابه. وقال: هذا دليل أنني أموت في
هذا الضعف. وكان كما قال.
وتوفي بالقاهرة يوم الثلاثاء حادي عشري ذي القعدة وصلّى عليه بالأزهر
الشّمس القاياتي.
وفيها ضياء الدّين محمد بن محمد بن محمد [3] بن محمد [3] بن
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 139) و «الدليل الشافي» (1/ 451) و
«المنهج الأحمد» الورقة (491- 492) و «السحب الوابلة» ص (290) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 179) و «الضوء اللامع» (8/ 247) .
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
(9/374)
عبد الرزاق بن عيسى بن عبد المنعم بن عمران
بن حجّاج الأنصاري السّفطي [1] .
قال ابن حجر: هو ابن شيخنا ناصر الدّين شيخ الآثار النبوية على شاطئ
النيل.
كان خيّرا، فاضلا، مشهورا بالخير والدّيانة، وولي المشيخة بعد أبيه،
فأقام فيها نيّفا وثلاثين سنة.
وتوفي في شوال.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمود بن محمد البالسي ثم القاهري [2] .
ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة، وسمع الكثير من ابن الملقّن، وصاهره على
ابنته، وسمع من غيره أيضا. واستجاز له ابن الملقّن من مسندي الشام،
منهم عمر بن أميلة، وأحمد بن السّيف، وصلاح الدّين بن أبي عمر، وأحمد
بن المهندس، وآخرون. وحدّث في أواخر عمره، وكان حسن الخطّ، أحد رؤساء
القاهرة.
ناب في الحكم في عدة بلاد.
تمرّض مدة ومات صحيح السّمع والبصر والأسنان.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الصّفطي» بالصاد والتصحيح من «إنباء الغمر» (9/
180) مصدر المؤلف و «الضوء اللامع» (9/ 285) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 180) و «الضوء اللامع» (10/ 44) .
(9/375)
|