شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وأربعين وثمانمائة
فيها توفي زين الدّين عبادة- بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة- ابن علي بن صالح بن عبد المنعم بن سراج بن نجم بن فضل الله [1] بن فهد بن عمرو الأنصاري الخزرجي المالكي النحوي [2] .
قال السيوطي: مشهور باسمه. ولد في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وسبعمائة، ومهر في الفقه والعربية، وسمع الحديث من التّنوخي، والحلاوي، وغيرهما. وصار رأس المالكية، وعيّن للقضاء بعد موت الدمياطي فامتنع، وولي تدريس الأشرفية، والشيخونية، والظّاهرية، وانقطع في آخر عمره إلى الله تعالى، وأعرض عن الاجتماع بالناس، وامتنع من الإفتاء، وانتفع به جماعة، وسمع منه صاحبنا النّجم بن فهد وغيره.
وتوفي في رمضان، وقيل: شوال. انتهى.
وفيها جمال الدّين عبد الله السّنباطي [3] الشافعي الواعظ.
قال ابن حجر: لازم مجلس الشيخ سراج الدّين البلقيني، يقرأ عليه من كلامه، وكلام غيره، وكان يتكلّم على الناس بالجامع الأزهر من نحو سبعين سنة،
__________
[1] لفظ الجلالة سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 193) و «الضوء اللامع» (4/ 16) و «بغية الوعاة» (2/ 26) و «الدليل الشافي» (1/ 380) و «النجوم الزاهرة» (15/ 492) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (359- 360) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 193) و «الضوء اللامع» (5/ 14) و «النجوم الزاهرة» (15/ 494) .

(9/376)


ومع ذلك يشتغل بالعلم ويستحضر في الفقه، وقد ناب في الحكم عن القاضي جلال الدّين وغيره.
وتوفي في رمضان بعد مرض طويل.
وفيها قاضي الأقاليم عزّ الدّين أبو البركات عبد العزيز بن الإمام العلّامة علاء الدّين أبي الحسن علي بن العزّ بن عبد العزيز بن عبد المحمود البغدادي مولدا ثم المقدسي [1] الحنبلي الشيخ الإمام العالم المفسّر.
ولد ببغداد في [2] سنة سبعين وسبعمائة، واشتغل بها. ثم قدم دمشق فأخذ الفقه عن ابن اللحّام، وعرض عليه «الخرقي» واعتنى بالوعظ، وعلم الحديث، ودرّس وأفتى، وله مصنّفات، منها «مختصر المغني» و «شرح الشاطبية» . وصنّف في المعاني والبيان، وجمع كتابا سمّاه «القمر المنير في أحاديث البشير النذير» وولي قضاء بيت المقدس بعد فتنة اللّنك في سنة أربع وثمانمائة، وهو أول حنبلي ولي القدس، وطالت مدته، وجرى له فصول [3] ثم ولي المؤيدية بالقاهرة، ثم ولي قضاء الدّيار المصرية في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين [3] ثم ولي قضاء دمشق في دفعات يكون مجموعها ثمان سنين. وكان يسمّى بقاضي الأقاليم لأنه ولي قضاء بغداد، والعراق، وبيت المقدس، ومصر، والشام. وكان فقيها، ديّنا، متقشفا، عديم التكلّف في ملبسه ومركبه، له معرفة تامّة. ولما ولي قضاء مصر صار يمشي لحاجته في الأسواق ويردف عبده على بغلته، وأشياء من هذا النّسق. وكانت جميع ولايته من غير سعي.
وتوفي بدمشق ليلة الأحد مستهل ذي القعدة، ودفن عند قبر والده بمقابر باب كيسان إلى جانب الطريق. قاله العليمي.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 194) و «الضوء اللامع» (4/ 222) و «النجوم الزاهرة» (15/ 493) و «المنهج الأحمد» الورقة (492) و «السحب الوابلة» ص (221) و «حوادث الدهور» (1/ 80- 82) .
[2] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .

(9/377)


وفيها القاضي جمال الدّين محمد بن عمر بن علي الطّنبذي، المعروف بابن عرب الشافعي [1] .
ولد بعد الخمسين وسبعمائة بيسير، واشتغل، وحفظ «التنبيه» ووقّع على القضاة في العشرين من عمره. شهد على أبي البقاء السّبكي سنة ثلاث وسبعين فأداها بعد نيف وسبعين سنة، وولي حسبة القاهرة، ووكالة بيت المال غير مرة، وناب في الحكم، وجرت له خطوب، وانقطع بأخرة في منزله، مع صحة عقله وقوة جسده، وكان أكثر إقامته ببستان له بجزيرة الفيل، سقط من مكان فانكسرت ساقه فحمل في محفّة من جزيرة الفيل إلى القاهرة فأقام نحو أربعة أشهر، ثم توفي ليلة الخميس الثامن من شهر رمضان.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن محمد البدرشي [2] ثم القاهري الشافعي [3] .
كان إماما عالما.
توفي في شوال عن نحو ستين سنة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 197) و «الضوء اللامع» (8/ 250) .
[2] في «آ» و «ط» : «البدري» والتصحيح من «الضوء اللامع» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 209) .

(9/378)


سنة سبع وأربعين وثمانمائة
فيها توفي زين الدّين أبو بكر بن إسحاق بن خالد الكختاوي المعروف بالشيخ باكير النحوي [1] .
قال السيوطي: ولد في حدود السبعين وسبعمائة، وكان إماما عالما بارعا متفننا في علوم، وتفرّد بالمعاني والبيان، وفي لسانه لكنة، مع سكون، وعقل زائد، وحسن شكل، وشيبة منوّرة، وجلالة عند الخاص والعام.
ولي قضاء حلب فحمدت سيرته، وأفتى ودرّس بها، واستدعاه الملك الأشرف برسباي إلى مصر، وولاه مشيخة الشيخونية بحكم وفاة البدر القدسي، وانتفع به جماعة. وممن أخذ عنه والدي- رحمه الله تعالى-.
مات ليلة الأربعاء ثالث عشر جمادى الأولى. انتهى.
وفيها نور الدّين علي بن أحمد بن خليل بن ناصر بن علي بن طيء المشهور قديما بابن السقطي، وأخيرا بابن بصّال الإسكندراني الأصل [2] .
ولد سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة.
قال ابن حجر: واشتغل كثيرا في عدة فنون، ولم يكن بالماهر وكان يتعانى توقيع الإنشاء، وسمع من سراج الدّين بن الملقّن وغيره، وكتب بخطّه كثيرا من
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 26) و «بغية الوعاة» (1/ 467) و «النجوم الزاهرة» (15/ 501) و «حوادث الدهور» (1/ 100) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 215) و «الضوء اللامع» (1/ 166) .

(9/379)


تصانيف ابن الملقّن. وحدّث باليسير، ولازم مجالس الإملاء عندي نحوا من عشرين سنة.
وتوفي آخر يوم الأربعاء ثالث عشري رجب [1] . انتهى.
وفيها ناصر الدّين [2] أبو المعالي محمد بن السلطان الظّاهر جقمق [3] .
ولد في رجب سنة ست عشرة وثمانمائة، وقرأ القرآن، واشتغل بالعلم، وحفظ كتبا، ومهر في مدة يسيرة، ولازم الشيخ سعد الدّين بن الدّيري قبل أن يلي القضاء، وأخذ عن الكافيجي وغيره، وكان محبا في العلم والعلماء، وولي الإمرة بعد سلطنة أبيه بقليل، وجلس رأس الميسرة، وأصابه مرض السّلّ، ثم بعده توفي ليلة السبت الثاني عشر من ذي الحجّة بعلّة البطن في القاهرة.
وفيها جمال الدّين يوسف بن محمد بن أحمد بن المجبّر التّزمنتي [4]- بكسر المثناة الفوقية، وسكون الزاي، والنون، وفتح الميم، وآخره فوقية، نسبة إلى تزمنت [5] قرية من عمل البهنسا-.
ولد سنة سبعين وسبعمائة.
قال ابن حجر: كان فاضلا. اشتغل ودار على الشيوخ، ودرّس في أماكن، وناب في الحكم عن علم الدّين البلقيني. وكان صديقه.
وتوفي ليلة الجمعة خامس عشر رجب. انتهى. أي واختلط قبل موته، والله تعالى أعلم.
__________
[1] في «ط» : «جمادى الأولى» وهو خطأ.
[2] في «ط» : «نور الدين» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 216) و «الضوء اللامع» (7/ 210) و «النجوم الزاهرة» (15/ 502) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 219) .
[5] انظر «التحفة السنية» ص (165) .

(9/380)


سنة ثمان وأربعين وثمانمائة
فيها كان بالقاهرة الطّاعون العظيم بحيث كان يخرج في اليوم الواحد ما يزيد على الألف [1] .
وفيها توجه الشيخ شمس الدّين محمد بن أحمد الفرياني- بضم الفاء، وكسر الراء المشددة، نسبة إلى فرّيانة قرية قرب سفاقس- المغربي إلى جبال حميدة بالأرض المقدسة، وهي جبال شاهقة صعبة المرتقى ليس لها مسلك يسع أكثر من واحد وبأعلى جبل منها سهلة بها مزدرع وعيون ماء وكروم، وأقوام في غاية المنعة والقوة، من التجأ إليهم أمن ولو حاربه السلطان فمن دونه، فنزل الفرّياني عندهم، وادعى أنه المهدي، وقيل: ادعى أنه القحطاني، وراج أمره هناك، وكان قدم القاهرة وأكثر التّردد إلى المقريزي وواظب الجولان في قرى الرّيف الأدنى بعمل المواعيد ويذكّر الناس، وكان يستحضر كثيرا من التواريخ والأخبار الماضية، ويدّعى معرفة الحديث النّبوي ورجاله، وتحوّل عن مذهب مالك، وادعى أنه يقلّد الشافعي، وولي قضاء نابلس إلى أن ظهر منه ما ظهر [2] .
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن إبراهيم الفيشي [3]- بالفاء والشين المعجمة بينهما تحتية مثناة- الحنّائي- بكسر المهملة وتشديد النون مع المد [4]- النحوي المالكي.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (9/ 219- 220) و «حوادث الدهور» (1/ 103- 104) .
[2] انظر خبره في «إنباء الغمر» (9/ 226- 228) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 228) و «الضوء اللامع» (2/ 69) و «بغية الوعاة» (1/ 356) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (80- 81) .
[4] تنبيه: كذا قيدها المؤلف رحمه الله، والذي في «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «الحنّاوي» .

(9/381)


ولد في شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة.
قال ابن حجر: سمع من جماعة قبلنا، وسمع معنا من شيوخنا، وقرأ بنفسه، وطلب، وولي نيابة الحكم، ودرّس في أماكن. وكان من الصّوفية البيبرسية. وكان وقورا، ساكنا، قليل الكلام، كثير الفضل، انتفع، به جماعة في العربية وغيرها.
وقال السيوطي: ألّف في النحو، وسمع منه صاحبنا ابن فهد.
وتوفي ليلة ثامن عشر جمادى الأولى.
وفيها زين الدّين عبد الرحيم بن علي الحموي الواعظ، المعروف بابن الآدمي [1] .
قال ابن حجر: تعانى عمل المواعيد فبرع فيها، واشتهر، وأثرى، وقدم القاهرة بعد اللّنكية فاستوطنها إلى أن مات. وولي في غضون ذلك خطابة المسجد الأقصى ثم صرف، واستمرّ في عمل المواعيد والكلام في المجالس المعدة لذلك، واشتهر اسمه، وطار صيته، وكان غالب لا يقرأ إلّا من كتاب، مع نغمة طيبة وأداء صحيح. وكان يقرأ «صحيح البخاري» في شهر رمضان في عدة أماكن إلى أن مات فجأة في الثاني من ذي القعدة بعد أن عمل يوم موته الميعاد في موضعين وقد جاوز الثمانين، وترك أولادا أحدهم شيخ يقرب من الستين.
وفيها زين الدّين عبد الخلاق بن أحمد بن الفرزان [2] الحنبلي الشيخ الإمام توفي بنابلس في هذه السنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عمر بن كميل المنصوري الشافعي، الشهير بابن كميل [3] .
قال ابن حجر: اشتغل كثيرا، وحفظ «الحاوي» ونظم الشعر ففاق الأقران.
عرفته سنة أربع وعشرين، حججنا جميعا، وكنا نجتمع في السير ونتذاكر في
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 229) و «الضوء اللامع» (3/ 170) .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (492) و «السحب الوابلة» ص (194) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 230) و «الضوء اللامع» (7/ 28) .

(9/382)


الفنون. وكان يتناوب نيابة الحكم بالمنصورة هو وبن عمّه شمس الدّين محمد بن خلف بن كميل، ويتعاهد السفر للقاهرة في كل سنة مرّة أو مرتين، وله مدائح نبوية مفلقة، وقصائد في جماعة من الأعيان ثم استقلّ بقضاء المنصورة، وضم إليه سلمون، ثم زدته مينة بني سلسيل فباشر ذلك كله، وكان مشكور السيرة، ونشأ له ولد اسمه أحمد فنبغ واغتبط به.
مات [1] أي في ذي القعدة [1] شمس الدّين فجأة وذلك أنه توجه إلى سلمون فنزل في المسجد وله فيه خلوة فوقها طبقة وللطبقة سطح مجاور المئذنة فاتفق هبوب ريح عاصف في تلك الليلة واشتد في آخرها، وفي أول النهار، فصلّى الصبح، ودخل خلوته فقصف الرّيح نصف المئذنة فوقع على سطح الطبقة، فنزل به إلى سطح الخلوة فنزل الجميع على الخلوة وشمس الدّين لم يشعر بذلك حتّى نزل الجميع عليه. وجاء الخبر إلى ولده، فتوجه من المنصورة مسرعا فنبش عنه، فوجد الخشب مصلبا عليه، ولم يخدش شيء من جسمه، بل تبين أنه مات غمّا لعجزه عن التخلص.
وفيها الخواجا الكبير الشّمس محمد بن علي بن أبي بكر بن محمد الحلبي، ثم الدمشقي، ويعرف بابن المزلق [2] .
كان ذا ثروة كبيرة ومآثر حسنة بالشام وغيرها.
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 173) .

(9/383)


سنة تسع وأربعين وثمانمائة
فيها في ليلة الجمعة ثامن المحرم سقطت بالقاهرة المنارة التي بالمدرسة الفخرية في سويقة الصاحب التي أنشئت بعد الستمائة بقليل وهلك في الروم جماعة كثيرة [1] .
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الذّهبي، المعروف بابن ناظر الصحابية الحنبلي [2] ، المسند المعدل الضابط.
ولد سنة ست وستين [3] وسبعمائة.
قال ابن حجر: وسمع على محمد بن الرّشيد، وعبد الرحمن المقدسي «جزء أبي الجهم» أنا الحجّار. وسمع على والده شيخنا، وعلى ابن المهندس الحنفي جميع رسالة الحسن البصري إلى عبد الرحمن الرفادي يرغبه في المقام بمكّة، وعلى العماد الخليل قالا: أنا الحجّار، وسمع على الشّهاب أحمد بن العزّ.
وذكر لي شيخنا الإمام المحدّث الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن ناصر الدّين- رحمه الله- غير مرّة أنه قال: ذكر لي والده [4]- يعني
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (9/ 232) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 238) و «الضوء اللامع» (1/ 324) و «السحب الوابلة» ص (64) .
[3] قال السخاوي في «الضوء اللامع» : «ولد في سنة اثنتين وستين وسبعمائة وأرخه بعضهم بسنة ست وستين لغرض» .
[4] لفظة «والده» لم ترد في «ط» .

(9/384)


زين الدّين بن ناظر الصاحبة- أنه قال: ما فرحت بشيء أعظم من أني أحضرت ولدي هذا يعني أحمد المذكور جميع «مسند الإمام أحمد» على البدر أحمد بن محمد بن محمود بن الزقاق بن الجوخي، أنا زينب بنت مكّي، أنا حنبل. قال شيخنا ابن ناصر الدّين: وكان شيخنا زين الدّين بن ناظر الصّاحبة من الثقات.
قدم القاهرة فحدّث بها بالمسند وغيره، ثم رجع إلى بلده فمات في هذه السنة. انتهى كلام ابن حجر.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن عمر النّحريري، المعروف بالسعودي الشافعي [1] .
ولد سنة ست وخمسين وسبعمائة، وحفظ القرآن، و «التنبيه» وغير ذلك، وطلب العلم، وجلس مؤدّبا للأولاد مدة، ثم قدم القاهرة في حدود التسعين فأجلس مع الشهود، ولازم البلقيني الكبير وخدمه، وصار يجمع له أجرة أملاكه، وهو مع ذلك يؤدّب الأولاد، وخرج من تحت يده جماعة فضلاء، وكان كثير المذاكرة، وحجّ فأخذ عن جماعة هناك، ودخل بيت المقدس فسمع من شهاب الدّين بن الحافظ صلاح الدّين العلائي. ومن ابن خاله شمس الدّين القلقشندي، وغيرهما.
ومرض مرضا شديدا في حدود سنة ثلاثين، فلما عوفي منه عمي وتنوعت عليه في آخر عمره الأمراض، حتى ثقل سمعه جدا، وأقعد، ولسانه لا يفتر عن التّلاوة إلى أن توفي فجأة في العشر الأخير من شهر رمضان.
وفيها شمس الدّين محمد بن إسماعيل بن محمد بن أحمد الونائي- بفتح الواو والنون نسبة إلى ونا قرية بصعيد مصر- القرافي [2] الشافعي.
ولد سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، واشتغل بالعلم، وأخذ عن الشيخ شمس الدّين البرماوي وطبقته، واشتهر بالفضل، وتزوّج إلى الشيخ نور الدّين
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 241) و «الضوء اللامع» (7/ 30) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 242) و «النجوم الزاهرة» (15/ 509) و «الضوء اللامع» (7/ 140) و «حسن المحاضرة» (1/ 440) .

(9/385)


التلواني، وصحب جماعة من الأعيان، ونزل في المدارس طالب ثم تدريسا، وولي تدريس الشيخونية، ثم ولي قضاء الشام مرتين، ثم رجع بعد أن استعفي من القضاء فأعفي، وذلك سنة سبع وأربعين فسعى في تدريس الصّلاحية بجوار الشافعي فباشرها سنة ونيّفا، ثم ضعف نحو الشهرتين إلى أن توفي في يوم الثلاثاء سابع عشر صفر.
وفيها شمس الدّين محمد بن خليل بن أبي بكر الحلبي الأصل الغزّي القدسي [1] .
كان مقرئا، بارعا، صاحب فضائل، وله «بديعية» عارض بها الصّفي الحلّي.
وتوفي في رجب وقد جاوز السبعين.
وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن قاضي القضاة زين الدّين عبد الرحمن بن علي التّفهني الحنفي [2] .
ولد قبيل القرن، واشتغل كثيرا، ومهر، وكان صحيح الذّهن، حسن المحفوظ، كثير الأدب والتواضع، عارفا بأمور دنياه، مالكا لزمام أمره، ولي في حياة والده قضاء العسكر وإفتاء دار العدل، وتدريس الحديث بالشيخونية. وولي بعد وفاة والده تدريس الفقه بها، ومشيخة البهائية الرّسلانية، وتدريس الفانبيهية بالرّميلة، وحصلت له محن من جهة تغري بردي الدّويدار مع اعترافه بإحسان والده له، ومرض مرضا طويلا إلى أن مات في ثامن شهر رمضان.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عمر بن أحمد الواسطي الأصل ثم الغمري ثم المحلّي الشافعي، المعروف بالغمري [3] .
__________
[1] ترجمته في «التبر المسبوك» (135) و «الضوء اللامع» (11/ 266) و «الأعلام» (6/ 117) .
[2] ترجمته في «التبر المسبوك» ص (136) و «إنباء الغمر» (9/ 243) و «الضوء اللامع» (7/ 293) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 244) و «الضوء اللامع» (8/ 238) و «التبر المسبوك» ص (136) .

(9/386)


ولد سنة ست وثمانين وسبعمائة بمينة غمر، ونشأ بها فحفظ القرآن، و «التنبيه» ثم قدم القاهرة فأقام بالجامع الأزهر للاشتغال مدة، وأخذ الفقه عن شيوخ الجامع، وعن المارديني في الميقات، وتدرّب بغيره في الشهادة، وتكسّب بها قليلا. وكان في غاية التقلل، حتّى كان يقع له أنه يطوي أسبوعا كاملا، ويتقوت بقشر الفول، وقشر البطيخ، ونحو ذلك. وتكسب ببلده وببلبيس بالعطر حرفة أبيه.
وكان يطلب منه الشيء فيبذله لطالبه مجانا، فيجيء والده فيسأله ما بعت فيقول:
كذا وكذا بلاش، فيحمده ويدعو له. ثم أعرض عن جميع ذلك ولازم التجرد والتعبد، واعتزل دهرا طويلا بعد ما تفقه، وصحب غير واحد من سادات الصّوفية، حتى فتح له، وأذن له في التربية والإرشاد، وتصدى لذلك بكثير من النواحي، وقطن المحلّة الكبرى، ووسع المدرسة الشمسية، وأحكم بناءها. ثم عمر بالقاهرة بخط سوق أمير الجيوش جامعا كانت الخطة مفتقرة إليه جدا. واشتهر صيته، وكثر أتباعه، وذكرت له أحوال وخوارق، وجدّد عدة مواضع بكثير من الأماكن، يعجز عنها السلطان وقصد للزيارة والتبرك من جميع الأقطار، كل جميع ذلك مع الزّهد والتحذير من البدع والحوادث والإعراض عن أبناء الدنيا وأرباب المناصب. وحجّ مرارا، وجاور، وزار بيت المقدس.
ومن تصانيفه كتاب «النّصرة في أحكام الفطرة» و «محاسن الخصال في بيان وجوه الحلال» و «العنوان في تحريم معاشرة الشباب والنسوان» و «المحكم المضبوط في تحريم عمل قوم لوط» و «الانتصار لطريق الأخيار» و «الرياض المزهرة في أسباب المغفرة» و «قواعد الصوفية» و «الحكم المشروط في بيان الشروط» جمع فيه شروط أبواب الفقه ومنح المنة في التلبس بالسنة في أربع مجلدات والوصية الجامعة والمناسك.
ومن كراماته أنه دخل عليه أحمد النحّال فوجد له سبع أعين فغشي عليه فلما أفاق قال له الشيخ إذا كمل الرجل صار له سبع أعين على عدد أقاليم الدنيا [1] .
ومنها أنه كان يقعد في الهواء متربعا أخبر القاضي زكريا أنه رآه كذلك.
__________
[1] أقول: هذا ليس من الكرامات، وإنما هو من الشطحات. (ع) .

(9/387)


وتوفي يوم الثلاثاء آخر يوم من شعبان بالمحلّة الكبرى، ودفن في جامعه.
وفيها شمس الدّين محمد بن أمين الدّين محمد بن أحمد المنهاجي [1] الشافعي وأبوه سبط الشيخ شمس الدّين بن اللبّان.
ولد سنة سبعين وسبعمائة، وحفظ القرآن، و «التنبيه» وولي حسبة مصر، وكان مثريا، وناب في الحكم مرارا، ولا زال ينخفض ويرتفع إلى أن مات.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 245) و «الضوء اللامع» (9/ 50) و «التبر المسبوك» ص (149) .

(9/388)


سنة خمسين وثمانمائة
فيها تم تاريخ ابن حجر «إنباء الغمر» .
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن رضوان الحلبي الشافعي.
قال ابن حجر: كان ممن اشتغل بالفقه ومهر وتميّز ونزل في المدارس بحلب، وولي بعض التداريس، وناب في الحكم، ثم صحب ولد السلطان الظّاهر جقمق لما أقام مع والده بحلب فاختص به، ثم قدم عليه القاهرة فلازمه حتّى صار إماما له. وكان ممن مرّضه في ضعفه الذي مات فيه، وقرّرت له بجاهه وظائف، وندبه السلطان في الرسيلة إلى حلب في بعض المهمات، فلما مات ولد السلطان رقّت حاله واستعيد منه التدريس الذي كان استقرّ فيه بحلب، ثم توجه إلى الحجّ في العام الماضي فسقط عن الجمل فانكسر منه شيء، ثم تداوى، فلما رجع سقط مرّة أخرى فدخل القاهرة مع الركب، وهو سالم إلى أن مات، وكان ينسب إلى شيء يستقبح ذكره، والله أعلم بسريرته. انتهى.
وفيها تقريبا برهان الدّين إبراهيم بن عبد الخالق السّيليّ [1] الحنبلي [2] شيخ الحنابلة بنابلس.
قال العليمي: كان من أهل العلم، ويقصده الناس للكتابة على الفتوى وعبارته حسنة جدا لكن خطّه في غاية الضعف.
وتوفي بمكة المشرّفة ودفن باب المعلاة.
__________
[1] قال السخاوي في «الضوء اللامع» (11/ 208) : «نسبة إلى سيلة قرية بالقرب من القدس» .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (492) و «السحب الوابلة» ص (26) وجاء في متنه توفي بمكة المشرّفة سنة خمس وثمانمائة والصواب ما جاء في حاشية فلتصحح.

(9/389)


وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يوسف المرداوي [1] الحنبلي الإمام الحافظ المفنّن العلّامة، أحد مشايخ المذهب.
أخذ الفقه عن الشيخ علاء الدّين بن اللحّام [وكان من أهل العلم والدّين] باشر القضاء بمردا مدة طويلة، وكان يقصد بالفتاوى من كل إقليم.
ومن تلامذته الأعيان شمس الدّين العليمي وغيره، وعرض عليه قضاء حلب فامتنع، واختار قضاء مردا، وكان يكتب على الفتاوى بخط حسن وعبارة [2] جيدة تدل على تبحره وسعة علمه. وكان إماما في النحو يحفظ «محرّر» الحنابلة و «محرّر» الشافعية. وإذا سئل عن [3] مسألة أجاب عنها على مذهبه ومذهب غيره.
وتوفي بمردا في صفر وقد جاوز السبعين.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن رجب بن طيبغا، الشهير بابن المجدي الشافعي [4] الفرضي العلّامة.
ولد بالقاهرة سنة سبع وستين وسبعمائة، ونشأ بها، ولازم علماء عصره، وجدّ في الطلب إلى أن برع في الفقه، والفرائض، والحساب، والعربية، وشارك في علوم كثيرة غيرها، كالهندسة، والميقات، وفاق فيها أهل عصره، وانفرد بها، وما زال مستمرا، على الاشتغال والإشغال، وصنّف تصانيف كثيرة مشهورة، منها «شرح الجعبرية» في الفرائض، إلى أن توفي ليلة السبت حادي عشر ذي القعدة.
وفيها الشمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن يعقوب القاياتي- بالقاف وبعد الألف الأولى ياء تحتية، وبعد الثانية مثناة فوقية، نسبة إلى قايات بلد
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 252) و «المنهج الأحمد» الورقة (493) وما بين الحاصرتين زيادة منه و «السحب الوابلة» ص (118) .
[2] في «ط» : «وعبارته» وهو خطأ.
[3] لفظة «عن» سقطت من «آ» .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 300) و «حسن المحاضرة» (1/ 440) و «البدر الطالع» (1/ 56) و «النجوم الزاهرة» (15/ 515) .

(9/390)


قرب الفيّوم- ثم القاهري الشافعي [1] قاضي القضاة ومحقّق الوقت، وعلّامة الآفاق.
ولد سنة خمس وثمانين وسبعمائة تقريبا [2] ، وحضر دروس السّراج البلقيني، وأخذ عن البدر الطّنبذي، والعزّ بن جماعة، والعلاء البخاري، وغيرهم. وبرع في الفقه والعربية والأصلين والمعاني، وسمع الحديث، وحدّث باليسير. وولي تدريس البرقوقية، والأشرفية، والشافعي، والشيخونية، وقضاء الشافعية بمصر فباشره بنزاهة وعفّة. وأقرأ زمانا، وانتفع به خلق، وشرح «المنهاج» .
توفي ليلة الاثنين ثامن عشري المحرم بالقاهرة، رحمه الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 212) و «النجوم الزاهرة» (15/ 513) و «حسن المحاضرة» (1/ 440) .
[2] لفظة «تقريبا» سقطت من «آ» .

(9/391)