شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وخمسين
وثمانمائة
فيها توفي زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن ابن الشيخ تقي الدّين أبي
الصّدق أبي بكر بن الشيخ نجم الدّين أبي سليمان داود بن عيسى الحنبلي
الدمشقي الصّالحي الصّوفي القادري البسطامي [1] شيخ الطّريقة، وعلم
الحقيقة، العالم الناسك.
ولد سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، وتفقه بجماعة، منهم برهان الدّين،
وأكمل الدين ابنا شرف الدّين بن مفلح صاحب «الفروع» وتخرّج بجماعة،
منهم والده. ونشأ على طريقة حسنة، ملازما للذكر وقراءة القرآن والأوراد
التي رتّبها والده.
كان محبّبا إلى الناس، يتردد إليه النّواب، والقضاة، والفقهاء، من كل
مذهب.
اشتغل في فنون كثيرة، وكتب بخطّه الحسن كثيرا، وألّف كتبا عديدة، منها
«الكنز الأكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وهو أجلّها، وكتاب
«نزهة النّفوس والأفكار في خواص النبات والحيوان والأحجار» وكتاب
«الدرّ المنتقى المرفوع في أوراد اليوم والليلة والأسبوع» و «المولد
الشريف» .
وكان بشوشا يتعبّد بقضاء الحوائج، مسموع الكلمة في الدولة الأشرفية
والظّاهرية، وتكلّم على مدرسة الشيخ أبي عمر، والبيمارستان القيمري،
فحصل
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 62) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص
(124- 125) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 202) .
(9/421)
له [1] به النّفع من عمارة جهاتهما، وعمل
مصالحهما، ورغب الناس في نفع الفقراء بكل ممكن.
وتوفي ليلة الجمعة سلخ ربيع الآخر، ودفن بالتربة التي أنشأها قبلي
زاويته المشرفة على الطريق يمين الداخل.
أخبرني أخي في الله الشيخ أحمد بن علي بن أبي سالم أنه سلّم عليه فردّ
عليه السلام من قبره [2] ، رحمه الله تعالى.
وفيها القاضي أمين الدّين عبد الرحمن بن قاضي القضاة شمس الدّين محمد،
وأخو شيخ الإسلام سعد الدّين بن عبد الله بن الدّيري العبسي المقدسي
الحنفي [3] ، ناظر حرمي القدس والخليل.
ولد بالقدس في شعبان سنة سبع عشرة وثمانمائة، وحفظ القرآن العزيز، وبعض
مختصرات في مذهبه، وتفقه بأخيه سعد الدّين، وغلب عليه الأدب، وقال
الشعر الجيد، وكان له خفّة وزهو، ويتزيّا بزيّ الأمراء، وله كرم وإفضال
على ذويه، وربما يتحمل من الديون جملا بسبب ذلك.
وتوفي على نظر القدس الشريف في أوائل ذي الحجّة.
وفيها علي [4] الدّين أبو الفتوح علي بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن
إسماعيل بن علي القلقشندي الشافعي القرشي [5] .
ولد بالقاهرة في ذي الحجّة سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ونشأ بها، وحفظ
__________
[1] لفظة «له» لم ترد في «آ» .
[2] أقول: هذا من المبالغات والشطحات التي لا دليل عليها، فردّ السلام
في القبر خاص بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم لحديث «ما من أحد يسلّم عليّ
إلا ردّ الله عليّ روحي حتى أردّ عليه السلام» . رواه أبو داود رقم
(2041) وإسناده حسن. (ع)
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 134) و «الدليل الشافي» (1/ 406) .
[4] في «ط» : «علاء» وهو خطأ
[5] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 161) و «نظم العقيان» ص (130) و «حسن
المحاضرة» (1/ 443) و «النجوم الزاهرة» (16/ 12) و «معجم الشيوخ» لابن
فهد ص (166) و «الدليل الشافي» (1/ 450) .
(9/422)
القرآن العظيم وعدة متون في مذهبه، وتفقّه
بعلماء عصره، كالسّراج البلقيني، وولده جلال الدّين، والعز بن جماعة،
وسراج الدّين ابن الملقّن، وغيرهم. وأخذ الحديث عن الزّين العراقي،
والنّور الهيثمي، وسمع على جماعة منهم البرهان الشامي، والعلاء بن أبي
[1] المجد، والجمال الحلاوي، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية،
والمعاني، والبيان، والقراآت، وشارك في عدة علوم، وتصدى للإفتاء،
والتدريس، والأشغال، وانتفع به الطلبة. وتفقّه به جماعة من الأعيان.
وولي تدريس الشافعي، وطلب إلى قضاء دمشق فامتنع، ورشح لقضاء القضاة
بالديار المصرية غير مرة، وتصدّر للتدريس وسنّة دون العشرين، وولي عدة
مدارس.
وتوفي أول يوم من هذه السنة.
وفيها القاضي كمال الدّين محمد بن محمد [2] بن محمد [2] بن عثمان بن
محمد الجهني الأنصاري الحموي ثم القاهري الشافعي [3] أوحد الرؤساء،
كاتب السرّ، بمصر.
كان إماما، عالما، ناظما، نائرا.
ولد بحماة في ذي الحجّة سنة ست وتسعين وسبعمائة، ونشأ بها تحت كنف
والده، وحفظ القرآن العظيم، و «التمييز» في الفقه، وقرأه على الحافظ
برهان الدّين الحلبي، المعروف بالقوف. ثم قدم الدّيار المصرية مع
والده، فتفقه بالولي العراقي، والعزّ بن جماعة، وأخذ عنهما العقليات،
وعن القاضي شمس الدّين البساطي المالكي، وغيرهم. وأخذ النحو عن الشيخ
يحيى المغربي العجيسي، واجتهد في التحصيل، وساعده فرط ذكائه واستقامة
ذهنه، حتى برع في المنطوق والمفهوم، وصارت له اليد الطولى في المنثور
والمنظوم.
__________
[1] لفظة «أبي» سقطت من «آ» .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 236) و «نظم العقيان» ص (168) و
«معجم الشيوخ» لابن فهد ص (279- 280) و «النجوم الزاهرة» (16/ 13) و
«الدليل الشافي» (2/ 677) .
(9/423)
ومن شعره ما كتب [1] به على سيرة ابن ناهض
تهكّما بعد كتابة والده:
مرّت على فهمي وحلو لفظها ... مكرّر فما عسى أن أصنعا
ووالدي دام بقا سؤدده ... لم يبق فيها للكمال موضعا
وولي قضاء قضاة دمشق، وحج.
قال في «المنهل» : وكان أعظم من رأينا في هذا العصر.
وتوفي بالقاهرة يوم الأحد سادس عشري صفر.
وفيها يوسف بن الصّفّي الكركيّ ثم القاهري [2] .
كان فاضلا أديبا.
ومن شعره [3] :
كلّ يوم إلى ورا ... بدّل البول بالخرا
فزمانا تهوّدا ... وزمانا تنصّرا
وستصبو إلى المجو ... س إن الشّيخ عمّرا
توفي في رجب عن نحو تسعين سنة.
__________
[1] في «ط» : «ما كتبه» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 318) و «النجوم الزاهرة» (16/ 21) و
«الدليل الشافي» (2/ 802) .
[3] تنبيه: هكذا عزا المؤلف الأبيات لصاحب الترجمة وهو وهم منه،
والصواب كما قال السخاوي نقلا عن المقريزي بأنها لأبي القاسم خلف بن
فرج الألبيري المعروف بالسمير. وانظر التفاصيل في ترجمته في «الضوء
اللامع» (10/ 318) .
(9/424)
سنة سبع وخمسين
وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي بن أبي بكر النّاشري [1]
الإمام العالم [2] .
توفي في حياة أبيه عن بضع وأربعين سنة.
وفيها الملك الظّاهر أبو سعيد جقمق بن عبد الله العلائي الظّاهري [3] ،
سلطان الديار المصرية، والبلاد الشامية، والأقطار الحجازية، الرابع
والثلاثون من ملوك التّرك، والعاشر من الجراكسة. جلب من بلاد الجركس
إلى الدّيار المصرية.
آل أمره بعد تنقلات وتقلبات إلى أن ولي السلطنة، وتوطدت له الدولة
خصوصا بعد أن قتل نائب حلب ونائب الشام [4] لما خرجا عن طاعته، وصفا له
الوقت، وغزا في أيامه رودس ولم يفتحها، وعمّر في أيامه أشياء كثيرة من
مساجد، وجوامع، وقناطر، وجسور، وغير ذلك مما فعله هو وأرباب دولته،
وعمّر عين حنين، وأصلح مجاريها، وعمّر مسجد الخيف بمنى، وجدّد في الحرم
الشريف مواضع، ورمّم [5] الكعبة، وصرف مالا عظيما في جهات الخير، وله
مآثر حميدة.
وكان مغرما بحب الأيتام والإحسان إليهم وإلى غيرهم، متواضعا، محبّا
للعلماء،
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 146) .
[2] قال السخاوي: درّس وأفتى، واشتغل أولا بالقراءات السبع، له يد طولى
في الجبر والمقابلة.
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 71) و «حوادث الدهور» (2/ 460- 463)
و «النجوم الزاهرة» (15/ 256 و 449- 454) و «الدليل الشافي» (1/ 246) و
«نظم العقيان» ص (103) .
[4] في «آ» : «ونائب دمشق» .
[5] في «ط» : «ورم» .
(9/425)
والفقهاء، والأشراف، والصالحين، يقوم لمن
يدخل عليه منهم، جوادا، برّا، طاهر الفم والذيل، فقيها، فاضلا، شجاعا،
عارفا بأنواع الفروسية، لم يزن، ولم يلط، ولم يسكر، عفيفا عن المنكرات
والفروج، لا نعلم أحدا من ملوك مصر في الدولة الأيوبية والتّركية على
طريقته من العفّة والعبادة، مرض في أواخر ذي الحجة سنة ست وخمسين، وطال
به المرض إلى أن خلع نفسه من السلطنة في يوم الخميس الحادي والعشرين من
محرّم هذه السنة، وسلطن ولده الملك المنصور عثمان.
ثم توفي ليلة الثلاثاء ثالث صفر بعد خلعه باثني عشر يوما عن نيف
وثمانين سنة، وكانت مدة سلطنته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر، ثم خلع ولده
المنصور بعد أربعين يوما من ولايته وحبس بالإسكندرية.
وتولى السلطنة الملك الأشرف إينال.
قلت: وجقمق هذا غير جقمق [1] باني الجقمقية بقرب دمشق، فإن ذاك كان
أمير دوادارا ثم ناب في دمشق، وتقدم ذكره في سنة أربع وعشرين
وثمانمائة.
وفيها أبو القاسم محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن جعمان الصّوفي [2] ،
وبنو جعمان [3] بيت علم وصلاح قل أن يوجد لهم نظير في اليمن.
قال المناوي في «طبقات الأولياء» في حقّ صاحب الترجمة: كان إماما،
عالما، عارفا، محقّقا، عابدا، زاهدا، مجتهدا. أخذ عن النّاشري وغيره،
وانتهت إليه الرئاسة في العلم والصّلاح في اليمن، وله كرامات، منها أنه
كان يخاطبه الفقيه أحمد بن موسى عجيل من قبره، وإذا قصده أحد في حاجة
توجه إلى قبره فيقرأ عنده ما تيسر من القرآن ثم يعلمه فيجيبه [4] .
انتهى.
__________
[1] لفظة «جقمق» سقطت من «ط» .
[2] لم أعثر على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع المطبوعة،
و «طبقات الأولياء» للمناوي مخطوط يوجد القسم الأول منه فقط في
الظاهرية وهو في الطبقات المبكرة من الأولياء فقط.
[3] قال الامام الشوكاني في «ملحق البدر الطالع» ص (7) في حديث عن
العلّامة الشيخ إبراهيم بن عبد الله بن جعمان اليمني الزّبيدي ما نصه:
«جعمان: بفتح الجيم، وسكون العين المهملة» .
[4] قلت: هذا وأمثاله من الشطحات التي تبدو آفتها للجاهل قبل العالم من
الناس، فهل حصل هذا
(9/426)
وفيها أبو القاسم محمد بن محمد بن محمد بن
علي بن محمد النّويري القاهري المالكي [1] .
اشتغل على علماء عصره، ومهر، وبرع، ونظم ونثر، وكان علّامة.
وتوفي بمكة في جمادى الأولى.
وفيها أكمل الدّين أبو عبد الله محمد بن الشيخ شرف الدّين عبد الله [2]
بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرّج [3] الشيخ الإمام العلّامة المفتي
الحنبلي.
اشتغل بعد فتنة تمرلنك، ولازم والده، ومهر على يديه، وكان له فهم صحيح،
وذهن مستقيم، وسمع من والده، والشيخ تاج الدّين بن بردس، وأفتى في حياة
والده وبعد وفاته، وناب في الحكم عن القاضي محب الدّين بن نصر الله
بالقاهرة، وعيّن لقضاء دمشق فلم ينبرم ذلك، وكان له سلطنة على الأتراك،
ووعظ، ووقع له مناظرات مع جماعة من العلماء والأكابر، وحصل له في سنة
ثلاث وأربعين داء الفالج، وقاسى منه أهوالا، ثم عوفي منه، ولكن لم
يتخلص منه [4] بالكلية.
وتوفي بدمشق ليلة السبت سادس عشر شوال، ودفن بالروضة على والده إلى
جانب جدّه صاحب «الفروع» رحمهم الله تعالى.
وفيها قاضي القضاة بدر الدّين أبو المحاسن محمد بن ناصر الدّين للصحابة
الكرام وللتابعين وأتباعهم وهم خير خلق الله عزّ وجل من أمة محمد صلى
الله عليه وسلم حتى يحصل لمتأخر عنهم بستة قرون، نسأل الله تعالى أن
يلهمنا الصواب في القول والعمل والاعتقاد، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه
إنه خير مسؤول. وانظر التعليق الذي كتبه والدي حفظه على الصفحة (422) .
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 246) و «نيل الابتهاج» ص (311) .
[2] في «آ» و «ط» : «أبو عبد الله محمد بن الشيخ شرف الدّين أبي عبد
الله بن محمد» وما أثبته من مصادر الترجمة.
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 112) و «المنهج الأحمد» الورقة (495)
و «السحب الوابلة» ص (408) .
[4] لفظة «منه» سقطت من «ط» .
(9/427)
محمد بن شرف الدّين عبد المنعم بن سليمان
بن داود [1] البغدادي الأصل ثم المصري [2] الحنبلي الإمام العالم.
ولد بالقاهرة سنة إحدى وثمانمائة، ونشأ بها، واشتغل بالعلم، وناب في
القضاء بالديار المصرية، واشتغل، ودرّس، وناظر وأفتى، ثم استقلّ بقضاء
القضاة يوم الاثنين عشري جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وثمانمائة،
فباشر على أحسن وجه، وكان عفيفا في ولايته، لا يقبل رشوى ولا هدية،
وبهذا ظهر أمره واشتهر اسمه في الآفاق. وكان مقصدا، وانتهت إليه في آخر
عمره رئاسة المذهب، بل رئاسة عصره. وكان معظّما عند الملك الظّاهر
جقمق، مسموع الكلمة عند أركان الدولة، وكانت له معرفة تامة بأمور
الدنيا، ويقوم مع غير أهل مذهبه، ويحسن إليهم، ويرتّب لهم الأموال،
ويأخذ لهم الجوائز، ويعتني بشأنهم، خصوصا أهل الحرمين الشريفين. وكان
عنده كرم ويميل إلى محبّة الفقراء، وفتح عليه بسبب ذلك.
قال البرهان بن مفلح: ولقد شاهدته- وهو في أبهته وناموسه- بمسجد الخيف
يقبّل يد شخص من الفقراء ويمرها على وجهه.
توفي يوم الخميس ثامن شهر جمادى الأولى.
وكان ولده شرف الدّين محمد [3] توفي قبله. وكان ديّنا، عفيفا، فاضلا،
له معرفة بالأمور كأبيه، وباشر نيابة الحكم عن والده، وانقطع نسله،
ودفن خارج باب النصر في تربة جدّ والده الشيخ عبد المنعم، ووجد عليه
والده والناس.
__________
[1] في «الضوء اللامع» و «السحب الوابلة» : «ابن داود بن سليمان» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 131) و «المنهج الأحمد» الورقة (495)
و «السحب الوابلة» ص (438) و «المقصد الأرشد» (2/ 514- 516) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 235) .
(9/428)
سنة ثمان وخمسين
وثمانمائة
فيها تقريبا توفي الشيخ عفيف الدّين أبو المعالي علي بن عبد المحسن بن
الدّواليبي البغدادي ثم الشّامي الحنبلي [1] الخطيب شيخ مدرسة أبي عمر.
ولد ببغداد في حادي عشري المحرم سنة تسع وسبعين وسبعمائة، وسمع بها من
شمس الدّين الكرماني «صحيح البخاري» في سنة خمس وثمانمائة، وقدم دمشق
فاستوطنها، وولي خطابة الجامع المظفّري، ومشيخة مدرسة الشيخ أبي عمر.
وكان إماما عالما، ذا سند عال في الحديث.
وتوفي بصالحية دمشق ودفن بالسّفح.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 255) و «السحب الوابلة» ص (301) .
(9/429)
سنة تسع وخمسين
وثمانمائة
فيها وقع سيل عظيم بمكّة، ودخل الحرم حتّى قارب الحجر الأسود.
وفيها توفي أمير مكة الزّين أبو زهير بركات بن البدر أبي المعالي حسن
بن عجلان بن رميثة [1] ولم يكمل ستين سنة.
وفيها صاحب حصن كيفا حسن بن عثمان بن العادل الأيوبي [2] .
وفيها عزّ الدّين عبد السلام بن أحمد بن عبد المنعم بن محمد بن أحمد
القيلوي [3]- بالقاف، ثم تحتانية ساكنة، ثم لام مفتوحة، وبعد الواو ياء
النسب، نسبة إلى قرية بأرض بغداد يقال لها قيلويه مثل نفطويه- نزيل
القاهرة الحنفي الإمام العلّامة.
قال البرهان البقاعي في «عنوان الزمان» : ولد سنة ثمانين وسبعمائة
تقريبا بالجانب الشرقي من بغداد، وقرأ به القرآن برواية عاصم، وحفظ
كتبا في الفقه، والأصول، والنحو، والمعاني، وغير ذلك. فأكثر من
المحفوظات جدا، ثم سمع «البخاري» على الشيخ محمد بن الجاردي، وأخذ عنه
فقه الحنابلة، وعن الشيخ عبد الله بن عزيز- بالزايين والتثقيل والمصغر-
وعن الشيخ محمود المعروف بكريكر- بالتصغير-، وغيرهم. وبحث في فقه
الشافعية أيضا. ثم تحنّف، وأخذ الأصول عن الشيخ أحمد الدواليبي، والنحو
عن الشيخ أحمد بن المقداد وغيره، والطب
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 13) و «النجوم الزاهرة» (16/ 178) و
«الدليل الشافي» (1/ 188) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 103) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 198) و «الدليل الشافي» (1/ 412) .
(9/430)
عن الموفق الهمذاني، والفرائض عن الشيخ عبد
القادر الواسطي، وانتفع به في غير ذلك، ثم ارتحل إلى العجم لما نجّاه
[1] الله تعالى من فتنة تمرلنك العظمى، فلازم ضياء الدّين الهروي
الحنفي، وأخذ عنه فقه الحنفية بعد أن حفظ «مجمع البحرين» [2] وقرأ على
غيره، وقرأ في عدة علوم على من لا يحصى، ثم ارتحل إلى أرزنجان [3] من
بلاد الرّوم، فأخذ التصوف عن الشيخ يار علي السيواسي، ثم دخل بلاد
الشام، وحلب، وبيت المقدس، فاجتمع بالقدوة العلّامة شهاب الدّين بن
الهايم، ثم رحل إلى القاهرة، فأخذ الحديث عن الولي العراقي، والجمال
الحنبلي الجندي، والشّمس الشّامي، وهذه الطبقة فأكثر جدا، ودرّس في
القاهرة بعدة أماكن، ولازمه الناس، وانتفعوا به جدا، وهو رجل خيّر،
زاهد مؤثر للانقطاع عن الناس والعفّة والتقنّع بزراعات يزرعها، ولم
يحصل له إنصاف من رؤساء الزّمان في أمر الدنيا، وعنده رياضة زائدة،
وصبر على إشغال الناس له [4] واحتمال جفاهم، ولم يعتن بالتصنيف.
ومن شعره:
شرابك المختوم في آنيه ... وخمر أعدائك في آنيه
فليت أيّامك لي آنيه ... قبل انقضاء العمر في آنيه
انتهى ملخصا. أي وتوفي في رمضان بالقاهرة وقد تجاوز الثمانين.
__________
[1] في «آ» : «أنجاه» .
[2] يعني «مجمع البحرين وملتقى النهرين» وهو في فروع الحنفية، لمصنّفه
الامام مظفر الدّين أحمد بن علي بن تغلب المعروف بابن الساعاتي،
المتوفى سنة (694) . انظر «كشف الظنون» (2/ 1599- 1600) و «تاج
التراجم» ص (16) .
[3] قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 150) : أرزنجان: بالفتح، ثم
السكون، وفتح الزاي، وسكون النون، وجيم وألف ونون، وأهلها يقولون:
أرزنكان، بالكاف: وهي بلدة طيبة مشهورة نزهة كثيرة الخيرات والأهل، من
بلاد إرمينية بين بلاد الروم وخلاط، قريبة من أرزن الروم، وغالب أهلها
أرمن، وفيها مسلمون وهم أعيان أهلها، وشرب الخمر والفسق بها ظاهر
وشائع، ولا أعرف أحدا نسب إليها.
قلت: وقد تحرف اسمها في «آ» إلى «أذربيجان» .
[4] لفظة «له» سقطت من «آ» .
(9/431)
وفيها معين الدّين عبد اللطيف بن أبي بكر
بن سليمان القاضي بن القاضي الحلبي الأصل المصري المولد والمنشأ [1]
الشافعي.
قال في «المنهل الصّافي» : ولد بالقاهرة سنة اثنتي عشرة وثمانمائة
تخمينا، ونشأ بها تحت كنف والده، وحفظ القرآن العزيز، وصلّى بالناس في
سنة أربع وعشرين، وحفظ عدة مختصرات، وتفقه على الشّرف السّبكي. وقرأ
المعقول على التّقي الشّمنّي، وعلى الشّمس الرّومي، وكتب الخط المنسوب،
وتدرّب بوالده وغيره، وكتب في التوقيع بديوان الإنشاء بالديار المصرية.
ثم ولي كتابة سرّ حلب بعد عزل والده في آخر الدولة الأشرفية، فباشرها
على أحسن وجه، وحظي عند نائبها ثم عزل، وعاد إلى توقيع دست القاهرة،
واستمرّ على ذلك إلى أن توفي والده سنة أربع وأربعين وثمانمائة،
فاستقرّ مكانه في كتابة السرّ بمصر.
وفيها شمس الدّين محمد بن حسن بن علي بن عثمان النّواجي [2] الشافعي
المصري [3] الإمام العلّامة الأديب.
قال في «عنوان الزمان» : ولد بالقاهرة بعد سنة خمس وثمانين وسبعمائة
تقريبا، وقرأ بها القرآن، وتلا بعض السبع على الشيخ أمير حاج، والشّمس
الزراتيتي [4] ، وعلى شيخنا الشّمس الجزري، وحفظ «العمدة» و «التنبيه»
و «الشاطبية» و «الألفية» وعرض بعضها على الشيخ زين الدّين العراقي،
وذكر أنه أجاز له [هو] وغيره، ثم أقبل على التفهم، فأخذ الفقه عن الشمس
البرماوي، والبرهان البيجوري، وغيرهما. والنحو وغيره من المعقول عن
الشيخ عزّ الدّين بن جماعة، والشّمس البساطي، والشمس بن هشام العجيمي،
وحجّ مرتين، ودخل دمياط، وإسكندرية، وتردّد إلى المحلّة، وأمعن النّظر
في علوم الأدب، وأنعم حتى
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 325) و «النجوم الزاهرة» (16/ 206)
ووفاته فيهما سنة (863) .
[2] قال السخاوي: النواجي: نسبة لنواج بالغربية بالقرب من المحلّة.
وانظر «التحفة السنّية» ص (99) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 229- 232) و «الدليل الشافي» (2/
615) .
[4] تصفحت في «ط» إلى «الزراتيني» .
(9/432)
فاق أهل العصر، فما رام بديع معنى إلّا
أطاعه، وأنعم وأطال الاعتناء بالأدب، فحوى فيه قصب السّبق إلى أعلى
الرّتب.
ومن مصنّفاته «حاشية على التوضيح» في مجلدة، وبعض حاشية على
«الجاربردي» وكتاب «تأهيل الغريب» يشتمل على قصائد مطوّلات كلّها غزل،
و «الشّفا في بديع الاكتفاء» و «خلع العذار في وصف العذار» و «صحائف
الحسنات» و «روضة المجالسة [1] [2] في بديع المجانسة [2] » و «مراتع
الغزلان في وصف الحسان من الغلمان» و «حلبة [3] الكميت في وصف الخمر» .
وكان سمّاه أولا «الحبور والسّرور في وصف الخمور» فحصلت له بسببه محنة
عظيمة واستفتى عليه فغيّر تسميته.
ومن شعره ما ذكره في «الشّفا» :
بعد صباح الوجه عيشي مضى ... فيا رعى الله زمان الصّباح
وبتّ أرعى النّجم لكنّني ... أهفو إذا هبّ نسيم الصّباح
ومنه:
عسى شربة من ماء ريقك تنطفي [4] ... بها كبدي الحرّي وتبرى من الظّما
فحتّام لا أحظى بها وإلى متى ... أقضي زماني في عسى ولعلّ ما
ومنه:
لقد تزايد همّي مذ نأى فرج ... عنّي وصدري أضحى ضيّقا حرجا
ورحت أشكو الأسى والحال ينشدني ... يا مشتكي الهمّ دعه وانتظر فرجا
ثم ذكر له أشياء حسنة وأخرى بضدها، وأظهر تحاملا عليه، فلذلك لم أذكر
شيئا من ذلك، فرحمهما الله تعالى.
__________
[1] في «آ» : «روضة المجانسة» وفي «ط» : «وروضة المجالس» والتصحيح من
«كشف الظنون» (1/ 932) و «الضوء اللامع» (7/ 230) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] في «ط» : «حلية» وهو تصحيف، وانظر «كشف الظنون» (1/ 687) و «الضوء
اللامع» (7/ 230) .
[4] في «آ» : «ينطفي» .
(9/433)
سنة ستين وثمانمائة
فيها توفي المولى سيد علي العجمي [1] الحنفي.
قال في «الشقائق» : حصّل العلوم في بلاده، ويقال: إنه قرأ على السيد
الشريف، ثم أتى بلاد الرّوم، فأتى بلدة قسطموني وواليها إذ ذاك إسماعيل
بك، فأكرمه غاية الإكرام، ثم أتى إلى مدينة أدرنة، فأعطاه السلطان مراد
خان مدرسة جدّه السلطان بايزيد خان بمدينة بروسا، وعاش إلى زمن السلطان
محمد [خان] ، واجتمع عنده مع علماء زمانه، وباحث [2] معهم، وظهر فضله
بينهم، وله من التصانيف «حواش على حاشية شرح الشمسية» للسيد الشريف، و
«حواش على حاشية شرح المطالع» للسيد الشريف أيضا و «حواش على شرح
المواقف» للسيد الشريف.
وكان له خط حسن [3] . انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن نصير الدمشقي ثم القاهري [4]
.
كان ممن تعانى الأدب، ومهر في عمل المواليا وغيره، وصار قيّما.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (62) وما بين الحاصرتين في
الترجمة مستدرك منه.
[2] كذا في «آ» و «الشقائق النعمانية» : «وباحث» وفي «ط» : «وبحث» .
[3] زاد صاحب «الشقائق» ما نصه: «يحكي والدي أنه رأى بخطه «الكشّاف»
وكان ذلك الكتاب من أغلى نسخ «الكشاف» لحسن خطه وصحته» .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 211) .
(9/434)
وفيها منصور بن الحسين بن علي الكازروني
الشّافعي [1] الإمام العلّامة.
كان إماما، عالما، مصنّفا، مفيدا، صحيح العقيدة، صنّف «حجة السّفرة
البررة على المبتدعة الفجرة الكفرة» .
وتوفي بمكة المشرّفة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 170) .
(9/435)
|