شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وسبعين
وثمانمائة
في حدودها توفي أحمد بن عروس المغربي التونسي [1] .
قال المناوي في «طبقات الأولياء» : كان من أكابر الأولياء من أهل الجذب
بتونس، له كرامات ظاهرة، وأحوال باهرة، منها أنه كانت الطيور الوحشية
تنزل عليه وتأكل من يده. ومنها أنه كان عنده جمع وافر من الفقراء، فكان
يمدّ يديه في الهواء ويحضر لهم ما يكفيهم من القوت. وكان مهابا جدّا،
لا يقدر على لقائه كل أحد، يقشعر البدن لرؤيته.
وكان جالسا على سطح فندق بتونس ليلا ونهارا، ولم يزل كذلك حتى مات.
وفيها شهاب الدّين أحمد البيت لبدي الحنبلي [2] الإمام العلّامة.
وفيها القاضي وجيه الدّين أسعد بن علي بن محمد بن المنجّى التّنوخي
الحنبلي [3] .
قال العليمي: كان من أهل الفضل ورواة الحديث الشريف، وهو من بيت مشهور
بالعلماء، وتقدم ذكر أسلافه.
باشر نيابة الحكم بدمشق عن بني مفلح وكانت سيرته حسنة. انتهى.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 259) .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (500) وفيه: «البيت ليدي»
بالياء.
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 279) و «المنهج الأحمد» الورقة (500)
و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 120) من المنسوخ.
(9/462)
وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن
أحمد الخجندي المدني الحنفي [1] الإمام العالم.
توفي في صفر ولم يكمل الثلاثين.
وفيه قاضي القضاة شرف الدّين أبو زكريا يحيى بن محمد بن محمد بن محمد
بن أحمد بن مخلوف بن عبد السلام المناوي المصري الشافعي [2] جدّ الشيخ
عبد الرؤوف المناوي شارح «الجامع الصغير» وذكره في «طبقاته» وأثنى عليه
بما لا مزيد عليه.
وقال السيوطي في «حسن المحاضرة» : هو شيخنا، شيخ الإسلام، ولد سنة ثمان
وتسعين وسبعمائة، ولازم الشيخ ولي الدّين العراقي، وتخرّج به في الفقه
والأصول، وسمع الحديث عليه، وعلى الشّرف بن الكويك، وتصدّر للإقراء
والإفتاء، وتخرّج به الأعيان، وولي تدريس الشافعي، وقضاء الدّيار
المصرية.
وله تصانيف، منها: «شرح مختصر المزني» .
وتوفي ليلة الاثنين ثاني جمادى الآخرة، وهو آخر علماء الشافعية
ومحقّقيهم، وقد رثيته بقولي:
قلت لمّا مات شيخ العصر حقّا باتّفاق ... حين صار الأمر ما بين جهول
وفسّاق
أيّها الدّنيا لك الويل إلى يوم التّلاق
انتهى.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 277) و «التحفة اللطيفة» (2/ 246) .
[2] ترجمته في «الدليل الشافي» (2/ 780) و «الضوء اللامع» (10/ 254) و
«حسن المحاضرة» (1/ 445) و «ذيل رفع الإصر» ص (440) و «النجوم الزاهرة»
(16/ 353) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 117- 118) من المنسوخ.
(9/463)
سنة اثنتين وسبعين
وثمانمائة
قال في «ذيل الدول» [1] : في أواخر ربيعها الأول أمطرت السماء وقت
العصر حصى أبيض زنة الحصاة ما بين رطل وأكثر وأقل، مع برق ورعد وظلمة،
ثم وقع في عصر الذي يليه مطر على العادة، انتهى.
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد [2] بن عبد الرحمن [2] بن محمد بن خالد بن
زهرا الحمصي الحنبلي [3] الإمام العالم.
قرأ «المقنع» على عمّه القاضي شمس الدّين، و «ألفية ابن مالك» وبحثها
عليه، وقرأ الأصول على الشيخ بدر الدّين العصياتي.
وتوفي بحمص.
وفيها تقي الدّين أبو العبّاس أحمد بن العلّامة كمال الدّين محمد بن
محمد بن علي بن يحيى بن محمد بن خلف الله الشّمنّي [4]- بضم المعجمة
والميم، وتشديد النون- القسنطيني [5] الحنفي هو، المالكي والده وجدّه.
قال
__________
[1] ذكر السخاوي هذا الخبر في «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 122)
من المنسوخ.
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» و «السحب الوابلة» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 178) و «المنهج الأحمد» الورقة (500)
و «السحب الوابلة» ص (95) .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 174) و «بغية الوعاة» وما بين
الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه (1/ 375- 381) و «البدر الطالع» (2/
174) و «الأعلام» (1/ 230) .
[5] في «آ» و «ط» : «القسطنطيني» والتصحيح من مصادر الترجمة.
(9/464)
السيوطي في «بغية الوعاة» : هو شيخنا
الإمام العلّامة المفسّر المحدّث الأصولي المتكلّم النّحوي البياني،
إمام النّحاة في زمانه، وشيخ العلماء في أوانه. شهد بنشر علومه العاكف
والبادي، وارتوى من بحار علومه [1] الظمآن والصّادي.
وأما التفسير، فهو بحر [2] المحيط كشّاف دقائقه بلفظه الوجيز الفائق
على الوسيط والبسيط.
وأما الحديث، فالرحلة في الرواية والدّراية إليه، والمعوّل في حلّ
مشكلاته وفتح مقفلاته عليه.
وأما الفقه، فلو رآه النّعمان لأنعم به عينا، أو رام أحد مناظرته
لأنشد:
وألفى قولها كذبا ومينا
[3] وأما الكلام، فلو رآه الأشعريّ لقرّبه وقرّ به، وعلم، أنه نصير
الدّين ببراهينه وحججه المهذّبة المرتّبة.
وأما الأصول: فالبرهان لا يقوم عنده بحجّة، وصاحب المنهاج لا يهتدي معه
إلى محجّة.
وأما النحو: فلو أدركه الخليل لاتّخذه خليلا، أو يونس لآنس به وشفى منه
غليلا.
وأما المعاني: فالمصباح لا يظهر له نور عند هذا الصباح، وما [ذا] يفعل
المفتاح، مع من ألقت إليه المقاليد أبطال الكفاح؟
إلى غير ذلك من علوم معدودة، وفضائل مأثورة مشهودة:
__________
[1] في «بغية الوعاة» : «من بحار فهومه» .
[2] في «آ» و «ط» : «فبحره» وما أثبته من «بغية الوعاة» مصدر المؤلّف
وهو أصح.
[3] قال الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم رحمه الله في تعليقه على «بغية
الوعاة» : عجز بيت لعدي بن زيد، وهو من شواهد «الإيضاح» للقزويني ص
(178) وصدره:
وقدّدت الأديم لراهشيه..............
(9/465)
هو البحر لا بل دون ما علمه البحر ... هو
البدر [لا] بل ما دون طلعته البدر
هو النّجم لا بل دونه النّجم رتبة ... هو الدّرّ لا بل دون منطقه
الدّرّ
هو العالم المشهور في العصر والذي ... به بين أرباب النّهى افتخر العصر
هو الكامل الأوصاف في العلم والتّقى ... فطاب به في كلّ ما قطر الذّكر
محاسنه جلّت عن الحصر وازدهى ... بأوصافه نظم القصائد والنّثر
ولد بإسكندرية في رمضان سنة إحدى وثمانمائة، وقدم القاهرة مع والده،
وكان من علماء المالكية، فتلا على الزراتيتي، وأخذ عن الشمس
الشّطّنوفي، ولازم القاضي شمس الدّين البساطي وانتفع به في الأصلين،
والمعاني، والبيان، وأخذ عن الشيخ يحيى السّيرامي وبه تفقه، وعن العلاء
البخاري، وأخذ الحديث عن الشيخ ولي الدّين العراقي، وبرع في الفنون،
واعتنى به والده في صغره، وأسمعه الكثير من التّقي الزّبيري، والجمال
الحنبلي، والشيخ ولي الدّين وغيرهم.
وأجاز له السّراج البلقيني، والزين العراقي، والجمال ابن ظهيرة،
والهيثمي، والكمال الدّميري، والحلاوي، والجوهري، والمراغي، وآخرون.
وخرّج له صاحبنا الشيخ شمس الدّين السّخاوي «مشيخة» وحدّث بها وبغيرها،
وخرّجت له «جزءا» فيه الحديث المسلسل بالنّحاة وحدّث به.
وهو إمام، علّامة، مفنّن، منقطع القرين، سريع الإدراك. قرأ التفسير،
والحديث، والفقه، والعربية، والمعاني، والبيان، والأصلين، وغيرها،
وانتفع به الجمّ الغفير، وتزاحموا عليه، وافتخروا بالأخذ عنه، مع
العفّة، والخير، والتواضع، والشهامة، وحسن الشكل، والأبّهة والانجماع
عن بني الدّنيا.
وأقام بالجمالية مدة. ثم ولي المشيخة والخطابة بتربة قايتباي الجركسي
بقرب الجبل، وطلب لقضاء الحنفية بالقاهرة سنة ثمان وستين فامتنع، وصنّف
«شرح المغني» لابن هشام، و «حاشية على الشفا» و «شرح مختصر الوقاية» في
الفقه و «شرح نظم النّخبة» في الحديث لوالده [1] . وله النّظم الحسن.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ولوالديه» وما أثبته من «بغية الوعاة» مصدر
المؤلف.
(9/466)
ولم يزل الشيخ يودّني، ويحبّني، ويعظّمني
[1] ، ويثني عليّ كثيرا.
وتوفي- رحمه الله تعالى- قرب العشاء ليلة الأحد سابع عشري ذي الحجّة.
انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن صالح بن عمر المرعشلي الحلبي [2]
الإمام العالم العلّامة.
توفي في ذي الحجّة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن أسد بن عبد الواحد الأميوطي الشافعي [3]
الإمام العالم.
توفي في ذي الحجّة أيضا بين الحرمين. قاله في «ذيل الدول» .
وفيها الملك جهان شاه بن قرا يوسف بن قرا محمد التركماني [4] صاحب
العراقين.
وفيها السلطان الملك الظّاهر سيف الدّين أبو سعيد خشقدم الناصري [5] .
قال في «الأعلام» : ولي السلطنة يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر
رمضان سنة خمس وستين وثمانمائة، وهو روميّ جلبه الخواجا ناصر الدّين
وبه عرف، واشتراه المؤيد شيخ وأعتقه، وصار خاصكيا عنده، وتقلّب في
الدولة إلى أن جعله الأشرف إينال أتابكا لولده، فخلعه وتسلطن مكانه،
وكان محبا للخير وكسا الكعبة الشريفة في أول ولايته على العادة، ولكن
كانت كسوة الجانب الشرقي
__________
[1] في «آ» : «ويعظني» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 254) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 227) و «الذيل التام على دول
الإسلام» (2/ 124) من المنسوخ.
و «نظم العقيان» ص (36) .
[4] ترجمته في «الدليل الشافي» (1/ 252) و «النجوم الزاهرة» (16/ 384)
و «الضوء اللامع» (3/ 80) .
[5] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (16/ 253) و «الدليل الشافي» (2/ 286)
و «الضوء اللامع» (3/ 176) .
(9/467)
والجانب الشامي بيضاء بجامات سود، وفي
الجامات التي بالجانب الشرقي بعض ذهب، وأرسل في سنة ست وستين منبرا.
وكانت مدة سلطنته ست سنين ونصفا تقريبا. ومرض فطال مرضه.
وتوفي يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول.
وتسلطن في ذلك اليوم الملك الظّاهر أبو النصر بلباي المؤيدي وهو الرابع
عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم، وكان ضعيفا عن تدبير الملك وتنفيذ
الأمور، فخلعه الأمراء من السلطنة في يوم السبت لسبع مضين من جمادى
الأولى، فكانت مدة سلطنته شهرين إلّا أربعة أيام.
وتسلطن بعد خلعه عوضا عنه الملك الظّاهر أبو سعيد تمربغا الظّاهري وهو
الخامس عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم بمصر، وكان له فضل وصلاح وتودّد
للناس وحذق ببعض الصنائع، بحيث صار يعمل القسي الفائقة بيده، ويعمل
السّهام عملا فائقا، ويرمي بها أحسن رمي، مع الفروسية التّامة، ومع ذلك
ما صفا له دهره يوما. ورماه عن كبد قوسه أبعد مرمى، وما زال به الأمر
إلى أن خلعوه ونفوه إلى الإسكندرية.
وولي السلطنة الملك الأشرف قايتباي المحمودي في ظهر يوم الاثنين.
سادس رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وهو السادس عشر من ملوك
الجراكسة وأولادهم بمصر. انتهى أي وكانت سلطنة الظّاهر تمربغا شهرين
إلا يوما واحدا.
وفيها عبد الأول بن محمد بن إبراهيم بن أحمد المرشدي المكّي الحنفي [1]
الإمام العالم.
توفي في ربيع الأول عن أربع وخمسين سنة.
وفيها نور الدين علي بن نرد بك [2] الفخري [3] الحنفي الإمام الفاضل
أحد الأفراد.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 21) .
[2] في «الضوء اللامع» : «ابن برد بك» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 196- 170) .
(9/468)
توفي في رمضان عن ثلاث وثلاثين سنة.
وفيها القاضي محب الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن الجناق القرشي
الحنبلي [1] الإمام العلّامة.
اشتغل ودأب، وقرأ على الشيخ تقي الدّين بن قندس، ثم على الشيخ علاء
الدّين المرداوي، وأذن له في الإفتاء، وولي نيابة الحكم بالدّيار
المصرية، فباشره بعفّة. وكان يلقي الدروس الحافلة، ويشتغل عليه الطلبة،
ولما استخلفه القاضي عزّ الدّين في سنة ست وستين وثمانمائة أنشد لنفسه:
إلهي ظلمت النّفس إذ صرت قاضيا ... وأبدلتها بالضّيق من سعة الفضا
وحمّلتها ما لا تكاد تطيقه ... فأسألك التّوفيق واللّطّف في القضا
وفيها قاضي القضاة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد
العمري العليمي- نسبة إلى سيدنا علي بن عليل المشهور عند الناس بعلي بن
عليم، والصحيح أنه عليل باللام وهو من ذريّة عمر بن الخطاب رضي الله
عنه- الحنبلي المقدسي [2] .
قال ولده في «طبقات الحنابلة» : ولد في سنة سبع وثمانمائة بالرّملة،
ونشأ بها، ثم توجه إلى مدينة صفد، فأقام بها، وقرأ القرآن وحفظه برواية
عاصم، وأتقنها، وأجيز بها من مشايخ القراءة، ثم عاد إلى مدينة الرّملة،
واشتغل بالعلم على مذهب الإمام أحمد، وحفظ «الخرقي» [3] وكل أسلافه
شافعية لم يكن فيهم حنبلي سواه، وهو من بيت كبير. ثم اجتهد في تحصيل
العلم، وسافر إلى الشام، ومصر، وبيت المقدس. وأخذ عن علماء المذهب
وأئمة الحديث، وفضل في فنون من العلم، وتفقّه بالشيخ يوسف المرداوي،
وبرع في المذهب، وأفتى،
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 72) و «المنهج الأحمد» الورقة (500)
و «السحب الوابلة» ص (350) .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (500) و «السحب الوابلة» ص (384)
.
[3] يعني «مختصر الخرقي» .
(9/469)
وناظر، وأخذ الحديث عن جماعة من أعيان
العلماء، وقرأ «البخاري» مرارا و «الشفا» كذلك، وكتب بخطه الكثير، وكان
بارعا في العربية، خطيبا، بليغا.
وصنّف في الخطب، وولي قضاء الرّملة استقلالا، ولم يعلم أن حنبليا قبله
[1] وليها، ثم ولي قضاء القدس مدة طويلة، ثم أضيف إليه قضاء بلد الخليل
عليه السلام، ثم ولي قضاء الرّملة تسعة وخمسين يوما إلى أن دخل الوباء،
فتوفي بالطّاعون يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة. انتهى ملخصا.
__________
[1] لفظة «قبله» سقطت من «آ» .
(9/470)
سنة ثلاث وسبعين
وثمانمائة
فيها توفي جمال الدّين محمد بن أبي بكر النّاشري الصّامت [1] .
قال المناوي في «طبقاته» : برع في الفقه، وشارك في عدة فنون، ثم أقبل
على التعبّد والتزهّد، وترك الرئاسة، وحبّ الخمول والعزلة واستقل
بخويصة نفسه حتى مات ولم يخلف بعده مثله. انتهى [2] .
__________
[1] لعله المترجم في «الضوء اللامع» (7/ 187) رقم (441) مع العلم بأن
السخاوي قال في ترجمته:
مات بعد الثمانمائة.
[2] قلت: وفيها مات العلّامة المحقّق محمد بن إبراهيم الشّرواني، أحد
أفراد الدهر في علوم المعقولات. كان حسن العشرة، مع المودّة البالغة،
والمحاسن الجنّة.
مات في مستهل شهر صفر.
انظر ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 48) و «نظم العقيان» ص (135) .
(9/471)
سنة أربع وسبعين
وثمانمائة
فيها توفي جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن الأمير الكبير سيف الدّين
تغري بردي [1] الحنفي [2] الإمام العلّامة.
ولد بالقاهرة سنة اثنتي عشرة [3] وثمانمائة، وربّاه زوج أخته قاضي
القضاة ناصر الدّين بن العديم الحنفي إلى أن مات، فتزوج بأخته جلال
الدّين البلقيني الشافعي، فتولى تربيته، وحفظ القرآن العزيز، ولما كبر
اشتغل بفقه الحنفية، وحفظ «القدوري» وتفقه بشمس الدّين محمد الرّومي،
وبالعيني وغيرهما، وأخذ النحو عن التّقي الشّمنّي ولازمه كثيرا، وتفقه
به أيضا، وأخذ التصريف عن الشيخ علاء الدّين الرّومي وغيره، وقرأ
«المقامات الحريرية» على قوام الدّين الحنفي، وأخذ عنه العربية أيضا،
وقطعة جيدة من علم الهيئة، وأخذ البديع والأدبيات عن الشّهاب بن عربشاه
الحنفي وغيره، وحضر على ابن حجر العسقلاني، وانتفع به، وأخذ عن أبي
السّعادات ابن ظهيرة، وابن العليف، وغيرهما، ثم حبّب إليه علم التاريخ،
فلازم مؤرخي عصره، مثل العيني، والمقريزي، واجتهد في ذلك إلى
__________
[1] قال الأستاذ العلّامة خير الدّين الزركلي رحمه الله في تعليقه على
ترجمة المترجم من «الأعلام» (8/ 222) تغري بردي: تترية، بمعنى «عطاء
الله» أو «الله أعطى» كان يكتبها الأتراك «تكري ويردي» ويلفظون الكاف
نونا، والواو أقرب إلى ال بحركة بين الفتح والكسر.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 305) و «الذيل التام على دول
الإسلام» (2/ 143) و «البدر الطالع» (2/ 351) و «دائرة المعارف
الإسلامية» (1/ 396) و «بدائع الزهور» (3/ 45) و «إنباء الهصر» ص (175)
و «الأعلام» (8/ 222- 223) .
[3] في معظم المصادر: «ولد سنة ثلاث عشرة» .
(9/472)
الغاية، وساعدته جودة ذهنه وحسن تصوره،
وصحة فهمه، ومهر، وكتب، وحصّل، وصنّف، وانتهت إليه رئاسة هذا الشأن في
عصره، وسمع شيئا كثيرا من كتب الحديث، وأجازه جماعات لا تحصى مثل ابن
حجر، والمقريزي، والعيني.
ومن مصنفاته كتاب «المنهل الصّافي [1] والمستوفي بعد الوافي» في ستة
مجلدات [2] ، ومختصره المسمى ب- «الذيل [3] الشّافي على المنهل الصّافي
[1] ومختصر سمّاه «مورد اللطافة في ذكر من ولي السلطنة والخلافة» [4] و
«النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة» [5] وذيل على «الإشارة» للحافظ
الذهبي سماه ب «البشارة في تكملة الإشارة» [6] وكتاب «حلية الصفات في
الأسماء والصناعات» مرتبا على الحروف، وغير ذلك.
ومن شعره:
تجارة الحبّ غدت ... في حبّ خود كاسده
ورأس مالي هبة ... لفرحتي بفائدة
ومنه مواليا في عدة ملوك التّرك:
أيبك قطن يعقبو بيبرس ذو الإكمال ... بعدو قلاوون بعدو كتبغا المفضال
لاجين بيبرس برقوق شيخ ذو الإفضال ... ططر برسباي جقمق ذو العلا إينال
وتوفي في ذي الحجّة.
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] بدئ نشره في مصر منذ سنوات عديدة، وقد صدر منه ست مجلدات كبار حتى
الآن، وهي محققة تحقيقا جيدا.
[3] كذا قال، والمعروف في اسمه «الدليل ... » وهو مطبوع في مجلدين
بجامعة أم القرى في مكة المكرمة بتحقيق الأستاذ المحقق فهيم محمد
شلتوت، وهي طبعة متقنة محررة مفهرسة.
[4] طبع قديما جدا في كمبردج سنة (1207) هـ- ومنه نسخ خطية كثيرة في
بلدان مختلفة.
[5] وقد طبع في مصر منذ سنوات عديدة وقام بتحقيقه عدد كبير من الأساتذة
المحققين.
[6] وهو جدير بالنشر إن توفرت نسخه الخطية.
(9/473)
وفيها زين الدّين عمر بن محمد بن أحمد بن
عجيمة الحنبلي [1] الإمام العالم الفقيه الصالح.
توفي بمردا في هذه السنة، رحمه الله.
وفي حدودها زين الدّين عبد الرحمن بن إبراهيم بن الحبّال الحنبلي
الطرابلسي [2] .
قال العليمي في «طبقاته» : سكن بصالحية دمشق مدة يقرئ بها القرآن
والعلم، وكان يباشر نيابة الحكم عن قاضي القضاة شهاب الدّين بن
الحبّال، ثم تركها، وأقبل على الاشتغال بالعلم، وأخبرت أنه كان يأكل في
كل سنة مشمشة واحدة، ومن الخوخ سبعة، ولا يأكل طعاما بملح. انتهى.
وفي حدودها أيضا شمس الدّين محمد بن محمد اللؤلؤي الحنبلي [3] .
ولد سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وكان من الصالحين، وله سند عال في
الحديث الشريف. قاله العليمي أيضا.
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (504) و «السحب الوابلة» ص (323)
.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 43) و «المنهج الأحمد» الورقة (504)
و «السحب الوابلة» ص (194) .
[3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (504) و «السحب الوابلة» ص (451)
.
(9/474)
سنة خمس وسبعين
وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أبو الطّيب أحمد بن محمد بن علي بن حسن بن
إبراهيم الأنصاري الخزرجي القاهري الشافعي، المعروف بالشهاب الحجازي
[1] الشاعر المفلق.
ولد في شعبان سنة تسعين وسبعمائة، وسمع على المجد الحنفي، والبرهان
الأبناسي، وأجاز له العراقي، والهيثمي، وعني بالأدب كثيرا، حتى صار
أوحد أهل زمانه، وصنّف كتاب أديبة، منها «روض الآداب» و «القواعد» و
«المقامات» و «التذكرة» وغير ذلك. ونظم، ونثر، وطارح، وكتب الخط الحسن،
وتميّز في فنون، لكنه هجر ما عدا الأدب منها، وأثنى عليه الأكابر، مع
المداومة على التّلاوة والكتابة وحسن العشرة، والمجالسة، وحلو الكلام،
وطرح التكلّف، والمحاسن الوافرة.
وتوفي في شهر رمضان [2] .
وفيها المولى علاء الدّين علي بن محمود بن محمد بن مسعود بن محمود بن
محمد بن محمد بن محمد بن عمر الشّاهرودي [3]- نسبة إلى قرية قريبة من
بسطام- البساطمي- وبسطام بلدة من بلاد خراسان- الهروي الرّازي
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 147) و «حسن المحاضرة» (1/ 573) و
«ذيل معجم الشيوخ» لابن فهد ص (345) و «الذيل التام على دول الإسلام»
(2/ 148) .
[2] ومن نظمه ما أورده في «الضوء اللامع» و «الذيل التام» :
قالوا إذا لم يخلّف ميّت ذكرا ... ينسى، فقلت لهم في بعض أشعاري:
بعد الممات أصيحابي ستذكرني ... بما أخلّف من أولاد أفكاري
[3] تحرفت في «ط» إلى «الشاهرودي» .
(9/475)
العمري البكري الحنفي [1] الشهير بمصنّفك،
لقّب بذلك لاشتغاله بالتصنيف في حداثة سنّة، والكاف للتصغير في لغة
العجم، وهو من أولاد الإمام فخر الدّين الرّازي، فإن صاحب الترجمة قال
في بعض تصانيفه: كان للإمام الرازي ولد اسمه محمد، وكان الإمام يحبّه
كثيرا. وأكثر مصنفاته صنّفه لأجله، وقد ذكر اسمه في بعضها. ومات محمد
في عنفوان شبابه، وولد له ولد بعد وفاته وسمّوه أيضا محمدا. وبلغ رتبة
أبيه في العلم ثم مات، وخلّف ولدا اسمه محمود، وبلغ أيضا رتبة الكمال،
ثم عزم على سفر الحجاز، فخرج من هراة، فلما وصل بسطام أكرمه أهلها
لمحبّتهم للعلماء، سيما أولاد فخر الدّين الرازي، فأقام هناك بحرمة
وافرة، وخلّف ولدا اسمه مسعود، وسعى في تحصيل العلم، لكنه لم يبلغ رتبة
آبائه، وقنع برتبة الوعظ، لأنه لم يهاجر، وخلّف ولدا اسمه محمد أيضا
[2] ، فحصّل من العلوم ما يقتدي به أهل تلك البلاد، ثم خلّف ولدا اسمه
مجد الدّين محمود، فصار هو أيضا مقتدى الناس في العلم، وهو والدي.
انتهى.
وولد مصنّفك في سنة ثلاث وثمانمائة، وسافر مع أخيه إلى هراة لتحصيل
العلوم في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، وقرأ على المولى جلال الدّين يوسف
الأوبهي تلميذ التفتازاني، وعلى قطب الدّين الهروي، وقرأ فقه الشافعي
على الإمام عبد العزيز الأبهري، وفقه الحنفية على الإمام فصيح الدّين
بن محمد. ولما أتى بلاد الرّوم صار مدرسا بقونية، ثم عرض له الصّمم،
فأتى قسطنطينية، فعيّن له السلطان محمد كل يوم ثمانين درهما، وروي عنه
أنه قال: لقيت بعض المشايخ من بلاد العجم وجرى بيننا مباحثه، وأغلظت
القول في أثنائها، ولما انقطع البحث قال لي: أسأت الأدب عندي وإنك
تجازي بالصّمم، وبأن لا يبقى بعدك عقب.
وكان إماما، عالما، علّامة، صوفيا. أجيز له بالإرشاد من بعض خلفاء زين
الدّين الخوافي، وكان جامعا بين رئاستي العلم والعمل، ذا شيبة عظيمة
نيّرة.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (100- 102) و «البدر الطالع» (1/
497) و «الفتح المبين» (3/ 45- 46) .
[2] لفظة «أيضا» سقطت من «ط» .
(9/476)
وكان يلبس عباء وعلى رأسه تاج، وحضر هو
وحسن جلبي الفناري عند محمود باشا الوزير، فذكر حسن جلبي تصانيف المولى
مصنّفك، وقال: قد رددت عليه في كثير من المواضع، ومع ذلك فقد فضّلته
عليّ في المنصب. وكان حسن جلبي لم ير مصنّفك قبل، فقال له الوزير: هل
تعرف مصنّفك؟ قال: لا. فقال: هذا هو- وأشار إليه- فخجل حسن جلبي، فقال
له الوزير: لا تخجل فإن به [1] صمما لا يسمع أصلا.
وكان سريع الكتابة، يكتب لك يوم كرّاسا من تصنيفه. وكان يقرّر للطلبة
بالكتابة.
ومن تصانيفه «شرح الإرشاد» و «شرح المصباح» في النحو، و «شرح آداب
البحث» و «شرح اللباب» و «شرح المطول» و «شرح المفتاح» للتفتازاني، و
«حاشية على التلويح» و «شرح البزدوي» و «شرح القصيدة الروحية» لابن
سينا، و «شرح الوقاية» و «شرح الهداية» و «حدائق الإيمان لأهل العرفان»
و «شرح المصابيح» للبغوي، و «شرح شرح المفتاح» للسيد، و «حاشية على
حاشية شرح المطالع» وشرح بعضا من أصول فخر الإسلام البزدوي، و «شرح
الكشّاف» وصنّف باللّسان الفارسي «أنوار الأحداق» و «حدائق الإيمان» و
«تحفة السلاطين» و «التحفة المحمودية» و «التفسير الفارسي» أجاد في
ترتيبه واعتذر عن تأليفه بهذا اللّسان أنه أمره بذلك السلطان محمد خان
والمأمور معذور. وله أيضا «شرح الشمسية» باللسان الفارسي، و «حاشية على
شرح الوقاية» لصدر الشريعة، و «حاشية على شرح العقائد» وغير ذلك.
وتوفي- رحمه الله تعالى- بالقسطنطينية، ودفن قرب مزار أبي أيوب
الأنصاري.
وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن محمد بن الإمام النابلسي الحنبلي [2]
.
__________
[1] في «الشقائق» : «فإن له» .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (504) و «السحب الوابلة» ص (451)
.
(9/477)
ولي قضاء نابلس [1] وباشر قضاء الرّملة،
وكان إماما، عالما.
وتوفي بنابلس [1] في جمادى الآخرة.
وتوفي ولده عبد المؤمن [2] قبله في سنة سبعين.
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ذكر العليمي خبر وفاته عقب ترجمة أبيه في «المنهج الأحمد» الورقة
(504) .
(9/478)
|